رواية قلب السلطة الفصل الخامس بقلم مروة البطراوي
دقت "نيرفانا" على الباب بخفة، ثم فتحته قليلًا، وتقدمت بخطوات مترددة. لم تكن تحمل تلك الابتسامة المعتادة، بل كانت نظراتها تحمل شيئًا من القلق المكتوم.
نيرفانا (بصوت منخفض):
بابي...
استدار "رائد"، الذي كان يقف أمام النافذة، ينظر إلى الأضواء المتناثرة أسفل البناية. لم يكن في حالته المعتادة من الهدوء المسيطر. التفت إليها، وعندما لمح ملامحها القلقة، قطب حاجبيه قليلًا.
رائد (بصوت هادئ لكن ثابت):
مالك يا نيرفانا؟
تقدمت نحوه حتى وقفت أمامه تمامًا، ثم رفعت عينيها إليه، كأنها تحاول قياس رد فعله قبل أن تتحدث.
نيرفانا (بتردد):
عايزة أطلب منك حاجة... بس مش عارفة هتوافق ولا لأ.
نظر إليها "رائد" طويلًا قبل أن يمد يده إلى كتفها، يضغط عليه برفق.
رائد:
إنتي عارفة إن مفيش حاجة في الدنيا أقدر أرفضها ليكي، بس قوليلي الأول، عشان أفهم.
ابتلعت ريقها، ثم تشجعت وقالت بصوت شبه هامس:
نيرفانا:
ميس ليلى رجعت المدرسة.
لم يتغير تعبير وجه "رائد" فورًا، لكنه ترك كتفها ببطء، ثم خطا بعيدًا عنها، كأن المسافة بينهما باتت ضرورة في هذه اللحظة.
رائد (بهدوء جليدي):
وإنتي شايفة إن ده شيء يستحق إنك تقلقي عشان تقولي لي بالشكل ده؟
خفضت "نيرفانا" رأسها، تدرك أن هذا الهدوء لم يكن إلا العاصفة التي تسبق الانفجار.
نيرفانا (بحذر):
هي مدرسة شاطرة، وأنا بحب طريقتها في الشرح، وكمان... كمان حسيت إنها كانت مضايقة لما شافتني.
لم يتحرك "رائد"، لكنه سأل بصوت أخفض، وأكثر خطورة:
رائد:
وإنتي ضايقتي لما شفتيها؟
ترددت، لكنها هزت رأسها بالنفي.
نيرفانا:
لا، بس... حاسة إنها محتاجة فرصة. زينا كلنا.
ضحك "رائد" ضحكة خافتة بلا مرح، ثم استدار ليواجهها مباشرة.
رائد (بجمود):
أنا اللي بقرر مين يستحق الفرص هنا، ومين لأ. وإنتي، يا نيرفانا، مش المفروض تشيلي هم حاجات مش بتخصك.
نيرفانا (بتصميم خجول):
بس هي بتخصني... إنت دايمًا بتقول إن حياتك كلها عشاني، طب لو حياتي فرّقت مع حد تاني، مش المفروض إنك تهتم؟
ارتفع حاجباه قليلًا، نظرة خفيفة من الدهشة تسللت إلى عينيه، لكنها تلاشت سريعًا. لم يرد فورًا، وكأن كلامها تطلب منه لحظة استيعاب.
ثم اقترب منها فجأة، وضع يده على جانب وجهها برفق، لكنه قال بصوت منخفض وحاد:
رائد:
أنا عمري ما سمحت لحد يقاسمني حاجة بتاعتي، مش هيحصل دلوقتي.
نيرفانا (بهدوء متوسل):
بابي...
رائد (بحدة قاطعة):
الموضوع انتهى.
نظر في عينيها طويلًا، كأنه يتأكد أنها استوعبت أن هذه هي النهاية، ثم أدار ظهره وعاد للنظر من النافذة.
وقفت "نيرفانا" مكانها لحظات، تشعر وكأنها اصطدمت بجدار صلب. لم يكن الحوار بسيطًا، ولم تكن هذه آخر محاولة. لكنها كانت تعلم أن الأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد كلمات عفوية لتغيير رأي "رائد الذهبي".
استدارت ببطء، وخرجت من الغرفة، وهي تفكر في خطوتها القادمة.
*****************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
جلس "شامل" على طرف الأريكة في منزل "يقين" حيث لها منزلا منفصلا لا احد يعلم طريقه سوى شامل ، الذى كان يجلس عاقدًا يديه بإحكام فوق ركبتيه، متأملًا الصالة الفسيحة التي غمرتها أضواء المساء الخافتة. كانت هذه الليلة مختلفة، مشحونة بنوع غريب من الترقب.
كانت يقين قد دعته لهذا العشاء الخاص، محاولة أن تمهد لخطوة منتظرة منذ زمن. لم تخبره صراحةً، لكنه فهم مقصدها من نظراتها، من الطريقة التي اهتمت بها بأدق التفاصيل الليلة، من تصرفاتها التي لم تعُد تخلو من محاولة الإيحاء بأنها امرأة جديرة بأن تكون شريكة حياته.
لكن "شامل" لم يكن حاضرًا بالكامل، عقله كان عالقًا في مكان آخر، حيث يتردد صدى كلمات لم يستطع نسيانها. لم تكن كلماتها، بل كلمات "رائد الذهبي"، التي ألقاها عليه بحدة ذلك اليوم، وكأنها وُضعت خصيصًا لتثير نيرانه الدفينة.
"البنات زهور يا شامل، وإحنا دورنا نحميها، مش نقطفها."
شدّ "شامل" على أصابعه، شعر بوخز في صدره وهو يسترجع تلك الجملة التي لم يكن لها مكان في حديثهما العادي، لكنها خرجت من "رائد" بطريقة لم تخفَ عنه. وكأنه كان يرسل تحذيرًا غير مباشر... وكأنه قرأ ما يدور في صدره!
لكن هل كان الأمر كذلك فعلًا؟ هل تجاوزت مشاعره تلك الحدود الخفية التي لا يحق له الاقتراب منها؟
لم يكن هناك إجابة واضحة، لكن كل ما يعرفه أن شيئًا بداخله كان يتحرك كلما التقت عينه بعينيها. كان الأمر أشبه بحوار غير منطوق، صراع صامت لم يجرؤ حتى على تسميته.
استفاق على صوت "يقين" وهي تجلس أمامه، تحمل على وجهها تلك الابتسامة المطمئنة التي اعتادها منها.
يقين (برقة):
"شكلك سرحان، في حاجة مضايقاك؟"
تردد للحظة، قبل أن يهز رأسه نافيًا، محاولًا أن يبدو طبيعيًا.
شامل (بهدوء مصطنع):
"لا، بس يمكن شوية إرهاق."
راقبته يقين بصمت، لكنها لم تقتنع. كانت تعرفه جيدًا، تعرف متى يكذب، ومتى يحاول التهرب. لكنه لم يمنحها فرصة للتعمق في حديثها، إذ وقف فجأة، كأن البقاء في هذا المكان لم يعُد يريحه.
شامل (بصوت خافت لكنه حاسم):
"أنا لازم أمشي، عندي شغل بدري الصبح."
لم تُخفِ "يقين" خيبة أملها، لكنها لم تُعلّق، بل اكتفت بهزة رأس بسيطة وهي تتبعه بعينيها حتى خرج من المنزل.
في الخارج، وقف "شامل" أمام سيارته، استند إليها، ثم أغمض عينيه للحظات، كأنه يريد التخلص من كل تلك الأفكار التي تثقل رأسه.
لكنه أدرك جيدًا أن هناك حقيقة واحدة لا يمكن إنكارها...
هناك حرب تدور داخله، وهو يخسرها.
**************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في صباحٍ رمادي، تسللت أشعة الشمس المترددة عبر زجاج النافذة، لترسم خطوطًا باهتة فوق وجه "ليلى" المستلقي بلا راحة. لم تكن نائمة تمامًا، بل كانت عالقة في حالة بين النوم واليقظة، أفكارها تتشابك كسلاسل لا نهاية لها.
فتحت عينيها أخيرًا، تطلعت إلى السقف قليلًا، ثم التفتت نحو هاتفها الموضوع بجانب الوسادة. لا إشعارات، لا رسائل، لا مكالمات فائتة من "شامل". ضغطت على الشاشة مرة، ثم مرتين، وكأنها تأمل أن يتغير شيء في كل مرة، لكن الهاتف ظل صامتًا كأنما يعكس صمته المريب.
زفرت بضيق، ودفعت الغطاء عن جسدها بحركة سريعة، كأنما تفر من قلقها. نهضت واتجهت إلى الحمام لتغسل وجهها، علّها تطرد ذلك الخدر الذي يثقل عقلها. لكنها أدركت أن الماء البارد لن يكون كافيًا هذه المرة. عليها أن تفعل شيئًا... الآن.
دقائق قليلة، وخرجت من غرفتها وهي ترتدي ملابسها بعناية غير معتادة، انتقت ألوانًا هادئة لكنها أنيقة، وربطت شعرها بتلك الطريقة التي تجعلها تبدو أكثر نضجًا. نظرت إلى المرآة نظرة خاطفة قبل أن تغادر، كأنها تقيّم نفسها في مواجهة اليوم الذي لم تتضح معالمه بعد.
في المطبخ، كانت "نيفين" جالسة على الطاولة، تحتسي كوبًا من الشاي بنصف تركيز، بينما تتصفح هاتفها ببطء. رفعت رأسها عندما شعرت بحركة "ليلى"، وتأملتها للحظة قبل أن تقول بنبرة متفحصة:
نيفين:
"مالك صاحية بدري كده؟ ده مش معادك."
ليلى (وهي تفتح الثلاجة بلا اكتراث):
"عندي حاجة لازم أعملها قبل المدرسة."
وضعت كوبها على الطاولة، عقدت ذراعيها وقالت بنبرة متوجسة:
نيفين:
"حاجة زي إيه؟"
قبل أن تجيب، ظهر "مهاب" وهو يتثاءب، ممسكًا بهاتفه في يد وكوب القهوة في اليد الأخرى. نظر إلى المشهد أمامه، ثم رفع حاجبه بسخرية:
مهاب:
"إيه الجو العائلي ده؟ وليلى عاملة نفسها رايحة اجتماع مجلس إدارة الصبح بدري؟"
رمقته "ليلى" بنظرة سريعة، ثم تجاهلته وهي تلتقط قطعة خبز.
مهاب (وهو يضع القهوة على الطاولة):
"لا بجد، رايحة فين كده متأنقة؟"
ليلى (بلا مبالاة مصطنعة):
"مشوار صغير، مش هتأخر."
مهاب (بضحكة ساخرة):
"مشوار إيه بقى؟ مش ناوية تقولي؟ ولا لازم أحطك في جلسة تحقيق؟"
نيفين (مقاطعة بجدية):
"هو ده اللي بسأل فيه، البنت دي في دماغها حاجة ومش عايزة تقول!"
"مهاب" ألقى نظرة جانبية نحو "ليلى"، ثم هز رأسه قائلاً بنبرة تحذيرية:
مهاب:
"ليلى... لو بتخططي لشيء مش تمام، أنصحك تراجعي نفسك."
توقفت "ليلى" عن تقطيع الخبز للحظة، ثم التفتت إليه بابتسامة خفيفة وقالت ممازحة:
ليلى:
"هروح أقابل حظي."
رفع "مهاب" حاجبيه في استنكار، ثم استدار نحو والدته وهو يهمس بمكر:
مهاب:
"واضح إننا هنشوف مصايب النهارده!"
ضحكت "ليلى"، لكنها لم تقل شيئًا آخر. وضعت سندوتش الجبن في حقيبتها، ثم التقطت هاتفها وخرجت بسرعة، تاركة "نيفين" تنظر إلى ابنها قائلة بقلق:
نيفين:
"أنا حاسة إن البنت دي بتعمل حاجة مش سهلة."
مهاب (متمتمًا وهو يرتشف قهوته):
"وأنا متأكد!"
**********
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في صباحٍ مشحونٍ بالتوتر، جلس "شامل" في سيارته أمام منزل "رائد الذهبي"، ينقر بأصابعه على المقود في إيقاعٍ متوتر. لم يكن هذا الصباح كأي صباحٍ آخر.
لم يأتِ به القدر هنا صدفةً، بل هو من اقترح على "رائد" أن يتولى توصيل "نيرفانا" إلى المدرسة، مستغلًا انشغال صديقه بحملته الانتخابية.
بعد لحظات، انفتح باب المنزل وخرجت "نيرفانا"، ترتدي زيّها المدرسي الأنيق، وحقيبتها على كتفها. بدت مشرقة كعادتها، لكن في عينيها شيءٌ من التردد.
نيرفانا (بابتسامة خفيفة):
"صباح الخير، مستر شامل."
شامل (بابتسامة ودودة):
"صباح النور على أحلى بنت في الدنيا. جاهزة؟"
نيرفانا (بهدوء):
"جاهزة."
تقدمت نحو السيارة، لكنها فجأة توقفت ونظرت إلى الباب، وكأنها تنتظر خروج والدها ليلوح لها كعادته. لكنه لم يفعل. كان "رائد" مشغولًا كعادته، وهي بدأت تعتاد على غيابه.
ركبت بجوار "شامل"، الذي ألقي عليها نظرة طويلة قبل أن يدير المحرك
تحركت السيارة في الشوارع الهادئة، بينما "نيرفانا" جالسة في المقعد المجاور، تنظر عبر النافذة بشرود. كان الصمت بينهما أثقل من المعتاد، حتى قطعه "شامل" بصوت بدا وكأنه يختبر شيئًا في داخله.
شامل (بهدوء مصطنع):
"مبسوطة في المدرسة الجديدة؟"
نيرفانا (ببرود):
"مش عارفة... مش بحب التغييرات الكتير."
ألقى عليها نظرة جانبية، مترددًا للحظة قبل أن يسأل:
شامل:
"لسه بتفتكري مامتك؟"
التفتت نحوه فجأة، وكأن سؤاله اخترق جدارًا حاولت أن تبنيه حول مشاعرها.
نيرفانا (بصوت خافت):
"طبعًا، بس... كل حاجة اتغيرت."
هز رأسه متفهمًا، لكنه لم يرد، فتابعت بصوت يشوبه القليل من المرارة:
نيرفانا:
"بابا بقى مختلف. الأول كان بيسألني رأيي في كل حاجة، دلوقتي كل القرارات بياخدها لوحده، حتى لو كانت تخصني أنا."
تأملها "شامل" للحظة، ثم قال بنبرة خافتة وهو يعيد تركيزه إلى الطريق:
شامل:
"هو بيحاول يحميكي."
نيرفانا (بابتسامة ساخرة):
"يحمني من إيه؟ من الحياة؟"
ابتسم "شامل" بهدوء، لكنه لم يقل شيئًا. بدا وكأنه يفكر في أمر آخر، شيء لم ترغب "نيرفانا" في سؤاله عنه. لكنها لمحت نظرة غريبة في عينيه عندما قال ببطء:
شامل:
"بس أحيانًا... في حاجات ماينفعش نحاربها."
تجمدت أصابعه على المقود للحظة قبل أن يعود ليقود كالمعتاد. لم تفهم "نيرفانا" ما الذي قصده تحديدًا، لكنها شعرت بأن هذا الحديث لا يجب أن يستمر.
وفي هذه اللحظة، رن هاتفها، نظرت إلى الشاشة قبل أن ترد بصوتها الهادئ المعتاد:
نيرفانا:
"ألو، بابي!"
كان الصوت على الطرف الآخر يحمل نبرة يقظة لم تخطئها أذن "شامل".
رائد (بصوت حازم):
"إنتي فين يا نيرفانا؟"
نيرفانا (بهدوء):
"في الطريق للمدرسة مع مستر شامل."
لم يقل "رائد" شيئًا للحظات، وكأن عقله يعالج المعلومة، ثم جاء صوته أكثر حدة:
رائد:
"ليه ما استنتيشني؟ أنا كنت نازل أوصلك."
تبادلت "نيرفانا" نظرة سريعة مع "شامل"، الذي بدا وكأنه فقد جزءًا من ثقته بنفسه.
نيرفانا (بصوت محايد):
"أصل مستر شامل قال إنه هيكون هنا بدري، فقلت مش لازم أستناك تتأخر."
تغيرت نبرة "رائد" تمامًا، وكأن شيئًا ما لم يعجبه في كلامها.
رائد (بهدوء مريب):
"طيب، هنتكلم لما ترجعي."
أغلقت الهاتف، ولمحت على وجه "شامل" شبح ابتسامة وهو يقول وكأنه يحاول إخفاء ارتباكه:
شامل:
"شكله مش مبسوط."
نيرفانا (ببرود):
"بابا دايمًا مش مبسوط."
ظل الصمت يخيّم على الأجواء بعد ذلك، لكن في عقل كل منهما، كانت هناك أفكار لم تقال بعد... وأسرار لم تخرج إلى العلن.
تحركت السيارة بسلاسة في شوارع المدينة، لكنه شعر أن الأجواء صامتة أكثر مما يجب.
شامل (بابتسامة هادئة):
"عارفة يا نيرفانا؟ أنا مبسوط إننا بقينا بنشوف بعض أكتر."
نيرفانا (بنبرة عادية):
"وأنا كمان، بس الصراحة... كنت متعودة إن بابي يوصلني، حتى لو كان مشغول."
شامل (بهدوء):
"هو مشغول عشانك. عشان مستقبلك."
نظرت إليه "نيرفانا" للحظة، ثم أومأت برأسها بصمت. لكنه لم يكن يريد لهذا الحديث أن ينتهي عند هذا الحد. كان بحاجة إلى أن يختبر ما يشعر به، أن يفهم إن كانت مجرد مشاعر أبويه أم شيء أكثر تعقيدًا.
شامل (بنبرة مرحة متعمدة):
"بس قوليلي بقى، في المدرسة... أكيد عندك معجبين، صح؟"
نيرفانا (باندهاش):
"معجبين؟!"
شامل (مازحًا):
"أيوه، يعني أكيد في حد كده بيحاول يبعتلك رسائل، يهديكي شوكولاتة، الحاجات اللي بيعملوها الشباب دول!"
ضحكت "نيرفانا" بخجل، ثم قالت وهي تنظر أمامها:
نيرفانا:
"لا طبعًا، إحنا في مدرسة محترمة، وبابا لو عرف حاجة زي دي هيقلب الدنيا."
ضحك "شامل" معها، لكن في داخله لم يكن يضحك. كان يعرف "رائد" جيدًا، ويعرف أن هذه الفتاة لم ترث فقط جمال والدتها، بل ورثت معها الحماية المطلقة التي يفرضها "رائد" حولها.
شامل (بهدوء، وهو يركز في الطريق):
"طب لو حد حاول يقرب منك... هتقوليلي؟"
نيرفانا (بتلقائية):
"ليه؟ هتعمل إيه؟"
شامل (بابتسامة غامضة):
"هتصرف."
لم تفهم "نيرفانا" قصده، لكنها لم تشغل بالها كثيرًا. أما "شامل"، فكان يعرف أن ما يمر به ليس عاديًا، وليس صحيحًا. لكنه لم يكن قادرًا على التراجع بعد الآن.
وعندما وصلا إلى المدرسة، توقفت السيارة. التفتت "نيرفانا" إليه قائلة:
نيرفانا (بابتسامة):
"شكرًا على التوصيلة، مستر شامل."
شامل (وهو ينظر إليها نظرة طويلة):
"دايمًا تحت أمرك."
ترجلت "نيرفانا" من السيارة، وراقبها "شامل" وهي تبتعد بخطوات واثقة.
***************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
لم تكن "ليلي" تدرك أن اللحظة التي ستطرق فيها باب "رائد الذهبي" ستكون اللحظة التي يتغير فيها كل شيء.
وقفت أمام العمارة، يداها ترتجفان رغم حرارة الشمس التي صهرت الإسفلت تحت قدميها. نظرت إلى الرقم المكتوب على الورقة بين يديها، ثم إلى المبنى الشاهق. تنفست بعمق وصعدت السلالم، كل خطوة تأخذها نحو المجهول.
ما إن وصلت إلى الطابق المقصود، حتى انفتح الباب قبل أن تطرقه. خرج منه رجل يرتدي بدلة رسمية، نظراته قاسية، كأنه لم يُخلق ليبتسم. نظر إليها للحظة قبل أن يسأل بنبرة جافة:
"إنتي مين؟ عايزة إيه؟"
ارتبكت، لكنها تماسكت بسرعة:
"أنا ليلي... عايزة أتكلم مع الأستاذ رائد، ضروري."
رفع الرجل حاجبه، ثم أخرج هاتفه واتصل بشخص ما، تحدث بصوت خافت قبل أن يلتفت إليها مجددًا:
"استني هنا."
ثم اختفى داخل الشقة، تاركًا الباب مواربًا.
شعرت "ليلي" بعدم الارتياح، لكنها لم تتحرك. مرت دقائق، قبل أن يخرج نفس الرجل، لكن هذه المرة كان معه شخص آخر. رجل لم تره من قبل، لكن ملامحه لم توحِ بالخير.
"تعالي معايا، أستاذ رائد مستنيكي جوه."
شعرت بقلبها يضرب صدرها بقوة. شيء ما لم يكن طبيعيًا. تراجعت خطوة للخلف:
"لا، أنا هستناه هنا."
نظر الرجلان إلى بعضهما، ثم قال الأول بنبرة حازمة:
"إنتي سمعتي اللي قولته، ادخلي جوه."
في تلك اللحظة، فهمت "ليلي" أن عليها الفرار. استدارت بسرعة محاولة الركض نحو السلالم، لكن يدًا قوية أمسكت بها من الخلف، وجذبتها بعنف.
"فاكرة نفسك هتمشي كده بالساهل؟"
لم يكن هناك وقت للصراخ، ولا مجال للهروب.
لكن قبل أن تُدرك ما يحدث، دوّى صوت إطلاق نار في المكان. تجمد الجميع. الرجل الذي كان يمسك بها انهار على الأرض، ويده ما زالت ممدودة نحوها.
استدارت ببطء، وعيناها متسعتان بالصدمة. على بعد خطوات، وقف "رائد الذهبي"، ممسكًا بمسدسه، عينيه باردتان كالصقيع، يوجه فوهته نحو الرجل الثاني الذي رفع يديه مستسلمًا.
"لمستها ليه؟"
كانت كلماته أشبه بحكم إعدام.
أما "ليلي"، فكل ما استطاعت فعله هو أن تتنفس أخيرًا... وهي تدرك أنها لم تكن تبحث عن "رائد"، بل كانت تسير مباشرةً نحو فخ لم يكن لها أن تخرج منه أبدًا.