رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الثالث بقلم إسراء على
أما ضفت باقي الفصل مع القديم عشان احطه ف الألبوم يعني الفصل كامل، انزلوا هتلاقوا باقي الفصل
وعدتُ ألا أميل مع الهوى و لكنني مِلتُ
و نكثتُ بـ وعدي و ذُبتُ داخلها
و ما كان بـ داخلي خواء جاف تخبطت هي داخله
و ضاعت هي الأُخرى و ظلت صحراءه جافة…
عندما إنتصف الليل
إستفاقت سديم حينما شعرت بـ خواءٍ جوارها فـ نظرت إلى الخلف و لم تجد أرسلان، نهضت عاقدة لحاجبيها ثم جلست و بحثت عنه في أرجاءِ الغُرفة إلا أنها لم تجده، فـ قررت الخروج من الغُرفة و البحث عنه
هُناك ما يُؤرق مضجعها مُنذ صادفته أمام المشفى، و كأن أرسلان المُتباعِد أصبح أكثر تباعدًا، بحثت عنه ربُما كان بـ المرحاض و لكنها لم تجده، ما يؤكد لها أنه لم يرحل، ثيابه و هاتفه لذلك قررت البحث عنه في الشُرفةِ و لكنها توقفت أمام الغُرفةِ التي يتواجد بها الأطفال
إنبهرت سديم و شعرت بـ الدفءِ يغمرها حينما وجدت أرسلان بـ غُرفة الأطفال، أرسلان قد لا يكون أبًا جيدًا و لكنه يبذل الكثير من الجُهد ليكون واحدًا، كان يحمل سيلا التي تبكي حتى إحمر أنفها و هدهدها بـ صوتٍ هاديء، عميق لم تظن أن أرسلان يتملكه
جاب الغُرفة ذهابًا و إيابًا و فمه مدفون في خُصلاتها القصيرة ربُما يهمس بـ أسرارٍ لا يود أن يسمعها آخر، و ربُما يُقبلها ليُسري داخلها الراحة، و لكن ذلك المشهد حُفر داخلها و لن يستطيع أحدًا محوه
ضخامة جسده مُقابل جسدها الضئيل
صلابة صدره مُقابل جسدها اللين، الضعيف
صوته الرخيم مُقابل زقزقتها اللطيفة
و يدًا كبيرة تحتوي مُقابل كفين لا يكفيا لعناق إصبع واحد منه
لم تشعر بـ نفسها إلا و وجنتها مُبللة فـ مسحت وجهها و همّت الدخول و لكن حديث أرسلان أوقفها و هو يهمس لسيلا التي تستنشق تنُم عن إنتهاء نوبة البُكاء
-واخدة جمال أُمك…
إبتسمت سديم و رفرف قلبها و لكن سُرعان ما إنمحت تلك الإبتسامة و حلّ محلها تعبير داكن حينما أكمل أرسلان ساخرًا
-بس يارب متاخديش نكدها…
ستتهاون و تتظاهر بـ أنها لم تسمع فقط لذلك المشهد الذي لامس دواخل قلبها، و فقط رحلت و ستنتظره بـ الشُرفةِ ولأنها تعلم أنه لن يعود إلى الغُرفةِ
جلست بـ الشُرفةِ تضم وشاحها إلى صدرها و إنتظرت خروجه ثم نادته حينما وجدته يخرج بعد ثلاثين دقيقة
-أرسلان!...
إستدار إليها فـ وجدها تبتسم ليقترب منها ثم وقف يتكئ إلى إطار الباب عاقدًا ذراعيه أمام صدرهِ و تساءل
-إيه اللي مصحيكِ و قاعدة بتعملي إيه!...
مدت سديم يدها و إبتسامةٍ حلوة تُزين ثغرها الجميلة و قالت
-تعالى…
رفع أرسلان حاجبه و نظر إلى يدها ثم إليها لتحثه قائلة بـ الإبتسامةِ الحلوة ذاتها
-يلا بقى…
تنازل أخيرًا و إقترب مُمسكًا يدها و جلس جوارها، ليسألها و هو يُحدق بـ إبتسامتها التي لم تنمحِ
-سر الإبتسامة دي إيه!
-أجابت إجابةً لا تُمط بـ صلةٍ للسؤال:بحبك…
رأت الأعاصير تمر بـ عينيهِ و تدكن بـ تعبيرٍ غاضبٍ في غموضهِ، نظراته التي أرسلها إليها كانت تخترقها و لم تكن خائفة مما سيكتشفه فـ ببساطةٍ لن يجد سوى الحقيقة و هي أنها تُحبه، مهما تغيرت الأزمنة و تعاقبت الحيوات ستظل سديم هي مَنْ تربعت العرش بـ جدارةٍ
كتمت شهقة حينما يده المُمسكة بـ خاصتها جذبتها بـ قوةٍ حتى جلست فوق ساقيهِ، إبتسمت حتر خرجت قهقه كبيرة من فمها ثم حاوطت عُنقهِ و تدللت خُصلاتهِ التي في مؤخرة عُنقهِ و تعلم جيدًا نقاط ضعفه التي يُحبها
أسرت يديه خصرها و ضغط عليه كأنه يُجيب بـ المِثلِ دون أن يجد القُدرة على الحديث، و رغم تلك المشاعر الغادرة و التي تتقد بها عينيه، سأل مُتخابثًا بـ سُخريةٍ
-و دا إيه علاقته بـ سؤالي!
-رفعت كتفيها و أجابت:ملوش علاقة، بس حسيت إني محتاجة أقولك كدا…
و هو بـ حاجةِ هذه الكلمة و لكنه لن يقولها أبدًا، جذب رأسها و ضمها إليه فـ قابلت إحتياجه بـ حنانٍ وافر ثم همست بـ جانبِ أُذنه
-أرسلان لو فيه حاجة حصلت، قول حساك مش طبيعي
-ربت على خُصلاتهِا ثم قال بـ نبرةٍ جافة:أنا طبيعي جدًا، أنتِ بس اللي بيتهيألك
-أرسلااان!!...
فجأة حملها أرسلان بين يديهِ لتشهق سديم و نظرت إليه بـ غرابةٍ ليقول بـ مكرٍ جعلها تدفن وجهها في عُنقهِ
-أنا عايز أنام…
تعلم المغزى خلف تلك النبرة و سكنت، ليُكمل و هو يضغط على جسدها أكثر
-و أهو بالمرة نكمل اللي نكدتِ علينا فيه و معرفناش نكمل
-غمغمت بـ خجلٍ:أرسلان إحنا فـ بيت بابا!
-لو مش عاجبه يمشي…
ضربت كتفه و هتفت مُحذرة بـ صوتٍ حاولت أن يخرج حاد و لكنها فشلت
-عيب إتكلم عن بابا كويس
-مقولتش حاجة غلط…
رفعت رأسها تنوي زجره بما يليق إلا أنه أسكتها بـ طريقةٍ تليق بـ فمها الذي لا يخرج سوى بـ الثرثرةِ الغيرِ مُفيدةٍ و هو يُريد شيئًا أكثر إفادة
*****
فتح قُصي الباب ليجد رحمة تنهض سريعًا و تقترب إليه ليُشرق وجههِ بـ إبتسامةٍ ثم قال
-إيه اللي مصحيكِ لحد دلوقتي! منمتيش ليه!...
لم تُجب بل إرتمت تُعانقه ثم قَبّلت وجنته و قالت مُبتسمة
-أنام إزاي و أنت بره! و بعدين خرجت من الفجر و مكنتش بترد عليا…
حاوط قُصي خصرها و جذبها إليه يستشعر دفء جسدها و ضرباتها الناعمة التي تُخبره مدى قلقها و إشتياقها فـ سألها عابثًا
-كُنتِ قلقانة!
-أجابت:لأ، كُنت عايزاك تجيب لبن معاك و أنت جاي قبل ما السوبر ماركت يقفل…
تصلبت تعابيره و إستحالت إلى أُخرى قانطة ثم أبعدها دافعًا إياها قائلًا بـ نبرةٍ مُمتعضة
-أنتِ زوجة متستحقيش حنان جوزك و لا تفكيره فيكِ طول اليوم…
ضحكت رحمة بـ قوةٍ ثم ركضت خلفه تجذبه إليها قائلة بـ مُزاحٍ و قهقه قوية
-أنت بتسأل سؤال غبي بصراحة، ما إيه اللي هيجبرني أسهر يعني لو مش قلقانة!
-نظر إليها بـ نصفِ عينٍ و قال بـ قنوط:و هتتشكِ فـ لسانك لو جاوبتِ عدل!
-قبضت على ذقنهِ و قالت:بضحك معاك يا روحي…
إبتسم من زاوية فمه ثم أمسك يدها و إستدار إليها و قال بـ إبتسامةٍ شبه بريئة
-قوليها تاني!
-عَلِمْتَ مقصده فـ إبتسمت بـ دلالٍ و قالت:يا روحي…
قبض على فكها فجأة و إستغل صدمتها و فمها المفتوح ليطبع قُبلةٍ لطيفةٍ ثم قال
-في أكل إيه!
-رغم خجلها أجابت بـ أعين زائغة:اللي أنت بتحبه…
قهقه و غمزها مُتخابثًا لتدفعه هاربة
-حلو أوي هنشحن طاقتنا لحد ما نستهلكها تاني…
بعد مُضي بعض الوقت
كانت رحمة واضعة رأسها على صدرِ زوجها ثم سألته
-مش هتنام!
-تلاعب بـ خُصلاتهِا و أجاب:عايز أقعد معاكِ شوية، مش كفاية، بنتك مهنتناش على قعدة
-قهقهت و قالت:طب إحكيلي اللي حصل النهاردة…
توقفت يده عن مُداعبة خُصلاتهِا و تصلبت تعابير وجهه، تزامنًا مع عضلات جسده التي شعرت بها رحمة جلية، فـ نهضت سريعًا و سألته بـ توجسٍ
-فيه إيه يا قُصي!...
حاول قُصي إستجلاب إبتسامةٍ إلى شفتيه و لكنه فشل، ما حدث اليوم جعله في وادٍ آخر طوال اليوم، البحث و جمع المعلومات ليفهم ما علاقة أرسلان بـ كُلِ هذا إلا أنه لم يصل إلى إجابةٍ ترضي فضوله
حتى أرسلان نفسه لا يعلم ماذا يحدث و لماذا تلك الموظفة، رغم أنه في ظاهرهِ يبدو شيئًا عاديًا إلا أن في باطنه يعلم تمام العلم بـ حكمةِ ضابط أن تلك الفتاةِ لم تكن المقصودة، بل إشارةٍ تلاقها أرسلان فاهمًا جيدًا ماذا تعني
أمسك قُصي يدها و قَبّلها ثم إبتسم إبتسامةٍ باهتهٍ لا تُعبر عنه في شيءٍ و قال
-مفيش حاجة، شُغل و كدا
-حدجته بـ نظرةٍ تستشف ما به:قُصي! بلاش تكدب عليا أنت عارف إني هكشفك…
قرص قُصي وجنتها و إبتسم جاذبًا إياها إلى صدرهِ من جديد و قال مُراوغًا يحتوي على بعض الصدق
-لما إستدعوني كان بنت ماتت، محدش عارف هي إتقتلت و لا إنتحرت…
شابك يده مع أصابعها و تنهد بـ تعبٍ حقيقيٍ لامسته في نبرتهِ
-كان صعب إني أوصل لعيلتها خبر موتها و يتعرفوا عليها
-غمغمت بـ حُزنٍ:ربنا يصبر أهلها و يرحمها…
ما بين الحديث الذي دار بينهما، كان قُصي يرد بـ شفتيهِ أما عقلهِ فـ كان في دائرةٍ أُخرى مُغلقة و هو داخلها لا يستطيع الفكاك، و شيئًا واحدًا يُراوده أن القادم سيُغِرق الجميع و ربُما يصيبهما بعضًا منه
*****
في صباح اليوم التالي
قَبّلت سديم وجنة أرسلان قبل أن تترجل من السيارةِ ليرفع حاجبه و سؤالٍ صامت أجابت عليه بـ قهقهٍ
-من إمبارح سديم تانية
-ياريت تصدقي
-غمغمت بـ قنوطٍ:هتشوف…
همّت بـ النزول و لكنه أمسك يدها و قال بـ صوتٍ جادٍ
-أنا هاجي أخدك من المستشفى متسبيهاش إلا لما أجيلك
-هتفت بـ حيرةٍ و لكنها أومأت مُوافقة:حاضر، مش هطلع من المبنى غير لما توصل
-أكمل أرسلان:عندي عزا هروحه بعد الشُغل و ممكن أتأخر، متطلعيش من المُستشفى سمعاني!...
الحيرة و التوتر إكتنفاها بـ قوةٍ و هاجسها الذي حاولت قمعه كثيرًا يعود و يطفو من جديد، إلا أنها بـ النهايةِ أومأت، ثم ترجلت و لم يرحل أرسلان إلا بعدما تأكد من إختفاءها داخل المبنى
حينها سقطت جميع أقنعته اللامُبالية و الباردة و حلّ محلها أُخرى قاتمة، شديدة العُمق كـ هوةٍ سحيقة فارغة، ثم إنطلق بـ سيارتهِ و ما حدث أمس يلوح داخل عقلهِ من جديد
"عودة إلى وقتٍ سابق"
أغلق أرسلان الهاتف و وضعه فوق المكتب ثم نظر إلى ذلك الجالس بـ توترٍ ملحوظ و شعر أن تلك المُكالمة تخص خطيبته المفقودة و قبل أن يسأل، هتف أرسلان و هو ينهض
-لاقينا خطيبتك
-تهللت أساريره و هتف غير مُصدقًا:بجد! فين!
-نهض أرسلان و هتف:قوم معايا…
نهض الشاب دون تفكير، غير واعي لنبرة أرسلان الفارغة و تعابيره المُظلمة ثم توجها إلى الخارج، صعدا السيارة و توجها إلى مشفى ما أن توقفا عندها، نظر الشاب إليها ثم إلى أرسلان و سأل بـ توترٍ بالغ
-هو، هو إحنا جينا هنا ليه!
-أجاب أرسلان بـ نبرةٍ لا تنتمي للأحياء:هتعرف لما ننزل…
ترجلا و ساقي الشاب تسبقه ليصل إلى حيث خطيبته، حتى توقف عندما توقف أرسلان أمام ضابط ما، ليهوى قلبه إلى قدميه و سأل ينقل نظراته بينهما
-هو إيه اللي بيحصل بالظبط!
-سأل قُصي بـ غموضٍ:مقولتش!...
حرك رأسه نفيًا و إكتفى بـ الصمتِ، ليربت قُصي على كتفِ الشاب و قال بـ نبرةٍ أسرت الرُعب في جسد محمود
-مش هنقدر نطول جوه، هتشوفها و تتعرف عليها…
لم يستطع محمود الحديث و بـ طريقةٍ ما إستنبط المعنى خلف حديث الضابط و لكنه آثر عدم التسرع و الإنتظار، تبع قُصي و ضرباته تتسارع حتى ظن الجميع أنه يسمعها، ثم نظر إلى يدهِ التي ترتجف فـ قبض عليها، و حاول التماسك
إلا أن كُلِ ذلك ذهب أدراج الرياح و هما يقفان أمام "المشرحة" حينها سقط و أمسكه قُصي، ليسأله محمود بـ صوتٍ ذاهب يُلائم شحوب وجهه
-إحنا جينا هنا ليه! و مريم فين!...
جسده الثقيل لم يستطع له قُصي إمساكه أكثر، فـ جثى أمامه و تنهد، بـ صوتٍ أجش حاول إخراجه رزينًا كما تَعلم في تلك المواقف هتف
-مريم لاقينها واقعة قُدام بيت، و محتاجينك تتعرف عليها
-همهم بـ صدمةٍ لم يستطع السيطرة عليها:كدب، هزار، أكيد دا هزار، مريم مُستحيل تسيبني
-ربت قُصي على كتفهِ و همس بـ تعاطف:أنا مقدر الصدمة اللي أنت فيها، بس لازم تتعرف عليها، و تستعد للتحقيق، عشان فيه شُبهه جنائية…
رفع محمود رأسه إلى قُصي مصعوقًا و إزداد إرتجافة جسده و أمام ثبات نظرات الضابط، كاد أن يبكي ليهدر وهو يُمسك بـ تلابيب الذي أمامه
-يعني إيه شُبهه جنائية! مريم طول عمرها فـ حالة و أصلًا إستحالة تكون اللي جوه دي مريم…
كان قُصي يتمنى أن يكون ما يتفوه به الشاب صدق، إلا أنهم تأكدوا تمامًا من تلك الفتاةِ و هويتها، لذلك أنهض محمود معه و دخلا إلى المشرحة، أومأ الضابط إلى الطبيب ليُخرج الجُثمان و ما أن رفع الملاءة عن وجهها عن صرخ الشاب و سقط باكيًا بـ مشهدٍ قاسٍ لم يشهد مثله من قبل
و سريعًا خرج محمود ثم إتكأ إلى الحائط و تقيأ مصدومًا، وقف قُصي بعيدًا و إنتظر ذلك الشاب أن يستعيد حالته إلا أن ذلك لم يحدث، أشار قُصي لعسكري يُصاحبه فـ إقترب و هتف
-أوامرك يا فندم!
-هتف قُصي:خليك معاه لحد ما يرجع لحالته و بعدين يجي القسم عشان التحقيق
-حاضر يا باشا…
ثم تحرك قُصي إلى حيث يقف أرسلان ثم قال دون مقدمات
-رأيك!...
نظر قُصي إلى ملامح أرسلان الصلبة و عينيه الغير مفهومتين بـ نظرةٍ غريبة تُشبه الضباب، ليرد عليه أرسلان بـ نبرةٍ هادرة
-مليش رأي، إيه اللي حصل!
-تنهد قُصي و أجاب مُفسرًا:جالي تليفون الفجر عن بنت واقعة فـ الشارع، لما روحنا المفروض حادثة إنتحار عادية، لكن لا هيئة البنت و لا أهل المنطقة إتعرفوا عليها و قالوا أول مرة يشوفوها…
صمت قليلًا ثم أكمل و نظره يسقط أرضًا كأنه يُفكر بينما يتحدث
-البنت مكنش معاها أي إثبات شخصية، لا شنطة و لا حتى موبايل، و لما عملنا بحث حوالين المكان لاقيناهم…
حينها رفع بصره من جديد و تأهب لِما سيقول لذلك كان عليه أن يتفحص رد فعل أرسلان فـ إستطردت
-من غير أي سرقة و لا حاجة مفقودة، و الفيزا كمان زي ما هي، اللي عمل كدا كان عايز يأخر إكتشاف الهوية عما آآ…
أكمل أرسلان بـ نبرةٍ دبت الرُعب في أوصال قُصي فـ إتسعت عينيه لها
-عما أكتشف إنها إختفت، و أعرف إن موتها ليه علاقة بيا…
حاول قُصي إستجماع نفسه و هتف بعد تردد
-مش عايزين نتسرع لأي إستنتاج يا أرسلان، إحنا لسه بنحقق و جايز يكون حد ليه ضغينة معاها…
خرجت ضحكة هازئة من فم أرسلان جعلت قُصي يصمت، على مَنْ يكذب؟ لأنه يعلم تمام العلم أن أرسلان مُتورط بـ الفعلِ لم يكن ليُهاتفه شخصيًا، و هذا ما زاد من رُعبه
الرياح الهادئة التي أسرت شراع السفينة إلى برٍ هادئ سُرعان ما عصفت و أبدلت إتجاهها إلى موجٍ هادئ و إما نجت أو هلكت بـ قائدها و راكبيها
كاد أن يتحدث و لكن أرسلان إستدار و غادر، كان ينوي إيقافه و لكنه لم يجد ما يقوله لذلك تنهد و إستدار عائدًا إلى ذلك الشخص المُنهار
"عودة إلى الوقتِ الحالي"
قبض أرسلان على مقوّد السيارةِ و أكمل الطريق، كان ينشد بعض الراحة و الهدوء و لكن لم يكن هُناك مفر، الحياة لا تسير كما يُريد لا راحةٍ نال و حياةٍ عاش
*****
لم يتحمل أرسلان أجواء الشركة الداكنة و الثقيلة، رثاءًا لتلك المقتولة و هذا يجعله يشعر و كأنه بـ الجحيم، سابقًا خسر عائلته بسببهِ و الآن أُخرى تفقد حياتها بـ سببهِ و لكن ما يختلف عن سابقتها أنه لا يدري ماذا حدث؟
سيأتي قُصي لتحقيق مع العاملين و هو كذلك ليتأكد من وجود شبهه جنائية أم لا، و هو يتأكد أن هُناك شبهه جنائية لا يستطيع إنكارها
لذلك قرر أرسلان الذهاب إلى العزاءِ بعدما خرج الجُثمان من المشرحة لا تزال التحقيقات جارية و لكن جُثة الفتاةِ كانت خالية من أي جروح نشأت من نشوب عراك، أو أي ما يقود إلى القاتل، فقط لا بصمات و لا دليل حي، و هذا يعني أن مُرتكب الجريمة يعلم جيدًا ماذا يفعل و كيف يستطيع إيصال الرسائل إليه جيدًا و في الوقت الذي يُريده
توقف بـ السيارةِ أمام العزاء الذي يتردد عليه الكثير و صافح العديد ثم إقترب من الشاب محمود يُصافحه و يقول بـ نبرةٍ جافية، هادرة رغم خفوتها
-البقاء لله
-غمغم الشاب بـ تيه:و نعم بالله…
و دخل أرسلان العزاء و صوت المُقرئ يصدح و الجموع تستمع منهم من يبكي و آخرون منشغلون بـ الحديث، و هو يجلس صامتًا و في رأسهِ تدور مئات الأفكار، من بين الجميع هُناك شخصًا واحدًا فقط هو مَنْ أقدم على تلك الفعلة
و وسط تفكيره و إنفصاله عن المحيط، إنتشله صوت أحدهم يهتف بِما يُشبه أحاديث النساء
-سمعت حد بيقول إنها ماتت بسبب الشركة اللي شغالة فيها…
تحجرت عيني أرسلان و دكنت بـ قوةٍ حتى شعر أنها تبتلع الجميع، ثم سأل الشخص المُستمع
-بتقول إيه! طب إزاي!
-هتف الآخر و هو يهمس إلا أن صوته كان واضحًا:زي ما بقولك، بيقولوا كان مرافقها…
أمسكه أرسلان من تلابيبهِ دون أن يعي الرجل ما يحدث، و دون أن يأبه الأول لإثارةِ الجلبة، هسهس بـ صوتٍ مُرعب يُشبه الجحيم المُستعر
-شُغل نسوان فـ العزا! إعرف أنت بتقول إيه
-هتف الرجل بـ توترٍ:جـ جـ جري إيه يا جدع أنت و أنت مالك!...
شد أرسلان يده على عنقهِ و هسهس مرة أخرى
-بقولك بلاش شُغل نسوان و إحترم اللي ماتت…
دفعه أرسلان ثم رحل بعدما أثار ضجة دون أن يلتفت إلى الذي سقط أرضًا خائضًا في عرضِ شابةٍ قُتِلتْ ظُلمًا دون أن يحترم مشاعر أهلها
*****
أزالت سديم قناعها الطبي و توجهت إلى غُرفتها لتغسل يدها ثم أمرت المُمرضة
-يتحطله مُضاد حيوي و تابعي الحالة، الموضوع سليم…
ثم خرجت لتُطمئن أهل الطفل لتبتسم قائلة لوالدتهِ التي ركضت إليها باكيةٍ
-متقلقيش يا مدام، ابن حضرتك كويس
-هتفت الأم باكية:يعني هيخرج إمتى!
-ربتت على ذراعها و قالت:يفوق من البنج و بكرة نتأكد إنه تمام و بعدها يقدر يخرج، بعد إذنك…
سمعت دعوات السيدة من خلفها فـ زادت من إبتسامتها، و أثناء سيرها و تفكيرها بـ غداء اليوم و ما يحبه أرسلان قاطعها صوتًا تعلمه جيدًا، تأففت و أكملت سيرها دون الإلتفات إليه، لتجده يُعركل سيرها إذ وقف بـ طريقها و هتف مُبتسمًا بـ سماجةٍ لم تستطع تحملها
-مبروك على العملية!
-زفرت و قالت بـ إصفرار:شُكرًا، بعد إذنك يا دكتور عصام عندي شُغل…
تحركت إلى اليمين لتُكمل طريقها إلا أنه تحرك أيضًا ليعتريها الغضب و هدرت من بين أسنانها نظرًا للمُحيطين بها
-دكتور عصام أنت مش عيل صغير للحركات دي
-أنا عايز أتكلم معاكِ يا سديم…
رفعت حاجبها و إستشاطت غضبًا أكثر و أكثر، لتُحذره بـ نبرةٍ حادة دون الحاجة إلى رفعِ صوتها
-أولًا اسمي الدكتورة سديم، مش مسموح تشيل التكليف بينا يا دكتور عصام، ثانيًا مش فاضية…
أرادت التحرك و لكنه أمسك يدها فـ دفعتها و حينها لم تستطع السيطرة على علو صوتها
-أنت إتجننت!
-توتر مُدافعًا عن نفسهِ:ما أنتِ مش مدياني فُرصة أتكلم معاكِ
-هدرت بـ عُنفٍ:لأني عارفة الكلام الفارغ اللي هتقوله…
تحركت و تحرك أيضًا يسد الطريق عنها من جديد و لم يدع لها فُرصةٍ للحديث بل هتف بـ صوتٍ مُمتعض
-أنا شايفك مش مبسوطة فـ حياتك و أنتِ عارفة إني بحبك من قبل حتى ما تقابلي جوزك، إقبلي عرضي و إتطلقي و أنا مُستعد أتجوزك و موافق بـ أطفالك…
فغرت فمها من الصدمة و الغضب حتى كادت أن تصفعه، المراجل تغلي داخلها من ذلك الكائن المُشمئز الذي تراه أمامها، أيضًا حينما عادت إلى المشفى و قد شيع أن زوجها توفى لم يتوقف عن عرض الزواج و أنه سينتظر حتى تُنجب و من ثَم م يتزوجا
حتى بعد عودة أرسلان لم يتوقف عن عروضه الغريبة، صحيح أن حياتها كانت كارثية و كثيرًا ما ظهر هذا جليًا على وجهها، و مِنَ المُحتمل أنه إسترق السمع لأحاديثها مع أقرانها بـ العملِ و لكن أن ينطقها هكذا؟ لهو شيئًا فاق الحد و الإحتمال
قبضت سديم يدها و رفعت سبابتها مُحذرة من بين شفتيها القاسيتين
-أنا هعتبر نفسي مسمعتش الغباء اللي قولته دا و لو إتخطيت حدودك معايا مرة تانية صدقني هتصرف تصرف مش هيعجبك و إحتمال تبقى آخر حاجة فـ حياتك أصلًا…
منعها من السير بـ إصرارٍ جعلها على وشك صفعه حقًا أو ربُما طعنه بـ مشرط الجراحة ثم هتف بـ عناد يُشبه عناد البغال
-يا دكتورة سديم، فكري فـ عرضي كويس مش طالب منك حاجة
-توسعت عيني سديم بـ دهشةٍ ثم هدرت بـ غضبٍ:أنت إتجننت! أنت واعي بتطلب إيه مني!...
حاول الطبيب الإقتراب منها و إمساك يدها و لكنها تراجعت بـ ملامح قاتمة تُشبه خاصة أرسلان، ليعود و يقول من جديد
-عرضي ليكِ مفيهوش أي جنان
-و أنا عايز أسمع عرضك، ليها…
صدح صوتٍ كـ هدير الرياح العاصفة مع نبرةٍ مُهسهسة تُشبه خاصة الأفاعي من خلف ذلك الطبيب، و الذي إستدار و دب الرُعب في أوصالهِ بـ هيئة أرسلان الطاغية التي أوشكت على الإطاحةِ به ثم تراجع
كان أرسلان يبدو من الخارج صلبًا في وقفتهِ التي وضع كِلتا يديه خلف ظهرهِ و حدق بهما بـ عينينِ جحيميتينِ، شحب وجه سديم و حاولت الحديث و لكنها عادت كـ طفلٍ حديث الولادة لا يعلم كيف يتحدث أو ربُما نسيت كيف تتحدث
كان الوقت يمُر بـ بُطءٍ مُذيب للعظام قبل أن تستعيد سديم وعيها ثم هرولت في إتجاه أرسلان و حاولت التحدث بـ حذرٍ رغم التوتر الذي خيّم عليها و جثم
-مـ مفيش آآ الدكتور، بقولك إيه يلا نمشي…
أمسكت يده و حاولت جذبه معها أو دفعه إلا أنه لم يتزحزح، بل جذبها جواره و نظر إليها ثم إبتسم، و في قانونها لا يجب أن يبتسم هي مواقف تُشبه تلك، و بـ نبرةٍ خطيرةٍ، ساحقةٍ هدر
-بس أنا عايز أسمع عرضه…
حبست سديم أنفاسها بـ الكاد تستطيع الوقوف على قدميها ثم إستدار أرسلان إليه حينها شعر الطبيب أن روحه تُغادره بينما هالةً من الظلام و الشيطنة تُحيط بـ ذلك الذي يُحدق به ثم أكمل بـ صوتٍ تشبه نذير الموت
-مش جايز عرضه يعجبني!!...
توتر الطبيب و حاول العودة إلا أن أرسلان قبض على عُنقهِ، لتشهق سديم بـ قوةٍ ثم إقتربت منه تُمسك يده هاتفة
-أرسلان عشان خاطري بلاش كدا، هتودي نفسك فـ داهية عشان خاطره…
حاول عصام التملص من يد أرسلان و الفكاك منه بعدما إرتعدت فرائصه و هو يرى نية القتل تشتعل في عينيهِ كما تشتعل النار بـ الهشيم و قال بـ صعوبةٍ
-آآ الدكتورة سـ سديم كويسة، أنا مقربتش منها…
شدد أرسلان من يدهِ حول عُنق الطبيب ثم هتف بـ مكرٍ و صوتٍ يُجِمد الأوصال
-هي هتبقى كويسة…
كان يُشير إلى تلك التي تُحاول دفع يده عنه بـ رأسهِ ثم إلتفت إليه و هتف بـ فحيح أفعى و نبرةٍ مجنونة و كأنها وصلت إلى حدها
-إنما أنت لأ…
*****
هبطت من الحافلة القادمة من حدود مصر المُتجهة إلى القاهرة، كانت تتخفى وسط العديد من النساء، عليها الهرب منه إلى نجاتها فـ كان عليها أن تحط قدمها بـ مدينةٍ لا تفقه عنها شيء سوى ما رأته بـ التلفاز
إستلمت حقيبتها و تحركت و هي لا تزال تنظر خلفها بـ هلعٍ، حتى إصطدمت بـ شخصٍ ما إعتذرت قائلة بـ لهجة حاولت إخراجها تُشبه أهل الحضر
-آ آسفة…
ثم حاولت الإبتعاد عنه إلا أنه أمسكها مُبتسمًا و قال يحاول طمأنة ملامح الرُعب التي إرتسمت على ملامحها
-قوت!...
تراجعت قوت بـ دهشةٍ ثم سألته و هي تُحدق به بـ غرابةٍ
-أنت تعرفني!
-أومأ مُجيبًا:أيوة، أنا اللي كلمت والدك…
سُرعان ما كسا وجهها ملامح الراحة و إرتخت أعصابها المشدودة لتقول و هي تتمسك بـ حقيبتها
-إحنا هنروح فين!...
إلتقط منها حقيبتها ثم سار بها دون أن يلمسها و قال بـ هدوءٍ
-هنروح البيت اللي والدك قالك عليه
-سألته:هكون هناك لوحدي!...
أومأ ثم أوقف سيارة أُجرة، فتح لها الباب لتصعد ثم وضع حقيبتها بـ حقيبة السيارة و صعد جوارها مُخبرًا السائق إلى أين يذهبا
كانت قوت تنظر حولها بـ تعجبٍ و إنبهار في الوقتِ ذاته، لقد ألقى بها والدها إلى حيث المجهول فقط ليُحافظ على سلامتها، لم تكن لتظن أن والدها يُحبها إلى هذا الحد ليتخلى عن منصب و جاه فقط لأجلها
ألقى بها هُنا مُتخفية كـ فتاةٍ تتخفى خلف الحضر بـ شكلٍ لا يُعبر عنها في شيءٍ و لكنها مسرورة أنها هربت من براثنِ مجنون، فتحت الورقة التي أعطاها والدها إياها ثم نظرت إلى الذي جوارها، الشخص الأول الذي تستطيع الثقة به و سألته
-هشوفه إمتى!...
إلتفت إليها الشاب ليرى ملامحها المُمتزجة بـ الخوفِ و الترقب من المجهول و قال بـ هدوءٍ جاد
-نروح الأول على البيت، و هناك نتكلم
-إعترضت:بس آآ…
لم تعرف كيف تصيغها فـ فهم ما ترمي إليه ليبتسم قائلًا
-فيه واحدة دبرتها هتكون معاكِ و تخدمك متخافيش، يعني مش هنكون لوحدنا
-تنفست بـ راحةٍ و قالت:طب أبوي مقالش حاجة عن اللي هيحصل
-تفهم مخاوفها و هتف موضحًا:آنسة قوت، والدك قالي أفهمك كُل حاجة و هنوصله إزاي، حاليًا تاخدي نفسك و نوصل و هفهمك كل حاجة…
أومأت و ساد الصمت و هي تُتابع المارة و البنايات التي تمر أمامها ثم سألت غير قادرة على كبح فضولها
-هو، هو اسمه إيه!...
حتى هو لم يكن يعلم بـ اسمه و لا هويته إلا حينما أخبره والدها ثم قال و هو يقبض يده، ما يعلمه عنه يجعله متخوفًا بل مُرتعب مما سيُقدمان عليه
-أرسلان، أرسلان الهاشمي…