رواية قلب السلطة الفصل السادس 6 بقلم مروة البطراوي

 

رواية قلب السلطة الفصل السادس بقلم مروة البطراوي



"رائد الذهبي" لم يكن رجلًا يتردد.

دوّى صوت الرصاصة، فسقط الحارس الذي كان يقبض على "ليلي"، يده ما زالت ممدودة نحوها كأنها تحاول الاحتفاظ بآخر ذرة من السلطة قبل أن تخور قواه. أما الرجل الآخر، فقد جمده الرعب، رفع يديه مستسلمًا، وعيناه تتنقلان بين جثة زميله و"رائد" الذي كان يمسك بمسدسه بثبات قاتل.

أدار "رائد" عينيه ببطء نحو "ليلي"، التي وقفت كأن قدميها التصقتا بالأرض، جسدها ينتفض بلا إرادة، ووجهها شاحب كالموتى. للحظة، خُيّل لها أنها انتقلت من قبضة وحش إلى قبضة وحش آخر، لكن الفرق أن هذا الوحش يملك القانون بين يديه.

تقدّم "رائد" ببطء، عينيه تزدادان برودة، حتى صار أمامها مباشرة. رفع يده ولمست أصابعه ذقنها برفق، رفع وجهها قليلًا، نظر في عينيها مباشرة، ثم همس بصوت لم يكن يحمل أي دفء:

ــ "إيه اللي جابك هنا؟"

حاولت أن تتكلم، أن تدافع عن نفسها، لكن الكلمات تجمدت في حلقها. كانت تعرف أن أي إجابة خاطئة قد تجعل الموقف أسوأ.

"رائد" لم يكن لديه وقت للانتظار. استدار نحو الحارس الثاني وقال بلهجة قاتلة:
ــ "اخدها لفوق... دلوقتي."

أومأ الرجل سريعًا، وأمسك بذراع "ليلي" بحذر، كأنه يخشى أن تنفجر بين يديه. لم تحاول المقاومة، لم تكن حتى قادرة على التفكير. كل ما شعرت به هو أن قدميها تسيران بها إلى مصير مجهول.

أما في الخارج...

في منزلها، كانت والدة "ليلي" تجلس ويداها تضغطان على الهاتف بقوة. الساعة تقترب من الثالثة عصرًا، ولم تعد ابنتها. قلقها تصاعد مع كل دقيقة تمر، حتى قررت الاتصال بالسيد "سليمان"، لكنه أخبرها أن "ليلي" لم تأتِ إلى المدرسة. حاولت كبح ذعرها، فاتصلت بمدير المدرسة الأخرى، غير أن جوابه لم يكن مختلفًا.

أحست الأم بالعجز، لكن فكرة خطرت لها: الاتصال بشامل.

كان "شامل" في تلك اللحظة يقود سيارته، وعيناه زائغتان كأنه يقاتل أفكاره. بجانبه، جلست "نيرفانا"، تراقبه بقلق، تشعر أن هناك شيئًا خاطئًا. عندما رن الهاتف، أجاب بصوت محايد، لكنه سرعان ما تصلب حين سمع صوت والدة "ليلي" المضطرب:
ــ مستر شامل، أنا مش لاقية "ليلي"!

شحب وجهه، وانعكس ذلك على قيادته، فمالت السيارة قليلًا قبل أن يستعيد توازنه. التفتت "نيرفانا" إليه، عيناها متسعتان، وقالت بصوت مختنق:
ــ شامل... هو في إيه؟

حاول التظاهر بالتماسك، لكنه لم يستطع منع القلق من التسلل إلى صوته:
ــ مفيش حاجة، بس... لازم نروح لمستر رائد دلوقتي.

لكن ما لم يعرفه "شامل" أن "رائد" لم يكن في مزاج يسمح بالأسئلة...
*****************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كانت "ليلى" جالسة فوق الأرض الباردة، في زاوية ضيقة من غرفة بلا نوافذ، لم يُترك لها فيها إلا صخرة صلبة تصلح بالكاد مقعدًا.

تحسسَت أطراف أصابعها بوجل، قبل أن تغرس أسنانها في أحدها، كأنها تحاول انتزاع الألم الجاثم في صدرها. أنفاسها مضطربة، ودموعها لم تجف منذ لحظة انتزاعها من أمام باب "رائد الذهبي". لم تستوعب بعد ما يحدث، أو ربما لم ترد أن تستوعب.

"ليه؟ ليه يعاملني كده؟"

سؤال تردد داخل رأسها بلا إجابة. هل كانت غبية حين ظنّت أنه سيسمعها؟ هل أخطأت حين جاءت؟ أم أن الخطأ كان في اللحظة التي ظنّت فيها أن لرجلٍ مثله قلبًا؟

ارتفع صوتها فجأة، كأنها تحاول محاربة خوفها بالصوت وحده:

"يا ريتني ما جتش! لو مش عايز يقابلني، ليه ما سبنيش أمشي؟ ليه يحبسني هنا زي..."

لكن الكلمات خانتها، كأن عقلها رفض وصف نفسها بـ"السجينة"، رغم أن الحقيقة كانت واضحة كالشمس.

لم يمضِ وقت طويل حتى فُتح الباب، ليدخل رجلٌ ضخم الجثة، ملامحه صارمة، لكن نظراته لم تكن قاسية تمامًا... بل أقرب إلى الحذر، وكأنه يتعامل مع قنبلة موقوتة.

"مش وقت البكا، خدي الأمور بعقل بدل ما تورّطي نفسك أكتر."

لم ترفع "ليلى" رأسها في البداية، بل ظلت تحدق في الأرض، أصابعها مشدودة على ملابسها. ثم، وببطء، نظرت إليه، وعيناها مزيج من الرجاء والتمرد.

"أنا ما عملتش حاجة غلط!" قالتها باندفاع، قبل أن تهز رأسها بيأس. "كل اللي كنت عاوزاه هو أشوفه... أكلمه... أفهم!"

"تفهمي؟" ضحك الرجل ضحكة قصيرة، لكنها بلا سخرية حقيقية، وكأنه تعجب من سذاجتها. "الفهم ليه تمن، وإنتِ لسه ما دفعتيش كفاية."

انكمشت أكثر في مكانها، كأن الغرفة تضيق عليها، وكأن الجدران تُطبق على أنفاسها. هل كان يقصد أنها لم تتألم كفاية؟ أو أن هناك ما هو أسوأ قادم؟

حاولت الوقوف، لكنها شعرت أن ساقيها لا تحملانها، فعادت إلى وضعها، تنظر إليه بنظرة ممتزجة بالغضب والانكسار.

"هو ما عندوش قلب؟!" نطقت بالكلمة وكأنها تُلقيها في الفراغ، كأنها تسأل نفسها قبل أن تسأله. "لو كنت غلطت، ما كانش ينفع يقولي بدل ما يرميني هنا؟!"

هذه المرة، لم يضحك الرجل. بل تأملها للحظة، قبل أن يقول بصوت أكثر هدوءًا:

"بتدوري على قلب عند حد زي "رائد الذهبي"؟" هز رأسه بأسف خافت. "بلاش تعيشي في الأوهام، الدنيا مش مكان للمثاليين."

تسارعت أنفاسها، وبدأت عيناها تلمعان ببصيص من المقاومة. كانت تدرك أنها في موقف لا تحسد عليه، لكن هناك شيء ما بداخلها رفض الاستسلام.

"لو كان عندك ذرة إنسانية، افتح لي الباب." قالتها وهي تنظر في عينيه مباشرة، تحاول أن تجد منفذًا ولو بسيطًا للهرب. "أنا مش مجرمة، ليه يتحكم فيا كده؟!"

لكن الرجل لم يتحرك. لم تطرأ عليه أي علامة تدل على أنه سيتعاطف معها. بل كل ما فعله أنه زفر ببطء، كأنه يختار كلماته بعناية.

"لو عايزة تخرجي من هنا، لازم تتعلمي حاجة مهمة." اقترب منها خطوة، لتشعر أخيرًا بثقل وجوده. "الخوف ما بيخلّصكش... لكنه بيدمّرك لو عرفتيش تتحكّمي فيه."

تركها بعدها في صمت، وانسحب، مغلقًا الباب خلفه، تاركًا "ليلى" وسط أفكارها التي بدأت تتغير.

لم تعد تفكر فقط في كيف وصلت إلى هنا... بل بدأت تفكر في كيف ستخرج.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كانت "ليلى" جالسة على الأرض، ظهرها مستند إلى الجدار، وذراعاها تضمان ركبتيها في محاولة بائسة لاحتواء ارتجاف جسدها. الهواء في الغرفة كان خانقًا، والدماء التي سالت على الأرض بعد الطلقة الأخيرة ما زالت تنشر رائحتها الثقيلة في المكان.

عيناها، المتسعتان بالذعر، كانتا تحدقان في الباب الموارب، تنتظر ما سيأتي بعدها. لم تكن تعلم إن كان "رائد" سينقذها أم أن خلاصها سيكون مجرد وهم آخر.

لم تمضِ سوى لحظات حتى سمعت وقع خطوات عنيفة تقترب. انتفض قلبها. الباب انفتح بعنف، ودخل أحد الرجال، وجهه متجهم، وعيناه تبحثان عنها كصياد وجد فريسته.

الحارس (بصوت خشن وهو يقترب منها):
"قومي بسرعة! الباشا مستنيك!"

حاولت الوقوف، لكن قدميها كانتا ترتجفان، فاضطر للإمساك بذراعها وسحبها بعنف. تأوهت من الألم، لكن لم يكن لديها وقت للاعتراض.

خرج بها إلى الممر المؤدي إلى الصالة الواسعة، حيث وقف "رائد الذهبي"، ظهره للباب، بينما يعبث بأزرار قميصه، كأن شيئًا لم يحدث منذ دقائق. عندما سمع صوت خطواتهم، التفت ببطء، وعيناه تقابلتا بعينيها المرتجفتين.

توقفت أنفاس "ليلى" للحظة، لم تكن قادرة على قراءة ما يدور في رأسه. هل هو غاضب؟ هل كان كل هذا اختبارًا لصبرها؟ أم أنها بالفعل تجاوزت حدودًا لم يكن يجب أن تقترب منها؟

رائد (بصوت هادئ لكنه يحمل سكينًا مخفيًا بين حروفه):
"زعلانة ليه؟ مش كنتي عايزة تشوفيني؟ أهو أنا قدامك."

بلعت ريقها بصعوبة، ثم حاولت أن تتحدث، لكن الكلمات لم تخرج بسهولة:
ليلى (بصوت متقطع):
"أنا... أنا كنت بس عايزة أفهم ليه... ليه حبستني؟!"

ابتسم "رائد"، لكن ابتسامته لم تكن مطمئنة على الإطلاق. تقدم منها خطوة، فشعرت بالغريزة أنها يجب أن تتراجع، لكنها تماسكت.

رائد (بصوت خافت، كمن يلقي بشَرَك لاصطياد فريسته):
"حبستِك؟ دي كلمة كبيرة أوي... أنا بس كنت عايزك تفهمي حاجة مهمة قبل ما نكمل كلامنا."

نظر نحو الحارس بإشارة بسيطة، ففهم الرجل الأمر على الفور وأفلت ذراعها، فتراجعت بضع خطوات، تلتقط أنفاسها المضطربة.

رائد (بحدة مفاجئة وهو يقترب منها):
"انتي لسه فاكرة إنك تقدري تدخلي حياتي وقت ما تحبي؟ أو تقرري تواجهي الحقيقة بالطريقة اللي تعجبك؟"

أحست "ليلى" بظهرها يرتطم بالحائط، لم يكن هناك مجال آخر للتراجع. نظرت إليه برجاء، تحاول البحث عن أثر لأي شيء إنساني في ملامحه، لكنها لم تجد سوى البرود والصرامة.

ليلى (بصوت خافت لكنه يقطر انكسارًا):
"أنا مش عدوتك، رائد..."

ارتفع حاجباه للحظة، كأنها قالت شيئًا فاجأه، ثم اقترب منها أكثر، حتى صار بينهما شبر واحد، وقال بصوت لا يقل عن همس خافت لكنه ممتلئ بالقوة:
"يبقى إياكي تتصرفي كعدو."

لم تفهم إن كان هذا تهديدًا أم تحذيرًا، لكنها أدركت أمرًا واحدًا... لم يكن هذا المكان سجنًا لها فقط، بل كان اختبارًا، وإذا فشلت فيه، فلن يكون لها فرصة أخرى.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

لم يتحرك "رائد" من مكانه، لكنه ثبت نظره على "ليلى" بتفحصٍ حاد، كأنما يقيس مدى صمودها أمام العاصفة القادمة. كانت الغرفة هادئة، لكنها لم تكن تحمل أي طمأنينة، بل كانت كهدوء ما قبل الانفجار.

أما "ليلى"، فوقفت جامدة، تشد على قبضتيها، تحاول التماسك، لكن جسدها كان يرتجف رغمًا عنها. لم تكن متأكدة مما سيحدث الآن، لكنها أيقنت أنها تواجه شخصًا آخر غير الذي ظنته يومًا.

رائد (بصوتٍ هادئ لكنه محمل بالتحذير):
"فاكرة نفسك بتلعبي دور الضحية؟ أنتِ اللي حطيتي نفسك في الموقف ده بإيدك."

لم تتحمل كلماته. كانت محاصرة بالخوف، لكنها رفضت أن يُملى عليها شعور الذنب بهذه السهولة. رفعت ذقنها قليلًا وقالت بصوتٍ حاولت جعله ثابتًا:
ليلى:
"أنا ما عملتش حاجة غلط! كنت بس عايزة أفهم... كنت فاكراك مختلف!"

ارتفع حاجباه في سخرية خفيفة، ثم تقدم خطوة، حتى أصبحت المسافة بينهما تكاد تختفي. شعرت بأنفاسه قريبة، لكنها تماسكت، رغم أن قلبها كان يخفق بجنون.

رائد (بهدوء مخيف):
"مختلف؟ عن إيه بالضبط؟ عن الصورة اللي رسمتيها لي في خيالك؟ ولا عن الكلام اللي صدقتيه من غير ما تفكري؟"

لم تجد ردًا سريعًا، لكن صمتهما لم يدم طويلًا، إذ استجمعت شجاعتها وقالت بحدة، عيناها تشعان إصرارًا رغم الاضطراب الذي ينهشها من الداخل:
ليلى:
"أنا وثقت في والدة نيرفانا... وهي قالت لي كلام ما ينفعش أسكت عليه!"

في لحظة، انطفأت السخرية من وجه "رائد"، وتبدلت ملامحه إلى صلابة قاتمة، كأن اسم "نيرفانا" قد مس وترًا حساسًا لم يكن يجب الاقتراب منه. ظل صامتًا لثوانٍ، عيناه مثبتتان عليها بحدة كأنهما تحفران داخل روحها.

رائد (بصوت خافت لكنه مفعم بغضب مكتوم):
"والدة نيرفانا؟"

تراجعت "ليلى" خطوة للخلف، لكنها لم تهرب بنظرها منه، رغم أن الرعب بدأ يزحف إلى أطرافها. أكملت بصوت مرتجف:
ليلى:
"هي قالت لي إنك بتجرّ بنتك للهلاك، وإنك السبب في المصايب اللي بتحاوطها... وإنك ما بتسمعش غير نفسك!"

ازدادت ملامحه تيبسًا، لكن عيناه اشتعلتا بنظرة لا تبشر بالخير. ثم، فجأة، ضحك ضحكة قصيرة باردة، خلت من أي مرح حقيقي.

رائد (بهدوء يشوبه الخطر):
"وأنتِ صدقتيها؟"

لم تستطع الرد فورًا، لكنها ابتلعت ريقها وأومأت برأسها، محاولة ألا تُظهر مدى ارتجافها.

ليلى:
"أنا... صدّقتها."

ساد الصمت، لكنه لم يكن صمتًا عاديًا، بل كان ممتلئًا بآلاف الكلمات التي لم تُنطق بعد. نظر "رائد" إليها للحظات، ثم أدار وجهه قليلًا، كأنما يستعيد نفسه، أو ربما يمنحها فرصة أخيرة لاستيعاب ما ينتظرها.

لكن حين عاد ينظر إليها، كان كل شيء قد تغير.

****
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
التوتر كان يكاد يُلمس في الهواء. لم يكن الصمت هدوءًا، بل كان أشبه بعاصفة محبوسة تنتظر لحظة الانفجار. "رائد" لم يحرّك ساكنًا، فقط نظر إلى "ليلى" نظرة من يزن الأمور بدقة قبل أن يحسم قراره.

ثم، فجأة، انطلقت منه ضحكة قصيرة، لكن لم يكن فيها أثر للمرح، بل كانت ضحكة شخص أدرك للتو حجم ما يحاك حوله. رفع يده إلى وجهه، مسح بها جبينه كأنما يحاول طرد فكرة ما من رأسه، ثم التفت إليها، نظراته أشبه بشفرة حادة.

رائد (بصوت خافت، لكنه محمّل بخطر دفين):
"برافو يا ليلى... كنتِ قطعة شطرنج ممتازة في لعبتهم."

شعرت بقشعريرة تسري في أوصالها، لكنها رفضت أن تنحني أمام نظراته. رفعت ذقنها بعناد، رغم أن قلبها كان يخفق بجنون.

ليلى:
"أنا مش لعبة في إيد حد! كل اللي عملته إني حاولت أفهم... حاولت ألاقي الحقيقة اللي إنت بتخبيها."

ارتسمت على شفتيه ابتسامة ساخرة، لكنها لم تصل إلى عينيه. خطا خطوة نحوها، لتجد نفسها محاصرة بينه وبين الجدار، تمامًا كما كانت منذ لحظات، لكن هذه المرة، كان إحساسها بالخطر أقوى.

رائد (بصوت منخفض يحمل تهديدًا مستترًا):
"الحقيقة؟ الحقيقة يا ليلى إنك لعبتي بالنار... وكنتِ هتتحرقي قبل ما توصلي لأي حاجة!"

لمعت عيناها باضطراب، لكنها لم تتراجع، رغم أن أنفاسها كانت تتسارع.

ليلى (بحدة ممزوجة بالارتباك):
"إنت اللي ما بتقولش الحقيقة! نيرفانا كانت في خطر... وأنا كنت بحاول أحميها!"

تصلبت ملامحه للحظة، كأن كلماتها أصابت وترًا حساسًا داخله، لكنه سرعان ما أخفى رد فعله خلف جدار جليدي من اللامبالاة. تقدم أكثر، حتى أصبحت المسافة بينهما تكاد تختفي، ثم همس بصوت جعل الدم يتجمد في عروقها.

رائد:
"نيرفانا كانت في خطر... بس مش مني!"

اتسعت عيناها في ذهول، لكن قبل أن تنطق، أكمل بصوت منخفض، حمل معه ثقلًا رهيبًا.

رائد:
"والدة نيرفانا باعتها بثمن بخس، وإنتِ كنتِ مجرد أداة عشان تسرّع الصفقة."

دوّت كلماته كالرعد في أذنيها، فشعرت أن الغرفة تدور بها. لم يكن هذا ما جاءت من أجله، لم يكن هذا ما توقعت سماعه. الحقيقة التي كانت تظن أنها تسعى إليها... تحولت إلى كابوس يفوق أسوأ مخاوفها.

ارتجفت شفتاها، لكن صوتها خرج بالكاد مسموعًا:
ليلى:
"إنت... بتكدب."

لمعت عيناه للحظة، وكأن كلماتها اخترقت جدارًا داخله، لكنه لم يمنحها فرصة لالتقاط أنفاسها.

رائد (بصوت خافت، لكنه يقطر تهديدًا):
"الغلطة الحقيقية، يا ليلى، إنك جيتي للكهف... ومستنية التنين يرحّب بيكي!"

حبست أنفاسها، شعرت وكأن الغرفة تضيق عليها، والهواء من حولها أصبح ثقيلًا. هل كانت هذه النهاية؟ أم أن اللعبة لم تبدأ بعد؟

نظر إليها للحظات، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة لم تفهم مغزاها، قبل أن يبتعد خطوة، وكأن ما حدث للتو لم يكن سوى تحذير أولي... تحذير قد لا يأتي بعده آخر.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كان "شامل" واقفًا بالقرب من النافذة، عيناه تائهتان في الظلام الممتد خلف الزجاج، لكن عقله لم يكن هنا. كان عالقًا في دوامة من الأفكار، كل الاحتمالات تتصارع في رأسه، وكلها تقوده إلى شيء واحد... ليلى اختفت.

على بُعد خطوات، كانت "يقين" تراقبه بصمت. لم يكن الأمر يحتاج إلى كلمات؛ القلق مرسوم على ملامحه بوضوح. لكنها، وبطريقة ما، قررت كسر هذا الجدار. تقدمت ببطء حتى وقفت خلفه مباشرة، ثم قالت بصوت هادئ لكنه نافذ:

يقين:
"شامل... طول عمرك قوي، ما تخليش القلق يشدّك لحتة ما ترجعش منها."

التفت إليها ببطء، عيناه لا تزالان محملتين بذلك التوتر الخفي. نظر إليها طويلًا، كأنما يحاول أن يجد في ملامحها ملاذًا مؤقتًا، لكنه لم يستطع.

شامل (بصوت خافت، لكنه مثقل بالهموم):
"يقين، ليلى اختفت."

جمدت ملامح "يقين" للحظة، لكنها سرعان ما استعادت رباطة جأشها.

يقين (بتوجس):
"اختفت؟ يعني إيه؟ إنت متأكد؟"

شامل (بحذر، وكأنه يحاول أن يمسك بخيط الحقيقة):
"محدش عارف هي فين، والآخر مرة كانت رايحة لرائد."

لمعت عينا "يقين" بقلق واضح، لكنها حاولت أن تحافظ على هدوئها.

يقين:
"طيب... ممكن يكون في تفسير تاني؟ ممكن تكون راحت مكان تاني؟"

أطبق "شامل" فكيه بقوة، ثم قال بنبرة لم تخلُ من الحدة:

شامل:
"أنا عارف رائد كويس، ولو ليلى كانت معاه... يبقى مفيش تفسير غير واحد."

ساد بينهما صمت ثقيل، حتى قطعه "شامل" وهو يشيح بوجهه عنها، كأنه لا يريد أن يرى نظرات القلق في عينيها.

شامل (بصوت منخفض لكنه حازم):
"أنا مش هسيبها، يقين. حتى لو كان رائد نفسه هو اللي واقف في طريقي."

نظرت إليه يقين طويلًا، ثم قالت بنبرة جادة:

يقين:
"لو كنت ناوي تدخل في لعبة مع رائد، فكر كويس يا شامل. لأن اللي بيدخلها... نادرًا ما بيخرج منها سليم."

نظر إليها شامل نظرة طويلة، لكن لم يكن فيها تردد... بل تصميم.

شامل (بهدوء خطير):
"أنا ما بخافش من اللعب، يقين... أنا بس بحب أربح."
*******
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كان المكان مظلمًا، والكلمات بين "رائد" و"ليلى" تتناثر في الهواء مثل سكين حاد، يقطع كل لحظة صمتٍ بينهما. التوتر كان يزداد بشكل متسارع، وكل منهما يحاول قياس الآخر، اختبار رد فعله، ومعرفة الحدود التي يمكن لكل منهما أن يصل إليها.

نظر "رائد" إليها طويلًا، ملامحه جامدة، لكنها تحمل خلفها عاصفة. ثم، وبنبرة باردة كالجليد، قال:
"اللي بيدخل لعبة الكبار، يا ليلى، لازم يكون مستعد يدفع الثمن."

لم تتحرك "ليلى"، لم ترمش حتى، رغم أن قلبها كان يخفق بجنون. حاولت أن تبقى ثابتة، لكن عينيه اخترقتاها كأنهما تكشفان كل نقطة ضعف مخفية.

"وإنت ناوي تحاسبني على إيه بالظبط؟" قالتها بصوت ثابت، لكنها لم تكن واثقة مما سيأتي بعدها.

اقترب منها خطوة، حتى أصبح بينهما أنفاس قليلة فقط، ثم همس بصوت خافت لكنه محمل بالتهديد:
"لسه هتعرفي... بس لما ييجي الوقت المناسب."

فتح الباب فجأة، فاندفعت إضاءة خافتة إلى الداخل. ظهر أحد رجاله، وعيناه تحملان رسالة واضحة. التفت إليه "رائد" ببطء، ثم نظر إلى "ليلى" نظرة طويلة أخيرة قبل أن يقول بلهجة لا تقبل الجدل:
"ما تخرجيش من هنا إلا لما أقول."

ثم غادر، تاركًا "ليلى" وحدها وسط الظلام، ومعها سؤال واحد يطرق رأسها بلا توقف:
تعليقات



×