رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الرابع 4 بقلم إسراء على


 رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الرابع 


حين يكون الحبُ كبيرًا
 لن يتحول هذا الحُب لحزمَة قش تأكلها النيران… 

-أر أرسلان عشان خاطري بلاش… 

رفع أرسلان قبضته ليلكم ذلك الذي بين يديهِ إلا أن سديم أمسكت يده صارخة بـ رُعبٍ

-هتروح فـ مُشكلة بلاش، دا واحد ميستاهلش… 

و لكن أيستمع! كأنه أصم عنها و جذب يده بـ عُنفٍ ثم سدد لكمةً في أنفهِ جعلت الطبيب يترنح و لكن لقوة قبضة أرسلان حالت دون ذلك، كاد أن يفعلها من جديد إلا أن سديم صرخت هذه المرة بـ غضبٍ

-أرسلان هيعملك محضر أنت بتتعدى على موظف أثناء عمله… 

نظر إليها أرسلان بـ أعين تعني الهلاك في ظلامها و ظنت أنه تراجع لطول النظر إليها رغم الرُعب الذي إعتراها إلا أنها كانت مُخطئة، إذ جذبه أرسلان خلفه حتى خرجا من المشفى و ألقى به في مُنتصف الشارع ثم هدر بـ نبرةٍ مُخيفة 

-كدا بقى بره محل عمله… 

ثم دفعه أرسلان ليصطدم خلفه بـ الحائط مُطلقًا تأوه عال، جثى إليه و هسهس بـ صوتٍ حاد ينخر العظام 

-لو مش عارف يعني إيه مرات أرسلان الهاشمي أنا أعرفك حالًا
-حاول عصام الحديث بـ همسٍ لا يكاد يُسمع:آآ أنا آسف… 

بينما سديم تضرب على رأسها و هي تركض خلفه كان هو يستمع إلى همسهِ ثم مط شفتيه و قال بـ بساطةٍ مُرعبةٍ

-مش قابله
-لأ لـ لاااء… 

صرخ الطبيب و أرسلان يُمسكه من خُصلاتهِ و شد رأسه ليلكمه، إلا و حينها سديم لم تتحمل فـ ركضت إليه و أمسكت يده تضمها إلى صدرها و همست بـ توسل و نبرةٍ على وشك البُكاء

-بلاش، عشان خاطري بلاش، أنا مش عايزة أشوف دم تاني… 

تجمدت يده و تصلبت تعابير وجهه و هو ينظر إليها، كانت سديم خائفة و قرأ مشاهد من ماضيهما في عينيها ليتراجع 

أرسلان الهاشمي تُوقفه إمرأة 

و لكن سديم ليست كأي إمرأة، لقد كانت مرساه و نجاته بعد ظلامٍ أحاط به طويلًا و ظن أن لا ملجأ له، شاردًا يسير في الطُرقات دون وجهةٍ مُحددة حتى إقتحمت حياته، كان يبحث عنها فقط لإنتقامه فـ وجدته هي لتُصبح مأمنه

ترك رأسه و نهض فـ زفرت سديم بـ إرتياح، رغم إمساكه ليدها و جذبها خلفه إلا أنه هدر في ذلك الذي يسعل بـ صوتٍ مُميت

-إتكتبلك عُمر جديد بسببها… 

قتمت معالم وجهه كما نبرته تمامًا ثم جأر بـ صوتٍ إنتفض له الطبيب حتى أنه وضع يديه على أُذنهِ خوفًا و كأن صوت الرعد يخترقها و يصل إلى داخله 

-بس لو لمحتك بتعدي من جنبها بس صُدفة، و لا بتتنفس هوا هي بتتنفسه هيبقى آخر نفس فـ عُمرك… 

جذبها أرسلان إلى السيارةِ و إنطلق بها في صمتٍ قطعته سديم بـ توتر و نبرةٍ خافتةٍ

-آآ أنا مجبتش حاجتي من المُستشفى… 

لم تظهر عليه علامات أنه سمعها من الأساس فـ ضمت شفتيها و صمتت إتقاءًا لِما يشعر به، و إذ يتوقف أرسلان بغتةً ثم هدر بـ نبرةٍ جهوري أرعبها 

-الـ*** دا عرض نفس الكلام تاني و لا مخه ساح فجأة! 
-أجابت بلا تردد كاذبة:لأ مخه ساح فجأة… 

يعلم أنها كاذبة
و تعلم أنه يعلم أنها كاذبة، و لكن في بعض الأحيان قد يكون الكذب نجاةِ و حماية الأرواح، أمسكت يده فجأة فـ أظلمت تعابير وجهه لتهتف سديم بـ نبرةٍ وضعت بها كُلِ صدق العالم 

-أرسلان وقت ما فكرت إنك معتش موجود فـ الدنيا دي، إعتبرتك الوحيد فـ حياتي… 

رفعت يده و وضعتها على وجنتها ثم مالت بـ وجهها عليها و أكملت و هي تنظر إلى سوداويه الداكنة بـ مشاعرٍ لم تستطع تحديد ما هيتها

-فـ ما بالك بقى و أنت عايش! أنا مش عايزة غيرك و قولتلك زمان، إن أسري معاك حُرية… 

إستطردت بـ توسل و نبرتها تزداد رجاءًا دون أن تحيد بـ عينيها العميقتين، اللتين على وشك البُكاء

-و مش هقدر أكون لحد غيرك، يمكن بغلط و مش عارفة أدير جوازنا صح بس بحاول يا أرسلان لأني عايزة حياتي معاك… 

أهدأت تلك العواصف الرعدية بـ عينيهِ أم كان هذا محض خيال لا أكثر! و لكن ما أخافها حقًا تعمق عينيه بـ مشاعر صارخة أغرقتها و لم تعد تعرف كيف تنجو، أرسلان لا يبوح و لم يبُح يومًا عما بـ داخلهِ و لكن عينيه اللتين دومًا كانتا مصدر أمانها و خوفها، تبوح بِما لا يبوح به فمه

لذلك هي تكتفي بـ ذلك حاليًا و سابقًا، أما مُستقبلًا هي ستطمع بـ المزيد دون إثقال كاهله، هي تتعثر و تسقط ثم تنفض ثيابها و تنهض من جديد و تعود إليه، حتى تصل في النهايةِ إلى برٍ يسعهما معًا

إقتربت سديم منه و وضعت رأسها على صدرهِ النابض بـ رتابةٍ و ظنت أنه لا يملك واحدًا، و إكتفى أرسلان بـ إراحةِ ذقنهِ فوق رأسها، و إكتفت هي بـ ذلك كـ تأكيدٍ لمشاعره 

*****

إقتحم المنزل دون طرق مع رجالهِ الذين يتبعونه في طاعةٍ كامنة، رغم صرخات مَنْ بـ المنزلِ و ركض نساءه ليختفين متوشحين لإخفاء وجوههن عن أعين الرجال، حتى وصل إلى ذلك الكهل الجالس أرضًا ثم إبتسم إبتسامةٍ مشوهه ليردف ذلك الكهل بـ نبرةٍ صارمة دون التأثر رغم الهرج و المرج السائد 

-فاوت على الدار يا عابد و ما إحترمت أهله و لا رجال الدار!... 

جلس عابد بـ ملامحه القاسية التي تتلائهم مع بشرتهِ الداكنة كـ عينيهِ تمامًا ثم جمع عباءته و قال بـ براءةٍ ممطوطة و ثقيلة 

-إعذرني يا خال، زوچتي ما لاقيتها، و چاني خبر إنها هربت على الحضر… 

تجمد تعابير العجوز و أمسك عصاه بـ إحكامٍ ثم هتف بـ لؤمٍ مُبعدًا وجهه عن عابد الذي يتفرسه بـ قوةٍ 

-ياللي چاك بـ الأخبار كاذب، بنيتي ما هربت، عندها خالة سافرت لها
-رفع عابد حاجبه و هتف مُتماشيًا مع كذبتهِ:فيني روح و أشوفها، زوچتي و أريد أطمن عليها… 

ضرب راغب عصاه أرضًا و كانت تعني أن يصمت عابد، و فعل ذلك مُتراجعًا في جلستهِ و قال بـ صوتٍ هادر

-لساتها ما تزوچتك عابد، و حدودك حاول تعرفها، لا تفوت ع داري بدون إذن
-غمغم عابد:يا خال… 

قاطعه راغب و هو يضرب الأرض من جديد و صاح أكثر بـ نبرةٍ إرتدت في جميع أنحاء المنزل و التي لا تتناسب مع سنهِ الكبير

-إذا بتحترم خالك، لا تعاود، هالدار إلها حُرمة و أنت ما إحترمتها، وقت تعاود يكون معك بوك، وقتها نتكلم… 

كان عابد يعلم أن خاله راغب يكرهه كثيرًا، ربُما لسمعتهِ المُنحدرة و ربُما لأنه يكره عائلة والده كثيرًا، و لكن سُلطان قلبه سرقته تلك الصغيرة بـ عينين بُنيتين، المُكحلتين بـ كُحلٍ عربي أبرز جمالها كثيرًا فـ سرقته من نفسهِ

هو نفسه لم يعلم كيف حدث ذلك و لكنه أرادها و هي لم تُرده، وسائله التي حاول بها الوصول إليها لم تفلح لذلك حاول إختطافها رغُمًا عن أنفِ الجميع، و تلك الصغيرة هربت كما أخبرته إحدى الخادمات التي وضعها لتكون عينه 

قبض عابد يده و نظر إلى راغب بـ عينين كريهتين ثم قال بـ نبرةٍ غليظة لم يهتز لها خاله

-قوت ما رح تكون لغيري يا خال، و الدار اللي هتفوت عليها عروس هتكون داري… 

نهض تحت عيني راغب الغامضة ثم قال عابد مُكملًا و نبرته تشتد 

-هربت أو سافرت راح تچي و هذا الحديث وصل آخره… 

أشار إلى رجالهِ ليتراجعوا و إلتفت عن راغب قبل أن يستدير إليه و يقول بـ نبرةٍ هادرة 

-بعرف يا خال إنك هرّبت قوت، لكنها بـ النهاية هتعاود على دارها، ياللي بيكون داري… 

ثم رحل عابد مُخلفًا رياحًا ثم و في طريقهِ قاطعته فتاةً لا تكاد تصل إلى صدرهِ و بـ صوتٍ ميزّه و عَلِمَ أنه ينتمي إلى شقيقة قوت هدرت و تُناظره بـ عينين قاسيتين

-عابد يا بن خالتي، قوت ما رح تكون زوچتك، بعد عنها طرقكم مانها واحدة… 

إقترب منها عابد فـ تراجعت بـ خوفٍ رفضت إظهاره لها ليقول و هو يضحك بـ خُبثٍ تحذيري

-يا صغيرة عارف إنك كُنتِ ورا هذه الخطة، قوت ما بتعرف تفكر هكذا وحدها.. 

همّت بـ رفع يدها لتضربه فـ أمسك يدها، حينها أخرج رجاله أسلحتهم فـ إنكمشت على نفسها دون أن يظهر هذا على ملامحها، و بـ إشارةٍ من يدهِ أعاد الجميع أسلحتهم ثم نظر إلى تلك التي إن رفع يده رفعها عن الأرض و هتف بـ تسليةٍ

-خبري قوت بترجع و إلا أنتِ راح تدفعي ثمن عنادها
-هدرت بـ صوتٍ شرس:إذا بدك إبحث عنها، ما راح تجدها… 

قبض على فكها بـ قوةٍ ثم هدر بـ نبرةٍ قاسية رغم خفوتها إلا أنها بدت كـ الرعد 

-چميع القبايل راح تشهد على العرس، ما في غير هذا، أنا ما بستسلم… 

تنفست بـ حدةٍ عسليتها النارية مُقابل بُنتيه القاسية، قبل أن يدفعها و عدّل من عباءته ثم إستدار و حذرها بـ صوتٍ غليظ 

-خبريها ياللي حدث راح يكون مجابيله كثير… 

أصبحت رؤيتها ضبابية إما مِنْ كثرة رجاله و الغُبار الذي خلفوه، أو من هالته القاتمة التي تُحيط به، و في كِلتا الحالتين تشعر أن ذلك العابد مُخيف أكثر مِما يبدو عليه 

*****

في صباح اليوم التالي 

كان أرسلان يستعد إلى الخروج بـ ملامحٍ قاتمة و سديم تجلس فوق الفراش تتنهد بـ إرهاقٍ، لتنهض و تقترب منه مُحاوطة ظهره ثم قالت بـ صوتٍ رقيق 

-لسه متضايق من إمبارح!... 

ربت على كفها دون أن يستدير إليها ثم أبعد يدها ليُكمل إرتداء ثيابه فـ زفرت سديم بـ ضيقٍ ثم أردفت بـ نبرةٍ تملؤها الإمتعاض

-أرسلان متبقاش كدا بقى، الموضوع عدا، و بعدين أنا قولتلك إن محدش غيرك يهمني… 

إستدار إليها بعد عدة لحظات ثم إقترب منها بـ قميصهِ المفتوح، ثم إبتسم بـ خُبثٍ و قال مُقتربًا أكثر منها 

-طب إقفلي زراير القميص… 

رفعت حاجبها و مالت رأسها إلى اليسار قبل أن تضحك و تهز رأسها بـ يأسٍ ثم رفعت يدها و أغلقت الأزرار في صمتٍ قبل أن تُعدل ياقته و قالت بـ صدقٍ و هي تبتسم بـ حلاوةٍ

-أنا عيزاك تصدقني يا أرسلان… 

سار بـ ظهرِ يده على وجهها ثم قال بـ نبرةٍ ثقيلة دون أن يبتسم 

-مين قال إني مش مصدقك! 
-عاتبته قائلة:طب ليه الزعل! 
-أجاب بـ بساطةٍ:مين قال إني زعلان!... 

ضربت صدره بـ ضيقٍ ثم قالت بـ نُزقٍ و هي تتدلل 

-أومال مبوز ليه! 
-سخر قائلًا:بتعلم منك… 

كشرت سديم و دفعته قائلة بـ حدةٍ هذه المرة دون ذرةٍ من المُزاح

-طب يلا مع السلامة، و مش هوصلك زي كل مرة للباب… 

إستدارت لتخرج من الغُرفة و تتجه إلى غُرفة الأطفال، إلا أنه حاوطها من الخلف و سخر مُبتسمًا بـ مكرٍ بـ غرضِ إغاظتها 

-إيه العقاب اللي مقدرش عليه ده! 
-حاولت التملص منه و هتفت:بطل تستفزني… 

يده أحاطتها كـ ثُعبانٍ ماكر يمتلك فريسة يُريدها و يبغى الإحتفاظ بها أكثر، ثم مالت رأسه و أبعد خُصلاتهِا و قَبّل عُنقها فـ تنهدت سديم مُغلقة عينيها، إلا أنها إستعادت تماسُكها و ضربت يده بـ خفةٍ و قالت بـ ضيقٍ تُحاول إظهاره في أبهى طلة 

-متفكرش إنك كدا هتأثر فيا… 

وجدت يده تشتد و تجذبها أكثر حتى إلتصقت به و إستشعرت عضلات صدره التي تتحرك مع تحرك يده و نبضاته التي تطرق ظهرها فـ إبتسمت و قالت 

-أنت already أثرت فيا… 

سمعت ضحكة خفيفة تنطلق من فمه و لم تُصدق سديم أن أرسلان يضحك فـ حاولت الإلتفات إليه و رؤية ضحكته التي إشتاقتها كثيرًا إلا أنه لم يسمح لها، بل دفن وجهه أكثر في عُنقها و سمعت صوته الأجش الهامس 

-طول ما أنا عايش مش مسموح بـ حد غيري فـ حياتك… 

حاوطت يده التي عليها و إبتسمت أكثر، ثم بـ يدها الأُخرى رفعتها و لامست لحيته ليُكمل بعدها بـ شراسةٍ و نبرةٍ قاسية 

-حتى بعد ما أموت، محدش هيملكك… 

شحيح الكلمات و شحيح المشاعر و إعتادته هكذا، و لكن أرسلان قلما يُعبر و أكثر ما يفيض به بـ الكلمات القليلة، حتى و إن كان قيده قسري عليها هي من سلّمت يديها بـ محضِ إرادتها و هي أكثر من سعيدةٍ به

*****

خرجت خلف أرسلان تركض قائلة بـ حدةٍ و كأنها تنهر طفلًا صغير

-أرسلان، هتاخد الساندوتش معاك يعني هتاخده و إلا هاجي الشُغل عندك… 

إلتفت أرسلان إليها رافعًا حاجبه بـ سُخريةٍ قبل أن يختطف الشطيرة من يدها قائلًا بـ نبرةٍ صلبة 

-ياريت تكونِ مرتاحة كدا 
-إرتسمت ملامح الرضا و هتفت:جدًا… 

قضم منها مرةً أُخرى ثم وضع نصفها بـ يدها و سخر منها و هو يصعد سيارته 

-إبقي إتشطري على بنتك اللي بتُف الأكل فـ وشك… 

ضربت الأرض بـ قدمها ثم هدرت بـ قنوطٍ و هي تراه يبتسم بـ إغاظةٍ راحلًا 

-طب والله لاتشوف لما تيجي… 

إستدارت و هي تُكمل الشطيرة عنه ثم غمغمت بـ حنقٍ 

-و هي هتورث الطباع المتخلفة دي من مين!... 

توقفت سديم فجأة و كأنها تذكرت شيئًا ما، ثم بـ عُنفٍ أخذت قضمة أُخرى و هتفت بـ ضيقٍ أكبر و كأنها تشعر بـ الإهانة

-واحد يكُبه فوقي و التانية تتُفه فـ وشي، أما أشوف التانين هيعملوا إيه!... 

هتفت من جديد و هي تدخل و تُغلق الباب 

-هتحدف بيه أكيد، بقيت مهزقة والله… 

ثم دلفت لتجد الصغار يجلسون بـ أدبٍ غيرِ مُعتادٍ، لترفع حاجبها بـ توجسٍ قائلة بـ شكٍ

-الأدب دا وراه حاجة 
-هتف أرسلان متوترًا:أبدًا يا ماما محصلش حاجة
-إقتربت سديم منه و قالت:أهو كدا أنا إتأكدت… 

تحركت و هي تدفع الصغير الذي وقف أمامها و قالت بـ نبرةٍ غير مُريحة

-وسع كدا أما أشوف هببتوا إيه!... 

دخلت سديم المطبخ و بحثت بـ عينيها عن أي مصيبة حدثت و لكنها لم تجد، فـ زفرت بـ راحةٍ و لكن غريزتها كـ أم لا تزال تُشعل أجراس الإنذار و عدم الراحة، حتى توجهت إلى المكان الذي تُخرج منه طعام الصغار لتجد الكارثة قد حلت

فغرت فمها و صُدمت أمام المطبخ و هي تجد مقلاه مكسورة و بعض الدقيق و البيض و أيضًا الحليب مُتناثرين فـ الداخل، كشرت سديم عن أنيابها و تحولت إلى أُخرى، ثم هدرت و هي تتجه إلى الصغيرين 

-أرسلان أنت و مؤمن… 

نهض الصغيرين و وجهي الجرو يعتلي ملامحهما، و لكنها لم تتأثر بـ ذلك لتصيح بـ حدةٍ و الطفلين مُنكسين رأسهم إلى أسفل يشعران بـ الذنبِ

-إيه اللي حصل دا! 
-تلعثم أرسلان و قال:كـ، معرفش 
-سألت بـ شرٍ:متعرفش! يعني المطبخ إتقلب كدا لوحده!... 

أومأ أرسلان لتهدر سديم بـ حدةٍ جعلت الصغيران ينتفضان خوفًا 

-إنطقوا إيه اللي حصل!... 

تقدم مؤمن بـ شفاهٍ مقلوبة و بـ نبرةٍ على وشك البُكاء و أنفٍ أحمر هتف

-طـ طلبت من أرسلان يعمل بان كيك زي ما إتعلم منك عما تيجي من بره
-دافع أرسلان عن أخيهِ قائلًا:لأ محصلش يا ماما، أنا اللي قمت أعمل من نفسي، مؤمن مقالش حاجة… 

لامس قلب سديم دفاع الصغيرين عن بعضمها و يدهما اللتين لم تتركا بعضهما، فـ قاومت خروج إبتسامةٍ و قالت جاثية أمامهما

-روحوا على الأوضة و إجهزوا عشان المدرسة، و أنا هنضف الدنيا و أعمل السندوتشات… 

ركض الصغيرين سعيدان بـ عدم مُعاقبتهما لتنهض سديم، و أثناء صعودهما قالت بـ خُبثٍ كـ عقابٍ بسيط على فعلتهما

-النهاردة مفيش أكل من بره زي العادة، عشان الغلط اللي قولت مية مرة متعملوش حاجة من غير أما تقولولي… 

إستمعت إلى تذمرات الصغيرين و لكنها لم تنحنِ لها أبدًا، فـ قامت بـ تجهيز الإفطار و شطائر المدرسة و إستعدت ثم قامت بـ إيصالهما إلى المدرسة و روضة مؤمن

وصلت إلى المنزل و فتحت الباب الخلفي للسيارة، لتُخرج الصغيرة سيلا، لتُقبل سديم وجنتها و دخلت المنزل

توقفت فجأة و هي تضم الصغيرة إلى صدرها رغم رفض سيلا القاطع لأنها تُريد الحرية و الحركة، ثم إنحنت تُحيط رأس سيلا و نظرت إلى الأرض الترابية، لتجد نقاط من الدماء 

توسعت عنيا سديم و شهقت ناهضة، إلا أنها تتبعت آثار الدماء و جسدها يتجمد بـ خوفٍ، و أثناء ذلك حاولت إخراج هاتفها و بحثت عن رقم زوجها تُهاتفه

كان جسدها ينتفض و يرتجف بـ خوفٍ مع كُل خطوة تخطوها و الدماء تزداد حتى صرخت بـ قوةٍ و هي تجد كلب ضال قد تم فصل رأسه عن جسدهِ و عُلِقا على أحد حوائط المنزل، هكذا فقط

الدماء تترك أثر جاف على الحائط و الكلب يظهر على ملامحهِ الميتةِ الرُعب و الألم، و آثار بُكاء تُركت على وجههِ، بـ أيدٍ مُرتعشة و هي تركض مُبتعدة عن هذا المشهد القاسية تمنع صغيرتها عن رؤية هذا المشهد أيضًا إتصلت بـ أرسلان

أتاها صوت أرسلان الجامد قائلًا 

-خير يا سديم
-صرخت بـ إرتجاف:أرسلان إلحقني… 

*****

جلس قُصي أمام محمود الذي يظهر عليه أعراض التعب و الإرهاق و يُكللهما الحُزن، و الذي تركه يسترد أنفاسه ثم سأله

-كان فيه بينك و بين مريم أي مشاكل!... 

مسح محمود على وجههِ و طرق على المكتب بـ أطرافِ أصابعهِ بـ توترٍ و قال 

-مش التحقيق معايا كان خُلص! ليه تاني يتم إستدعائي؟ 
-أجاب قُصي بـ هدوءٍ:محمود أنا قدرت حالة الإنهيار اللي كُنت فيها و وقفت التحقيق، بس لازم أكمله 
-حـ حاضر يا باشا… 

تنهد ثم تلاعب بـ الحلقة الفضية بـ يدهِ ثم أجاب سؤال قُصي السابق

-لأ مكنش بينا أي خلافات، بالعكس المفروض كتب كتابنا كان قرب خلاص و بـ شهادة أهلها و الكُل إننا كُنا بنحب بعض
-أومأ قُصي و سأل:ليها حد بيكرهها أو عداوة!... 

نفى الشاب و أحنى رأسه، ليتنهد قُصي هو يعلم أن أسئلته لا علاقة لها بـ موتِ مريم و من المُفترض أن تلك الأسئلة تُوجه لآخر إلا أنها قوانين، فـ زفر و سأل من جديد

-حتى فـ مكان الشُغل! 
-أجاب محمود:من كلامها علاقتها كويسة بـ الكُل، ما عدا آآ… 

صمت محمود و لم يستطع أن يُكمل، ليحثه قُصي و قد عقد حاجبيه بـ تعجبٍ

-عدا إيه كمل!
-زفر محمود حرك ساقه بـ توتر:فيه بنت علاقتهم مكنتش تمام، تقدر تقول غيرة بنات عادية
-تساءل قُصي بـ تلاعب:ما جايز دا سبب كافي للقتل… 

رفع محمود رأسه مصعوقًا ثم نفى قائلًا بـ جدية 

-لالالا مُستحيل
-سأل قُصي مُستفهمًا:مستحيل ليه!... 

لم يعرف كيف يصوغها محمود و لكنه زفر و قال بـ صوتٍ بلا تعبير مُحدد

-البنت دي مريضة قلب، أناعارفها 
-سأل:منين! 
-أجاب بـ أعين زائغة:كُنا مرتبطين قبل ما أخطب مريم… 

زفر محمود و مسح على وجههِ ثم نظر إلى قُصي الذي يتفرسه و قال

-لأ، متعملش كدا، بس… 

صمت من جديد و في داخلهِ مراجل تشتعل ليحثه قُصي وهو يتلاعب بـ قلمهِ 

-كمل يا محمود أنا حاسس إنك مخبي حاجة، إعرف إن كُل كلمة مهمة، و ممكن توصلنا للجاني 
-نفى هادرًا:مقدرش، مقدرش… 

كان التوتر يأكله و شيئًا من الغضب و الحُزن، ما أن رآه حتى شعر أن محمود به شيءٍ مُختلف عما سبق، أشار بـ يدهِ إلى العسكري الذي دخل ثم نظر إلى الشاب و قال بـ رزانة 

-محمود إفهم، أنا مش شاكك فيك، بس كدا هتخليني أشك… 

توسعت عينيه و بكى قائلًا و كأنه يتوسل قُصي أن يُصدقه

-والله ما قتلتها، بس دا مقدرش أقوله، لسه ممرش تلات أيام على موتها… 

أشار قُصي للشاب الذي يكتب ما يُقال حوله ليخرج ثم إلتفت إلى محمود و قال بـ هدوءٍ، و هو يلتفت ليجلس أمامه

-إعتبرها فضفضة من راجل لراجل، بعيد عن التحقيق و إن الكلام يخرج لحد… 

ربت على ساق محمود ثم هتف بـ مُؤازرة

-محمود أنا مقدر موقفك، بس لازم أفهم إيه اللي بيحصل… 

مسح محمود وجههِ ثم نظر إلى قُصي و حرك الحلقة من جديد، ليقول يُخفض رأسه إلى حيث يدهِ 

-مش بشك فـ مريم، بس حد نشر إشاعة غريبة هناك
-سأل قُصي:إشاعة إيه!... 

ضم محمود شفتيه و صمت قليلًا قبل أن يزفر نفسًا مُرتجفًا و قال بـ تردد

-إنها على علاقة بـ المُدير و قتلها لما هددت بـ فضحه قُدام مراته… 

*****

في المساءِ

كان محمود عائدًا من عملهِ بعد يومٍ طويلٍ من التوتر و الغضب، الكثير من الغضب، و بـ العمل أصدقائه حاولوا التخفيف عنه 

أثناء سيره لمعت حلقته الفضية تحت أضواء العامود الكهربائي فـ لفتت نظره، ليتذكر كيف تقابل مع مريم 

"عودة إلى وقتٍ سابق" 

أثناء وقوفه أمام الشركة ينتظر محبوبته، وجدها تخرج و تنهره قائلة 

-أنت بتعمل إيه هنا! مش قولتلك كُل اللي بينا إنتهى!... 

حاولت الرحيل و لكنه أمسك يدها و قال بـ توسل شاب ساذج

-شروق إستني، أنا مش فاهم ليه عملتِ كدا فجأة! محتاج أفهم… 

نفضت يده و نظرت إليه بـ حدةٍ ثم هدرت من بين أسنانها و هي تنظر حولها تتحقق ما إن كان أحدًا يلمحهما

-كلمة واحدة يا محمود، معتش تلزمني 
-هتف بـ عدمِ تصديق:كُنا هنتجوز! 
-ضحكت ساخرة منه و قالت:أنت مجنون! أنا كُنت بتسلى و أضيع وقت، و أدي اللي إستنيته جه، هفضل معاك ليه!... 

دلوًا من الماء البارد أُلقيَ عليه و جعله واقفًا غير قادر على الحديث، أو التفكير و كأنه نسى كيف يُفكر، فـ أكملت شروق و هي تُحذره

-دي آخر مرة ألمحك فيها، إنتهينا يا محمود… 

ثم تركته و رحلت، و صوت قرع حذاءها يضرب قلبه و ليس الأرض، فـ جلس على الرصيف لا يجد القُدرة على فعل شيءٍ سوى الذهول و داخله ما كُسر لم يعتقد أنه قد يحدث هكذا

قلاعه و أحلامه الوردية لأول حُبٍ بـ حياتهِ دُمرت و هُدمت فوق رأسهِ و ظل تائهًا وسط الرُكام لا يستطيع أن يجد ذاته

و أثناء هذا وجد أقدام تقترب منه ثم فتاةٍ تنحني و تُقدم له زُجاجة من العصير قائلة بـ إبتسامةٍ جميلة و كأنها تحمل الربيع معها 

-الجو حر، العصير دا هيخليك مبسوط… 

تركت الزُجاجة بـ يدهِ ثم رحلت تدخل في نفس المكان الذي إختفت به شروق، و كان هذا اللقاء الأول و الأجمل على الإطلاق 

"عودة إلى الوقتِ الحالي" 

لقد ظهرت مريم في وقتٍ كان مُحطمًا لا يحمل في داخلهِ أي مشاعر، حتى الطموح داخله قد وأدته تلك الفتاةِ، و كانت هي الإشارة للعودة، و العودة لتصحيح المسار 

و الآن ذهبت تلك الإشارةِ و فَقَدَ الربيع و حلَّ محله شتاءٍ قارس، وقف أسفل الضوء و جلس يبكي لم يكن ضعيفًا هكذا مُنذ إنفصاله عن شروق و لكن موت مريم كانت القشة التي قصمت ظهر البعير 

أخفى وجهه و حدق به المارة و لكنه لم يأبه و أكمل بُكاءهِ قائلًا بـ صوتٍ مكتوم

-ليه يارب ليه!... 

مسح وجهه و نهض يستمع إلى الهمهمات من حولهِ، حتى إقتربت سيدة كبيرة تربت عليه و سألته بـ إشفاقٍ

-فيه حاجة يا بني أقدر أساعدك بيها! 
-نفى و قال:لا يا حاجة تسلمي، أنا تعبان شوية
-دعت السيدة له و هي تتركه:ربنا يريح قلبك و روحك يارب يا بني… 

و بـ داخلهِ أمن على دُعاءها و رحل عائدًا إلى المنزلِ، لم يكن والديه معه، بل يذهبا كثيرًا إلى والديّ مريم الذين لم يقدر على مواجهتهما أكثر من ذلك 

فتح الباب و دخل ثم أضاء الأضواء ليخطو على شيءٍ أصدر صوتًا عال، إنتفض و نظر أسفل قدمهِ ليجده ظرفًا أصفر، قطب جبينه و إنحنى يلتقطه ظانًا أنه يخص أحد والديه

فتحه محمود مدّ يده ليُخرج منها قلادة كان قد إشتراها لها، على شكلِ قلبٍ من الفضةِ الخالصةِ، إدعت أنها أضاعتها و لا تتذكر أين حدث ذلك، قبض عليها بـ تعجبٍ و قلبه ينبض بـ عنفٍ ثم وضعها جواره

مدّ يده و أخرج رسائل مكتوبة بـ خطٍ يعلمه جيدًا و لم يكن سوى خط خطيبته المتوفاه، كانت بها بعض الأسطر التي تتعلق بـ حُبها لشخصٍ إلا أنه لم يكن اسمه المذكور

إتجه محمود و جلس فوق الأريكة و الدوار يُصيبه تزامنًا مع الصُداع ثم قَلَبَ بين الرسائل حتى وجد تاريخًا مكتوبًا لم يتبينه ثم اسم يعلمه جيدًا

"أرسلان الهاشمي" 

فقط بلا كلمات أو وصف لِما اسمه قد كُتب أو المُناسبة، ترك الرسائل و المراجل تشتعل داخله حتى أصبح رأسه على وشك الإنفجار و أخرج صور فوتوغرافية لظهرين لشخصين يسيران معًا، ظهر الفتاةِ إستطاع تمييزه و الآخر فشل

تعالت ضربات قلبه مع إزدياد تنفسه و ألقى بـ الصورةِ ليرى التي أسفلها و لم تكن سوى لمريم التي تنظر إلى نصف الوجه الظاهر و تبتسم بـ إشراقٍ له كما كانت تفعل معه تمامًا 

و نصف ذلك الوجه يعرفه و قد رآه مُنذُ يومين فقط، لينتفض واقفًا ثم تمتم بـ صدمةٍ 

-أ أرسلان الهاشمي… 

تعليقات



×