رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثامن والعشرون 28 بقلم اسراء علي


 رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الثامن والعشرون


إنها وفقط الحياة… 

إتسعت عيني لُبنى في تعبير مُنذهل عن دهشتها لوجود جاسر الصياد أمام باب شقتها الصغيرة يطلب رؤية يزن!!.. أحكمت غلق شفتيها حتى أصبحت في خط عريض قاسي ثم أردفت بعدها بـ جمود يوزاي جموده 

-أظن الوقت متأخر لدخولك بيت واحدة ست… 

لم يرد عليها جاسر يكتفي فقط بـ ملامح وجهه القاتلة بلا رحمة.. ولكنها لم تُؤثر بـ لُبنى.. حسنًا قليلًا فقط وهي تُحدق به بـ ثبات مُهتز.. قبل أن يأتي صوت يزن من خلفها 

-مين!... 

إستدارت لُبنى تُحاول منه يزن من رؤية جاسر الصياد ولكن الآوات قد فات حينما دفع الباب بـ يدهِ ليظهر هو بـ هيئتهِ المُرعبة.. ليُصاب يزن بـ الصدمة أول الشئ سُرعان ما تحول لإبتسامة هادئة قبل أن يردف

-إتفضل يا جاسر باشا
-تمتمت لُبنى بـ تحذير:يزن!!!... 

أشار يزن بـ رأسهِ علامة تدل على أنها لا يجب أن تقلق لتتنهد بـ عدم رضا ولكنها إبتعدت تسمح لجاسر بـ الدلوف ثم إقتربت من ابن شقيقها هامسة وهي تنظر إلى جاسر الذي جلس بـ أريحية

-مش مرتاحة للراجل دا… 

قَبّل يزن جبينها ثم همس وهو يدفعها إلى غُرفتها

-خُشي نامي أنتِ وملكيش دعوة بـ حاجة.. متخافيش عليا جاسر الصياد مش هيأذيني… 

ألقته بـ نظرة أخيرة مُحملة بـ الكثير و الكثير من عدم الرضا إلا أنها لا تملك سوى أن تُحرك رأسها بـ موافقة ثم غادرت إلى غُرفتها دون حديث

بينما يزن أخذ نفسًا عميق لقد كان مُتيقنًا أن تلك المواجهة ستأتي لا محالة.. وبـ تلك السُرعة لذلك لم يتأخر في التوجه إليه والجلوس أمامه دون حديث مُنتظرًا لجاسر أن يبدأ هو ولم ينتظر كثيرًا حتى سأله جاسر بـ صوتٍ غليظ وقاسي

-تعرف بنتي منين! 
-مسألتنيش يعني إذا كُنت أنا آآآ… 

لم يستطع يزن إكمال العبارة فقط قلبه لا يسمح له وهو يشعر بـ تلك النغزة الحارقة التي تطعن خلاياه فـ تُدميه ليُجبر شفتاه على الصمت 

وجاسر أمامه لم يرد عليه بل إكتفى بـ ملامح تزداد قساوة وشراسة على عكس نبرته التي خرجت هادئة.. وكُل ما هو هادئ من جاسر الصياد يتبعه جحيم مُستعر

-لأني مُتأكد إنك معملتهاش… 

تشنج فك يزن لتلك الحادثة و مشهدها الدامي الذي لا يستطيع إخراجه من مُخيلته مهما حدث.. كُلما حاول إبعاده يجد طريقةً ما ليُعيده مُجددًا إليه بـ طريقة أكثر قساوة و وحشية

أغمض جفناه وحك عُنقه دليل على عدم إرتياحه لكل ذلك ولكن يجب عليه خوضه لنهاية.. يجب عليه حتى يربحها ويربح نفسه أيضًا 

عاود النظر مُجددًا إلى جاسر عندما أردف بـ نبرةٍ تهديدية صاخبة

-أنا عارف مين اللي أذى بنتي.. وعارف إنك تعرفه.. هو فين! 
-حرك يزن كتفيه بـ بساطة وأردف:معرفش… 

ضرب جاسر الطاولة الخشبية التي أمامه بـ قوة مُحدثة صوتًل عال ثم هدر بـ قوة مُفزعة 

-اسمعني أنا مش فاضي للعب العيال دا.. هو فين إنطق! 
-عاود يزن الحديث بـ هدوء:صدقني معرفش… 

خرجت لُبنى على ذلك الصوت القوي.. لا تشعر بـ الإطمئنان لوجود جاسر الصياد هُنا.. لذلك وقفت على أعتاب الغُرفة وأردفت بـ قوة دون تردد

-أظن أنك لازم تمشي من هنا.. وجودك مش مُرحب بيه… 

نظر إلى يزن سريعًا بـ غضب وأشار لها بـ الرحيل إلا أنها لم تهتم بل تقدمت من جاسر و وقفت أمامه ثم هدرت

-إتفضل… 

ولكن كُل ما خرج من جاسر أنه إنتفض وافقًا بـ هيمنة أفزعتها وجعلها تتراجع إلى الخلف ثم خرج صوته يحمل إعصارًا مُدمرًا وهو يجأر بـ صوتهِ كله

-وديني وما أعبد.. لكون مخلص عليك وعليها وعلى أي حد فكر إنه يأذي بنتي.. أو كان ليه علاقة بـ الـ***
-صرخت لُبنى بـ المُقابل:محدش ليه علاقة بـ أي حاجة.. يزن إبني عُمره ما أذى حد
-عاوز أسمعها منه… 

كادت لُبنى أن ترد ومن ملامح وجهها أدرك جيدًا أنها ستبوح بما لا يجب أن يعرفه جاسر الصياد حاليًا على الأقل.. لذلك خرجت نبرته مُحذرة عالية بعض الشئ

-لُبنى!!... 

نظرت إليه بـ أعين مُتقدة و أوشكت على فتح فمها والحديث ولكن نظرة عينيه الزاجرة بـ عنفوان لم تعرفه عن يزن قبلًا جعلها تبتلع حديثها وأجبرت نفسها على الصمت 

نهض يزن و وقف مُقابلًا لجاسر ثم أردف بـ صدق ونبرته لا تقل قوة عن نظرات عينيه

-اللي عمل كدا مليش علاقة بيه غير إننا فـ فترة كُنا صُحاب.. بعدين حاول يقتلني لسبب واحد بس… 

أخذ شهيقًا عال ثم قبض يديه يستمد القوة وهو يعترف بـ وضوح ودون إهتزاز بـ نبرتهِ 

-إني حبيت چيلان…

الشهقة التي صدرت عن لُبنى كانت كفيلة بـ أن تُيقظ البناية حينما حاوطت يد جاسر عُنق الآخر وضغط عليه بـ أصابعهِ القاسية و من ثم ردد بـ فحيح مُفزع 

-إتجرأ وإنطق بـ الكلمة دي تاني… 

على الرغم من إختناق أنفاسه و مُحاولات لُبنى المُضنية في إزاحة يد جاسر عن عُنق يزن إلا أنه أردف بـ هدوء

-مفيش قوة فـ الدُنيا تمنعني إني مقولهاش.. أنا بحب چيلان ومُستعد إني أتجوزها حالًا… 

صمت مُطبق حَلّ على الجميع مُتفاوت ما بين صدمة لُبنى و صلابة يزن و قساوة جاسر التي تجلت بـ أسوء الطُرق على وجههِ و أردف بـ صوتٍ خفيض، على الرغم من خفوته إلا أنه يُثير الرهبة 

-سمعني قولت إيه! 
-عاود يزن الحديث دون تردد:عاوز أتجوز چيلان… 

أصابع جاسر إشتدت قسوة على عُنق يزن الذي تحول وجهه إلى الأحمر ثم على حين غُرة تركه ليشهق بـ الهواء ثم سعل عدة مرات

رفع أنظاره إلى ملامح جاسر الجحيمية ثم أكمل وهو يحك عُنقه

-أنا مش بعرض كدا عشان… 

لم يجد ما يقوله عن الحادثة ولكنه أكمل بـ رزانة

-أنا بحب چيلان فـ كُل الأحوال.. ومفيش حاجة نقصت من حُبها فـ قلبي نهائي.. چيلان ضحية ومش ذنبها إنها وثقت فـ واحد خسيس معندوش نخوة… 

للحظة حديث يزن إخترق جاسر يُذكره ذات يوم به و بـ روجيدا.. حينما إكتشف الحقيقة وعلى الرغم من ذلك لم ينفر لم يُفكر أن آخر تلمس جسدها.. بل شَعَرَ بـ المزيد من الحماية والذنب أنه لم يكن موجودًا وقتها لحمايتها.. روجيدا مثلت هاجس قوي لحياتهِ لأن يُعوضها.. يُعشقها، يُنسيها دنس الحياة 

نظرات يزن التي لا تحمل التردد جعلته يرى به ما لم يره بـ أحد.. ذلك الإصرار.. ذلك العشق الذي لا يحمل ذرة نفور واحدة.. حتى بحثه عن نظرات الشفقة على چيلان لك يجدها بل وجد بـ داخلها عشق و وعود كثيرة.. وعود تحمل الكثير من التعويض و العشق 

لِمَ على الزمن أن يُعيد الماضي بـ تلك التفاصيل المُخيفة.. الآن يرى نفسه بـ يزن وكم كان صعبًا عليه أن يعترف بما يراه الآن

أخرجه صوت يزن وهو يُعلن بـ قوة ناظرًا بـ تلك النظرات التي تُماثله قوة 

-حق چيلان هجيبه.. هجيبه حتى لو كان آخر حاجة هعملها فـ حياتي
-زعق جاسر:محدش هيجيب حق بنتي إلا أنا
-و بـ إصرار أردف:أنت هتجيب حق بنتك وأنا هجيب حق چيلان وصدقني مفيش أأقسى من اللي هعمله… 

تشنجت عضلات جسده وكانت واضحة وضوح الشمس من ثيابه الضيقة عليه ولكن الصمت كان حليفه.. صمت مُرعب لعقله الذي لا يهدأ عن السؤال الذي خرج 

-أنت مين! 
-أجاب يزن بـ بساطة:يزن الحداد.. وقعت فـ فخ واحد فكرته صاحبي 
-مطلعش ظابط 
-تنهد يزن وقال بـ تقزز:عرفت.. أنا معرفش عنه حاجة.. كان ديمًا غامض حوالين حياته… 

عاود جاسر الجلوس و بـ قساوة و دون تعاطف أردف

-أنت إتسجنت فـ قضية إغتصاب… 

تلوى فك يزن بـ خطورة كادت أن تُحطم أسنانه ونظر سريعًا إلى لُبنى التي فقد وجهها ألوانه وشحب بـ قوة حتى إعتقد أن لا دماء تسري بها وعلى الرغم من ذلك إلا أنها همست بـ ضياع 

-يزن برئ.. إتسجن ظُلم
-و بـ قساوة أردف:عارف…

تنفس يزن إزداد حدة ولكن جاسر لم يُبالِ بل أكمل حديثه بـ نبرةٍ غليظة.. ليس من إنهار مُنذ ساعتين

-تعرف إيه عنه!.. ومش عاوز كدب… 

أخذ يزن عدة لحظات ليستجمع شتات نفسه ثم أردف بـ صوتٍ جامد، لا حياة به

-كُل اللي قدرت أعرفه إن معاه واحدة اسمها كاريمان هي اللي عرفتني مكان چيلان… 

لم تظهر أي تعابير على وجه جاسر بل نهض بـ ملامح صخرية، قاسية ثم أردف وهو يبتعد عنهم

-متقربش من بنتي… 

نهض يزن دون أن يسمح لجاسر الصياد ألا يسمعه 

-چيلان محتجاني أكتر منك… 

***************************************

أخيرًا وبعد تلك الساعات الطويلة إستيقظت چيلان.. فتحت جفينها بـ ضعفٍ شديد وإستغرق منها عدة دقائق حتى إستطاعت إستيعاب ما حدث وأين هي

الأحداث بدأت بـ التدفق السريع لعقلها لتتسع عيناها بـ جحوظ مُرعب.. هي لم تعد عذراء.. سلبها الحياة كما حطم قلبها تمامًا.. كيف له أن يفعل ذلك بها وهي من وثقت به! 

خنقتها العبرات التي سُرعان ما إنهمرت على وجنتيها تبعها صوت صرخاتها وأظافر يديها تخدش بشرة وجهها و جسدها وكأنها تُنقيه من الدنس الذي لوثها

كانت صرخاتها تصم أُذن الجميع وعلى إثرها دلف الطبيب و معه مُمرضة ومن خلفهم روجيدا هلعة لصوت إبنتها المُخيف

شهقت و إلتصقت بـ الحائط واضعة يديها حول فمها وهي تجد إنتفاض جسد چيلان و صرخاتها المتواصلة حتى أحست هي بـ تجرح حنجرتها.. ذلك المشهد مألوف تمامًا بل هي كانت البطلة ذات يوم مُنذ سنين وهذا الهاجس يعود ويغزو خلايا جسدها بـ شراسة موجعة.. إبنتها تُعيد الحدث بـ أقسى الطُرق التي قد تتحملها هي

الطبيب حقًا عجز عن السيطرة عليها وهي تتحرك بـ عشوائية سريعًا.. و أظافرها التي تخدش ما تطاله ليصرخ بـ المُمرضة

-هاتي مُهدئ بسرعة… 

إستدارت تنوي الرحيل ولكن صوت قد قصف من خلفهم بـ جهورية، حادو

-محدش يقرب من بنتي… 

نظر إلى روجيدا الغارقة بـ عالم آخر نظرة خاطفة ثم. توجه إلى فراش چيلان ليُبعده جاسر بـ قوة ثم جلس على طرف الفراش.. قريبًا منها.. على الرغم من صرخاتها التي تُمزق قلبه شر تمزيق.. وعبراتها التي تُشعل النيران بـ جسدهِ إلا أنه إقترب وحاوطها بـ يديهِ بـ حماية 

لم تكن چيلان بـ وعيها وهي تصرخ بل و تخدش عُنق جاسر.. صرخاتها مُختنقة داخل صدره وهي تتمنى لو تستطع الصُراخ ليُنقذها أحد.. على أحدٍ ما أن يفعل ذلك

لم يمنعها جاسر من خدشه بل تركها تفعل ما تُريد.. تركل بـ ساقيها.. تخدش بـ أظافرها.. تعض بـ أسنانها.. تضرب بـ قبضتيها الصغيرتين وهو لا يفعل شيئًا سوى أنه زاد بـ ضمها إليه لا شئ أكثر

لأ يعلم كم ظل على ذلك الحال.. الصُراخ المُؤلم له قبلها.. الضرب والبُكاء.. الكثير من البُكاء المُمزق لنياط قلبه.. ساعة أو أكثر لا يهتم 

أخذ جاسر نفسًا عميق ثم هتف بعدما وجد صوته بـ الأحرى وجد قوته لكي يتحدث

-أنتِ فـ أمان يا چيلان.. أنتِ فـ مكانك الصح.. فـ حُضن أبوكِ… 

رفع يده يُمسد رأسها حتى نهاية خُصلاتهِا صعودًا و هبوطًا.. ثم قَبّل جبينها وهمس بـ صوتٍ حاول أن يخرج حاني، دافئ

-فـ حصنك.. حصنك اللي خذلك ولأول مرة فـ حياته… 

قبضتها سُرعان ما تشبثت بـ ظهر سُترته ولكن صرخاتها لم تخفت بل إزدادت شراسة وهي تدفن وجهها أكثر بـ صدرهِ.. ليزداد ثقل تنفس جاسر و شَعَرَ بـ قبضةٍ ثلجية تُحيط بـ قلبهِ ولكنه لم يتوقف عن حديثهِ بل أكمل بـ صوتٍ مُهتز، كئيب

-إصرخي يا چيلان.. إصرخي بس هنا فـ مكانك.. وأنا عليا أمتص صُراخك.. وأعيش ألمك
-صرخت بـ نشيج:أنا إنتهيت.. وثقت فيه وخاني… 

قست عيني جاسر بـ ظلام حاد ولكن يديه لم تُظهر إنفعالاته أو حتى نبرته التي خرجت قوية وهو يهتف 

-بالعكس دي بداية جديدة.. بداية عشان تعرفي إن مش كُل العالم زيك.. نضيف… 

عيناه تلقائيًا حدقت بـ روجيدا الجالسة أرضًا تتكئ إلى الحائط وضامة ساقيها إلى صدرها.. تضرب مُؤخرة رأسها بـ الحائط ناظرة إلى الأمام بـ شرود.. يعلم تمامًا ما تُعانيه ولكن هل هي تعلم بما يُعانيه! 

التي بين يديهِ لا تهدأ ولا تستكين بل الشراسة تجلت بـ وضوح وكأنها تُصارع شهاب كما يُفترض بها أن تفعل.. حاوطها جاسر أكثر ولكن لم يستطع خاصةً وهي تدفعه بـ قوة لم يعتقد أنها تملكها يومًا

صر على أسنانه حتى تشنج فكه القاسي لتدخل المُمرضة تحمل إبرة طبية ثم وقفت أمامه وهمست بـ قلة حيلة

-مفيش قُدامنا غير المُخدر.. صدقني يا فندم أنت كدا بتأذيها… 

حدق جاسر بها بـ نظرات صخرية مُرعبة ثم أغمض جفنيه وأومأ بـ إستسلام قاتل له وقد فعلت.. حقنتها بـ المُخدر الطبي ولكنه لم يتركها أبدًا.. بل ظل مُعانقها حتى خفتت صرخاتها و تهدلت يداها جواره.. تراجع رأسها إلى الخلف مُعلنًا دخولها بـ غفوة علها تُريحها من ذلك العذاب الذي تحياه بـ الواقع

تركها جاسر و وضعها بـ رفق فوق الوسادة ثم نهض و عدّل الغطاء فوقها ليميل و يُقبل جبينها بـ قوة مُغمضًا عيناه بـ ذات القوة وتنفس رائحتها البريئة الطاهرة.. مهما لوثها البشر فـ ستظل نقية تمامًا كـ نقاء اللون الأبيض لا تشوبه شائبة

توجه نحو روجيدا وأمسك كفها لتنتفض بـ فزع لتهتف جازعة

-مُصطفى!... 

تشوهت ملامح جاسر بـ ذلك الظلام المُبهم و عيناه التي إستعرت بـ جحيم ناري إلا أنه تحكم بـ نبرةِ صوته على الرغم من تشنج عضلات جسده بـ الكامل

-أنا جاسر… 

نظرت إليه تائهة وكأن الماضي إختلط بـ الحاضر لتتجسد صورة مُصطفى بـ وجه جاسر لتبتعد أكثر مُلتصقة بـ الحائط خلفها

يدي جاسر القويتين حاوطت ذراعيه ثم همين عليها بـ صوتهِ القوي دون مُنازع يخترق عقلها لتفيق

-روجيدا أنا جاسر مش هو… 

أغمضت عيناها بـ قوة ثم عاودت فتحها لترى وجه جاسر يتضح شيئًا فـ شئٍ لتتسرب السكينة إلى روحها فـ همست بـ ألم

-جاسر!!... 

زفر جاسر وهو يجذبها إلى صدرهِ مُقبلًا رأسها بـ قوة ثم همس مُتساءلًا 

-أنا هداوي جرحك ولا جرح بنتك!... 

ذراعيها إلتفا حول خصره لتدس نفسها أكثر بـ أحضانهِ تتلمس الدفئ والأمان كما كان دومًا حصن لن يهزمه الزمن أبدًا.. وهو يضمها أكثر إليه ثم رفع رأسه إلى أعلى وهمس بـ تعب وإرهاق 

-يارب القوة… 

****************************************

في صباح اليوم التالي 

تسلل كـ عادته إلى غُرفتها ولكنه وقف مشدوهًا وهو يجدها فارغة! 

تراجع إلى الخلف و حدق بـ الممرات بحثًا عنها ولكن لم يجدها.. أمسك يد مُمرضة وسألها بـ عصبية

-فين المريضة اللي كانت فـ الأوضة دي! 
-قطبت جبينها بـ حيرة وقالت:هي مش جوه! 
-هدر بـ قسوة:وهي لو جوه هسألك!... 

تأفف بـ ضيق وإبتعد عنها وظل يدور بـ الممرات ليتركها حائرة

كان يبحث عنها كـ المجنون.. الجميع يفعل.. إختفت فجأة من بينهم.. لِمَ عليها أن تُرهقهُ هكذا!.. لِمَ عليها أن تُعذب قلبه هكذا!! 

وها هو يركض بـ ممرات المشفى بحثًا عن الأميرة المفقودة كما يفعل والدها.. أنه هُنا دون علمه بعد كذبته التي إنطلت على جاسر الصياد ويحمد الله أن خالته لُبنى لم يذل لسانها فـ وفقهُ الله.. أما الآن جل ما يشغل باله هو أميرته 

صعد الدرج حتى وصل إلى السطح ليدفعه دون تفكير وقلبه ينبض بـ إضطراب خوفًا أن تُؤذي نفسها وكم هي هشة لفعل ذلك! 

دارت عيناه بـ المكان وهو يلهث الهواء من فمهِ حتى وقعت عيناه عليها.. نائمة فوق ساقي شقيقتها الكُبرى التي تُمسد خُصلاتهِا بـ حنو و رقة أصابته هو شخصيًا بـ الرجفة 

نائمة دون أن تُغلق عيناها خُصلاتهِا تتطاير وعيناها تُحدق به دون أن يرف جفنيها.. شَعَرَ بـ سهام تخترق قلبه وهي تنظر له بـ ذلك الخواء المُخيف

كانت هادئة تمامًا عكس تلك الساعات المُضنية التي عانوا بها جميعًا ولم تهدأ حتى حُقنت بـ مُهدئ وعادت للنوم تاركة إياه يُعاني لقسوة قلبها عليه

تنهد بـ راحة على الرغم من إبتعاد عيناها عنه وإتكئ إلى الباب وظل يُحدق بهما.. بها على وجه الخصوص.. تنظر إلى الفضاء الواسع وشقيقتها تُحدق بها بـ شفقة

لا يجب على أحد أن يشعر تجاهها بـ شفقة.. هي لا تستحق الشفقة أبدًا.. إنها تستحق ما هو أكثر من ذلك.. تستحق أن يُحبها.. إبتسم وهو يربت على صدرهِ الذي لا يزال ينبض بـ كمال عشقها.. لم ينقص ولو مثقال ذرة.. بل إزداد وهو يشعر تجاهها بـ الحماية 

نظر إلى الأعلى تجاه ما تنظر إليه ليجد أنها تُحدق بـ تلك الطائرة الورقية ذات اللون الأزرق.. عاود التنهد بـ حرارة أكبر ثم همس داخله دون أن يُبعد ناظريه عن الطائرة

-إمتى يحن قلبك و يرحمني!...

إقترب يزن بـ خطواتٍ بطيئة و وقف خلفهما وظل صامتًا يُحدق بـ چيلان النائمة على ساقي جُلنار وهمس بـ تساؤل

-هي وصلت هنا إزاي!... 

إلتفتت جُلنار إليه مُتفاجئة وتساءلت بـ إندفاع

-أنت مين! 

إبتسم يزن وجلس جوارها بعيدًا عن چيلان ثم أردف بـ صوتٍ خفيض 

-حد يهمه أمر أُختك… 

مدّ يده يُصافحها ولتضع يدها بـ كفهِ وعَرَفَ نفسه قائلًا 

-يزن الحداد.. شغال فـ الغردقة تقدري تقولي كدا تبع السياحة
-إبتسمت جُلنار وقالت:تشرفنا… 

تململت چيلان لتربت جُلنار على خُصلاتهِا لتعود وتهدأ.. بينما يزن هتف وهو ينهض

-يلا ننزل الجو برد وچيلان مش لابسة غير هدوم المُستشفى… 

نزع يزن سُترته الصوفية و وضعها فوقها ثم إنحنى يحملها بين ذراعيهِ القويتين وتبعته جُلنار التي هتفت بـ خفوت مُتحشرج

-مش خايف بابتي يشوفك! 
-همس بـ إبتسامة واسعة:لأ.. مش هتكون زي علقة إمبارح… 

ضحكت جُلنار بـ خفوت ورفعت إبهامها تتحس بشرة شقيقتها الباردة ثم أردفت بـ شرود وعيناها تغيمان بـ حُزنٍ مُؤلم

-لما طلعت من أوضة جواد فـ الفجر لاقيتها ماشية فـ الطُرقة.. خُفت عليها وفضلت ماشية وراها لحد أما لاقيتها طالعة هنا وقاعدة… 

تذكرت جُلنار مشهد شقيقتها وهي جالسة فوق الأرضية الأسمنتية هادئة على غير المتوقع.. كانت والدتها أخبرتها عن إنهيار چيلان وكم كان ذلك متوقع!.. أما الهدوء فـ كان أكثر رُعبًا 

إنتفضت حينما سمعت صوت چيلان المُتباعد يردف بـ خواء ميت

-مفكراني هنتحر!... 

إلتفتت إلى جُلنار فـ أجفلت لتلك النظرة الأكثر برودة على الإطلاق.. بها فراغ سحيق يسحق العظام حتى نبرتها الساخرة وهي تقول بـ ظلام

-لسه موصلتش للمرحلة دي.. مش هموت كافرة.. أنا غلطت ولازم أتحمل غلطي… 

بعدها أخذتها جُلنار بـ أحضانها وهي تشعر بـ چيلان تبكي بـ قوة دون صوت فقط إهتزاز جسدها أوضح بُكاءها.. ظلتا صامتتين وهما يُتابعان شروق الشمس من ذلك الإرتفاع المُهيب

عادت جُلنار من شرودها ثم همست وهما يتجها إلى المصعد 

-خُفت عليها يجرالها حاجة.. مش عاوزاها تخسر أكتر من كدا… 

لم يرد يزن بل إكتفى بـ إيماءة بسيطة ثم دلفا المصعد ما أن وصل إلى الطابق لتُكمل بعدها وهي تنظر إليه

-تعرف!.. شوفت فيك حد أعرفه من أول نظرة بس… 

عاودت مُداعبة خُصلات چيلان بـ حنو ثم أكملت وهي تنظر إلى الشاشة التي تعرض أرقام الطوابق

-أنت بتحبها مش كدا! 
-رد عليها دون تردد:أنا بتنفسها… 

كانت الإجابة أكثر من كافية لـ جُلنار لتبتسم قائلة بـ توسل

-يبقى ساعدها.. طلعها من المُستنقع دا.. كُلنا عارفين إن محدش هينقذها إلا أنت… 

حدق يزن بـ وجه چيلان الشاحب.. رأسها المُرتمي على صدرهِ وأنفاسها الساخنة التي تلفحه فـ تتشنج عضلاته تأثرًا بها.. ليردف بعدها بـ نبرةٍ لن تسمع جُلنار بـ مثلها أبدًا 

-مقداميش حل تاني غير كدا… 

وصلا إلى الطابق الخاص بـ غُرفتها وسارا حتى وصلا إليها.. توقفت جُلنار وهي ترى الجميع خائف و غاضب 

تقدمت جُلنار سريعًا توقف تقدم جاسر الغاضب وهو يهدر بـ صوتٍ مُرعب 

-سيب بنتي
-رد يزن بـ هدوء:هدخلها الأوضة… 

ومضى من بينهم و دلف إلى غُرفتها ثم وضعها على الفراش ودثرها جيدًا و خرج

وقفت جُلنار أمام والدها وهتفت بـ تهدئة

-أنا كُنت معاها يا بابا فوق ع السطح.. وهو جه نزلنا عشان مكناش هنعرف ننزل… 

إتكئ يزن إلى الحائط خلفه بينما جاسر ينظر إليه بـ سهام مُميتة إلا أنه قابلها بـ هدوء دون أن يتأثر.. لتردف جُلنار بـ قوة

-إسمعني.. چيلان محتاجة حد غيرنا يقويها يا بابتي.. چيلان مش هتقوم إلا بيه صدقني…

تعليقات



×