رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الحادى عشر 11 بقلم نورهان ال عشري

 

رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الحادى عشر بقلم نورهان ال عشري



يمر قطار العمر حاملًا معه ذكريات وأحلام، وربما أمنيات كانت مدفونة بين طيات قلوبنا، التي أرهقها كثرة ما تحمله من أثقال لا نعلم بأي محطة سنسقطها ؟ أو ربما سنسقط نحن ونفارق؟ ويا ليت الحياة تصنع لي معروفًا وتغادرني مثلما غادرتها منذ أمدًا بعيد، فلا أنا أشعر بأنني على قيدها ولا هي تشعر بوجودي..


نورهان العشري ✍️


🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁


أكثر من شاق على المرء أن يكُن عاجزًا عن رد الأذى أو حتى تجاوزه. تعبر مخاوفه و انكساراته أمام عينيه وهو عاجز عن الهرب منها ولا يملك القدرة على مقاومتها، و على الرغم من آثارها المُدمرة على روحه التي بكل صفعة خذلان تتلقاها تفقد جزءً منها، و المُتبقي يحيا برفقة حفنة من الجراح التي لا ترياق يُداويها ولا دواء يمحي آثارها.


نورهان العشري ✍️ 


تفشى الذُعر في جسدها حين استمعت إلى ذلك الصوت الذي يُمثِل أكبر مخاوفها في هذه الحياة لتلتفت بآليه تناظر عنايات التي كانت عينيها بئر من الشرور و الكراهية التي لا حدود لها، وقد كانت غنى أكثر من يعلم ذلك لذا أخذ صدرها يعلو و يهبط من فرط الخوف، و لم يفُت ذلك على ياسر الذي غزت الدهشة معالمه لتبدُل حالها من القوة التي كانت تتحلى بها منذ قليل وهي تُجابهه إلى ذلك الضعف و الذُعر الباد على محياها. 


ــ ايه يا ياختي. اتسمرتي كدا ليه؟ ولا فكرتي انك مش هتشوفيني تاني! لا ملكيش حق هي عشرة يوم، دا احنا واكلين شاربين نايمين قايمين مع بعض اديلنا سنتين، ولا انتِ فكراني قليلة الأصل زيك! 


كلامها يقطر سُمًا يحرِق كل خليه بداخلها للحد الذي جعل الحروف تتأرجح مُتلعثمة على شفاهها حين تحدثت قائلة :

– أن. أنتِ ايه اللي جابك ؟ 


طافت نظرات عنايات على ذلك الجسد الضخم و هذه المعالم الخشنة التي تناظرها بحدة بعدما علم هويتها، فلونت السُخرية قسمات وجهها و نبرتها حين قالت :

-أصلك وحشتيني قولت اجي أشوفك. بس متخيلتش انك تبقي سريعة اوي كدا. ياختي ياما تحت السواهي دواهي. لحقتي توصلي الود اللي اتقطع، ولا يكونش الود متقطعش من أساسه، والغلبان ابني كان نايم في العسل. 


كانت ملامحها تعج بالكراهيه و الأسى، و جسدها يرتعش من فرط الغضب، والخوف معًا لذا وجب التدخُل لوضع حد لهذه الحية فتحمحم بخشونة ثم قال بنبرة جافة:

– أنتِ مين يا ست انتِ؟ 


شهقت عنايات بطريقة سوقية قبل أن تهتف بنبرة رقيعة

– ما بالراحة يا سيد الرجالة. اصلي بتخض ياخويا من الصوت العالي. 


انهت جملتها و تخصرت قبل أن تقول بسُخرية:

– انا حماتها يا عنيا. اقصد السابقة. حماتها السابقة. 


خرجت الكلمات غاضبة من بين شفاهها حين قالت:

– أنتِ جاية هنا ليه ؟ و عايزة مني ايه؟ 


عنايات بغل:

– جايه اشوف فلوس ابني اللي لهفتيها أنتِ و أهلك بتروح فين ؟ شقى ابني اللي ملحقش يتهنى يا قلب أمه. بس متخيلتش اني هلاقيكي في راندفو متخيلتش انك تبقي قادرة كدا. 


– يزيد. 


هكذا هتف بنبرة حادة اجفلت المرأتين، فاقترب يزيد الذي كان يقف مع روضة بعيدًا عن مكانهم، ولكن نداء ياسر جعله يتقدم حتى وقف بجانبه قائلًا:

– ايه يا ريس؟ 


ياسر بنبرة جافة و عينين يتساقط منهم الوعيد الذي كان يُحيط بعنايات: 

– وصل غنى لحد باب بيتهم، و ارجعلي


التفتت غنى بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت:

– ايه؟ 


لم تُحيد نظراته عن عنايات التي كان التحدي يتبلور في عينيها، ولكنها اهتزت داخلياً حين سمعته يتحدث إلى غنى قائلًا:

– اللي سمعتيه. روحي معاه. 


كانت ترتعب من اي حرف قد تتفوه به هذه الحية أمامه، وقد تمنت لو ينصرف حتى لا تبخ سمومها أمامه، فهي رغم كل شيء تُريد الاحتفاظ بماء وجهها أمامه، ولكن أن يصرفها ليبقى هو معها لم يكُن ضمن توقعاتها، ولكنها لم تستطِع أن تعانده لذا التفتت بأعيُن تهتز من فرط ما تحمل من العبرات، و بداخلها تتمنى لو تهبط صاعقة من السماء تقبض روحها حتى ترتاح من هذه الحياة. 

انصرف يزيد و معه غنى ترافقهم روضة لتهتف عنايات بسُخرية:

– أؤمرني. قلبي قالي انك عايز تنفرد بيا. عشان كدا طرئتهم. 


غضب بشدة من طريقة تلك المرأة الفجة، ولكنه لم يُعلق على حديثها بل هتف بنبرة جافة متوعدة:

– اسمعي الكلمتين اللي هقولهملك دول. عشان لما اعلم عليكِ أنتِ و اللي آنيكي يبقى عداني العيب. 


اغضبها حديثه فأوشكت على الاعتراض فأوقفتها نبرته الحادة، و طريقته الفظة حين قال :

– اسم ياسر الوتيدي هنا زي الطبل، و اي حد يفكر يقل عقله و يجيب سيرتي بطريقة متعجبنيش انا كفيل اقص لسانه هو واللي يتشددله، و تبقي تسألي جوزك مين هو ياسر الوتيدي. 


عنايات بغل:

– انا عارفه مين ياسر الوتيدي كويس. مش انت بردو اللي ساعدت المحروسة عشان تطلق من ابني؟ 


ياسر بجفاء:

– الله ينور عليكِ، و بالنسبة للمحروسة دي فشيليها من دماغك احسنلك. 

صمت لثوان وهو يُشير بيديه على المكان من حولهم ثم قال بصرامة:

_ الناس اللي في المكان دا كله في حماية العبد لله، و اي حد يمس حد فيهم يبقى جه عليا، فاعمليلك قفلة بقى، و لمي الدور علشان مزعلش اللي منك. 


برقت عينيها بغضب من حديثه و طريقته الفجة معها لذا قالت بجفاء:

_ وماله. حقك تحافظ على الي ليك، و على أهل منطقتك. انا عن نفسي بحب الرجالة الي عندها شهامة دي. بس خلي بالك احنا كمان مبنسبش حقنا، و اللي ييجي علينا يبقى جنى على روحه. سلام يا سيد الرجالة. 


لم يُعلق على حديثها فهي بكل الأحوال إمرأة، ولكنه أقسم بداخله أنه لن يجعلها تقترب من غنى التي لا يستطع أن ينسى كم كانت ترتعب منها. 


يا كريم، اللهم يا ذا الرحمة الواسعة يا مطلع على السراير والضماير والهواجس والخواطر لا يغرب عنك شيء. أسالك فيضا من فيضان فضلك، وقبضة من نور سلطانك وأنساً وفرجاً من بحر كرمك.♥️


★★★★★★★★


– انا قولت مفيش شراكة مع حد يبقى مفيش شراكة مع حد، و لو مسكتيش هقولك كمان مفيش شغل. 


هكذا هتف مرزوق بغضب حين استمع إلى ما حدث في الظهيرة لتهتف غنى بقهر:

– أنا كمان مش عايزة أشارك حد بس البت شبطت في المكان، وانا أصلًا اللي اختارته الأول. اتكلم مع عم سمير يمكن تقنعه اخده أنا. 


مرزوق بجفاء:

– مش هتكلم مع حد. شوفيلك مكان تاني. يا اما تقعدي في البيت لحد ما يجيلك عدلك. 


هبت من مكانها بانفعال تجلى في نبرتها حين قالت:

–عدل ايه اللي بتتكلم عنه؟ انا مش عايزة اتجوز تاني. 


شهقت صابرين باستنكار تجلى في نبرتها حين قالت:

– كلام ايه دا يا غنى؟ لاهو أنتِ عايزة تقضي عمرك كله مطلقة! دي كانت الناس تاكل وشنا. مش كفاية مش عارفين نرفع راسنا وسط الناس بعد ما اتطلقتي.


غنى بغضب:

– مش عارفين ترفعوا راسكوا وسط الناس ليه إن شاء الله ؟ هو أنا أول ولا آخر واحدة تطلق! 


مرزوق بانفعال:

–لا مش اول ولا اخر واحدة تطلق. بس اطلقتي من ابن الحاج عبد الحفيظ الصباغ اللي ألف واحدة تتمنى تخدم في بيته مش تتجوز ابنه، و خلي في علمك انا لحد دلوقتي مش لاقي سبب قوي لطلبك الطلاق. بس أنتِ مشتيها لوي دراع يبقى تتحملي بقى. 


ناظرته بقهر احتل صدرها حتى صار ثقًلا بحجم الجبال لا يستطِيع شيء في العالم إزاحته، فهتفت بنبرة مُلتاعه:

– كل اللي عملوه فيا وفيك قدام الناس في القاعدة والاتهامات اللي اتهموهالنا دي، ولسه زعلان عشانهم!؟ 


مرزوق بغضب :

– اي حد مكانهم كان هيعمل كدا، والناس لحد اخر لحظة كانوا باقيين عليكِ. بس أنتِ اللي اتبطرتي و اتعوجتي، و اديكي نفذتي اللي في دماغك و اطلقتي. متفكريش بقى اني هسيبك تمشي على حل شعرك. في حدود و قوانين هتلتزمي بيها، و أي حرف هسمعه عنك متلوميش غير نفسك، وأنتِ فاهمة قصدي كويس. 


برقت عينيها من قسوة حديثه و جفاءه معها وكأنها شخص لا يخصه، ولا ينتمي إليه، فأي ظُلم هذا الذي يقع عليها من أقرب الناس إليها ؟ و أي شيء في العالم يُمكنه إصلاح ذلك الفساد الذي يتسبب به الأباء في قلوب ابنائهم؟ 


– خلاص يا مرزوق اللي فات مات. كل شيء مقدر و مكتوب، و غنى عاقلة و عمرها ما تعمل حاجه تخليك توطي راسك وسط الخلق أبدًا. صح يا غنى؟ 


ناظرتها غنى بقهر يشوبه السُخرية التي تجلت في نبرتها حين قالت:

– مفروض اقولك حاضر يا ماما، و اجري اقعد جنب الشباك استنى لما يجيلي عريس تاني شبه رأفت و اتجوزه عشان تخلصوا من همي! مانا بنت، و البنات هم للممات صح ؟ 


مرزوق بغضب ونبرة تحمل الوعيد بين طياتها:

– أقصري الشر احسنلك يا بنت صابرين. مش عايز أمد ايدي عليكِ كفيانا فضايح وسط الخلق. 


كشفت لها الحياة عن وجهًا آخر يحمل من البشاعة ماجعل جسدها يرتجف خوفًا، ولكن على صعيدًا آخر تحفزت غريزة البقاء داخلها، فقد أصبحت الحرب حربها ضد الجميع، وهى لن تخسرها أبدًا، فإما أن تنتصر أو تُفارق الحياة ولكنها لن تخضع مرة أخرى. 


هتفت بنبرة جامدة:

– ماشي كلامك. انا هسكت و هقصر الشر، و هدور على مكان تاني افتح فيه مشروعي. بس خلي بالك دي مش أول مرة تتخلى عني. 


لهجتها و نظراتها جعلت مرزوق يُطالعها بغضب قبل أن تهتف صابرين بتقريع:

– تصدقي انك بت غاوية تعب! شغل ايه و نيلة ايه؟ واخدة مبلغ محترم روحي حطيه في البنك هيطلعلك اللي يكفيكي و زيادة. بدل وجع القلب دا. 


غنى بحنق:

– وافضل قاعدة بين أربع حيطان اطق واموت! و الفلوس دي هصرفها على ايه؟ عالمرض اللي هيجيلي من كتر القهرة و الوحدة! لا ياماما لو أنتِ بيعاني انا شاريه نفسي، و الناس اللي أنتِ خايفة منها و عملالها حساب. انا هقطع لسانتها لو جابت سيرتي. 


هب مرزوق من مكانه وهتف بغضب:

– مالك يا بنت صابرين! فارده ضلوعك ليه؟ مستقوية بأية و بمين؟ 


لم تفلح في قمع عبراتها التي تدحرجت كالجمر فوق خديها حين قالت بأسى:

– بنفسي. مستقوية بنفسي يا بابا. للأسف معنديش حد استقوى بيه غيرها. 


انهت جملتها و التفتت تهرول إلى غرفتها وهي تبكي بصوت ارتجت له جدران المنزل، فشعر مرزوق بألم حاد في صدره، ولكنه تجاهله و هتف بجفاء:

– بت قليلة الرباية. 


لم يكد يُنهي جُملته حتى سمعوا صوت طرق على باب المنزل، فتقدم مرزوق ليفتح الباب و إذا به يتفاجأ بجابر الصياد و بجانبه كُلًا من يزيد، و سمير و رجلان آخران لا يعرفهما:

– اهلًا و سهلاً اتفضلوا. 


هكذا تحدث مرزوق بعد أن تغلب على صدمته ليتوجه الرجال معه الى الداخل و بعد أن استقروا في مقعدهم تحدث جابر بود:

– لقيناك مجتش صلاة العشا قلقنا عليك قولت اجي اطمن عليك و اجيب الرجالة عشان نمضي العقد.


مرزوق بارتباك:

– حسيت نفسي تعبان شويه، فمقدرتش اروح اصلي في المسجد، و بعدين عقد ايه اللي بتتكلم عنه ؟ 


تدخل سمير موضحًا:

– عقد البيت بتاعي اللي عند الشونة. انت نسيت ولا ايه؟ 


مرزوق بجفاء:

– لا منستش. بس اتفاقي معاك أننا هناخده لغنى، و بعد كدا عرفت أن في حد تاني هياخده، و بصراحة نظام الشراكة دا مش عاجبني. 


ابتسم جابر حين تذكر حديث ياسر منذ ساعتين

– أنا واثق أن مرزوق مش هيوافق على الشراكة دي بسببي، و هي ملهاش ذنب، فيا تقنع روضة انها تشوف مكان تاني غيره، و تسبهولها. يا تقنع مرزوق أنه يوافق على الشراكة بينهم. 


– بتعمل كدا ليه يا ياسر؟ 


حاول البقاء ثابتًا حتى في نبرته حين قال:

– ربنا ميرضاش بالظلم، وهي اختارت المكان الأول، وانا قولت انبهك عشان عارف دماغ ابوها، و القرار ليك في الأول وفي الآخر. 


تحمحم جابر قبل أن يقول بنبرة مازحة:

– معقول يا معلم مرزوق مش عايز يبقى في بينا شراكة؟ انت زعلان مني ولا اي؟ 


تحمحم مرزوق بحرج تجلى في نبرته حين قال بلهفة:

– لا طبعًا يا معلم جابر. انت راجل محترم و جمايلك مغرقانا. انا بقول بما أن بنت اخوك عجبها المكان هي أولى، وغنى تشوف مكان تاني. 


جابر بهدوء:

–غنى بنتي زي روضة بالظبط، و انا عرفت أن هي اللي شافت المكان الأول، و الأصول بتقول اني أسألها لو هى مسامحه فيه يبقى خلاص، مش مسامحه يبقوا يتشاركوا الاتنين فيه، و ليك عليا أنا هظبطهولهم و اخليه فابريكا. 


شعر مرزوق بالحرج من حديث جابر، ولم يجد أمامه خيار سوى أن يتوجه إلى غنى التي جلست أمامهم بعد ان ألقت التحية ليتحدث جابر بنبرة ودودة:

– ازيك يا غنى عاملة ايه يا بنتي؟ 


غنى بخفوت:

– الحمد لله يا عمي. حضرتك عامل ايه؟


– الحمد لله بخير. قوليلي يا ست البنات سمعت انك مش عايزة تشاركينا الكلام دا حقيقي ؟ 


قال جملته الأخيرة بمرح فهتفت غنى بلهفة:

– لا طبعًا مش كدا. بس انا قولت اشوف مكان تاني يعني.


جابر باستفهام:

– و تشوفي مكان تاني ليه؟ بدل المكان عاجبك نشوف احنا مكان تاني. 


غنى بحرج من ذوقه في الحديث:

– لا والله مش هتفرق الأماكن كتير. 


جابر بوقار:

– طب ايه رأيك تتشاركي مع روضة؟ عندك مشكلة في الموضوع دا؟ 


غنى بارتباك:

– لا مش موضوع مشكلة. بس انا معرفهاش، و كمان كنت حابة ابتدي واحدة واحدة. 


– طب بصي يا ست البنات روضة بنت اخويا متتخيرش عنك في أدبك و أخلاقك و تربيتك، و كمان معاها كورسات في الموضوع دا، وأنتِ اكيد هتبقي عايزة حد يشتغل معاكِ. ايه رأيك تجربوا كدا تشتغلوا سوى، و تشوفوا والله ارتحتوا اديكوا ماشيين. مرتحتوش يبقى نفضها. 


التقت عينيها مع عيني والدها الذي شعر بالحرج هو الآخر من حديث جابر و طريقته الودودة في الكلام لذا أومأ لها في صمت لتلتفت ناظره إلى جابر وهي تقول بابتسامة هادئة :

– خلاص اللي حضرتك تشوفه. 


جابر بحبور:

– على خيرة الله. المتر محمود مجهز العقود و كل حاجه فاضل بس تقريها، ولو عندك اي شروط قوليها، لو معندكيش يبقى نقرا الفاتحة.


كان يزيد صامت منذ بدأ الحديث إلى أن انتهى الأمر بكتابة العقد على يد ذلك المحامي الذي كان معهم، و الرجل الآخر كان أحد رجال جابر الذي شهد على العقد مع يزيد الذي اقترب من أذن غنى قائلًا بمرح :

– عدي الجمايل و احمدي ربنا أن الريس بتاعنا قلبه رهيف و مهنش عليه زعلك و خلانا نطب على ابوكي زي القضا المستعجل. 


تقاذفت دقات قلبها حين استمعت إلى كلماته فهتفت بخفوت :

– تقصد مين؟ 


يزيد بتهكُم:

– بتاع الميلامين! جو الاستعباط دا مش عليا. المهم سنترنا ابوكي، و ربنا يستر من اللي جاي. 


لم تفلح في قمع استفهامها الذي غافلها لتقول بخفوت:

– بقولك ايه؟ البت دي ايه نظامها؟ حاسة دمها سم. 


يزيد باندهاش:

– حاسة مش متأكدة! 


ارتفع أحد حاجبيها من حديثه ليستطرد قائلًا :

– بالنسبالي دمها سم. بس بالنسبة للريس بتاعنا دمها زي السكر.


برقت عينيها رغمًا عنها، فشعور الغيرة لا يخضع لقدر ولا لقرار ولا لأي شيء، إنما يفرض نفسه بقوة، ومهما حاول الإنسان قمعه لا يفلح لذا هتفت بغل:

– اصلهم شبه بعض. 


يزيد بلامُبالاة:

– اه هيام اختي بتقول كدا بردو، و بتقول أنهم لايقين على بعض اوي. 


– حلو خليها تجوزهاله. 


هكذا هتفت بحنق قابله يزيد بالاندهاش حين قال:

– عرفتي منين أنها ناوية على كدا فعلًا؟!


رغمًا عنها تفشى الألم بصدرها لتهتف بأسى:

– سهل أوي اتوقع، و ياترى هو رأيه ايه؟ 


ضيق يزيد نظراته قبل أن يقول بمكر:

– تدفعي كام واقولك؟ 


اغتاظت من حديثه لتهتف مُدعية اللامُبالاة حين قالت:

– ولا عايزة اعرف. موضوع ميهمنيش أصلًا


يزيد بتهكُم:

– غنى يا حبيبتي متصيعيش على صايع. الغيرة بتنط من عنيكي، فبلاش تعملي نفسك ياسمين الخطيب. 


غنى بحنق:

–اطفح اللي في ايدك دا، و بطل رغي. 


يزيد بسخرية قاصدًا اغاظتها:

– لا بس البت روضة بتعمل شاي احلى من دا. الريس بتاعنا مبيتكيفش غير منه. 


أوشكت على إعطاءه لكمة قوية في أنفه، و لكنها أمسكت نفسها بصعوبة، فذلك الوغد يحاول إثارة جنونها، وهي لن تُعطيه الفرصة لذلك لاذت بالصمت، و خاصةً حين لمحت الغضب يحتل ملامح والدها الذي لاحظ حديثها الجانبي مع يزيد، فتوجهت إلى الداخل خشية أن تُثير أي مشكلة قد تجعلها تخسر فرصتها في العمل التي تتوق إليها. 


اللهم أنت ربي وبيدكَ أمري، أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أجبت، أن تجمعني وما أتمنى من غير حولٍ مني ولا قوّة، ولا حول ولا قوة إلا بك. - اللهم رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تُغنيني بها عن رحمة من سواك واقضِ عني ديني ولا تكلني إلى أحد سواك.♥️


★★★★★★★★


_ متنسيش تنضفي المكان زي ما قولتلك، و تمسحي الحمام. احتمال يجيلنا زباين النهاردة. عايز كل حاجه مظبوطه عالشعرة.


كان هذا صوت حاتم صاحب مكتب السفريات التي أتت للعمل به منذ أسبوعين بعد أن أقنعت حماتها العزيزة زوجها بذلك، و اتضح فيما بعد أن رفضه ما هو إلا تمثيلية سخيفة لكي يحفظ به كرامته أمامها، فقد سمعتهم منذ يومين وهم يتحدثان خلسه 

– مش قولتلك امك هتظبط كل حاجه. اهي نزلت تشتغل اهي و هي اللي اتحايلت عليكِ كمان. عشان لما المحروسة امها تتكلم ولا ابوها اللي عاملي فيها بارم ديله تبقى هي اللي أصرت وانت يا حبة عيني مكنتش موافق تبهدلها، لا و كمان هتاخد خمس تلاف جنية في الشهر حلوين. اهي تعمل بلقمتها. 


ابتسامة ساخرة لونت ثغرها، فعلى الرغم من أنها تملك كل الحق في أن تُغادر ذلك الرجل دون أن تلتفت إلى الوراء، ولكنها ضعيفة وحيدة أمام كل هذا الظُلم الذي تتعرض له من قِبل أولئك البشر الذي تجردوا من كل مشاعر الإنسانية، فهي تعمل حتى المساء في هذا المكان كمديرة مكتب وعاملة نظافة و عاملة بوفية أيضًا، و كل هذا من أجل أن توفر لأطفالها احتياجاتهم مثلما أخبرتها تلك المرأة. 

محت دمعة يتيمة فرت من طرف عينيها، و أخذت تقوم بأعمال التنظيف، و هي لا تنفك تُردد ذلك الدُعاء الأقرب إلى قلبها دعاء سيدنا يونس وهو في بطن الحوت

– لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. 


لكم تتمنى بداخلها أن تخرج هي الأخرى من تلك الظلمات التي تحيا بها إلى نور الحياة التي حُرِمت منها على يد ذلك الوغد الذي تزوجته. 

– بقى الحلو دا يتبهدل وسط التراب و القرف دا كله؟ 


هكذا تحدث رمزي الشريك الثاني لحاتم والذي كان يُضايقها منذ أن أتت للعمل في هذا المكان، و كعادتها لا تُعطيه أي اهتمام بل تابعت عملها، وكأنه غير موجود ليقترب منها قائلًا بنبرة لعوب:

– الجميل تقلان عليا ليه بس؟ 


شعرت بالخوف حين وجدته يقترب منها، فتوجهت لتقف خلف المكتب الذي احتمت به قبل أن تقول بنبرة مُهتزة:

– يا استاذ رمزي كدا عيب. انا ست متجوزة و حضرتك راجل محترم. مينفعش كل ما تشوفني تقول الكلام دا. 


كان التعامل باحترام الشيء الوحيد الذي تستطِيع فعله لعله يُشفِق على ضعفها، و يدعها و شأنها فلم يكُن ينقُصها أزمات أخرى، ولكن على العكس فقد فطن إلى هذا الضعف الذي كان طريقته في الضغط عليها حين قال بعينين يتساقط منهم الإعجاب:

– وهو انا بقول كدا من فراغ؟ ما أنتِ اللي حلوة و تتاكلي أكل. انتِ بس لو تفتحي مخك معايا هتاكلي الشهد. 


ارتجف بدنها رعبًا و شعرت برغبة مُلحة في البُكاء، ولكنها حاولت الثبات و اتباع طريقة الشدة معه لتهتف بنبرة حاولت جعلها قوية حين قالت:

– بقولك ايه؟ انت فاكرني ست وحشة ولا اي؟ ولا فاكرني موراييش حد يقفلك! لا دانا جوزي لو عرف انك بتضايقني هيبهدلك انا بقولك اهو. 


رمزي بسخرية:

– وهو جوزك لو محترم ولا لو أنتِ فرقاله كان سابك تيجي تشتغلي هنا وسط الرجالة دي! ماهو اكيد عايز يسرحك بس عالمتغطي. 


شهقت بذُعر من حديثه الذي يُعري ذلك الجرذ الذي تركها وحيدة في وسط غابة مليئة بالذئاب، وهي الغزالة التي يسهل الفتك بها، ولكن الله دائمًا السند و المُعين لمن ظن بأن لا سند له، فقد استمعت الى صوت شقيقتها وهي تُنادي عليها من الخارج

– أشجان. يا أشجان. 


لم تُصدِق حين سمعت صوتها فهتفت بلهفة

– أسيا. انا هنا. 


انهت جملتها و هرولت للخارج وسط نظرات جحيمية من ذلك الرجل، فلم تُبالي إنما ارتمت في أحضان شقيقتها التي تفاجئت من حالتها فقالت بلهفة:

–في ايه يا أشجان ؟ مالك؟ 


أشجان بذُعر:

– يالا نمشي من هنا. 


أسيا بعدم فهم:

– طب وشغلك؟ 


أشجان بلهفة:

– مش مهم. يالا نمشي. 


طاوعتها آسيا ولكن لم تفتها نظرات هذا الرجُل التي لم ترتاح لها لتلتقط أشجان حقيبتها و تتوجه إلى الخارج معها، فهتفت أسيا بحنق:

– انا عايزة اتكلم معاكي ياريت نقعد في مكان نتكلم. انا مش هروح البيت دا مش طايقة اشوف الحيزبونة حماتك، احسن ممكن اخلص عليها في ايدي، و يحسبوها عليا بني آدمة. 


أشجان بأنفاس مُتلاحقة وقلب لا يزال يسكنه الخوف:

– ياريت. انا كمان مش عايزة اروح. 


شعرت آسيا بأن شقيقتها ليست على ما يُرام فتوجهت معها إلى مطبعة مرزوق والد غنى التي تعمل بها كُلًا من شروق و ضي التي ما أن رأتهم حتى هتفت بحبور:

– أهلًا أهلًا بالصبايا الحلوين. 


أشجان بخفوت:

– أهلًا يا ضي. عاملة أي؟ 


– زينة والحمد لله. طمنيني عليكِ 


أشجان بأسى :

– الحمد لله على كل حاجه. 


أرسلت آسيا غمزة إلى ضي التي تفهمت ما تُريد لتقول بمرح

– زين انكوا چيتوا اني هروح اتغدى و أچي، وانتوا اجعدوا مكاني لحد ما أرچع. 


أسيا باختصار:

– تمام. متتأخريش. 


غادرت ضي لتقول أسيا بعتاب:

– اقدر اعرف ايه اللي بتعمليه في نفسك دا؟ 


أشجان بخفوت:

– عملت ايه يا أسيا؟ 


آسيا بانفعال :

_ تنزلي تشتغلي يا أشجان؟ تمرمطي نفسك وسط اللي يسوى و اللي ميسواش ليه؟ عشان ايه كل دا؟ النطع اللي قاعد في البيت زي الستات يستحق تعملي كدا في نفسك عشانه؟ 


كلماتها أيقظت نيران القهر بداخلها فهتفت بانفعال:

– عندك حل تاني عشان أصرف على ولادي ؟ 


آسيا بغضب:

– ماهو مش أنتِ اللي مفروض تفكري في الموضوع دا أصلًا. في راجل أنتِ مسئولة منه أنتِ و ولادك، ولو أن راجل دي مش لايقه عليه.


أشجان بانفعال:

– أنتِ مش حاسة بيا ولا فهماني اللي مش راجل دا انا مقداميش غيره. تقدري تقوليلي لو أطلقت الصبح هروح فين؟ و متقوليش بيت بابا عشان أنتِ عارفه ماما وطريقة تفكيرها. هبقى مجرد عبء عليكوا 


شعرت أسيا بمعاناة شقيقتها فقالت بتأثر :

– متقوليش كدا يا أشجان. أنتِ عمرك ما تكوني عبء علينا، ولو كان على الفلوس انا بشتغل و هساعد مع بابا وماما. حتى لو هناكل عيش حاف. المهم أنتِ متتبهدليش.


أشجان بأسى:

–هتقدري تقولي الكلام دا لماما؟ 


كانت هذه هي المُعضلة الحقيقية لذا أخفضت رأسها ليتفشى الألم بصدر أشجان لتقول بلوعة :

– أنتِ مفكرة اني سهل ارجعله بعد اللى عمله، و خيانته ليا، و فضيحتنا قدام الناس كلها ؟ انا بتقطع كل مرة يقرب فيها مني، بكره نفسي وانا بتنفس الهوا نفسه معاه. مساوئ أمين اكبر بكتير من اللي انتوا شايفينه يا آسيا بس انا ماليش ضهر اتسند عليه. 


آسيا بانفعال:

– و بابا راح فين يا أشجان؟ على فكرة بابا نفسيته زي الزفت من وقت اللي حصل، و زعلان منك و أن ازاي أنتِ فضلتي في البيت و مسبتيهوش و جيتي؟ طبعًا ماما مقالتلوش اللي حصل.


أشجان بألم:

– أحسن حاجه أنها مقالتلوش، و يمكن أمين يتغير زي مابتقول. 


صمتت لثوان قبل لأن تقول بحزن:

– أنتِ عارفة انا لية وافقت اشتغل؟ عشان اخلص من شوفته هو و أمه طول النهار. بهرب منهم و من ظلمهم و قرفهم. بقول اهو الكام ساعة اللي بكون فيهم في الشغل برتاح منهم. 


أسيا بحزن على حالة شقيقتها:

– طب لحد امتى هتفضلي كدا؟ يا أشجان بابا لو عرف انك بتشتغلي في المكان دا مش هيسكت. 


أشجان بتعب:

– هكمل هناك الشهر و اول ما يقبضوني همشي. ولادي محتاجين حاجات كتير، و خصوصًا أن الدراسة قربت، وهو خلاص شال ايده، و أنا مش هستحمل ولادي يبقوا محتاجين حاجه وانا مش قادرة اجبهالهم. 


آسيا بحنق:

– أنتِ مفكره أنه هيسيبلك مرتبك أصلًا! تبقي عبيطة. دا قاعد لاجيء يا حبيبتي. اي قرش هيحطه في كرشه هو و امه. 


تفاقم القلق داخلها وهتفت بخوف:

–أنتِ بتقولي ايه يا أسيا ؟ لا استحاله. انا معرفاها اني هشتغل عشان ولادي و عشان اصرف عليهم. 


آسيا بغضب :

– هتفضلي لأمتى عبيطة؟ الناس دي جشعة، و لا هتفرقي معاهم لا أنتِ ولا ولادك. دول هيمصوا دمك. 


لم يكُن ينقُصها همًا آخر يُضاف إلى حقيبة همومها فقامت بإسناد رأسها فوق كفها بتعب لتقترب آسيا منها و تحتضنها بقوة قبل أن تقول بحنو:

– انا مش بقولك كدا عشان اضايقك. انا بس خايفة عليكِ، و مش عيزاكي تتعشمي في اي حاجه من ناحية الناس دي. 


أشجان بأسى:

– طب والحل؟ 


– الحل انك متقوليلهمش أنتِ بتقبضي كام. 


أشجان بسخرية:

–مقولش ايه؟ إذا كان هي اللي جيبالي الشغل و عارفة كل حاجة. 


صمتت أسيا لثوان تُفكر قبل أن تقول :

– سيبيني كدا يومين بفكر في حاجه لو ظبطت هقولك، بس أنتِ متروحيش المكان دا تاني. الراجل اللي كان هناك دا شكله مش مظبوط. 


اه لو تعلم؟ كان هذا استفهام مؤلم يدور بين حنايا صدرها لتقول بأسى :

– حاضر. 


اللهم يا رزاق ارزقني، اللهم يا فتاح افتح لي أبواب الرزق والخير، اللهم يا غني اغنني، اللهم يا غفور اغفر لي. - اللهم إن كان رزقي في السّماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيدًا فقرّبه وإن كان قريبًا فيسّره، وإن كان قليلًا فكثّره، وإن كان كثيرًا فبارك لي فيه.♥️


★★★★★★★★


مر يومين، وقد أتى اليوم الموعود لتسليم الميزانيات التي كلفهم بها كمال، ولكنها كانت بوادي آخر تقدم خطوة و تؤخر الثانية إلى أن وصلت إلى مكتب خالد، وهي لا تعلم هل ما تفعله صحيح أم لا؟ ولكنها لا تملك خيارات أخرى. 

لم تجد ميرنا مديرة مكتبه في الداخل، فقامت بطرق باب الغرفة لتسمع صوته الآمر يسمح لها بالدخول فأطاعته لتتوجه إلى مكتبه و على وجهها ابتسامة هادئة وهي تقول باحترام

– صباح الخير يا مستر خالد. 


خالد باختصار:

– صباح النور. 


اشار لها بالجلوس، فأطاعته قبل أن تتحمحم بخفوت وهي ترى عينيه التي تُناظرها باستفهام صامت لتقول بحرج:


– انا عارفه أن حضرتك مشغول، فمش هطول عليك. انا. انا كنت عايزة اطلب من حضرتك طلب لو ينفع؟ 


كان تلعثُمها مُثير للريبة لذا قال باختصار:

– قولي. 


لم تُساعدها لهجته، ولكن لم يكُن أمامها مفر لذا قالت بنبرة ثابتة:

– البنت اللي شغاله في الأرشيف مع أستاذ جمال مشيت، و هو محتاج مساعدة، فأنا كان عندي حد ممكن يشتغل مكانها ؟


خالد باختصار:

– مين؟ 

احتارت هل تُخبره الحقيقة أم تكذب ولكنها اختارت الحقيقة فقالت بخفوت:

– أشجان اختي. 


صمت خالد لثوان وهو يسترجع ذلك الاسم قبل أن يقول بفظاظة:

– أنتِ ليكِ أخت اسمها أشجان؟ 


– ايوا يا فندم. كانت احيانًا بتروح مع ماما الفيلا عندكوا بس دا من زمان، وهي اتجوزت و خلفت، فأعتقد حضرتك مش هتفتكرها. 


خالد باستفهام:

– و اختك مؤهلاتها أي؟ 


– خريجة كلية تجارة بتقدير جيد، و هي مشتغلتش قبل كدا الحقيقة. 


صمت لثوان وهو يُقلب في الأوراق أمامه قبل أن يُفاجئها حين قال بنبرة يشوبها المرح:

– و انتِ بقى واسطة هنا في الشركة للي عايز يشتغل ! 


آسيا بلهفة:

– لا والله يا فندم. مش كدا خالص. بس هي كانت محتاجة الشغل ووو.


أوقفها خالد قائلًا بجمود :

– متتخضيش و متبرريش يا آسيا. انا عارف دماغك فيها ايه؟ انا بهزر مش اكتر. لما تطلعي خلي ميرنا تديكي ابلكيشن تمليه، و تجبهولي امضي عليه، و من بكرة تقدر تستلم الشغل. 


لم تُصدِق حديثه فهتفت بحبور و نبرة مُتلهفة:

– بجد مش عارفة اشكر حضرتك ازاي يا مستر خالد. انا حقيقي. مُمتنة لحضرتك جدًا.


ابتسم خالد و أومأ برأسه قبل أن يقول بهدوء :

– ولا اي شكر، و أنا عملت كدا عشان دادا رضا غالية عندي جدًا. 


كلامه اشعرها بالامتنان كثيرًا لذا رسمت ابتسامة عريضة على شفتيها قطعها قدوم كمال الذي لم تفته تلك البسمة الرائعة التي تلون ثغرها، و قد فاجأته مثلما فاجأه وجودها بمكتب شقيقه، ولسبب غير معلوم فقد اغضبه ذلك الشيء كما أغضبها رؤيته لذا التفتت الى خالد قائلة بنبرة ودودة:

– طب عن إذن حضرتك، و ميرسي مرة تانية.


اومأ خالد بصمت، فنصبت عودها المُغري لتتوجه إلى الخارج مُتجاهلة كمال الذي شعر بالغضب و الفضول لمعرفة لماذا تشكُر شقيقه فما أن غادرت حتى قال باستفهام:

– هي بتشكرك على ايه؟ 


خالد بفظاظة:

– موضوع مش مهم. جهزت العقود ؟ 


اغتاظ من شقيقه، ولكنه لم يستطع أن يُكرر استفهامه حتى لا يظُن بأنه يهتم بالأمر فاقترب يضع أمامه حفنة من الأوراق قبل أن يقول بجفاء:

– اتفضل، وانا هشوف الميزانية مع المتدربين و هجيبلك الأنسب فيهم. 


كمال وعينيه لاتزال على الأوراق أمامه:

– اعتمدنا الميزانية اللي عملتها آسيا خلاص. 


كمال باندهاش يشوبه الغضب :

– نعم! و انت كنت شوفتها فين؟ 


خالد بفظاظة :

– مرتضى بعتهالي و راجعتها. بس انت كمل اجتماعك معاهم، و اتناقش في السلبيات و الإيجابيات، و حطلهم البوينتس اللي مفروض يشتغلوا عليها. 


تعاظم الغضب بداخله لا يعلم عن السبب، ولكنه لم يُفصِح عما يجيش بصدره إنما قال بجفاء:

– طب مش المفروض اشوفها انا كمان؟ اكيد فيها تعديلات.


قام خالد بجذب حفنة من الأوراق و ألقاها أمامه فوق المكتب وهو يقول باختصار:

– شوف، و اكتب ملاحظاتك وخليها تشتغل عليها. 


لم يُعلِق إنما أومأ بصمت قبل أن يلتقط الاوراق و ينسحب إلى مكتبه، وبداخله ينوي تفريغ شحنات غضبه بها لذا ما أن وصل الى هناك تحدث إلى مديرة مكتبه قائلًا بنبرة جافة:

– اجمعي تيم المُتدربين حالًا معاد الاجتماع اتقدم


🍁🍁🍁🍁🍁 

الجزء الثاني من الفصل 


– اجمعي تيم المُتدربين حالًا معاد الاجتماع اتقدم.


– حاضر يا مستر كمال. 


وبالفعل ما هي إلا دقائق حتى تجمع المِتدربين حول طاولة الاجتماعات ليبدأ كمال في الشرح ومناقشة كل ميزانية و تسليط الضوء فوق نقاط الضعف و المُلاحظات لينتهي الاجتماع بعد مرور ساعتين، فجاء وقت الانصراف وحين همت بالمغادرة أوقفها صوته الآمر

– آسيا. 


التفتت تناظره باستفهام :

– نعم يا مستر كمال. 


كمال بوعيد تعج به نبرته:

– أنتِ مطولة النهاردة شوية! 


انصرف آخر شخص كان بالمكتب، فلم يتبقى سواها برفقته لتقول باستفهام:

– مفهمتش يعني ايه مطولة؟ 


نصب عوده الفارع و توجه ليقف في مواجهتها قائلًا بنبرة خشنة:

– هنقعد سوى نناقش الميزانية بتاعتك، و نحط التعديلات. علشان هنعتمدها من أول السنة. يعني اعملي حسابك انك هتتأخري النهاردة. 


اغتاظت منه حد انتفاخ عروقها من فرط الغضب، فهي ترتبط بموعد عملها في خدمة العملاء بأحد الشركات، وقد كان هذا العمل يُساعدها كثيرًا في اقتناء ملابسها الفخمة و أدوات التجميل، و كذلك بعض الكورسات التي تأخذها لتساعدها في عملها بالشركة لتهتف بنبرة حادة بعض الشيء

– طب ولو انا معنديش وقت النهاردة و معملتش حسابي…


قاطعها بنبرة حاسمة:

– تفضي نفسك، علشان اللي هناقشه النهاردة أهم من أي حاجه وراكي.


آسيا بحنق:

– والله احنا متفقين أن في تلت أيام في الأسبوع انا بتأخر فيهم في الشركة و بناءً عليه انا ظبطت جدولي أن التلت أيام التانيين انا فري فيهم، فمينفعش أن حضرتك تيجي تقولي فجأة كدا هتتأخري.


كان غضبها مُثير كثيرًا لذا قام بوضع يديه في جيوب بنطاله وهو يقول بكسل:

– لا ينفع. 


زفرت بحنق قبل أن تقول من بين أسنانها:

– تمام. ممكن تديني نص ساعة أظبط فيهم الدنيا؟ 


كمال باستفزاز:

– ربع ساعة كفاية. احنا ورانا شغل كتير. 


ناظرته كما لو أنها تشتهي قتله، فشددت على الأوراق بين يديها قبل أن تقول بحنق:

– شكرًا لكرم حضرتك. 


لأول مرة يكُن قريب منها إلى هذا الحد الذي يُمكنه من النظر داخل عينيها، فوقع أسيرًا لهم للحظات قبل أن يستجمع ثباته قائلًا بنبرة يشوبها التسلية:

– العفو. أنتِ تؤمري.


برقت عينيها من الغيظ و التفت متوجهه إلى باب الغرفة وهي ترغي وتزبد من فرط الغضب لتضع الأوراق التي بيدها فوق مكتب سلمى وهي تقول بانفعال:

– انا نفسي اعرف الراجل دا طلعلي منين؟ 


سلمى بعدم فهم:

– راجل مين؟ 


آسيا بحنق:

– هو في غيره! كمال بيه اللي طلعلي في المقدر. 


كانت عيني سلمى تستقر على شيء ما خلف آسيا التي تابعت بحنق:

– بارد ومغرور، و رخم، و فاكر أن الناس كلها تحت أمر جنابه، انا ناقصة بلاوي ياربي. عارفه؟ انا لو امي داعيه عليا كل يوم الصبح يفرمني قطر كان هيبقى أهون عليا من التعامل مع الإنسان البارد دا! 


أخذت سلمى تسعُل بقوة وهي تنظر خلف آسيا التي تجمدت الدماء بعروقها حين شعرت بأنفاس مُتلاحقة خلفها تكاد تخترق جسدها من فرط سخونتها لترفع حاجبيها باستفهام، فأومأت سلمى بالإيجاب ليهوى قلبها بين ضلوعها، و تلتفت إلى الجهة الأخرى، فإذا بها تصطدم بعينين كانَ كالزمُرد الأحمر من فرط الغضب الذي تجلى في لهجة كمال حين قال:

– و أيه كمان!!


اللهم كما سخرت البحر لموسى، والنار لإبراهيم ،والحوت ليونس، والجبال والحديد لدواود، والإنس والجان والريح والشياطين لسليمان ،والشمس والقمر والنجوم والكواكب لحبيب القلوب وسيد الخلق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،أدعوك باسمك العظيم الأعظم وأسمائك الحسنى الشريفه، وكل اسم سميت به نفسك ،أن تسخر لي من يخدمني في قضاء حاجتي …♥️


★★★★★★★★★


_ الله ينور يا عم حسان. الفصول شكلها حلو اوي. 


هكذا هتفت غنى بحبور وهي تنظر إلى ذلك الطلاء الرائع الذي يلون جدران الفصول، و الذي يتلائم مع الأجواء التي تُريد أن تجعل الأطفال يستمتعون بها، فقد أوشكوا على الانتهاء من توضيبات المكان، و قد كانت هي أكثر من متحمسة لافتتاحه على الرغم من أنها كانت تتعامل مع هذه الفتاة روضة بتحفُظ إلا أن الأخيرة كانت ودودة معها بشكل كبير، و قد كان هذا يُشعِرها بالذنب، فلو لم تكُن هي الفتاة المُرشحة لتكون زوجته لكانت أصبحت صديقتها، ولكن قلبها يعاندها ولا يستمع لتحذيراتها، ولا يزال يدق بعنف حين تلمح طيفه، و الأدهى من ذلك أنه يغار حد الألم حين تتخيل أخرى معه. 


– انا واثق أنها هتبقى أحسن حضانة في البلد كلها. 


هكذا اخترقت جملته أذنها ليأن قلبها شوقًا و تنتفض دقاته ترقبًا لقدومه، ولكن سُرعان ما اجتاح فؤادها نيران هوجاء حين استمعت الى صوت روضة المليء بالحماس :

– متحمسة اوي يا ياسر للشغل مع الولاد. انت متعرفش انا بحبهم قد ايه؟ ايه اد غنى! أنتِ هنا ؟ 


هكذا هتفت روضة حين رأت غنى تقف في أحد الفصول مع العُمال مما جعله يستشيط غضبًا حين رآها وسط هذا الجمع مع الرجال، ولكنها كانت غارقة في أخدود مليء بجمرات الغيرة التي جعلتها تعانق روضة بجفاء وهي تقول بجمود

– أنتِ شايفة ايه؟ 


أخذت عيني روضة تطوف في المكان بأكمله وهي تقول بانبهار:

– شايفة جمال مالوش حدود. الألوان تحفه يا غنى. ذوقك حلو اوي. 


كانت تعطيه ظهرها فلم تلحظ نظراته الغاضبة التي تكاد تخترق ظهرها، ولكنها سمعته وهو يقول بتهكُم:

– اومال! ذوقها حلو اوي! 


كانت تنتظر أقل بادرة منه لتُعبِر عن غضبها الذي تجلى في التفاتها إليه بتلك الطريقة الغاضبة و نبرتها الحانقة حين قالت:

– مش عجبك ذوقي ولا حاجه ؟!


ياسر بجفاء:

– لا. 


التفتت إلى روضة نصف التفاته قبل أن تقول بنبرة ذات مغزى:

– انت بردو ذوقك وحش اوي.

أراد إحراقها مثلما يحترق هو فقال بنبرة ذات مغزى

– كان وحش. دلوقتي اتعدل عالآخر. 


تعلم أنه يُشير إليها وقد انتفضت أوداجها غضبًا لتهتف بحنق:

– والله! طب مبروك.


أسعده كثيرًا غضبها الذي أراد تعزيزه قائلًا :

– عقبالك. 


سلكت نهجه و شرعت في إحراقه بنيرانها لتقول بتخابُث

– متقلقش قريب. 


تبددت ابتسامته اللعوب لتتجهم ملامحه وتحتد نبرته حين قال:


– تقصدي ايه؟


كان لها ما أرادت لذا تدللت حين قالت:

– قريب هتعرف أن شاء الله. 


اقتربت روضة من ياسر قائلة بمرح: 

– ياسر ايه رأيك انا هخلي الكلاس دا بتاعي عشان يكون قدام الشونة واقف في البلكونة أشاورلك. 


تحولت عينيه لجمرتين مُشتعلتين من فرط الغضب الذي كانت تتشاركه معه لذا قامت بجذب مجموعة من اللوحات و قالت بجفاء:

– هروح اعلق اللوح في الفصول اللي خلصت. لما تخلصي أحلام اليقظة بتاعتك ابقي تعالي شوفيها. 


تفاجئت روضة من حديثها ولكنها لم تُعلق، فقد كانت تُريد جذب اهتمام ياسر الذي لم يُشبعه الحديث معها، ولم يرتوي من رؤيتها إضافة إلى ذلك القلق الذي نهش صدره وهو يتخيل أن يتحقق أسوأ كوابيسه، و تُصبِح من نصيب رجلًا آخر مرة ثانية.


لم يُجيب روضة إنما توجه للنافذة يحاول استنشاق الهواء النقي عله يُهديء من نيران صدره، فلم يعُد هُناك مُتسع في القلب لجرحًا جديد، ولم تعُد الروح قادرة على احتمال اوجاعً أخرى، فاقتربت منه روضة قائلة باستفهام

– مالك يا ياسر ؟ بتنهج كدا ليه؟


لم يُجيبها إنما قام بجذب علبة سجائره و التقط واحدة يعتصرها بين شفاهه ظنًا منه أنه سيُخرج بها غضبه لتقوم روضة بجذبها من بين شفاهه وهي تقول بغضب:

ــ بتعمل ايه؟ حرام عليك نفسك! غلط جدًا تدخن وانت بتنهج كدا.


لم يكُن وحده من يحترق، فقد كانت هي الأخرى تتلوى من فرط الغضب حين شاهدت من النافذة روضة التي مدت يدها تلتقط السيجارة من بين شفتيه، وقد تأكدت ظنونها بأنها زوجته المُستقبلية، و إلا فلن تفعل تلك الحركة التي تدل على مدى قربها منه، فكان الألم بصدرها كبير للحد الذي أنساها أنها تقف فوق السُلم الخشبي، فقامت بإلقاء اللوحة بغضب جعل السُلم يهتز بها لتفقد اتزانها و تسقط على الأرض، فخرجت منها صرخة قوية اخترقت قلبه الذي هوى بين ضلوعه حين استمع الى صوت ارتطام قوي، فهرول إلى الداخل و منه إلى تلك الغرفة التي توجهت إليها ليتفاجأ بها تفترش الأرض و أسفل رأسها بقعة كبيرة من الدماء، فغزى الذُعر أوردته ليتوجه إليها بلمح البصر وهو يهتف بلوعة:

– غنى.


كانت تتألم بشدة و عبراتها تتدحرج بقوة على وجنتيها وهي تهمس بوجع

– راسي. 


– خير في ايه؟ 


هكذا هتف احد الرجال الذين تجمعوا في الغرفة إثر سماعهم صوت إرتطامها بالأرض فجن جنونه حين رآهم ليهتف بغيرة جنونية :

– اطلعوا بره..


لم يحتمل أن يراها أحد وهي تفترش الأرض هكذا فقام بخلع عباءته و القاها فوقها قبل أن يجذب محرمته من جيب جلبابه و يقوم بإسناد رأسها بيد وباليد الأخرى قام بكتم الدماء المُنبثقة بقوة من رأسها وهو يقول بصوت حاني:

– اهدي، و متتحركيش عشان الألم ميزدش. 


هتفت بقهر وكأنها تشكو إليه ألمها:

– ياسر. راسي بتوجعني اوي. 


و كأنه حروف اسمه أسهم مُشتعلة انغرزت بقلبه الذي انتفض بقوة داخله ليهتف بلهفة:

– معلش اتحملي. هوديكي المستشفى حالًا. اسندي عليا. 


رفع رأسه يُطالِع روضة التي تسمرت بمكانها فصرخ بها غاضبًا:

– تعالي اسنديها معايا. واقفه عندك تعملي ايه ؟ 


انتفضت من صراخه و دون تفكير هرولت إليه لتقوم بإسناد غنى التي كانت تتألم حد البكاء، فكانت عبراتها تسقط فوق قلبه كالجمر تحرقه و خاصةً حين صرخت مُتألمه:

– أااه . راسي. راسي بتوجعني اوي. 


كان ألمها كالفيروس الذي اخترق جميع أنظمته، فأصابها بالعبث الذي جعله يهتف بخشونة :

– اهدي يا غنى و متصرخيش عشان الوجع ميزدش. اصبري بس خمس دقايق و هنوصل المستشفى. 


كان يقود السيارة كالمجنون حتى أنه كاد أن يدهس اثنان يعبران الطريق، فلم يكترث بصراخ المارة إنما تابع طريقه حتى وصل إلى هناك ليترجل من سيارته و يلتفت إلى المقعد الخلفي حيث تقبع بجانب روضة التي أمرها بضرورة احكام المحرمة فوق الجرح حتى تتوقف الدماء، وقد كانت كالمنومة مغناطيسيًا من فرط الذهول فلأول مرة تراه في هذه الحالة، و خاصةً حين كان يسندها بحنو مُحاولًا تهدئتها قائلاً:

– اهدي احنا خلاص وصلنا.


 كان يتوجه إلى داخل المشفى تاركًا أبواب سيارته مفتوحة على مصرعيها غير عابئ بأي شيء حوله، و حين دلف إلى الداخل صرخ بصوته الجهوري:

– عايزين دكتور بسرعه. 


هرول طاقم الطوارئ إلى حيث يقف فقاموا بجلب سرير متنقل لتجلس عليه غنى التي كانت تتألم، فرغما عنه قام بالتشديد على يديها و عينيه تخبرانها ما يعجز عن قوله حتى قام بإيصالها إلى غرفة الطوارئ و هنا قامت الممرضة بإغلاق باب الغرفة ليقف هو في الخارج يتلظى بنيران القلق عليها، و الرغبة في أن يكون بجوارها، وخاصةً حين سمع صوتها يتألم فصرخ بانفعال في أحد الممرضات التي خرجت من الداخل:

– في ايه بيحصل جوا؟ هي بتصرخ كدا ليه؟ 


الممرضة بذُعر من مظهره:

– الدكتور بيخيطلها الجرح. 


لم يستطِع البقاء في الخارج أكثر و فجأة طرأت على باله فكرة، فقام بالاتصال بشقيقه هاتفًا بحدة:

– انت فين؟ 


يزيد بلهفة :

– انا في التدريب العملي. في حاجه ولا اي؟ 


ياسر بحدة:

– طب انا في المستشفى اللي انت بتدرب فيها. تعلالي بسرعة في الطواريء. 


اغلق يزيد الهاتف و هرول إلى قسم الطوارئ ليجد ياسر في الخارج و جلبابه مُلطخ بالدماء فهتف يزيد بلهفة:

– في ايه يا ياسر و ايه الدم دا؟ 


هتف ياسر بحرقة :

– غنى جوا. 


يزيد باندفاع:

– قتلتها! 


ياسر بانفعال:

– قتلت مين يا بغل انت؟ وقعت و اتعورت في راسها، و بيخيطولها الجرح جوا، وانا مش عارف ادخل. 


استرد يزيد أنفاسه قبل أن يقول بحنق:

– ياعم وقعت قلبي. طب اوعى أما ادخل اطمن عليها. 


هتف ياسر بحدة:

– متتأخرش. تطلع تطمني على طول، و قول للحمار اللي جوا دا يخف ايده شوية.


هتف يزيد بتهكُم:

– يخف ايده ايه ؟ هو نقاش!


ياسر بجفاء:

– ولااا. اعملك قفلة انا على آخري..


يزيد بلهفة:

– ياعم عملنا. استناني هنا. 


دلف يزيد إلى الداخل ليغيب أكثر من نصف ساعة مرت عليه كالدهر، و خاصةً حين لم يعُد يسمع صوتها، فكان الخوف يقرضه من الداخل حتى كاد ان يفقد أعصابه و يُحطم باب الغرفة ليخرج يزيد أخيرًا وهو يقول بطمأنة:

– اطمن هي كويسة. خيطولها الجرح، و عملولها إشاعة، و الحمد لله مفيش نزيف داخلي. 


هدأ قلبه قليلًا ، ولكنه هتف بقلق:

– طب انا مش سامع صوتها ليه؟ 


يزيد بتهكُم:

– صدعتهم قاموا ادوها منوم، و دلوقتي بتاكل رز بلبن مع الملايكة. 


ناظره ياسر بسخط قبل أن يقول بفظاظة:

– عايز أشوفها. 


تحمحم يزيد قبل أن يقول بسماجة::

_ بصفتك ايه؟ 


ياسر بحنق:

– هكسرلك صف سنانك..


يزيد بمُزاح:

– يا ريس أنا حاجزلك السرير اللي جنبها أصلًا، ولو تحب ألعبلك الراجل أبو رجل مكسورة دا نط الحبل. اتفضل المستشفى كلها تحت أمرك. 


تجاوزه ياسر دون أن يُعلِق ثم توجه إلى الغرفة التي تمكُث بها، ليجدها ساكنة ولكن لازالت آثار بكائها تلطخ ملامحها الجميلة، فطافت عينيه على قسمات وجهها بشوق فاض به الفؤاد حتى لم يعُد به مُتسع، فأي عشق ذلك الذي يكتنفه تجاه إمرأة ألقت به في قاع الجحيم غير عابئة باحتراقه؟ 

لكم يشتهي ضمها بقوة إلى صدره حتى يشعر بالراحة ولو لمرة واحدة في حياته. يعشقها حتى النخاع، و يُريدها حد الهلاك، ولا يستطِع الاقتراب منها، فما بينهم سدًا منيعًا يُسمى الكبرياء و يعقبه إخدود عميق مليء بالجمرات المُشتعلة حفرته خيانتها بقلبه، والآن يقف هو عاجزًا أمامها تتقاذفه رغبة مُلحة بالصُراخ قائلًا لما؟ و تجذبه أخرى بدفن رأسه في تجويف عنقها ليستنشق إكسير الحياة من رائحتها العذبة، وكعادته معها يغويه سحرها فيغيب عقله أمامها ليقترب من جبهتها ينوي نثر عشقه فوق ساحتها البيضاء ولكن هناك رادع قوي انتفض داخله قائلًا :

– تراجع، فهي لا تنتمي إليك. 


لكم آلمته تلك الجملة، و احرقته رغبته بإكمال طريقة ليُلامس بشرتها علها تبقى ذكرى رائعة يُخبئها بحنايا صدره، ولكنه في النهاية امتثل لنداء العقل و تراجع عنها مُلقيًا نظرة أخيرة عليها قبل أن يفر هاربًا من أسر سحرها ليتوقف حين شاهد مرزوق الذي كان يتوجه إلى حيث أخبره الطبيب عن مكانها بعدما هرول إليه أحد العمال ليعلمه عن الحادث الذي تعرضت له

كان مظهره مُذريًا يتضح أثر بكائه على عينيه، و تُِلطِخ دمائها جلبابه، فلم يكُن ينقصه أن يرى ذلك الرجل امامه، ولكنه لم يتوقع جملة مرزوق حين قال بجفاء:

_ أنت عايز بنتي يا ياسر يا وتيدي؟ 

الفصل الثاني عشر من هنا


تعليقات



×