رواية قلب السلطة الفصل السابع 7 بقلم مروة البطراوي

 رواية قلب السلطة الفصل السابع بقلم مروة البطراوي


خرج "رائد"، تاركًا "ليلى" وحدها وسط الظلام، ومعها سؤال واحد يطرق رأسها بلا توقف:
"إيه اللي هيحصل بعد كده؟"

حبست أنفاسها لوهلة، ثم زفرت ببطء، محاولة أن تسيطر على الارتباك الذي بدأ يتسلل إلى عقلها. نظرت حولها، المكان لم يكن معتمًا تمامًا، بل هناك خيوط ضوء خافتة تتسلل من تحت الباب، لكنها لم تكن كافية لتهدئة توترها.

تقدمت بخطوات حذرة نحو الباب، وضعت يدها على المقبض، لكنه لم يتحرك. أغلقه خلفه، بالطبع فعل.

"إيه اللي كان عايز يوصله بالحوار ده؟"

عادت إلى الخلف، وقلبها ينبض بقوة. لا تعرف كم من الوقت ستظل هنا، لكن ما تعرفه أنها لن تقف مكتوفة اليدين.

رنت عيناها على الطاولة القريبة، لم يكن عليها سوى كوب ماء وبعض الأوراق المبعثرة. لا هاتف، لا أي وسيلة تواصل.

حاولت أن تبقى هادئة، أن تتعامل مع الموقف بعقلانية، لكنها لم تستطع منع نفسها من التفكير في كلماته الأخيرة:

"ما تخرجيش من هنا إلا لما أقول."

هل كان تهديدًا؟ أم تحذيرًا؟ أم مجرد استعراض قوة؟

"ليلى" لم تكن ساذجة. عرفت أن "رائد" لا يقول شيئًا بلا سبب، وإن قالها، فهو يعنيها.

لكنها لم تكن مستعدة للبقاء هنا طويلاً.

خطت إلى النافذة، دفعت الستائر قليلًا، كان الظلام يغطي الخارج، باستثناء أنوار خافتة منبعثة من بعض المصابيح في الساحة. لمحت بعض الرجال يتحركون في الخارج، وكأنهم أشباح تحرس المكان.

لم تكن لديها خطة واضحة، لكنها لم تكن مستعدة للاستسلام لهذه العزلة.

وبينما كانت تحاول تحليل خياراتها، سمعت صوتًا خلف الباب. خطوات ثقيلة، صوت مفتاح يدور في القفل.

تراجعت لا إراديًا، وانتظرت.

الباب انفتح ببطء، ليظهر منه "رائد"، واقفًا بنفس هدوئه المثير للجنون، وعيناه تتأملانها بنظرة يصعب تفسيرها.

تقدمت نحوه خطوة، وعيناها تشتعلان بالغضب المكبوت:

ــ "إيه اللي انت عايزه؟!"

ابتسم ابتسامة خفيفة، وأمال رأسه قليلًا قبل أن يجيب بصوت منخفض:

ــ "السؤال الصح... إنتي عايزة إيه يا ليلى؟"

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
نظرت إليه "ليلى"، وداخلها طوفان من الغضب، لكن عقلها كان يحاول أن يبقى هادئًا. أخذت نفسًا عميقًا وقالت بصوت ثابت رغم كل ما تشعر به:

ــ "أنا عايزة أمشي من هنا."

لم تتغير ملامحه، بل زادت ابتسامته الغامضة عمقًا، وكأنه توقع ردها تمامًا.

ــ "هو ده اللي متأكدة منه؟"

ضيّقت عينيها بانزعاج، لكنها لم تسمح له بأن يلعب بأعصابها أكثر. تقدمت خطوة، وقلبها ينبض بسرعة، وقالت بحزم:

ــ "أيوه. افتح الباب."

وقف للحظة يراقبها، ثم زفر بهدوء وكأنه يزن الأمور في رأسه، قبل أن يميل قليلاً نحوها وقال بصوت خافت لكنه ثقيل بالمعاني:

ــ "أنا مش بحبس حد عندي، بس لما حد يدخل حياتي، لازم يعرف إن خروجه مش هيكون زي دخوله."

لم تعلق، لم ترد أن تستمر هذه اللعبة معه. كل ما أرادته الآن هو أن تبتعد عن هذا المكان.

أشار برأسه نحو الباب، فُتح على الفور، وظهر أحد رجاله واقفًا في الخارج.

ــ "وصّلها لحد عربيتها."

تقدمت "ليلى" بسرعة، لا تريد أن تمنحه فرصة أخرى لإطالة هذا الحديث. عبرت الباب، لكنها شعرت بنظراته تلاحقها حتى بعد أن ابتعدت خطوات.

عندما وصلت إلى الساحة، شعرت بنسمة هواء باردة تضرب وجهها، لكنها لم تشعر بالراحة. كل شيء داخلها كان مشحونًا بتوتر لم تشعر به من قبل.

ركبت سيارتها، أغلقت الباب بقوة، وضغطت على المقود بأصابع مرتجفة.

كان المكان خلفها، لكنها كانت تعرف أن هذا لم يكن النهاية.

"الموضوع لسه مخلصش..."

همست بالكلمات لنفسها، دون أن تدري أنها كررت بالضبط ما قاله "رائد" قبل أن يغادرها في تلك الغرفة.

ثم، دون تردد، أدارت المحرك، وانطلقت مبتعدة عن هذا المكان... ولكن ليس عن تأثيره.
*****
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

بعد أن غادرت "ليلى"، تاركة خلفها صخبًا من المشاعر التي لم تستطع أن تهدأ داخلها، كانت أنفاسها لا تزال متسارعة وهي تقود سيارتها بعيدًا عن ذلك المكان، وكأنها تهرب من شيء يطاردها في الظلام. كانت يداها مشدودتين على المقود، وعقلها يعيد استرجاع كلماته، نظرته، وطريقة وقوفه أمامها وكأنه يحاصرها دون أن يمد يده.

"الموضوع لسه مخلصش."

ظلت هذه الجملة تتردد في رأسها، وكأنها توقيع غير مرئي على يومها، أو ربما على شيء أكبر لم تدركه بعد.

حين وصلت أخيرًا إلى منزلها، لم تشعر براحة كما كانت تتمنى. ألقت بحقيبتها على الطاولة، ثم جلست على الأريكة، ووضعت رأسها بين يديها محاولة أن تستعيد هدوءها.

"أنا كنت متخيلة إني فاهمة هو إزاي... بس الليلة دي غيرت كل حاجة."

رفعت رأسها، تنهدت بعمق، ثم نهضت لتذهب إلى غرفتها، آملة أن النوم سيكون رحيمًا بها هذه الليلة. لكنها كانت تعلم أن الأفكار لن تتركها بسهولة.

على الجانب الآخر...

صعد "رائد" إلى شقته، بخطى ثقيلة، كأنما يحمل شيئًا أكبر من مجرد التعب. ألقى بمفتاحه على الطاولة، ثم مرر يده في شعره، متجهًا نحو الشرفة. الهواء الليلي كان ثقيلًا، لكنه لم يكن أكثر ثِقلًا مما يدور في رأسه.

ظهر "شامل" من الداخل، وعيناه تمتلئان بأسئلة غير مطروحة، لكنه لم يكد يفتح فمه حتى قطع "رائد" عليه بنظرة واحدة.

ــ "مافيش كلام دلوقتي، شامل. امشي."

لم يعترض "شامل"، فقط أومأ برأسه وانسحب في صمت، تاركًا "رائد" وحده في مواجهته الخاصة مع الليل.

وقف عند النافذة، أشعل سيجارة، وراح يراقب أضواء المدينة من بعيد. لم يكن يعلم لماذا يشعر بهذا الكم من التوتر، لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا:

"ليلى مش هتخرج من دايرتي بسهولة... حتى لو حاولت."

بعد لحظات، انتزع هاتفه من جيبه، ضغط على رقم مألوف، وانتظر.

وحين جاءه الرد، قال بصوت هادئ لكنه يحمل أمرًا لا يقبل النقاش:

ــ "أنا عايزها ترجع المدرسة بكرة."

على الطرف الآخر، جاءه الصوت المتردد لسليمان، مدير المدرسة:

ــ "بس يا باشا... هي قالت-"

قاطعه "رائد" ببرود:

ــ "أنا قلت ترجع. هتبلغها، وخلاص."

أنهى المكالمة دون انتظار رد، ثم ألقى الهاتف على الطاولة، مستندًا إلى الحائط للحظة.

كانت عيناه تراقبان المدينة، لكنها لم تكن ترى شيئًا سوى وجه واحد، وصوت واحد، وشيء ما يخبره أن هذه اللعبة لم تبدأ بعد.

وفي الصباح...

حين رن هاتف "ليلى"، ونظرت إلى الشاشة، وجدت اسم "سليمان" يلمع أمامها. شعرت بارتجافة صغيرة في يدها وهي ترد.

ــ "أيوه، مستر سليمان؟"

ــ "صباح الخير، ليلى. عندي خبر لازم تعرفيه... هترجعي المدرسة النهارده."

شعرت بأنفاسها تتباطأ، وكأن الزمن توقف للحظة.

ــ "إيه؟ بس... مين قال كده؟"

صمت سليمان للحظة قبل أن يقول بصوت حذر:

ــ "قرار إداري... من فوق."

لم يحتج الأمر إلى تفسير أكثر. عرفت فورًا مصدر القرار، وعرفت أيضًا أن هذا يعني شيئًا واحدًا:

"رائد الذهبي ما خلصش كلامه معايا."

**************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
عندما وصلت "ليلى" إلى المدرسة، كانت تشعر بثقل غير مرئي يجثم على صدرها. خطواتها كانت أبطأ من المعتاد، وكأن قدميها تترددان في حملها إلى الداخل. لم تكن تعلم هل هو الإرهاق الذي لم يفارقها منذ الليلة الماضية، أم أن عقلها لا يزال عالقًا هناك، في ذلك المكان الذي لم تكن تتوقع أن تزوره بتلك الطريقة.

ما إن عبرت بوابة المدرسة حتى لمحها "سليمان"، فتوجه نحوها بخطوات سريعة، وعيناه تعكسان دهشة خفيفة:
ــ "ليلى! مش معقول! أنتِ رجعتي فعلاً؟"

رفعت عينيها إليه، وابتسمت ابتسامة باهتة:
ــ "واضح إن ده قرار ماكانش في إيدي."

قطب "سليمان" جبينه، ثم أشار برأسه نحو مكتبه:
ــ "تعالي، لازم نتكلم."

في الداخل، جلست "ليلى" على الكرسي أمامه، وأسندت كفيها إلى الطاولة، بينما كان هو يراقبها بنظرة متفحصة. كانت ملامحها منهكة، وعيناها تحملان أثر ليلة لم تكن سهلة.

ــ "عايز أفهم، إيه اللي حصل بالضبط؟"

ترددت للحظة، ثم قالت بصوت هادئ لكنه مثقل بالتوتر:
ــ "أنا مشيت من المدرسة امبارح، وبعدها... حصلت حاجة خلتني أروح لمكان ماكانش المفروض أروحه."

لم يكن "سليمان" بحاجة لسماع الاسم، فقد عرف على الفور. تراجع في مقعده، وأخذ نفسًا عميقًا قبل أن يقول:
ــ "رائد الذهبي."

أومأت "ليلى" برأسها ببطء، دون أن تنطق.

أغمض "سليمان" عينيه للحظة، ثم فتحهما وقال بجدية واضحة:
ــ "ليلى، أنا مش هسألك عملتي إيه هناك، بس لازم تسألي نفسك سؤال واحد: إنتِ فعلاً كنتِ مستعدة تدخلي اللعبة دي؟"

رفعت عينيها إليه، وكأنها تفكر في الإجابة، لكنها لم تجد ردًا. كانت تعلم أن هناك شيئًا ما تغير، لكنها لم تستطع تحديده بعد.

نهض "سليمان" من مكانه، وسار بضع خطوات في الغرفة قبل أن يلتفت إليها مجددًا:
ــ "رجوعك هنا معناه إن فيه حد قرر إنك لازم ترجعي. وده معناه إن الموضوع لسه مخلصش، بالعكس... لسه بيبدأ."

تنهدت "ليلى"، ومسحت على جبينها، محاولة أن تدفع عن نفسها الإحساس بالخطر الذي تسلل إلى عقلها منذ تلك الليلة.

ــ "أنا جيت هنا علشان أشتغل، مش علشان ألاقي نفسي في وسط دوامة بالشكل ده."

اقترب "سليمان"، وأسند يده إلى الطاولة، ثم قال بصوت منخفض لكنه حاد:
ــ "لو كنتِ فاكرة إنك تقدر تتحكّمي في الأحداث، فأنتِ غلطانة. الناس دي، يا ليلى، مابتدخلش حد حياتها بدون سبب. وإنتِ دخلتي."

شعرت "ليلى" بقشعريرة باردة تسري في جسدها، لكنها رفعت رأسها بإصرار، وقالت بهدوء:
ــ "أنا لسه عندي فرصة أخرج."

نظر إليها "سليمان" للحظة، ثم ابتسم ابتسامة صغيرة، لكنها لم تكن تحمل أي طمأنينة:
ــ "يا ترى؟"

في تلك اللحظة، دق جرس المدرسة، معلنًا بدء يوم جديد، لكنه بالنسبة لـ"ليلى" كان مجرد امتداد لليلة لم تنتهِ بعد.

**********************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

رنت أول حصة، وبدأ اليوم الدراسي، لكن عقل ليلى لم يكن حاضرًا بالكامل في الفصل.

رغم محاولاتها للتركيز مع الطلاب، كانت أفكارها تتقاذفها، تعود بها إلى الليلة الماضية، إلى كل لحظة أمضتها في مواجهة رائد الذهبي.

كان التلاميذ منهمكين في الكتابة عندما ظهر سليمان عند باب الفصل، ألقى عليها نظرة قصيرة، ثم أشار لها بإيماءة هادئة. فهمت فورًا أنه يريدها للحظة.

تقدمت نحوه بحذر، وقبل أن تتكلم، قال بصوت منخفض:
ــ "مش عايز أعطلك عن الحصة، بس كنت عاوز أطمن إنك كويسة."

ترددت لحظة قبل أن ترد بصوت خافت:
ــ "أنا بخير."

راقب ملامحها، كأنه يحاول أن يقرأ بين السطور، ثم قال:
ــ "أنا فاهم إنك مش عايزة تتكلمي، بس خدي بالك، الناس دي... الدخول عندهم مش زي الخروج."

رفعت رأسها ونظرت إليه نظرة طويلة، ثم قالت بثبات:
ــ "أنا خرجت خلاص، وده كل اللي يهمني."

لم يُبدِ سليمان اقتناعًا كاملًا، لكنه أومأ بهدوء، ثم قال قبل أن يستدير مبتعدًا:
ــ "لو احتجتي أي حاجة... أنا موجود."

عادت ليلى إلى الفصل، وقبل أن تدخل، توقفت للحظة، زفرت بعمق، ثم استعادت هدوءها، مستعدة لمتابعة يومها كأن شيئًا لم يكن... أو على الأقل، تحاول أن تفعل ذلك.

****************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
في منزل الذهبي، بزغ نور الصباح بهدوء، يتسلل عبر الستائر الثقيلة ليملأ الأرجاء بإشراق ناعم.

في ذلك الوقت، كانت نيرفانا قد استيقظت بالفعل، مفعمة بالحيوية كعادتها، تركض في أرجاء المنزل بخفة، قبل أن تقرر أخيرًا الذهاب إلى والدها. وجدته جالسًا في البهو يحتسي قهوته ببطء، شارداً في أفكاره.

ركضت نحوه بخفة، ثم تسلقت ركبتيه وجلست عليه بعفوية، تحيطه بذراعيها الصغيرتين.

"صباح الفل يا بابي!"

نظر إليها رائد بابتسامة دافئة، ثم مرر يده على شعرها:

"صباح النور على أحلى بنت في الدنيا... إيه النشاط ده كله من بدري؟"

ابتسمت نيرفانا وقالت بحماس:

"مبسوطة عشان رايحة المدرسة!"

ضحك رائد بخفوت، ثم نظر إليها بعينين تحملان مزيجًا من الأبوة والاهتمام:

"وعشان تشوفي مس ليلى، صح؟"

أومأت برأسها بسعادة:

"أكيد! هي وحشتني!"

راقبها رائد بصمت للحظة، وكأنه يقيس تأثير تلك المرأة على ابنته. ثم قال بنبرة هادئة:

"طيب، بما إنك بتحبيها كده، إيه رأيك لو تخليها تيجي تدرّسك في البيت كمان؟"

اتسعت عينا نيرفانا بحماس:

"بجد؟! هتخليها تيجي البيت؟"

ضحك رائد وقال بمكر خفيف:

"آه، بس عشان أثبتلك إنك هتزهقي منها بسرعة!"

هزّت نيرفانا رأسها بإصرار طفولي:

"لأ، أنا مش ممكن أزهق منها أبداً!"

نظر إليها رائد طويلاً، ثم قال ممازحًا:

"طيب نشوف، بس دلوقتي، يلا كلي إفطارك بسرعة قبل ما يوصلك شامل للمدرسة."

أسرعت نيرفانا إلى الطاولة، تأكل بسعادة، بينما عاد رائد إلى قهوته، لكن ذهنه ظل مشغولًا. لم يكن متأكدًا مما إذا كان قراره نابعًا من رغبته في اختبار صبر ابنته... أم لرغبته هو في رؤية ليلى مرة أخرى.

*******************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كان شامل يقف بجوار السيارة، يُشعل سيجارته الأولى في الصباح بينما ينتظر نيرفانا. كان الهواء الصباحي يحمل نسمات باردة، لكن أفكاره كانت مشغولة بأمور أخرى، لم يكن في مزاج يسمح له بالاستمتاع بالهدوء.

لم يطل انتظاره، فسرعان ما فُتح باب المنزل وخرجت نيرفانا بخطواتها الطفولية الواثقة، تحمل حقيبتها الصغيرة على ظهرها، وعيناها تشعان بالحماس.

"صباح الخير، أونكل شامل!"

ابتسم شامل وأطفأ سيجارته سريعًا، ثم انحنى قليلًا وهو يفتح لها باب السيارة:

"صباح الفل على أحلى نيرفانا. جاهزة للمدرسة؟"

قفزت إلى داخل السيارة بحماس، ثم نظرت إليه بعينين واسعتين وقالت:

"أيوه! عاوزة أوصل بسرعة، مس ليلى مستنياني!"

أطلق شامل ضحكة قصيرة وهو يُغلق الباب خلفها، ثم ركب إلى جوارها وأدار المحرك، بينما قال بنبرة مرحة:

"هو انتي بتروحي المدرسة عشان الدراسة ولا عشان مس ليلى؟"

ضحكت نيرفانا وهي تربط حزام الأمان:

"عشان الاتنين طبعًا!"

هزّ شامل رأسه وهو يضغط على دواسة البنزين، ثم تمتم بخفوت:

"ربنا يستر بس من اللي جاي!"

وانطلقت السيارة نحو المدرسة، تاركة خلفها منزل الذهبي الذي لم يخلُ يومًا من القرارات الثقيلة واللحظات المليئة بالأحداث.

*************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
بينما كان شامل يراقب نيرفانا وهي تركض نحو باب المدرسة، ظهرت أمامه فجأة إحدى المعلمات، تحمل بيدها مجموعة من الأوراق، ويبدو عليها التوتر. كانت تتلفت وكأنها تبحث عن أحد. ما إن وقع نظرها على شامل حتى هرولت إليه قائلة بنبرة متعجلة:

"أستاذ شامل، الحمد لله إنك هنا! المدير بيدور عليك من الصبح، فيه مشكلة في جدول الحصص وعاوزك حالًا."

رفع شامل حاجبيه باستغراب، ثم زفر بضيق قبل أن يرد:

"مشكلة إيه تاني؟ هو الجدول ده مش بيتعدل غير لما الدنيا تولّع؟!"

ضحكت المعلمة رغم توترها وقالت:

"أصل إحنا كنا ناقصين مصايب!"

حك شامل مؤخرة رأسه بإرهاق، ثم لوّح بيده قائلاً:

"خلاص، ما دام المدير مستنيني يبقى مفيش فكاك... يلا نشوف إيه القصة الجديدة."

ثم سار بجوارها باتجاه مبنى الإدارة، وقد تلاشت الضحكة عن وجهه تدريجيًا، وعاد إلى عبء يومه الثقيل.

************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كان شامل يسير في ممرات المدرسة بخطوات شبه مترددة بعد أن أخبرته المعلمة أن المدير يريده. مرّ بجوار بعض الفصول المغلقة، وتناهى إلى سمعه أصوات الطلاب المنخفضة، ثم توقف للحظة أمام باب مكتب المدير. أخذ نفسًا عميقًا، ثم طرق الباب مرتين ودخل.

كان سليمان جالسًا خلف مكتبه، وأمامه بعض الأوراق، بينما ليلى كانت تقف إلى جانبه، تتصفح دفترها بتركيز. رفع المدير رأسه فور دخول شامل، وأشار له بالجلوس دون أن يرفع حاجبيه، وكأنه كان يتوقع تأخره مسبقًا.

"وأخيرًا، يا أستاذ شامل!" قالها سليمان بنبرة هادئة لكنها تحمل في طياتها الكثير.

ابتسم شامل ابتسامة صغيرة وهو يجلس:
"صباح الخير، أستاذ سليمان. آسف لو كنت اتأخرت شوية."

ألقى سليمان قلمه على الطاولة وقال:
"أنا مش هكرر كلامي عن أهمية الانضباط، بس لازم تفهم إنك مش موظف عادي هنا. إنت مش بس بتدرس، إنت كمان مسؤول بشكل غير مباشر عن الطلبة اللي بيتعلقوا بيك. وأولهم نيرفانا."

شعر شامل للحظة أن الحديث خرج عن نطاق العمل، لكنه اكتفى بالرد بجملة مقتضبة:
"فاهم يا أستاذ سليمان."

تدخلت ليلى، محاولة تخفيف التوتر قائلة:
"نيرفانا بتحب أستاذ شامل جدًا، وده مش عيب، بس الأهم نحط حدود بين علاقتنا كمعلمين وبين الطلبة."

لم تعجبه جملة "نحط حدود"، لكنها لم تكن اللحظة المناسبة للرد. أومأ سريعًا وقال:
"أكيد، وأنا عمري ما تخطيت دوري، وكل حاجة في إطارها الصحيح."

أشار له سليمان بأن بإمكانه الانصراف، فنهض شامل وقال بنبرة خفيفة وهو يتجه نحو الباب:
"ما تقلقش يا أستاذ سليمان، كل حاجة تحت السيطرة."

لكن قبل أن يخرج، استوقفته ليلى بصوت خافت:
"أستاذ شامل، في الفسحة... عايزاك في موضوع."

نظر إليها لوهلة، ثم أومأ بصمت وخرج.

في الخارج، لم يتجه شامل مباشرة إلى صفه، بل وقف للحظة يتأمل الممر الطويل أمامه، وكأن هناك شيئًا لم يستطع تفسيره بعد. شيء لم يكن في كلماته مع المدير، ولا في كلمات ليلى... بل في شيء آخر تمامًا، شيء لم يكن تحت السيطرة كما ادعى.

******************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
رن الهاتف باسم "عماد"، أحد معارفه القدامى، الذي لم يتصل به منذ فترة طويلة. رفع شامل الهاتف إلى أذنه وهو يتوقع أن المكالمة لن تكون عابرة. جاءه صوت عماد متوترًا على الطرف الآخر:

ــ "شامل، اسمعني كويس... فيه كلام بيتقال عن إن ليلى مش هتفضل في المدرسة دي كتير!"

تجمدت ملامح شامل، وشدّ قبضته على الهاتف، ثم سأل بحدة مكتومة:

ــ "إنت متأكد من اللي بتقوله؟!"
تعليقات



×