رواية قلب السلطة الفصل الثامن 8 بقلم مروة البطراوي

 

 رواية قلب السلطة الفصل الثامن بقلم مروة البطراوي

كانت ليلى تتابع يومها المعتاد داخل الصف، غير مدركة لما يُحاك خارج جدران الفصل. وقفت أمام الطلاب بابتسامتها الهادئة، تنثر الحماس في أجواء الدرس، بينما عيون الأطفال تتعلق بها بانتباه. كانت نيرفانا تجلس في الصف الأول، تراقبها بإعجاب صامت، وكأنها تحاول التقاط كل كلمة تنطقها معلمتها.

ابتسمت ليلى لها وقالت بنبرة دافئة:
ــ "برافو يا نيرفانا، أنا عارفة إنك شاطرة وهتبقي من الأوائل إن شاء الله."

رفّت عينا نيرفانا بوميض سعادة طفولي، وردّت بحماسة خجولة:
ــ "إن شاء الله، يا مس ليلى!"
بعد انتهاء الحصه استدعاها شامل في مكتبه …

جلس شامل أمام مكتبه في المدرسة، يراقب ليلى وهي تجلس أمامه، بنظرتها الثابتة المعتادة، وكأنها حصن لا يمكن اختراقه. حاول أن يكون لبقًا قدر الإمكان، لكن الحذر في عينيها جعله يدرك أن الأمر لن يكون سهلًا.

ــ "بصي يا آنسة ليلى، أنا عارف إنك مشغولة وربنا يعينك، بس نيرفانا تستاهل حد زيك يكون مدرس خصوصي . البنت محتاجة اللي يهتم بيها ويشرح لها بطريقة تفهمها."

أخذت ليلى نفسًا هادئًا، ثم قالت بابتسامة دافئة ولكن حاسمة:

ــ "يا شامل، والله أنا مقدرة، ونيرفانا بنت شاطرة. بس أنا فعلًا وقتي مليان، ومش هقدر ألتزم بحاجة زيادة. أتمنى تلاقي حد مناسب."

أدرك شامل أنه لن يحصل على موافقتها بسهولة، لكنه لم يرد الإلحاح أكثر، فاكتفى بهزّ رأسه قائلاً:

ــ "ماشي، يا آنسة ليلى. شكرًا على وقتك."

غادرت ليلى، تاركة خلفها إحساسًا غريبًا بعدم الارتياح، بينما ظل شامل جالسًا، يتأمل ما جرى. لكنه لم يكن الوحيد الذي يطارد الأفكار…

********************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

خرج شامل من مكتبه وهو يزفر بضيق، مدركًا أنه لن يحصل على ما يريد. لم يُضيّع وقتًا، فاتجه مباشرة إلى رائد ليخبره بالرفض.

حين وصله الخبر، انعقد حاجباه بضيق، لكنه لم يكن من أولئك الذين يقبلون بالرفض بسهولة. التقط هاتفه على الفور واتصل بليلى، عازمًا على تغيير قرارها بنفسه.

في تلك الأثناء، كانت ليلى مستلقية على الأريكة، تستمتع بلحظات من السكينة بعد يوم طويل. رن الهاتف، نظرت إلى الشاشة، وحين رأت الاسم، زفرت بضيق قبل أن تضغط على زر الحظر دون تردد.

لكن رائد لم يكن ممن يتراجعون بسهولة. لم تمر سوى لحظات حتى عاد الهاتف يرن مجددًا برقم آخر. تجاهلته في البداية، لكن الرنين استمر بإصرار مزعج. زمت شفتيها، حاولت التظاهر بعدم الاكتراث، لكن عندما فاض بها الكيل، التقطت الهاتف وردّت بنبرة حادة:

ــ "إيه الزن ده؟! إنت ناوي تزهقني بجد؟ سيبني في حالي بقى، أنا مش فاضية للمسخرة دي!"

لم تنتظر ردًا، بل أنهت المكالمة دفعة واحدة، وألقت الهاتف بجانبها وهي تزفر بانفعال. لكن في أعماقها، شعرت أن الأمر لم ينتهِ بعد...

*****************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
ألقت ليلى الهاتف بجانبها، تحاول استعادة هدوئها بعد المكالمة العاصفة. لكن بالكاد مرّت ثوانٍ حتى عاد الهاتف يرن مجددًا. رمقته بغيظ، ورفعت يدها لتضغط على زر الرفض مرة أخرى، لكن شيئًا ما جعلها تتوقف. الرقم مختلف هذه المرة.

ترددت للحظة، ثم التقطت الهاتف وردّت بلهجة جافة:

ــ "نعم؟"

جاءها صوت هادئ، لكن يحمل نبرة ساخرة:

ــ "يا ساتر يا رب! أمال اللي مزعلك ده يعمل إيه؟"

انتفضت في مكانها، وهي تحدّق في الرقم غير المسجل، ثم أعادت الهاتف إلى أذنها وسألت بتوجس:

ــ "مين معايا؟"

سمعت ضحكة خافتة، ثم جاءها صوته من جديد:

ــ "أكيد مش اللي كنتِ هتبلغي عنه بكرة. إلا صحيح، مين الرزل السمج اللي خلاكِ تخرجي عن شعورك بالشكل ده؟"

شعرت بتوتر غريب يسري في أوصالها. ازدردت ريقها قبل أن تكرر السؤال بصوت أكثر حذرًا:

ــ "مين معايا؟"

وهذه المرة، جاءها الرد واضحًا وقاطعًا:

ــ "رائد الذهبي يا آنسة ليلى."

اتسعت عيناها بصدمة، بينما تسارعت أنفاسها رغم محاولاتها التماسك. عدّلت جلستها وردّت بصوت منخفض متحفظ:

ــ "أهلاً يا أستاذ رائد. خير؟"

ابتسم رائد، وكأن ابتسامته تسللت عبر الهاتف وهو يرد بنبرة هادئة:

ــ "الخير كله عندك. بس كنت حابب أتكلم معاك شوية، بس شكلك مش في مود الكلام."

زمت شفتيها وردّت بحزم:

ــ "فعلاً. الوقت متأخر ومافيش داعي للاتصال."

لكنه، وبكل ثقة، أجاب:

ــ "ماشي، يا آنسة ليلى. بس لسه ما خلصتش كلامي معاكِ."

ثم أنهى المكالمة قبل أن تمنحه فرصة للرد، تاركًا إياها تتأمل الهاتف بين يديها، وهي غارقة في دوامة من التفكير والتوجس...

***************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

البدايات تبدو هادئة كنسيم الفجر، لكنها في جوهرها زلازل خفية، تزرع في القلب هواجس وأسئلة لا إجابة لها.

بعد أن أنهى رائد المكالمة فجأة، بقيت ليلى تحدّق في الهاتف بملامح متوترة. زفرت بقوة، وكأنها تحاول إخراج كل الضيق الذي تسلل إليها مع صوته. ألقت الهاتف بجانبها، وأسندت رأسها إلى مسند الأريكة، تغمض عينيها للحظات، ثم تمتمت بضيق:

ــ "إيه اللي عايزه الراجل ده مني؟ مش المفروض إنه يسيبني في حالي؟"

مررت أصابعها في شعرها بتوتر، وأخذت نفسًا عميقًا، تحاول تهدئة أفكارها التي بدأت تتصارع داخلها. ثم عادت تخاطب نفسها بصوت خافت:

ــ "طب هو أنا كنت غلطانة لما كنت حادة معاه؟ يمكن كان لازم أتكلم بهدوء أكتر… بس إزاي؟ إزاي أكون هادية مع حد بالشكل ده؟ لا، اللي عملته كان لازم. لازم يعرف إن ليَّ حدود."

نهضت بتوتر، وسارت نحو النافذة. أزاحت الستارة قليلًا ونظرت إلى الشارع المظلم، حيث الأضواء الخافتة والمباني الصامتة بدت وكأنها تراقبها في صمت ثقيل.

ــ "كل حاجة برة هادية… لكن جوايا؟ الدنيا مقلوبة. المكالمة دي أكيد مش هتكون الأخيرة، أنا عارفة نوعه، النوع اللي ما بيعرفش يقول كفاية."

عادت لتجلس أمام مكتبها، تحدّق في كومة الأوراق التي تنتظرها منذ الصباح. مدّت يدها إلى القلم، لكن يدها توقفت في الهواء، وكأن شيئًا ما بداخلها يمنعها من المضي قدمًا… وكأن رائد، رغم انتهاء المكالمة، لا يزال حاضرًا في أفكارها.

********
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

ــ "طب أنا المفروض أركز إزاي دلوقتي؟ أكتب دروس إزاي وأنا عقلي مش فيهم؟"

دفعت ليلى نفسها للخلف، وأسندت رأسها إلى ظهر الكرسي، بينما تشابكت يداها أمامها. همست لنفسها بصوت ضعيف:

ــ "ليلى… فوقي بقى! انتي أقوى من كده. ما تخليش حد زي ده يهزك. عيشي حياتك زي ما انتي عايزة، لا يهمك مين هو ولا إيه بيخطط له."

أخذت نفسًا عميقًا وهي تمسك بالقلم من جديد، تحاول أن تكتب شيئًا على الورق أمامها، لكن عقلها ظل مشغولًا، وكأن شيئًا غامضًا يثقل عليها. شعور بأن المكالمة لم تكن مجرد إزعاج عابر، بل بداية شيء أكبر… شيء لا تستطيع التحكم فيه.

في وقت لاحق، داخل سيارة شامل…

ساد الصمت في السيارة، بينما كان يقودها بهدوء، غارقًا في تفكير عميق. لم يكن الأمر يتعلق فقط برفض ليلى، بل بكل ما جرى اليوم… بالمكالمة التي تلقاها، وبنظرات نيرفانا التي لم تفارقه.

ألقى نظرة سريعة على نيرفانا، التي جلست بجانبه، شاردة الذهن. حاول أن يقرأ تعابيرها، ثم قال بنبرة خفيفة، محاولًا كسر الصمت:

ــ "إيه يا نيرفانا؟ شكلك كده ليه؟ فين حماستك؟"

نظرت إليه بعينيها اللامعتين، تحمل في داخلهما شيئًا لم تفصح عنه. ابتسمت، لكنها كانت ابتسامة محايدة، وقالت بصوت هادئ يكاد لا يُسمع:

ــ "مافيش حاجة يا أونكل شامل."

راقب شامل ملامحها بحذر، ثم قال بلطف وهو يحاول أن يبعث الطمأنينة في صوتها:

ــ "لو في حاجة مضايقاكي، قوليلي، أنا هنا عشانك."

لكن نيرفانا لم تجب، بل أشاحت بوجهها نحو النافذة، وكأنها تحاول الهروب من الحديث، تاركة شامل يتساءل عمّا يدور في رأسها… وعن السبب الحقيقي لهذا التوتر.

**********************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

داخل السيارة، كان شامل يقود في صمت، بينما جلست نيرفانا بجواره، تحدق عبر النافذة بشرود. لم يكن هذا الصمت طبيعيًا، ولم يكن يشبه الأجواء المعتادة بينهما.

بعد دقائق من التردد، زفر شامل ببطء وقال بنبرة هادئة لكنها تحمل شيئًا من الحذر:

ــ "حاولت أكلم مس ليلى النهارده… طلبت منها تكون معلمتك الخصوصية."

التفتت نيرفانا إليه بلمحة دهشة سرعان ما أخفتها، ثم سألت بهدوء مصطنع:

ــ "وهي قالت إيه؟"

شامل نظر إليها للحظة قبل أن يعيد عينيه إلى الطريق، ثم قال بلا مواربة:

ــ "رفضت."

لم تُظهر نيرفانا أي رد فعل فوري، لكن أصابعها تشبثت بحقيبتها قليلاً، ثم سألت بصوت هادئ لكنه كان يحمل خلفه فضولًا لا يمكن إخفاؤه:

ــ "ليه؟"

هزّ شامل كتفيه بخفة، مجيبًا بنبرة محايدة:

ــ "قالت إنها مشغولة، وإن وقتها مشغول بمسؤوليات تانية، ومش هتقدر تضيف حاجة جديدة."

ساد الصمت مجددًا، لكن هذه المرة كان أكثر ثقلًا. حدقت نيرفانا في النافذة، وكأنها تستوعب الأمر ببطء، ثم تنهدت قائلة:

ــ "طب أنا هقول لبابي، وأكيد هو هيعرف يقنع مس ليلى."

ابتسم شامل ابتسامة باهتة، وقال بنبرة خالية من الاهتمام الحقيقي:

ــ "ممكن… بس هي كانت واضحة جدًا في كلامها."

لم تعلق نيرفانا، بل اكتفت بإيماءة صغيرة قبل أن تقول:

ــ "شكراً، أوك. أنا هانزل دلوقتي."

أوقف شامل السيارة أمام بوابة المنزل، لكنه قبل أن تتجه نيرفانا لفتح الباب، قال بنبرة أهدأ قليلًا:

ــ "نيرفانا…"

التفتت إليه ببطء، فتابع بنبرة لم تخلو من الاهتمام الصادق:

ــ "إنتي كويسة؟"

حافظت نيرفانا على تعبيرها المحايد، ثم أجابت ببساطة:

ــ "أنا تمام، ليه السؤال ده؟"

ابتسم شامل بخفة، لكنه لم يجب مباشرة، بل قال بصوت يحمل لمحة من الجدية:

ــ "ما أعرفش، بس حاسس إنك مش على طبيعتك."

لم تجبه نيرفانا، بل اكتفت برفع حاجبيها وكأنها تفكر في رد مناسب، قبل أن تحسم الأمر بقولها:

ــ "أنا تمام يا أونكل شامل، متشكر على سؤالك."

هزّ رأسه موافقًا، وقال وهو يشير لها أن تنزل:

ــ "تمام، خلي بالك من نفسك."

أومأت نيرفانا برأسها، ثم فتحت الباب ونزلت بخطوات ثابتة، لكن ذهنها ظل معلقًا بتلك المكالمة التي أجراها شامل… وبرفض ليلى الذي لم تستطع أن تفهم سببه الحقيقي بعد.

انطلق شامل بسيارته، لكنه لم يكن في طريقه إلى شقة سرية أو إلى لقاء خفي… بل كان ذهنه يطارد فكرة أخرى تمامًا. لم يكن مقتنعًا أن ليلى رفضت لمجرد أنها مشغولة، وكان يدرك جيدًا أن الأمر يحمل أبعادًا أخرى، أبعادًا ربما لم تدركها حتى نيرفانا نفسها بعد.

———
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

في صباحٍ مشرق، وقفت نيرفانا بجوار سيارة والدها، تتأمل المدرسة بنظرات مترددة، بينما كان رائد يقفل باب السيارة قبل أن يلتفت إليها قائلاً بنبرة عملية:
ــ "يلا يا نيرفانا، مش عايزين نتأخر."

لكن نيرفانا لم تتحرك فورًا، كانت تفكر في كلمات شامل الليلة الماضية، وكيف أخبرها برفض ليلى أن تكون معلمتها الخصوصية. ترددت للحظة قبل أن تقول بصوت خافت:
ــ "بابي، ممكن أطلب منك حاجة؟"

نظر إليها رائد باهتمام، وأشار لها أن تستمر. زفرت نيرفانا بضيق وقالت:
ــ "كنت عايزة مس ليلى تكون بتشرح لي في البيت، بس هي رفضت. ممكن تكلمها إنت؟ أكيد هتسمع كلامك."

ارتفع حاجب رائد قليلًا، وكأنه يستوعب الفكرة، ثم سألت عيناه بفضول:
ــ "هي رفضت ليه؟"

هزت نيرفانا كتفيها قائلة ببراءة:
ــ "مشغولة، أو يمكن مش عايزة تدرس لحد برا المدرسة. مش عارفة."

صمت رائد للحظة، لكنه لم يُظهر انزعاجًا. على العكس، ظهر على وجهه تعبير مدروس، كأنه يعيد حساباته بشأن الأمر. ثم قال بنبرة هادئة لكن حازمة:
ــ "ما تقلقيش. أنا هتصرف."

ابتسمت نيرفانا، وشعرت براحة طفيفة، قبل أن تسير معه نحو بوابة المدرسة، غير مدركة أن كلماتها تلك كانت كافية لتشعل في ذهن والدها فكرة جديدة تمامًا.

---

قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

داخل المدرسة، تحديدًا في غرفة المعلمين.
كانت ليلى تجلس إلى مكتبها الصغير، تدون بعض الملاحظات في كشكولها، حين طُرق الباب. رفعت رأسها، لتجد المدير يُطل عليها بابتسامة رسمية:

ــ "مس ليلى، ممكن لحظة؟ في حد عايز يقابلك."

قطبت حاجبيها قليلًا قبل أن تنهض متسائلة:
ــ "مين؟"

لكن المدير لم يُجب مباشرة، فقط أفسح الطريق لرائد الذهبي الذي دخل بخطوات هادئة وواثقة، واضعًا يديه في جيبي سترته. اتسعت عينا ليلى للحظة، لكنها سرعان ما استعادت هدوءها، فردّت بتحفظ:
ــ "خير، رائد بيه؟"

ابتسم رائد، ونظر إلى المدير قائلاً بنبرة تحمل أمرًا خفيًا:
ــ "ممكن تسيبنا دقيقتين، لو سمحت؟"

تردد المدير قليلًا، لكنه انسحب في النهاية، تاركًا ليلى ورائد بمفردهما في الغرفة.

رفعت ليلى رأسها، ناظرة إليه نظرة تحمل في طياتها نفورًا خفيفًا، ثم قالت:
ــ "أنا مشغولة، ياريت توضح لي سبب وجودك بسرعة."

أشار رائد بيده إلى أحد الكراسي قائلاً بنبرة هادئة:
ــ "مش هنطوّل، بس كنت حابب أفهم منك حاجة."

لم تجلس ليلى، بل ظلت واقفة واضعة ذراعيها أمام صدرها في وضع دفاعي. أدرك رائد أنها لن تُسهل الأمر، فابتسم وقال مباشرة:
ــ "سمعت إنك رفضت تدرّسي لنيرفانا في البيت."

رفعت ليلى حاجبها ببطء، قبل أن ترد بثبات:
ــ "صحيح. عندي التزامات كتير، ومش متاحة للدروس الخصوصية."

صمت رائد للحظة، كأنه يزن كلماتها، ثم قال بنبرة منخفضة لكنها ذات ثقل:
ــ "ولا علشان الطلب جاي من بنتي؟"

نظرت إليه ليلى بحدة، وشعرت وكأنه يحاول استدراجها إلى فخ غير مرئي، فقالت بحزم:
ــ "السبب واضح، ومافيهوش حاجة شخصية."

مال رائد برأسه قليلًا، كأنه يختبر رد فعلها، ثم قال بنبرة تحمل مزيجًا من الإصرار واللعب على الأعصاب:
ــ "طب، ولو كان فيه عرض مغري يخليك تفكري تاني؟"

تصلبت ملامح ليلى على الفور، وقالت بحزم قاطع:
ــ "أنا مش بشتغل بالفلوس، ولا قراري بيتغير بالعروض."

ضحك رائد بصوت خافت، ثم قال وكأنه يخاطب نفسه:
ــ "واضح إنك عنيدة أكتر مما كنت متخيل."

نظرت إليه ليلى ببرود، وقالت بنبرة جافة:
ــ "خلصت كلامك يا رائد بيه؟"

نهض رائد من مكانه ببطء، ثم قال بنبرة غامضة قبل أن يغادر:
ــ "تمام، مش هضغط عليكِ أكتر. بس خدي بالك، يا مس ليلى... أحيانًا، الفرص اللي بترفضيها، بترجع لكِ تاني بطريقة مختلفة."

راقبته ليلى وهو يخرج من الغرفة، وعقلها يُعيد كلماته الأخيرة، محاولة أن تتجاهل الإحساس الذي تركه في الجو بعد مغادرته.

---

قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

غرفة المدرسات

دخلت ليلى الغرفة بخطوات متوترة، خلعت وشاحها بسرعة وألقت حقيبتها على الطاولة بنفَس ضيق. كانت عائشة، زميلتها، جالسة على أحد المقاعد، منشغلة بترتيب بعض الأوراق، لكنها رفعت رأسها فور أن لاحظت توتر ليلى.

عائشة، وهي تعقد حاجبيها بقلق: "مالك يا ليلى؟ شكلك مش مرتاحة."

ليلى، وهي تحاول السيطرة على تعابيرها: "لا، مافيش... شوية صداع بس."

عائشة، وهي تضع الأوراق جانبًا وتنظر إليها بريبة: "صداع؟ شكلك مش طبيعي خالص! إنتِ متوترة، في حاجة حصلت؟"

ترددت ليلى للحظة، وكأن عقلها يعيد ترتيب الكلمات قبل أن تخرج، لكنها في النهاية فضّلت أن تحتفظ بما جرى لنفسها.

ليلى، بابتسامة باهتة: "بجد مافيش حاجة، بس ضغط الشغل النهارده كان زيادة شوية."

عائشة، وهي تميل نحوها بجدية: "إنتِ متأكدة؟ مش عوايدك تكوني شاردة كده!"

أخذت ليلى نفسًا عميقًا، ثم ردت بنبرة حاولت أن تجعلها عادية:
"كل شيء تمام، متقلقيش."

لكن داخلها كان يعج بالفوضى. كلمات رائد لا تزال تتردد في ذهنها، ونظرته الواثقة لم تفارق مخيلتها. كانت تعلم أن هذا اليوم لم يكن كأي يوم آخر، وأنها، بطريقة ما، قد أصبحت في دائرة لم تكن تريد أن تدخلها.

****************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
---

:في الصباح الباكر، وسط صمت الشقة الخانق، جلست يقين على طرف الأريكة، تتأمل الفراغ أمامها بعينين شاردتين. كانت تشعر أن شيئًا ما يتحرك في حياتها خارج نطاق سيطرتها، كأنها خيط رفيع في يد مجهولة.

لم يكن الأمر مجرد قلق عابر، بل كان ثِقَلًا يجثم على صدرها منذ رأت رائد يغادر مع نيرفانا. لم يكن خوفًا صريحًا، لكنه كان شعورًا غامضًا بأن شيئًا ما يتغير، وأن هذا التغيير قد لا يكون لصالحها.

أمسكت هاتفها بتردد، تفكر في الاتصال بشامل. لم تكن تحب فكرة الاعتماد على أحد، لكنها في تلك اللحظة، كانت بحاجة إلى صوت مألوف يُطمئنها أن الأمور لم تنحرف عن مسارها تمامًا.

ضغطت زر الاتصال، وانتظرت. جاءها صوته بعد ثوانٍ، هادئًا لكنه يحمل بقايا إرهاق لم تخطئه أبدًا.

"صباح الخير، يقين. مالك؟"

قالت بسرعة، وكأنها تخشى أن تفقد شجاعتها:
"ممكن تيجي الشقه بتاعتي ؟"

صمت شامل للحظة، وكأنما كان يزن طلبها، ثم رد بلطف:
"خلاص، هدبر وقتي وأجي."

---

لم يطل انتظارها. بعد دقائق، سمعت صوت طرقات خفيفة على الباب، فتحت بسرعة، فوجدت شامل واقفًا أمامها بملامح هادئة، لكن عينيه كانتا تدرسان وجهها.

دخل وأغلق الباب خلفه، بينما بقيت هي واقفة للحظات، كأنها تحاول استجماع أفكارها. تقدم نحوها بخطوات ثابتة، ثم سأل بصوت منخفض:

"إيه اللي حصل؟"

جلست على الأريكة، وأسندت رأسها إلى يدها، قائلة بصوت متعب:
"حاسّة إن كل حاجة بتخرج من إيدي. وكأن الدنيا بتدور حواليا وأنا مش قادرة أوقفها."

جلس شامل أمامها، متأملًا وجهها لبعض الوقت قبل أن يقول بهدوء:
"إنتِ مش لوحدِك، يا يقين."

رفعت عينيها لتلتقي بعينيه، محاولة أن تستشف منه إجابة على أسئلتها المبعثرة. لكنها لم تقل شيئًا. فقط، سمحت لذلك الشعور الغريب بالاستقرار في قلبها... أن هناك من لا يزال بجانبها، حتى لو لم تكن متأكدة إن كان وجوده سيغير شيئًا.

قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
رفعت عينيها إليه، تبحث في ملامحه عن شيء تطمئن له، ثم تنهدت قائلة:
"أنا مش خايفة من الطريق، خايفة من اللي ممكن نلاقيه في آخره."

ابتسم شامل ابتسامة خفيفة وقال بنبرة واثقة:
"مهما كان اللي مستنينا هناك، إحنا مش هنكون لوحدنا."

صمتت يقين للحظة، كأنها تزن كلماته، ثم نهضت بتثاقل وهي تقول:
"تعالَ، هعمل لك قهوتك. لسه بتحبها سادة، صح؟"

ضحك شامل وهو يلحق بها نحو المطبخ:
"طبعًا، ولو عملتيها بزيادة سكر، هعتبرها إعلان حرب."

ضحكت يقين بخفة، لأول مرة منذ الصباح، وشعرت بشيء من الراحة. ربما لم تتغير الأوضاع كثيرًا، لكن مجرد وجوده بجانبها كان كافيًا ليجعلها تشعر أن الطريق، مهما كان مظلمًا، يمكن قطعه حين يكون هناك من يسير بجانبك.
******
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜

رائد لم يكن الرجل الذي يقبل بالرفض بسهولة، خاصة حين يتعلّق الأمر بشيء يريده. ومنذ آخر مواجهة بينه وبين ليلى، وهو يدرك أنها تحاول تجنبه بأي وسيلة. لكن هذا زاد من إصراره على وضع الأمور في نصابها، بطريقته الخاصة.

قرر استخدام نفوذه. لم يكن يريد أن يراها في المدرسة حيث يمكن أن تتملص بسهولة، ولم يكن من النوع الذي ينتظر المصادفات. لذا، استغل سلطته ونفوذه، وأرسل طلب استدعاء رسمي من إدارة المدرسة يطلب حضورها إلى مكتبه، بحجة "مناقشة أمر يخص مستقبلها المهني".:

عندما تلقت ليلى الإشعار، شعرت بالريبة. لم يكن لديها أي مشاكل مهنية تستدعي لقاءً رسميًا مع ولي أمر، لكنها لم تجد مبررًا لرفض الطلب. وصلت إلى العنوان المحدد، حيث وجدت نفسها داخل أحد مقرات شركات رائد الذهبي، وليس في أي مكان محايد كما توقعت.

عند دخولها، استقبلتها سكرتيرته بابتسامة رسمية وقالت:
"رائد بيه مستني حضرتك جوه."

ارتبكت ليلى، لكنها تماسكت ودخلت المكتب بثبات. وما إن أغلقت الباب خلفها، حتى وجدت رائد جالسًا في هدوء، ينظر إليها بنظرة عميقة لم تستطع فك شفرتها.
رائد مبتسمًا، وهو يراقبها تدخل بخطوات متحفظة:
"صباح الخير يا آنسة ليلى، أهلاً بيكِ."

ليلى بنبرة هادئة، مع ابتسامة خفيفة، لكنها لم تخفِ حذرها:
"صباح النور يا رائد بيه، إزاي حضرتك؟"

أشار رائد إلى الكرسي المقابل وهو يعدل جلسته:
"الحمد لله، كل شيء تمام. اتفضلي اقعدي."

عندما جلست ليلى أمامه، كانت تشعر بالضيق والانزعاج. منذ أن دخلت هذا المكان، وهي تحاول أن تفهم لماذا اختار استدعاءها هنا وليس في المدرسة، ولماذا هذا الأسلوب الرسمي المفاجئ؟

للحظات، لم يقل شيئًا، فقط نظر إليها نظرة ثابتة جعلت الصمت بينهما يثقل الأجواء. فقطعته بصوت جاد:
"حضرتك باعتلي علشان نيرفانا، صح؟ خير؟"

ارتسمت ابتسامة جانبية على شفتي رائد، وكأنه توقع ردها تمامًا، ثم قال بهدوء، محاولًا تلطيف الأجواء:
"بصراحة... الموضوع مش عن نيرفانا. هي بنتي وأنا عارف مصلحتها كويس."

انعقد حاجبا ليلى في استغراب، وردت بتركيز:
"طيب، مش فاهمة... إيه سبب اللقاء إذن؟"

عدل رائد وضع جلوسه قليلًا، مستندًا بمرفقه على المكتب، وعيناه معلقتان بها بثقة:
أتمنى تفكري في السبب بعقل مفتوح."
عايزك تفكري في مستقبلك، وفي اللي ممكن يكون أفضل ليكِ."

عقدت ليلى حاجبيها في حيرة، ثم قالت:
"حضرتك تقصد إيه؟ أنا مرتاحة في شغلي ومليش رغبة في تغييره."
"أنا مش راجل بحب المقدمات الطويلة، وعشان كده هقولها على طول... أنا عايزك تكوني جزء من حياة نيرفانا بشكل أكبر."
علشان كده هقولها مباشرة: أنا عايز أتجوزك، يا ليلى."

اتسعت عينا ليلى في صدمة لم تستطع إخفاءها، وكأن الكلمات ضربتها في الصميم. للحظة، شعرت أن عقلها قد توقف عن العمل، قبل أن تتلعثم قائلة بصوت مبحوح:
"إنت... عايز تتجوزني أنا؟!"

هز رائد رأسه بتأكيد، وعيناه لا تزالان مسمرة عليها بثبات:
"أيوة، وبكل وضوح."

بدأ قلبها يخفق بسرعة، ويديها تشددان قبضتهما على حقيبتها الصغيرة، وكأنها تحاول التمسك بأي شيء يمنعها من الانجراف في دوامة أفكارها. حاولت أن ترد، أن تجد إجابة تخرق حاجز الذهول الذي حاصرها، 

ساد الصمت للحظات، لكنه لم يكن صمتًا عاديًا، بل كان أشبه بعاصفة مشاعر مكبوتة تبحث عن مخرج. ليلى، التي كانت تتجنب أي احتكاك معه خارج نطاق عملها، وجدت نفسها الآن في قلب موقف لم تحسب له حسابًا.

تنفست بعمق، وحاولت أن تستعيد رباطة جأشها وهي تقول ببطء:
"رائد بيه، أنا مش فاهمة... إنت عارف إن حياتنا مختلفة تمامًا. وإحنا أصلًا..."

قاطعها رائد بهدوء لكنه كان يحمل شيئًا من الحزم:
"وإيه المشكلة؟ الاختلاف مش عائق، بالعكس... هو اللي خلاني أشوفك بطريقة مختلفة."

ثم مال إلى الخلف في كرسيه، ورفع إحدى حاجبيه وهو يضيف بنبرة واثقة:
"أنا راجل واضح، وما بحبش ألف وأدور. لو فكرتي بعقل، هتعرفي إن ده القرار الصح ليكِ وليا."

ظلت ليلى تنظر إليه بذهول، غير قادرة على تصديق أنه يتحدث بهذه الطريقة الجادة عن شيء لم يخطر لها على بال. لكن في داخلها، كانت تدرك جيدًا أن هذا ليس مجرد عرض... بل هو قرار اتخذه رائد الذهبي، والرجل الذي يأخذ قرارًا، نادرًا ما يتراجع عنه.

في اللحظة التي همّت فيها ليلى بالرد، دق هاتف رائد، فقطع الصمت المشحون بينهما. ألقى نظرة خاطفة على الشاشة، ثم ابتسم بخبث وهو يردّ: "كويس إنكِ لسه ما قلتيش لا... لأن عندي حاجة تانية ممكن تغيّر رأيك."

ثم أشار بيده نحو الباب، ليُفتح فجأة... وتظهر أمامه مفاجأة لم تتوقعها ليلى أبدًا.
المفاجأة التي غيّرت كل شيء
فتحه أحد حراسه بهدوء... لتدخل نيرفانا، ابنته، إلى المكتب. كانت عيناها تبحثان عن ليلى مباشرة، ووجهها يعكس مزيجًا من الترقب والفضول.

وقف رائد من مكانه، واتجه ناحية ابنته قائلاً بصوت يحمل دفئًا غير معتاد:
"كنت مستني اللحظة المناسبة علشان أقولك... بس بما إننا في النقاش ده، حبيت إنك تسمعي حاجة بنفسك."

نظرت ليلى إلى نيرفانا التي تقدمت بخطوات ثابتة، ثم قالت بصوت هادئ لكنه جاد:
"مس ليلى، أنا سمعت إنكِ رفضتي تبقي مدرسة خصوصي ليا... بس بابي بيقول إنك ممكن تبقي حاجة أهم من كده."

اتسعت عينا ليلى بذهول، وقلبها بدأ ينبض بعنف، وكأنها استوعبت الآن فقط أن هذا ليس مجرد عرض زواج عادي، بل خطة محكمة رسمها رائد بعناية، ليجعلها أمام خيارين لا ثالث لهما: القبول أو... الانسحاب إلى الأبد.

نظر رائد إليها بابتسامة جانبية، ثم قال بصوت هادئ لكنه محمّل بالثقل:
"كنتِ دايمًا بتقولي إن علاقتك بنيرفانا هي السبب في رفضك أي حاجة تانية... دلوقتي، بقولك إنها السبب في إني مش مستعد أقبل رفضك."

لم تجد ليلى ما تقوله، كانت المفاجأة أكبر من أن تستوعبها في لحظتها. هل كان هذا اختبارًا لها؟ أم أن رائد بالفعل قد جعل الأمر واقعًا لا يمكنها تغييره؟

صمت ثقيل، وملامح متجمدة على وجه ليلى، بينما رائد يراقبها بعينين لا تعترفان بالرفض.

تعليقات



×