رواية قلب السلطة الفصل الثالث 3 بقلم مروة البطراوي

 

رواية قلب السلطة الفصل الثالث بقلم مروة البطراوي


داخل منزل "شجن"، حيث يجلس "رائد" و"شامل" في غرفة المعيشة، الجو مشحون بترقب غير معلن.

لم تمر سوى لحظات حتى فُتح باب إحدى الغرف، وخرجت "نيرفانا". لم يكن خروجها اندفاعيًا أو مليئًا بالمفاجأة، بل كان أقرب إلى الظهور الحذر. توقفت عند الباب للحظة، تأملتهم جميعًا، ثم ركزت عينيها على والدها.

أما "رائد"، فقد نهض فورًا، عيناه التهمتا ملامح ابنته، لكنها لم تتحرك نحوه، ولم تندفع كما كان يتوقع. بل وقفت، مترددة، وكأن بداخلها معركة لم تُحسم بعد.

"تعالي هنا، يا نيرفانا." قالها بصوت دافئ، لكن الفتاة لم تتزحزح من مكانها، فقط تقدمت خطوة واحدة، وعقدت ذراعيها أمام صدرها.

"إزايك، بابي؟" نطقتها وكأنها تحاول استكشاف مدى ارتياحها لنطق الكلمة أمامه الآن.

ابتسم "رائد"، لم يعلق على المسافة التي حافظت عليها بينهما، لكنه مدّ يده مشيرًا إليها أن تقترب أكثر.

"وحشتيني، تعالي قربي."

نظرت إلى "شجن"، وكأنها تطلب إذنًا غير مباشر، لكن الأخيرة لم تقل شيئًا، فقط رفعت حاجبها بكسل، مما جعل "نيرفانا" تتجه ببطء إلى والدها.

حين وصلت إليه، لم يعطها فرصة للتردد، بل جذبها إلى حضنه بقوة، عانقها طويلًا، وربّت على شعرها برفق. لكن ما لم يكن يتوقعه هو أن جسدها ظلّ متصلبًا للحظات، لم تبادله العناق على الفور.

"نيرفانا..." همس باسمها، وكأنه يحاول كسر الجمود. عندها فقط استسلمت، ووضعت رأسها على صدره، لكن دون الكلمات الحماسية المعتادة، دون أن تهمس بلهفة كما كانت تفعل في الماضي.

"كبرتي عليا، يا بنتي؟" سأله بصوت هادئ، وهو يبعدها قليلًا لينظر في وجهها.

ابتسمت نصف ابتسامة، ثم قالت بمزيج من الجدية والمزاح:
"لا، بس الدنيا مش زي زمان، بابي."

نظر إليها بتمعن، يدرك أن خلف هذه الكلمات عالمًا تغيّر، عالمًا لم يكن جزءًا منه طوال الفترة الماضية.

تدخلت "شجن"، وهي تتكئ على طرف الأريكة، عيناها مليئتان بالانتصار الصامت:
"نيرفانا بقت عاقلة، وبتفكر في كل حاجة قبل ما تتصرف. مش كده، حبيبتي؟"

لم تجب "نيرفانا"، فقط نظرت إلى والدها، وكأنها تحاول أن تفهم شيئًا أكبر من مجرد لقاء عابر.

قبل أن يردّ "رائد"، اهتز الهاتف في جيب سترته، أخرجه دون أن ينظر في الاسم، ثم وضعه على أذنه قائلًا بجمود:
"أيوه؟"

جاءه الصوت من الطرف الآخر، رخيمًا مشوبًا بالسخرية:
"عامل إيه يا ابن أخويا؟ شايفك دخلت عش الدبابير بإيديك."

تصلبت ملامح "رائد"، وألقى نظرة على "شجن" التي كانت تتابعه بترقب، وكأنها تعرف من المتصل. ثم عاد صوته أكثر برودًا وهو يقول:
"خير، يا حاج صابر؟"

ضحك الرجل العجوز في الهاتف، تلك الضحكة التي يعرفها "رائد" جيدًا، ضحكة من يملك أوراقًا لا يعرفها الطرف الآخر بعد.

"لا، مفيش خير ولا شر… إنما حبيت أقولك إنك لو فاكر إنك بتتحكم في كل حاجة، تبقى واهم. وفيه حاجات، يا رائد، غصب عنك… لازم تتقبلها."

لم يردّ "رائد"، لكنه شعر بأن هذا الاتصال ليس عابرًا، بل هو تمهيد لشيء أكبر… شيء لم يخطط له بعد.
************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

لم تكن ليلى بحاجة إلى استرجاع الذكريات، فالألم محفور في داخلها، لا يحتاج إلى استدعاء. حين رأت نيرفانا تقف بين والدها ووالدتها، تتقاذفها المشاعر بين الطرفين، شعرت بوخزة داخلها، وكأنها تنظر إلى نفسها منذ سنوات.

لم يكن الأمر تعاطفًا محضًا مع شجن، بل كان انعكاسًا لحياتها الخاصة. كيف لها أن تقف عقبة أمام امرأة تحاول استعادة ابنتها، بينما هي نفسها عاشت ذات الوجع؟ كيف تمنع شيئًا تمنّت لو وجدته حين كانت في عمر نيرفانا؟

لقد كانت في نفس الموقف، طفلة صغيرة لا تفهم معنى أن تُؤخذ من والدتها رغمًا عنها، ولا تدرك أن من يُفترض به أن يحميها يمكن أن يكون هو ذاته من يسلبها حقها في الاختيار.

تذكرت كيف كانت تحمل حقيبتها الصغيرة وتنتظر والدها ليأخذها في نهاية الأسبوع، متلهفة لرؤيته. لكنها لم تكن تعلم أن أحد تلك المشاوير المعتادة سيتحول إلى اختطافٍ شرعيٍّ مغلفٍ بالقانون.

لم يمنحها فرصة الوداع، لم يسمح لها حتى بضم والدتها للمرة الأخيرة. فقط حملها بعيدًا، بحجة أنها ابنته وهو الأدرى بمصلحتها. ولم تفهم في البداية، ظنت أنها ستعود بعد أيام، لكن الأيام صارت شهورًا، والشهور أعوامًا.

عاشت في قصره، محاطة بكل ما يمكن أن تحلم به أي فتاة، ملابس فاخرة، ألعاب ثمينة، رحلات وسائقون وخدم. لكن كل ذلك لم يكن سوى قفص مذهّب، لا يُشترى به الحنان ولا يعوض حضن أمها.

كبرت وهي ترى والدها رجلاً مشغولًا دائمًا، متحفظًا، لا يعرف كيف يتحدث مع ابنة، فقط يعطي الأوامر، فقط ينفق المال. لم يسألها يومًا كيف تشعر، لم يلاحظ ارتجافها ليلة امتحانها الأول، ولم يهنئها عندما تفوقت. كانت مجرد فرد من أفراد منزله، لا أكثر.

وحين بلغت السن القانوني، قررت العودة إلى والدتها، توقعت منه أن يغضب، أن يرفض، أن يحاول استمالتها… لكنه لم يفعل.

وقف أمام القاضي بوجه بارد، وعندما سأله القاضي عن رأيه، قال ببساطة:
"إن كانت لا تريد العيش معي، فلا أريد شيئًا منها."

كانت كلماته أشبه بصفعة. لم يحارب لأجلها، لم يتمسك بها، فقط تخلّى. والأسوأ، أنه قطع كل صلة، وكأنها لم تكن جزءًا من حياته يومًا.

حين خرجت من قاعة المحكمة، شعرت أنها خرجت من حياته للأبد، لا أب يسأل عنها، لا سند، لا شيء سوى ذلك الجرح العميق الذي خلّفه داخله.

منذ ذلك اليوم، لم تعد ترى الرجال كما كانت تراهم من قبل. لم يعودوا آباءً، لم يعودوا سندًا، بل صاروا في نظرها مجرد كائنات تجيد التملّك، لكنها لا تجيد الحب.

لهذا حين جاءت "شجن" تطلب تسهيل أمورها مع "نيرفانا"، لم تتردد "ليلى" لحظة. لم يكن دعمًا لأجل "شجن" وحدها، بل كان محاولة لتعويض جزء من ماضيها، لإنقاذ فتاة أخرى من المصير الذي تجرعته يومًا.

************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

لم يكن "رائد" ينظر إلى المسألة بعاطفة الأب الحاني فقط، بل كان يرى الصورة كاملة، من منظور الرجل الذي يعرف "شجن" جيدًا. هو لم يكن أبدًا الأب المثالي، لكنه كان واثقًا أن بقاء "نيرفانا" معه، في محيطه، وسط قواعده الصارمة، أفضل ألف مرة من تركها بين يدي امرأة تجيد اللعب بالأدوار وتغيير الأقنعة وفقًا لمصلحتها.

أما "نيرفانا"، فكانت تقف أمامهم بثقة لا تتناسب مع سنها. لم تكن تلك الفتاة الصغيرة التي عرفت الطاعة كواجب منزلي في بيت عائلة "الذهبي"، بل كانت شخصًا آخر، مزيجًا من براءة الطفولة التي لم تكتمل، وملامح أنثى تتشكل بوعي مستجدّ، تحاول أن تفهم مكانها في هذا الصراع.

ألقى "رائد" نظرة طويلة عليها، نظرة لم تكن قاسية، لكنها كانت محمّلة بقلق دفين. كيف يمكن لثلاثة عشر يومًا فقط أن تغيّر ابنته إلى هذا الحد؟ كانت ترتدي ثيابًا لم تكن لتجرؤ على ارتدائها تحت سقف منزله، ثيابًا جعلت حتى "شامل"، الذي يراها كل يوم في المدرسة، يرمقها باندهاش واضح.

حاول "شامل" أن يخفف وقع دهشته، فابتسم بتوتر وقال محاولًا التهرب من الموقف:
"ما شاء الله، نيرفانا كبرت بجد... يعني، بقت شابة، ربنا يحفظها."

لم يرد "رائد"، بل ظلّ صامتًا، بينما رفعت "شجن" ساقًا فوق ساق، ونظرت إليه بابتسامة مستفزة، قائلة بصوت ناعم، لكنه يحمل جرأة واضحة:
"إيه يا رائد؟ مش عاجبك التغيير؟ مش المفروض تفرح إن بنتك لقت نفسها أخيرًا؟"

تجاهل "رائد" تعليقها، وتقدم ببطء نحو "نيرفانا"، محاولًا قراءة ملامحها، لكنه لم يجد الطفلة التي يعرفها، بل وجد فتاة تحاول التظاهر بالقوة، رغم أن عينيها كانتا تحملان بقايا تردد خجول.

"نيرفانا... تعالي معايا." قالها بهدوء، لكنه كان أمرًا أكثر منه رجاءً.

نظرت إليه للحظات، وكأنها تزن خياراتها، ثم قالت بصوت ثابت:
"أنا مش راجعة يا بابي. أنا مبسوطة هنا، مامي بتفهمني."

اتسعت ابتسامة "شجن"، لكنها لم تتكلم، فقط اكتفت بالمشاهدة، وكأنها تستمتع برؤية الصراع أمامها.

مرت لحظة صمت مشحونة، ثم قال "رائد" بصوت منخفض لكنه حمل صرامة لا تقبل الجدال:
"البيت ده مش بيتك، والست دي مش أمك اللي عرفتها، وإنتي بنتي، وأنا اللي هحدد إيه المناسب ليكي."

رفعت "نيرفانا" ذقنها بعناد، لكن ارتجافة خفيفة في أناملها كشفت قلقها، قبل أن ترد بتمرد مكتوم:
"أنا كبرت يا بابي... ومش هفضل بنتك الصغيرة طول العمر."

كان في ردها ما أشعل داخله الغضب، لكنه كبح جماحه. نظر إلى "شجن"، التي لم تزل تحتفظ بابتسامتها المنتصرة، ففهم أن هذه ليست مجرد معركة بينه وبين ابنته… بل هي حرب تخوضها "شجن" بأسلحتها الخاصة، و"نيرفانا" مجرد رقعة شطرنج في يدها.

الهدوء الذي عمّ الغرفة لم يكن سوى هدوء ما قبل العاصفة.

**********
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

ليلى لم تكن من النساء اللواتي يسعين وراء الرفاهية، بل كانت امرأة تحسب خطواتها بدقة، تعرف جيدًا قيمة الأشياء قبل أن تمد يدها نحوها. لم يكن الزهد اختيارًا مؤقتًا، بل كان نهج حياة فرضته على نفسها منذ الصغر. لم تكن بحاجة إلى الكثير، بل تفضل القليل الواضح على الكثير المُبهم.

لكن رغم بساطتها، كانت دائمًا ما تجد نفسها وسط تعقيدات لا تخصها، وكأن القدر يصر على أن يزج بها في دوائر من الصراعات التي لا ناقة لها فيها ولا جمل. وأكبر هذه الصراعات الآن هو مصير نيرفانا.

نظرت إلى الساعة، كانت تعلم أن عليها التحرك. هدفها كان واضحًا: إنهاء هذه الفوضى وإقناع شجن بأن تعيد نيرفانا دون الحاجة لمزيد من المناورات. لم تكن واثقة تمامًا من نجاحها، لكنها لم تكن مستعدة للوقوف متفرجة أيضًا.

قبل أن تصل إلى الباب، رن هاتفها. كان المدير على الخط.

"أستاذة ليلى، بلاش تروحي لشجن. مافيش لزوم خلاص."

عقدت حاجبيها، أدركت من نبرة صوته أن الأمر جدي. سألته بحدة:
"فيه إيه؟"

"رائد هناك دلوقتي، راح ياخد بنته بنفسه."

ساد الصمت للحظة. شعرت بأنفاسها تتباطأ. لم تكن قد خططت لهذا السيناريو، ولم تتوقع أن يتحرك رائد بهذه السرعة. كانت تدرك أنه يريد استعادة نيرفانا، لكنه كان دائمًا يتصرف بأسلوب محسوب، لا يندفع بهذه الطريقة.

حاولت أن تستوعب الأمر، لكن عقلها كان مشغولًا بسؤال آخر: كيف ستكون ردة فعل شجن؟

أغلقت المكالمة، وقفت في مكانها للحظات، ثم وضعت يدها على مقبض الباب، مترددة للحظة قبل أن تسحبه ببطء.

كان عليها أن تذهب، حتى لو لم تكن متأكدة مما ستواجهه هناك.

*************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

داخل شقة شجن، كان الجو مشحونًا بالتوتر. جلس رائد في مواجهة شجن، بينما وقفت نيرفانا على مسافة قريبة، صامتة، عيناها تراقبان المشهد بقلق واضح.

كانت شجن تميل بجسدها إلى الخلف في مقعدها، ساق على ساق، تحتسي قهوتها بنظرة واثقة، وكأنها هي صاحبة اليد العليا.

"أنا مش فاهمة، جاي النهارده ليه؟ بعد 13 يوم، قررت تفوق وتاخدها؟" قالتها بنبرة ساخرة، قبل أن تتابع، وهي تتظاهر بالتفكير: "ولا يمكن حد قالك إنها مبسوطة هنا أكتر من بيتك الكئيب؟"

رائد لم يكن في مزاج للمساومات. نظر إليها ببرود وقال بلهجة قاطعة:
"أنا جاي آخد بنتي، مش جاي أسمع محاضرة منك."

ضحكت شجن بخفّة، قبل أن تميل نحوه قائلة:
"أنا عندي شروط، يا أبو نيرفانا. مش هتخرج من هنا ببلاش."

رمقها بنظرة قاتمة، بينما وضعت كوب القهوة على الطاولة ببطء، ثم تابعت بنبرة متمهلة:
"البنت بتحب المكان هنا، عجبها. وعلشان تخرج، لازم تدفع تمن البيت اللي عاجبها، وتعوضني عن كل حاجة خسرتها السنين اللي فاتت. يعني… شقة ملك باسمي، عربية، ورصيد محترم في البنك. ده أقل واجب، ولا إيه؟"

تدخلت نيرفانا باضطراب، محاولة إيقاف هذا المشهد:
"ماما، خلاص، ما تكبريش الموضوع…"

لكن شجن تجاهلتها تمامًا، مركزة نظرها على رائد، الذي لم يبدُ عليه أي انفعال.

نظر إليها مطولًا قبل أن يقول بصوت منخفض لكنه حاد:
"إنتي فاكرة إنك بتتكلمي مع مين؟"

رفعت حاجبها بتحدٍّ:
"فاكرة كويس، رائد الذهبي، الراجل اللي كنت فاكراه هيكون أذكى من كده، لكنه طلع سهل ينلعب بيه."

صمت لثوانٍ، ثم ابتسم بزاوية فمه، ابتسامة خالية من الدفء:
"أنا ممكن أخد بنتي في لحظة، من غير ما تدفعي تمن اللي بتلعبيه ده."

اتسعت عيناها قليلًا، لكنها حاولت التمسك بتماسكها، فقالت ببطء:
"والقانون؟"

ضحك رائد هذه المرة، لكنها لم تكن ضحكة مريحة:
"القانون؟ إنتي ناسية إن نيرفانا في مدرستي؟ وإنك لما خدتيها بالطريقة اللي خدتيها، ممكن يتحسب ضدك؟"

أدركت شجن أنه لم يأتِ هنا ليُساوِم. كان قد قرر بالفعل كيف سينهي الأمر. حاولت أن تتمالك نفسها، لكن في داخلها، عرفت أنها بدأت تخسر السيطرة.

تقدمت نيرفانا إلى والدها، ونظرت إليه بتردد، كأنها تنتظر منه طمأنة أو تفسيرًا.

نظر إليها رائد وقال بهدوء، لكن بحسم لا يقبل النقاش:
"يلا، روّحي على أوضتك، غيري هدومك، عشان هنمشي."

تراجعت نيرفانا قليلًا، ثم نظرت إلى والدتها التي لم تنطق بكلمة، وكأنها أدركت أنها فقدت اللعبة.

"نيرفانا، يلا."

ترددت للحظة، ثم استدارت ودخلت غرفتها، تاركة شجن تنظر إلى رائد بعيون تحمل غضبًا مكبوتًا.

قبل أن يخرج، وقف أمامها للحظات، وقال بصوت منخفض:
"اللعبة خلصت، شجن. البنت دي مش ورقة بتلعبي بيها."

ثم استدار وخرج، بعدما لحقت به نيرفانا، تحمل حقيبة صغيرة، وعيناها تائهتان بين والدها ووالدتها.

شجن لم تتحرك من مكانها، لكن في داخلها، عرفت أن رائد لم يخرج فقط بابنته، بل خرج منتصرًا في معركة لم تكن تتخيل أنها ستنتهي بهذه السرعة.

**************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

في الصباح الباكر، توجهت ليلى إلى المدرسة، خطواتها كانت هادئة لكن عقلها مزدحم بالأفكار. لم تكن واثقة مما ستجده عند وصولها، لكنها كانت تدرك أن الأمر لم ينتهِ بعد.

طرقت باب مكتب الأستاذ شامل، لتجد الباب مفتوحًا جزئيًا، فدخلت بخطوات ثابتة. كان شامل يجلس خلف مكتبه، منشغلًا ببعض الأوراق، لكنه رفع رأسه فور رؤيتها، ورحّب بها بابتسامة لطيفة:

"أهلاً وسهلاً يا أستاذة ليلى، نورتِ المدرسة."

ردّت ليلى بابتسامة خفيفة، وجلست على الكرسي المقابل دون انتظار دعوة:

"إزاي الحال يا أستاذ شامل؟"

أغلق شامل الملف الذي بين يديه، وأسند مرفقه على الطاولة، وقال بنبرة هادئة:

"تمام، بس واضح إنك جاية مخصوص علشان نيرفانا."

لم تعلق ليلى مباشرة، لكنها عقدت يديها أمامها وقالت بجدية:

"حصل إيه بالضبط؟ أنا سمعت إن الأستاذ رائد راح بنفسه وخدها من بيت والدتها."

ضحك شامل بخفّة، وكأنه يتذكر مشهدًا لم يكن يتوقعه:

"مش خدها وبس، ده قلب البيت عليهم. شجن كانت فاكراه جاي يتفاوض، لكن لما لقت نفسها محاصرة بالقانون، البنت خرجت معاه من غير نقاش."

رفعت ليلى حاجبها، وقالت ببطء:

"يعني مفيش مساومات؟"

هزّ شامل رأسه بالنفي:

"رائد الذهبي مش من النوع اللي حد يساومه على بنته، ولا يسمح إن حد يلعب بيه. شجن فكرت إنها تقدر تاخد أكتر من اللي تستحقه، لكنها في الآخر خرجت خالية اليدين."

صمتت ليلى قليلًا، ثم قالت وهي تفكر بصوت عالٍ:

"يعني دلوقتي نيرفانا رجعت بيت والدها، لكن السؤال… هل هي فعلًا عايزة ترجع؟"

أطرق شامل للحظة، ثم قال بجديّة:

"دي النقطة اللي مخلياني مش متفائل أوي. نيرفانا في السن ده مش سهلة، وشجن عرفت تلعب على عقلها كويس."

زفرت ليلى ببطء، وكأنها كانت تتوقع هذا الرد. كانت تعرف أن المشكلة لم تنتهِ عند هذا الحد، وأن ما حدث الليلة الماضية كان مجرد بداية لفصل جديد من الصراع.

*****************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

توقفت سيارة رائد أمام بوابة المدرسة، ولم يكن في مزاج يسمح له بالانتظار. نزل منها بخطوات واثقة، عيناه تمسحان ساحة المدرسة بسرعة، يبحث عن ابنته. كان على يقين بأن شجن قد لا تلتزم بوعدها، لذا قرر الحضور بنفسه.

عند رؤيته، توقفت نيرفانا فجأة وسط زميلاتها، وكأن الوقت تجمّد للحظة. بدا الارتباك جليًا على وجهها، لكنها لم تتردد طويلًا، إذ خطت نحوه بخطوات مترددة. عندما اقتربت بما يكفي، لم يمنحها الفرصة للكلام، بل انحنى قليلًا واحتضنها بحنان، كمن يستعيد جزءًا ضائعًا من روحه.

"حبيبتي... إنتِ كويسة؟"

لم ترد، فقط أومأت برأسها، بينما كانت أصابعها تتشبث بسترته كمن يخشى أن يُنتَزَع منه الأمان. شعر برعشتها الخفيفة، فابتعد قليلًا لينظر في عينيها، لكنه تفاجأ بآثار دموع جافة على وجنتيها.

"إنتِ كنتِ بتعيطي؟ حد قالك حاجة؟"

أجابت بصوت مرتجف:

"لا... بس..."

ترددت، ثم همست بصعوبة:

"ليه طلبت من مس ليلى تبعد عني؟"

قطّب رائد حاجبيه، ولم يرد فورًا. التفت حوله، ثم أمسك بيدها برفق وقادها نحو السيارة، وهو يقول بنبرة هادئة لكنها حاسمة:

"هنروح البيت، وبعدين نتكلم."

استدارت نيرفانا مرة أخيرة نحو المدرسة، وكأنها تبحث عن شيء مفقود. ربما كانت تأمل في رؤية ليلى، في تلقي نظرة وداع، لكن لم يكن هناك أحد.

ركبت السيارة بجوار والدها، وهي تشعر أن حياتها على وشك أن تتغير مرة أخرى، لكنها لم تكن واثقة إن كان هذا التغيير سيجعلها أكثر سعادة أم أكثر ضياعًا.

******************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

عاد رائد إلى منزله مع نيرفانا، محاولًا أن يوفر لها جوًا هادئًا بعد اليوم الحافل. جلسا معًا على طاولة الطعام، يحاول أن يفتح معها حديثًا عاديًا، لكنها بدت شاردة، تحرّك الطعام في صحنها أكثر مما أكلته. لم يكن بحاجة إلى سؤالها عن السبب، كان يعرفه جيدًا.

بعد الغداء، صعدت نيرفانا إلى غرفتها، بينما ظل رائد في مكتبه، يدخن سيجاره ببطء، يراقب حلقات الدخان وهي تتلاشى في الهواء. عقله كان منشغلًا بشيء واحد فقط: ليلى. كان يدرك أن ابنته أصبحت متعلقة بها إلى درجة تهدد سلطته عليها، ولم يكن مستعدًا للسماح بذلك.

مدّ يده إلى الهاتف، واتصل بشامل.

رائد (بصوت هادئ لكنه حاسم):
"أنا عايزك عندي دلوقتي."

لم يسأل شامل عن السبب، فقد تعوّد أن الأوامر الصادرة من رائد لا تقبل التأجيل. خلال أقل من نصف ساعة، كان في مكتب رائد، يجلس أمامه بهدوء مترقب.

رائد (ينفث الدخان ثم ينظر لشامل بحدة):
"قول لي، إيه حكاية المدرسة دي؟ ليلى."

شامل (يميل برأسه قليلًا مستغربًا):
"تقصد مدرسة نيرفانا؟"

رائد (بهدوء زائف):
"بالضبط. عايز أعرف كل حاجة عنها."

شامل (يهز كتفيه):
"ست عادية، مدرسة محترمة، مافيهاش حاجة تلفت النظر، لكن واضح إن البنت متعلقة بيها جدًا."

لم يبدُ هذا الجواب مقنعًا لرائد. أشعل سيجارًا جديدًا، ثم قال بنبرة تحمل شيئًا من التحدي:

"وأنا مش عايز بنتي تتعلق بحد غيري."

صمت شامل للحظات، ثم قال بحذر:

"بس البنت محتاجة تعويض. أمها مش موجودة، وواضح إن ليلى سدت الفراغ ده عندها."

لم يكن هذا الرد هو ما يريد سماعه، لكنه لم يُظهر أي انفعال، فقط ألقى نظرة باردة على شامل قبل أن يقول:

"هشوف الموضوع ده بنفسي، لكن أنا مش طالب نصيحة، أنا طالب معلومات. فاهمني؟"

ابتسم شامل ابتسامة صغيرة تخلو من الدفء، وأومأ برأسه، مستعدًا لفعل ما يُطلب منه، كعادته.

*********
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

جلس رائد في مكتبه، السيجار يتراقص بين أصابعه، والشرر الخافت يتوهج في عينيه. الباب انفتح بهدوء،  وقف شامل  للحظة يتأمل ملامح رائد المتيبسة قبل أن يجلس مجددا ، واضعًا ساقًا فوق الأخرى بنبرة شبه هادئة.

شامل (بحيادية مستترة):
"واضح إن الموضوع مستفزك جدًا يا باشا. ليلى، صح؟"

رائد (يشيح بنظره بعيدًا، صوته بارد لكنه يحمل توترًا مكتومًا):
"مش مستفزني، بس مش عاجبني. بنتي مش من حق حد غيري، مش هاسمح لحد يدخل في علاقتها بيَّا، ولا يؤثر عليها، خصوصًا حد زيها."

شامل (رافعًا حاجبه بدهشة):
"حد زيها؟! دي مجرد مدرسة، مش شايف إنها واخدة أكبر من حجمها في دماغك؟"

رائد (يحدق فيه بحدة):
"لأن بنتي هي اللي بتديها حجم أكبر من اللازم. أنا اللي ربيتها على إني كل حاجة في حياتها، مش هسيب حد يجي يقلب الموازين."

شامل (يبتسم بمكر وهو يخرج دفترًا صغيرًا، يعبث بقلمه دون أن يدون شيئًا):
"طب قوللي، عايزني أعمل إيه؟ نبعدها؟ نشوه صورتها؟ ولا عندك اقتراح مختلف؟"

رائد (يرمي السيجار في المنفضة، مستندًا إلى المكتب):
"عايزها تختفي من حياة بنتي، من غير دوشة، من غير فضايح، من غير ما حد يربط حاجة بحاجة. نيرفانا مش لازم تحس إن ده قرار مني."

شامل (يغمغم متأملًا):
"يعني نضغط عليها بطريقة تخليها تبعد من نفسها... من غير ما تحس البنت بحاجة؟"

رائد (يميل للأمام، صوته خافت لكن حاسم):
"بالظبط. أي حد عنده نقطة ضعف، وأنا متأكد إن ليلى مش استثناء."

شامل (يبتسم ابتسامة جانبية وهو يطرق بإصبعه على الدفتر):
"يبقى لازم نعرف هي بتخاف على إيه بالضبط... عيلتها؟ شغلها؟ سمعتها؟"

رائد (يضيق عينيه بتفكير، ثم يقول ببرود):
"هي بتحب شغلها. خلت بنتي تتعلق بيها لأنها كانت بالنسبة لها نموذج مختلف عن أمها. عارفة يعني إيه؟ يعني لو فجأة فقدت الصورة دي، نيرفانا هتبعد عنها بنفسها، من غير ما نعمل حاجة مباشرة."

شامل (بصوت خافت، كمن يعيد رسم الخطة في رأسه):
"يبقى نلعب على ده... نخليها مش مناسبة في نظر البنت. بس لازم نكون أذكياء، مفيش حاجة تتربط بينا."

رائد (بابتسامة باردة، وهو يشعل سيجارًا جديدًا):
"أنا معتمد عليك في الحتة دي، شامل. بس افتكر... مش عايز مشاكل، مش عايز أسامي تتقال، ولا حد يلمح إننا ورا الموضوع."

شامل (يومئ مطمئنًا):
"ولا كأننا كنا هنا."

وقف شامل، عاقدًا العزم على تنفيذ خطته، بينما استرخى رائد في مقعده، ينفث الدخان ببطء، وعيناه مسمرة على نقطة بعيدة، كمن يراقب انهيار قادم لكنه يرحب به.

***********************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
(بعد الغداء، صعدت نيرفانا إلى غرفتها كما تفعل دائمًا، ألقت بجسدها على السرير، تحاول أن تغمض عينيها، لكن النوم أبى أن يطرق جفونها. كانت الأفكار تتزاحم في رأسها، تقلبها بين مشاعر متشابكة، بين الفرح بعودتها إلى والدها، والقلق مما قد يحدث بعد ذلك.)

(استدارت في فراشها مرات ومرات، لكن إحساسًا غامضًا بعدم الراحة كان يمنعها من الاستسلام للراحة، وكأن شيئًا ناقصًا، أو أن هناك حديثًا لم يكتمل بعد.)

(تنهدت بضيق، قبل أن تنهض من سريرها، تنتعل خفيها المنزلي، ثم تنسل خارج الغرفة بخطوات خفيفة. عبرت الممر الطويل في الطابق العلوي حتى وصلت إلى السلم، ثم هبطت إلى الطابق الأرضي، تتجه مباشرة إلى مكتب والدها.)

(كانت تعرف أنه هناك... دائمًا ما يلجأ لمكتبه في مثل هذا الوقت، يجلس خلف مكتبه الفخم، يدخن سيجاره بهدوء، بينما الغموض يكسو ملامحه. ترددت قليلًا أمام الباب، ثم رفعت يدها لتطرقه بخفة.)

نيرفانا (بصوت خافت):
"بابي؟"

(من الداخل، لم يتأخر صوت رائد، كان صوته هادئًا لكن يحمل نبرة اهتمام واضحة.)

رائد:
"تعالي، يا نيرفانا."

(دفعت الباب ببطء، ثم دخلت، لتجده جالسًا خلف مكتبه، السيجار بين أصابعه، بينما عيناه تتأملانها بنظرة متفحصة.)

رائد (يميل بجسده للأمام قليلًا، بنبرة هادئة لكن حازمة):
"إيه اللي صاحيكي لحد دلوقتي؟ مش كنتِ نايمة؟"

(تقدمت نحوه بخطوات بطيئة، ثم سحبت كرسيًّا وجلست أمامه، تشابكت أصابعها في حضنها، قبل أن تقول بصوت متردد بعض الشيء:)

نيرفانا:
"حاولت أنام، بس مَعرفتش... كنت بفكر في حاجات كتير."

رائد (يرفع حاجبه باهتمام):
"زي إيه، يا حبيبتي؟"

(ترددت قليلًا، ثم تنفست بعمق، قبل أن تقول مباشرة:)

نيرفانا:
"زي موضوع مس ليلى."

(تصلب جسد رائد للحظة، لكن ملامحه لم تتغير. أسند ظهره إلى كرسيه، وأخذ نفسًا عميقًا من سيجاره، قبل أن يقول بنبرة محايدة:)

رائد:
"وأنا كنت مستني اللحظة دي... كنت عارف إنك هتنزلي تسأليني عنها."

(نظرت إليه نيرفانا بترقب، وكأنها تحاول قراءة أفكاره، ثم قالت برجاء خافت:)

نيرفانا:
"بابي... مش عايزاك تبعدها عني."

(نظر إليها رائد طويلًا، كأنما يزن كلماته قبل أن يتحدث. ثم، بعد لحظات من الصمت، قال بصوت هادئ لكن قاطع:)

رائد:
"وإيه اللي خلاكِ تفكري إني ممكن أعمل كده؟"

نيرفانا (تنظر إليه مباشرة، بعينين تحملان مزيجًا من القلق والتوسل):
"لأنك مش بتحب حد يشاركني في حياتي، بابي... مش بتحب حد يبقى قريب مني غيرك."

(ارتفع حاجباه قليلًا، وكأنها أصابته في موضع لم يتوقعه، لكنه ظل متماسكًا، يميل للأمام ببطء، ينقر بأصابعه على سطح المكتب الفخم، قبل أن يبتسم ابتسامة صغيرة لا تصل لعينيه.)

رائد (بصوت هادئ لكنه ذو مغزى):
"وإنتِ شايفة ده شيء وحش؟"

(ترددت للحظة، وكأنها تفكر في الطريقة الصحيحة لقول ما يدور في رأسها، ثم أجابت بصوت خافت، لكنه واثق:)

نيرفانا:
"مش وحش... بس أنا كبرت، وبقيت محتاجة أتكلم مع حد غيرك، حد يفهمني من غير ما يحس إنه مسؤول عني طول الوقت."

(ضاقت عيناه قليلًا، وهو يتأملها، وكأنها باتت لغزًا جديدًا عليه. رفع السيجار إلى شفتيه، لكنه لم يدخن، فقط ظل ممسكًا به، قبل أن يقول بصوت منخفض:)

رائد:
"وإنتِ شايفة إن مس ليلى دي هي الحد ده؟"

نيرفانا (بسرعة، بإصرار واضح):
"أيوه! هي أكتر حد فهمني، مش بس كمدرسة، لكن كإنسانة كمان. عمرها ما كانت بتعاملني على إني بنت رائد الذهبي، كانت بتعاملني على إني نيرفانا وبس."

(ظل ينظر إليها بصمت، قبل أن يميل برأسه قليلًا، ثم يقول بلهجة لا تخلو من التحليل:)

رائد:
"وده معناه إن الناس اللي بتعاملِك على إنك بنتي بيضايقوكي؟"

(ارتبكت قليلًا، أدركت أنها دخلت في منطقة حساسة، لكنها لم تتراجع، بل قالت بصدق طفولي:)

نيرفانا:
"مش بيضايقوني... بس ساعات بحس إني مش أنا، بحس إني مجرد امتداد ليك، مش نيرفانا الحقيقية."

(سقطت كلمتها الأخيرة كحجر في بحيرة ساكنة، أحدثت تموجًا خفيًا في ملامحه، لكنه سرعان ما استعاد رباطة جأشه، وضع السيجار في المنفضة، ثم نهض من مقعده، يدور حول المكتب ليقترب منها، قبل أن يجلس على طرف الطاولة، مواجهًا إياها مباشرة.)

رائد (بصوت منخفض لكنه عميق):
"نيرفانا... إنتِ بنتي، واللي عندي ليكِ مش مجرد مسؤولية، ولا فرض، ده حب... حب مش هتلاقي زيه عند حد تاني."

(نظرت إليه بصمت، محاولة استيعاب كلماته، لكنه تابع بنبرة حازمة هذه المرة:)

رائد:
"أنا وعدتك إننا هنتكلم في موضوع مس ليلى، وهنعمل كده... بس لما يكون الوقت مناسب، مفهوم؟"

(لم يعجبها الرد، لكنها أدركت أنها لن تحصل على إجابة أخرى الليلة، فتنهدت باستسلام، ثم قالت بهدوء:)

نيرفانا:
"مفهوم، بابي."

(راقبها للحظات، قبل أن يمد يده ليمسح على شعرها بحنان، ثم قال بصوت أكثر دفئًا:)

رائد:
"يلا، روحي نامي، عشان عندك مدرسة الصبح."

(أومأت برأسها ببطء، ثم نهضت من مكانها، تتجه نحو الباب، لكنها قبل أن تخرج، استدارت نحوه، وقالت بصوت خافت لكنه مليء بالمعنى:)

نيرفانا:
"بحبك، بابي... بس أتمنى تحبني بالطريقة اللي أنا محتاجاها، مش بالطريقة اللي إنت شايفها مناسبة لي."

(ثم غادرت، تاركة خلفها صمتًا ثقيلاً، ورائد الذهبي غارقًا في أفكار لم يعتدها.)

(ظل رائد واقفًا في مكانه، يراقب الباب الذي أغلقته نيرفانا خلفها، شاردًا في كلماتها التي تسللت إلى أعماقه كخنجر مغلف بالحرير. لأول مرة منذ سنوات، شعر أن هناك شيئًا خارج نطاق سيطرته... شيئًا لا يستطيع توجيهه أو التحكم فيه.)

(تنهد ببطء، ثم التقط سيجاره مجددًا، أشعله هذه المرة، وسحب منه نفسًا عميقًا، قبل أن يطلق الدخان في الهواء وهو يتمتم بصوت بالكاد يُسمع:)

"إنها بنتي... وأنا اللي هقرر مين يكون في حياتها ومين لأ."

(لكن رغم ثقته المطلقة بنفسه، تسلل إلى داخله شعور غامض، شعور لم يعتده... وكأنه يخشى أن يكون فقد السيطرة فعلًا. وكأن شيئًا ما، أو ربما شخصًا ما، بدأ يهدد ذلك العالم الذي بناه حول نفسه بإحكام.)

تعليقات



×