![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الخامس بقلم إسراء على
أمس، كُنتَ صيادًا يتباهى بـ صيدِ فريستهِ
اليوم، أنت فريسةً لصيادٍ آخر
إن إستطعت أن تهرب من براثنهِ
لن تستطيع الهرب من رصاصتهِ…
خرجت سديم من المنزل تبحث عن أرسلان في زوايا الحديقة حتى وجدته يقف أمام الحائط المُلطخ بـ دماءِ ذلك الكلب المسكين الذي لم يكن سوى ضحية مجنون، فاقدًا لعقلهِ، تنهدت و إقتربت تضع يدها على كتفهِ و همست
-أرسلان، الوقت إتأخر يلا ندخل…
لم يبدُ أنها سمعها فـ نظرتهِ الساحقة كانت تتركز مع الحائط و الأفكار السوداء التي تدور داخل عقلهِ، تجعله في دوامةٍ من الجحيم المُستعر، شكوكه و ظنه الذي تأكد الآن يودي إلى الحافةِ التي ذهب إليها سابقًا بـ مليء إرادته و بذل الكثير من المجهود ليبتعد عنها و الآن هو يعود رُغمًا عنه
قبضت أصابعها على كتفهِ أكثر و إقتربت أكثر منه و نادته من جديد عله يسمعها هذه المرة
-أرسلان الولاد بيسألوا عليك جوه…
حينها عاد أرسلان إلى أرضِ الواقع و نظر إليها بـ أعين عاصفة بها بريق يرعد من شدةِ الغضب، حينما هاتفته لا يعرف كيف وصل إلى هُنا من الأساس، كانت نبرتها مُرتعبة تُشبه أول مرة طلبته نجدته بـ صوتٍ كان ذات يومٍ لا يأبه له، أما الآن فـ يشعر أن العالم ينهار عند سماعه تلك النبرةِ
"عودة إلى وقتٍ سابق"
إنتفض أرسلان عن مقعدهِ دون أن يأبه للجالسين أمامه ثم هدر
-فيه إيه!...
إنتظر يأتيه صوتها على أحر من الجمر و الشيطان يوسوس له بـ أسوء ما يُمكن أن يحدث ثم إستمع إليها صوتها المُرتجف جاعلًا مِنَ الجحيم يستعر و يرتجف إليه المُحيطين به
-فيه، فيه حاجة غريبة
-إنفلتت أعصابه ليجأر:إنطقي فيه إيه!
-هتفت باكية و كأنها تنهار:فيه دم على حيطة البيت…
لم يشعر بـ نفسهِ و هو يُبعد معقدهِ بـ عُنفٍ حتى سقط و ألقى ما بـ يدهِ ثم خرج، لم يستمع إلى باقي حديثها فقط تكفيه كلمة الدماء التي لا تدل سوى على مصائب تليها، لم يستمع إلى صوت العاملين لإيقافه بل بدى لهم كـ وحشٍ سيدق عُنق من يقترب منه
قاد سيارته إلى مُنتصف الطريق و نتيجةً للزحام تركها و أكمل ركضًا حتى وصل إلى المنزل، ثم بـ صوتٍ إرتجت له حوائط المنزل جأر رغم لُهاثه الذي يُنبيء عن فُقدان الأنفاس لركضٍ إستمر طويلًا
-سديييم!!!...
ثانية و أُخرى كانت كـ النار تغلي داخله ليجدها تخرج بـ جسدٍ مُرتجف و لم ينتظر حتى تقترب إليه بل إندفع إليها يُمسك بـ يديها التي مدتها له ثم جذبها بـ شراسةٍ إلى أحضانهِ، لترتمي سديم إليه و بكت قائلة
-أنا مش فاهمة حاجة و خايفة…
ربت على ظهرها في بادرةٍ غريبةٍ من أرسلان، ثم أبعدها و مسح عبراتها عن وجنتيها ثم سألها بـ صوتٍ قاتم لم يستطع إخفاء نبرته الخائفة بها
-إيه اللي حصل! فهميني
-أشارت بـ يدها قائلة:هناك…
أشارت إلى حائط جانبي للمنزل فـ ربت على ذراعها و قال بـ نبرةٍ جهورية
-خليكِ هنا…
همّ بـ الحركة و لكن سديم أمسكت يده و حركت رأسها نافية، و فهم أرسلان أنها خائفة أن تُتُرك وحدها، فـ أمسك يدها و جذبها، مُحاوطًا كتفها إليه و وضع رأسها داخل صدرهِ ليُطمأنها أو ربُما لتفعل هي، و لكن البراكين المُندفعة داخله تجعل من ملامحهِ تُنافس الجحيم أخفت كُل ذلك
سار بها حتى وصل إلى الحائط المُشار إليه سابقًا، و ما أن وصل حتى قتمت عينيه بـ قسوةٍ بالغة، ما كان الجحيم سابقًا أصبح أكثر إشتعالًا و أرسلان الذي عُرِفَ بـ الشيطان سيُصبح أسوء من جديد
ربُما كُتِبَ له هذا اللقب ليُرافقه طوال حياته
أبعد سديم عنه و نزع سُترته ثم قال لها بـ نبرةٍ لا تقبل الجدال
-أدخلي جوه، و متطلعيش…
أومأت دون جدال لأول مرةٍ في حياةِ سديم ثم ألقى بـ السُترةِ أرضًا، و رفع أكمامه مُظهرًا ساعديه و أخرج هاتفه و إتصل بـ أحدهم
-روح مدرسة الولاد هاتهم، و العربية هديك العنوان تروح تجيبها…
ثم أغلق الهاتف و ألقى به فوق السُترةِ، رفع بصرهِ إلى الكلب المقتول و نظرته تشتد سوادًا، ثم جلب سُلمًا حديديًا و وضعه قِبالة الحائط و صعد يُنزل الكلب، تلطخت ثيابه بـ الدماء التي حاول كثيرًا ألا تُلطخه
حينها أدرك أرسلان أن الدماء ستطاله من جديد، و أن القادم لا يحمل سوى الأسوء، أُصيب بـ الغثيان و ملامحه يُصيبها السواد، ألقى بـ الكلبِ و إنحنى يلهث بـ قوةٍ ثم نظر إلى يديهِ بـ نظرةٍ جافة، كريهة و كأنه يكره ذاته
فجأة وجد يدًا تمتد بـ منشفةِ مُبللة فـ رفع نظره ليجدها سديم تنظر إليه باكية، يبدو أنها أحست بِما سيُصيبه ما أن يرى الدماء، ليأخذ أرسلان المنشفة و نظر إليها نظرة تعني الكثير لها
نظرة ربُما لن تراها مرةً أُخرى، بها الكثير مما خبأه كثيرًا، تحتوي على حديثٍ صاخب رغم هدوءها، تنُم عن تعب و إرهاق كان أسفل الرُكام و عاود الخروج، تُنبء عن نيران لم تخمد يومًا بل هدأت للحظاتٍ و تُعاود الإشتعال في وقتٍ يسوده الجفاف حتى لا تنطفئ أبدًا
"عودة إلى الوقتِ الحالي"
بعدها عاونته سديم في صمتٍ للتخلص من جُثة الكلب و دفنها في مكانٍ قاصي ثم عادا في صمتٍ أشد إخافةٍ مِن سابقهِ، و فقط نامت سديم قبل أن تتحدث مع أرسلان و لكن حين إستيقظت مُتجاهلة عملها وجدت زوجها ينام أرضًا و الصغيرة تلعب جواره، يده التي بدت و كأنها تُحاوطها إرتخت و سقطت أرضًا و ظلت سيلا بين جسدهِ و ذراعه
تقدمت منه و جذبت غطاء وُضِعَ فوق أريكةٍ صغيرةٍ و وضعته فوقه، ثم جلست جواره تتأمل ملامحهِ الغاضبة، و نهضت بعض مُضيّ الوقت واضعة أسفل رأسه وسادة و أخذت سيلا و تركته ينام
و الآن حينما إستيقظ لم يأكل و لم يجلس معهم بل خرج إلى ذلك المكان و ظل به حتى إنتابها القلق، لتخرج و تجده مُحدقًا به بـ نظراتٍ لطالما عرفتها سابقًا و كرهتها أيضًا، أما الآن في هي لا تحمل سوى الشفقة و الآسى لأجلهِ
لم تتغير ملامحه بل نظر إليها بـ نفس تعابيرهِ القاسية و أشار إلى الحائط قائلًا
-لازم نغير لون الجدار دا، مش عايز الولاد يشوفوا حاجة زي دي
-إبتسمت مُشفقة و قالت:متخافش، أنا حذرتهم من إنهم يجوا هنا، و كمان بكرة نجيب حد يدهنه…
إرتجف سديم و أجفلت حينما هدر و كأن أفعى لدغته
-محدش هيجي يدهن زفت، أنا اللي هعمل دا، محدش غريب هيدخل سامعة!...
رغم خوفها و الدهشة التي إعتلتها و صدمتها لشراستهِ إلا أنها أومأت قائلة بـ غرابةٍ
-طيب خلاص، هات أنت و إدهن…
لم تلِن تعابيره بل ظلت كما هي، فـ تنهدت و أمسكت يده تتشابك بها معه و قالت تُحاول الإبتسام قدر المستطاع
-طب يلا ندخل، أرسلان و مؤمن عايزين يسهروا معاك شوية، بكرة إجازة و كدا…
تشابك مع يدها و كأنه في حاجةٍ ماسةٍ إلى ذلك العناق الضئيل ثم تبعها في هدوءٍ، ربُما الهدوء الذي يسبق العاصفة و لكنه لم ينتظر أن يخسر حربًا لم تبدأ من الأساس و خسارته ستكون فادحة إن كانت هي إحداها
*****
تركت رحمة رزان لتنام ثم خرجت لتحضير العشاء لأجلِ زوجها حتى سمعت صوت الباب يُطرق، لتُغير مسارها إلى الباب و تتوجه لفتحه إلا أنها لم تجد أحدًا، عقدت جبينها و همّت بـ الدخول و لكن لفت نظرها صندوق وُضِع أمام باب الشقة
قطبت و إنحنت تحمله فـ وجدت بطاقةٍ صغيرةٍ كُتب عليها
"يُسلم إلى الضابط قُصي العمري"
نظرت إلى زواياه بـ تعجب و مع ذلك أخذته و أغلقت الباب ظنًا منها أنها تخص قُصي بـ العمل، وضعتها جوار الطاولة و عادت إلى المطبخ لبدء تحضير العشاء
مرّ الوقت و سمعت صوت الباب يُفتح لتخرج و هي تضع إناءًا ما على مائدة الطعام فـ إبتسمت و هي ترى قُصي يدخل في هدوءٍ تام، إقتربت منه و عانقته على حين غفلةٍ فـ قهقه و سمعها تقول
-حمد لله على السلامة يا حضرة الظابط…
بادلها العناق القوي بـ آخر أقوى ثم رفع ذقنها و همس بـ صوتٍ عذب رغم الإرهاق البادي على ملامحهِ
-الله يسلمك يا قلب حضرة الظابط…
ثم إنحنى واضعًا قُبلةً على شفتيها كما العادة و لكن هذه المرة شعرت رحمة بـ شيٍ غريبٍ فـ إبتعدت رحمة تسأله بـ قلقٍ
-مالك يا قُصي!
-إبتسم و ربت على وجنتها:مفيش تعبان شوية من الشُغل…
لم تكن قُبلتهِ تعبيرًا عن إرهاق عمل على الإطلاق، بل بدى و كأنه غريق و يستنجد في قشةٍ وجدها في قُبلتها الصغيرة و هذا ينفي كوّن العمل أحد الأسباب، رفعت رحمة حاجبها و سألته بـ نبرةٍ تملؤها الشك
-لأ مش متأكدة، مالك يا حبيبي!...
سار بـ يدهِ على وجنتها حتى وصل إلى ذقنها و بـ إبهامهِ دار عليه عدة مرات، قبل أن يدفع نفسه إلى الحائط و هي ترتكز عليه، ثم هتف بـ صوتٍ جميل تخلله نغماتٍ من التعب
-تصدقي تعب الدُنيا راح لما سمعت الكلمة دي…
رغم سعادتها و إبتسامتها التي تشق وجهها و جعلته يُشرق إلا أنها أبت أن يخدعها هكذا فـ قالت واضعة يدها على وجنته
-مش هتضحك عليا بـ الكلمتين دول، مالك يا قُصي؟
-تنهد يعلم أنه لن يستطيع خداعها ثم قال:طب مُمكن نتكلم على العشا، أنا جعان…
أمسكت يده دون حديث و دون أن تُخبره عن ذلك الصندوق و دون أن ينتبه قُصي له، دفعته إلى المرحاض و قالت مُتجهه إلى المطبخ
-روح إغسل إيدك و أنا هحط الأكل
-سألها و هو يدخل:الأولاد فين!
-أجابت و هي تخرج من المطبخ و معها طبقين:سيلا نامت، و وليد بيحل الواجب بتاعه و هينام بعدها…
صادفته يخرج و هو يُجفف يده ثم جلسا على الطاولة لتضع رحمة جميع ما لذ و طاب أمامه، ليضحك قُصي و يقول مازحًا
-كدا هيطلعلي كرش أسرع من الصاروخ…
وضعت الخُبز أمامه ثم قالت مُبتسمة و كأنها لا تأبه
-و ماله ما يطلع
-قرص وجنتها و قال لائمًا:أيوة عشان تسبيني و تروحي لواحد تاني…
أبعدت يده رغم مُزاحه إلا أن قُصي لأمي وترًا حساسًا لديها دون أن ينتبه و هي لا تُريده أن ينتبه فـ قالت مُبتسمة دون أن تُظهر مشاعرها الحزينة
-يستحيل يا قُصي هعيش ولا هحس اللي حسيته معاك، و مش كل اللي بكرش وحشين…
ضحكت لتُغيير الأجواء التي لم يلتقطها الجائع أمامها ثم أكملت
-و بعدين هتبقى أحلى ظابط بـ كرش…
إرتشف من العصير الذي عشقه فقط منها ثم قال بـ نبرةٍ ماكرةٍ مع رفعة حاجب لعوبة
-هنشوف الموضوع دا لما يطلع الكرش، و يارب ميطلعش…
وضعت يدها على يدهِ ثم سألته بـ رقةٍ واضعة يدها أسفل وجنتها
-مالك بقى!
-ضحك و تنهد قائلًا:ست مصرية أصيلة ما شاء الله…
أومأت بـ رأسها بـ عنادٍ فـ تراجع قُصي في جلستهِ ثم أخرج زفيرًا حار
-فاكرة البنت اللي ماتت و حكيتلك عنها!...
أومأت رحمة و إعتدلت هي الأُخرى و إنتبهت لحديثه، فـ إستطرد حديثهِ
-موتها ليه علاقة بـ أرسلان
-شهقت و هتفت بـ عدمِ إستيعاب:إيه!
-رد:زي ما بقولك يا رحمة، البنت بتشتغل فـ شركة أرسلان…
حاولت إستيعاب حديثه فـ هتفت تُحاول تكذيب قوله
-هو أي حد بيشتغل مع أرسلان و مات، يبقى هو السبب! و ليه علاقة كمان!...
لم يعرف كيف يصيغ الحديث و لكنه غمغم بـ صوتٍ باهت
-و اللي نشر إشاعة إنها بينها و بينه علاقة فـ العزا يبقى إيه!...
سعلت رحمة بـ قوةٍ مع توسع عينيها بـ صدمةٍ ثم هتفت بـ عدمِ تصديق
-قُصي أنت بتهزر صح!
-هتف بـ نبرةٍ مُحبطة:يارتني كُنت بهزر، ياريت
-ترددت قائلة:طب، طب و سديم! أنا لازم أكلمها…
همّت أن تنهض و لكن قُصي أمسك يدها و هتف مُحذرًا يمنعها من التواصل معها
-إوعي، أرسلان شكله مقالش حاجة ليها
-قطبت و سألت:عرفت منين!!
-أجاب و هو يترقب رد فعلها:كانت سديم كلمتني و مبطلتش زن…
همهمت رحمة و أدارت وجهها بعيدًا عنه، و تفهم قُصي رد فعلها، فـ وضع يده على يدها و هتف بـ لُطفٍ
-رحمة، اللي بيني و بين سديم حاليًا هو علاقة مرات أخ مش أكتر و تواصلها معايا هيكون عشان أرسلان مش أكتر…
لم تستدر رحمة إليه، فـ إقترب منها بـ مقعدهِ و وضع إصبعه أسفل ذقنها و أدار رأسها إليه و سألها بـ وضوحٍ
-رحمة أنتِ شاكة فيا!...
نفت بـ رأسها ليُكمل و إبتسامة ترتسم على وجههِ ثم قال بـ نبرةٍ لم تفقد لُطفها
-يبقى تصدقي كلامي، أنا عمري ما كُنت من النوع الخاين
-زمت شفتيها بـ ضيقٍ ثم قالت بـ تبرم:أنا مش بشك فيك و عارفة كويس، بس دي غيرة ستات بقى…
قهقه قُصي و جذب رأسها يُقبلها بـ حنوٍ ثم وضع رأسها على صدرهِ و هتف بـ مُزاحٍ
-و بعدين رحمة مالية عليا الدنيا هي و عيالها هحتاج إيه تاني!
-أغاظته قائلة:الرجالة بتحب الرمرمة يا حضرة الظابط…
ضرب رأسها و أكمل عناقها فـ ضحكت ثم قال بـ نبرةٍ مُمتعضة رغم مُزاحها
-على كدا معتبرش نفسي رجالة عشان مبحبش الرمرمة يا ست رحمة
-ضحكت قائلة:أنت أدرى…
رفع رأسها ينوي ضربها و لكنها أسكتته عندما رفعت نفسها و قَبّلته فـ تقبلها بـ صدرٍ رحب و سعادةٍ بالغة، لتبتعد رحمة مُتذكرة
-صحيح فيه طرد جالك
-تمتم بـ تعجب:طرد! مين اللي بعته!
-أجابت:معرفش أنا فكرت حد فـ الشُغل، مكتوب يتوصلك بـ الإيد…
نهض قُصي سريعًا و بحث عن الصندوق يسألها
-هو فين يا رحمة!
-على الشُفونيرة اللي جنب الباب…
ذهب إلى حيث قالت و أمسك الصندوق بـ توجس و ضرباته تتسارع، ثم رأى ما كُتبَ عليه، ثم إستدار إلى رحمة ليجدها تقترب فـ هتف آمرًا
-خليكِ بعيد، متقربيش
-هتفت رحمة بـ خوفٍ:في إيه يا قُصي!
-إسمعي الكلام…
هتف آمرًا بـ صرامةٍ و هو يشير بـ يدهِ ثم فتح الطرد و فتح صندوق يُشبه صندوق الهدايا، فتح الغطاء ليظهر أسفله خُصلات بُنية اللون، صُدم قُصي و كاد أن يقع الصندوق من يدهِ إلا أنه تدارك نفسه
لم يقوَ على مدّ يده و إخراج الخُصلات، و حدسه كـ شُرطي يُخبره أن الضحية القادمة ذات شعرٍ بُنيّ
ترك الصندوق سريعًا و هتف بـ رحمة
-هاتِ موبايلي يا رحمة بسرعة…
فعلت كما قال و أمسك هاتفه يُحادث زملائه ثم بعد ذلك أرسلان و الذي قال له بـ قوةٍ
-عايز كُل ملفات الموظفين عندك، و صورهم الشخصية…
*****
-أنا وضبتلك الشقة يا ست قوت، أعملك شاي!...
إلتفتت قوت على صوتِ السيدة البشوشة ثم قالت مُبتسمة حتى ظهرت حُفرة على وجنتها اليُسرى
-لأ يا طنط اُم عوض، تسلمي، تعالي إقعدي معايا
-شهقت السيدة و قالت:يوه و دا يصح يا ست!...
إقتربت قوت منها و أمسكت يدها ثم أجلستها جوارها قائلة
-أه ينفع و نُص، أنا زهقانة
-هتفت السيدة بـ حرج:إفرضي سي أيوب جه يقول عليا إيه!
-مش هيقول حاجة، مش من حقه أصلًا…
ثوان و سمعت صوت الجرس يدق فـ نهضت أم عوض و كأنها وجدت خلاصها من ذلك الحرج الذي وُضعت به ثم قالت بـ إبتسامةٍ
-أهو إبن الحلال بيجي على السيرة…
ثم ركضت بما يسمح لها عُمرها، رغم جسدها النحيل و فتحت الباب، ليُقابلها أيوب بـ إبتسامةٍ مُشرقة تليق بـ وجههِ الأبيض و تلك العلامة الداكنة التي تُميز جبهته ثم قال
-إزيك يا ست أُم عوض!
-إبتسمت و رحبت به بـ بشاشةٍ:يا ألف أهلًا و سهلًا يا أمير الأُمرة، تعالى…
حمحم بـ حرجٍ و لم يدخل ليسأل وهو يشير بـ ذقنهِ إلى الداخل
-الآنسة قوت عارفة إني جاي!...
فهمت السيدة و أومأت بـ رأسها ثم قالت بـ صوتٍ عال لتسمعها مَنْ بـ الداخل
-ست قوت، سي أيوب وصل
-ثوان و سمعتها تقول:خليه يتفضل…
أشارت له أُم عوض ليدخل، و بـ الفعل دلف و هو يحني رأسه حتى دخل إلى حيث تجلس قوت التي ما أن رأته حتى نهضت و قالت مُبتسمة
-أهلًا يا أُستاذ أيوب
-أهلًا بيكِ
-إتفضل…
أشارت له ليجلس فـ جلس أمامها ثم مدّ يده إلى أُم عوض بـ أكياسٍ بلاستيكية و هتف قائلًا موجهًا حديثهِ إلى قوت
-أنا جبت شوية حاجات عشانك
-تمتمت بـ خجلٍ:ملوش لزوم تتعب نفسك
-رد بـ هدوءٍ:والدك وصاني يا آنسة و متقلقيش هو كمان باعتلك مبلغ عن طريقي…
أخرج ظرفًا أبيضًا يحتوي على مبلغ مالي ثم إستطردت حديثه
-و حتى الحاجات دي مش دافع فيها فلوس لو كان مسببلك إحراج
-شكرًا على تعبك
-حرك رأسه نفيًا و قال:جميل والدك على راسي، مقدرش أنكره…
تنحنحت قوت و جلست في إعتدال ثم عدّلت حجابها الذي ظنت أنه تحرك و قالت بـ فضولٍ
-هو أبوي ساعدك إزاي!...
عضت لسانها مهما حاولت لن تستطيع التغلب على لهجتها البدوية و التي تعشقها جدًا ثم أخفضت رأسها، ليبتسم أيوب و يقول مُتلاعبًا بـ مسبحة بـ يدهِ
-آنسة قوت، متتكسفيش إن بعض كلامك عرباوي، أنا كُنت زيك لحد أما إتعودت و بقيت أشتاق للهجه دي، هي أصلي و مش هقدر أتخلى عنه….
أخجلها و جعلها تفخر بـ نفسها أكثر، توترت و تلاعبت بـ حافةِ ثيابها ثم سعلت و سألته
-خير صحيح! بابا قالك حاجة!
-أومأ و قال:عابد عرف إنك هربتِ…
شهقت قوت و توترت أكثر، شحب وجهها لذكرى مرت بها ما أن ذُكر اسم ذلك المجنون، لن تنسى تلك النظرة التي رمقها بها و كأنها فريسةٍ بين براثن صياد يعلم جيدًا كيف يجهز عليها، وضعت يدها على معصمها المخفي و لكن ثيابها لم تُخفِ الندبة التي خلفتها الذكرى بـ وضوحٍ
ندبة أثرها حي لا تزال تشعر بـ ألمهِ، قبضت على معصمها أكثر ثم إبتلعت ريقها و همست بـ صوتٍ ذاهب
-و بعدين عرف إني هنا!
-نفى:لأ، بس منستبعدش إنه ممكن يعرف
-حكت وجنتها بـ توتر و سألت:طب و العمل!...
أخفض أيوب وجهه و تحركت أصابعه على المسبحة ثم رفع رأسه و نظر إليها فـ أجفلت دون سبب ربُما توترها جعلها بـ تلك الحساسية لأصغرِ حركةٍ أو ربُما لا تزال الذكرى تلوح داخلها فـ تُخيفها أكثر، ليقول بعدها بـ صوتٍ فَقَدَ بشاشته و حلّ محله الجدية فقط
-محتاجين نلاقي أرسلان الهاشمي و فورًا
-زفرت و سألت بـ عدمِ فهم:إيه علاقة أبوي بـ الراجل دا، و كيف واثق بيه كدا!...
صمتت لحظة ثم سألت أيوب و هي تتفرس ملامحه
-أنت تعرف حاجة!
-نفى سريعًا:صدقيني الشيخ راغب مقالش حاجة و لا عرفني، حاجة هو بس قال لما تلاقيه قوله إنك من طرفي…
لا تستطيع أن تضع جل ثقتها بـ رجلٍ لم تلتقِ به قط، و لن تثق ما دامت لا تعرفه و تعرف علاقته بـ أبيها، لتقول و هي تنهض بغتةً
-أنا لازم أكمل والدي و أفهم منه، مُستحيل أروح لواحد و أقوله ساعدني…
رفع بصره و صمت قليلًا قبل أن يستجمع أنفاسه و يُفجر ما أخبره به السيد راغب قبل يومٍ واحدٍ من مجيئها إلى هُنا، ثم و بـ كُلِ ذرةٍ يملكها في السيطرة على النفس و الخوف من رد فعلها قال بـ نبرةٍ لا تنُم عن قلقهِ الداخليّ
-آنسة قوت! هو مش هيساعدك، هو هيتجوزك…
*****
كانت في طريقها إلى الخارج تتسلل كـ عادتها دون أن يراها أحد إلا أن صوتًا ما أوقفها، همهمة غير معروفة و لكن الصوت مألوف، لذلك عدلت طريقها و إتجهت إلى حيث الصوت فـ وجدت خادمة من المنزل تقف مُديرة ظهرها إليها فـ إقتربت منها بـ حذرٍ دون إخراج صوت و إستمعت إلى ما تقوله
و تلك الخادمة كانت تتحدث في الهاتف بـ همهمةٍ قائلة لذلك على الجانب الآخر
-ياللي سمعته مانها هون، سافرت الحضر…
إتسعت عيني الفتاةِ و عَلِمْتَ كيف يعرف عابد بما يحدث في المنزل و لكنها لم تتدخل و إستمعت إلى النهايةِ، فـ هتفت الخادمة مُكملة بعدما سمعت الرد على الجانب الآخر
-والله ما بعرف، سمعت الشيخ راغب بيتحدث مع راچل عبر التليفون…
صمتت و تحدثت من جديد و حينها تحول همهمتها إلى همسة ذات نغمةٍ مُنخفضة أكثر، لذلك هي إقتربت لتسمع
-حاضر، هلأ بطلع و بلاقيك، بعطيك ياللي معي و بخبرك بكل شيء…
أغلقت الفتاة الهاتف و إلتفتت لتشهق و هي ترى الفتاة خلفها، تعقد ذراعيها أمام صدرها و تنظر إليها بـ شرٍ، تراجعت الخادمة و هتفت بـ صدمةٍ
-ست غُفران!...
إقتربت منها غُفران على حين غفلةٍ ثم صفعتها و هدرت بـ كلمةٍ واحدة
-حية…
قبضت على ذراعها و إنتشلت الهاتف منها و رأت مع مَنْ كانت تتحدث، لتجد اسم عابد يُزين الشاشة، قبضت عليه بـ قوةٍ و هدرت
-كيف تعملي في الدار ياللي ربتك! كيف!
-شهقت الفتاة باكية و قالت مُدافعة عن نفسها:أقسم بالله ما بقدر يا ست غُفران، هو ياللي هددني بـ عيلتي و أهلي
-زجرتها غُفران بـ قوةٍ:هددك و لا المال أعماكِ!...
تحولت عيني غُفران إلى جمرتين من النار و سألتها بـ حدةٍ
-إيش جولتِ!
-هتفت الخادمة:ما قِلت شيء، والله ما بعرف شيء
-كنتِ هتعطيه إيش!...
أخرجت الخادمة من جلبابها شيء يخص شقيقتها قوت لتتسع عينيها بـ دهشةٍ ذلك الرجل تخطى مرحلة الجنون، عنفتها غُفران و دفعتها لتسقط أرضًا ثم هدرت
-أيش كُنتِ هتجولي! إحكي
-مسحت الفتاة وجهها و همست:الرچل ياللي بيساعدها بيكون اسمه أيوب، كان يعيش مع الشيخ راغب مع أمه…
ألجمتها نظرة غُفران النارية و غضبها الذي بلغ مبلغه و إستدارت ترحل، إلا أن الفتاة أمسكت يدها و قَبّلتها راجية إياها
-ست غُفران، لا تعملي شيء، الله يخليكِ عيلتي راح تموت…
دفعت غُفران يدها و حدجتها بـ نظرةٍ مُميتة قبل أن تهتف بـ نبرةٍ مُخيفة
-حسابك بيكون لما أرچع، و إذا عملتِ شيء بدون علمي بتكون نهايتك، وين هتتجابلوا
-خلف الدار
-أشارت غُفران قائلة بـ هسهسة:ضلي هون، إذا رچعت ما لقيتك، بخبر الشيخ راغب و تعرفِ كيف هيكون عقابك…
أومأت الفتاة بـ هستيرية و طاعةٍ، لتخرج غُفران باحثة عن ذلك الرجل الذي أتى بـ نفسهِ ليحصل على شيءٍ يخص شقيقتها الكُبرى، فقط إلى أي مرحلةٍ من الجنونِ قد وصل؟
بحثت غُفران عنه في الظلام لتجده يقف مُختفيًا، و لكنها عرفته على الفور، إقتربت منه و المراجل تشتعل، ثم بـ عصا أمسكتها و ضربته بها دون أن ينتبه ثم صرخت بـ صوتٍ مُحتد، كاره
-ما راح تيچي يا عديم النخوة، كيف بتسوي هكذا مع خالك؟ هذه حُرمة داره و هذه بنته…
إشتعلت عينيه بـ غضبٍ أسود و أمسك يدها التي تضربه ثم دفعها و قال بـ صوتٍ مُخيف
-بقتلك هذه المرة يا صغيرة، كيف تفكري تضُربِ عابد!
-هكذا…
حاولت ضربه بـ اليدِ الأُخرى و لكنه أمسك يدها بـ يدهِ اليُمنى و وضعهما خلف ظهرهِ و دفعها إليه لتشهق غُفران و وجهها المخفي خلف الوشاح ظهر نظرًا لِما بذلته من عُنفٍ ثم إقترب منها و هسهس
-كيف مرا مثلك بتقدر تضُربني؟غُفران الصغيرة
-صرخت تُحذره:لا تنطق اسمي، لا تفكر حتى…
قهقه عابد و ضغط على يدها أكثر فـ تأوهت لقوةِ قبضته ثم همس بـ أُذنها بـ نبرةٍ إقشعر لها بدنها
-تشبهيها كثير، لكني حبيتها هي…
عضت على شِفاها من الألم، إن كانت قوت لم تكن تتحمل و هي الأدرى بِما فعله بها مُسببًا هروبها لذلك هي تكرهه كثيرًا و يعلم ذلك و كذلك هو، يعلم أنها صاحبة فكرة الهروب و أنها المُدبرة الرئيسية لتلك المسرحية الفارغة، هي الأفعى و رأسها لذلك يمقتها بـ شدةٍ
كادت أن تبكي للألم الساحق و لكنها تماسكت ثم قالت بـ نبرةٍ تُقطر كراهية و حقدًا
-و جدا مثلك بيعرف كيف يحب؟ تاچر أسلحة و بتتعاون مع الخونة! و بتريد قوت تحبك!...
قتمت عيناه بـ شراسةٍ تزامنًا مع ملامحهِ التي تحجرت و إتخذت من النيران صديقًا حتى بات يُشبه الشيطان ثم هسهس قابضًا على فكها بـ يدٍ دون أن يحل قيد يديها
-من وين سمعتِ هذا الحديث!
-تقلصت معالم وجهها و هتفت بـ إشمئزاز:ما حدا قال، شفت يا عابد، شفتك…
حاولت التملص من يدهِ و لكنها لم تستطع فـ هدرت و جسدها قد بدأ يتحرك بـ عشوائية
-قوت ما راح توصل إلها، راح تختفي و ما بتقدر تلاقيها…
فجأة قام عابد بـ دفعها بـ قسوةٍ لتسقط على الأرض مُتأوهة و ما أن همّت بـ سبهِ حتى وجدته يسقط أرضًا إثر رصاصة إخترقت كتفه، حينها صرخت غُفران بـ خوفٍ و صدمةٍ، بـ ماذا أوقعت نفسها؟