رواية غمرة عشقك الفصل الثامن والاربعون بقلم دهب عطية
يستند على جانب السيارة امام باب منزلها منتظر
وكان يرتدي طاقم انيق بنطال جينز بني وتيشرت يجمع بين اللون البني والابيض...... يرتدي عليه
حذاء رياضي أبيض... وقد صفف شعره الأسود
الغزير للخلف وقد حلق لحيته فباتت بشرته ناضرة بملامح رجولية جذابة بوسامة.....فكان وسيم الطلة...... بطلة جليلة....وملامح رصينه.......بها
يكن جذاب تحت محاط الانظار من الجميع......
رفع هاتفه بملل فقد طفح كيله من انتظارهن....
وعندما فتحت الخط قال عابثاً.....
"حبيبة...."
اتى صوتها الرقيق متحشرج قليلاً....
(نزله يا أحمد ثواني......بلف الطرحة بس.....)
انعقد حاجبيه سائلا بقلق....
"مال صوتك......انتي كنتي بتعيطي......"
انكرت وهي تحاول تغيير الموضوع....
(لا انا كويسه.... دقيقتين ونزله سمر كمان سبقتني
ونزلت...وانا هنزل مع ماما......معلش اني اتأخرت
عليك.....)
تحدث أحمد واجماً....
"انت بتلغوشي على الحوار...صوتك باين انك معيطه
لما تنزلي هنتكلم......."اغلق الخط وهو يزفر بحنق..
والدتها مجدداً الأمر لا يحتاج للتفكير مرتين...لا
تتقبل علاقتهما ولا يعرف سبب وجيه لهذا الرفض
ومع ذلك يدعي الغباء لأجل اتمم الزيجة...شهرين مروا سعى فيهما بقدر الامكان لتوفير مسكن لهما
كما أرادت والدتها.........
وبالفعل بعد تفكير وصل لابسط الحلول.....نظر لسيارة الاجرة خلفه والذي اخذها من أحد
الأصدقاء لقضاء هذا المشوار الهام.....حتى يضع النقط على الحروف وياخذ الخطوة الجادة في تحديد موعد زفافهما بشكلاً رسمي......
أنتبه لصوت اخته وهي تتحدث مع ابنتها التي تأنقت بفستان أزرق قصير كالون البحر مع قبعة تماثله ولم
تنسى الصغيرة وضع الاساور الصغيرة الملونه العاشقة هي لها كما تفعل أمها.....تقلدها مكه
وتشبهها كثيراً...لكن تظل تركيبات (سمر جمال)
واحده فقط !!......
ركضت الصغيرة لعنده مناديه بأسمه...فحملها وقبلها
حتى تقدمت منه سمر وسالته بهدوء......
"كلمت حبيبة هي نازله ورايا على فكرة......"
سأل اخته.... "انتي خبطي عليها......"
ردت سمر وهي ترجع خصلة من شعرها
للخلف....
"لا كلمتها في التلفون مانت عارف أمها.... بتقلب وشها اول ما بتشوفني فقولت بلاها...........كلمتها
انت هي كويسه ولا امها نكدت عليها......"
تحدث أحمد باحتقان......
"امها بتتلكلك عشان تبوظ الجوازة بس دا بعدها..."
اومات سمر بجدية صلبة......
"جدع اثبت على موقفك وانا من ناحيتي شايفه ان حبيبة طيبه ومش زي امها خالص..... حاول انت
بس تشهل وتقرب معاد فرحكم....... لحسان تزيد
طلباتها وتعجزك......"ثم نظرت لسيارة الاجرة
خلفهما وقالت بحسرة.....
"الله يسامحها......اديك بعت العربية وملحقتش تتهانه بيها......."
نظر أحمد معها لسيارة الاجرة ثم عاد اليها
قائلاً...
"مش مهم العربية ياسمر المهم اجيب الشقه...اديني دفعت جزء من فلوس العربية مقدمة في شقة قسط
والباقي هشطب بيه.......
"انت كده بتنزنق نفسك بالقسط... "
رد عليها مختصراً اهدافه......
"مفيش حل غيره...وبعدين مفهاش زنقه ولا حاجة
انا حاليا بشتغل في شركة كويسة مش اقل من شركة الشامي وبقبض كمان كويس وان شاء الله الجزء اللي هيتحط في قسط الشقه مش هيأثر على احتيجاتي انا وحبيبة....وكده كدا القسط مش هيعيش العمر كله مصيره يخلص.........."
قالت سمر برفق تهون عليه......
" هيخلص ان شآء آلله.......المهم تتجوزها قبل ما حماتك تشتغلك في الأزرق......"
سالها بتردد... "تقتكري هتعجبها الشقة ياسمر......."
اندفعت سمر بالحديث بشكل ايجابي له....
"ومتعجبهاش ليه...دي في حته انضف من هنا مية مرة والعمارة اللي فيها الشقة اخر شياكه...الشارع
كله أصلا رايق ونضيف كده...مش منطقه شعبية اوي زي اللي احنا فيها....دا غير الشقة وشكلها والله لقطه وسعرها حلو كمان سواء قسط ولا كاش....."
نظرت له وأضافت بإبتسامة حالمة.....
"تعرف يا أحمد انا نفسي انقل لمكان هادي وحلو
زي ده بس المشكلة في ابراهيم متعلق بامه واهله وجيرانه وحياته هنا في الشارع اللي عاش فيه ......واوقات يعني بحس انه عنده حق......وبرجع أقول اهم حاجة الراحة النفسية مش المظاهر........"
نظر لها قائلاً بفتور....
"اهم حاجة تكوني انتي مرتاحه وراضيه......"
ابتسمت بحب قائلة بمصدقية جميلة....
"هصارحك واقولك اني ببقا مرتاحه وراضيه براحته هو......الحب دا غريب اوي بيلغبطك ويغيرك زي
ماهو عايز........"
"انتي هتقوليلي عارف ومجرب......." ثم أنتبه خلفها
لوالدة حبيبة تخرج من البوابة بوجهاً مكفهر وشفاه مقلوبه.... تليها خروج حبيبة بفستان محتشم أنيق
وجحاب ينافسها رقه ونعومة.... كانت ناكسة الرأس
ترفض النظر للأمام حتى تتمكن من مسح وجنتيها من الدموع قبل ان يراها !!.......
احتدت نظراته وغلت الدماء بعروقه وهو ينظر لاخته نافث عن غضبه من خلال تلك النظرة التي تقابلته سمر بتفهم ورفق وهي تربت على كتفه هامسه
بحنان الأم.....
"اهدى وكبر دماغك.... والله لا خليها تاكل في
نفسها دلوقتي......."ثم اضافة بغيظٍ وهي
تراقب اقترابها منهم.....
" وليه غشيمة وجاحدة......انا مش عارفه إزاي بيجلها قلب تكسر فرحة بنتها...... "
حينما وقفت امامهما صفاء وكذلك حبيبة التي تهرب
من عينا احمد النافذتين الصلبتين الملاحقيتن بشدة بها..
قالت صفاء ببرود.....
"إيه هنفضل واقفين كتير في الشارع......"
جز أحمد على اسنانه فمن سبب التأخير غيرها.... يبدو انها تكرمت عليهم بنزول بعد وصلة رجاء
وتذلل من حبيبة ولم تفوت طبعاً فرصة حرق
دماؤها ببعض الكلمات السامه انتقاماً منها على
حبها وموافقتها على الارتباط بشخصاً لا
تتقبله زوج لابنتها......
تدخلت سمر قائلة بحفاوة زائفة وهي تدفعها
بخفة في كتفها تدعوها للدخول بالسيارة....
"لا ياحبيبتي واحنا نقدر..... ادخلي العربية يام
حبيبة يلا بينا يا احمد......"
نادت صفاء على ابنتها بحزم......
"حبيبة........ تعالي قعدي جمبي......."
فتحت سمر الباب ودعتها للدخول ثم جلست جوارها وابنتها على حجرها واغلقت الباب بعدها ناظره لها بابتسامة صفراء........
"خليها تقعد جمب خطيبها مفيش مكان...."ثم اشارت عليها هي وابنتها و تابعت بلؤم وهي تنظر اليها باشارة العين......
"الكرسي اللي ورا دا بياخد اتنين....... وحرباية....."
توسعت عينا صفاء فقالت
بصدمة....
"انتي قصدك إيه..... انا حرباية......"
رجعت سمر للخلف بظهرها وهي تدعي الاندهاش قائلة ببراءة....
"انتي يالهوي... دا انتي اميرة الامرة ياختي....اخص عليكي يام حبيبة.... دا انتي مفيش في طيبة قلبك....اكيد سمعتي غلط......."
برمت صفاء شفتيها وهي تلقي عليها نظرة
احتقار بطرف عينيها...... "جايز......."
في خارج السيارة سألها أحمد بحنق.....
"ممكن افهم عينك حمرة كدا ليه..... كل ده عياط
هي قالتلك إيه......."
هزت حبيبة رأسها هاربة من نظراته
القوية.....
"ولا حاجة......يا أحمد... "
المه قلبه لرؤيتها حزينة مكسورة الخاطر بهذا الشكل فتهور ومسك يدها في الخفاء ولفظ بانفاس
غاضبة... "حبيبة......."
نظرت ليده المطبقة عليها فهمست
برجاء...
"احنا في شارع يا أحمد.......سيب أيدي.. "
ترك يدها قائلاً بزفرة تعب......
"ربنا يهون بقا انا تعبت....... وصبري نفذ بصراحة بذات من ناحية أمك......."
نظرت اليه حبيبة بتحذير قائلة.....
"أحمد لو سمحت غير اسلوبك وانت بتكلم عنها دي امي......."
جز على اسنانه قائلاً..... "امك مش بتحبني......"
قالت حبيبة مبتسمة
بحزن...
"مش مهم كفايه انا بحبك......"
تافف أحمد قائلا بجدية.....
"يووه ياحبيبة افهميني..... دي بتحاول تخرب الجوازه......"
قالت حبيبة برجاء حزين.....
"مش هيحصل طول مانا وانت عايزين بعض... انا مستحمله عشانك...... وانت كمان استحمل واصبر عشان خاطري......."
اردف أحمد بصدق مس قلبها المجهد....
"مش محتاجه تقوليها انا معاكي للآخر يابيبه...."
ابتسمت في وجهه بحب ثم لاحت نظرة على
سيارة الاجرة خلفه فقالت بحزن.......
"خسارة انك بعت العربية.... انا كنت حباها اوي..."
لمع بريق عيناه فقال واعداً....
"بكره هجيب احسن منها وشبها بظبط..... بس
هتبقى هدية مني ليكي......"
"هديتي الحقيقه انك معايا......" ثم توهجت عينيها الحمراء الشاجنة بحماس قائلة.....
"تعرف متحمسة اوي اني اشوف الشقه.... بصراحة
الفيديو اللي بعتهولي بعد ما صورتها شوقني اكتر
حابه اشوفها أوي......"
اشار لها ان تركب جواره ودخل السيارة محتل
مقعد السائق وهو يقول.......
"ادينا رايحين وهتشوفيها..... ويارب تعجب حماتي......"نظر لصفاء عبر المرآة فالقت اليه
نظرة باردة واشاحت بوجهها عنه بتكبر.......
فقلب أحمد حدقتيه بملل وغيظ وهو يدير محرك السيارة بتافف من تلك المرأة بغيضة الملامح والنظرات دوماً........
بدأت سمر تتحدث في الهاتف بصوتٍ عالٍ مزعج
حتى تعطي مساحة لاخيها بتحدث باريحية
بعيداً عن أذان والدة حبيبة......
القى أحمد عليها نظرة خاطفة فوجدها شاردة
بحزن عنه فحاول اخراجها من قوقعة الكآبة
تلك وسالها مشاكساً......
"واي اخبار الشغل يابشمهندسه......"
إبتسمت والبسمة كانت تعطي روح لوجهها وعيناها الحزينة خصوصاً مع سؤاله ذات اللهجة الخبيثة المعروفة بينهما....فقالت بخجل رقيق.....
"الحمدلله....كويسه......بس عندي مشكلة......"
حرك حاجباه وهو ينظر للطريق بلؤم...
"حقك قولي طالما انا اللي متوسطلك في حوار الشغل ده........يبقا لازم اعرف سلبياته......"
عادت تشاكسه بحلاوة روحها البريئة.....
"ممم بصراحة..... مش حاجة سلبية اوي...يعني
في بشمهندس معماري معايا في الشركة بس إيه
رخم اوي.... وبيحب يغلس عليا كل شويه... واحيانا
لما ميبقاش عنده شغل يجي يعطلني......دا غير
حوار النسكافية ولا الهوت شوكلت ده تصور
اي حاجة يلقيها قدامي على المكتب يشربها......."
نظر له بطرف عيناه وقال بمراوغة...
"اي قلة الذوق دي.....دا بشمهندس عسل اوي... خدي في بالك المهندس الفرفوش رزق....وبذات لو كان بيحبك......"انهى الجملة بغمزة شقية....
فضحكت دون صوت قائلة....
"متأكد ان بيعمل دا كله حب فيا......"
أومأ قائلاً بمداعبة صبيانيه....
"امال.....بلي انتي بس ريقه وتعالي مكتبه مرة من نفسك......وهو هيعوضك عن النسكافيه والشوكلت اللي شربهم منك......"
مررت يدها على حجابها وهي تقول
بخجل....
"مم.....دا تعويض مغري....وانا ممكن افكر....."
تحدث أحمد بجدية مضحكة....
"تفكري إيه......من بكره تكوني على مكتبي
مفيش وقت للتفكير......."
"ليه يعني؟......"
دللها بالكلمات هامسا باللهجة العاشق....
"اهوه أحب فيكي شويه تغيير بدل مااجي المكتب احب فيكي قدام زميلك شكلي بقا وحش....."
قالت حبيبة مبتسمة بفخر....
"بالعكس دول بيحسدونا......."
لوى شفتيه معقباً بأسى.....
"ايوا مالحسد واضح........ودليل على كده امك...."
انتبهت صفاء من وسط ثرثرة سمر المزعجة في الهاتف لجملته فقالت بملامح بغيضة كنظراتها نحوه.....
"مالها امها بقا ان شاء الله بتقول اي عليا...."
قال أحمد بملاطفة زائفة وهو ينظر لها عبر
المرآة....
"ولا حاجة ياحماتي بشكر فيكي لولا دعواتك
مكناش وصلنا لهنا......ربنا يديكي على قد نيتك يارب......"
توقفت سمر عن الحديث بالهاتف وهي ترفع يداها
مؤكده خلفه بحرارة......
"يارب ياخويا..... يارب على قد نيتها......."ثم
نظرت لابنتها وقالت بخبث.....
"ادعي انتي كمان ياكوكي عشان الدعوة
تستجاب...."
قالت الصغيرة ببراءة.....
"يارب......"
وجدت سمر السيارة تنحدر فجأه فتوسعت عينيها وهي تجد اخيها يتفادى دراجة بخارية كانت على وشك الاصطدام بهم.... ثم تابع بعدها طريقه
بشكلاً طبيعي بينما نظر من خلال المرآة
الصغيرة وحدث أخته ساخراً...
"كفاية دُعى..... هتيجي على دماغنا كلنا......"
كبحت حبيبة ضحكاتها وهي تشعر بان امها قاربت على الانفجار بسببهم........فقد احتقن وجهها
أحمراراً يشاركه نظراتها الكارهة لتلك
الصحبة والزيجة بأكملها.......
.....................................................................
دخل بسيارته لأحد الشوارع الهادئة الراقيه نوعاً
ما....والتي تختلف كلياًّ عن الحي الذي تربى فيه
فكان الشارع عبارة عن ابراج شاهقة الارتفاع
انيقة الشكل.... مؤسسة جوار بعدها بشكلاً منظم وعلى كل برج لوحة يكتب عليه اسم البرج وبوابه يحرصها وعمال نظافة.........
القت صفاء نظرة تتفحص بها الشارع التي وقفت به السيارة وكذلك البرج شاهق الارتفاع والتي
أشار عليه أحمد........
تهللت ملامح حبيبة وهي تنظر للمكان عبر النافذة السيارة كذلك وسالته بلهفة.....
"هي الشقه الدور الكام يا أحمد........"
رد وهو يحل حزام الأمان.......
"العاشر......."
تدخلت صفاء بوجهاً حانق.....
"العاشر !!.....احنا هنطلع كل ده........"
لوى أحمد شفتيه وقال بقلة
صبر....
"في اسانسير ياحماتي متقلقيش........"
قالت بعدائية واعتراض مبالغ فيها.....
"انا مش قلقانه عليا ياخويا انا قلقانه على بنتي...
لي شقتها تبقى في العلالي كده...وافرض الاسانسير
عطل تعمل اي ساعتها......"
زفرة سمر وهي تضرب كف بالاخر قائلة.....
"لا حول ولا قوة إلا بالله انتي بتعترضي من قبل حتى تخرجي من العربية جر إيه يام حبيبة اهدي مش كده بلاش شغل الحموات ده ياختي......."
برمت صفاء شفتيه بغل وقالت.....
"انا مبعملش شغل يدلعدي انا بتكلم في الأصول...."
احتدت نظرات سمر وقالت بصرامة......
"اصول إيه ان شاء الله قولتي عايزه سكن لبنتي في شقه لوحدها.... اخويا باع عربيته وداين نفسه عشان يجبهالها والشقة طلعت في الدور العاشر نعمل إيه
بقا اي ذنباً......مش عارفه بطلعي القطط الفطسه في الحاجة من قبل حتى ما تطلعي من العربية هو انتي ناويه على خرابها ولا إيه........."
قالت صفاء بلؤم.....
"انا حره دي بنتي اخربها امشيه بمزاجي....."
زاد توهج عينا سمر غضباً وقالت بتهديد.....
"لا مش بمزاجك ياحبيبتي دا كلام رجالة... وبنتك بتحب اخويا وعيزاه وهو كمان.... تبقي بقا تخليكي محضر خير بينهم ومتكسريش فرحتهم.......لحسان
انا اخر ما يفيض بيا هشتكي للكبير وهو بقا يتصرف في وقف الحال ده......."
زفر أحمد بجزع وهو يلتفت لاخته
بنظرة حانقة.....
"خلاص ياسمر كفاية......"
انصاعت الى اخيها وصمتت بوجوم........ففعلت حبيبة مثله وقالت لامها بصوتٍ مكسور
خافت....
"خلاص ياماما عشان خاطري......"
رفعت صفاء سبابتها وهتفت في ابنتها
بقسوة....
"اخرسي انتي السبب في دا كله......."
شعر أحمد بالغيظ اكثر بعد معاملته الجافة
لابنتها......فقال ببرود
"جرا ايه يا حماتي......ما تخفي علينا شويه....."
رمقته صفاء بجمود وقالت....
"انا مش حماتك..... دي حياله قراية فاتحه......"
رد بابتسامة مستفزة......
"بكرة يبقا جواز وعيالنا يقلولك ياتيته وحاجة
اخر حلاوة........"ثم خرج من السيارة محدث
أخته........
"سمر هاتي حماتي وتعالي.....وانا هاخد حبيبة ونطلع......."
خرجت صفاء من السيارة بسرعة قائلة
بضجر...
"يعني إيه تاخد حبيبة وتطلع شايفني إيه
شوال بطاطس قدامك......."
رد وهو ينظر لحبيبة التي خرجت ووقفت بينهما بحيرة وحزن......
"حاشى لله يا حماتي الاسانسير بس صغير ومش بيطلع غير اتنين........فهنقسم بعضينا انا هطلع مع خطبتي وانتي مع سمر ها اي رأيك......"
نظرت لابنتها بقوة قائلة..... "اطلع مع بنتي......"
رد أحمد ببرود......
"كان بودي بس انتي مش عارفه الشقة......"
تدخلت سمر بملل قائلة.....
"اطلع يا أحمد واحنا وراكم........"
مسك كف حبيبة سريعاً ودلف بها من باب البرج ومنه
على الاسانسير مغلق الباب وهو يتنفس الصعداء معقباً وهو ينظر لحبيبة بملل......
"اعوذ بالله.....امك دي......."
"أحمد....."نزلت دموعها فور نطق اسمه وكان قوتها خارت أخيراً بعد الابتعاد عن معاملة امها الجافة
ونظراتها القاسية التي تكاد تبتلعها من شدة
هجومها وعنفها....
أقترب منها وضغط على الدور العشرون حتى يطيل
فترة بقاءهم هنا أكثر........مسكها من كتفها وقربها
منه ثم مد يده و مسح دموعها قائلاً برفق.....
"ممكن تبطلي عياط......هي قالتلك اي ضايقك احكيلي........"
نظرت اليه وقالت ببراءة......
"مش هينفع........ عشان متشلش منها....."
مط شفتيه قائلاً بوجوم.....
"هو بعد عمايلها دي لسه ماشلتش......."
همست اليه بصوتٍ حزين..... "أحمد........"
"ياقلب أحمد بطلي عياط......"
اغمضت عينيها وهي تشعر بشفتيه تطبع على جبينها
بحنان يواسيها ببعض الكلمات الحنونة.......حتى ابتسمت بحب و رآحه...وقد طال التصاق شفتيه
على بشرتها.....بينما يداه الاثنين تعانق يداها في تلاحم شاعري جميل لا يحتاج إلا لفرشاة رسام
يوثق هذا المشهد الجميل في صورة متكالمه
كحبهما لبعضهما......
أبعد شفتيه عنها ونظر لعينيها هامساً بعيون تشع عشقاً رغم عبثها الفطري........
"بعشقك يابيبه......."
بلعت ريقها وارتجف جسدها وهي تتلون بإبتسامة نابعة من صميم قلبها المدله في حبه......
"وانا كمان يا أحمد......."
اقترب منها بوقاحة فتراجعت للخلف حتى التصقت بحائط المصعد لتجده يتابع اقتربه حتى اوشك ان تحتك الأجساد ببعضها لكنه توقف في اخر
خطوة...قائلاً بمراوغة......
"وانا كمان يا أحمد......بس..... مفيش بوسة حضن....
اي حاجة كده لحد ما كتب الكتاب......"
حاولت ازحته بكف يدها الصغير
بتردد......
"أحمد أبعد شويه انت لازق فيا كده ليه......"
رفع حاجبه وقال ببراءة.....
"الله !! الاسانسير اللي ضايق مش ذنبي......"مرر
اصابعه على وجنتها....فضربت كفه وهي تقول باعتراض.........
"يا أحمد......بس....."
قال بمداعبه صبيانية.....
"هات بوسه ياصغنن حن عليا.... اشتقنا والله........."
صدح هاتف حبيبة فجأة فنظرت فيه وهي
تصرخ بفزع وكانها رات شبح....
"أحمد يالهووي........امي بترن.... "
ابتعد عنها سريعاً وهو يلوح بغضب.....
"لا حول ولا قوة إلا بالله.....لا كده كتير.....دا نظام تطفيش بقا......."
كبحت حبيبة ضحكتها وهي ترد على أمها......فسحب أحمد منها الهاتف سريعاً ووضعه على اذنه فسمع صفاء تصرخ عليها بغضب.......
(بتعملي اي يامقصوفة الرقبة...... كل ده بتطلعوا
الدور العاشر......)
رد أحمد بغيظٍ مكبوت..... "ياوليه اتهدي بقا......."
توسعت عينا حبيبة بصدمة وخوف وضربته في صدره فقال مصححاً وهو يجز على أسنانه......
"احم لمؤخذة ياحماتي كنت بكلم جاريتنا ام فاروق
ساكنه في الشقة اللي جمبنا بس إيه وليه لا تطاق قرشانه.....بس احنا تمام وصلنا والاسانسير في
السكه نزلك..... "
اغلقت صفاء الخط في وجهه فانزل أحمد الهاتف
وكور يده وعض على أصابعه صائحاً بعنف
مكبوت....
"امك دي فضلها معايا تكه....... والله تكه......"
ربتت على صدرها برجاء يشفق عليه
القلب..... "معلش ونبي استحملها......"
نظر اليها بقوة ثم قال
واجماً....
"هاتي بوسه وانا استحملها......"
"تصدق انك رخم........هو الاسانسير ده بطيئ ولا وقف ولا اي حكايته......"نظرة للوحة المنيرة
امامها وعندما ابصرتها لاحت الصدمة على
وجهها فقالت بذهول.....
"احنا في الدور العشرين......."
اشاح أحمد برأسه عنها ببراءة مضحكة....
فصاحت تناديه بغضب.....
"أحمد......"
نظر إليها وادعى البراءة......
"انا مالي يابيبه هو اللي بيعد مع نفسه......."
ضربت حبيبة على وركيها بتوتر أكبر......
"أحمد اقسم بالله هتطلع تجبني من شعري.....
حرام عليك..... "
ارتفع حاجب وبملامح تنذر بالشر قال....
"متقدرش.......دا اللي يقرب منك انسفه من
على وش الدنيا......"
عقدت ذراعيها امام صدرها وقالت بحنق...
"دي امي على فكرة...."
اتكا على الزر العاشر قائلاً بوجوم.....
"ما دا اللي مصبرني عليها........انها أمك....."
وصلا الجميع للشقة وتمت مشاهدة كل ركن بها وقد
انبهرت حبيبة بجمالها فكانت عبارة عن ثلاث غرف
الاول صالون خاص بهما والثانية غرفة للأطفال والثالثة غرفة النوم الخاصة بهما.....وهناك صالة كبيرة مقسم منها ركن لسفرة الطعام وجزء اخر لاستقبال الضيوف الغرباء به.......واساسي بها
الحمام والمطبخ والذي كان بمساحة متوسطة وديكور فخم....موضة العصر...........
كانت جاهزه من كل شيء تتوقف فقط على الدهان وقد تركه أحمد لها حتى تختار ما يناسبها ويبلغ
به مهندس الديكور الذي تكلف بتشطيب الشقة
بهذا الشكل المذهل..........
"وشقة دي قدامها قد إيه على ما تخلص...."
سالته صفاء وهي تسير في انحاء الشقة بتريث
ورغم انبهارها بها إلا انها لم تفصح عن الأمر
قط......
"انا بقالي شهر شغال فيها من ساعة ما شترتها....
وقدامها شهر زيه........"رد أحمد وهو ينظر الى حبيبة التي كانت عكس امها تتألق ابتسامتها على محياها وتلمع عينيها بالفرح والحماس.....فرؤية شقتها هي وأحمد أحد الأحلام البعيدة التي اتمها ﷲ وأسعد قلبها بها......
" اي رأيك......"همس أحمد في اذانها فابتسمت
اليه بجذل وقد اوشكت على القفز من شدة
الفرح وهي تخبره.....
"حلوه اوي وعجباني اوي أوي.....بجد ذوقك يجنن...المكان والشارع الشقة والديكور....كل
حاجة تحفه.......تجنن.... "
ارتاح قلبه بعد حديثها فقال بحب......
"ولسه لما تخلص خالص وتتفرش هتبقا
احلى وأحلى......."
تدخلت سمر قائلة لهما بمحبة....
"ربنا يسعدكم وتبقى وش الخير عليكم........"
ترددت حبيبة كثيراً قبل ان تسأل امها....
"اي رأيك في الشقة ياماما......"
"مش بطاله......."ثم نظرة لأحمد وقالت بقوة.....
"وانت بقا معاك مصاريف لفرشها والجواز ولا
هتمد المهلة سنه ولا اتنين......."
سحب أحمد نفساً عميقا ثم اجابها بصبر خرج
بمعجزة.....
"كله تمام ياحماتي ادعيلنا بتيسير الحال انتي بس وهتفرج.......وبعدين حبيبة وشها حلو عليا دايما والجيب عمران......."
تدخلت سمر بحنان وهي تربت على كتف اخيها
بدعم مساندة اياه في مسألة الزواج تلك......
"وبعدين كده كدا انا وابراهيم هديتنا ليهم هتكون القاعه وفستان العروسة وبدلت العريس.....وتزويق العروسة طبعاً عليا......يعني هو مش قدامه بس غير يكمل تشطيب الشقة ويجيب الفرش اللي عليه وانتوا الباقي ولا إيه يام حبيبة الأصول محدش يعديها برضو....."
عندما نظرة اليها سمر ببرود قالت صفاء
بانف مرفوع بغرور........
"مش محتاجه تقولي انا بنتي مجهزاها من كله... وعزالها الحته كلها هتحلف بيه....."
تنهدت سمر بملل قائلة بملاطفة
زائفة....
"اصيله يام حبيبة وفي نهاية كله رجعلهم....."
مطت صفاء شفتيها ببغض وقد اشاحت وجهها
بعيداً عنهم.........
.....................................................................
بعد أسبوع كانت جالسة خلف مكتبها تنحني على
الحاسوب تعمل عليه بسرعة وتركيز شديد.....
نهضت أحد زملاؤها في العمل الجديد وكانت فتاه محجبة تدعى (منار)قالت لها وهي تحمل الحقيبة على كتفها.......
"اي يا حبيبة مش هتنزلي الكفتريا ترتاحي شويه دا وقت بريك......."
نظرت لها حبيبة قائلة بابتسامة.....
"هنزل مع أحمد........"
ثم رفعت كوب النسكافية الخاص بها واخذت منه رشفة وهي تنظر لها من فوق حافة الكوب لتجد
منار تغمز لها قائلة بغل.....
"ماشي ياست چوليت......اوعدنا يارب بروميو
زي أحمد......"
وضعت حبيبة الكوب جانباً وقالت عابسة
"ماتبطلي قر يامنار......."
ضحكت الفتاة بسماجة قائلة.....
"انا مش بقر انا بحسد.......صحيح فرحكم امتى... "
قالت حبيبة بهدوء وهي تعود للعمل على الحاسوب......
"لسه والله محددناش.........بس قريب ان شآء آلله..."
قالت الفتاة بغيرة واضحة "مبروك ياچوليت....."
خرجت الفتاة فزفرت حبيبة بقرف وهي تقول ممتعضه......
"ياساتر عليكي......."
تهللت اساريرها في اللحظة التالية وهي تراه يدخل عليها المكتب بطلته الخاطفة لقلبها ووسامته التي تبعث ذبذبات لجسدها الهش.......
دخل المكتب بصمت وحانت منه نظرة خاطفة على المكتب الفارغ من حولها....فابتسم بعبث وهو يجلس في المقعد المقابل لها ومد يده بغلاظة ممسك كوب
النسكافيه الخاص بها وارتشف منه عدة رشفات
بتمهل ثم وضعه امامها بعد ان أفرغ نصفه
قائلاً بتافف....
"هو حلو..... انا مش قولتلك كذا مرة اني بحبه
سكر زيادة.........."
تركت العمل واحتفظت بالكوب بين كفيها وارتشفت منه هي أيضا وهي تقول بطريقة طفولية.....
"النسكافية دي بتاعي أصلا.......وانا بشربه معلقه واحده......."ارتشفت منه رشفة فمد هو يده
وسحبوا منها بغلاظة وشرب منه قائلاً
بمناكفة...
"انا بشربه تلاته بعد كده تحطي تلات معالق......"
دبدبت بقدميها بالأرض وقالت بوجهاً
مغتاظ.....
"بطل غلاسة بقا......هات.. "
ضحك عليها بعدما أحمر وجهها وقاربت على البكاء
فاعطاها الكوب قائلاً بسخرية.....
"طلعتي عيله.....خدي النسكافية بتاعك مش عايز حاجة منك........"
اعطاها الكوب ولم يبقى منه إلا رشفتين....فشربتهم وهي تقول بحسرة.......
"هو بقا فيه..........خلصته....."
ابتسم قائلاً بحنان.....
"هجبلك كوباية تانيه على حسابي...عدي الجمايل...."
اومات براسها واجمه....فابتسم أحمد
قائلاً......"مش هننزل نفطر سوا ولا....."
"عشر دقايق بس وننزل......"عادت للحاسوب
سريعاً تنهي اخر شيء لديها......
فضاعت عيناه العاشقة بها وتأملها لبرهة بجحابها الجميل وملامحها الانثوية الصغيرة بملابسها الانيقة المحتشمه تأملها ملياً في حسن بهائها وبابسط الأشياء مميزة بجمالها الرقيق كطبعها وحبها........
"هتفضل تبصلي كتير........في حاجة فيا مش عجباك...... "قالتها دون النظر اليها وهي تخفي
خجلها لكن توهج وجنتيها احمراراً كشفها
عنده.......
قال بصوتٍ شقي عابث....
"كلك عجبني ياصغنن.... ومن زمان كمان......"
عضت على شفتيها تخفي ابتسامتها الجميلة بصعوبة فقال أحمد بشقاوة......
"اموت انا في المدلع.... لم يتقل عليا...... اضحكي يابيبه اضحكي.....انا شوفتها خالص....."
وكانه اعطى للضحكة الأذن فانفجرة وهي تضع يدها على فمها....... فشاركها الضحكة دون صوت وهو يشعر بقلبه يقفز مع صدى ضحكاتها الجميلة...
وعندما انتهت نظرة اليه فقال هو بهدوء....
"على فكرة انا كلمت ابوكي وآخر الاسبوع..... هاجي أحدد معاد الفرح وكمان كمان يومين كده هننزل انا وانتي عشان اشتريلك الشبكه بتاعتك....."
اومات برأسها بخجل الأيام تركض من حولهما وقد
اتى اليوم الذي سيحدد موعد الزفاف المنتظر......
رفعت عينيها إليه حينما قال بتردد.....
"يعني بما اننا لسه في أول شهر فانا ناوي اخلي فرحنا الشهر الجاي أكون ظبط اموري وبنسبة
لليوم فانا عايزك انتي اللي تحدديه......"
سالته ببراءة تشع استغراب...
"وليه انا اللي احدد أليوم......"
"قربي مني عشان محدش يسمعنا....."
نظر حوله بقلب غرفة المكتب ثم أشار لها ان
تميل عليه قليلاً ففعلت بارتياب...... فهمس لها بسلاسة وكأن التحدث في الأمر عادياً بنسبة
لهم...
توسعت عينا حبيبة بقوة وهي تعود للخلف فجاة
ناظرة اليه بقوة تشتبك بصدمة هائلة بعد جملته الوقحة.......
ادعى أحمد الدهشة قائلاً ببراءة وهو يلوح بكفه
امام وجهها المجمد كتمثال من شمع بينما حدقتيها
تكاد تخرج من مكانها من شدة توسعها......
"في اي يابنتي لا حياء في العلم.... لا إلهَ إلاّ الله....
اجبلك ماية بسكر..... حبيبة......"
لم تبدي اي ردة فعل بل ظلت تنظر اليه بصدمة
وعدم تصديق.......
نهض من مكانه ببطء قائلاً بملل بعد ان طال صمتها ونظراتها الغائرة بصدمة....
"لا كده كتير.......انا رايح على مكتبي لما تفوقي من صدمتك ابقي تعاليلي......."
عندما استدار وجدها تناديه سريعاً قائلة بتردد
وخجل وبحديث مبطن اجابته......
"استنى عندك........بما ان لا حياء في العلم ياوقح فحدد الشهر الجاي يوم خمستاشر......"
التفت اليها مستفسراً بسفالة....
"هي بتجيلك قبل ولا بعد........"
لا يعرف كيف ومتى القت بدفترها الصغير في وجهه كل ماشعر به هو اصطدام الدفتر في منتصف جبهته
وصياحها الحانق.......
"انت قليل الأدب........ووقح......"نهضت عن
مقعدها وركضت خارج المكتب بوجهاً أحمر
وحدقتي تترقرق بهما الدموع.......
حك أحمد في جبهته وهو ينظر لهروبها بدهشة وتمتم بحسرة....
"انا وقح !!.......ينهار اسود امال ليلة الدخلة
هتقولي عليا إيه......احتمال تطلبلي بوليس
الأدب.... "
ذهب خلفها مدعي الاسى قائلاً....
"استني بس يابيبه مش قصدي حاجه والله....."
........................................................................
الرزق.....لم يكن الرزق يوماً مال او جاه..... الرزق الأجمل هو الحب العائلة راحة البال والسعادة
الأبدية...
عن شعورها سنحكي.... فتاة وقعت في الحب وهوى قلبها في يد شاب عابث فتعب قلبها واهلك عزمها واستنزف مشاعرها فقررت الفرار لكن مع مرور السنوات اكتشفت ان الحب غالب وطبع في القلب كالوشم فأصبح العذاب في الفراق ، والضياع في لقاء......
كيف عادت إليه وعاد اليها نادماً واعداً إياها بوعود
لا تحصد مقدم قلب لا يتمنى سواها... واتضح بعد العودة انه تعذب في بُعدها وتعلم كيف يكن وفي
في حبها...
أليوم مميز بنسبة لهما فقد أقترب توثيق حبهما بعقد زواج شرعي وستكون بعد نصف ساعة زوجته امام
ﷲ والجميع.......
في فندق ضخم بطراز فخم أنيق وبداخل أحد الغرف
المميزة تقف حبيبة بالفستان الأبيض والحجاب المماثل له والذي التف حول وجهها فازدادت به
جمالاً ورقي مع الكومة البيضاء الانيقة والتي
كانت تبرق كوجهها وعينيها في تلك اللحظة
تلامس الكومه الأرض بدلل كصاحبتها في
الحب......
وفي اللحظة التالية دخل ابراهيم عليها بحلة انيقه وشعراً مصفف يحمل بين يده دفتر المأذون بداخله قسيمة الزواج الخاص بها والتي تتوقف على امضتها.....
اطلقت سمر زغاديد عالية واقتربت من زوجها بفستانها الاحمر الطويل البراق وشعرها الغجري المتدلي خلفها في تسريحة مميزة.... ولم يخفي الفستان هذا البروز المميز في بطنها اثار حملها
بتوائم.........
أبتسم ابراهيم لها بعيون توهجت عند رؤيتها فهو
لم يراها منذ الصباح الباكر فقد أخذت مكه وحبيبة
وبعض العاملات معها من صالون التجميل الخاص بها وذهبت للفندق حتى تتمكن من تجهيز العروس كما يجب........
وربما فكرة الفندق كانت فكرتها وهو كان مرحب جداً بتقديم شيءٍ لهما معنوي اكثر من مساعدة عرسان في مقتبل العمر في خطوة زواج كهذه لا يتخذها الكثير بنفس جديتهما......
إبتسمت سمر وهي تقول بالهفة......
"اي يابراهيم هتاخد امضتها خالص........."
نظر ابراهيم لحبيبة قائلاً بمشاكسة.....
"اي رايك ياحبيبة اخد امضتك ولا امشي المأذون والعريس........"
ضحكت صديقتيها والعاملات مع سمر..... فاسبلت حبيبة جفنيها وقالت بصعوبة من شدة الخجل....
"اللي انت شايفه يابيه......"
أراد التلاعب باعصابها قليلاً فقال.....
"انا شايف اني انزل امشيهم ونروح بيتنا.... انتي
لسه صغيرة برضو على الكلام ده......"
توسعت عينا سمر وهي تراه يستدير مغادراً وعندما تلاقت اعينهما غمز لها بشقاوة فضحكت وتابعت معه وصلت التمثيل .....
"والله عندك حق......... انا برضو شايفه انهم لسه صغيرين......."
رفعت حبيبة عينيها بصدمة ناظرة لسمر بقوة
فضحك ابراهيم وكذلك الفتيات خلفه ثم عندما تلاشت الضحكة قال بجدية خشنة......
"طب تعالي امضي قبل ما أغير رأيي........"
بالفعل مسكت القلم وبدأت تمضي وتبصم في الورقة
وفي الخانة الذي يشير عليها ابراهيم حتى انتهت
فتعالت الزغاريد ودخلت على اثارها والدتها التي دخلت تعانقها وهي تبكي بدموع الفرح...... وكذلك
بدأت مباركة صديقتيها وسمر......
وقبل ان يخرج ابراهيم اقترب من حبيبة وقبل
راسها مباركاً لها بحنان الاخ الأكبر.....
"مبروك ياحبيبة...... الف مبروك يابنت عمي....."
لمعة عينا حبيبة بدموع وهي ترد عليه بخفوت
وخجل......
"الله يبارك فيك يا ابيه........"
أبتعد عنها ثم نظر لزوجته والتي اقتربت منه
فهمس هو لها بشوق.......
"وحشتيني......"
ابتعدا عن الضجيج قليلاً وردت عليه
بحب....... "وانت اكتر ياحبيبي......"
كانت عيناه تسبح في بهاء حسنها بينما لسانه
يعاتبها باشتياق..... "مشفتكيش من الصبح......"
"معلش مانت عارف بقا فرح......" ثم ابتسمت
وقالت بشقاوة...... "هيما فاكر يوم كتب كتابنا..... "
غمز لها بوقاحة لذيذة....
"انا فاكر الأحلى يوم دخلتنا......."
عضت على شفتيها فأبتعد عنها ابراهيم
قائلاً......
"هنزل الدفتر عشان العريس يمضي......."
قالت سمر بإبتسامة شقية......
"قول للعريس اختك بتقولك امضي وبصم بذمه....."
اقتحمت حنين الغرفة وطلت براسها من فتحت
الباب قائلة بمرح....
"متقلقيش دا قاعد تحت مستني على نار......."
نظر ابراهيم لحنين وللمرآة الانيقة الشقراء التي تدخل برفقتها غض بصره وهو يسلم عليها حديثاً
قبل ان يتجاوزهم.......
"إزيك يام آدم عامله إيه......."
ردت حنين بابتسامة ترحيب....
"الحمدلله الف مبروك يابراهيم عقبال ماتفرح بمكه....."
عندما خرج ابراهيم اغلق الباب خلفه فاتجهت
اليهم سمر وعانقتهما بترحيب حار ......قائلة بعتاب....
"والله انتوا اندال انا قايله تيجوا الصبح جايين
زي الغرب بليل........"
ردت آية بصوتها الاذاعي الرقيق.......
"انا عن نفسي لازم تعذريني انا قايلالك الصبح ان
عندي تصوير النهاردة و والله لسه مخلصه البرنامج من ساعة.....يدوبك غيرت هدومي وجتلك......"
سالتها سمر..... "جبتي ولادك وجوزك معاكي......"
اجابتها آية بإبتسامة هادئة.....
"خالد تحت وطبعاً تالين وتمارا بسنهم ده مستحيل يجوا معايا.... هما مع الداده وخالي فؤاد معاهم كمان....علي بس اللي جه معايا.....ولم قابل مكه تحت قعد معاها هو و آدم....."
اومات سمر براسها وهي تنظر لصديقة
عمرها....
"طب آية وليها عذرها...... انتي بقا ياحنين......"
انعقد حاجبي حنين بأسى وقالت......
"تعبانه والله ياسمر اعذريني أول شهور الحمل دي مقرفه....وانتي عرفاني الحمل يعني ترجيع وعياط
وقرف.....اسكتي بقا عشان ان عز مستحملني الفترة دي بالعافية......."
قالت آية بمناكفة لذيذة.....
"الله يكون في عون اخويا بجد ....الغريبة ياسمر انها تقعد ترمي اللوم على الحمل في حوار النكد والعياط وهي اصلا من يوم ما شفتها وهي كده......"
قالت حنين بانف مرفوع بكبرياء.....
"دا عشان انا انسانه حساسه وبتأثر بسرعة....."
ضحكت سمر معقبها.... "وجهة نظر برضو........"
ابتعدت حنين عنهم بفستانها الأسود البراق والذي
يصل لبعد الركبة بقليل وكان مرسوم على قدها
بحياء مع انسياب شعرها البني الناعم على ظهرها
وقد اتقنت في وضع زينة رقيقة تناسبها....تلائم
الثوب واطلالتها اليوم بجوار زوجها وامام
الجميع.....
قالت حنين اثناء اقترابها من حبيبة......
"آآه اتسلوا عليا بقا....انا هروح اسلم على العروسة القمر دي.......اي الجمال دا يابيبه الف مبروك......"
عانقتها حنين وهي تقول بسعادة......
"قمر عروسة اخويا وآلله.......عيزاكي تاخدي بالك
من أحمد....دا اخر العنقود ده......حبابنا كلنا... "
ردت حبيبة بحياء..... "احمد في عنيا......."
ابتسمت حنين وهي تربت على كتفها....
"وانتي في عنيه والله دا بيحبك أوي...وباين عليه اوي واحنا طلعين نبص عليكي......"
بالخلف نظرة سمر لثوب آية ذات اللون الفيروز
طويل بذيل متدلي من الخلف باناقة كفخامة الاميرات كان التصميم قريب من ثوب سمر
لولا اختلاف الألوان........
"حلو الفستان يا آية........بجد......"
ردت آية بمجاملة صادقة وهي تنظر لفستان سمر القرمزي الأنيق والذي يلائمها بشدة وكانه صنع خصيصاً لها....
"وانتي كمان ياسمر اللون الاحمر يجنن عليكي......."
اومات سمر وهي تلامس فستانها برضا تام
عن اختياره اليوم في عرس اخيها......
"انا بحب اللون دا أوي........بحسه بيشبهني....."
زادت ابتسامة آية وهي تقول بود....
"خدت بالي......وخدت بالي كمان ان مكه لبسه
زيك النهادرة......"
قالت سمر وهي تهز راسها باستياء.....
"مكه دي مشركاني في كل حاجة.....لو حطيت روچ عايزه تعمل زيي..... لبست خلخال زيي.... هدوم
زيي.....وفي الآخر ابراهيم بيقولي انتي
بوظتيلي البت......."
اكدت اية بضحكة عذبة....
"البنات كلها كده تمارا وتالين حالياً بيدخلوا من ورايا يلعبوا في الميكب يقلبوا الدنيا ويخرجوا......"ثم
اخرجت شهقة رقيقة وهي تتجه الى حبيبة
قائلة بتوبيخ لنفسها.....
"بجد انا قليلة الذوق نسيت ابارك للعروسة...."
وقفت امامها آية ومدت يدها وهي تبارك
لها بصوتٍ هادئ....
"الف مبروك ياحبيبة......"
عرفت حنين سريعاً عن آية.....
"دي ياحبيبة آية....اخت عز الدين جوزي....."
ردت حبيبة بحرج.....
"الله يبارك فيكي..... تشرفنا يامدام آية......"
تبادلا السلام فدخلت في تلك الأوقات عفاف توزع الزغاريد الغالية وهي تقول.........
"الف مبروك ياحبيبة بقيتي مرات احمد جمال.... رسمي نظمي فهمي كمان زغارتوا يابنات....."
اطلق الجميع الزغاريد فاقتربت عفاف من سمر قائلة.......
"اي ياسمر مش هتنزلي امك محتاسه لوحدها تحت......"
قالت سمر ممتنعه.......
"مش هنزل دلوقتي خليكي انتي معاها....
وخالي عارف معاها برضو...."
لوت عفاف شفتيها وقالت بازدراء.....
"عارف ونبي ما نقطني غير خالك عارف ده...تصوري اللي بشكر فيه قدام الناس كلها طلع زي كل الرجاله
وبيبص على الستات من تحت لتحت......."
حركت سمر راسها سريعاً اليها وسألتها
بشك.... "الله !!.... وانتي شغله بالك بي ليه؟......"
توترت حدقتي عفاف وكانها فتاه في
العشرون.......مع انها في الحقيقة جدة
لحفيده في عمر العاشرة !!.....
"هشغل بالي بيه ليه...انا بقولك بس دا راجل
كبير وصحته على قده......."
قالت سمر بلؤم متباهية به......
"بالعكس انا خالي دا أسد وقمر كمان بس مشكلته
انه مش لاقي واحده تطلعه من الحزن اللي هو فيه......."
مطت عفاف شفتيها قائلة....
"ياختي لو كان دور كان لاقها......"
لكزتها سمر في كتفها سريعاً وهي تبتسم
بمكر....
"عندك عروسة ليه...."
نظرت لها عفاف وقد انتبهت للمعة الؤم في
عينيها فقالت بعتاب وحرج......
"اخص عليكي ياسمر.... عمالة تدحلبيني بالكلام..
اه ياسوسه........"
ضحكت سمر وهي تجاريها في الحديث
قائلة....
"من امتى وانتي حطه عينك على خالي ياعفاف...."
ادعت عفاف الصرامة قائلة......
"احط عيني عليه ليه بتاع إيه...انا بعد المرحوم جوزي مش بفكر في الكلام ده أبداً...."
"عيني في عينك كده......."نظرة لها سمر بقوة وبادلتها عفاف بتردد فقالت سمر بخبث.....
"المرحوم ميت بقاله خمستاشر سنه وانا شايفه ان كفاية حزن لحد كده.....انا هجوزك خالي واهوه
تداوى جروح بعض وزيتنا في دقيقنا......"
ابتعدت عنها عفاف وهي تقول بحزم....
"ياساتر عليكي ياسمر جواز إيه وبتاع إيه....بعد المرحوم لا يمكن.......انا نزله اقف جمب امك
لحد ما تخلصي.........."
مسكت سمر ذراعها قائلة بلؤم......
"خدي بالك من خالي....على فكرة مفطرش من الصبح لو تعرفي تجبيله حاجة من البوفيه ياكلها
يبقى كتر خيرك اوي......"
رمقتها عفاف بوجوم وقالت وهي تسحب
ذراعها......
"خلاص انتي هتشحطي.....هنزل اجبله...اهو بنادم برضو من لحم ودم....انا نزله......."
عندما خرجت عفاف تمتمت سمر
داخلها بدهشة.....
"إزاي مخدتش بالي الفترة دي كلها......غريبة اوي
الحكاية دي... "
يبدو ان الالوان الزاهية اتيه لتعطي روح وشكلاً
لحياتك التي ظننت انا انها لن تتبدد بسبب
وصولك لسن اليأس كما يقال وعدم وجود ونيس معك طوال سنواتك العجاف الطويلة والتي قد
تابعت فيها الحياة بمفردك يائساً متعباً ضائعاً
بعد موت الأحبة .... لكن اليوم علمت علم اليقين ان لا يأس من رحمة الله على عبادة.......العوض ياخالي ياتي.... مهم طال سياتي لكل نفسٍ منهكة يأتي في لحظة يندهش بها المرء ويخر ساجداً من رحمة
الله واحساسه بالعباد......
قال الله تعالى....
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ
لَا يَحْتَسِبُ)
........................................................................
تدق الطبول وتُعزف الزمامير على أوتار الحبيب الواقف في اخر الدرج ينتظر العروس وعيناه
تتوهج بالفرح والحب وهو يراها تنزل برفقة ابيها تتأبط ذراعه بخجل والسعادة تطل من عينيها الزيتونية الكحيلة البراقه بالحب.......كل خطوة تخطوها على الدرج بتمهل يخفق قلبه شوقاً معها
وكانها تسير على حافة قلبه الملتاع...... وصوت الزفة يكمل جمال المشهد وتأثيره عليهما مع الزغاريد الغالية المنطلقه حولهما من الأحبة
كانت جميلة اليوم اكثر من اي يوماً مضى جمالها راقي بريء كثوبها الأبيض وحجابها الناصع وآه من طلتها بالابيض عليه فقد خطفت قلبه اكثر من السابق واعجزت حواسه فظل واقفاً مكانه متسمر ضائع في جمالها يتأملها من أول زينة وجهها الرقيقة مع لفة الحجاب الرائعة حتى اطرف تنورة ثوبها المميز والذي يليق بملكة الثلج........تلك التي اعطته أكبر درس… في الحياة ألا وهو
(انها هي الحب ولن يكن الحب دونها حباً !..)
رفعت حبيبة عينيها عليه وخفق قلبها بجنون وهي تراه يقف عند آخر درجات السلم ينتظرها بحلة العرس الانيقة والتي ازداد بها وسامة كنجوم السينما
وكانها صممت خصيصاً له حتى يتمكن من خطف قلبها اكثر من السابق.......انتبهت للبسمة الجذابة على محياه وتوهج عيناه بالحب والسعادة وقد لاحظت باقة الورد البيضاء الصغيرة الذي يحملها بين يداه منتظر قدومها حتى تاخذها منه........
لا تعرف لماذا ترقرقت الدموع بعينيها لكنها شعرت ان السعادة في قلبها كانت أكبر وأجمل مما تحتمل
لذا تجمعت في مقلتيها دموع السعادة والشكر لله على تلك النهاية الرائعة فقد جمعها في نهاية
بالحلال بمن تحب بعد سنوات عجاف من البعد....
ربت والدها على كتفها وهو يهمس لها بسعادة الأب
وعيناه هو أيضاً كانت معلقة بهم دموع الفرح وتاثر بفراقها عنه وانتقالها لبيت آخر....... بيت زوجها....
"الف مبروك ياحبيبة بابا......."
نزلت دموع حبيبة وعضت على شفتها السفلى فابتسم حامد عندما وصل لأخر درج السلم
احتضن وجهها بيداه وطبع قبل على راسها
ووجنتيها ثم قال بسعادة الأب......
"كبرتي يابيبه...وبقيت عروسة زي القمر.......مبروك
مبروك ياول فرحة دخلت قلبي......"
نزلت دموعها مرة اخرى وقد مسكت يد والدها وقبلتها ثم القت نفسها في احضانه......
تأثر الجميع بهذا المشهد وخصوصاً والدتها التي تقدمت منها كذلك وظلت في احضانها لفترة....
وحينما شعر حامد بسخافة الموقف وبكاؤهما كالاطفال في يوماً كهذا جعل ابنتهما تحزن بدلاً
من ان تفرح......
اخذ حامد يد زوجته وقال بصوتٍ متحشرج.....
"كفاية صفاء........سيبي البنت تدخل القاعه مع عريسها......"
مسحت صفاء دموعها وانصتت لحديثه وابتعدت....ا