رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل التاسع والعشرون
وإن كان السبيل لإيضاءك هو أنا…
فـ سأحرق نفسي من أجلك…
هدوء يزن كان مُثير الغضب بـ درجة كبيرة إلا أن لا أحد أظهر ذلك الغضب.. يتصرف وكأنه أحد أفراد العائلة خاصةً لـ جواد.. الذي. تنفس بـ سُرعةٍ تدل على مدى غضبه ولكنه تغاضى عن الجميع وإتجه إلى غُرفة چيلان بـ صمتٍ تام
وجاسر يُحدق به بـ تلك النظرات الفتّاكة قبل أن يقترب منه وعندما حاولت جُلنار منعه دخلت يد صُهيب تجذبها بـ قوة وهو يُحدق بها بـ طريقة لأول مرة تُرعبها هكذا
-أنا مش قولتلك إبعد عن بنتي!
-أجاب وهو يرفع كتفيه بـ بساطة:الظاهر إني مقدرتش…
أمسكه جاسر من تلابيبهِ وجذبه إليه بـ قسوة ثم هدر
-مستغني عن عُمرك مش كدا!
-لأ….
كان يجب على يزن أن يعرف أنه ليس من الحكمة إثارة غضب جاسر وخاصةً في ذلك الموقف.. لذلك كان رد جاسر لكمة قوية لم يسمح له بـ السقوط على إثرها حيث يده أحكمت خناقها حوله
مسح يزن على فكهِ مُخرجًا تأوه عال ولكن جاسر لم يسمح له بـ الحديث بل جذبه أكثر إليه و دفعه إلى الحائط وبـ فحيح أفعى هدر
-أحسنلك تمشي من هنا فاهم!
-شهاب استخدم تليفوني عشان يجذب چيلان ليه…
الإجابة عكس ما توقع جاسر تمامًا.. توقع عناد البغال كما كان يفعل ولكن ما تفوه به يزن الآن يفوق قُدرته على الإحتمال.. ليعاود دفعه إلى الحائط ثم هدر بـ صوتٍ يثور كـ البُركان
-وليك عين تعترف!.. دا أنا هطلع ******...
حينها تدخل صُهيب يُبعده كما المرة السابقة ثم أبعد جاسر عنه وأردف بـ هدوء قوي
-عمي ممكن نفهم منه.. العُنف مش هيجيب نتيجة…
نظرات جاسر الحارقة بـ الفعل أشعلت الأجواء حولهم حتى أستشعر الجميع تلك النيران المُنبعثة منه ومن الحكمة ألا يتدخل أحد.. ربت صُهيب على كتف يزن وأردف بـ إتزان
-فهمنا اللي حصل…
أخذ يزن نفسًا عميق ثم أردف وهو يُحدق بـ جاسر دون أن يهتز
-كُنا فـ حفلة مع بعض وحصل سوء فهم ضرب عليا النار وأنا وقعت فـ البحر.. كان عامل الفيلم دا كله عشان يخلص مني أو على الأقل أبعد عن طريقه بس هو فكر إني مُت.. وبعدين إكتشفت إنه أخد تليفوني وبـ كدا إستدرج چيلان
-و چيلان تعرفك منين!...
السؤال مصدره جاسر ونبرته حقًا كانت نذير سوء.. يُبلغ بها أن إجابته الخاطئة ستودي به إلى التهلكة.. ليعود يزن يتحدث بـ ثبات
-مشوفتش چيلان غير مرة.. وقتها حاولت أفهم إيه اللي حصل لشهاب عشان يحصل كل دا.. و سبب رفضك ليه…
كان جاسر يستمع دون حديث و صُهيب بينهما يُبدل أنظاره بينهما ثم إتجهت إلى جُلنار التي تنظر إلى ما يحدث بـ وجل فـ رق قلبه إليها ليبتسم بـ دفئ تسلل سريعًا إلى قلبها جعلها تبتسم هي الأُخرى بـ إمتنان
عاود صُهيب النظر إلى جاسر وإنتظر رد فعله بـ أعصاب تحترق حتى أردف أخيرًا بـ بُطء مُميت
-إمشي من هنا حالًا…
كاد يزن أن يعترض ولكن صُهيب ضغط على كتفه بـ أصابعهِ ثم دنى منه وهمس بـ صوتٍ خفيض
-من الحكمة إنك تمشي.. طالما قال إمشي.. إمشي…
تنهد يزن بـ ثقل وأومأ وقبل أن يمشي همس صُهيب إليه
-محتاجين نتكلم أنا و أنت…
نظر إليه يزن مُطولًا و بـ سهولة إستطاع معرفة هوية ذلك الشخص ليومئ قائلًا بـ هدوء
-أنا فـ كافتريا المُستشفى…
أبعد صُهيب يده عن يزن ليرحل بـ صمتٍ تام بعد أن رمق غُرفتها طويلًا ليُدير رأسه عنها راحلًا بـ قلبٍ مُثقل
**************************************
دفعها صُهيب إلى الغُرفة ثم أغلق الباب خلفه بـ قوة أفزعتها ولكن على الرغم من ذلك مل تُظهر خوفها بل عقدت ذراعيها أمام صدرها تُخفي إرتعاشة جسدها لتهتف هي بـ حدة خافتة
-ممكن أعرف إيه أسلوب الهمج دا!...
وكل ما قابلها من جهته هو الصمت وبدلًا عن الحديث إقترب منها بـ خُطىٍ بطيئة، مُقلقة لها فـ تراجعت إلى الخلف تواكب تقدمه حتى إلتصقت بـ الطاولة خلفها ومن خلف الطاولة كانت الحائط فـ منعت تراجعها أكثر
إبتلعت ريقها بـ صعوبة بالغة وهي تجد ملامح صُهيب قاسية لم تعهدها من قبل مُحاصرًا إياها.. يتكئ بـ يديهٍ إلى الطاولة خلفها فـ أجبرها على التراجع إلى الخلف.. و وجهه قريب منها ولكن ليس بـ خطورة نبرتهِ التي خرجت خافتة بـ شكل يُذيب العظام
-كُنتِ مع الراجل دا بتعملي إيه!...
إرتعشت شِفاها السُفلى لثانية قبل أن تضمها بـ خطٍ مُستقيم لتستجمع شجاعتها الواهية وهي تتساءل بـ صوتٍ غليظ
-ودي غيرة ولا شك!...
ضرب صُهيب الحائط خلفها لتنتفض بـ خفة مُحاولة ألا تُظهر خوفها ثم هدر بـ صوتٍ عال
-جُلناااار!!.. متلعبيش معايا بـ الكلام.. وردي عليا…
شددت ذراعيها حولها لتستمد منها القوة ثم قالت بـ إصرار أغضبه حقًا
-مش هرد إلا لما أعرف الأول…
صوت أنفاسه كان كـ الرياح تضرب وجهها بـ قوة غادرة لتُغلق عيناها بـ إنتظار غلظته عليها إلا أنها شعرت بـ يدهِ توضع أسفل ذقنها وترفعه إليه وقبل أن تفتح عيناها كانت شفتيه تعتصر شفتاها بـ قُبلةٍ دامية أودع بها جُل غيرته.. القُبلة جعلتها تدور و تدور.. ليس لقوتها أو عُنفها بل لتلك المشاعر التي تضربها فـ تُلقيها تارة يمينًا وتارة يسارًا
إبتعد صُهيب عنها يضع جبينه فوق جبينها دون أن يُحرر ذقنها بل والأدهى شفتيه لا تزال تمس شفتاها بً رقة بالغة قبل أن يردف بـ تهدج مُنقطع الأنفاس
-عرفتي غيرة ولا شك
-أردفت هي بـ شرود:چيلان لاقيتها على سطح المُستشفى.. وهو لقانا هناك وجاب چيلان لأوضتها بس…
داعب خُصلاتهِا التي على وجنتها ليُرجعها إلى الخلف وما زالت يده تُداعب خُصلاتهِا ثم أردف بـ نبرةٍ ساحقة
-مش مسموحلك تتكلمِ مع غيري ولا تلجأي لغيري
-إبتسمت وقالت بـ شقاوة:تحكم ولا غيرة
-إبتسم بـ مكر:تحبي أثبتلك غيرة ولا تحكم!...
حركت رأسها نافية ليضم رأسها إلى صدرهِ ويدٍ تتحرك على ظهرها إلى الأعلى وأسفل حتى أتاه صوتها شارد مُمتلئ بـ الحُزن
-چيلان مكنش المفروض يحصل معاها كدا
-تنهد صُهيب بـ ثقل وقال:دا نصيب يا جُلنار.. إمتحان من ربنا لينا كُلنا…
إبتعدت جُلنار عنه بـ ملامح غريبة عنه فـ عَلِمَ أن سؤالها سيؤلمه قبل أن يؤلمها وقد صدق حدسه حينما تساءلت بـ صوتٍ خافت، غريب، بعيد كُل البُعد عنها
-عمك ليه إيد فـ اللي حصل لـ چيلان!...
لم يكن سؤالًا بل كانت تُقر بـ الواقع وصمته كان أكبر تأكيد على حديثها.. ملامح وجهه تحولت إلى أُخرى صخرية وكأنها منحوتة من الجبال.. لتعض جُلنار على باطن وجنتها ثم أخفضت وجهها أرضًا
سيظل ماضي عائلته وصمة عار بـ النسبةِ له.. كُل ما سيحدث أو حدث مع عائلة الصياد أول مُتهم ستكون عائلته وهو لا يلوم ولكن هذا مؤلم.. يؤلم بـ قسوة أكثر من إحتراق منزله أمامه أو خبر قتل والده بـ مكانٍ ما لا يعلمه إلا الله وجاسر الصياد
تهدلت ذراعي صُهيب وحاول الإبتعاد عن جُلنار إلا أنها تشبثت بـ قميصه بـ أصابعها ليُخفص بصره إليها فـ وجدها تبتسم بـ عذوبة و بـ نبرةٍ تفيض حنانًا ودفئ أردفت
-متفكرش ولو لثانية إني بتهمك.. العالم كله لو إتهمك أنا هقف فـ وشه…
جدار الصلابة تصدع وبُني مكانة بُستان من ورود الياسمين.. إبتسم وهي تجذبه أكثر مُعانقة إياه بـ. قوة خشية أن يهرب حصنها
-ديمًا هتلاقيني فـ ضهرك يا صُهيب.. أنا وأنت ضد أي حاجة تكسرنا…
أمسكت كف يده وتخللت أصابعها بين أصابعه الكبيرة ثم رفعت رأسها إليه مُقبلة فكه القوي وأكملت بـ إشراق
-الحُب مش كلمة وخلاص.. وأنا لما أقول بحبك معناه أنا أمانك قبل أما تكون أماني…
شَعَرَ صُهيب وكأن العالم أصبح مكانًا أجمل ليضع يده الحُرة على وجنتها ثم أردف بـ نبرةٍ عميقة وأكثر من صادقة
-قلبي وجعني من عشقك يا زهرة الرُمان…
**************************************
فتحت چيلان عيناها لتصطدم بـ الضوء فـ أعادت غلقهما ثم فتحتهما مُجددًا وأخذت تُحدق حولها حتى وجدت جواد الذي إستفاق يبحث عنها جالس جوارها ويده تتشبث بـ يدها وكأنه طفل يتشبث بـ يد والدته
تأوهت چيلان بـ خفوت ثم أدارت وجهها إلى النافذة تُحدق بـ الخارج بـ صمتٍ تام
أجفل جواد على صوت تأوها لينظر سريعًا لـ شقيقته فـ وجدها تُحدق بـ خواء إلى الخارج.. ليُخرج نفسًا حار ثم وضع يده على جبينها يربت عليه بـ خفة وأردف بـ صوتٍ مُتخاذل
-كويسة؟!...
لم ترد عليه أو حتى تعطف عليه بـ إيماءة صغيرة تُثلج قلبه الملكوم بـ فاجعتها.. لينهض جواد عن مقعدهِ وجلس جوارها فوق الفراش بل تمدد خلفها وحاوطها بـ حماية لم يقدر على توفيرها لها قبلًا ثم أردف بـ تعب
-ريحيني يا چيلان.. ريحيني ولو بـ هزة واحدة…
إلا أنه كان يُخاطب جماد.. عيناها فارغة تمامًا وجسدها مُتصلب بـ شدة حتى خاف جواد أن يُصيبها تشنج قوي لذلك إبتعد عنها سريعًا ليعود جسدها ويرتخي مُجددًا.. إنها تعيش حالة من النفور ولكنها لا تتحدث فقط جسدها يُظهر إنفاعلاتها أما شفتيها لا تقدر
شَعَرَ جواد بـ وخزات قوية تنخر عظامه وتخترقها حتى تُصيب قلبه إلا أنه لا يُظهر إنفاعلاته بل حاول قدر الإمكان الإبتسام ثم قال بـ هدوء عاصف
-ياريتك يا چيلان سمعتي كلامنا وبعدتي عنه.. مش كل العالم بـ نقاء قلبك…
ولته ظهرها ولكنه من إهتزاز كتفيها عَلِمَ أنها تبكي.. صر جواد على أسنانهِ حتى أصدرت صريرًا عنيف و رفع يده يُملس على خُصلاتهِا ثم هتف بـ أقصى قوة يفرضها حتى يحصل على نبرةٍ نصف ثابتة
-إزاي محستش إن توأمي إتأذى!.. بس شاركتك الألم بعدين وكان أفظع يا چيلان أفظع من أي وجع…
مال يُقبل خُصلاتهِا الباهتة ثم همس دون أن يرفع رأسه بعيدًا عنها
-بس وربي وما أعبد لاهجيب حقك وهشفي غليلك قبل غليلي منه…
هرب من شفتيها أنين متوجع ليُغمض جواد جفنيه وشدّ عليهما ألمًا لها وعليها ولكنه أكمل بـ نبرةٍ متوسلة
-بس أنتِ فوقي وخليكِ أقوى.. عرفيه إنك متكسرتيش.. وإن اللي راح ميجيش نُقطة فـ اللي جاي…
كانت عيناه حمراوين كـ الدماء من شدة الضغط عليهما حتى لا يبكي وشاركت عضلات جسده المُتشنجة بـ توجع غريب عليه.. ذلك الألم لا يُعادله ألم
فتح فمه ينوي الحديث ولكنه لم يجد ما يقوله.. تبخر كُل ما بـ ذهنهِ.. لذلك عاود غلق فمه ولم يكد يمر ثوان حتى فُتح الباب و دلف جاسر
الأجواء أصبحت نارية و ساد صمت مُهيب يخشى الجميع كسره.. و روجيدا من خلفهِ تتقدم بـ بُطء قاتل حتى وصلت إلى فراش چيلان وجذبتها إلى أحضانها.. توتر جسدها و وقاومت بـ ضعف لتردف روجيدا بـ همسٍ مُطمئن
-أنا روجيدا يا حبيبتي متخافيش…
توقفت عن المقاومة لتجذبها روجيدا أكثر ومن ثم أجلستها بـ حذر كي تواجه جاسر.. ذلك التمثال الحجري الواقف أمامهم جميعًا.. قد يظهر عليه القسوة و الجفاء إلا أنه من الداخل تعلم زوجته تمام العلم كم هو مُحطم مُنكسر، خائر القوى والقلب
هدر جاسر بـ كلمةٍ واحدة
-بُصيلي…
ولكن چيلان لم تقدر ليس خوفًا بل خجلًا.. لوثت اسم عائلة الصياد.. وحّلته بـ سذاجتها ليتها صدقت جاسر وإبتعدت نهائيًا عنه.. ولكن التمنى ماذا يُفيد وقد إنكسر الإناء
ظلت على حالتها ليعود جاسر ويهدر بـ قسوة مُتصدعة
-مبتبصليش ليه!!
-همست چيلان بـ صوتٍ ميت:أنا خاطية…
لم تعي لذلك الألم الحارق الذي ألهب وجنتها لترفع وجهها سريعًا إلى جاسر الذي إستحال وجهه إلى اللون الأسود المُخيف بل وملامحه كانت شيطانية مُرعبة.. لم تأخذه الشفقة حينما صفعها بـ تلك القوة الجبارة وكأنها لم تكتفِ لصفعات ذلك الحقير الذي دنسها
شهقت روجيدا لتضم چيلان إلى صدرها تُخفيها عندما عاود جاسر رفع يده ليصفعها مرةً أُخرى ولكن يد جواد أمسكت يد والده المُعلقة بـ الهواء وقال بـ صوتٍ قوي
-كفاية.. بلاش تمد أيدك.. كفاية اللي هي فيه أبوس إيدك…
إرتعشت يد جاسر التي و لأول مرة تمتد على أولادهِ.. خاصةً چيلان تلك القطعة النفيسة التي يمتلكها.. أجمل ما رأت عيناه حنيما وُلدت.. وحينما فتحت عيناها كانت الصدمة الأكبر.. جوهرتين هذا كل ما جال بـ تفكيره.. أن عيناها جوهرتين نادرتين الوجود.. الدليل الأوحد على عشقه لروجيدا ولعشقها له.. العهد الذي تحمله بـ عينيها.. چيلان كانت ولا تزال تلك الهبة التي منحه الله إياها.. لذلك هي من نالت الدلال والحُب
الآن اليد التي حملتها وحمتها في كثير من الأحيان.. ها هي تضربها ولكنه ليس نادمًا فـ لو عاد الزمن لضربها بـ قسوة أكبر.. كيف لها أن تُلقب نفسها هكذا.. هو من كان يتلهف ليرى عيناها مُجددًا وكأنها تُولد من جديد!.. قلبه يؤلمه لألمها ولكنها تستحق أكثر
أشار بـ عينيهِ أن تبتعد روجيدا التي ترددت ولكنها نهضت تعلم لما جاسر هُنا الآن بل هو بـ الأحرى من يعرف
تلك الساعات التي قضتها روجيدا تُحاول إقناعه بما هو مُستحيل حتى أنها بكت وتوسلت إلا أنه لم يرضخ إلا تلك العبارة التي لا تزال تصم أُذنيه لها وهي تقول بـ رجاء حار مُتمسكة بـ ثيابهِ وكأنها ستغرق دونهما
-چيلان محتاجة لجاسر…
و يزن هو جاسر.. يعلم ذلك جيدًا وذلك ما يقتله.. حنيما حاوره أيقن أن چيلان لن تكون بـ مأمن سوى معه.. حتى هو لن يستطيع حمايتها كما يجب.. يزن كان نقيض شهاب.. على الرغم من بُغضه لتلك. الفكرة ولكنه مُتأكد كما لم يكن من قبل أنها له
الموقف صعب بل مُؤلم كيف له أن يتخلى عنها هكذا!.. كيف يتركها لغيرهِ يُشفي جرحها؟.. إلا أن روجيدا معها كُل الحق چيلان ستنهض من جديد بـ جاسر خاصتها وليس جاسر والدها
جلس جوارها لتُخفض چيلان وجهها فـ رفعه جاسر أردف بـ جمود
-مش من حقك تلقبي نفسك بـ حاجة زي دي
-همست بـ بُكاء:بس أنا خذلتك…
ضمها جاسر إليه لترتعش بـ تشنج أشعل لهيب الإنتقام بـ عينيهِ ولكنه أبى أن يتركها بل شدد عناقه لها ثم أردف بـ حدة
-أنا اللي خذلتك.. أول مرة فـ حياتي أفشل كدا.. فكرت إني مسيطر على كُل حاجة بس طلعت غلطان.. أنا اللي خذلتك…
بكت چيلان بـ قوة حتى خرج بُكاءها كـ صُراخ آلم قلبه قبل أُذنيه.. ليُشدد عليها أكثر وكأنه يُريد إدخالها إليه فـ يحميها من دنس البشر
وضع رأسه على كتفها فوق خُصلاتهِا تمامًا ثم هتف بـ شرود
-أول ما عيني وقعت عليكِ وشوفت عينيكِ إنبهرت وحسيت إن عشقي لروجيدا إتجسد فيكِ…
أبتعد عنها ثم حاوط وجهها رادفًا وهو يُحدق بـ عينيها
-بحب ديمًا أبص على عينيكِ.. فيهم الجنة.. فيهم اللي الكلام ميقدرش يوصفه…
مسح عبراتها التي تشوه وجنتيها و عيناها ثم أكمل بـ صوتٍ مُنهك
-عشان كدا حاولت إني أحافظ عليكِ.. عليكوا كلكوا.. بس فشلت…
عاودت عبراتها بـ الإنسكاب ليُكمل جاسر و يبوح بما لم يقُله من قبل
-تعرفي إن روجيدا عانت زيك…
نظرت إلى چيلان بـ ذُعر ولكنه أومأ وأكمل.. كانت نبرته حزينة بل وتحمل براكين لم يستطع الزمن إخمادها
-وعارفة عانيت معاها بس عشان عشقتها تحملت وكانت مُهمتي إني أعالجها.. أعرفها إني أمانها.. إني ملاذ مش ملجأ.. عشقي ليها كان أقوى من أي عقبة وقدرت بعد سنين إني أتغلب على خوفها دا.. عارفة ليه!...
حركت رأسها نافية ليضمها إليها و إتكئ بـ ذقنهِ إلى قمة رأسها ثم قال بـ إبتسامة شاردة
-هي عشقتني فـ غيرتني وأنا عشقتها فـ قويتها.. أكتر حاجة بندم عليها إني مكنتش جنبها وقت كسرها…
رفعت چيلان يديها لتُعانق جاسر فـ أكمل هو بـ إصرار على الرغم من الخواء الذي يشعر بها جراء ما سيقوله
-وأنا مش هسمح لك تنكسري وميبقاش جاسر بتاعك جنبك…
شَعَرَ بـ الهواء ينحسر من رئتيه إلا أنه همس بـ خفوت أجش
-بتثقي فيا يا چيلان!!...
لم تتردد ولِمَ تتردد وهو لم يخذلها قبلًا ليس كما يدعي.. لتسمع نبرته البعيدة عن شخصية جاسر الصياد المُهيمنة
-هسلمك بـ إيدي لـ اللي هيبنيكِ تاني…
لم يطل إنتظار يزن بـ مقهى المشفى فـ حينما رفع رأسه بعد ثلاثون دقيقة يُحدق بـ الوافدين حتى وجد صُهيب يخرج من بين سيدتين.. تنهد وإعتدل بـ جلستهِ ليجده يجلس أمامه دون حدبث
الصمت ساد عدة دقائق قبل أن يسأله صُهيب مُباشرةً دون مُقدمات
-عرفت مكان چيلان منين؟.. أصلًا عرفت اللي حصل إزاي؟!...
لم يتعجل يزن بـ الرد بل أخذ رشفة من كوب شايه الساخن وبعدها أردف بـ كُل ثبات يملكه
-كُنت رايح المنيا أبلغ جاسر الصياد بـ كل حاجة.. لكن قابلت واحدة اسمها كاريمان وساعتها عرفت إن فيه حاجة بتحصل…
لاحظ يزن الظلام الذي أظلمت به عيناه وقبضتيه اللتين إشتدا حتى إبيضت مفاصل يده ليسأله بـ شك
-أنت تعرفها!
-رد صُهيب من بين أسنانهِ:أيوة.. ممكن تكون مرات عمي.. معرفش
-مش مهم حاليًا المُهم نعرف مكان شهاب فين بعيدًا عن أبوها…
يزن يعلم ما أن يره جاسر سيُرديه قتيلًا في الحال ولكنه يُريد إنتقام مُؤلم بطئ، مُعذب حتى يتوسله الموت.. رابطة الدم لم تشفع له عن شقيقه.. لا شئ في العالم يستحق ذلك الإنتقام البشع.. شهاب هو من إختار ذلك الطريق.. أحدهم إستخدمه ليُكمل ألاعيبه دون أن يُدينه أحد وقد صدق حدسه حينما أردف صُهيب
-حد زاقق شهاب على چيلان مش كدا!...
لم يدرِ يزن ما يقوله بل صمت لثوان يُرتب أفكاره ثم تساءل
-هتساعدني ألاقيه الأول!
-أجاب صُهيب بـ بساطة:دا هدفي من الأول
-هقدر أثق فيك!!
-عاود الإجابة بـ صدق:عشان كدا أنا قاعد قُدامك دلوقتي بدل أما أحاول أنول رضا عمي…
أومأ يزن ثم أخرج ورقة صفراء اللون وأعطاها إلى صُهيب ثم أردف بـ توضيح
-الجواب دا والدتي كتبته.. هو يُعتبر إعتراف بس للأسف موصلش لـ اللي المفروض يوصله.. وقع فـ إيد حد غلط وهو إستخدم شهاب لكدا…
فض صُهيب الورقة وتجولت عيناه فوق الكلمات حتى وقعت على تلك. المُلاحظة ليبتسم بـ سُخرية بـ الطبع لن يكون سواه.. عاود غلق الورقة و أعطاها لـ يزن ثم قال بـ جمود جاف
-سليمان الهواري
-قطب يزن وتساءل بـ عدم فهم:مين دا!
-أشار صُهيب إلى الورقة بـ رأسهِ ثم هتف:اللي بيستخدم شهاب هو سليمان الهواري…
صمت لفترة وجيزة ثم أردف بـ نبرةٍ صخرية
-عمي…
لم يجد يزن ما يقوله.. حاول فتح فمه ليتحدث ولكنه لم يجد شئ ليعود ويغلقه بـ قنوط حتى أكمل صُهيب دون تعابير تدل أنه على قيد الحياة
-حاول يعمل كدا مع مراتي بس أنا لحقتها وهددته.. مُكنتش مفكر إنه هيضرب ضربته فـ چيلان.. جُلنار ديمًا كانت هدف أي حد عاوز يأذي. جاسر الصياد بعد مراته.. لكن چيلان!!.. إحتمال مكنش لازم أشيله من حساباتي…
نبرة العتاب لنفسه لم. تخفَ على يزن كِلاهما يلوم نفسه.. كِلاهما مُشترك بـ شكل أو بـ آخر في إيذاء من أحبوهم
رفع صُهيب رأسه على صوت يزن وهو يهتف بـ قوة
-لازم نلاقي كاريمان دي الأول.. هي بداية الخيط اللي هيوصلنا لكل حاجة…
أومأ صُهيب موافقًا.. ليُخرج يزن هاتفه وأجرى إتصالًا مع رمزي صديقه.. الذي أعطاه عنوان لمنزل تقطن به كاريمان حاليًا.. ليُغلق الهاتف ثم أردف
-رمزي إداني العنوان دا…
أملاه العنوان ليضحك صُهيب ثم قال تحت نظرات يزن المُتعجبة
-الشقة دي كانت رشوة ليا من فترة عشان أشتغل معاهم…
يا ألهي.. تلك العائلة كـ الإخطابوط تمامًا.. أذرعها تمتد بـ كل مكان فـ تطال الجميع.. هذا حقًا مُزعج
تنفس يزن وقال بـ صوتٍ مكتوم وكأنه على وشك الإنفجار
-مش موضوعنا.. أنا و رمزي هنروح لكاريمان قبل ما تهرب.. وهبلغك بـ كل حاجة…
أومأ صُهيب بـ موافقة لينهض يزن و يرحل.. ثوان وصدح صوت هاتف صُهيب ليجد رقمًا مجهولًا ليرد بـ حذر
-مين معايا!
-أتاه صوت رجولي غليظ:أنا مُحامي عمك.. رغم إني المفروض مكلمكش بس لازم تعرف إن عمك هيهرب فجر الليلة دي…
**************************************
ترجل جاسر من السيارة بعد قيادة دامت لساعتين مُتواصلتين دون راحة.. عقله لا يزال بـ تلك الدوامة التي خلفتها عاصفة چيلان.. لقد رفضت رفضًا تامًا لِمَ قاله.. وعلى الرغم من سعادتهِ لذلك إلا أن مصلحة إبنته تفوق غيرته الأبوية عليها
كان قد يئس لإقناعها فـ ما كان من روجيدا إلا أن أخبرته ليتركها قليلًا.. إنها في حالة إنكار و نفور لأي مُذكر.. لذلك تركها و رحل بعدما أودع جبينها قُبلة وغادر ليقضي ما أجله يومًا كاملًا
الوقت قد تخطى مُنتصف الليل بـ كثير ولكنه لن يهدأ حتى يبيد من كان له يد بـ إيذاء طفلتهِ
توجه ناحية القصر و من ثم إلى تلك الغُرفة الخلفية كان يجلس جوارها سامح و صابر.. جويرية قد تم إرسالها مع نادين إلى المنزل بعيدًا عما يحدث الآن
ما أن رآه سامح وصابر حتى نهضا سريعًا و سؤالهما خرج بـ الوقت ذاته و بـ الإشفقاء والحُزن ذاته
-چيلان عاملة إيه!
-أجاب جاسر بـ جمود:كويسة…
أومأ سامح بينما صابر لم تُعجبه إجابته لم يعتبرها شافية ولكنه آثر الصمت فـ حالة جاسر لا تسمح بـ الحديث.. وخاصةً الآن وملامحه شيطانية يعلمها جيدًا ويعلم إلى ماذا ستئول الأمور
تخطاهما دون كلمة ليتنهدا ثم تبعا جاسر إلى الداخل
الجميع كان مُكبل و نظرات الذُعر تملكتهم حينما رأوا جاسر وهو يدلف بـ هدوء و بُطء مُرعب.. يُحدق بـ كلٍ على حدا و يُرسل إشارات قاتلة ترمي سمومها فـ تُصيب ما تُصيب
جذب جاسر مقعد حديدي يجره خلفه ليُحدث دويًا تقشعر له الجلود ثم جلس واضعًا ساق فوق أُخرى ثم تحدث بـ صوتٍ هادئ ولكن نبرتهِ كانت. قاتلة، حاد تجرح الأُذن
-مرة واحد حاول يأذي حاجة تُخص جاسر الصياد إتقتل و إدفن ومحدش يعرف هو فين غير اللي خلقنا كُلنا…
تفاوتت إستجابتهم ما بين مُرتجف و مُهتز وآخر صلب ظاهريًا فقط.. ليُكمل حديثه دون أن يفوته تلك الإختلاجات
-الباقي يتعظ لأ.. يجي واحد بقى مفكر نفسه مفيش أدي عشان يقرب من بنت جاسر الصياد.. فـ يقوم جاسر الصياد مُحتفظ بيه لمدة الله أعلم أد إيه دا غير خدمة العُملا اللي بقدمها…
نهض جاسر بـ هيمنة مُخيفة ثم أطاح بـ المقعد وهدر بـ صوتٍ جهوري خرج كـ الرعد المدوي
-حذرت من الخيانة وعقاب الخيانة عندي أسوء من لدغة التعبان…
وقع نظره على أحدهم كان مُغمض العينين بـ شدة وجسده يهتز بـ خفة تكاد لا تُلحظ ولكن ليس لنظر جاسر.. إتجه إليه بـ سُرعة ثم أمسكه من تلابيبه و دون حديث نطح أنفه وجأر بـ حدة شديدة
-يا بن الـ***.. هقتلك لو معرفتش فاهم!!...
إهتز بدن الحارس بـ قوة حتى أوشك على البُكاء.. ليردف سريعًا بـ تلعثم خائف
-أُقسم بالله معرفش حاجة.. أنا إتهددت بـ إبني لو مسهلتش دخول واحدة.. ومشيت الحرس اللي على البوابة الرئيسية هيقتلوه…
أمسكه جاسر من عنقهِ وشدّ عليه بـ قوة ساحقة ثم همس بـ فحيح
-مين دول؟
-أجاب الآخر:أنا معرفهاش.. واحدة ست…
لم يحتج جاسر وصف أكثر ليدفعه بعيدًا عنه ثم حلّ وثاق أحدهم وهدر بـ قسوة صارمة
-الكلب دا يفضل هنا لحد أما يطلعله صاحب.. ومحدش غيرك مسئول عنهم ولو حصل حاجة رقبتك هتتعلق على باب الأوضة دي…
**************************************
حاولت التملص من قبضته المُحكمة حول ذراعها ولكنها فشلت.. كانت كـ الكِلّاب قابضة عليها بـ قوة غريبة لتصرخ وهي تتلوى
-سبني يا مجرم سبني بقولك…
كان رده عليها صفعة قوية جعلت خُصلاتهِا تتناثر حول وجهها المتورم لضربه القاسي الذي أبرحه فيها.. وكأنها منفسه الوحيد لغضبه المُستعر بـ نيران زرقاء
الدماء إنسلت مُكملة لوحتها الضارية قبل أن تصرخ حينما وصلا إلى مخرج البناية التي تقطن بها
-حد يلحقني.. الـ*** دا خاطفني…
هذه المرة ضحك يزن بـ قوة أفزعتها قبل أن يدفع جسدها إلى السيارة ثم أطبق على عُنقها لتشهق بـ ألم و فزع حقيقي قبل أن يُهسهس بـ صوتٍ شيطاني أسود
-هقطعلك لسانك لو سمعت صوتك تاني…
ضربت ذراعيه بـ عشوائية علها تتخلص منه ثم هدرت بـ حدة مُرتعدة
-أنت مش أنقذت السنيورة بتاعك!. عاوز مني إيه؟
-كلمة ساحقة:روحك…
إتسعت عيناها بـ قوة قبل أن يجذبها من عُنقها ودفعها داخل السيارة لينطلق رمزي بهما بـ صمت
مسح يزن على خُصلاتهِ المُبعثرة إثر المجهود الذي قام به ثم نظر إلى صديقهِ وسأله
-عرفت كل دا منين!.. عندي فضول
-غمزه رمزي وقال:سر المهنة
-رمزي!!...
أردف بها يزن بـ تحذير ليضحك رمزي ثم أجاب
-ليا معارف كتير ودا اللي أقدر أقوله
-مازحه يزن:والله شكلك شغال فـ الموساد
-رد رمزي يُجاري مُزاح صديقه:وليه لأ!...
حرك يزن رأسه بـ يأس دون أن يرد ليسأله رمزي بـ جدية ناظرًا لتلك الجالسة بـ الخلف تُحاول فتح الأبواب الخلفية
-و ناوي على إيه مع دي!...
نظر يزن إلى المرآة الأمامية ليجدها لا تزال تُحاول الفكاك منه قبل أن يُعاود النظر إلى الطريق من نافذتهِ وأردف
- كُل خير إن شاء الله…
صمت رمزي قليلًا مُتردد لسؤال صديقهِ عما يدور بـ. خلدهِ ولكنه حسم أمره بـ السؤال لذلك أخذ نفساً عميق وتساءل
-هتعرف جاسر الصياد حاجة!
-أتاه صوت يزن هادئ:لم أعرف الأول فين شهاب.. مش عاوز حد يوصله قبلي
-تساءل رمزي بـ جدية:هتقدر…
فهم يزن ما يعنيه بـ سؤالهِ ولكنه تظاهر بـ عدم الفهم وسأله بـ صوتٍ مُتباعد
-هقدر إيه بـ الظبط!!
-أنت فاهمني كويس
-لما أشوفه هحدد…
أنهى يزن الحوار بـ تلك الكلمات لأنه حقًا لا يدري ما سيفعله حين يرى شقيقه.. شقيقه الذي حاول قتله.. أرجع يزن رأسه يتكئ إلى مسند السيارة قبل أن يصدح صوت هاتفه بـ وصول رسالة نصية من رقمٍ مجهول تهكن أنه صُهيب ولكن خاب ظنه بل وأنتفض مصدومًا حينما وجده جاسر الصياد
"قابلني حالًا قُدام المًستشفى اللي فيها بنتي"
وأسفل الرسالة وقع اسمه
تسارعت دقات قلبه أن يكون أصاب چيلان مكروه لذلك و بـ دون تردد هدر يزن بـ حدة غير مقصودة
-إطلع على المُستشفى حالًا يا رمزي.. وبسرعة
-تساءل رمزي بـ قلق:إيه اللي حصل!
-شد خُصلاتهِ بـ عصبية وأردف:معرفش.. جاسر الصياد بعتلي رسالة عاوزني فيها…
زاد رمزي من سُرعته حتى خَلَفَ وراءه سحابة تُرابية ليصل إلى تلك المشفى في وقتٍ قياسي وقد. ساعد على ذلك خلو الطُرقات نظرًا لأن الوقت قد تخطى مُنتصف الليل
توقفت السيارة حتى أحدثت صرير مدوي جذب إنتباه جاسر.. ليترجل يزن راكضًا ثم سأله بـ لهفة لاهثًا
-چيلان كويسة!...
حدق به جاسر مُطولًا قبل أن ينظر إلى السيارة التي ترجل منها ليجد تلك الكاريمان تُحاول الفرار ولكن رمزي قد أمسك بها.. أشار بـ رأسهِ إليها وتساءل بـ جمود حجري
-لاقيتها فين!...
حدق بـ صُهيب الواقف بعيدًا يُعانق خصر جُلنار إليه بـ تملك ساحق ثم إلى جاسر وأردف
-شقة واحد بـ اسم سليمان الهواري…
لاحظ تشنج فك جاسر و الشيطانية التي إحتلت حدقتيه فـ شوهت لونها الدافئ عكس نبرته التي خرجت ميتة لا تحمل مشاعر تنتمي إلى البشر
-كويس.. خليها تحت عينيك عشان هنحتاجها قُريب…
وضع يديه بـ جيبي بنطاله وتقدمه بـ خطوة ثم هتف بـ صرامة قوية
-دلوقتي تعالَ معايا…
تنفس يزن بـ تعب ونظر إلى صُهيب مرةً أُخرى الذي أومأ إليه علامةٍ أن يتبع جاسر دون حديث فـ فعل
صعد إلى السيارة جوار السائق وأخبر رمزي بـ أقتضاب أن يأخذ كاريمان إلى شقتهِ و يُراقبها جيدًا حتى يأتي هو
**************************************
ترجل يزن من السيارة وتبع جاسر إلى منزلٍ ما ليتنفس بـ إختناق وسأل جاسر بـ نفاذ صبر
-ممكن أفهم أنا فين!
-رد جاسر بـ جفاف:هتفهم دلوقتي…
كتم يزن غضبه بـ كُل ما أوتيّ من قوة وتبعه حينما فُتح الباب وسارا حتى وصلا إلى الصالة
توقفت ضربات قلبه بل وعجز عن التنفس وهو يرى چيلان جالس بـ شحوب.. كـ جُثة ميتة بـ ثوب أبيض كـ بياض روحها و جوارها عائلتها جميعهم من يعرفهم ومن لا يعرفهم.. ولكن ما أذهله هو ذلك الرجل بـ زي معروف عن وظيفتهِ
إستدار إلى جاسر وسأله بـ أنفاسٍ ذاهبة
-هو فيه إيه بـ الظبط!!...
تقبض جاسر حتى يُحافظ على ثباتهِ الواهي ثم قال بـ نبرةٍ حادة
-أنت قولت إنك مستعد تتجوز چيلان وهتحافظ عليها.. وأنا وافقت…
لمعت عيني يزن بـ سعادة لم تخفَ عن عيني جاسر ولكن قبل أن يتحدث كان جاسر قد أردف بـ صوتٍ خفيض ولكنه يحمل تهديد أسود
-بس وعزة جلالة الله لو أذيت بنتي.. بنت جاسر الصياد.. مش هيكفيني فيك روحك و روح اللي يهموك
-فقط أردف يزن بـ صدق عذب:هكون أنا ساعتها اللي دافن نفسي بـ إيدي…
رمقه جاسر بـ نظرة أخيرة غير راضية بـ المرة ولكنه مُجبر.. تردده تبخر حينما نظر إلى عيني روجيدا التي تنظر له بـ تلك النظرات التي تُذيب حجارة قلبه.. تنهد وأشار إليها ثم جلس جوار المأذون الشرعي الذي بدأ في مراسم الزواج
ويزن جالس أمام چيلان تلك العصفور المُرتجف بين يدي والدتها بل وتنظر إليه بـ عينيها البريئة بـ نظرات راهبة.. لقد إستشعر رهبتها منه ولكنه سيدحض كُل ذلك.. لديه مُتسع من الوقت وفيه سيكسبها ويُعالجها سيُعيد بناؤها
المراسم تمت بـ بُطء عكس ما توقع كان كُل ثانية وأُخرى ينظر إليها بل و يتمعن النظر إليها وكأنه يحفر تفاصيلها داخله نظرًا لِمَ سُيعانيه لمدة لا يعلمها إلا الله
كانت يدها ترتعش وهي تُمسك القلم لتضع توقيعها.. ترددها جعل القلم يسقط من بين يديها لتصرخ هامسة
-مش موافقة…
هوى قلبه وسحب وجهه إلا أنه لم يُظهر ذلك.. أما جاسر فـ نهض وتخطاه حتى جلس جوارها.. كل ما فعله هو أنه عانقها رابتًا على خُصلاتهِا و همس بـ كلماتٍ لم يسمعها ولكنها كانت كفيلة لتهدئتها ليلتقط القلم وتأخذه هي و أخيرًا أراحت قلبه و وقعت
أدمت قلبه وهي تُعانق والدها وكأنها آخر مرة ستراه بها.. ولكنه أمسك يدها وأجلسها بـ سيارةٍ ما و تبادلت العائلة توديعها بينما هو جذب جاسر وأردف بـ جدية وهو ينظر إلى چيلان
-أنا مش عارف إيه اللي خلاك توافق بـ السُرعة دي ونتجوز بـ الشكل دا.. بس أنا مش هتنازل عن فرح كبير ليها…
لم تظهر على ملامح جاسر الصخرية التأثر ولكن إختلاجة عضلة فكه فضحت أمره ثم أردف جاسر بـ تهديد آمر
-چيلان أمانة لحد أما أستلمها منك.. حياتك مُقابل خدش فيها
-رد يزن بـ إبتسامة رزينة:الأيام هتثبت إذا كُنت هأذيها ولا هحافظ عليها…
أدار جاسر وجهه بعيدًا عن يزن ليتنهد وصعد السيارة لينطلق بها تحت نظرات جاسر.. والذي إقتربت منه روجيدا لتضمه ثم همست بـ إبتسامة
-هي فـ أمان دلوقتي صدقني…
قَبّل جاسر ما فوق حاجبها الأيسر ثم أردف بـ صوتٍ كئيب
-أنا وافقت عشانك بس.. لكن قلبي مش مطمن…
وضعت روجيدا يدها فوق قلبهِ ثم همست بـ عذوبة
-طمن قلبك يا جاسر.. طمنه لأني متطمنه
-أردف جاسر بـ جمود:ياريت ميخيبش ظني…
بعد قيادة دامت لساعات
كانت چيلان جالسة مُنكمشة على نفسها تنظر إلى يزن بـ أعين حذرة وكأنه سيلتهمها في أية لحظة ولكن كلمات جاسر الذي همس بها وقت عقد القران تردد صداها بـ أُذنها فـ أكسبها بعض القوة الواهية.. خاصةً أن يزن لم يُقدم على أي فعل.. بل كان صامتًا يحترم صمتها و خوفها منه عدا عبارة أردف بها وهو يصف السيارة الخاصة بـ عائلة الصياد
-متخافيش يا چيلان.. أنا عُمري ما هأذيكِ أبدًا.. زي ما والدك وثق فيا ثقي فيا أنتِ كمان
-هدرت بـ إتهام قاسي:أنت كُنت مُشترك معاه.. أنا حصلي كدا بسببك…
أغلق يزن المُحرك و إستدار إليها واضعًا يده فوق المقعد جواره ثم أردف بـ هدوء وكأنه توقع إتهامها
-شهاب حاول يقتلني…
إتسعت عيناها بـ فزع وهي تضم يدها إلى صدرها ليومئ مُؤكدًا قبل أن يُكمل
-وقعت فـ الماية وهو فكر إني خلاص مُت بعدين إكتشفت إنه سرق موبايلي.. صدقني لو كُنت أعرف نيته مكنتش سيبته يأذيكِ بـ أي شكل…
لاحظ. تثاقل أنفاسها على الرغم من سُرعتها الجنونية ليتنفس هو بـ قوة حتى ضغط صدره على قميصه الذي يرتديه ثم أردف بـ رزانة
-يلا ننزل الجو برد…
ترجل هو حتى لا يُخيفها بـ وجودهِ وإنتظر بـ صبر حتى قررت هي الترجل بـ جسد يرتعش بـ نفور.. نغزات التي تُهاجم قلبه كانت على وشك قتله ولكنه قاوم قدر المستطاع و تقدم أمامها حتى تتبعه.. لينظر هو خلفه بين الثانية و الأُخرى ليتأكد أنها تسير خلفه
لم يحتج استخدام المصعد لذلك قرر الصعود على الدرج كي يؤجل فترة إنفراده بها.. ليُعطيها المزيد من المساحة والمزيد من الأمان
وصلا إلى الطابق الخاص بـ شقته ليفتح الباب ثم إبتعد إلى أقصى مسافة يسمح لها بـ المرور.. التردد والحذر هو كُل ما يظهر منها وهو يتنظر لن يقتحمها بـ ضراوة سيصبر حتى تعاد.. تعاد عشقه وإقترابه منها.. سيُزيل كُل ذكرى سيئة و يستبدلها بـ أُخرى سعيدة.. سيُزيل لمساته القذرة، القاسية و يستبدلها بـ أُخرى حانية تحمل العاطفة
رآها بعد تردد و إرتجاف جعلها تترنح ولكنه لم يُسارع إليها بعد أن سمر نفسه بـ قوة حتى لا يعتصرها بين ذراعيهِ.. تدخل إلى شقتهِ.. شقتهما الآن
إبتعدت إلى الخلف مُرتعدة بعدما أغلق يزن باب شقتهم وأصبحا بـ مفردهما.. هي وافقت أن تُلقي نفسها بين براثن ذئبٍ آخر
بينما يزن توقف حينما لمح ذلك الرُعب الساكن بين حدقتيها على الرغم أن ذلك أصابه ألم موجع إلا أنه توقف في مكانهِ وإبتسم بـ إطمئنان قائلًا
-أوضتك فـ آخر الطُرقة وأنا هروح عند لُبنى لو دا يريحك
-ردت بـ قسوة خائفة:أنا اللي تطفلت على حياتك.. رجعني لبابا…
أخذ يزن نفسًا عميق وهدأ أعصابه قائلًا وهو يحك مُؤخرة عُنقه
-لأ.. أنا أما صدقت دخلتي بيتي يا چيلان…
إتسعت عيناها بـ إرتعاد حقيقي وتراجعت أكثر..ويزن يقف مكانه ثابت لا يتحرك،صلب لا يهتز.. إلا أنه من الداخل ثائر، مُحطم لذلك الخوف المُنبعث منها
-إيه اللي يجبرك إنك تكمل مع واحدة آآآآآآ…
لم تستطع الإكمال ليبتسم يزن بـ عذوبة مُهلكة لعيناها الرائعة ثم أردف بـ نبرةٍ عميقة أكثر عُمقًا من المُحيط
-أنتِ حلم يا چيلان مش هسمح لغيري يحققه أبدًا…
أوشكت عيناها على الإستدارة لذلك الإتساع الكبير لهما ليضع يزن مُتعلقاته الشخصية فوق الطاولة ثم هتف بـ ذات نبرة عميقة
-يمكن تفكريني واحد غدار.. بس أنا حبيتك من أول مرة شوفتك…
ضحك يزن بـ خفوت ثم أردف وهو ينظر إلى عينيها البريئة الرائعة
-أو يمكن بحبك من قبل كدا…
تراجعت إلى الخلف لتصطدم بـ طاولة الطعام لتسقط تلك التُحفة مُحدثة دويًا عال فـ إنتفضت قائلة بـ تلعثم
-آآآآ.. آسفة…
إبتسم يزن وحك خُصلاتهِ مُسببًا بعثرتها بـ شكل مُحبب ثم هتف
-روحي أنتِ أوضتك وأنا هنضف اللي هنا…
ركضت.. حرفيًا ركضت إلى الداخل وأغلقت الباب خلفها بـ القفل.. صوت إغلاقه كان أقسى ما سمعه ولكنه أخرج زفرة حارة و هتف بـ صبر
-الصبر يا يزن.. كُل اللي هي محتاجاه الصبر…
**************************************
إنقطعت التيار الكهربائي فجأة من السجن ليسود الهرج بين الأفراد بـ الداخل.. كان تلك الأجواء مُناسبة لسُليمان وذلك العسكري الذي سحبه بعدما أفسح المجال بعض المسجونين مدفوعين الأجر
صعد سُليمان السيارة المُجهزة لتقله سريعًا.. صافح العسكري وقال بـ خُبث
-بكرة هيخبط عليك واحد الساعة تلاتة خُد منه باقي فلوسك.. وراضي المساجين اللي قاموا بـ الواجب
رد العسكري بـ لهفة وقد سال لُعابه لتلك النقود الطائلة الاي أغدقه بها سُليمان طوال تلك الفترة والأُخرى القادمة
-زي ما تؤمر يا سليمان باشا.. خيرك سابق.. يلا بسرعة عشان تهرب…
أومأ سُليمان لسائق كي يقود وبـ الفعل إنطلق بـ سيارتهِ سريعًا وإختفى
الشمس أوشكت على الشروق حينما كانت سيارة سُليمان قد وصلت إلى مدينة السلوم الحدود الفاصلة بين مصر وليبيا.. تنفس بـ راحة وهو أخيرًا يتذوق طعم الحُرية بعد تلك السنوات الطويلة
حُرية و إنتقام هو ما حصل عليه سُليمان بعد سنوات طويلة.. لا يوجد من هو أسعد منه الآن
توقفت السيارة أمام محطة وقود ليهبط السائق ثم أردف قبل أن يبتعد
-هزودها بنزين وأجيب حاجات ناكلها…
أومأ سُليمان ليبتعد السائق فـ أخذ الهاتف الموضوع جوار حقيبة جلدية بها هوية مُزيفة من أجل السفر خارج مصر وإستكمال تدمير جاسر الصياد
-هربت!!
-رد سُليمان:فـ السلوم.. وقُريب أوي هكون فـ ليبيا…
ساد الصمت للحظات من جهة المُحامي لا يقطعه سوى صوت أوراق و بعض الخشخشة ثم قال بـ جدية
-هناك رجالتنا هيدوك هوية تانية اللي هتقدر تسافر بيها لـ البرازيل.. وكمان شكلك لازم يتغير
-هعمل دا…
إتسعت إبتسامة سُليمان هو يسأل المُحامي عن جاسر
-أخبار جاسر الصياد إيه بعد فاجعة بنته!
-أجاب المُحامي بـ جمود:جاسر الصياد قلبها جُنهم يا سليمان
-ضحك سُليمان بـ شيطانية وأردف:مش هيطولني.. أنا خلاص هربت…
لم يدم الحديث طويلًا بل أغلق سُليمان الهاتف و أخرج الشريحة ثم أتلفها و ألقاها خارج النافذة
في تلك الأثناء قد صعد السائق إلى السيارة ليأمره سُليمان دون النظر إليه
-سوق بـ سُرعة.. بلاش تضيع وقت…
كان يتحدث وهو يضع شريحة جديدة بـ الهاتف ثم وضعه جواره.. رفع رأسه ليقطب جبينه وهو يجد طريق مُغاير لذلك الذي من المُفترض أن يسلكه ليستاءل بـ صوتٍ غليظ
-أنت رايح فين!!...
إلتفت السائق وأردف بـ إبتسامة شيطانية تُمثل الجحيم بـ عينهِ
-لنهايتك…
إنحسر الهواء من رئتي سُليمان حتى إنكمشت رئتيه و هربت الدماء من وجهه حتى إرتجف جسده برودة وهو يردف بـ نبرةٍ باهتة
-جاسر الصياد…