![]() |
رواية ملكة علي عرش الشيطان ( هزم الشيطان ) الجزء التانى الفصل التاسع بقلم إسراء على
رُغمًا عني وجدتُ نفسي أخسر كُلما خُدِشتْ
أليس صوت الريُاح بُكاءًا رثاءًا لي!!
طنين، كُل ما تستطيع سماعه هو طنين و ألم حارق يخترق كتفها و كأن أحدهم يقوم بـ حرقها حية، و لكنها لا تجد القُدرة على الصُراخ نظرًا لفقدها القوة و وعيها الذي يميل إلى الغفوةِ دون الصحوة، تستشعر الحركة حولها و لكنها غير قادرةً على السماع فقط طنين كاد يصُم أُذنها
حاولت فتح عينيها إلا أنها لم تستطع و كأن هُناك قوة خفية تضغط على جفنيها فـ لا تستطيع مُقاومة النوم القسري المفروض عليها دون داعٍ، و وسط كُل ذلك خرجت آهة صغيرة جعلتها تعرف أنها لا تزال واعية
و على الجانب الآخر بينما كان صُراخه يصُم الآذان و صوت بُكاء طفلته يصله بـ وضوحٍ تام، وقف مشدوهًا أمام صدمة جسدها المسجي أرضًا و الدماء تنسل منها، لقد نسى تقريبًا رؤيتها في حالةٍ كـ تلك مُنذ سنواتٍ ، الآن يعرف جيدًا كم هو قاسي و مُجِحف هذا الشعور، تشعر و كأن أحدهم يشطرك لأشلاءٍ و يتلذذ بها أمام عينيك
-سديم! بنتي!…
خرج من حالة اللاوعي التي دخل بها على صوتِ مُحرم و هو يهتف بـ لوعةٍ و خوفٍ لإبنتهِ، فـ ركض إليها سريعًا ة جثى جوارها و لكن قبل أن يقترب منها وجدت رصاصة مقصودة أحالت بين ذلك
كانت مقصودة بينهما كـ تحذير بَيّنٍ له، أنه كُلما إقترب كانت الضحية أقرب إليه و ضحيته القادمة ما هي إلا ضبابه الذي سعى جاهدًا للظفرِ به، نظر أرسلان في نفس إتجاه القادم منه الرصاص و حدق بـ أعين تُخالف تمامًا ضوء الشمس، كانت ظلام مُخيف و هادر يُخبرك أن القادم ما هو إلا موتٍ تستحقه عن جدارةٍ و بـ أكثر الطُرق شناعةً و ألم
و تلك النظرة وصلت واضحة للقاتل فـ أخفض سلاحه و الذي لمعت عدسته تحت تأثير الشمس، و تغير النمط من القتلِ ليلًا ليتحول لقتلٍ في أي وقتٍ عشوائي و هذا يعني أن القاتل تمكن أكثر منه
إنحنى أرسلان و دفع الباب بـ قدمهِ ثم جذب جسدها و حماها بـ جسدهِ ثم رفعها إلى صدرهِ يُحدق بها بـ نظراتٍ شديدة العُمق و القسوة قبل أن يهمس بـ صوتٍ لم يسمعه أحدًا ولو سمعه لإستطاعوا إستنباط و الشعور بـ إهتزاز نبرتهِ و إرتعاشها الغير مقصود
-سديم! أنتِ سمعاني!...
لم يجد رد سوى همهمة بسيطة فـ وضع يده على جرحها النازف و رُغمًا عنه ضغط عليه لتتأوه سديم قائلة بـ صوتٍ واهنٍ تُحاول تجنب مصدر الألم
-براحة، أه فيه نار فـ كتفي…
رفعها أكثر حتى وضع رأسها في تجويف عنقهِ ثم هتف بـ صوتٍ جاف كـ مجرى مائي عميق جفت مياهه فجأة
-هُشش، كُل حاجة هتكون بخير، حتى أنتِ…
هرولت سُمية و من خلفها مُحرم الذي هدر بـ نبرةٍ مُرتجفة و شرسة في الوقتِ ذاته
-سديم يا حبيبة أبوكِ أنتِ كويسة!!
-صكت سُمية صدرها و صرخت:ست سديم يا مصبتي!...
لم يلتفت أرسلان لأحدٍ بل هدر بـ صوتٍ لا يحمل النقاش و غير قابل للتفاوض
-خُشي للولاد جوه طمنيهم و محدش منهم يتحرك…
ترددت سُمية و لكن صوت بُكاء الأطفال جعل كُل ترددها يتلاشى فـ ركضت إلى الداخل، بينما ظل أرسلان على وضعهِ فاقدًا للتفكير حتى قاطعه صوت مُحرم القاسي و الهجومي
-بنتي بسببك بتتأذى، أنت من ساعة أما دخلت حياتها و بنتي بتتأذى…
نظر إلى إبنتهِ الفاقد للوعي بين يدي زوجها بـ حسرةٍ و أكمل بـ صوتٍ يزداد حدة و قساوة
-لو هتفضل تأذيها كدا، إبعد عنها أحسن، أنا معنديش غير بنت واحدة…
نظرة أرسلان إلى مُحرم كانت كفيلة بـ سحق العالم لشدة بـرودتها و حدتها، كانت تُشبه المطارق الساحقة و بل في حدتها نافست نصل سيف لمُحارب أسطوري قوي، و نظرته كانت كفيلة لترد و لم يحتج إلى الحديث
-هات تليفونك…
بلا مُقدمات هتف أرسلان بـ صوتٍ خالي من المشاعر البشرية ليستجيب مُحرم دون تعقيب و خاصةً أن نظرة أرسلان كانت و كأنها تُهشم عظامه و تسحق روحه داخله، ليُجري الآخر إتصالًا هاتفيًا
بعد ثوان أتاه صوت الجانب الآخر بـ نُعاسٍ شديد
-خير يا أرسلان فيه حاجة!
-إبعت رجالة للبيت، و حياتهم مُقابل حياة عيلتي…
فقط بـ صوتٍ غيرِ مُفسر و نبرةٍ صخرية تُثقل كاهل مُستمِعها ثم ألقى الهاتف و نهض حاملًا زوجته و كاد أن يخرج إلا أن صوت مُحرم أوقفه صارخًا
-أنت إتجننت! عايز تُخرج و فيه واحد لسه ضارب نار على بنتي! إنت عايزه يخلص عليها
-هتف أرسلان بـ فحيحٍ:لو ذكي هيكون هرب، و هو هيكون هرب فعلًا…
لم ينتظر أرسلان أكثر و وسط مُمانعة مُحرم و صُراخه الذي أفقده هدوءه الذي تسلح به لثوانٍ خرج دون أن يعبأ، إما نجاتها أو هلاكهما معًا
لم يستطع إخفاء ضربات قلبه التي خانته و نبضت عدة مرات و حدق حوله بـ تدقيق و لكنه حدسه كان صحيحًا ذلك الحقير هرب، هرب و هو يعي جيدًا أن نظرة أرسلان وصلته بـ وضوحٍ و معانيها قد ترسخت في داخلهِ
ركضت بها و هي بين يديهِ فاقدة للوعي مُغلقة عينيها و معها سرقت جُزءًا من روحهِ دون أن تشعر، تُلقبه بـ القاسي ولا تعلم هي الآن مدى قسوتها و جحودها لتتركه هكذا
*****
ركض قُصي الذي كان أن يسقط أكثر من مرةٍ بعدما هاتفه مُحرم و قَصّ عليه ما حدث، حتى هرول إلى حيث أرسلان و أرسل قوةً إلى المنزل للتحقيق فيما حدث، لم يكد أرسلان يخرج من حادث أمس حتى تكون سديم أُضحية اليوم
وجد أرسلان يقف مُنزويًا بـ ثيابِ المنزلِ و المُلطخة بـ الدماءِ و عيناه تُحدق بـ بابٍ يعلم جيدًا ما كُتِبَ عليه، رغم نظراته الداكنة و ما تحمله من خواء تستطيع أن ترى مدى غلاظة قلبه إلا أن جسده كان ينتفض
ليس بردًا أو خوفًا و لكن شيئًا أشدُ عُمقًا يستطيع قُصي جيدًا ان يعرف مدى قسوة هذا الشعور و ما يُسببه من ألم يُشبه المُدمن الذي نُزع منه المُخدر دُفعةٍ واحدةٍ، إقترب منه و وضع يده على كتفهِ، لم يستدر أرسلان و لم يُبدِ ردة فعلٍ و كأنه بـ وادٍ آخر يهيم به بـ مُفردهِ
تنهد قُصي و ضغط على كتف أرسلان ثم قال بـ نبرةٍ خرجت هادئةٍ و مُواسية رغم أنه يعلم أن لا شيء يستطيع من شأنهِ التخفيف عن أخيه
-أرسلان هتبقى كويسة!...
جفل قُصي حينما إستدرا أرسلان بـ رأسهِ بغتةً إليه ثم هسهس بـ صوتٍ لم يكن يعلم أن يُمكن لبشريٍ أن يمتلكه
-يكون أحسن للكل…
و ذلك تهديد صريح أن أرسلان سيحرق الأخضر و اليابس، سيقتل دون شرطٍ أو قيدٍ، سيُدمر منازل آمنة و يُحطم زوارق النجاةِ، كان إعلانًا للحرب الدماء فيها هي السلاح الوحيد
إبتلع قُصي ريقه بـ توترٍ بالغ ينعي ما سيحدث إلا أنه تمسك بـ آخر خيطٍ قد يُرجِع أرسلان عن ما يُفكر به و الذي يُفكر به هو الأسوء دائمًا
-مُمكن تهدى و نلجأ لحل ميأذيش حد!...
أظلمت تعابير أرسلان هُنا و عَلِمَ قُصي أن ضرب وترًا لم يكن عليه الإقتراب منه من الأساس، و قد كان حينما هسهس بـ صوتٍ قاتل و حاد يشطر إلى نصفين
-الأذية هو اللي بدأها، و أنا مبسامحش فـ اللي يُخصني و لا بسامح فـ حقي
-هدر قُصي و قد فَقَدَ عقله و هدوءه:و فكرك سديم هتكون مبسوطة و هي بتشوفك راجع لأرسلان القديم…
لم يعِ قُصي ما حدث إلا فقط حينما إستشعر ألمًا حادًا يقسم ظهره إلى نصفين و من أمامهِ أرسلان يُمسك تلابيبه و يدفع بـ جسده إلى الخلف ثم يسحقه بـ جسدهِ و يديه القوية و هدر بعدها بـ فحيحٍ مُخيف
-متجبش سيرتها على لسانك و مبسوطة أو لأ حاجة متخصكش يا حضرة الظابط…
حدق به قُصي بـ ذهولٍ و لم يستطع الحديث بل أكمل أرسلان و هو يترك أخيه فجأة كما سحقه فجأة بـ صوتٍ هادئ و كأن ما حدث ما هو إلا محض خيال
-و على يدك الأذية مكنتش مني، أنا مُجرد رد فعل…
فتح قُصي فمه ليتحدث و لكنه عاد ليُغلقه من جديد، لم يجد ما يستطيع قوله فـ آثر الصمت و الجلوس أرضًا يضع رأسه بين يديهِ و الطوفان الذي حارب لإخفاءهِ عاود الظهور بـ أشرس مما تخيل، حتى و إن أظهر أرسلان ذلك الوجه الهادئ إلا أنه وجه البوكر خاصته
الوجه الذي لا يُنذر إلا بـ الشر، الشر الذي يتبعه هلاكٍ
مرت دقائق كـ الدهر بعدها فُتحَ الباب و تنفس حينها قُصي الصعداء ليس لخروج الطبيب و لكن فقط لإزالة الضغطِ الذي كاد أن تنفجر له أُذنيه خاصةً و أرسلان يرمق الباب بـ نظراتٍ و كأنها على وشك سحق الباب و من يوجد بـ المشفى ثم أخذ سديم و الهرب و رُبما الإستعانة بـ طبٍ آخر لكي تنجو
نهض قُصي و إقترب من الطبيب في هرولةٍ و سأله السؤال الصامت الذي رمق به الطبيب و الذي جعله يشعر و كأنه إن أجاب إجابةٍ خاطئةٍ سينقض عليه هذا الوحش في أيِ لحظة
-الدكتورة أخبارها إيه!...
نظر الطبيب إلى أرسلان بـ تخوف خاصةً و حينما دخل هذا الوحش و بين يديهِ زوجته المُصابة و ملامحه الخطرة تُنذر بـ توابع لا يُحمد عُقباها ثم أجاب بـ دبلوماسية
-خرجنا الرُصاصة و فيه ضرر طبعًا، لكن نقدر نعالجه إن شاء الله، لما المريضة تفوق هنعمل أشعات و نتطمن أكتر…
لم تكن هُناك ردة فعل تُذكر من أرسلان فـ إبتسم قُصي بـ حرجٍ و قال بـ إمتنان
-شُكرًا يا دكتور، تعبناك معانا
-نفى بـ إبتسامةٍ مُهذبة:مفيش تعب ولا حاجة، ألف سلامة عليها…
ثم رحل دون أن يسمع همهمة قُصي بـ الشُكرِ، و الذي إلتفت إلى أرسلان و قال له بـ مرحٍ يُريد كسر الأجواء الصلبة
-أهي هي بخير، تقدر تهدى…
رمقه أرسلان بـ نظرةٍ جامدةٍ و لكنه فجأة إنهار ساقطًا، تحت أنظار قُصي المذهولة إكتشف أن أخيه كان يموت خوفًا داخله و أمه كان يحمل جبلًا يجثم على صدرهِ إن أصابها مكروه ترك العنان لذلك الجبل ليسحقه فـ يلحق بها
لم يجد قُصي ما يقوله أمام مشهد أرسلان المُحزن، فـ جثى جواره و ربت على كتفهِ قائلًا بـ شرودٍ
-كُله هيرجع زي الأول، كُلنا هنكون كويسين…
*****
ناظرًا إليها بـ أعين سوداء تحول البياض المُحيط بها إلى اللونِ الأحمر نتيجة بقاءه مُستيقظًا حتى وقتٍ مُتأخر من الليل، و الأحداث التي مَرّ بها في وسط النهار، إذ قام الطبيب بـ الإبلاغ عما حدث و أتت الشُرطة لتحقيق و كان أرسلان هو مَنْ أدلى بـ شهادتهِ نظرًا لفُقدان زوجته للوعي
"عودة إلى وقتٍ سابق"
بعدما تم نقلها إلى الغُرفة سحب كُرسيًا جوار فراشها و جلس عليه مُحدقًا بها بـ عينين دمويتين تحمل الكثير من الغضب و الجحود ثم أمسك يدها قابضًا عليها بـ خفةٍ و وجد يده ترتعش رُغمًا عنه فـ ترك يدها و كأن أفعى لدغته
نظر إلى يدهِ التي ترتعش و كأنه فَقَدَ كُل السيطرة على أعصابهِ، حاول إمساك يده و السيطرة على ذلك الإهتزاز الغير مرغوب فيه إلا أنه لم يستطع، فـ ضرب الطاولة الصغيرة جواره ثم تنهد و هسهس بـ صوتٍ مكتوم
-إيه اللي بيحصل!...
رفع بصره إلى سديم النائمة و يظهر على وجهها التعب و سألها ناظرًا إلى موضع الإصابة
-قوليلي إيه بيحصل! قوليلي الغلط منين!...
سار بـ يدهِ على وجنتها ثم مال و وضع رأسه على جبينها و أكمل هامسًا بـ صوتٍ شديد القسوة و الجفاء
-أنا غلطت فين؟ و الغلط دا بدايته فين!...
و إن كان ينتظر إجابة فـ لن تصل حتى و إن توسلها فـ هو ذاته لا يعلم ما يحدث حتى و إن أراد المعرفة، بـ حدسهِ و خبرته السابقة لن يحدث الآن، ذلك الذي يترصده شخص قريبًا منه جدًا و لكن مَنْ قد يكون؟ و الآن يجب عليه التريث و الهدوء و الأهم أن يستعيد أرسلان الهاشمي الذي إعتاده قبلها
وجد نفسه يميل إلى ذراعها و يضع رأسه بـ صمتٍ و كأنه ينتظر أن تربت عليه كما إعتاد أن تفعل ما أن تستيقظ، الغبية تظن أنه لا يشعر بها و لكنها لا تعلم أنه تحمل تغير شخصيتها فقط لأجل الحُب الذي لم تستطع إخفاءهُ
صوت طرقات على الباب و شخصًا يظهر خلفه قائلًا بـ نبرةٍ رخيمة
-أوضة الدكتورة سديم المصري!...
نهض أرسلان و حجب الرؤية عن جسدها بـ جسدهِ الضخم ثم قال بـ نبرةٍ جامدة
-هي، بس زي ما أنت شايف متقدرش تتكلم…
تفحصه الضابط جيدًا و نظر إلى الدماء الجافة على ثيابهِ ثم سأله و هو يعود بـ بصرهِ إلى عيني أرسلان الداكنة بـ شيطنة
-و حضرتك مين!
-أجاب بـ جفاء قاسي:جوزها
-حمحم الضابط و قال:أنا كمال الدين، ظابط مباحث…
رفع أرسلان حاجبه و سؤاله الصامت وصل إلى الضابط بـ وضوحٍ فـ أكمل حديثه
-لازم آخد أقوالك و أقوالها
-هتف أرسلان ساخرًا:أقوالي ماشي، بس هي مُستحيل حاليًا
-صر كمال على أسنانهِ و هتف:واخد بالي، بس نقدر ناخد أقوالك، إتفضل معايا…
و خرج الضابط و من خلفهِ أرسلان الذي تنهد ساخرًا و إستدار يُغلق الباب و قبل أن يُغلقه، ألقى عليها نظرةٍ أخيرة بـ معنى
"كونِ بخير"
إلتفت إلى الضابط و سأله بـ صوتٍ جاف و كأنه مَلّ الوضع و حفظ ما سيحدث و الأسئلة التي سيتفوه بها ذلك الواقف أمامه
-خير يا حضرة الظابط
-إقعد الأول…
جلس الضابط و جواره أرسلان البارد، حتى ملامح وجهه كانت تُشبه الجليد، ليسأله الضابط و هو يُخرج لُفافة تبغ
-إحكيلي اللي حصل، يعني إيه اللي شوفته!
-أجاب بـ نبرةٍ خاوية:ملحقتش، سمعت صوت الرُصاصة و خرجت لاقيت مراتي مضروبة…
نظر إليه الضابط بـ تشكك و لكنه زفر زفيرًا مُعبق بـ سحابةٍ داكنة و سأله بـ ملل
-مراتك ليها عداوة مع حد، أو أنت ليك عداوة مع حد!!
-إجابة نافية و قاطعة:لأ
-رفع كمال حاجبه و قال بـ سُخرية:معقول! من غير حتى أما تفكر شوية!...
لم ينظر إليه أرسلان و لم تتأثر عضلة صغيرةٍ منه و لكنه فكه تشنج حينما هتف مُجيبًا بـ فتور إلا أنه ينُم عن غضب جام
-لو فيه مش هخبي، أنا مش هكون حابب أتعرض لموقف زي دا تاني
-و أنا مش هحب أشُك فيك…
ضحك أرسلان بـ سُخريةٍ خرجت بـ صوتٍ عال ثم نظر إلى الضابط و قال بـ سُخرية سوداء جعلت كمال يعقد جبينه
-و لو شكيت فيا هتعمل إيه! و أنا لو عملت فيها حاجة مش هجري ألحقها
-هتف الآخر:أنت مُتهم بـ جريمة قتل إمبارح!
-أجاب بـ بساطةٍ:لو عندك دليل، إسجني
-مستبيع!!
-هتف أرسلان بـ قوةٍ:لأ، بس متعودتش أعمل حاجة و أهرب…
كانت إبتسامته مُخيفة حتى لضابط شُرطة مثله، خاصةً و هو يستطرد حديثه ناظرًا إلى عيني الضابط دون أن يحيد عنها
-لو قتلت هقول قتلت، القتل عندي مش مهرب دا حل
-هدر الضابط:أنت واعي إنك بتورط نفسك!
-رفع أرسلان كتفيه و قال بـ برودٍ:أنا مش بعترفلك، أنا بوضحلك بس…
ألقى كمال الدين اللُفافة و دهسها بـ غيظٍ ثم نظر إلى أرسلان قبل أن ينهض
-هاجي تاني آخد أقوال المجني عليها و ساعتها هفتح محضر رسمي، و إبقى إختار كلامك صح عشان ميتاخدتش عليك…
إستدار ليرحل و لكن نبرة أرسلان السوداء جمدته أرضًا لشدة ما تحمله من نيران تجعل العظام تذوب و الأنكى أنه شعر بـ الصقيع يخترق قلبه، تناقض قابض للأنفاس
-لاقوه قبل ما ألاقيه أنا…
إستدار كمال الدين بغتةً لينظر إلى أرسلان و لكن توسعت عينيه حينما وجد الممر خلفه فارغ و كأن ما سمعه ما هو إلا صوت الرياح أو ربُما ما أخبرته به عيناه و هو يجلس و ما قرأه كان أشد إخافةً مِما يُظهره ذلك الشيطان و هذا الوصف الأمثل لشخصٍ جليدي مثله
"عودة إلى الوقتِ الحالي"
سمع طرق رقيق و بعدها دلفت رحمة مُبتسمة بـ شفقةٍ، هو لا يعلم متى وصلت أو ما حدث طوال تواجده جوارها دون أن يُبارح مكانه ثم هتفت بـ نبرةٍ خافتة
-أرسلان، روح إرتاح شوية و أنا هفضل جنبها لحد ما تصحى
-لأ…
إجابة سريعة و نافية لا تستطيع الجدال بعدها، فـ توقفت رحمة في مُنتصف الطريق و زاغت بـ عينيها تجاه سديم النائمة ثم قالت في مُحاولةٍ يائسةٍ لإخراجه قليلًا
-طب إطلع كُل حاجة و إرجع تاني عشان تقدر تواصل
-و الإجابة ذاتها و بـ نبرةِ ذاتها:لأ…
مسحت رحمة على وجهها بـ عدمِ راحةٍ ثم قالت أخيرًا بـ نفاذِ صبر
-طب غير هدومك حتى مينفعش أول ما تصحى تشوفك بـ الدم دا…
و هذه المرة لم يكن هُناك ردًا، قابلها صمتٍ تام و ثقيل، أرسلان لن يبرح مكانه أبدًا و سيظل جوارها حتى تفيق، رغم خوفها و قلقها على سديم إلا أنها تُشفق على مصابهم، ماذا حدث لتنقلب حياتهم الهادئة و الجميلة رأسًا على عقب هكذا؟
بعدما حادثها قُصي لتأتي و قَصّ عليها ما حدث حتى أسرعت في المجيء، أتت و وجدته واضعًا رأسه أرضًا في عالمٍ آخر غير العالم البشري و وجدت أنه ليس من العدلِ أن تُقاطعه و أن تقتحم لحظاته الخاصة و الضعيفة معها، فـ آثرت الرحيل بـ صمتٍ
و الآن تقف عاجزة عن مدّ يد المُساعدة تمامًا كما حدث مع سديم مُنذ سنوات حينما ظن الجميع أنها فقدت زوجها، و كما حدث عندما وصلت رحلت من جديد و أغلقت الباب تاركة إياه بـ مُفردهِ معها
تحولت عيني أرسلان إلى جمرتين من الغضب و الجحيم القاتل و نهض من مقعدهِ و إتجه إلى النافذة المُطلة على حديقةٍ ما ثم إلتفت إلى سديم و هسهس بـ صوتٍ خفيض و هُنا يكمُن الرُعب
-أحسنلك تصحي كويسة…
*****
نهضت كـ مَنْ صعقتها كهرباء و هي تسمع بـ الخارج صوت نساء قادم جهة المنزل، لقد آتى حقًا و لم يكن يمزح! كادت غُفران أن تفقد وعيها غضبًا، تحركت في الغُرفة ذهابًا و إيابًا ثم قررت الخروج و التنصت لمجيئهم و لكنها لم تحتج لذلك فـ قد وصلها صوت عابد عالٍ و كأنه يتقصد ذلك
-هلا يا شيخ راغب، و لا قول بوي بما إني بصير إبنك…
شهقت غُفران و كادت أن تخرج قاتلة إياه و لكن والدتها أمسكت بـ يدها و حركت رأسها نافية، بينما على الجهة الأُخرى لم يجد عابد ترحيب من الشيخ راغب أو أهل المنزل و مع ذلك لم يهتم بـ إبتسم و إستطرد مُشيرًا إلى الرجال خلفه
-تعالوا يا رجال، الهدايا هذه لأهل الدار…
إمتثل الرجال لأمر عابد و دخلوا المنزل بـ عدة أشياء غالية كـ التُحف و المصوغات الذهبية و غيرها من مأكولات، و الشيخ راغب ينظر إلى كُل تلك الهدايا بـ نظرةٍ مُحقرة ثم قال رافعًا بصره إلى ذلك الذي يقف بـ غطرسة في وسط باحة المنزل
-ما بتشريني بـ هذه الأشياء، بنتي ما بتتزوجك يا عابد…
إرتسمت إبتسامة خبيثة على وجههِ ثم قال بـ نبرةٍ أشد خُبثًا و مكرًا
-ليش ما بتسأل العروس! شوف إيش بتريد…
عقد الشيخ راغب جبينه و نظر إليه بـ حيرةٍ و شك ثم قال بـ نبرةٍ غليظة وهو يضرب الأرض بـ عصاه
-إيش بتقصد عابد! غُفران ما تريدك
-ناطحه بـ ثقةٍ:بتريدني، بتريدني يا خال، فوت إسألها و بنتظر الإجابة…
و لم ينتظر رد خاله، بل توجه إلى أريكةٍ ما و جلس عليها مُلملمًا عباءته السُكرية و جلس بـ غرور ثم أخرج سلاحه كـ تهديد خفي إلتقطه الشيخ راغب جيدًا فـ إسودت عينيه بـ نظرةٍ مُظلمةٍ و قال بـ صوتٍ هادر
-إيش بتقصد من السلاح! بتهددني يا عابد!
-تصنع البراءة قائلًا:والله ما بقدر يا خال، السلاح يتعبني وقت أچلس
-غمغم الشيخ راغب:إيش صارلك يا ولدي! إيش صار معك لتكون هكذا!...
إستمع عابد إلى سؤال خاله الخافت و لم يجد القُدرة للرد عليه، بل تصلبت معالم وجهه و توقفت عيناه على عيني الشيخ راغب بـ شيءٍ من الخجل و الرغبة في الإختباء، إلا أنه لم يسمح لذلك بـ الظهور فـ هتف بـ صوتٍ جامد شديد الغلطة يتناسب مع مظهره الشرس
-بنتظر إچابة عروسي…
تبدلت معالمه فجأة ثم قال بـ نبرةٍ عالية بها من الخُبثِ ما وصل إلى غُفران واضحًا
-بتمنى تكوني موافقة يا عروس، و إلا ما بتركك لحالك…
وصل لغُفران صوته واضحًا فـ وجدت نفسها تسقط أرضًا، إما الموافقة أو الموت على يدِ والدها، إما أن تُضحي بـ حُبها و سعادتها و إما تخسر مصدر الحُب و السعادة، لك تكن لتترك سليم لُقمة سائغة في فمِ هذا الوحش الذي لن يتردد في تخريب حياتهما بـ أكثرِ الطُرقِ تسلية و تلذذ
لطمت وجهها و والدتها جوارها تُهدأ من روعها دون أن تفهم السبب، فـ قالت بـ صوتٍ مُهتز و لكنه قوي في الوقتِ ذاته
-إرفضي بنيتي، بوكِ ما بيتركك لهذا حية
-لطمت غُفران أكثر و قالت بـ تحسر:ليتني أقدر يا أمي، يا ليت…
والدتها نفسها تعرف ما يستطيع عابد فعله، عاشرته كثيرًا و دافعت عنه أكثر و تولت تربيته بعد وفاة والدته إلا أنها لم تتخيل ما وصل إليه، كانت تقف بـ صفهِ دائمًا مُتعللة بـ يُتمهِ و أنه نشأ بلا والدين، حتى والده الذي لا يزال على قيد الحياة لم يُعره الإنتباه، فقط يتزوج و يُنجب
و هي تعرف ما سينالهم من طوفان عابد، عانقت رأس صغيرتها و هتفت بـ تحسر و ألم لإبنة هربت لتحصل على الحُرية و الأُخرى كانت كبش الفداء و سقطت فـ الأسر لتُنقذ شقيقتها
-يا حر جلبي يا غُفران، يا حر جلبي عليكِ يا قوت…
ظل جثم فوقهما و إقترب فـ رفعت غُفران رأسها إلى والدها الذي قال بـ صوتٍ جامد، صخري يحمل داخله غضب غير قادر على إخراجهِ
-إيش قولك يا بنيتي! بتعرفيه و بتعرفِ إيش تريدي…
أحداث أمس و أحداث اليوم الذي هددتها في هذا الرجل الغريب تلوح في الأُفق، تعرف جيدًا أن لا مفر سوى الهروب إلى عابد و ربُما تستطيع الهروب منه فيما بعد، لذلك مسحت عبراتها و شمخت رأسها ثم قالت بـ صوتٍ قوي يحمل العزيمة
-موافقة يا بوي، خبره إني موافقة…
صعقتها نظرة والدها و جعلتها تشعر بـ الألم فـ نهضت تُقبل يده قائلة بـ نبرةٍ باكية
-والله ما بريده، بس شره سم مثل الحية ما بنقدر نتعالچ، بخاف يا بوي يسوي فيك شي
-ضرب عصاه الأرض و هدر:بعرف أحمي حالي و أهل داري، ولا نسيتِ مين بوكِ يا غُفران!
-صرخت غُفران قائلة:لا يا بوي والله ما بقدر أنسى، لكني أخاف، هذا الحقير ما بنقدر نأمن شره…
ظلت نظرات والدها مُعلقة به و كأنه يسبر أغوارها، شعرت و كأن نظرته تخترق روحها فـ تكشف سرها الدفين فـ تحاشت النظرِ إليه، ليُبعد يده عنها ثم قال و هو يرحل
-هذه قرارك إتحمليه…
ثم تركها لتسقط باكية من جديد و صوت عويلها يصل بـ وضوحٍ تام إلى عابد الذي بـ الخارج ليقول من بين أسنانهِ دون أن يستمع إليه أحد
-يا غبية بريد إنقذ حياتك و حياتي…
عندما عاد الشيخ راغب و ملامح وجهه المُتجهمة أظهرت إجابة غُفران، لينهض و تتسع إبتسامته ثم قال و هو يُصافح خاله
-مُبارك يا خال، بنقعد القران في وقت قريب…
لم يُصافحه الشيخ راغب و لكن ظل ينظر إلى يد عابد ثم إلى وجههِ المُبتسم بـ إستفزاز ليقول بـ نبرةٍ ساحقة جعلت إبتسامة الآخر تتلاشى
-قوت بنيتي هربت منك، و غُفران بنيتي ما بتركك تاخذها هيك…
وضع عابد يده قسرًا في يدِ خاله ثم إقترب منه و همس بـ شراسةٍ و فحيح
-بتتركها يا خال و إلا أنا اللي ما بتركك…
إبتعد ليرى ملامح وجه الشيخ راغب دكنت و تحولت إلى ظلامٍ فـ أكمل قائلًا بـ برودٍ و كأن هذا ما يُقلق خاله
-لا تقلق ما بتزوچ غُفران لأجل أصل لقوت، غُفران بتصير زوچتي الوحيدة، و ما بتزوچ غيرها…
صفعه الشيخ راغب و عينيه تُلقي بـ الحُمم لتتسع عيني عابد و همّ رجاله بـ رفع الأسلحة إلا أنه أوقفهم بـ يدهِ ثم قال بـ نبرةٍ شرسةٍ، مُخيفةٍ
-هذه الصفعة ما بنساها، الأسبوع القادم عقد القران، و ما بقبل بغير هذا…
تركه عابد دون إلقاء تحية و تبعه الرجال في صمتٍ حتى خرج و صعد سيارته و لكن قبل ذلك نظر في إتجاه المنزل ليرى غُفران تقف على بُعدٍ منه و نظراتها تصله بـ وضوحٍ تام، مزيج من الكُره و الغضب يتخللهم العناد و الحرب
حرب سيستمتع هو فيها بـ الربح السهل حتى و إن كان يعني دهسها، لذلك إبتسم و أرسل إلى قُبلةٍ في الهواء و هتف بـ صوتٍ عالٍ لتسمعه
-مع السلامة يا عروسي، بشوفك الأسبوع القادم…
تحولت نظرتها إلى الإشمئزاز و غادرت ليصعد هو ضاحكًا إلى السيارة و أمر السائق بـ الرحيل، لحظاتٍ و سمع صوت هاتفه يصدح بـ وصول رسالةٍ ما، أخرج الهاتف و تحقق منها، كانت رسالة قصيرة مفادها كلمةٍ واحدة
"مُبارك"
قتمت عينا عابد و قبض على الهاتف بـ قوةٍ حتى كاد أن يُهشمه ثم ألقى به جواره، يعض على شِفاه السُفلى بـ قوةٍ ثم هتف في نفسهِ بـ كُلِ ما يعتمل داخله من كُره
-نهايتك بتكون على إيديّ، إنتظر…