رواية احكي يا ميرنا زاد الفصل الثامن
✨ مكرُ التسعة... حينَ ظنَّ الماكرون أنَّ اللهَ غافلٌ عن مكرِهم ✨
ــــــــــــــــــــــــــــ
يا سامعَ الحكايا تحتَ ضوءِ القمر، اقتربْ واجلسْ، فإنَّ الليلةَ تحملُ لكَ من أخبارِ الأوّلينَ ما يُنيرُ البصائرَ ويهزُّ القلوبَ، حكايةَ قومٍ أعطاهم اللهُ القوَّةَ والملكَ، فاغترُّوا، وأرسلَ إليهم رسولًا، فكذَّبوا، وأنزلَ لهم آيةً، فتمادوا، حتى حلَّت بهم اللعنةُ فأصبحوا كأن لم يكونوا...
في أرضٍ قاسيةٍ، بينَ الوديانِ والجبال، نشأَ قومٌ عُرِفوا بالقوةِ والبأس، حفروا الجبالَ قصورًا، ونحتوا الصخرَ بيوتًا، فظنوا أنَّ الأرضَ دانت لهم، وأنَّ الزمانَ لا يُبليهم، قال تعالى:
﴿ وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلوَادِ ﴾ (الفجر: 9).
لكنَّ القوةَ حين تُعمي البصر، تصيرُ هلاكًا، فقد تركوا عبادةَ اللهِ الواحد، واتَّخذوا الأصنامَ آلهةً، يعبدونها ويرجونَ منها الخيرَ والبركة.
فأرسلَ اللهُ إليهم نبيًّا من أنفسِهم، صالحًا عليه السلام، يدعوهم إلى التوحيد، فقال لهم:
﴿ يَا قَوْمِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ ﴾ (هود: 61).
لكنَّ القلوبَ إذا اعتادت الظلامَ، ضاقت بالنور، فأعرضوا وقالوا: "يا صالحُ، قد كُنَّا نرجو أن تكونَ فينا رجلًا حكيمًا، فما بالكَ تنهانا عمَّا وجدنا عليهِ آباءَنا؟"
ولأنَّ اللهَ لا يُهلكُ قومًا حتى يقيمَ عليهم الحُجَّة، أرسلَ لهم معجزةً عظيمة، ناقةً تخرجُ من الصخرِ أمامَ أعينِهم، تشربُ الماءَ يومًا، وتتركُهُ لهم يومًا، لكنَّ الكِبرَ يعمي البصيرةَ، فقالوا: "ما هذه إلا سحرٌ مبين!".
وهنا ظهرَ التسعةُ رهطٍ، مَن بيدِهم الأمرُ والنهيُ، أهلُ الفسادِ والمكرِ، اجتمعوا في ليلٍ دامسٍ يتآمرونَ، فقال قائلهم:
"إلى متى نتركُ هذا الرجلَ يُفسدُ علينا قومَنا؟ لقد جاءَ بآيةٍ حبَسَت أنفاسَ الناس، والقلوبُ تكادُ تميلُ إليه!"
فاقتربوا من الناقةِ، وسلَّ أحدُهم سيفَه، وضربَها في ساقِها، فسقطت، ثم اجتمعوا عليها يُجهزونَ عليها، فانطلقت الأرضُ تهتزُّ، والسماءُ كأنَّها تصرخُ، لكنَّهم لم يروا إلا دماءَ الناقةِ تجري، فصاحوا ساخرينَ:
"يا صالحُ، أينَ العذابُ الذي تُحذِّرنا منه؟ هاتِه إن كنتَ من الصادقين!"
فوقفَ صالحٌ بينهم، بعينٍ دامعةٍ وقلبٍ كسيرٍ، وقالَ كلمتَهُ الأخيرةَ:
"تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ۖ ذَٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ" (هود: 65).
لكنَّ التسعةَ رهطٍ لم يكتفوا بذلك، بل قرَّروا أن يُنهيوا الأمرَ كله، أن يقتلوا صالحًا ومن معهُ، فيُطفئوا صوتَ الحقِّ إلى الأبد. فأسرُّوا في الليلِ مكرَهم وقالوا:
﴿ تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهۡلَهُۥ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِیِّهِۦ مَا شَهِدۡنَا مَهۡلِكَ أَهۡلِهِۦ وَإِنَّا لَصَٰدِقُونَ ﴾ (النمل: 49).
لكنَّ اللهَ إذا أرادَ أمرًا، فلا رادَّ له...
وحينَ بزغَ الفجرُ، انشقَّت السماءُ عن صيحةٍ عظيمة، رجَّت الجبالَ رجًّا، وزلزلت الأرضَ زلزالًا شديدًا، فكانَ الصباحُ على ثمودَ مُرعبًا، والوجوهُ التي ملأها الكبرياءُ بالأمس، سقطت على الأرضِ بلا روحٍ، صارتْ دارُهم خاويةً كأنْ لم تسكنها أنفُسٌ من قبل.
قال تعالى:
﴿ فَكَيۡفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكۡرِهِمۡ أَنَّا دَمَّرۡنَٰهُمۡ وَقَوۡمَهُمۡ أَجۡمَعِينَ، فَتِلۡكَ بُیُوتُهُمۡ خَاوِیَةَۢ بِمَا ظَلَمُوٓاْۚ إِنَّ فِی ذَٰلِكَ لَأٓیَةࣰ لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ ﴾ (النمل: 51-52).
العِبْرةُ الباقية... هل من مُدَّكر؟
وهكذا، انتهى القومُ الذينَ ظنوا أنَّهم خالدون، ومضت قصَّتُهم عبرةً لمن بعدَهم. فكم من ظالمٍ في الأرضِ اليومَ يظنُّ أنَّ بطشَهُ لا يُقهر، وكم من مُفسدٍ يمكرُ ويظنُّ أنَّ عينَ اللهِ عنهُ غافلة؟!
لكنَّ اللهَ قد قالَ، وقولُهُ الحقُّ:
﴿ وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِیُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمࣲ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ ﴾ (هود: 117).
فمن أرادَ النجاةَ، فليلزم طريقَ الحقِّ، وإن قلَّ سالكوه، وليحذر طريقَ الظالمين، وإن كَثُرَ أتباعُهُ، فإنَّ اللهَ ليس بغافلٍ عمَّا يعملُ المجرمون.