رواية عشقتها فغلبت قسوتي الجزء الخامس (نصال الهوى) الفصل الخاتمة
الحُب ليس رواية يا حُلوتي.. بختامها يتزوج الأبطال…
هو هذه الأزمات التي تسحقنا معًا.. فنمزن ونحن و تزهر الآمال…
هو هذه اليد التي تغتالنا ونُقبل اليد التي تغتال…
بعد مرور خمسة أشهر
تنهد صُهيب وهو يقود سيارته إلى المنزل.. لماذا عليه أن يُعاني بً زواجه من جُلنار لتلك الدرجة المؤلمة.. فـ جاسر الصياد لم يجعله يهنأ ليلة واحدة مع زوجته.. حتى شهر العسل لم يتم.. لم يتم نهائيًا
لقد جعلهم يعودون بعد ثلاثة أيام فقط.. أي طاغية هو؟
ضرب صُهيب على المقوّد بـ غيظ ثم هتف بـ إمتعاض قوي
-حسبي الله ونعم الوكيل.. وليه عين يؤمرني أجي كتب كتاب إبنه!.. أنا مش عارف ربنا هيكتبلي الراحة أمتى طول ما أنت عايش…
أكمل قيادة السيارة في صمتٍ تام حتى وصل إلى البناية القاطن بها.. أوقف المُحرك وظل ينظر إلى الشُرفة الخاصة بـ شقتهِ حيث تقبع تلك التي ذاق من أجلها العذاب لتكون اليوم بـ بيتهِ تنتظره
لأ يُنكر أن حياته معها تلونت بـ ألوان لم يكن يعرف أنها موجودة بـ الأساس هي فقط أضافت نكهه إلى حياتهِ.. يعشقها بـ جنون لا يجد القدرة حتى على التوقف عن عشقها
جُلنار شغف وإحتلته بـ الكامل لكن عائق فعلته يوم الزفاف لا تزال تؤرقه.. دائمًا ما يُسيطر علينا الغضب فـ يجعلنا نرتكب الجرائم و الأخطاء ثم نندم يوم لا ينفع الندم
صحيح أذاقه عمه الأهوال وجعله يُعاني حتى توترت العلاقة بين عائلتهِ وأنه حقًا يستحق القتل عما فعله ولكن لم يجب عليه هو فعلها.. لم يكن عليه أن يتواجد من الأساس
تذكر بعد شهرٍ كامل أتاه جاسر الجامعة وجلس بـ مكتبهِ يُحدثه بـ كُل هدوء أن سُليمان قد مات ثم أردف بـ نبرةٍ صخرية
-أنا تغاضيت بـ مزاجي عن اللي عملته وإنك تدخل تقتل حد موجود فـ أملاكي الخاصة.. بس عندك حق أنا عارف إنك رحمته من اللي هعمله فيه…
حينها حمحم صُهيب وأردف بـ قوة ونبرةٍ سوداء كـ سواد عيناه
-أنا معملتش كدا عشان أرحمه.. أنا عملت كدا لأنه يستحق
-تنهد جاسر وقال:مكنتش عاوزك توسخ إيدك فـ واحد زي دا…
حملق به صُهيب بـ ذهول أدى إلى إتساع كبير بـ عينيهِ قب أن يُكمل جاسر مُؤكدًا
-أنت صحيح اسمك الهواري.. بس جوهرك مش الهواري…
فغر صُهيب فمه بـ صدمة أكبر مما سبقتها قبل أن يتدارك نفسه ويردف بعدها بـ مُزاح
-وطب وكان لازمته إيه تعذيب الجاهلية دا؟!
-أجاب جاسر بـ بساطة مُغيظة:مزاجي…
مط صُهيب شفتيه بـ عدم رضا ثم قال بـ قنوط عابس
-مشوفتش حد مُقنع أدك والله
-يكون أحسنلك…
أردف بها جاسر وهو ينهض ثم قبل أن يخرج هتف بـ تهديد عنيف
-بنتي لو سمعت إنك فكرت ولو مجرد تفكير إنك تأذيها يبقى تحفر قبرك بـ إيدك أحسنلك…
ثم خرج وأغلق الباب خلفه ليعود و يدخل رادفًا بـ إمتعاض
-أه وأنت متهبب معزوم على الغدا عندنا.. بالسم إن شاء الله…
ضرب صُهيب كف على آخر ثم هتف وهو يُحرك رأسه بـ يأس
-لله الأمر من قبل ومن بعد…
ضحك صُهيب بـ قوة ثم قال وهو يضع رأسه فوق المقوّد
-مش هلاقي حمى نُكتة زيك.. معيشني فـ رُعب وتهديد.. بس دمه خفيف والله…
قرر صُهيب الترجل من السيارة ثم توجه إلى مدخل البناية
***********************************
وضع صُهيب المُفتاح ودفع الباب ليدلف.. فـ تفاجئ بـ صوت الموسيقى الشعبية المُنبعثة في أرجاء الشقة.. وهُناك تلك الجنية التي جعلت قلبه يتوقف عن النبض وعيناه تتسع بـ صدمة أرجفت خلايا جسده
كانت ترتدي زي راقصات.. صدقًا كما يُشاهد بـ التلفاز.. تنورة ضيقة على الرغم من نحول جسدها إلا أنها كانت ضيقة بـ درجة مُعذبة له.. مشقوقة من جانب واحد فقط ولكن الشق يصل إلى حدود أردافها
ومن الأعلى صدرية حمراء كـ باقي الثوب معقودة حول عُنقها بـ أحبال رفيعة.. وذراعها الأيمن يلتف حوله سوار أسود على هيئة ثُعبان و ذلك السوار الرنان حول كاحلها يسرق دقات قلبه
كانت تتمايل بـ ليونة آخاذة وسالبة لأنفاسه التي تُحبس حنيما يتمايل خصرها إلى اليمين ثم تخرج وخصرها يتمايل ذات اليسار وما بين ذلك وذاك عطرها ذي التأثير الفتّاك.. كيف لها أن تقتله هكذا دون رحمة
إستدارت وهي تتمايل لتجد صُهيب ينظر إليها فاغر الفاه فـ غمزته بـ وقاحة شقية ثم إقتربت بـ ذات التمايل.. حتى وقفت أمامه
كان لا يزال يقف أمام باب الشقة لتجذبه من رابطة عُنقهِ إلى الداخل. و بـ نبرةٍ تفيض دلال وانوثة
-صُهيب إرقص معايا…
لم يرد صدقًا لم يجد صوته من الأساس ليك يرد.. فـ ضحكت بـ غنج أنثوي جعل أنفاسه تزداد حرارة كما إزدادت سُرعة.. أمسكت كف يده لتضعها على خصرها المُتمايل وأكملت وهي تمط شفتيها
-يلا بقى
-همس بـ صوتٍ مبحوح:يلا بقى إيه!
-غمزته قائلة:نرقص…
جنية أُرسلت إليه من السماء لتخطف منه كُل شئ.. روحه، قلبه، جسده، عقله.. كُل ما يملكه هو ملكًا لها
يده الحُرة أبعد بها خُصلاتهِا عن عينها ثم أردف بـ دفء و روعة
-كُل ما أملكه سيطرتي عليه.. كُل لما عيني بتقع عليكِ بعشقك من الأول وجديد.. أنتِ كتير عليا…
إبتسامتها لم تُماثلها إبتسامه..نظرة عيناها لا تُضاهيها روعة.. ضربات قلبها تصله بـ وضوح.. إنها ملكه وفقط.. الحق الذي إنتزعه بـ صعوبة بالغة.. ولكنها تستحق التضحية
أمسك معصمها وقَبّل سوارها ثم أكمل بـ عذوبة جعلت عيناها تترقرق بـ العبرات تأثرًا به
-الإثر الجسدي ميضاهيش الإثر النفسي اللي سبتيه جوه قلبي.. أسوارك من فضة بس إرادتي إني أوصلك كانت من دهب…
وضعت جُلنار إصبعها السبابة فوق شفتيه تمنعه الحديث ثم أردفت بـ جمال و نبرة تُقطر حلاوة
-بيقولوا الكلام بيضيع حلاوة اللحظة.. بس النهاردة إكتشفت إن الصمت ضيع كلام كتير ولحظات أحلى.. بحبك يا صُهيب.. بحبك لدرجة إني سألت نفسي من زمان ليه مقابلتكش قبل كدا…
أحاطت جُلنار عُنقهِ ثم إرتفعت على أطراف أصابعها و كـ كُل مرة تُبادر هي بـ تقبيلهِ.. قُبلات لا تنتهي.. قُبلات ذات معاني وكُل واحدة لا تُشبه الأُخرى.. تحمل مشاعر لا يستطيع وصف مدى حلاوتها
إبتعدت جُلنار عنه تضع جبينها فوق جبينه تلهث بـ قوة.. ولكنها صرخت حينما حملها صُهيب على حين غُرة وإتجه إلى الغُرفة لتتساءل جُلنار بشقاوة وهي تتأرجح بـ ساقيها
-رايحين فين!
-أجابها بـ عبث:هنتأكد من خامة البدلة دي…
وعلى باب الغُرفة تساءل بـ شك
-أبوكِ عارف إنك جايبة حاجات من دي؟!...
ضحكت جُلنار ثم نفت رأسها وهي تُتأتئ ليدلف صُهيب الغُرفة وهو يردف
-وهو لو كان عارف كان سابنا كدا…
**************************************
كانا بـ السيارة والصمت أطبق على المكان.. مُنذ زواجهم وهما يتبادلان أطراف الحديث على فترات مُتباعدة ولكنها مُثمرة على الرغم من عدم تواجدهم بـ مفردهم في مكانٍ ما لفترة طويلة.. بل كُلًا منهما ينأى بـ جانبهِ عن الآخر إلا حين تناقش معها حول عودتهم إلى الغردقة ليُمارس باقي عمله وبقاءها الجبري معه في بعض الرحلات التي تستمر لعدة أيام و رفضه القاطع لبقاءها بـ مُفردها
طوال تلك الأشهر كان يتردد حول المكان الذي وجد به شهاب.. وقابل ذلك الرجل مرةً أُخرى.. وحينها قص عليه ما يعرفه عن والده.. والذي كان أحد أعوانه ولكنه تركه وهرب حينما عَلِمَ منه الغدر و حاول قتله
سُليمان الذي وصل إليه وحاول بـ شتى الطُرق تحريضه على جاسر الصياد ولكنه هرب مرةً أُخرى إلا أن القدر ألقى بـ شهاب في طريقه ولم يحتج لمعرفة هويته وهو يُخبره أن سُليمان الهواري أرسله إلى هُنا
سافرت ذاكرته إلى يومٍ قبل شهر واحد لا أكثر.. حين قابل جاسر الصياد بـ تلك الشقة التي يُخفي بها شهاب
"عودة إلى وقتٍ سابق"
فتح يزن الباب ودلف ثم أشعل الأضواء ليجد جاسر الصياد يجلس بـ مواجهته فوق مقعد شبه مُتهالك ولكنه لم يُخفِ هيمنته و طُغيانه الواضح
لم يتفاجئ يزن بل على العكس تيقن أن جاسر الصياد سيعلم بـ وقتٍ قريب لا محالة.. توقف أمامه دون أن يتكلم ليردف جاسر بـ خشونة قاسية
-أظن سيبتك تلعب كتير.. جه دوري بقى…
نهض جاسر يفتح زر سُترته و نزعها تمامًا ثم رفع أكمام قميصه حتى المرفقين وهتف بـ جمود
-مش هقدر أعاقبك عشان دا حقك.. بس لحد هنا وهاخد حقي…
أومأ يزن بـ هدوء عجيب وتبع جاسر إلى الغُرفة حيث يقبع شهاب.. مُقيد بـ أحد المقاعد الخشبية والنحول قد فتت جسده بـ الإضافة إلى كدماته وجروحه الفظيعة
إبتسم جاسر بـ قساوة ثم نظر إلى يزن وهتف بـ نبرةٍ كـ الفحيح
-حقيقي عجبتني…
إتكئ يزن إلى الحائط خلفه ومن ثم تابع ما يحدث بـ صمتٍ رهيب
بينما جاسر أمامه يُمسك فك شهاب تمامًا كـ أول مرة قابله ثم هدر بـ هسيس قاتل
-عارف أنا مين!.. أنا جاسر الصياد اللي فكرت تلعب معاه وتأذي حاجة تُخصه…
نظر إليه شهاب بـ ضعف ثم قال بـ نبرةٍ تُماثل ضعف نظرته
-خالصين.. قتلت أبويا وأذتني.. قتلتك وأنت حي و أذيت بنتك…
لكمه جاسر بـ قسوة حاد كاد أن يسقط ولكن قبضته أحالت دون ذلك ثم جأر بـ صوتٍ مُرعب وكأنه قادم من الجحيم
-مش مهم أعرف أنت ابن مين عشان أكيد *** زيه.. بس اللي لازم أنت تعرفه إني مبسبش تاري.. وباخده بـ أقسى الطُرق اللي مُمكن تتخيلها…
إبتعد جاسر ليلتقط آلةً ما فـ إتسعت عيني شهاب وهو يرى أن تلك الآلة لم تكون سوى آله تسخين الحديد
أشعلها جاسر و بـ نبرةٍ تحمل قساوة شنيعة أردف
-جحيمك اللي على حق هيبدأ من النهاردة…
قضى شهاب ساعات من الصُراخ لوحشية ما يقوم به جاسر.. راقب فيهم يزن مدى ألمه الذي يُظهره في عنفوان إنتقامه.. ولكنه يستحق وأكثر.. هو أحبها وبـ قدر ما فعله لم يستطع إخماد النيران المُندلعة داخل جوفه.. فـ بالك بـ والد شاهد تحطم إبنته وذبحها دون رحمة أمام عينيه.. لا يظن أمه يمتلك الجُرأة ليخوض تلك التجربة
في خضم ما يقوم به جاسر سمع صوت شهاب يردف بـ نبرةٍ مقيتة وكأنه مريض نفسي
-مهما ضربتني يا جاسر باشا.. الإحساس اللي حسيته وهي بين إيديا يستاهل كل اللي بتعمله فيا…
الجحيم المُستعر تجسد بـ شيطانية على ملامحهِ.. أما نظراته فـ كانت كـ السهام المُسممة التي تنطلق فـ تفتك بـ من أمامها بـ شراسة
إستطاع سماع صوت تهشم عظامه وجاسر يُطيح به أرضًا.. ضربًا قاسيًا، مُؤلمًا
بينما يزن الظلام الدامس الذي إبتلع روحه جعل يده تتحرك تلقائيًا ليستل سلاحه وبـ مهارة صوب ناحية رأس شهاب و أطلق الرصاص ليُنهي حياته في لحظة واحدة
نظر إليه جاسر بـ نظرات نارية ولكنه لم يتحدث بـ كلمة.. وإنتهت تلك الحادثة بـ دفع جاسر ليزن وأمره بـ جفاء
-إمشي من هنا…
وإنصاع يزن بـ صمتٍ إلتزمه من أول اللقاء
"عودة إلى الوقت الحالي"
حتى الآن لا يعلم ماذا حدث و أين إختفت جُثة شهاب
إلتفت يزن على صوت چيلان وهي تهتف بـ صوتٍ مُشتد كـ الوتر
-دا مش طريق المنيا.. إحنا رايحين فين!
-أجاب يزن بـ لُطف:هنروح لـ لُبنى كلمتني وقالتلي نروحلها قبل ما نروح المنيا
-تساءلت چيلان:مين لُبنى دي!
-خالتو
-أومأت بـ تفهم:أها…
تهللت أساريره و شعر بـ إبتهاج داخلي لتباسطها معه في الحديث.. الخطوة الأولى تجسدت بـ تلك القُطيطة التي جابها يزن إليها.. بل وتعلقها الهوسي بها جعله أكثر راحة لتجاوبها معه.. وذلك لأنها لم ترفض ما يأتي به
حتى الثوب الذي جلبه لها وضعته خلسة بـ حقيبتها لتلك الفترة الوجيزة التي ستقضيها بـ قصر الصياد نظرًا لعقد قران توأمها.. إبتسم يزن سعادة إنها تسير بـ إتجاه علاجها
*************************************
ترجلت چيلان من السيارة وتبعها يزن.. كانت تُحدق حولها بـ ذهول لتلك المناطق الشعبية التي لم تطئها قدمها من قبل.. الدفئ تسلل إلى قلبها وهي ترى نسوة الحي يجتمعن بـ أحاديث لا تفقه عنها شئ.. والأطفال الصغار من حولهم يلعبون دون الإهتمام لإتساخ ثيابهم.. بل يلعبون دون توقف
هذا يعمل وذاك يُساعد.. الحياة بسيطة ولكنها رائعة
إنتفضت على يد يزن الذي أمسك كفها فـ سحبتها سريعًا وهو لم يمنعها ثم أردف بـ إبتسامتهِ المُعتادة
-تعالي نطلع عشان أهل المنطقة هيكلوكِ بـ عنيهم…
تطلعت حولها بـ ذهول لتجد بعض الناس توقفوا ليُحدقوا بـ تلك الغريبة عن عالمهم حتى أن النسوة التي كانت تُتابع أحاديثهن قد توقفن عنها و حدقن بها.. تضرجت وجنتيها بـ خجل وأخفضت رأسها ليبتسم يزن بـ تعاطف ثم قال وهو يُشير بـ يدهِ إلى بناءٍ ما
-تعالي نطلع يلا…
تبعته إلى الداخل ليصعدا الدرج حتى وصلا إلى الطابق الخاص بـ شقة خالته ثم دق الجرس لتفتح هي سريعًا ومن ثم قامت بـ عناقه هاتفة
-خمس شهور عشان تشوف خالتك يا يزن.. هونت عليك؟…
لثم يزن كفها ثم أردف بـ مُزاح
-حقك عليا يا ست لُبنى.. الجواز بقى وجماله
-مطت شفتيها بـ إمتعاض وقالت:باين عليك يا خويا…
ضحك يزن ثم إبتعد وهو يدفع چيلان لتُرحب بـ لُبنى قائلة بـ إبتسامة متوترة
-إزيك يا طنط!...
ربتت لُبنى على ظهرها وقالت بـ إبتسامة مُتكلفة
-كويسة يا حبيبتي.. إتفضلي…
إبتعدت لتسمح لهم بـ الدلوف.. حدقت چيلان بـ أرجاء الشقة الصغيرة وأثاثها البسيط ثم إلى تلك التي تُحدق بها بـ تدقيق عميق
توترت أكثر وتراجعت قليلًا لتقف خلف يزن الذي أشفق على حالتها فـ قال بـ عبث
-إيه يا لُبنى مش هتأكلينا ولا إيه؟!...
ضربت كفها فوق ظهر الآخر وقالت بـ إستنكار
-لأ إزاي.. ساعة والغدا يجهز.. خُد عروستك وإطلع السطوح شم شوية هوا بدل ريحة الأكل…
نظر إلى چيلان وتساءل بـ عطف
-تحبي تطلعي؟؟
-نظرت إلى لُبنى وتساءلت:مش محتاجة مُساعدة يا طنط؟…
أصدرت لُبنى صوت إستهجان ثم قالت بـ سُخرية واضحة
-وأنتِ هتعرفي تعملي إيه يا حبيبتي؟.. روحي إطلعي مع جوزك وسبيني أخلص…
عضت چيلان شِفاها بـ حرج وأومأت بينما نظر إليها يزن بـ عتاب لتتأفف لُبنى قائلة بـ إستياء
-أنا مقولتش حاجة.. قصدي اللي إتربى فـ قصر الصياد أكيد يعني معملش لنفسه كوباية شاي…
ضرب يزن جبينه بـ يأس ثم هتف وهو يدفع لُبنى إلى المطبخ
-طب روحي كملي الأكل عشان جعان وأنا هاخد مراتي لفوق…
كانت چيلان تختلس النظرات إليه وهو يتحدث مع خالتهِ.. يزن ذلك الملاك الحارس الخاص بها.. يتفهمها جيدًا، يحترمها، والأهم يعشقها
لم تكن تلك المرة الأولى التي تُراقبه بها بل العديد من المرات.. منها واحدة حينما ذهبت معه إلى رحلة عمل وتلك السائحة التي تتدلل بـ تقزز إليه ولكنه كان يتعامل بـ عملية لا تنكر أنها شعرت بـ غضب غير مُبرر إلا أنه كان يحترم مشاعرها أليس كذلك!.. ليتها تستطيع التعافي من أجله
تذكرت مرة حينما سألها على حين غُرة.. كان عائد من الخارج بـ وقتٍ مُتأخر قبل أن يعودا إلى الغردقة
-لسه بتحبيه!!...
على الرغم من تفاجؤها من السؤال وتلك الرجفة الشنيعة التي سرت بـ جسدها مصحوبة بـ ذكريات مُقززة إلا أنها أجابت بـ هدوء جامد، صخري
-مفيش ضحية بتحب جلادها…
لم يظهر على وجههِ أي تعابير بل أومأ و رحل
رفت بـ جفنيها وهي تجده يقترب منها لتفيق سريعًا قبل أن يلحظ تحديقها به.. ثم قال
-يلا…
أومأت و تبعته إلى خارج الشقة و وقفا أمام الدرج المؤدي إلى الطوابق العُليا
مدّ يزن يده المفتوحة إليها و ظل ناظرًا إلى عينيها الواسعتين بـ تردد برئ إلا أنه لم ييأس وأيقن أنها لن تخذله فـ أبقى يدهِ بـ هذا الوضع المُؤلم حتى رضخت بـ إرتجاف لتضع كفها الصغير بـ كفهِ الذي إحتواها بل و أخفاه كُليًا
صعدا الدرج المُتهالك حتى وصلا إلى سطح المنزل لتتوقف چيلان وتسأله بـ تردد حتى تؤخر الصعود كي لا يبقيا بـ مفردهما حتى وإن كان يزن لم يفعل ما يُبدد ثقتها أو يُخيفها منه
-أنت بتقول لخالتك بـ اسمها عادي.. مش كدا قلة أدب!...
توقف يزن قاطبًا لحاجبيهِ بـ تعجب ولكن إبتسامة ثغره الرجولية زينت وجهه المُتعجب ثم أردف مُقهقهًا
-هي اللي طلبت مني كدا.. على أساس الفرق بينا مش كبير…
حركت كتفيها بـ بساطة ثم تبعته حتى وصلا السطح.. كان واسع، مُريح لنظر.. إحتوى جُزءًا ليس بـ هين منه على عدة أنواع نباتية منها لزينة وأُخرى بعض الخضروات والفواكه
وفي أحد الأركان القاصية وجدت بُرج للحمام صغير تطير حوله بضع حمامات ذات لونٍ أبيض تبعث بـ النفس السلام
وعلى إمتداد بصرها كانت المنازل القديمة التي تعلوها أعشاش الدواجن و أبراج الحمام تكتسح المشهد المُهيب أمامها خاصةً و وقت الغروب يلون السماء بـ لونٍ بُرتقالي مُبهر
نظر يزن إليها فـ أُخذت عيناه وإختل توزان نبضات قلبه لذلك الإنبهار اللامع بـ عينيها المجرتين كذلك خُصلاتهِا المُتطايرة بـ حُرية و نعومة حول وجهها.. وتيبس فمه على تلك الإبتسامة الرائعة.. إنه أمامها بلا حول أو قوة
وقعت عيني چيلان على عينيهِ اللتين تتأملاها بـ عشقٍ فاضح لم يدخر جُهدًا في إظهارهِ.. توردت هي بـ خجل لتُخفض رأسها لتسمع منه قهقهة رقيقة جعلت نبضات قلبها تتوتر ولأول مرة.. لا ليس لأول مرة بل أخذ عدة ضربات ليست من حقه يوم زفافهم.. على الرغم أنه لم يلمسها إلى الآن
سمعت خطواته تقترب ثم همسة دافئة، وناعمة بـ درجة تُثير القُشعريرة المُحببة
-تعالي أوريكِ حاجة…
و جذبها دون أن ينتظر ردها لتقف أمام سور السطح بـ عدة سنتيمترات و وضع بين يديها طائرة ورقية ثم همس بـ عذوبة
-يلا نطيرها
-مش بعرف…
إتسعت إبتسامة حانية قبل أن يجذب منها الطائرة و الخيط و بدأ في جعلها تُحلق بـ الأُفق لتنضم مع مثليتها بـ السماء.. شهقت چيلان ضاحكة وهي ترى الطائرات الورقية تُحلق بـ السماء بـ مشهد بديع لا تراه كثيرًا.. وللأسف لم تلحظ يزن بـ جوارها
كانت حرب نفسية داخله.. سعادة تكاد تطفر من عينيهِ لها.. لسماع أولى ضحكاتها بعد ذلك الحادث المشؤوم.. ورغبة عنيفة تجبره إجبارًا أن يُعانقها حتى يُحطم عظامها الرقيقة ثم يُشبعها تقبيلًا.. ولكنه أحجم نيران عيناه التي عكست الحروب المُشتعلة داخله وهتف بـ هدوء عجيب
-يلا تعالي إمسكيها…
أومأت بـ حماس لتُمسك الخيط و حافظت على توازنها بـ صعوبة.. ولكن قوة الرياح كان يسحب الطائرة ويسحبها معها لتصرخ ضاحكة بـ إنفعال وهي تتحرك إلى الأمام
-يزن إلحق الطيارة بتشدني…
ضحك يزن و سارع بـ إمساك الخيط من خلفها فـ بقت مُحاصرة بين يديهِ.. أنفاسه ساخنة عكس الرياح الباردة التي تلفحهما..تلسع بشرة عُنقها من الخلف والصمت لا يكسره سوى صوت الرياح
كانت تشعر بـ تشنج عضلات صدره العنيفة على ظهرها.. وهو كان يشعر بـ ضربات قلبها الهادرة التي تضرب ظهرها فـ يرد عليها بـ ضربات أشد عُنفًا.. وإرتجاف جسدها لا يُمكن تجاهله.. إلا أنها كانت صامتة وكأنها تتنعم بـ إحساس الدفئ و الأمان اللذين تشعر بهما دائمًا معه
يزن كان المأوى في أكثر لحظاتها ضعفًا وكسرًا
يزن كان اليد التي تربت على أوجاعها فـ تُطيبها
يزن كان سفينة النجاة أنقذتها من غرق مُحقق
يزن كان الأمان في أكثر الأوقات خوفًا
يزن كان ولا يزال العطاء الذي يمنح دون مُقابل
لتلتفت هي بـ رأسها لتصطدم أنفها بـ أنفهِ وهي لم تبتعد.. بل إزدادت سُرعة تنفسها حتى أصبحت مُؤلمة وصدرها يتحرك إلى أعلى وأسفل.. بينما عيناها ولأول مرة تجد الجُرأة لتُحدق بـ خاصتهِ وهذا جعلها تتساءل أهي ذات لونٍ أزرق كـ البحر أم أخضر كـ العُشب.. إندفع السؤال بلا إرادة
-هما أزرق ولا أخضر!...
وبدلًا من الرد صدر تأوه عنيف، حار، أخرج كُل ما يختلج داخله من عُنف مشاعر حطمت قدرته على الإحتمال ليهمس بـ صوتٍ حار، أجش بـ عُنف، مُتأوه بـ اسمها
-چيلان!!!...
وإقترب يميل ليمس شفتيها الناعمتين أخيرًا بـ رقة، و عذوبة مُهلكة حتى البُكاء.. يتحرك بـ شوق رقيق حتى لا يُثير رُعبها الذي ما زال يروضه حتى الآن
الآن يحصل على أولى قُبلاته من الأميرة بعد أشهر عديدة.. أشهر طويلة من زواج قضاه كُله نائمًا فوق الأريكة، وحيدًا، باردًا لا يجد ما يُدفئ به بروده قلبه سوى مشاعره اللاهبة ناحيتها
أغمض يزن عيناه وهو يستمتع بـ ذلك الشعور ثم بدأ بـ تحرير شفتيها بـ بُطء مُشددًا على جفنيهِ وكأنه يتألم ولكن سُرعان ما أن أبتعد وتلعثم قائلًا
-آسف.. آسف مكنش المفروض أتسرع كدا…
فركت چيلان يديها بـ توتر قوي مُخفضة لرأسها المُتضرج بـ حُمرة الخجل.. أما يزن فـ كان يشد على خُصلاتهِا حتى أنها سمعته يشب
تجرأت چيلان وإقتربت منه ثم همست بـ صوتٍ خجول
-يزن.. يزن.. أنا مش خايفة…
إستدار إليها يزن وحدق بها مصعوقًا لتبتسم بـ تردد ثم أكملت بـ خفوت
-أنا عاوزة أبدأ معاك من جديد.. معاك أنت…
لم يُصدق يزن ما يسمعه فـ إتسعت عيناه بـ ذهول ونبض قلبه بـ تسارع قبل أن يتساءل بـ شك
-مُتأكدة!
-أومأت وقالت:أنت كُنت دوايا.. كُنت الحُب من غير قيود.. جايز مش بحبك دلوقتي بس أنا حاسة جنبك بـ الأمان.. زي أمان بابا بالظبط وأنا مش عاوزة أخسر الأمان دا…
تقدم منها يزن حتى كاد أن يلتصق بها ولكن دون لمسها ثم أردف بـ قوة وهدير أنفاسه يلفحها بـ جنون
-هتحبيني.. واثق إنك هتحبيني
-إبتسمت بـ توتر وهتفت:عارفة.. بس محتاجة وقت…
لامس يزن خُصلاتهِا رابتًا عليها ثم هتف بـ إصرار
-بين إيديكِ الوقت كُله.. وما عليا إلا إني أستنى الغزال يآمن ليا ويحبني…
*************************************
ما أسعده تلك الليلة حقًا تلك الفاتنة ستُصبح زوجته بعد قليل.. ها هي تجلس جوار المأذون الشرعي و والدها وهو يتلو دون صبر ما يقوله المأذون
بعد أن إنتهى نهض سريعًا و توجه إليها دون صبر.. مد سامح يده يُصافح جواد ولكنه تجاهله وعانق إيلاف
صر سامح على أسنانهِ ثم مثل وكأنه يُصافح جواد هامسًا بـ غيظ
-عيلة قليلة الذوق والأدب…
ضحكت إيلاف وهو تُعانق جواد الذي يتمسك بها وكأنها حبل نجاته ثم سمعته يهمس بـ تعجل
-بحبك يا إيلاف.. أخيرًا بقيتي مراتي…
سُحب جواد بـ يدٍ قوية فـ إبتعد قصرًا عن إيلاف ثم نظر ليجد سامح فـ إغتصب إبتسامة وأردف بـ مُزاح
-عمي مشوفتكش والله
-هسهس سامح بـ حدة:عارف الحركة اللي عملتها دي حسابها إيه!
-مش محتاج أعرف…
إلتفت جواد إليه وعانقه ثم هتف
-ألف مبروك عليك.. والله ناسبت راجل آآ
-قاطعه سامح بـ إستهجان:يعر والله
-ضحك جواد بـ إصفرار:أصيل يا عمي والله…
وعلى الجهه الأُخرى قاطع حديث صابر و جاسر هذه المرة سُفيان الذي أردف بـ تهذيب
-صابر باشا.. ممكن أطلب منك إيد ريتاچ بنت حضرتك؟
-رفع صابر حاجبه بـ غرابة ثم تساءل بـ هجوم:وأنت تعرف ريتاچ منين؟
-حك سُفيان مُؤخرة رأسه وقال:الحقيقة شوفتها كتير بس والله متجاوزتش حدودي معاها…
نظر إليه صابر بـ شك ليُقسم له سُفيان أنه لم يتحدث معها بـ طريقة مُشينة فـ كرر بـ إلحاح
-قولت إيه يا صابر باشا؟!
-تدخل جاسر بـ إمتعاض:متوافقش يا صابر
-أتاه صوت شريف من الخلف:جاسر باشا.. لو سمحت متدخلش…
إستدار جاسر إلى شريف ليجده يُمسك يد زوجته و يُحدق به بـ قوة ليُبادله أُخرى بـ إزدراء ثم هتف بـ وقاحة
-أنتوا إيه اللي جابكوا أنا معزمتكمش؟!
-لكزته روجيدا قائلة بـ حرج:عيب يا جاسر…
نظر إليها جاسر بـ حدة ثم دفعها بـ خفة بعيدًا عنه وهدر بـ عُنف
-أنتِ إيه اللي موقفك هنا؟.. يلا روحي إداري بعيد
-تمتمت روجيدا بـ ذهول:أنت لسه بتغير يا جاسر!.. والله مش طبيعي…
أقبلت جويرية من بعيد وهي تُمسك يد حمزة والذي يظهر عليه علامات الرُعب
-بابتي جوزني حمزة…
إستدار إليها جاسر بـ جنون ثم هدر بـ صوتٍ كـ الفحيح
-دا أنا هجوزك عزرائيل لو ممشتيش دلوقتي…
ثم نظر إلى يدها التي تُمسك كف حمزة فـ تملكه الغضب ولكن قبل أن يقوم بـ لكمه دفعها حمزة إلى أحضان جاسر وأردف بـ سُرعة
-والله طالبها فـ الحلال
-همهم جاسر بـ صوتٍ مُرعب:حلال دي بتتكتب على الفرخة لما يدبحوها.. وإن شاء الله هتجرب الإحساس دا
-تدخلت روجيدا ضاحكة:خلاص يا حمزة.. جويرية تخلص بس الثانوي وإن شاء الله تخطبها
-هدر بـ صوتٍ مُزلزل:هو أنا مش مالي عينيك يا فراولة ولا إيه؟
-همست بـ إغراء:ضاع التهديد بـ فراولة دي…
وضع جاسر يده حول خصرها ثم حمحم وقال بـ خشونة عابثة
-عندك حق.. فراولة دي مكانها مش هنا
-عضت شفاها وتساءلت:يعني هتوافق على حمزة؟
-تنهد وقال بـ إستسلام:وأنا من إمتى بعرف أقولك لأ…
و بعيدًا عنهم تسلل جواد و إيلاف من بين الجموع حتى وصلا إلى الحديقة الخلفية للقصر.. لتتساءل إيلاف وهي تضحك
-مودينا على فين؟
-غمزها بـ شقاوة وقال:هتعرفي…
وقفا بـ المُنتصف ليظهر يزن و صُهيب ومعهما جُلنار و چيلان.. ليدفع كُلًا منهن إلى منطقة مُعينة ثم إختفوا فجأة لتتساءل چيلان بـ حيرة
-هو إيه اللي بيحصل؟
-ردت جُلنار بـ جهل:علمي علمك…
ثوان وصرخت إيلاف بـ صدمة وهي تجد الأرض من حولهن تشتعل بـ مُفرقعات مُلونة لتتخذ مسار مُعين حتى إنتهت بـ إشعال النيران و كلمة واحدة تم تزيينها و خطها بـ الخط العربي الإسلامي
"بحبك"
صرخت جُلنار بـ سعادة ثم ركضت ترتمي بـ أحضان صُهيب حتى إلتفت ساقيها حول خصره.. ليضحك هو بـ سعادة ثم ربت على خُصلاتهِا وهمس بـ صوتٍ عذب
-دي أقل حاجة لزهرة الرُمان…
أما يزن فـ تقدم بـ بُطء يتلذذ بـ مشهدها المبهور وعيناها اللامعة بـ عبرات.. مد يده يمسح بـ إبهامهِ عبرة قبل أن تنحدر على وجنتها ثم قال بـ دفء
-بحبك يا معذباني…
إقتربت چيلان بـ تردد ثم وضعت رأسها على كتفهِ دون أن تقترب بـ جسدها منه وقالت بـ تحشرج
-أنت ليه حنين كدا؟.. ليه بتحسسني إني صُغيرة قُدام الحُب دا؟…
حاوط يزن وجهها ثم هتف بـ حنو بالغ
-هشششش.. هعتبر نفسي مسمعتش الكلام دا.. يا صاحبة العيون المُهلكة…
-طب إيه مش هتترمي فـ حُضني أنا كمان؟…
عضت إيلاف على شِفاها بـ خجل ثم همست بـ أُذنهِ بعدما إقتربت منه.. لتتسع عيناه بـ صدمة عابثة وأردف بـ شقاوة
-من إمتى بقيتي قليلة الأدب كدا.. وعلى العموم أنا مينفعش أرفض ولو حتى مقولتيش أُقسم بالله كُنت هعملها هو أنا مش عريس ولا إيه!...
ضحكت إيلاف بـ خجل ليجذبها جواد بعيدًا عن الأنظار وقَبّلها.. أول قُبلة يتذوق بها شفتيها المُثيرتين بعد طول عناء ليحصل عليها
الحُب كـ الورد يحتاج إلى الماء لينمو
لا تدعي الحُب دون تضحية فـ بعض المُحبين لا يعرفون الحُب لأنهم لم يضحوا ويبحثون طوال حياتهم عن الحُب ظنًا منهم أنهم لم يجدوه بعد
أنعم الله علينا بـ غريزة الحُب.. إنها نعمة من دونها لم نكن لنكون حتى الآن
************************************
بعد مرور خمسة أعوام
كانت روجيدا عائدة بعد يومًا طويل من العمل.. تتذكر حديثها صباحًا مع جاسر حينما أتى حمزة ليصطحب جويرية بعد الخلاف بينهما..هذان الإثنان لم تتوقف مُشاجراتهم حتى بعد الزواج
كانت غضب جاسر من جويرية واضح.. حيث أنها عاندت حمزة وإرتدت ثوبًا لا يليق بها عندًا به.. حينها سألته بـ جدية
-طب أنت ليه مفرضش على بناتك الحجاب طالما بتغير عليهم كدا!...
إبتسمت روجيدا بـ عُمق وهي تتذكر رده المُقنع و القوي عليها
-مينفعش أفرض عليها حاجة مش مُقتنعة بيها ومش معنى كدا إني حابب إنهم يفضلوا كدا.. لأ أنا عاوزهم يتعلموا الستر.. وإن ربنا فرض الحجاب عشان يعفهم.. مش عاوز أفرض عليهم وبعد أما يلاقوا الحُرية يقلعوه زي بنات كتير لأ أنا حابب بناتي تحب الحجاب.. تحب إنها تحب الحجاب ولابسها عشان بتحبه.. زيك كدا…
ترجلت روجيدا من السيارة لتجد بناتها يلعبن مع أولادهن.. لتعقد حاجبها وتتساءل
-أومال فين إجوازكم وأبوكم!
-منعرفش إحنا لسه جايين من شوية والأولاد بيلعبوا…
أجابت جُلنار التي رزقها الله هي و صُهيب بـ صبي سُمي تيمنًا بـ جاسر.. وكم أشفقت وقتها على صُهيب.. أما چيلان فـ رزقها الله بـ توأم يُشبهان يزن.. إلا الفتاة التي تحمل نفس أعين والدتها.. التباين.. أما حمزة و جويرية لم يُنجبا بعد نظرًا لأن حفل زفافها كان قريب
جواد و إيلاف رزقهما الله بـ فتاتين بينما عامٍ واحد
تنهدت روجيدا ثم قالت وهي تحك جبينها
-طب سيبوا الأولاد مع المربية وتعالوا نجهز الأكل
-أوكيه…
دلفن جميعًا إلى الداخل ليقفن مشدوهين مما يرن.. رجال المنزل يجلسون عاريين الجذع و يأكلون البطيخ!!.. متى تغير مفهوم تناول البطيخ!
شهقت روجيدا هدرت بـ حدة
-أنتوا بتعملوا إيه؟
-أجاب جاسر بـ بساطة:بناكل بطيخ
-صرت روجيدا على أسنانها وقالت:ومن أمتى البطيخ بيتاكل من غير هدوم؟!...
نهض جاسر وعلى وجههِ علامات لا تُنذر بـ الخير ثم هتف بـ عبث
-من دلوقتي يا مربى
-تساءلت روجيدا بـ توجس:أنت هتعمل ايه!...
صرخت روجيدا بـ فزع وهي تجد جاسر يحملها على كتفهِ ثم قال بـ مكر
-نطري القعدة بدل التيران اللي قاعد معاهم دول…
ما أن إختفى جاسر حتى سار على نهجه الجميع.. إلا يزن ظل جالسًا لتقول چيلان بـ إرتياح
-الحمد لله طلعت العاقل اللي فيهم…
لم تلبث إلا وهي تصرخ حينما جذبها يزن و مددها أرضًا وهو يعتليها ثم أردف بـ خُبث
-أنا لسه هستنى وأطلع فوق
-ضحكت چيلان وقالت:مكنتش مُتخيلة إنك هتطلع قليل الأدب
-حك يزن خُصلاته وقال:إيه دا هو مكنش باين عليا ولا إيه…
تأتأت وهي ترفع حاجبيها بـ إغاظة ليضحك يزن بـ قوة مُقبلًا إياها ثم أردف بـ نبرةٍ ساحرة
-والتابين في لون عينيها كـ مجرتين في فضاءًا واسع تسر الناظرين…