![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل الثامن
فيه مشهد و نُص كانوا إتحذفوا من البرنامج نفسه، فـ لو قدرت أخلصهم النهاردة إن شاء الله هعدل الفصل و أنزلهم
ما هو الحبّ؟
هو عندما تنظر إليها فيؤلمك جمالها
-إيه أقوالك!...
سأل الضابط الجالس خلف مكتبهِ و مِن أمامهِ أرسلان و قُصي، فـ أخذ الأول وقته ثم أجاب بـ نبرةٍ لا تنُم عن شيء، خالية تمامًا و كأنها خرجت من وعاء تُحركه الرياح
-أقوالي متغيرتش، كان بيتعدى عليا و على مراتي و كُنت بدافع عنا
-رفع الضابط حاجبه بـ إستهجان و قال:تقوم تقتله!...
أراد قُصي الحديث و هو يعلم تمام العِلم أن ذلك الضابط يستفز أرسلان إلا أنه نظر إليه يُسكته ثم عاد بـ بصرهِ إلى الضابط و أجاب بـ هدوءٍ مُسببًا غضب الآخر
-أظن مهما بلغت شبحتني و قوتي مش هقتل واحد بـ مُسدس فـ ضهره و أنا واقف قُدامه
-أردف الضابط بـ غيظٍ:إيه دليلك!
-هُنا تولى قُصي الدفة و هتف:كاميرات المُراقبة تقدر تفضيها و تشوف اللي فيها…
نظر الضابط إلى قُصي بـ غضبٍ ثم إلى أرسلان الذي هتف مُكملًا بـ بساطةٍ مُثيرة للغيظ
-لو قتلته هقول قتلته
-سخر الضابط:بـ البساطة دي!...
أومأ أرسلان بـ ملامح صخرية جامدة، فـ تنهد الضابط و هو يُنادي ذلك الواقف أمام الباب
-بلال…
ثوان و سمع الباب و من خلفهِ ظهر عسكري شاب ليُحيي الضابط ثم قال بـ نبرةٍ مُهذبةٍ
-أمرك يا باشا
-هنحتاج نفضي كاميرات البيت اللي حصلت قُدامه الجريمة
-حاضر يا باشا…
ثم حياه و رحل بينما نظر الضابط إلى قُصي و هتف بـ إبتسامةٍ سمجة
-أظن يا قُصي باشا حضرتك عارف الإجراءات كويس!
-رد عليه قُصي بـ إبتسامةٍ أشد سماجة:أكيد، متتعبش نفسك فـ الشرح…
أخوان شديدا الغيظ و البرود القاتل و هو لا يستهويه هذا البرود المُغيظ، ليزفر ثم قال قُصي و هو ينهض مُشرفًا عليه بـ جسدهِ و كأنه يُحذره
-طبعًا مش محتاجينه فـ حاجة! أصل حضرتك عارف الإجراءات كويس
-هنخرجه يا باشا متقلقش، بس بعد أما إذن النيابة يطلع و نفضي الكاميرات…
حينها كشر قُصي عن أنيابهِ و بدأ في فُقدان أعصابه و هدوءهُ فـ هتف بـ نبرةٍ شبه مُحتدة
-تقرير الطبيب الشرعي الأولي فـ مكان الجريمة قال إن الرُصاصة إتضربت من الخلف على مسافة بعيدة…
مال قُصي إلى المكتب ثم قال و عينيه تقدان بـ شررٍ كأنه ينوي قتل الجالس أمامه
-مفيش أدلة تثبت إن أرسلان قتل المجني عليه…
عاد الضابط بـ مقعدهِ إلى الخلف و إضجع أمامهما ثم هتف بـ صوتٍ جهوري رغم السُخرية التي به
-في أثار عراك و دم و بصمات الأستاذ واضحة عليه
-رد قُصي دون تأخير:أقواله بتقول إن حصل بينهم خناقة و بسببها إتجرح فـ إيدهِ و السكينة عليها أثار المجني عليه، يعني مقتلوش
-سأل الضابط في عناد:و المُسدس اللي كان معاه!...
وضع قُصي يده في جيب بِنطاله يُخفي قبضته التي تتوسله للإطاحة بـ الضابط ثم هتف بـ صوتٍ كـ الصرير
-المُسدس له ترخيص و مضربش منه طلقة، و الرُصاصة اللي فـ جسم المجني مش مُطابقة لمُسدس أرسلان…
همّ الضابط بـ الحديث أكثر إلا أن قُصي قاطعه و هو ينظر إلى أرسلان الجالس بـ سكون غريب و مُخيف خلفه عاصفة شديدة تُهدد بـ إقتلاع الجميع
-دحضت كُل حججك يا حضرة الظابط، بعد إذنك…
إستدار و من خلفهِ أرسلان الذي نهض صامتًا لا يبدو عليه الغضب أو حتى الثورة، بل هدوء و كأنه يستسلم لِما يحدث، خرجا و حينها أخرج قُصي زفيرًا طويلًا يُعبر عما يعتمل داخله من غيظ ثم إلتفت إلى أرسلان و هتف
-فقدت أعصابي جوه، كويس إننا خرجنا
-سخر أرسلان بـ نبرةٍ مُظلمةٍ:متتنرزفش يا حضرة الظابط، كدا كدا هخرج معملتش حاجة عشان مخرجش
-ذم قُصي شفتيه و قال بـ تبرم:أنا مقدر ثقتك دي، بس متتفردش كدا، اللي مستهدفك يمكن غابت عنه الحركة دي و إنها كانت تلبس فيك…
تبدلت معالم أرسلان في لحظةٍ واحدةٍ، كانت تُشبه عاصفة ثلجية شديدة البرودة تُصيب رائيها من بعيد بـ الخوف قبل الموت ثم هتف و وهج عينيه يُظلم
-معدتش عليه ولا حاجة، كانت مقصودة و اللي عملها قصده يستنزفني عشان أركع…
تبدلت نبرته إلى أُخرى غليظة تحمل من القسوة و الجحود ما يجعل القلب يتوقف عن النبض
-و أنا مش هركع، الدم بـ الدم…
إنه إعلان تام لحربٍ دموية، سيهلك فيها الكثير و قد يكون أولهم
"أرسلان الهاشمي"
*****
-منك لله، حسبي الله ونعم الوكيل فيك، إبني راح بسببك، منك لله…
قبل أن يتمكن قُصي من الرد على أرسلان بِما يشعر به من رُعبٍ شديدٍ لتلك الكلمات التي نطق بها الآخر بـ هدير مُخيف يبدو في ظاهرهِ نسيم بينما داخله يحمل أعاصيف مُدمرة، خرج صوت تلك السيدة المنكوبة و هي تقترب من جديد فـ زفر و غمغم بـ قنوطٍ
-أصل المشرحة ناقصة يعني…
إقتربت السيدة فـ تخطى قُصي أخيه حتى لا يندفع الآخر في الحديث و حال بينهما ثم قال بـ نبرةٍ صارمة قوية يأمل داخله أن تردعها
-إسمعي يا ست أنتِ، إبنك مات و أنا مقدر بس هو اللي إتهجم و أرسلان مقتلهوش…
رفعت السيدة يدها تنوي ضرب قُصي حتى تُبعده عن طريقها و تنبش أظافرها بـ أرسلان إلا أن الذي أمامها أوقفها و أمسك يديها فـ صرخت بـ نبرةٍ إختفت خلف البُكاء و العويل على فقيدها
-لأ قتله زي ما غوى خطيبته و قتلها عشان متقولش على اللي عمله…
إشرأبت بـ عُنقها و بصرت أرسلان الذي ينظر لها نظراتٍ قادرة على إرداءها أرضًا صريعة الخوف إلا أنها كانت في حالةٍ من الجنون و الحُزن مما جعلها غافلة عما تقوله النظرات فـ هدرت مُكملة و هي تصرخ و الجميع ينظر إليهم بـ صمتٍ
-قتلته ليه! حرمتني من إبني ليه! منك لله، ربنا يحرق قلبك على أعز ما تملك…
كانت الإشارة الحارقة التي جعلت أرسلان ينسل عن هدوءهِ و يُخرج أحقر ما به، بل هُنا و إعتقد قُصي أن أخيه هو منبع القساوة و المادة الخام لها
-إحمدي ربك إنه مات على إيد غيري و إلا كُنت قتلته بـ طريقة تخليكِ أنتِ نفسك تعيشي مجنونة طول عُمرك دا لو قلبك إستحمل…
همّ الصمت المكان و الجميع يُناظره بـ صدمةٍ بينما أكمل و نبرته تتحول إلى فحيح أفعى و نبرةٍ تزداد قساوة
-ولو لسه عايش هقتله قُدامك، حرقكم كُلكم و أنتوا حيين، هو إتجرأ و مد إيده على اللي يُخصني…
دكنت مُقلتيه السوداء إلى هوه ساحقة منبعها الظلام و أكمل بـ نبرةٍ جعلت أُذني الجميع تُصفر تنزف الدماء
-و أنا شيطان فـ اللي يُخصني…
و رحل، فقط مُخلفًا خلفه أجواء ثقيلة جعلت مَنْ بـ الداخل يفقد القُدرة على التنفس، كأنه حاصد أرواح أنهى مُهمته و إلتهم الأرواح بـ تلذذٍ تستطيع به سماع ضحكات الشيطان
و بينما هو بـ الخارج و كأنه يركض، مُسابقًا الزمن ليصل إلى بر الأمان، يخشى إن ظل ثانيةً واحدةً قد يرتكب ما لا يُحمد عُقباه، و عليه أن يعود إليها و إلى المنزل، لذلك صعد سيارته و إنطلق بها بـ سُرعةٍ كبيرةٍ
و أخيرًا عاد إلى المنزل، منزله و وطنهِ بل هي وطنه، ذلك الوطن القابع بين ضلوعها لم يشعر أرسلان بـ هذا الإنهزام و الضعف إلا الآن، القادم لا يُبشر سوى بـ الشرِ، الشر الذي لا حياة بعده و رياح عاصفة تُهدد بـ إقتلاع الأوتاد التي حاول غرسها بـ عُمقٍ لن تستطيع سديم نفسها نزعها
كان يحمل سُترته على كتفهِ و ما أن دخل من بوابة المنزل حتى وجد جسدًل يندفع إليه إستقبله هو بـ صدرٍ رحب، قد يضيق عالمه و لكنه يجد إتساع الكون بها، ألقى بـ السُترةِ و إلتقطها بـ قوةٍ قادرة على كسر الحصون الحجرية و ألتفت ساقيها حوله مُعلنة عن قيدٍ شديد اللهجة و التملك
ربت أرسلان على خُصلاتهِا ثم هتف بـ صوتٍ أجوف رغم التعب الذي أكله
-أنا كويس و رجعت بـ خير…
وجدها تُحيط عُنقه و تدفن رأسها بـ ذلك التجويف النابض بـ غضبٍ ثم همست باكية
-بس أنا مش كويسة يا أرسلان، أنا خايفة…
عند تلك الكلمة أبعد يده و لكنها لم تسقط نظرًا لتعلقها الشديد به ثم أمسك رأسها بـ كِلتا يديه و قال بـ صوتٍ جهوري، مُخيف يحمل داخله نبرةٍ تلومها
-سبق و قولتلك مرات أرسلان الهاشمي مينفعش تخاف
-هزت رأسها نافية و قالت:أنا خايفة عليك، خايفة أخسرك…
تجمدت ملامحه بـ ذهولٍ و كأنها باغتته بـ قولٍ لم يستعد له فـ إتجه بها إلى مقعدٍ خشبيّ بـ الحديقةِ ثم جلس و هي لا تزال مُرابضة داخل حصنه العريض و وضع يده على وجنتها و هتف بـ صوتٍ أجش إمتزج بـ قسوتهِ المُعتادة
-مش هتخسريني، أنتِ مش هتسمحي…
أرادت الحديث و لكنه أكمل دون أن يدع لها مجال و بـ النبرةِ ذاتها نظر شاردًا و غاص داخل ماضٍ ربُما مُر كـ العلقم و لكنها كانت حلاوته التي لا يستطيع المرء التوقف عن إدمانها
-إحنا مرينا بـ الأسوء، و دخلتِ فـ وقت مسمحتش لأي حاجة تكون نُقطة ضعفي و ديمًا فكرت نفسي إني مش هخليكِ نُقطة ضعفي…
حدقت به سديم من بين عبراتها و مسحها هو بـ إبهامهِ ثم إستطرد بـ نبرةٍ تزداد قساوة قد تظُنها ندم و لكنها في الحقيقة تحمل حقيقة أعمق من المُحيط و عذبة كـ عذوبة بئر لم يقربهُ إنسيّ
-بس إتهزمت و بقيتِ النُقطة الوحيدة اللي خلت الهزيمة تستحق إني أخسر قُدامها
-كانت ملامحها فوضى من المشاعر و رغم ذلك همست:أرسلان!!!...
لم يكن يومًا ذلك الشخص الذي يُعبر عما يدور داخله، و كان هذا الوقت المُستقطع ربُما تلبسه به أحدًا آخرًا و لكنها كم كانت بـ حاجةٍ لتلك الكلمات التي تُهدئ قلبها الواقف على حافة الهاوية
وجدت نفسها تميل إليه مُقبلة إياه بـ كُلِ جوارحها، بـ كُلِ نبضها، و بـ كُلِ الحُب الذي تكنه له، تُعانقه و كأنه على وشك الإختفاء فجأة و ينسل من بين أيديها، تحاول إيصال ما تشعره من خوفٍ و هلعٍ و عشقٍ يؤلمها و فشلت بـ البوحِ به
و هو كذلك كـ تائه في صحراءٍ جرداء يركض خلف السراب عله يجد الحقيقة حتى وجدها فـ ظل ينهل منها دون إرتواء و لكنه يعلم بعدها لن يكون هُناك ظمأ، حاوطها و مال بها و قُبلتهِ تحكي ملايين الحكايا و تتعمق ليغوص داخل روحها التي تُعذبه
و أبعدها قسرًا خوفًا من النيران التي ستشتعل دون القُدرة على إطفاءها ثم قال لاهثًا بـ سُخريةٍ لا تتلائم مع إشتعال الأجواء حولهما
-كفاية يا دكتورة ولا أنتِ حابة أبوكِ يفضحنا و يقولي بتستفرد بـ بنتي!...
وضعت جبهتها على جبهتهِ و ضحكت ثم قالت بـ صوتٍ حاولت إخراجه سليمًا و لكنه كان ينقطع بـ سبب أنفاسها الذاهبة
-بابا مش هيشوفنا…
ظل مُحدقًا بها لفترةٍ جعلتها تتوجس قبل أن ينهض فجأة لتصرخ إلا أنه تظاهر بـ كونهِ لم يسمعها ثم سار بها إلى الداخل و قال مُتخابثًا كـ لصٍ وجد فُرصةٍ سانحة ليغزو منزل شديد التحصين
-حيث كدا على الدكتورة تستعد لعملية جراحية طويلة، و هتكون الأطول فـ عُمرها كله…
*****
قبل أن يضع قُصي مفاتيح المنزل وجد رحمة تفتح الباب و تندفع إليه مُعانقة إياه، لم يمنعها و لم يتحرك بل كان في أَمسِ الحاجةِ إلى عناقٍ يُبدد شقاء اليوم و قساوة ما مَرَّ به، فـ بادلها العناق بـ آخر مُكستح ما بين العطاء و الإحتياج، ما بين العطش و الإرتواء و ما بين العشق و الإشتياق
مَنْ كان ليُصدق أن تكون رحمة في تناقضها الغريب هي ملجأ آمن يتسع لأحزانه و شقاءه في أي وقتٍ كان! و إن كان عاقًا لها يجدها الأُم التي تُسامح فقط لأنه ولدها الأول
وضع يده خلف عُنقها و ضمها أكثر واضعًا رأسه في تجويف عُنقها ثم أخرج تأوه قوي إبتلعته هي في صمتٍ و داعبت خُصلاتهِ و كأنه طفلٍ يبكي أمه لتلك العثرة التي أسقطته أرضًا و يشكوها بـ بُكاءهِ الذي يُحزنها
أودعت رأسه قُبلة ندّية ثم سألته بـ صوتٍ هامس و لكنه قادر على تبديد أي حُزن
-أنت كويس!...
وجدته يزيد في ضمها و يدفن نفسه أكثر داخلها خوفًا من مجهول قادم سيُبعثر حياة الجميع إلا أنه أجبر نفسه في النهاية على الإجابة و لكنها كانت صادقة تمامًا
-بقيت كويس…
و الإجابة مُرضية و صادقة، لتربت عليه ثم تجذبه إلى الداخل مُغلقة الباب، و لكن قُصي أبى أن يترك دفء عناقها، فـ جذبها من الخلف و ظل مُعانقًا إياها لتتوقف رحمة و تسأله بـ تعجب و قلق أكل قلبها
-قُصي حصل حاجة لأرسلان أو سديم!
-نفى مُجيبًا:لأ كويسين متقلقيش
-زادت حيرتها و زاد قلقها:أومال مالك!...
يعلم أنها بـ مُجرد أن تواجهه و ترى عينيه، سيتضح خوفه و ترى داخله ما يُخيفه عنها فـ أبى النظر إليها، و رفض رفضًا قاطعًا أن يتركها فـ حاول إخراج صوته عبثيًا مُخفيًا خلفه أثار اليوم
-بحاول أشبع منك…
أجبرت نفسها لتصديقه فـ ضحكت و قصدت إيصال صوت ضحكاتها إليه ثم قالت بـ صوتٍ مُدلل به من الغنج ما يجعل ذلك الواقف خلفها يذوب بها أكثر
-مش هتعرف أبدًا
-قهقه و لكنه قال بـ صدقٍ:أصدق كلمة قولتيها من أول جوازنا…
ضربت رحمة يده بـ غيظٍ و حاولت دفعه إلا أنه أحكم الخناق حولها أكثر لتقول بـ تبرم
-دايمًا كاسر بـ نفسي كدا…
ضحك و أمسك ذقنها ليُدير وجهها إليه و رفعه ثم قال و شفتيه تمس شفتيها كُلما تحدث
-بالنسبالي هتفضل كُل حاجة فيكِ أول مرة ليا، و كُل كلمة هي أول كلمة، رحمة بالنسبالي كُل صُبح أول مرة أشوفها فيه، حتى كلمة بحبك اللي بتقوليها فـ كُل مرة بحس إني بسمعها لأول مرة…
كانت خائفة أن يستمع إلى نبضات قلبها التي تهدر داخلها و جسدها الذي يرتعش مع كُل كلمة ينطق بها ذلك الضابط المُتلاعب و لكن رحمة إبتسمت و قالت هامسة بـ صوتٍ رقيق
-بحبك…
حينها غرق قُصي بها، غرق و لا ينوي النجاةِ أبدًا و كأن ذلك الضال وجد ضالته أخيرًا، يشعر و كأنه يمتلك العالم في قبضتهِ طالما هي بين يديهِ تتنفس و تبتسم و تملأ حياته البائسة
دفعته رحمة و همست بـ صوتٍ هامس، مُتهدج في مُحاولةٍ يائسة للخروج من قيد يديهِ
-قُصي الولاد جوه مُمكن يخرجوا فـ أي وقت…
لم يستمع لها و مال إليها من جديد غير قادر على الإرتواء بعد، قليلًا فقط، فقط رشفة من أنهار عسلها تجعله قادر على المواصلة و لكن رحمة دفعته على حين غُرة و ركضت تحت ذهوله
-هروح أحضرلك الحمام وبعدها العشا
-ر رحمة!!...
تمتم قُصي يُحاول إستيعاب ما حدث الآن، كانت ذائبة مُنذ قليل ها هي تركض بـ حيويةٍ هاربة منه، و لكنه لن يتركها تفلت بـ تلك السهولة، في أقصى أحلامها جموحًا أن يتركها تهرب هكذا
تبعها قُصي إلى المرحاض ليجدها تقوم بـ تجهيزهِ من أجلهِ، فـ إبتسم بـ خُبثٍ و نزع ثيابه ليبقى بـ الداخلية فقط و وقف خلفها دون إصدار صوت مُتكئًا إلى إطار الباب و ما أن إنتهت و إستدارت لتراه في تلك الهيئة حتى شهقت و هتفت بـ صدمةٍ
-بتعمل إيه هنا!...
قهقه و إعتدل في وقفتهِ ثم إقترب منها و قال بـ براءةٍ خبيثةٍ
-هو الناس بتدخل الحمام ليه!...
زاغت عيناها و حاولت تجنب نظراته الخبيثة كـ نيتهِ تمامًا و لكنه لم يدع لها مجالًا إذ فقز في لحظةٍ واحدةٍ و لم تعرف كيف و أمسك يدها و قال
-أنا تعبان يا رحومي و مش قادر أعمل حاجة
-رفعت حاجبها و قالت:وهو الحاجة دي هساعدك فيها إزاي! دي حاجة ذاتية يا قُصي مقدرش أساعدك فيها…
فغر قُصي فمه و توقف عن تقدمه الحثيث و سألها مُتشككًا و بـ داخلهِ يدعو أن يكون ظنه خاطئًا
-أنتِ فهمتِ إيه يا رحمة!
-رفعت كتفيها و قالت بـ بساطةٍ:تعمل زي الناس عادي…
تجعد وجهه وظهرت عليه معالم التقزز و الإشمئزاز ثم قال بـ نبرةٍ يائسة مُحبطة
-عندك قُدرة يا روحي تسدي نفس العفريت
-صرخت بـ تبرم:مش فاهمة قصدك إيه!...
أمسك كِلا ذراعيها و هزها صارخًا بـ سُخريةٍ
-ساعديني أخد دُش يا رحمة، فهمتِ و لا أشرح عملي!
-هتفت بـ توتر:أ أساعـ، دُش!
-زفر قائلًا:رغم إني مش فاهم طلاسمك، بس أه ساعديني…
و لم يدع لها مجالًا للرفض و الإعتراض فـ جذبها خلفه و تمدد داخل الحوض و ما زالت يدهُ مُمسكة بـ يدها ثم إلتقط أغراض الإستحمام و ألقاها إليها قائلًا بـ صوتٍ مرح
-يلا إبدأي شُغل…
ظلت تنظر إلى ما بـ يدها بـ صدمةٍ غير قادرة على التفكير في شيءٍ ما حتى أجفلها صوته و هو يقول بـ إريحية رافعًا رأسه إليها
-يلا يا رحوم عشان جعان…
وضع بعض المياه على جسدهِ و رش بعض قطرات عليها لتشهق و تتساءل بـ صدمةٍ
-دا بجد! عايزني أعمل كدا بجد؟!
-أجاب دون النظر إليها:الود ودي أقولك أعمليلي مساچ بس هتجبيلي الغضروف
-قُصي!!...
أراح رأسه على حافةِ حوض الإستحمام و نظر إليها من علو ثم قال بـ نبرةٍ ناعمة جعلتها تتورد
-عيون قُصي و قلبه…
و ذلك الماكر يعلم جيدًا كيف يقوم بـ أذابتها و جعلها تستسلم له، فـ وجدت نفسها دون حديث تفتح عبوة سائل الإستحمام و بدأت في فرك جسده لتسمعه يتأوه بـ راحةٍ ثم قال مُبتسمًا
-تسلم إيدك…
ثم أمسك يده المملوءة بـ سائل الإستحمام و قَبّلها لتقول رحمة مُسرعة و هي تُبعد يدها بـ عتابٍ
-إيدي فيها صابون…
لم يهتم قُصي و أمسك رأسها يُقرب وجهها منه ثم وضع صابون على طول خط عُنقها قبل أن يجذبها و تسقط معه، شهقت رحمة و همت بـ توبيخه و لكن أي توبيخ بعد تلك القُبلة و ذلك العناق الرائع!
*****
أرجعت رأسها إلى الخلف تضعها على صدرهِ و هو خلفها يحتضن جسدها كما تحتضن الأم رضيعها و يده الأُخرى تُداعب خُصلاتهِا في صمتٍ شعرت أنها لا يجب عليها كسره، و لكن لسان حالها لا يستطيع الصمت أبدًا و خاصةً أن عقلها الذي ذهب في غفوةٍ صغيرةٍ عاد إلى الحياةِ و الشك من جديد
فـ وضعت يديها حول يده المُحيطة بـ خصرها و كأنها تتشبث بـ حبلِ أمانها ثم سألته بعد تردد دام طويلًا إستشعره هو من تشنج جسدها فـ همس ساخرًا رغم السحر النابض من نبرتهِ و إغواءها المُخيف
-قولي كُل اللي نفسك فيه يا دكتورة، حاسك كاتمة فـ نفسك حاجة هتجيب أجلك!...
كان يجب أن تثور و تغضب و لكنها وجدت نفسها تضحك، ثم بعد قليل و إستعادت نمط الجدية و الخوفِ لتسأله بـ قلقٍ عليه لا منه أو ما يحدث الآن
-طمني يا أرسلان، أنا مش قادرة مسألش…
وجدت يده التي تُمسد رأسها توقفت عن الحركة و يده المُحيطة بها تزداد قوة حولها، كذلك عضلات صدره المُتشنجة فـ تيقنت سديم خطورة ما يحدث فـ ضرب قلبها جنبات صدرها و هدر صارخًا بـ الخوفِ إلا أن أرسلان هتف بـ صوتٍ جامد، أجوف يحمل الجفاء و الغضب على الرغم من هدوء نبرتهِ و صوتهِ ذو النغمة العادية
-متشغليش بالك يا دكتورة بـ حاجات هتتعب دماغك…
فغرت فمها و همّت بـ الإستدارة و لكنه لم يسمح لها فـ رفعت رأسها لتلمس شفتيها ذقنه قائلة بـ غضبٍ و توتر
-يعني إيه مشغلش بالي! مين دا و إيه اللي حصل عشان يعمل فينا كدا!...
أمسكت يده المجروحة و التي قامت سديم بـ إجراء ما يلزم بعد رفضه التام الذهاب إلى المشفى و هدرت بـ حدةٍ غير مقصودة و لكنها نابعة من خوفها الذي أكل خلاياها
-إيه اللي يوصله إنه يضربك بـ السكينة و يتهجم عليك؟…
كان الصمت حليفها و هي تأكدت من ذلك فـ زفرت و قالت موضحة تخشى أن يُسيء فهم أسئلتها
-أنا مصدقة يا أرسلان إن مفيش حاجة بينك و بين خطيبته و عارفة إنك متعملهاش، بس محتاجة أفهم أنا فـ وسط إيه!
-سخر بـ نبرةٍ سوداء تُماثل نظرته لها:شاكة فيا يا دكتورة ولا إيه!...
تجعد جبينها بـ غضبٍ أقوى مما سبق لتضرب يده و هدرت حينها بـ صوتٍ مُحتد، عالٍ
-شك إيه! أنا لو شاكة فيك عُمري ما هرمي نفسي فـ حُضنك و لا هكون بين إيديك حالًا…
وجدت الصمت من طرفهِ من جديد فـ إستدارت إليه و حاوطت وجهه بـ يديها ثم أكملت قائلة بـ توسلٍ تبتغي منه الراحةِ
-زمان لما إتحطيت وسط دوامة معاك قبلت كُل دا من بـ شرط، و هقبله دلوقتي من غير شرط لأن الفرق دلوقتي إني بحبك و روحي متعلقة بيك…
إرتج جسدها لنظرته التي زادت سوادها و كأنه يبتلعها بـ أكملها حتى أن روحها تستغيث لتنجو من ذلك الغرق المُجحف لقلبها، و رده كان أنه أعادها لِما كان عليه، ظهرها إلى صدرهِ و جبهته وضعها فوق كتفها العاري ثم بعد لحظاتٍ هتف بـ صوتٍ مُتباعد
-أنا مش فاهم عشان أفهمك…
ضمها أكثر و صعدت يده إلى كتفها من خصرها إلى الأعلى و جذبها أكثر إلى صدرهِ ثم هتف بـ قوةٍ، صوتهِ كانت ترتج له الحوائط لعزيمته التي أخافتها
-بس محدش هيمس منك شعرة، محدش هيقدر يأذيكوا طول ما أنا عايش
-همست بـ نبرةٍ على وشكِ البُكاء:أرسلان أنا مش قصـ…
لم تُكمل سديم و أرسلان ترتفع يده لذقنها ثم يرفع رأسها و يهبط هو إليها مُكتسح بُكاءها و خوفها، ربُما يُريد طمأنتها و ربُما يُريد هو الأمان و ما كان عليه سوى الغرق بها أكثر
ليس كُل الضباب مُخيف، هُناك ضباب تستشعر نعومته بين يديك و تتلمسه روحك فـ تملأها صفاءًا
و سديم هي ضبابه الصافي
*****
في صباح اليوم التالي
نهضت سديم من غفوتها في الغُرفة المُلحقة بـ حديقة المنزل الصغيرة، و بحثت حولها عن أرسلان و لكنها لم تجده، فـ تنهدت و نظرت إلى الساعة لتجدها التاسعة تمامًا
نهضت و إرتدت ثيابها ثم خرجت و توجهت إلى المنزل، اليوم ليس عُطلة و لكنها قررت مُكافأة نفسها بعدما حدث بـ الأمس، فـ نوت الصعود إلى والدها و الأطفال و لكنها سمعت جلبة قادمة من المطبخ و صوت زقزقة طفلتها قادم من هُناك، تعجبت سديم و توجهت إلى حيث الصوت
توقفت مصدومة و كاد فكها يتدلى أرضًا، و رغم ذلك غمر قلبها شعورًا لن تستطيع وصفه بـ كلماتٍ حتى بل يبعث الدفء داخلها، و كأنه الضوء بعد الظلام، الخيط الأول لبزوغ الفجر بعد ليلٍ دام طويلًا
أرسلان يقف أمام أطفاله و خاصةً سيلا الصغيرة و طعامها البسيط و الطفولي يعبث به بين يديه ثم يُحاول إطعامها بـ لُطفٍ لا يليق مع هيئته الطاغية و المُظلمةِ، و تلك الماكرة تسلب لُبه و لُبها بـ ضحكتها الطفولية
وضعت سديم يدها على فمها و قررت الرحيل حتى لا تُفسد وقتهم الشحيح، نادرًا ما يكون أرسلان مع أطفالهِ، القاسي معها دائمًا من الصعب إظهار عاطفته لصغارهِ و هي لا تلومه ما قاساه سابقًا جعله ذلك الحجر الصلب الذي لا سبيل لـ الوصول إليه
صعدت الدرج تنوي أخذ حمامًا و لكنها سمعت صوت الباب فـ تحركت لتفتحه لتجد سُمية تقول
-خليكِ يا ست سديم هشوف أنا
-حركت رأسها نافية و قالت:لأ خليكِ أنتِ، شوفِ بابا و أنا هفتح…
لوحت إلى والدها بـ إبتسامةٍ ثم توجهت إلى الباب، حينها لم تُفكر سديم مرتين و كيف وصل الطارق إلى باب المنزل و ليس جرس البوابة هو ما يصدح!
فتحت سديم الباب و نظرت حولها و لكنها لم تجد أحدًا فقط خرجت و تعثرت في مظروفًا ما لتنحني و تأخذه مُتعجبة، كان مُدون عليه اسمها فـ زادت حيرتها و قلبته بين يديها إلا أنها إستسلمت في النهايةِ و فتحته
كان يحتوي على صور فوتوغرافية تجمع أرسلان مع فتاةٍ ما، جعلت قلبها ينبض، رغم تأكيد قلبها لها أن أرسلان لم يخونها أبدًا و لكن الشيطان يُمارس وسوسته بـ أبهى حلةٍ له
-سديييييم!!!...
أجفلت سديم على صوت أرسلان الهادر و المُخيف و إستدارت بـ رأسها لتراه و لا تعلم لماذا كُل هذا الخوف و القلق فـ إبتسمت رُغمًا عنها و قالت بـ نبرةٍ غريبةٍ
-أنا واثقة فيـ
-إبعدي عن الباب…
صوته كان هادرًا كـ الرعد المُدوي و لكنها لم تفهم ما يقول و لم تفهم لماذا عليها أن تبتعد، و قبل أن يستوعب عقلها إندفاع أرسلان و هرعه إليها، وجدت جسدها يندفع إلى الخلف إثر رصاصة إخترقت جسدها مُسببة الإطاحة بها أرضًا
و آخر ما سمعته هو صوت صُراخ و صوته هو الذي يهدر بـ اسمها كـ زئير وحش هائج تم التعدي على مُمتلكاته
-سديييييم!!!...