رواية أباطرة الغرام الفصل الثامن و العشرون بقلم اية محمد رفعت
.
اتسعت حدقتا عصام دهشةً، وسأله باستغرابٍ:
_إزاي ؟
_هو ده اللي حصل أنا من ساعة ما رجعت من هناك و أنا مش مصدق، خايف أخسر ياسمين بسبب الموضوع ده يا عصام .
أجابه باقتضابٍ تحوَّل لخوف من خسارة حبيبته، فازدادت غرابة عصام في سؤاله :
_هتخسرها إزاي ومحصلش بينكم حاجة؟
أجابه خالد بسرعة يأنب ذاته بخطيئته:
_بس كان هيحصل وكنت هقع بالغلط
استنكر محاسبته لذاته على شيئًا لم يحدث من الاساس، فصاح به :
_ومرتكبتوش هتتحاسب عليه ليه؟
وضع جميع الاحتمالات قبالة عينه، فردد بخوفٍ:
_أنا لسه شايف حبها ليا جوه عيونها، وخايف انها تستخدم الموضوع ده بطريقة تانية علشان توقع بيني أنا وياسمين.
ربّت عصام على كتف ابن عمه يطمئنه:
_شيل الهواجس ده من عقلك، وحتى لو البنت دي تفكيرها زي ما قولت مين هيديها الفرصة إنه يسمعها أساسًا، ياسمين عارفاك كويس يا خالد ومستحيل تصدقها.
واستطرد بتريثٍ:
_يالا إطلع غير هدومك وفوق كده عشان هنروح نجيب آسر وحازم والموضوع ده تنساه تمامًل.
**********
_ آسر أنت يا ابني!
ناده حازم وهو يلكزه بقوةٍ، جعلت الاخير يتململ بفراشه بانزعاجٍ اتبع سؤاله:
_عايز أيه على الصبح؟
تجهمت معالمه من طريقته الباردة بالحديث،ومع ذاك تابع بضجرٍ :
_قوم إنزل معايا وساندني كده عشان يبان اني دراعي تعبني ويجبلولي منة تشوف
تجمدت نظرات آسر لشدة غبائه، ةهتف بانفعال شديد:
_أنت غبي يالا هقوم أساندك ازاي وأنا مدشش كده، أنا عامل جراحة خطيرة مستوعب خطورة حركتي يا غبي؟
جلس حازم مكانه باستياء ثم قال بيأس :
_خلاص عرفنا إنك متنيل.
وهمس بفتورٍ:
_فخور أوي بالجراحة ولا كأنك واخد شهادة الايزون.
وتابع بغيظٍ:
_ مش عارف عملية ايه اللي مانعاك من مساعدة صاحبك وهو واقع كده!
************
بدأت ندى في محاولاتها لايقاظ ياسمين،وكعادتها لم تنصاع إليها بسهولةٍ، فلجأت للمياه تلك المرةٍ، لتحرمها من أحلامها الوردية الغارقة بها،انتفضت ياسمين عن الفراش بفزعٍ،فالتقطت عينيها الدلو الذي تحمله ندى بين يدها، فصاحت بانفعال:
_ايه اللي انتِ عملتيه ده؟
أجابتها بانتصارٍ :
_أحسن علشان بعد كده تخلي نومك خفيف أما أنادي عليكِ تقومي على طول.
أزاحت ياسمين قطرات المياه عن وجهها، فألقت المنشفة على الفراش وهرعت من خلفها، ركضت الاخيرة للخارج لتلوذ بالفرار فاندفعت ياسمين من خلفها فاصطدمت بخالد الذي كان بطريقه لغرفته ليبدل ملابسه، نظرت إليه بتعجبٍ فقد كان بنفس الملابس التي ارتداها بالأمس وكأنه ولج للمنزل الآن، فتساءلت بريبةٍ:
_ أنت كنت فين يا خالد؟
سألته باستغراب فأجابها باقتضاب:
_مفيش كنت قاعد برا في الحديقة وراحت عليا نومة.
واستطرد بمكرٍ:
_ أنت كنت بتجري ورا ندى ليه؟
_علشان صحتني من أحلى نومة لا وبالمية كمان.
أجابته بانزعاجٍ طفولي فتعالت ضحكاته الرجولية وقال بتريثٍ:
_يعني لما أجي أصحيكي بعد الجواز هتعملي فيا كده ؟
_ و أنت مفكر أنك هتجي جمبي و أنا نايمة وتصحيني كمان أتجننت ولا ايه ؟!
أجابته بحدة ختمتها بحركة يدها التي تشير إلى الجنون، لترتفع ضحكته قائلاً بخوف مصطنع ختمه بمكر وغمزة :
_ براحة علينا يا عم فيه وبعدين أنا مش هصحيكِ بالمية أنا هصحيكي بحاجة تانية
أحمر وجه ياسمين خجلًا وقد أدركت مقصده فتركته وركضت إلى غرفتها كي تختبئ من نظراته الجريئة لها، راقبها بهيامٍ حتى اختفت من أمامه، فتابع سيره إلى غرفته وقام بتغير ملابسه إلى سروال من الجينز الفاتح و "تي شيرت" من اللون الأبيض زاده جمالًا، واتجه على الفور بسيارته للمشفى بعد أن صرح الطبيب لآسر بالخروج.
**********
دلفت منة غرفة آسر بعد أن توصلت لخطة شيطانية علها تتمكن من اقتحام حياة خالد مجددًا مستغلة عاشقها الأبله، نظر حازم لباقة الورد الحمراء بين يديها واندفع بعشوائيةٍ يسألها :
_الورد ده ليا يعني أنتِ موافقة تتجوزيني؟
_ أفكر.
أجابته بدلال وهي تمد له الورد، وبعدها فُتح الباب فجأةً ليدلف خالد وعصام، فهتف آسر بثقة مرحة :
_كنت واثق يا خلّود إنك هتيجي تاخذني ومش هتسبني أقعد هنا.
_والله غصب عني أعمل ايه يعني أسيبك هنا والناس تتأذى منك أكتر من كده.
رد خالد عليه بضيق، ليشهق حازم بدراما وقال :
_ يعني أنت جاي تأخد آسر مين بقى اللي هياخد حزومي؟
_ متقلقش أنا اللي هاخدك ياحبيبي.
أجابه عصام مطمئنًا ثم باغته بلكمةٍ في وجهه وشده من القميص إلى الخارج وسط ضحكات خالد و آسر .
قام خالد بمساعدة آسر لركوب السيارة و أثناء سيره أوقفته منه بسؤالها :
_مش هنشوفك ثاني يا خالد ؟
_على حسب الظروف هنتقابل قريب عن أذنك.
أجابها باقتضاب ثم انسحب نحو السيارة مجددًا، لكنها تقدمت نحو حازم قائلة :
_حاول ترتاح علشان إيدك.
_خايفة عليا ؟
سألها بعد أن نظر ليده، لتجيبه بدلال :
_ أكيد هات رقم موبيلك علشان أطمن عليك .
اعتلته السعادة ثم قال بمرح :
_رقمي بس الموبايل كله خدي تحت امرك
قامت منة بتسجيل رقم حازم طريقها الوحيد للوصول إلى خالد، والأخير قد قام بتسجيل رقمها وقد كان في غاية السعادة.
**********
وصل الجميع إلى القصر، و أثناء توجههم إلى غرفة آسر، أوقفهم معترضًا وطلب منهم أن يتوجهوا به إلى غرفة خالد مما أثار غيظه فقال بضيق:
_ ارحمني يا بني لوجه الله أنت عايز ايه بالظبط حتى و أنت بتموت لزق فيا! .
_ أسكت يا خلّود ده أنا شايل الهم، الفرح بعد أسبوع، أنا لازم أقعد معاك السبع أيام دول بلياليهم أودعك .
قالها آسر بحزنٍ، ليردف خالد بحنقٍ:
_لا ياعم أنا لا عايزك تودعني ولا أودعك هو أنا هموت أنا معاك في نفس البيت أهو يا غبي .
أجابه بضيقٍ أقتنع الآخر به، بينما حضرت آمال تتقدم نحوهم وهتفت بسعادة:
_حمدلله على السلامة يا حبيبي .
أجابها آسر بثقة :
_ الله يسلمك يا آمال مش لازم القلق ده.
دفعته أمه بيدها برفقٍ واحتضنت ابن أختها قائلة:
_أنا بكلم حازم مش أنت.
شعر آسر بالضيق، لتتقدم سهير نحوه تهتف بمراضاة:
_متزعلش يا آسر ده أنت رجعت نورت القصر .
_بجد ؟
سألها بسعادة لتحرك رأسها بإيجاب، بينما نظرت آمال لعصام تحدثه :
_ عصام ، إحنا اخترنا كل حاجة عشان الفرح قرب فاضل بس الفساتين.
_ أنا وصيت عليهم من باريس وهيوصلوا بعد يومين .
أجابها بإنجاز المهمة الناقصة والتي أنجزت معظم مهام وتجهيزات الزفاف و أجنحة العرسان بمساعدة ياسمين وندى بعدما اختاروا أجود أنواع الفرش والستائر ، وما يليق بأبناء الدالي، غافلتين عن سها التي لا تفكر إلا بما ستضعه بالبراد!
**********
جلس الشباب معًا في الأسفل، فتقدم عصام نحوهم يجلس بينهم، ثم قال وقد رأى حازم لا يزال هنا :
_أنت ايه اللي مقعدك هنا ؟
ابتسم حازم ثم بادل الجميع نظراته وقال :
_أنا بالصلاة على النبي كده نويت أعيش هنا.
هتف عصام باستنكار:
_لا، هو حد قالك إن إحنا فاتحينها لوكندا.
_هو مش بيت خالتي يا جدع لازم أخد راحتي وأبرتع فيه.
أجابه بفخرٍ وهو يمدد قدميه على المقعد، استنكر عصام حديثه ثم جذبه من قميصه:
_لو هتقعد تقعد باحترامك بدل ما أكسرلك دراعك التاني والمرادي كسر مش كدمة يا حازم!
جحظت عينيه صدمة بعدما تأكد من صدق تهديداته وقد سبق له اختبارها من قبل، لذا هرب حازم إلى منزله بينما صعد الجميع إلى غرفهم ليرتاحوا من أحداث اليوم.
******
بغرفة خالد
جلس على فراشه مهمومًا، يتذكر ذاك الماضي المؤلم لعواطفه، لا يعلم لماذا عاد ليلتقي بها بعد تلك الأعوامٍ، كانت تلك الصفحة الممزقة بحياته وقد عادت ليتم لصقها قصرًا بحياته، فعادت ذكرته للخلف وبالأخص بأيام الثانوية
##
كانت منة صديقته في تلك الفترة حتى بعدما تفرقا بالجامعة، كانت تقضي معه الكثير من الوقت وبدأت نظراتها إليه تتحول إلى نظرة إعجاب ثم إلى حب، وبالرغم من ملاحظته لما تكنه إليه الا أن قلبه كان لا يزال عالقًا بعشق طفولته ياسمين، مازال بتذكر حينما قامت الجامعة برحلتها إلى الخارج، وكان خالد أول من اشترك بها، وتفاجئ بوجود منة، ليس بالرحلة فحسب بل بكل مكانٍ شمله، كان يبتعد عنها قدر المستطاع ولكنها مازالت تلاحقه، حتى بذاك الحفل اللعين.
كل ما يتذكره حينما ارتشف كوب عصيره الذي أفقده وعيه تمامًا،وكأنها وضعت داخله شيئًا عن عمدٍ، شعر بطعمه اللازع منذ أول رشفة فتوقف عن تناوله للكمية بأكملها، وحينما بدأ الدوار يهاحمه اتجه لغرفته على الفور ، فظنت بأن خطتها قد أجدت نفعًا ولم تلاحظ بقاء الكوب بكمية أكبر مما اعتقدت كونها تدرس الطب وما يناسب ذاك العقار المستخدم، لحقت منة به،وبذلت محهودها بالتودد إليه بطريقة مقززة، ليقترب منها يتجاوزا الحلال بفعل المحرمات دون وعيٍّ منه، ليفيق فجأة بعد أن خيل إليه ياسمين تنظر إليه بحزن وكراهية، لم يحتمل تلك النظرات منها، نهض مبتعدًا عنها دون الحصول على غايتها كاملة، ليمنحها نظرة أخيرة حملت معاني الاشمئزاز بين طياتها، ومع ذلك لم تفقد محاولاتها، فاقتربت منه ةهي تهمس إليه بصوت مغري:
_متبعدش أنا بأحبك يا خالد!
دفعها مجددًا وهو يشير إليها بتحذير:
_أنتي إنسانه مقززة، إبعدي عني.
اهتز رأسه بصورة ملحوظة، فاستطرد بارهاقٍ:
_أنا متأكد إنك حطتيلي حاجه في العصير ده!
وترك الغرفة بأكملها خشية من أن ينتصر عليه شيطانه ويوقع بفخها اللعين، فهبط جوار المسبح ليلقي ذاته به عل برودة المياه تعاونه على الافاقة ليتمكن من الانفلات عن ذاك فخ حواء اللعين!
*********
لاحظ آسر الذي دلف مؤخرًا شرود خالد فتقدم إلى جانبه وهو يناديه للمرة الثالثة،وحينما لم يجيبه حركه بقلق :
_ أنت يا ابني.
التفت إليه خالد بمنتهى الهدوء ونظر إليه ثم أجابه بنبرةٍ هادئة:
_ أيه يا آسر في أيه؟
اندهش من حديثه الهادئ، فجلس متربعًا أمامه يتأكد من صدق ما سمع :
_خالد أنت طبيعي، أصلك بتكلمني بهدوء على غير العادة كده؟
زفر خالد بضيق فهو حقًا متعب ولا يطيق سماع شيئًا ولا الخوض بمشاكسته التي لا تنتهي فطالبه بهدوء :
_آسر لو سمحت أخرج وسبني لوحدي.
_مالك يا خالد في ايه؟
سأله بريبةٍ لحالته تلك، فلم يمنحه خالد الجواب مكتفيًا بطلبه أن يترك له مساحةً خاصة ، فغادر آسر على مضض وهو يعتصر رأسه عما قد أصابه، فابتسم بمكرٍ وهو يتوجه إلى غرفة ياسمين، فدفع الباب بقوةٍ أخافتها وهتف مناديًا لها :
_بت يا ياسمين.
قفزت عن الفراش برهبةٍ وقالت من بين أنفاسها اللاهثة:
_في حد يدخل على حد كده ؟!
_مش أنا دخلت يبقى في!
أجابها بفخر وهو يتقدم نحوها ، لتسأله بغضب :
_ عايز ايه يا زفت؟
_بتقولي لمين زفت؟
سألها بحدة، لتجيبه مقلدةً حديثه السابق :
_ مش أنا بكلمك يبقى أنت.
اقترب منها مهددًا إياها :
_ أنا زفت؟ إما ربيتك.
_والله لو جيت جنبي هصرخ والمرادي خالد هيقتلك بجد.
هتفت محذرة وهي تتراجع بخطواتها تحاول الفرار منه، ليهتف الآخر مستمتعًا بخطته التي توشك على النجاح :
_طب وريني سي خالد بتاعك ده هيعمل ايه!!
ركض آسر خلفها، وهي تركض بسرعة تجاه باب غرفة خالد المفتوحة، وقف بصدمةٍ ليراها تختبئ خلفه فسألها بقلق :
_في ايه يا ياسمين؟
_ آسر عايز يضربني.
أجابته وهي تمسك ذراعه بقوةٍ، فسألها بدهشةٍ:
_عملتي أيه؟
أجابه آسر وهو يحمل عصاه الغليظة ويبحث عنها بوجومٍ:
_علشان بتشتم أخوها الكبير ياخلّود.
نظر خالد إلى ياسمين يستشف صحة حديثه، لتحرك رأسها مؤكدةً ذلك بخجل، فما كان منه إلا أن تنحى جانبًا تحت نظرات ياسمين المستغربة ثم قال بمللٍ وهو يتحرك لفراشه :
_أنا تعبان، حلوا مشاكلم مع بعض!
نظر آسر نظرة شيطانية لياسمين التي ابتلعت ريقها من الرعب، فرفع عصاه في محاولة لاستنزاف أعصاب خالد عن قناع برودته، وقد أجدت محاولته نفعها حينما اندفع إليه يحيل بينهما بغضبٍ، وهو يصيح بانفعال:
_عايز تضربها وقدامي يا حيوان.
_مش أنت اللي قولت حلوا مشاكلكم مع بعض؟
سأله آسر باستغراب ليجيبه خالد :
_تقوم ترفع ايدك عليها؟
_ بس آ.
حاول أن يتحدث لكن خالد أسرع بطرده من الغرفة، وتطلع إليها، فوجدها تبتسم إليه بحبٍ تدفق بنبرتها الرقيقة:
_كنت متأكدة أنك مش هتسيبه يضربني .
اقترب منها يرد خصلة عن وجهها قائلًا بمكر:
_لا ده أنا فكرت في نوع عقاب أحلى ليكِ.
_عقاب ايه؟
قاطع حديثها، حينما ارتشف من رحيقها، عساه يهرب من تلك الهواجس التي تستنزفه، يريدها لجواره حتى وإن كان يخشى القادم، وعلى استعدادًا بقربها إليه بأنه على أتم الاستعداد للمحاربة!
**********
ارتدى عصام سروال أسود وتيشرت أسود ونثر عطره المميز وقام بتمشيط شعره، وكاد بالتوجه للفراش ليستريح قليلًا حينما علت طرقات الباب قبل أن يتحرر مقبضها، ولجت ندى للداخل تردد :
_ فاضي؟
_ولو مش فاضي أفضالك!
قالها مبتسمًا وهو يراقبها تدنو إليه، فجلست على الاريكة القريبة من الشرفة وهي تشير إليه بالجلوس، فانتظر ما ستخبره به، وزعت نظراتها بينه تارة وبين الحديقة تارة أخرى، فسألها باهتمامٍ:
_ما تتكلمي!
ابتسمت وهي تخبره بمكر:
_بصراحة مفيش حاجة أنا لقيت نفسي فاضية قولت أجي أرغي معاك!
نهض عن مقعده وجلس جوارها وهو يردد ببسمته الخافتة:
_وماله يا روح قلبي نرغي للصبح.
تحركت عن محلها لتضمن وجود مسافة آمنة بينهما حينما باغتها بجلوسه لجوارها، زوى عصام حاحبيه باستغرابٍ لحق سؤاله:
_بعدتي ليه؟
ابتلعت ريقها بتوترٍ وهي تجيبه:
_لا عادي أنا مرتاحة كده.
منحها نظرة خبيثة قبل أن يدنو منها بمجلسه، وهو يهمس لها بمكرٍ:
_خايفة؟
منحته نظرة مرتبكة فتابع على نفس المنوال:
_ولا معندكيش ثقة في نفسك.
ضيقت عينيها بنظرة ساخرة وهي تكشف غايته من حديثه الخبيث، فقالت بحيطةٍ:
_ وأخاف ليه أنا مش بحبك ولا عيونك بتخليني في دنيا ثانية ولا بعشق ريحة البرفيوم بتاعتك عشان أتأثر بيك!
تعالت ضحكاته الرجولية، وردد بمزحٍ:
_كده أنا اللي لازم أخاف على نفسي منك!
تقوس حاجبيها بضيقٍ فلم يستطيع منع ضحكاته والغريب مشاركتها له بالضحك تأثرًا برؤيته بتلك السعادة!
**********
في صباح اليوم التالي استيقظت ياسمين وقد عزمت أن تنصاع لحديث ندى المتعلق بأمر الطبيب النفسي لكن دون علم أحد، تعشقه وتود أن تشاركه حياته بكل أركانها، لذا لن تدعي رهبتها مما تعرضت إليه تمزق روابطهما، ارتدت ملابسها بسرعة وخرجت تهرول لتلحق بالموعد، وحينما كانت بطريقها للأسفل،أوقفها خالد متسائلًا باستغرابٍ:
_ رايحة فين الصبح كده ومن غير ما تقولي لحد!
ارتبكت أمامه، فقبضت على فستانها وهي تردد بتوتر:
_ آآآ أنا …اه رايحة لواحدة صحبتي.
نظر لعينيها وقد شعر بارتباكها ثم قال بشكٍ:
_ومدام نازلة تقابلي صديقة ليكي مستأذنتيش ليه مني!
_هو أنا لسه صغيرة يا خالد، ثم إنك هتفتحلي تحقيق!
قالتها وهب تهم بالهبوط متجاهلة إياه، فجذبها بقوة لتواجه عاصفته وخاصة حينما صاح بصوته الرعدي وهو يتجه بها لغرفتها :
_طيب يا كبيرة يا عاقلة تعالي أعلمك الأصول!
ودفعها للداخل وهو يصيح بشراسة:
_أنا نبهتك قبل كده ألف مرة تكلميني باحترام، ثم إنك فاكرة أنك على ذمة خروف عشان تأخدي في وشك كده وتنزلي من غير إذني!
بكت لشدة خوفها وألمها من ضغط معصمه حول يدها التي أدمتها أظافره، ومع ذلك هتفت بحدة من بين نحيبها وهي تخفي معالمها المتألمة:
_ و أنت مالك أنا أخرج براحتي ما أنت بتخرج براحتك وبتروح تقابل بنات كمان!
حديثها هذا كان صدمةً بالنسبة لخالد، الذي زاد الضغط على يدها وقال من بين أسنانه:
_مين اللي قالك الكلام ده؟ بنات ايه اللي بقابلهم؟
_ أسأل نفسك.
أجابته بحدة، فعلى صوته أكثر والضغط يزداد حول معصمها فشعرت ببرودةٍ تسري على ذراعها :
_ياسمين أتكلمي عدل أحسنلك وفهميني جبتي الكلام ده منين ؟
_ آسر.
لجأت للكذب وقد كان أول ما خطر ببالها ليزداد غيظه:
–وأنتِ أي حاجة يقولها الزفت ده تصدقيها ؟ ماشي أنا هوريه!
وتركها وتوجه إلى غرفته باندفاعٍ، فابتلعت ريقها بتوترٍ لما فعلته تلك المرةٍ بأخيها البريء، ولكنها لم تجد أي حلول أخرى، على لحظة كان سينكشف ما ترغب بأن يظل مخفيًا عنها، ركضت من خلفه وهي تتمنى أن ينتهى الأمر دون حاجة منها للكذب مجددًا. .
**********
دقائقٌ معدودة تحول بها القصر إلى مسرح للعبة القطٍ والفأر، مازال خالد يركض خلف آسر في محاولةٍ للفتك به بعد أن أثار غيظه بقوله أنه تحدث كثيرًا ولا يذكر ماذا قال، فجلس على المقعد وهو يردد بتعبٍ:
_حرام عليك يا خالد أنا لسه تعبان ومش حملك على الصبح!
قطع صوت عصام حوارهما حينما تساءل:
_في ايه علي الصبح؟
_هقتلك يا آسر والله لأقتلك.
هتف بها خالد بتوعدٍ فكرر الآخر سؤاله ثم نظر لآسر الذي ابتعد قليلًا عن مرمى يدي خالد وقال :
_ هببت ايه ياحيوان!
_والله ياخويا أنا كنت نايم في أمانة الله لقيته داخل وبيتهجم عليا زي ما أنت شايف كده.
أجابه ببراءةٍ، فحاول خالد أن ينقض عليه مجددًا ، ليقيده عصام بقوله:
_طب بس أهدى وفهمني في أيه يا خالد.
_صباح العسل الصافي .... هو في ايه؟
هتف حازم الذي دخل بمرح ليتفاجأ بحالهم ، فأشار له آسر ومازال يعافر أسفل يد خالد المتعصب:
_ لا متخدش في بالك
_ويا ترى أيه سر الزيارة الكريمة؟
سأل خالد بسخرية، فعدل حازم من ياقته وقال بغرور :
_ كنت جاي أقولكم أني قررت أخطف منون و أتجوزها وهنفذ النهارده وده قرار لا راجعة فيه.
_أشطا و أنا هسوقلك العربية و أنت تشدها!
هتف آسر بسعادةٍ وهو يضرب كفه بكف حازم، لينظر خالد لعصام بضيق ثم قال :
_طب مش كنت تسبني أخلص عليه و أفضى للتاني كده العدد زاد هنخلص على مين الأول؟
_صباح الخير يا شباب .
صوت محمد فرق خطتهما بعد أن تقدم نحوهم ليرد الجميع إليه التحية ثم نظر لآسر باستغراب لجلوسه على سور السلم، فسأله :
_ايه اللي مقعدك كده وأنت تعبان يا آسر؟
_ أصلي زهقت من القعدة الأوضة فقولت أنزل اتشمس شوية.
أجابه بسخريه زادت من دهشة عمه الذي قال :
_تتشمس هنا على السلم ؟
أجابه حازم بسخرية:
_متخدش في بالك يا برنس..
نفث عصام بضيق وقال لخالد :
_أنا راضي ذمتك مكنش عندي حق لما كسرت ايده ده حيوان لازم رقبته اللي تنكسر .
_عندك حق والله .
أجابه خالد موافقًا، ثم شعر محمد بوجلٍ مصطنع منهم وقال قبل أن يغادر :
_ يعني أفهم من كده إن وجودي بالوقت ده غير مرغوب فيه.
اعترض عصام على حديثه، مرددًا:
_ده بيتك ومطرحك يا عمي.
أجابه عصام بابتسامةٍ هادئة ناقضت حدة حديثه السابق، وما زاد الاجواء اشتعالا دلوف ندى بفستانها الأخضر الضيق، وابتسامتها التي جعلتها فتنة متحرمة أمامهم، حينما قالت:
_صباح الخير .
ذهِل حازم لجمالها فتبدو كحورية بحرٍ هاربة، أطلق صفيرًا معجبًا بإطلالتها ثم قال :
_صباح الحلاوة والجمال هو في كده .
توجه إليه عصام بنظراتٍ قاتلة إليه، ثم قال محذرًا:
_حازم أنا عامل احترام لعمي بس قسما بالله لو مكنش موجود لكنت دفنتك حي و أنت واقف مكانك.
ثم جذبها إليه بشدة من معصمها يسحبها إلى غرفته، وما أن غادر من أمامهما حتى صاح خالد به:
_ هزارك السخيف ده تأخد بالك منه بعد كده، عصام مش هيقبل بهزارك ده تاني لانها بقت مراته مش بنت عمه.
وتابع بتشددٍ:
_كل ما تفهم ده أسرع كل ما كان مفيد ليك. .
تمتم حازم بسخطٍ :
_بهزر مع بنت خالتي يا جدعان أيه حصل لكل ده!
هتف آسر ساخرًا وهو ينال قسطًا من الراحة على الأريكة :
_ لسانك حصانك إن صنته صانك و إن هنته ذلك ودحرج أمك للضرب .
قطع حديثهم تلك المرو صوت سها المنادي:
_خالد.
التفت إليها خالد لتسأله بحيرة :
_فين ياسمين مش لقياها في أوضتها؟
تذكر خالد أمر ياسمين، فاستشاط غضبًا حينما استغلت ما حدث بينه وبين آسر لتفر هاربة للخارج محطمة كلامه دون خوفًا، فغادر والدماء تتصبب بعروقه بينما ردد حازم بهيامٍ :
_ ايه ياسو مفيش صباح الخير يا آسر ولا عامل أيه دلوقتي، أي حاجة ؟
_ مش أما آكل الأول يا آسر أبقى أسالك.
أجابته بضيقٍ وهي تتجه نحو المطبخ، فأوقفها حازم بسؤاله:
_هو أنتِ مش بتعرفي تتكلمي إلا لما تاكلي ؟
وقفت سها تشرح له بمثالٍ قائلة :
_ أكيد هو في عربية بتمشي من غير بنزين و أنا كده أروح أشحن التنك وأجيلك يا أسورة.
ظل آسر يتابع موضعها الذي تقف به بصدمة، فضحك حازم بضحك قائلًا بشماتة :
_ بتملى التنك الأول، إلبس في خلاصة أعمالك السودة يا معلم
همس بحزنٍ بالغ:
_ما أنا لبست من زمان واللي كان كان.
وحينما وجده يبتسم إليه بشماتة صاح بغضب:
_دك حشه في معاميك يا بعيد!
************
أوقف عصام ندى وهو لازال يقبض على معصمها، فتأوهت وهي تسأله باستغرابٍ:
_في ايه يا عصام؟
صرخ بها بعنفٍ :
_مش عارفة ليه ده لبس تنزلي بيه تحت؟
_ماله؟!
سألته بعدم فهم استفزه فقال بسخرية:
_والله مش عارفة ماله؟!
_متكلمنيش بالطريقة دي تاني أنت فاهم!!
هتفت بعصبية ليزيد من ضغطه على يدها وهو يشير لها بتحذير:
_صوتك ميعلاش عليا تاني أنتِ فاهمة ؟!
تألمت ندى بشدة من ضغطه على يديها والتي رسمت القوة عليها، ثم قالت بعصبية :
_لا هعلي صوتي طول ما أنا شايفة أني مغلطتش في حاجة.
_متعصبنيش ياندى أحسنلك.
هتف عصام بعصبية محذرًا إياها، فاستفزته بقولها :
_أحسنلي إزاي يعني هتعمل ايه؟
تحولت عينيه للون الأحمر من شدة الغضب ، فجذبها من خصلات شعرها إليه لتقابل عينيه الجافة، حاولت أن تبعده عنها برعبٍ من نظراته القريبة لها، دفعت يده للخلف فابعدها بحدةٍ جعلت أظافرها تحتك بشفتيها لتنزعهما بجرحٍ تسبب بتسبب الدماء على ذقنها، ومع ذلك لم يحررها وخاصة مع تردده لها بصوت مخيف:
_متحاوليش تختبري غيرتي عليكي يا ندى، حازم بالرغم من صحوبيتي ليه هو خط أحمر ليكي، ابن خالتك والكلام العبيط ده ميأكلش معايا، ضحكك ومرقعتك قدامه ده ميتكررش تاني أنا راجل والراجل ميرضيش بكده على أهل بيته، سامعة؟
هزت رأسها وهي تبكي بشدة وهي تحاول أن تبعده عنها ولكن هيهات لم يكن يسمع لهمسها الباكي، تركها أخيرًا فارتجفت ندى من الخوف فهي معتادة منه على الرقة لم ترى أبدًا قسوته تعالت شهقاتها الباكية، فرق قلبه لها وخاصة حينما وجد الدماء تنسدل على وجهها، اقترب منها يهمس باسمها لترجع بخطواتها عنه بخوف :
_لا ابعد عني.
_ أنا اسف ياحبيبتي انفعلت شوية عليكي .
أعتذر منها بندمٍ عما بدر منه، ولكنها لم تتقبل ذلك فقالت ودموعها تبكي بشدة لتقول بخوف :
_ سبني أخرج لو سمحت
_ أسف مقصدش.
كرر اعتذاره، لتكرر جملتها بالابتعاد عنه، توجه نحو الحمام يحضر علبة الاسعافات الأولية، ثم تقدم منها ليطهر جرحها لكنها رفضت بشدة تكرر جملتها:
_ ابعد عني لا.
_ آسف يا عمري والله ما هعمل كده تاني بس خاليني أطهرلك الجرح!
كرر اعتذاره مجددًا وملامحه يكسوها الندم والحزن، لكنها أجابته برفض :
_مش عايزة منك حاجة، عايزة أرجع أوضتي.
أسرعت للخروج، فمنعها بيدها، فصاحت به بدموع :
_سبني بقولك.
حاول أنه يجذبها بين أحضانه، فدفعته ليبتعد عنها وبعد محاولات نجح عصام في شل حركتها تمامًا و احتضنها بشدة، هدأت على صدره وعندما شعر بهدوئها أبعدها عن أحضانه وأجلس جواره وهو يمسد بإبهامه على يدها قائلًا:
_ غيرتي عمتني أنا أسف
سحب العلبة إلى جانبه ثم بدأ في تطهير جرحها وهو ينظر إلى عينيها التي تسرق النظرات إليه، فوجدها تفرك أصابعها بخجل وهي تجاهد لتردد:
_مش هلبس الفستان ده تاني.
وتابعت وهي تتحاشى التطلع إليه:
_أوعدك إني هأخد بالي من تصرفاتي تاني، أنا آآ.
وبارتباكٍ استطردت:
_أسفة.
ابتسم وهو يقترب منها ببطء يمنحها هدية اعتذارٍ رقيقة، جعلتها تحتضنه وتهمس له بخوفٍ:
_ أنا خوفت منك أوي، متعملش كده تاني!
_خلاص بقى أنا اعتذرتلك!.
كرر اعتذراه للمرة التي لا يدري عددها لتبتسم وسط دموعها، بعدما انتهى هذا الجدال بينهما سريعًا.
**********
عادت ياسمين إلى القصر بعد إنتهاء جلستها الأولى مع الطبيبة، اتجهت لغرفتها لتستريح قليلًا،فأول جلسة لم تكن بالسهلة عليها بالمرةٍ، فاتبعت نصائح الطبيبة بالراحة، فما أن أغلقت باب غرفتها واستدارت تجاه خزانتها، حتى انتفضت محلها حينما وجدته يجلس على المقعد الذي يتوسط غرفتها، ويراقبها بنظرات يتمرد بها الغضب الشديد ، فسألته باستغراب وهي تحاول استعادة ثباتها :
_خالد، أنت بتعمل أيه هنا؟
_مستني جنابك.
أجابها وهو ينهض ويقترب منها ثم أردف بهدوء قاتل :
_كنتِ فين؟
شعرت بتوتر شديد لتجيبه متلعثمة:
_هاه؟ ما أنا قولتلك كنت عند واحدة صحبتي.
راقبها بصمتٍ مخيف، وخاصة حينما صاح:
_الكذب مش لايق عليكي!
ابتلعت ريقها بتوترٍ أكثر، فقالت بارتباكٍ صريح:
_كذب أيه ده!
_كنتِ فين يا ياسمين؟
كرر سؤاله بحدة، لتقول بهدوء :
_متتعبش نفسك مش هقول حاجة.
_بس أنا مش هسيبك إلا لما تتكلمي!
أجابها وهو يقترب منها، لتجيب بعناد وهي تتوجه نحو حمام غرفتها لتبدل ثيابها :
_وأنا مش هتكلم .
جذبها خالد إليه بقوةٍ جعلتها تتأوه متألمة متلفظًا بتحذيرٍ أخير:
_حذرتك قبل كده أنك متسبينش و أنا بتكلم وتمشي أتكلمي كنتِ فين؟
ازداد تأوهها دون جواب، فارتفع صراخه:
_ أنطقي أحسنلك كنتي فين يا ياسمين ومش عايزاني أعرف بمكانك انطقي أحسنلك.
_ أنت بتشك فيا يا خالد؟
سألته بصدمةٍ والدموع تكسو عينيها ليزيد من قوة إحكامه عليها:
_لو مش عايزاني أشك قوليلي كنتِ فين ؟
دفعته بقوةٍ تبعده عنها ثم أجابته بصوتٍ عالٍ بعد أن تحررت دموعها :
_ كنت عند الدكتورة بتعالج عشانك.
_ بتتعالجي من أيه؟
سألها بصدمةٍ لتنفجر تخبره عن معاناتها من بين دموعها :
_من اللي حصلي، أنا لسه بشوفه كل يوم ولم بتقرب مني بفتكر كل حاجة لدرجة بتخليني بقرف من لمساتك، روحت عشان بحبك وعايزة أبدأ حياتي الطبيعية معاك، مكنتش عايزاك تعرف ونهايتها بتشك فيا .
شعر بالندم لتسرعه، فهو لم يقصد أن يشك بها ولكنه كان يريد أن يعرف ماذا تخبئ عنه، فقال بهدةءٍ:
_ أنا عمري ما أشك فيكِ.
_لا شكيت!
أجابته بإستنكارٍ ودموعها لا تتوقف عن الانسدال ، فبرر فعلته بقوله:
_ أنتِ اللي خبيتي عليا، ليه مقولتليش!
أنا جوزك يا ياسمين يعني لازم أشاركك في كل حاجة خاصة بيكِ
_أتحرجت أقولك .
أجابته وهي تخفض رأسها للأسفل، ليحتضنها بقوة :
_حقك عليا، أنا آسف.
أطلقت ما يقبض روحها ببكائها المحطم، وكأنها تقذف إليه كل ما يضيق بها، وقابله هو بترحابٍ، وضمه حنونة على كتفيها، وحينما استكانت وابتعدت تتطلع له، قال وهو يضم وجهها بحنان:
_ مكنش له داعي إنك تروحي لدكتورة يا ياسمين، أنا عمري ما كنت هجبرك على شيء إنتي مش حباه.
وأزاح دمعاتها عنه وهو يسترسل:
_ حبي ليكِ أكبر مما تتخيلي!
هزت رأسها وهي تخبره:
_عارفة ياخالد بس أنا زهقت و أنا بهرب من تفاصيل اليوم ده، أنا بشوفه قدامي كل يوم بشوف اللي حصل كأنه بيحصل من تاني!
أعادها لأحضانه وقد سرى الألم ليستهدف قلبه، فهمس لها بصوتٍ لمع بدمعه المكتوم رغمًا عنه:
_أنا جنبك يا حبيبتي محدش هيقدر يأذيكِ، ولا يمس شعرة منك تاني!
وأخذ يمسد على شعرها بحنان حتى استسلمت وغفت بين ذراعيه بأمانٍ .
**********
وبعد عدة أيام، كان يجلس آسر برفقة حازم بالصالون حينما تردد إليه مكالمة تجاهلها بشروده،
فهتف آسر لحازم الشارد بأحلامه الوردية :
_واد يا حازم تليفونك بيرن .
فاق من شروده على صوته، فرفعه لأذنه وهو يردد بفتور :
_ألو...
آتاه الصوت الناعم من الطرف الآخر يجيبه بتغندج :
_هاي حازم .
_منة؟!
سأل ليتأكد ، فهمهت بنعمٍ أسعدته فقال بعدم تصديق:
_بتكلميني بنفسك في الفون ؟
أجابته بهمهمة أخرى اتسعت لها ابتسامته، ثم سألها سؤاله المعهود :
_تتجوزيني؟
همهمةٌ أخرى لها سمعها عبر الهاتف، أم لم يسمعها، ضيق عينيه ثم سألها بطريقةٍ أخرى :
_هنتجوز ؟!
_ أيوة.
أغمض حازم عينيه بعد ما سمع موافقتها ووضع الهاتف على قلبه، فظن آسر أنه فقد الوعي، فقال وهو يلوك أحد ثمار الفاكهة:
_ولاه في أيه؟ أنا مش ناقص الله يكرمك.
وصاح وهز يقضم من الثمار دون مبالاة:
_حد يلحقنا ياخونـا.
فتح حازم إحدى عينيه ينظر بها لآسر ثم قال:
_ منة وافقت تتجوزني.
وأغلق عينه المفتوحة مجددًا، فابتسم آسر في بداية الأمر لكنه شعر بالضيق فقال :
_ واتفاقنا المتعلق بالخطف!
حرك حازم رأسه وهو لا يزال مغلق العينين، ثم فتحهما فجأة واعتدل في جلسته يقول مقررًا :
_هتجوز معاكم .
ضيق عينيه باستغراب، أي زواج سيتم بهذه السرعة ، ثم قال باستنكار :
_معانا فين ؟ الفرح بعد بكرة.
قاطعهما طرقات الباب ودلوف سهير التي هتفت بابتسامتها الجميلة:
_آسر أنت هنا؟
_نعم يا سو.
أجابها وقد أشاح بنظره عن حازم لتخبره بسعادة:
_الديزاينر تحت عشان ياخد مقاسك.
وثب من مكانه بسعادة وهمّ بالهبوط قائلًا:
_أشطا هنزل.
رفع حازم نظره إليه وسأله بضيق:
_و أنا ؟
ابتسم آسر وهو يتجه نحو الباب ثم نظر إليه قائلًا بسخرية :
_اتلقح لسه بدري على المرحلة دي.
ثم خرج صافعًا الباب خلفه .
**************
مرت الأيام ومازالت منة تحكم خطتها الدانيئة بالتقرب من حازم لتحقق هدفها، فكانت أغلب مكالماتها تحاول استهدافه لمعرفة أخباره والمتعلق به، حتى أتى اليوم المحدد لزواجه.
امتلأ القصر بالعُمال، جميعهم يعدون القصر لأجل أضخم عرس سيقام لعائلة الدالي، فقد زُين الدرج بالورود حتى يسير عليها العروسين والطاولات بمفارش بيضاء تتوسطها فازات كبيرة بها ورود الحمراء و البلالين بيضاء فأصبح القصر كالبستان من جمال تصميمه.
اسدل الليل ستائره ليتألق عصام وخالد وآسر بهذا اليوم المميز، ثلاثتهم يرتدون حِلة سوداء وقميص أبيض، ليظهروا باطلالة رائعة بيومٍ هكذا.
وقف آسر يفرك يديه في توتر، في حين لكز خالد عصام يردد بمرحٍ:
_أسوره متوتر!
رمقهما آسر بنظرات غيظٍ وصاح بتذمر'
_هزاركم بايخ يا باشوات أنا الدقايق بتعدي عليا بالسنة عايز ألمح حبيبتي.. يووه بقى.
رفع عصام حاجبه بدهشةٍ، ثم قال بسخريةٍ:
_أيه الرومانسية اللي نزلت عليك فجأة دي!!
هندم آسر سترته، يردف بحمحمةٍ :
_احم موجودة على طول يا حبيبي.
تدخل خالد يعلق بحرجٍ :
_بصراحة الواد معه حق أنا هموت و أشوف ياسمين.
ردد عصام بخبثٍ:
_ النهاؤدة محدش هيموت ونفسه في حاجة!
انهى كلماته وكان محمد وأحمد يصطحبان الفتيات، فلم يكن سوى أميرات بهذه الليلة، يتقدمن بخطواتٍ هادئ، وقف محمد بيده ندى يقف أمام عصام يعطيه ندى، وبالفعل امسك عصام بيد ندى ينظر لها بحبٍ شديد، ترك العنان لحدقتيها لعلها تعبر عما تكنه نفسه لها، في حين خجلت ندى بشدة وهي ترى الإعجاب بملامحها ظاهرًا بعينيه.
همس عصام بحبٍ، وأخيرًا اطلق العنان إلى لسانه:
_ندى.
نظرت ندى له بخجلٍ مرددة :
_نعم.
ردد عصام بعشقٍ ملأ كلماته:
_أنتِ ملكتي قلبي وروحي.
ابعدت نظرها سريعًا تردد بخجلٍ يعتريها :
_أنا مكسوفة لوحدي من غير حاجة بلاش تحرجني قدام الناس!
ضحك عصام على طريقتها وأردف بحبٍ:
_ماشي بس اما نطلع هنكمل كلامنا.
****
فشل بسحب نظراته عنها طوال الحفل الذي مر عليه كالدهر الكامل، الحب المنبعث لها بحدقتيه جعلها تبتسم له بين الحين والأخر، وخاصة حينما مال إليها وهو يهمس لها:
_مبروك يا ياسمينة حياتي.
ابتسمت بخجل وهي تتطلع إليه، فغمز لها خالد وهو يردد بمشاكسةٍ:
_ما تيجي نكمل سهرتنا فوق!
وأشار لعصام الذي نهض بعروسه ليتجه للأعلى، لينهوا السهرة سريعًا، وانطلق كل منهم بعروسه إلى جناحهما.
***************
حمل عصام ندى بين ذراعيه، فرفرفت بقدميها بسعادةٍ ممزوجة بخجلٍ، صعد بها نحو غرفته في حين فعل خالد مثلما فعل عصام وحمل ياسمين التي تلون وجهها بحمرة الخجل،فتعالت صوت ضحكات خالد على ملامحها التي بات يعشقها، في حين نظرت سها إلى آسر تلكزه بخجلٍ متمتمة:
_أنت مش هتشيلني زيهم!!
اتسعت عينيه آسر بذعرٍ مزيف، وصاح بها:
_ أشيلك أنتِ أتجننتي و إلا ايه لما تبقى زيهم ابقى أشيل حاضر... دول عصافير أنتِ فيل يا ماما!
شهقت سها بصدمةٍ، ثم قالت بحنقٍ :
_ كده يا آسر طب نفضها سيرة بقى!
لم تكمل جملتنا ليحملها آسر سريعًا مرددًا بمرحٍ:
_ لا وعلي أيه أنا لحقت أدخل دنيا لما هتخرجيني منها!
**************
وضع ندى على الفراش برقةٍ، ففركت يديه بتوترٍ، وجسدها يرتجف بخوفٍ لا تعلم سره، جلس عصام إلى جوارها يمسك بيدها بحنوٍ، يردف بصوتٍ هامس:
_ندى بصيلي.
نظرت له بخجل شديد، فردد بحبٍ وهو يتطلع لملامحها بعشقٍ:
_تعرفي أنا لما طلبتك من خالد أول مرة مكنش لإني بحبك لأني حسيت بالذنب تجاهك، بس لما قربت منك بقيتي كل حياتي، عقلي سبق وإختارك وقلبي هو اللي بيختارك ليه دلوقتي!
وتابع بنبرته الهامسة:
_لما دخلتي حياتي بقت أسعد واحد في الكون كله، مش عارف أنا أزاي كنت مسمي حياتي دي حياة من قبل ما تخشي فيها أنت النور اللي نور حياتي.
نظرت ندى إليه بأعينٍ مدمعة، تمنت جزء بسيط من قلبه والآن هي تحتل كيانه بالكامل، ألقت نفسه على صدره، تردد بحبٍ وهي تشدد من ضمه لها:
_ أنا بحبك أوي .
نظر لها بحبٍ وضمها له وهو يضحك بصوتٍ رجولي جذاب، ابتعدت قليلًا عنه تنظر بخجلٍ، في حين بادلها عصام بنظرات عشقٍ، يهمس بكلماتٍ عاشقة أذابت حصونها إليه حتى باتت زوجته أمام الله.
***********
دخل خالد إلى جناحه حاملًا ياسمين، فعاونها على الوقوف بهدوءٍ وهو يخبرها بسعادةٍ:
_ أنتِ عارفة أنا بقالي قد أيه بحلم باليوم ده؟
شعرت بالخوفٍ المبالغ به يحيطيها، لكل فتاة قدرتها على تخطي ما قد تتعرض له،وقدرتها ضيئلة بالتخطي، مازالت عالقة وتوده أن يضمها إليه علها تطمئن وتترك هواجسها خلفها ، اقترب منها خالد ووضع يده على كتفها، فحركها بين يده وهو يردد بحبٍ :
_تحت معرفتش أرقص معاكِ.
ثم قام بتشغيل الموسيقى وقربها اليه يتمايل معها ببراعةٍ لعلها تهدأ قليلًا، وما أن انتهت الموسيقى حتى نظر لها بحبٍ كاد أن يقترب منها بخطوةٍ ولكن أوقفته ياسمين وهي تشير إليه بتوترٍ ملحوظ:
_ عند إذنك شوية وراجعة.
ركضت سريعًا إلى الحمام، عساه لا يرى رجفة جسدها المضطرب، حاولت كبح دموعها ولكنها لم تستطيع فتسربت منها بقوةٍ، مسحت دموعها سريعًا، وفتحت الباب فوجدته يجلس بمواجهتها، نهض من مكانه واقترب منها بهدوءٍ حتى بات قبالة عينيها المرتبكة، ضمها إليه وهو يربت عليها بحنوٍ هامسًا:
_ أنت ليه مصممة تتوجعي لوحدك، ليه مش عايزة تشاركيني وجعك، أنا عارف ومقدر اللي أنتِ مريتي بيه.
وأبعدها عنه وهو يتابع:
_أنا أصلًا مش هممني أي حاجة من دي، غير أنك تكوني موجودة معايا على طول وفي حضني وتاني مرة مش عايز أشوفك بتعيطي.
نظرت بعينيه بتأملٍ، تردد بتعجب :
_عرفت منين أني بعيط!!
اجابها خالد وهو يمسح على عينيها بحبٍ :
_أنا مش لسه عارفة من سنة ولا إتنين يا ياسمين!
إحتصنت يديه الموضوعة على وجنتها، وأغلقت عينيها تستمتع بهذا الدفء، ورددت وهي تفتح عينيها بحزنٍ:
_ أنا أسفة يا خالد، المفروض النهاردة يكون أسعد يوم في حياتك و أنا بوظته.
قبل جبينها بحبٍ، قائلًا بضيق:
_ومين قالك انو ما بقاش أحلى يوم في حياتي أنا بالنسبة ليا لما اصحي وأشوفك في حضني دي أحلى حاجة ممكن تحصلي.
ابتسمت بسعادة، واستسلمت بين ذراعيه، فضمها إليه بحنان، وحملها إلى الفراش لتغفو على صدبه بهدوءٍ بعد إرهاق داهمهما.
*************
أغلق آسر الباب، لتردف سها بسعادةٍ :
_ أخيرًا يا حبيبي بقينا سوا.
حدق بها آسر بذهولٍ، يردد بصدمةٍ:
_ أيه!!
رددت سها بدلالٍ وهي تمسك رابطة عنقه :
_ أنا مبسوطة أوي ومش مصدق إننا خلاص بقينا زوج وزوجه.
وضع آسر يده على جبينها يتأكد من حرارتها، ثم قال بصدمةٍ:
_سها أنت كويسة!!
نظرت إليه ببراءةٍ وهي تجيبه:
_ايوه يا أسورة.
تهلل سريره، يردف بحبٍ:
_قلب اسوره يا ناس وعيون أسوره وكبد اسوره.
توردت وجنتي سها، تردد بخجلٍ :
_بس بقى علشان بتكسف.
_ بجد بتتكسفي زي البنات!
قالها آسر بضحكٍ مرح، في حين اخفت سها نظراتها، وتمتمت بخجلٍ:
_بس بقا الله!!
نظر لها بعدم تصديق، يردد بصدمةٍ:
_ ايه ده أنت مش هتقوليلي أسكت أو أطلع بره زي كل مرة !!
اجابته بدلالٍ:
_عشان أنت مكنتش جوزي فمكنتش متقبلة منك تقولي الحاجات دي بس صحيح يا واد يا آسر.
علق آسر بسخطٍ :
_واد في واحدة تقول لجوزها واد عايزة ايه!!
رددت سها بتعجبٍ :
_ أنت مش ملاحظ أنك بتتكلم جد ومش بتهزر!!
أجابها آسر بعدما غمز بعينيه بمشاكسةٍ:
_ الليلة دي مينفعش فيها هزار.
قطبت سها جبينها بدهشة، ورددت بعدم فهم:
_أمال فيها ايه؟!
تمتم بحماسٍ :
_فيها خمرة ونسوان!
شهقت سها بصدمة تعلق على حديثه :
_ أنت بتشرب خمره!!
اجابها آسر بدهشةٍ :
_لاء.
عادت تسأل مجددًا:
_مخبي ستات هنا!
نفى آسر مجددًا :
_لاء.
امسكت بالوسادة، تردد بغيظٍ:
_ٱمال بتقول كده ليه؟!
منع بالوسادة من أن تطوله وهو يجيبها :
_سمعتها في أغنية قبل كده.
هزت رأسها باستسلامٍ، وجلست على الفراش تخبره ببسمة هادئة:
_الحفلة كانت جميلة جدًا.
نزع عنه جاكيته وهو يهز رأسه بتأكيدٍ، فاستطردت:
_النور والموسيقى وكل شيء وآ..
ابتلعت باقي كلماتها حينما وجدته ينزع ملابسه، فرددت بخفوت:
_أنت بتعمل أيه؟!
أجابها آسر بحنقٍ :
_هكون بعمل أيه يعني!، المفروض أحكيلك حكاية قبل النوم!!
نظرت له قليلًا بحيرة، ثم قالت بعدم فهم:
_أومال هتعمل ايه؟!
اجابها بمكرٍ:
_هنتسلى شوية، ممكن نلعب لو حبيتي!
ابتسمت ببراءة، ثم قالت بعفويةٍ:
_اشطا نلعب ايه!!
ابتسم وهو يدنو منها بمكرٍ، فقربها إليه وهو يهمس لها:
_تعالي أعلمك.
فاض عليها بمشاعره الجياشة فسرعان ما استجابت له وانضمت إليه لعالمه الخاص، حتى أصبحت زوجته أمام الله. الفصل التاسع والعشرون من هنا