رواية قلب السلطة الفصل التاسع 9 بقلم مروة البطراوي

 

 رواية قلب السلطة الفصل التاسع بقلم مروة البطراوي

 
ابتسم "رائد" ابتسامة جانبية وهو يراقب تعابير الصدمة على وجه ليلى، بينما نيرفانا تجلس بجواره بترقب واضح:
"شكلك مصدومة، ليلى. مكنتيش متوقعة، صح؟"

حاولت ليلى الحفاظ على هدوئها، لكنها لم تستطع إخفاء ارتباكها وهي تقول:
"مش مستوعبة... حضرتك بتتكلم في جواز! حاجة المفروض يبقى وراها مشاعر وتفاهم، مش مجرد قرار منطقي!"

نظرت نيرفانا إليها بعينين واسعتين، وقالت بصوت خافت لكنه واثق:
"مس ليلى، أنا بحبك جدًا... وبابا قال إن ده هيكون الأفضل لينا كلنا."

شعرت ليلى بأن رائد يستخدم ابنته كورقة ضغط، لكن رغم ذلك ابتسمت لنيرفانا بمحبة وردّت برفق:
"نيرفانا، حبيبتي، الجواز مش قرار سهل، ولازم الواحد يكون مقتنع بيه تمامًا."

تدخل رائد بنبرة هادئة لكن حاسمة:
"وأنا متأكد إنك لو فكرتي بعقل، هتعرفي إنه القرار الصح."

رفعت ليلى حاجبيها باستنكار، ثم قالت بنبرة أكثر صلابة:
"حضرتك مش بتطلب رأيي، إنت بتفرض واقع!"

كان في نبرتها رفض واضح، وهو ما لم يفت على رائد، فالتفت إلى ابنته قائلاً بصوت رقيق لكنه يحمل أمرًا مبطنًا:
"حبيبتي، روحي استنيني برا لحد ما أخلص كلامي مع مس ليلى."

نظرت نيرفانا إليه باستغراب، ثم إلى ليلى، قبل أن تنهض ببطء وتقول:
"بس..."

قاطعها رائد بابتسامة مطمئنة:
"متقلقيش، مش هطوّل."

ترددت نيرفانا للحظة، ثم غادرت، لتُغلق الحارسة الباب خلفها. بمجرد أن أصبحت الغرفة خالية، تحولت الابتسامة على وجه رائد إلى شيء آخر... أكثر جدية، وأكثر إصرارًا.

"دلوقتي بقى، نقدر نتكلم بجد."

شعرت ليلى بقشعريرة باردة تسري في جسدها، لكنها تماسكت وهي ترد بحزم:
"أنا مش محتاجة وقت للتفكير، وإجابتي هي نفس الإجابة اللي كنت هقولها قدام بنتك... أنا مش موافقة!"

اتكأ رائد إلى الخلف، أشعل سيجاره بهدوء، ثم قال بصوت منخفض لكنه محمّل بالثقل:
"هتشوفي."

وقفت ليلى محاولة إنهاء الحديث، لكن نظرته كانت تخبرها أنه لا يقبل الرفض بسهولة. ورغم ذلك، لم تتراجع وهي تقول بثبات:
"لو كنت متعود إن كل حاجة تمشي زي ما انت عايز، فأحب أقولك إنك أول مرة تقابل حد مش هيمشي حسب خطتك."

ظل رائد ينظر إليها بصمت، وكأنه يزن كلماتها، ثم تمتم مبتسمًا:
"وابتدا المشوار."

---

قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

ليل المدينة كان مختلفًا...

لم يكن هادئًا كليل القرى، لكنه لم يكن صاخبًا أيضًا. الأضواء المتراقصة فوق اللافتات، وأصوات السيارات المتقطعة، كلها صنعت إيقاعًا خاصًا. ومع ذلك، في غرفة صغيرة بأحد الأحياء، كان الصمت هو السيد.

جلست "ليلى" وحيدةً، في الظلام إلا من نور خافت يتراقص على مكتبها الخشبي. عيناها كانتا شاخصتين نحو الفراغ، فيما كانت الأفكار تتزاحم في رأسها بلا هوادة، كأنها دوامة لا تهدأ.

ليلى (بهمس لنفسها، بحيرة وارتباك):
"ليه كل حاجة قلبت فجأة؟ أنا كنت عايشة حياتي عادي، ولا ليّ دعوة بحد. مكنتش بفكر في حاجة غير شغلي ومستقبلي. لحد ما ظهر... رائد."

وضعت رأسها بين يديها، تحاول إيقاف زحف الأفكار، لكنها لم تستطع. نهضت ببطء واتجهت إلى النافذة. فتحتها قليلًا، فاستقبلها هواء الليل البارد، وجعل خصلات شعرها تتمايل بخفة. حدقت في الأضواء المتناثرة أسفلها، لكن عقلها لم يكن معها.

ليلى (تتابع حديثها مع نفسها، بصوت متوتر):
"كل مرة بحاول أفهمه، ألاقي نفسي متلخبطة أكتر. هو عايز مني إيه؟ اهتمام؟ سيطرة؟ ولا حاجة تانية أنا مش مستوعباها؟!

توقفت قليلًا، تنظر إلى السماء الملبدة بالغيوم، ثم أردفت بصوت خافت:
"ليه نظراته دايمًا بتحاصرني؟ ليه كأنه دايمًا عارف أنا بفكر في إيه قبل ما أقوله؟"

أغلقت النافذة فجأة، كأنها تخاف أن يطاردها ظله حتى هنا. عادت إلى سريرها وجلست على طرفه، تحتضن نفسها بذراعيها، كأنها تبحث عن دفء مفقود وسط برودة مشاعرها المتضاربة.

---

وفي الجهة الأخرى من المدينة...

كان الليل أكثر سكونًا. في حي أكثر رفاهية، وفي شقة فسيحة تعلو المباني الأخرى، وقف "رائد الذهبي" أمام نافذته الواسعة، يراقب الأفق. الأضواء المنبعثة من المدينة انعكست على زجاج النافذة، بينما كان يدخن سيجارته ببطء، عيناه نصف مغمضتين، وكأنه يزن أفكاره.

أمامه كوب قهوة بارد لم يمسّه، لكن السيجارة كانت تحترق بين أصابعه ببطء، كما لو كانت تعكس صبره اللامتناهي.

رائد (بهدوء عميق، كمن يحدث شخصًا غير مرئي):
"ليلى... البنت دي مختلفة. مش زي أي واحدة قابلتها قبل كده. فيها حاجة غريبة... يمكن خوفها؟ يمكن تحديها؟ أو يمكن... لأنها الوحيدة اللي مش مستوعبة أنا عايز إيه."

سحب نفسًا عميقًا من سيجارته، ثم أطلق الدخان ببطء، وعيناه لا تزالان مسلطتين نحو البعيد.

رائد (بصوت منخفض، لكنه محمل بيقين ثابت):
"هي بتحاول تفهم، بتحاول تهرب... بس أنا مش هديها الفرصة. عارف إنها بتفكر فيا دلوقتي... زي ما أنا بفكر فيها."

ابتسم ابتسامة جانبية وهو يرمي بسيجارته في المنفضة، ثم أدار ظهره للنافذة وسار بخطوات هادئة نحو مكتبه، كأنه قرر شيئًا.

"الموضوع ما بدأش لسه... ولسه اللي جاي أهم."

ثم التقط هاتفه، وضغط رقمًا سريعًا...

**************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كانت المدينة تتلألأ بأضوائها، صاخبة بحركتها المستمرة، لكن داخل شقة رائد، كان الصمت سيد الموقف. وقف عند النافذة، يراقب الأضواء المتناثرة كأنها خرائط مرسومة لمصائر البشر، بينهم شخص واحد فقط كان يشغل تفكيره.

مد يده إلى جيب سترته، وأخرج هاتفه، ضغط رقمًا سريعًا ووضعه على أذنه. لم ينتظر طويلًا حتى جاءه الرد.

رائد (بصوت هادئ، لكنه يحمل نبرة لا تقبل النقاش):
"كل حاجة تحت السيطرة؟"

جاءه الصوت من الطرف الآخر، ثابتًا كالمعتاد:
"أيوه يا فندم، كل حاجة زي ما طلبت بالظبط."

رائد (مستفسرًا دون استعجال):
"بتعمل إيه دلوقتي؟"

"رجعت بيتها من ساعة، ما خرجتش تاني. قعدت فترة عند النافذة، شكلها كانت بتفكر في حاجة، وبعدها قفلت النور تقريبًا ونامت."

رائد (بابتسامة جانبية، وكأنه كان يتوقع ذلك):
"كويس… فضّل متابع كل تحركاتها. عاوز أعرف بتكلم مين، بتروح فين، وبتفكر في إيه. أي حاجة جديدة، تبلغني فورًا."

"حاضر، مفهوم."

أغلق رائد الهاتف ببطء، وعاد ببصره إلى النافذة، حيث المدينة التي لم تهدأ، تمامًا كعقله الذي لا يكف عن التخطيط.

رائد (بصوت خافت لكنه حاسم، كأنه يتحدث لنفسه أكثر مما يتحدث للآخرين):
"أنا مش محتاج أستعجل… كل خطوة محسوبة. هي مش فاهمة إن وجودها في حياتي مش صدفة… لا، ده جزء من كل حاجة أنا عايزها. وهي المفتاح."

وضع الهاتف على الطاولة، ثم توجه إلى مكتبه، حيث استلقى دفتره الأسود الصغير في مكانه المعتاد. فتحه، وكتب شيئًا جديدًا بجانب اسمها، ثم أغلقه مجددًا بابتسامة باردة.

رائد (بابتسامة جانبية، وهو يطفئ سيجارته):
"النهاية قريبة، ليلى… حتى لو إنتِ لسه مش شايفاها. الزمن ملكي… والخطوات كلها في صالحي."

---

في الجهة الأخرى من المدينة…

كانت ليلى لا تزال واقفة أمام نافذتها، عيناها تائهتان بين أنوار الشارع، لكنها لم تكن ترى سوى الأسئلة التي تدور في رأسها، وكأنها انعكاس لمخاوفها.

ليلى (بهمس لنفسها، وعيناها تضيقان):
"هو أكيد قاعد دلوقتي، بيفكر في نفس الحاجة… هو دايمًا واثق كده ليه؟ أنا مش عارفة أهرب، ولا عارفة أواجه… بس، لحد إمتى؟"

أغلقت النافذة فجأة، كأنها تخاف أن تجد صورته منعكسة عليها، يبتسم لها بتلك الابتسامة التي تثير حيرتها أكثر مما تطمئنها. زفرت بضيق، ثم ألقت بجسدها فوق السرير، تحاول أن تغرق في النوم، لكن عقلها لم يكن مستعدًا للاستسلام.

---

اليوم التالي…

كان ضوء الشمس قد تسلل إلى غرفتها، لكن عيناها ظلتا مغمضتين حتى لحظة دخول والدتها، التي لم تكلف نفسها عناء الطرق على الباب.

نيفين (وهي تفتح الباب بضيق):
"يا بنتي، إنتي لسا نايمة لحد دلوقتي؟ قومي بقى! بقينا بعد صلاة الجمعة!"

تقدمت إلى النافذة، وسحبت الستائر بعنف، فاندفعت أشعة الشمس إلى الداخل كأنها تجتاح هدوء الغرفة كله. تأففت ليلى وهي تنقلب على جنبها الآخر، محاولة الهروب من الضوء ومن صوت والدتها.

ليلى (بتذمر واضح):
"إففف يا ماما! 100 مرة قلتلك ما بحبش أروح عند أختك، خصوصًا لو ابنها الرزل ده هناك. قفلي الستائر الله يرضى عليكي وسبيني أنام شوية، ده يوم إجازتي!"

نيفين (بحزم):
"لأ، مافيش نوم. قومي يلا، وإنتي عارفة إنك مش المفروض تتكلمي كده عن ابن خالتك."

اعتدلت ليلى فجأة في سريرها، نظرت لوالدتها بغضب، وكأن هذا الحديث قد أخرجها عن صبرها.

ليلى (بانفعال واضح):
"يا ماما، إنتي مش بتزهقي خالص؟ إحنا اتكلمنا في الموضوع ده 100 مرة! ابن خالتي ده زي أخويا، وقلتلك قبل كده، مش هتجوزه! مش هيحصل، فلا تحطي أملك نهائي على حاجة مش هتتغير."

نيفين (بنبرة هادئة، لكنها تحمل معنى خفيًا):
"يا بنتي، ما حدش قال إنك لازم تعملي حاجة غصب عنك. بس قومي بقى، هنروح نتغدى عند خالتك، وأظن ده مش هيضايقك."

لم ترد ليلى، لكنها كانت تشعر أن حديث والدتها لم يكن مجرد كلام عابر… وكأن هناك شيئًا آخر يُحاك في الخفاء، شيء لا تريد أن تعرفه، لكنها تعلم أنها لن تستطيع تجنبه طويلًا.

*****
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كان الصمت قد عاد ليسيطر على الغرفة بعد الجدال القصير بين ليلى ووالدتها، لكن التوتر ظل معلقًا في الهواء، لم يهدأ بعد. من داخل غرفته، ظهر مهاب، أخوها الأصغر، وهو يمدد جسده متثائبًا، قبل أن ينظر إليهما بكسل.

مهاب (بصوت ناعس):
"إيه ده؟ هو كل يوم جمعة لازم نصحى على خناقة؟"

ليلى (بحدّة، دون أن تنظر إليه):
"ما تدخلش، مش ناقصة سخافاتك."

مهاب (وهو يجلس على الأريكة، يراقب المشهد بفضول):
*"واضح إن نفس الموضوع بتاع كل أسبوع…" (يقلد صوت نيفين بسخرية) "يا بنتي، شوفي ابن خالتك، ده راجل محترم!" (ثم يغير نبرة صوته مقلدًا ليلى) "لأ يا ماما، مش هتجوزه، فاهمين ولا لأ؟!"

حدجته ليلى بنظرة نارية، بينما انفجرت نيفين في تأفف واضح.

نيفين (بحزم):
"مهاب، قوم جهّز نفسك، هنروح عند خالتك، ومش عاوزة غلاسة منك."

مهاب (بلامبالاة وهو يتثاءب):
"أنا مش جاي، عندي ماتش مع صحابي."

نيفين (بغضب):
"مش بكيفك! هتيجي يعني هتيجي، مش كل مرة تهرب من العزومات!"

مهاب (مغمغمًا، وهو يقف بتكاسل):
"طب ما أنا عارف النهاية… ليلى هتتنرفز، تخرب اليوم علينا، وفي الآخر نرجع كلنا بنفس الزهق اللي خرجنا بيه."

ليلى (بصوت جاف، وهي تتجه إلى غرفتها لتجهّز نفسها):
"ما فيش مشكلة، أنا كمان زهقت، بس أنا بقولها أهو… لو حد فتح الموضوع ده، برحمة أبويا يا ماما، هقوم وأمشي فورًا، مش هعمل اعتبار لحد، لا خالتي ولا غيرها."

نيفين (متأففة وهي تلوح بيدها بيأس):
"ماشي يا ستي، المهم قومي بقى بدل ما نتأخر!"

زفرت ليلى بضيق وهي تركل الغطاء بقدمها بعنف، ثم دخلت الحمام. الماء البارد على وجهها لم يخفف من شعورها بالتوتر. كانت تعرف أن هذه الزيارة لن تمر دون تعليقات أو محاولات جديدة لإقناعها بما ترفضه منذ البداية.

في الخارج، كان مهاب قد جلس مجددًا، يتابع شاشة هاتفه، قبل أن يلقي نظرة على والدته.

مهاب (بابتسامة جانبية ساخرة):
"هو ليه كل ما نحاول نجوزها، الموضوع بيقلب بحرب أهلية؟"

نيفين (بإرهاق):
"يا ابني، أهي عنيدة… وكل مرة بتخلي الموضوع أكبر من حجمه."

مهاب (بمرح):
"ممكن نفكر في حلول جديدة… نحبسها مثلًا؟"

نظرت إليه نيفين بضيق وضربته على ذراعه، فرفع يديه مستسلمًا وهو يضحك.

خرجت ليلى من غرفتها بعد أن تجهزت، وجهها لا يزال يحمل ملامح الضيق، لكنها مستعدة للمواجهة.

ليلى (بتهكم خفيف وهي تنظر لمهاب):
"إنت لسا هنا؟ ما كنت بتقول مش هتيجي؟"

مهاب (بكسل وهو ينهض):
"أهو إنتي السبب، لو كل مرة هنروح عندهم هيحصل فيها شغل دراما، يبقى لازم أحضر العرض!"

ليلى (وهي ترفع حاجبها):
"ممتاز، لما يبدأ العرض متتريقش لما أطردك من المسرح."

ضحك مهاب بينما هزّت نيفين رأسها بيأس.

نيفين (بصوت هادئ):
"طيب يا بنتي، خليها زيارة خفيفة وخلينا نمشي من غير مشاكل، أرجوكي."

خرجت العائلة من المنزل وسط صخب المدينة، وكلهم يعلم أن هذا اليوم لن يخلو من الحوار المتكرر والمواجهة الجديدة. لكن ليلى، في أعماقها، كانت موقنة أن رفضها لن يتغير… مهما حاول الجميع دفعها نحو طريق لا تريده.

*****
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

عاد رائد إلى شقته بعد صلاة الجمعة، الأجواء في الخارج دافئة، والشمس تلقي بظلالها على أركان المدينة، لكن داخله كان هناك هدوء ثقيل، كهدوء ما قبل العاصفة.

دخل إلى غرفة المعيشة فوجد يقين منشغلة بتجهيز المائدة، رائحتها تعبق بالمكان، لكنها لم تكن كافية لتخفف من شعور غريب تسلل إليه فجأة، كأنه إحساس ناقص، شيء غير طبيعي.

رائد (وهو يجلس ويستند إلى الأريكة): "نيرفانا فين؟"

رفعت يقين نظرها إليه، ثم ردّت بلا اهتمام يُذكر:

يقين: "خرجت من بدري، قالت إنها هتقابل أصحابها."

ضاقت عيناه قليلًا، لم يكن هذا هو ما أثار شكوكه، بل طريقتها في قولها، كأنها تخفي شيئًا.

رائد (بهدوء لكنه يحمل نبرة تحقيق): "وأنتِ وافقتي كده بكل بساطة؟"

يقين (مبتسمة بخفة): "هي مش طفلة، وبعدين التغيير مطلوب، مش لازم تفضل قاعدة في البيت طول الوقت."

تحركت أصابعه ببطء فوق الطاولة أمامه، نظراته ظلت معلقة بها لثوانٍ قبل أن يسأل:

رائد: "مع مين بالضبط؟ والسواق معاها؟"

يقين: "لأ، أصحابها عدّوا خدوا العربية وراحوا مع بعض، وهيرجعوها لحد البيت، متقلقش."

ظل صامتًا للحظة، ثم أطلق زفرة قصيرة، وانحنى للأمام، يرتكز بمرفقيه على ركبتيه.

رائد (بصوت هادئ لكن نبرته حادة): "أنا مش قلقان، لكن مش معنى كده إني سايب الحبل على الغارب."
رائد (بصوت منخفض لكنه يقطر بالتهديد): "اتصلي بيها حالًا."

يقين (بتردد): "رائد… ممكن يكون…"

رائد (قاطعها بحدة وهو يرفع عينه إليها): "قلت… كلميها فورًا."

ارتجفت يدها وهي تلتقط الهاتف، ضربات قلبها تسارعت وهي تطلب الرقم… لكن المفاجأة كانت أن الهاتف مغلق.

نظر رائد إلى شاشة الهاتف أمامه، ثم وقف ببطء… نظرته كانت قاتلة، وجهه صار أشبه بظل الموت نفسه.

رائد (بصوت منخفض لكن أشد رعبًا من الصراخ): "لو كانت فاكرة إن المسافة تديها الحرية… فهي غلطانة."
صمت "رائد"، لكن شيء ما لم يرق له، إحساس داخلي يضغط على صدره، كأنما هناك قطعة من اللغز مفقودة.
بعد مرور ساعتين و تكليف شامل بالبحث عنها 

فجأة، انفتح باب الشقة بعنف، ودخل "شامل" بخطوات سريعة، وجهه متجهم ونظراته تحمل قلقًا مكتومًا. التفت إليه "رائد" فورًا، عيناه تضيقان بتركيز.

رائد (بحدة):
"لقيتها؟"

شامل (وهو يزفر بعمق، يحاول تهدئة أعصابه):
"أيوة… 
رائد بحدة 
كانت فين."

يقين (بحذر):
"الحمد لله إنها مش في خطر…"

لكن "شامل" لم يكن مرتاحًا، وقف أمام "رائد" ثم أخرج هاتفه، قلب الشاشة ببطء ثم مدها إليه.

شامل (بهدوء مشوب بالتحذير):
"بما إنك سألت كانت فين… شوف بنفسك."

نظر "رائد" إلى الشاشة، وعلى الفور تجمدت ملامحه. لم تكن صورة، بل مقطع صوتي…

ضغط على زر التشغيل، فجاءه صوت "نيرفانا" وهي تضحك، ضحكة مسترخية خالية من أي توتر، ثم تلاه صوت شاب يقول لها بمزاح:
"كنتي وحشاني، عارفة؟"

ثم صوتها مجددًا، وهي ترد بنفس النبرة المرحة:
"وأنت كمان!"

لم يكن محتاجًا لسماع المزيد. أطفأ التسجيل، ثم رفع رأسه ببطء، وجهه صار كقطعة من الجليد، لكن عينيه اشتعلتا بنار لا ترحم. وقف بهدوء، خطواته محسوبة، كأنما يزن كل حركة قبل أن يقوم بها.

رائد (بصوت منخفض، لكنه أكثر رعبًا من الصراخ):
"جبت التسجيل ده منين؟"

شامل (متماسكًا، لكنه يراقب ردود أفعاله بحذر):
"واحد من رجالتك كان قريب من المكان، شافها بالصدفة، وحب يتأكد الأول قبل ما يبلغك، فصور فيديو صغير وهي قاعدة مع الولد ده وسجل المكالمة دي."

رائد (بعينين تضيقان بحدة):
"ورجالتي سايبينها كده؟"

شامل (بهدوء جاف):
"لما عرفوا إنها مش في خطر، بقوا مستنيين أوامرك."

نظر "رائد" إلى الهاتف مجددًا، كأنما يحاول أن يستوعب أن الصوت الذي سمعه هو صوت "نيرفانا". زفر ببطء، ثم قال بنبرة أشبه بالثلج المحترق:
"دلوقتي… أكلمها ولا أروح لها بنفسي؟"

يقين (بتوتر وهي تحاول تهدئته):
"رائد، ممكن يكون…"

رائد (قاطعها بحدة وهو يرفع عينه إليها):
"أنا قلت… أكلمها ولا أروح لها بنفسي؟"

لم ترد، لكنها شعرت أن الليلة لن تمر بسلام

لكن "شامل" كان أسرع منه، وضع يده على كتفه ليمنعه من التحرك، وقال بهدوء محسوب:
"لو روحتلها دلوقتي، إيه اللي ممكن يحصل؟"

نظر إليه "رائد" بحدة، صوته خرج كالخنجر:
"هترجع معايا حالًا، وهعرفها إن اللي عملته ده مالوش تاني!"

شامل (بنبرة هادئة لكنها قاطعة):
"وهتخليها تعمل إيه؟ تهرب تاني؟ تصرّ أكتر؟ رائد، أنت مش هتعالج الموضوع بالغضب… لو رُحتلها دلوقتي، ممكن تخسرها بدل ما تحميها."

تدخلت "يقين" سريعًا، صوتها يحمل رجاءً صادقًا:
"شامل عنده حق، يا رائد. احنا عرفنا إنها مش في خطر، وإنها هترجع. لو رُحتلها بنفسك دلوقتي، ممكن الأمور تتعقد أكتر."

ضاقت عيناه وهو ينظر إليهما، ثم زفر بقوة، كأنه يحاول أن يكبح العاصفة التي تعصف بداخله. قبضته تشدّدت حول الهاتف، لكن خطواته لم تتحرك.

رائد (بصوت جليدي):
"كويس إنها راجعة… بس لما تيجي، هتعرف إن الباب اللي خرجت منه بالشكل ده… مش مفتوح ليها تاني بنفس السهولة."

ساد الصمت للحظة، قبل أن يلقي الهاتف على الطاولة، ثم يدير ظهره لهم متجهًا إلى النافذة، يحدّق في الأفق البعيد… ينتظر.

*****************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

عاصفةٌ في بيت الخالة شكران

كان الغروب ينسج خيوطه الذهبية على المدينة، يودّعها بألوان دافئة كأنها تحاول تهدئة الأرواح المضطربة قبل أن يسدل الليل ستاره. في منزل الخالة شكران، كان الجو مشبعًا برائحة الطعام المنزلي وأصوات الضحكات الخافتة. ليلى جلست بين والدتها وخالتها، تحاول أن تتظاهر بالاسترخاء، لكن شيئًا ما كان ينغص مزاجها.

وفي لحظة… انكسر الهدوء.

ظهر بحري كظلٍّ ثقيل، يقتحم الأجواء بخطوات واثقة تحمل مزيجًا من الغرور والاستهتار. نظر إليها نظرة زاحفة، كأنها فريسة وقعت بين مخالبه. ثم اقترب منها حتى كاد يلامس كتفها وهمس بصوتٍ أقرب إلى لسعة خنجر:

بحري (بخسة):
"ليلى، يا حبيبة قلبي…"

كأن تيارًا كهربيًا صعق جسدها، استدارت إليه بعينين متسعتين، مزيج من الصدمة والاشمئزاز يشتعل فيهما.

ليلى (بحسمٍ كالنصل):
"إنت بتعمل إيه؟! ابعد عني فورًا!"

ضحك بحري ضحكة قصيرة، لكنها كانت ممتلئة بالاستفزاز، ومال نحوها قليلًا وهو يقول:

بحري (بابتسامة مستفزة):
"إيه يا ليلى؟ ما إنتي خطيبتي، وده الطبيعي بين المخطوبين!"

ارتفع حاجباها بدهشة، ثم تحولت الدهشة إلى غضبٍ ناري. نهضت من مكانها فجأة، وكأنها سيفٌ سُلّ من غمده، ثم قالت بصوت حمل قوة الزلازل:

ليلى:
"خطيبتي؟! إمتى بالظبط حصل ده؟ لما كنت نايمة في بيتنا وأمي قررت تجوّزني غصب عني؟! اسمع يا بحري، أنا ما ليش علاقة بيك، وده آخر تحذير، لو حاولت تقرب مني تاني… مش هتكون نهايتك سهلة."

رمقها بنظرة متفحصة، وكأنه لم يستوعب التهديد في كلامها، ثم ابتسم ابتسامة خبيثة وهو يقترب خطوة أخرى، لكن يد ليلى كانت أسرع.

صفعة مدوّية شقت الهواء.

تراجع بحري خطوة إلى الخلف، يضع يده على خده وقد احمرّ من قوة الضربة. حدق بها بعدم تصديق، فهذه لم تكن ليلى التي اعتاد أن يراها صامتة أمام قرارات والدتها.

بحري (بغضبٍ مكبوت):
"إنتِ ضربتيني؟!"

ليلى (بثبات وعينين تقدح شررًا):
"وأعيدها كمان لو قرّبت مني تاني! خلي عندك دم، لأن اللي زيّك المفروض ما يمشيش في الشارع بين الناس!"

وفي اللحظة التي همّت فيها بالمغادرة، انفتح باب المنزل بعنف، ودخل مهاب، أخوها، وعيناه تحملان نظرة لم تعهدها ليلى من قبل. كان قد سمع الضجة من الخارج، وفهم من تعبيرات وجوه الجميع أن شيئًا ما قد حدث.

مهاب (بصوت كالسيف يُسحب من غمده):
"حد يفهّمني هنا إيه اللي بيحصل؟!"

أخذ الجميع خطوة للوراء، لكن بحري، رغم إحساسه بالخطر، حاول أن يتظاهر بالهدوء.

بحري (بابتسامة متكلفة):
"أخو العروسة، أهلًا وسهلًا! كنت بس باتكلم مع ليلى، عادي يعني."

تحولت نظرات مهاب إلى جمرة متقدة، ثم اقترب في خطوتين فقط حتى وقف وجهًا لوجه مع بحري، حدقتاه مغروستان في عينيه وكأنهما تحرقان روحه من الداخل.

مهاب (بهدوء أشد خطورة من الصراخ):
"عادي؟ إنت عيل قليل الأدب. لو قربت من أختي تاني، مش هتلاقي وشّك ده سليم."

ثم أمسكه من ياقة قميصه، وسحبه نحوه بقوة جعلت الجميع يلهثون.

مهاب (بصوت غاضب لكنه ثابت):
"واعتبرها آخر مرة تشوف فيها ليلى، مفهوم؟!"

حاول بحري أن يتملص، لكنه كان أضعف من مواجهة قوة مهاب الجسدية ونظرته القاتلة، فحرك رأسه بالإيجاب، وهو يلعن نفسه في سره لأنه تجرأ على تحدي ليلى أمام أخيها.

ليلى، التي لم تكن بحاجة إلى أي رجل ليدافع عنها، نظرت إلى مهاب بامتنان خفي، لكنها لم تقل شيئًا، فقط تركت المكان وعيناها تقولان: "المعركة لم تنتهِ بعد."

***************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

الغضب يشتعل في بيت الخالة شكران

خرجت ليلى من المنزل كالإعصار، أنفاسها تتلاحق، وعيناها تشتعلان بنيران الغضب. وقفت في الشارع تلتقط أنفاسها، بينما يدها لا تزال ترتجف من شدة التوتر. شعرت بكفٍ تُربّت على كتفها، فالتفتت لتجد مهاب يقف بجوارها، وجهه متجهم كأنه يستعد للمعركة.

مهاب (بهدوء مشحون بالغضب):
"اهدي، يا ليلى... ما تخليش الزفت ده يستفزك أكتر."

ليلى (بغضبٍ مختنق):
"إزاي تهدى بعد اللي حصل، مهاب؟! الوغد حاول يمد إيده عليا!"

تصلبت ملامح مهاب أكثر، وعيناه اشتعلتا بغضبٍ حقيقي، لكنه رفع يده بإشارة تُطمئنها.

مهاب (بصوتٍ حازم):
"ما تقلقيش… اتعاملت معاه خلاص."

نظرت إليه ليلى بدهشة، لكنها لم تسأله كيف "اتعامل معه"، فقد رأت الشرر المتطاير من عينيه، وعرفت أن بحري لن يجرؤ على الاقتراب منها مرة أخرى بسهولة.

---

داخل المنزل، كانت العاصفة لا تزال مستعرة.

جلست نيفين على الأريكة تحاول تهدئة أنفاسها، بينما كانت شكران واقفة في منتصف الغرفة، تنظر إلى ابنها بحري بحدةٍ وهي تسأله:

شكران (بغضب):
"إنت عملت إيه للبنت يا بحري؟!

رفع بحري يده إلى خده الذي لا يزال يلتهب من الصفعة، ثم قال بصوتٍ يختلط فيه الغضب بالمهانة:

بحري:
"عملت إيه؟ دي المجنونة ضربتني بالقلم قدام الكل!"

شهقت شكران، بينما نظرت إليه نيفين بنظرةٍ مليئة بالاحتقار، وقالت بحدة:

نيفين:
"وهو إنت كنت مستني منها إيه بعد اللي عملته؟ كنت فاكرها هتسكت لك يعني؟"

زمّ بحري شفتيه، وبدأ صوته يتقطّع بين الغيظ والمهانة:

بحري:
"أنا اللي كنت فاكرها بنت ناس، لكن طلعت قليلة الأدب! لازم تعرف إن دي مش أخلاق بنات محترمة!"

قبل أن يتم كلمته، انفتح باب المنزل بعنف، ودخل مهاب بخطوات ثابتة، وجهه متجهم وعيناه تقدح شررًا. وقف أمام بحري مباشرة، والتوتر في الهواء كان أشبه بعاصفةٍ على وشك الانفجار.

مهاب (بصوتٍ منخفض لكنه حاد):
"إيه اللي سمّعته ده، بحري؟ إنت فعلاً فاكر نفسك تقدر تهين أختي وتفلت؟"

ارتبك بحري للحظة، لكنه حاول استعادة توازنه، فقال بتهكم:

بحري:
"وإنت هتعمل لي إيه، يا مهاب؟"

لكن قبل أن يكمل كلمته، وجد نفسه يُدفع بعنف نحو الحائط، ومهاب يقبض على ياقة قميصه بقوة، عينيه محمرتان بالغضب.

مهاب (بصوتٍ منخفض لكنه مرعب):
"هقولها لك للمرة الأخيرة… آخر مرة تمد إيدك أو لسانك على أختي. فاهم؟"

حاول بحري التملص، لكن قبضة مهاب كانت من حديد، فابتلع ريقه بصعوبة قبل أن يهز رأسه ببطء.

مهاب:
"فاهم…"

تركه مهاب فجأة، فسقط الأخير على قدميه وهو يلهث، بينما رمقه مهاب بنظرةٍ أخيرة قبل أن يستدير خارجًا، قائلاً ببرود:

مهاب:
"ولو ليلى شافت منك نظرة تانية مش هتخرج منها بصفعة… فاهمني؟"

خرج مهاب من المنزل بخطواتٍ واثقة، بينما ظلت شكران واقفة في مكانها، تنظر إلى ابنها بنظرةٍ مزيج من الصدمة والقلق.

أما نيفين، فتنهدت وقالت بصوتٍ خافت وهي تهز رأسها بأسى:

نيفين:
"ربنا يكفينا شركم!"

*************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
عاصفة في منزل رائد الذهبي

في شقة رائد الذهبي، كان التوتر يملأ الهواء، ثقيلًا كالرصاص، مشحونًا كسماء تسبق العاصفة. جلس رائد في منتصف الصالة، كفيه مشدودتان إلى بعضهما بقوة، وعيناه تضيقان كمن يراقب فريسته في الظلام.

يقين، شقيقته، كانت تحاول تهدئته، صوتها يحمل رجاءً مشوبًا بالخوف، كمن يحاول إخماد نارٍ تلتهم الأخضر واليابس.

يقين (بحذر):
"رائد، استهدى بالله، إحنا عارفين إنها كويسة، وشامل قال إنها مش في خطر."

رائد (بصوت مشحون بالغضب):
"16 سنة يا يقين! 16 سنة ومحدش عارف كانت فين ولا مع مين! ده استهتار، وده بيتي، وأنا اللي بحدد القواعد فيه!"

يقين (محاولة تهدئته):
"ما هي  خرجت مع أصحابها، البنات في سنها بيعملوا كده."

رائد (يرمقها بنظرة حادة):
"نيرفانا مش أي بنت، ومش في أي بيت! أنا حذرتها قبل كده من إنها تتجاوز حدودها، لكن شكلها فاكرة إن القواعد دي ممكن تتكسر."

وفجأة، دوّى جرس الباب، كطلقة مدوية في سكون الليل. التفت الجميع ناحية الباب، بينما تحركت الخادمة ببطء، فتحت الباب بحذر…

وظهرت نيرفانا عند العتبة.

كانت ترتدي فستانًا أبيض لؤلؤي، ناعمًا كالفل، لكنه لم يكن مرتبًا تمامًا، بل بدا كأنها عبرت به طريقًا طويلًا دون أن تأبه. شعرها كان فوضويًا قليلًا، ووجهها يحمل إرهاقًا غريبًا، لكن الأغرب… أنها كانت تبتسم.

تقدم رائد خطوة، صوته خرج هادئًا بشكل خطير، كالسكون الذي يسبق الانفجار:

رائد (بهدوء قاتل):
"كنتِ فين، نيرفانا؟"

رفعت رأسها، التقت عيناهما، لكنها لم تهرب منهما، لم تتردد، بل قالت بنفس الابتسامة الغامضة:

نيرفانا (ببرود):
"كنت بعيش حياتي، بابي."

وفي تلك اللحظة، لم يكن الهدوء سوى فتيل… ورائد الذهبي كان الشعلة التي ستشعل النار.
تعليقات



×