رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الثاني عشر بقلم نورهان ال عشري
" انقشعت غيمة الذكريات"
يُقال أن آخر أيام المحبة هي أول أيام الفُراق، ولكن ماذا عن قلب فارق وداخله فيض من الحب، و أطنان من العشق الذي لا فراق يُنقصه، ولا شِقاق يبخس لوعته، مصحوبًا بنوبات حنين ضارية حين تستيقظ الذكريات من سُباتها فـ تنقشع الغمامة من فوق جراحٍ غائرة و تُداهم جميع قرارات العقل بضراوة، فيتحول الأمر لحربًا طاحنة لم يُكتب لأي من أطرافها النصر! لذا فأنا أؤكد بأن لا حب يُنهيه الفُراق ولا فُراق قادر على إقصاء الحُب.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
ظاهريًا استنكر وبشدة أي شيء قد يجمعني بكِ حتى لو كانت جمله تضم إسمينا معًا، ولكن الكارثي في الأمر أن الحرب تدق بقلبي حين تمر على مسامعي حروف اسمك، يشتعل الشوق بصدري عندما أمر على مكان علِقت به رائحتك، ولكنه الكبرياء الذي يجعلني أرفضك في حين أن قلبي لا يتمنى سواكِ.
_ أنت عايز بنتي يا ياسر يا وتيدي؟
برقت عيني ياسر من استفهام مرزوق الذي كان العصب جليًا فوق ملامحه، ولكنه سُرعان ما اخلص من صدمته ليقول بسخرية
_ في كامل قواك العقلية وانت بتسألني السؤال دا؟
مرزوق بحنق
_ عندك حق تسألني اذا كنت في كامل قوايا العقلية ولا لا. بس ماهو بصراحة اللي بيحصل دا يخلي الواحد يتجنن.
ياسر بجفاء
_ وهو ايه اللي بيحصل؟
_ ماهو مش كل ما تحصل مُصيبه للبت الاقيك موجود. الموضوع غريب شوية. دور الفارس الشهم مينفعش دلوقتي عارف ليه؟ عشان السندريلا بقت مطلقة. أظن أنت عارف يعني ايه مُطلقة! يعني مادة خام للكلام، وانا مش هستحمل بنتي تبقى لبانه في بق الخلق يا عم ياسر. الكلام دا في غلط!
يعلم بأنه مُحق، ولكن ماذا يفعل في قلبه الذي لازال في هواها مُتيمًا؟!
تحمحم ياسر بخشونة قبل أن يُجيبه قائلًا بجفاء
_ اللي عملته مع بنتك سواء دلوقتي ولا قبل كدا بعمله مع أي حد في مكانها، ولو متعرفش دا اسأل و الناس تقولك.
مرزوق بجمود
_ انا عارف انك جدع. أو عرفت دا متأخر. بس احنا مش هنضحك على بعض. الماضي مبيتنسيش، ولو الناس غفلت عنه من اقل حرف و لا حاجه هيشوفوها هيتفتح تاني من جديد، وغنى بقت مطلقة، و احنا ساكنين في مكان شعبي الناس كلها عارفة بعضها، وانا مش هتحمل كلمة واحدة على بنتي، وعشان زي ما قولتلك انت راجل جدع، فأكيد هتقدر موقفي.
كانت الكلمات تتراشق في صدره كالرصاص، ولكنه لا يجرؤ عن الصُراخ من فرط الألم الذي يشعُر به حين حُرِمت عليه للمرة الثانية. كل ما استطاع قوله
_ والمطلوب؟
مرزوق بجفاء
_ لو شفتها بتموت قدامك متقربش منها!
تفجر بارود كلماته بصدر ياسر الذي حاول استنشاق كمية كبيرة من الهواء عليه يُطفيء الحرائق الشاعله داخل قلبه قبل أن يقول بسخرية
_ يعني عندك أن بنتك تموت ولا أن أنا أنقذها صح!
تحمحم مرزوق قبل أن يقول بنبرة تحمل الكثير بين طياتها
_ بالظبط. إلا لو كنت لسه عايزها…
تبدل ألمه إلى غضب حين تذكر تلك الجملة التي ألقاها على مسامعه منذ ثلاث سنوات حين تقدم لخطبتها
_ انا بنتي جوهرة اديها للي يتاقلها. انما انت عندك ايه تقدمهولها؟ انت واحد لا وراك ولا قدامك. عايشها بالفتونة و لوي الدراع، وانا بنتي مش بنتي مش لاقيها عشان ارميها الرمية دي.
تجهمت معالمه و احتدت نظراته و كذلك نبرته حين قال
_ انا مبكررش طلبي مرتين، وحتى لو عايز بنتك، فأتأكد اني مش هاجي اطلبها منك تاني.
كان يعلم أنه اخطأ بحقه في الماضي، ولكنه لم يتوقع أن يُجيبه بتلك الطريقة، فما رآه منه في جلسة طلاقها جعله يتيقن من أنه مازال يحبها كما في السابق، ولكن حديثه الآن أصابه بصدمه، ولكن صدمته تضاعفت حين استطرد ياسر قائلًا
_ أه نسيت. لو لاقيت غنى في مشكلة هساعدها، ولو سمعت. بيجيب سيرتها هقطع لسانه، و دا عشان أنا راجل جدع زي ما انت قولت..
كان يعلم بأنه لا يملك القدرة على مجابهته، فهو يملك المال الآن و في موضع قوة، وقد كان هذا الأمر مؤسفًا بالنسبة إليه. إن البشر يقيمون الشخص بما يملكه، فلو كان غنيًا احترموه، ولو كان فقيرًا أهانوه. لا فإن أردت معرفة معدن الناس من حولك فإنظر كيف يتعاملون مع من هو أقل منهم.
زفر بقوة وهو يتوجه إلى الخارج ليجد يزيد الذي كان يُثرثِر مع روضة التي لازالت الصدمة تُخيم على ملامحها مما جعل يزيد يتحدث ساخرًا
_ والله لو اعرف انك هتسكتي كدا كنت جبت كرش غنى من زمان. صحيح مصائب قوم عند قومًا فوائد.
_ يزيد.
اجفل يزيد حسن استمع الى صوت ياسر القاسي ليهتف باندفاع
_ خدامك.
قبض ياسر على كتفه وهو يجذبه الى أحد الزوايا ليقول بجفاء
_ اسمع اللي هقولك عليه، و نفذه بالحرف الواحد. تروح دلوقتي عند غنى وتقول لابوها أن حالتها خطر وأنها كان عندها نزيف و نجيت منه بأعجوبة. فاهم؟
يزيد باندهاش
_ ايه الفيلم الهابط دا؟ مين اللي نجت بأعجوبة! دي كلت دراع الدكتور وهو بيخيط لها الجرح! دا الستاف كله خايف يدخل يطمن عليها.
ياسر بحنق
_ اعملك قفلة بدل ما ازعلك. الراجل دا غبي، وممكن يطلع غيظه مني فيها هي، والحل الوحيد انك تقوله أنها حالتها خطر عشان ميقربش منها.
تفهم يزيد دوافعه، و لأن الصراحة هي مذهبه الذي يسير على نهجه طوال حياته تحدث بجمود أصاب ياسر في مقتل
_ لو مش واخد بالك، فأنت لسه بتحب غنى، و مبتعملش اللي بتعمله معاها دا مع أي حد، ولا عمرك اتخضيت على حد كدا. انا حبيت انبهك ياريس عشان أنت اللي محتاج تعملك قفلة مش انا.
امتقعت ملامحه من حديث يزيد الذي جف حلقه من تلك الحقيقة التي يحاول إقناع الجميع بأنها هُراء، فمرت ثواني لم تسعفه الكلمات في الحديث، وحين أوشك على الكلام استطرد يزيد قائلًا بإتزان
_ انا مش مستني منك تنفي كلامي. عشان انت مش مضطر لدا، ولا انا بحاسبك. انا بس بنبهك عشان تعرف الدنيا رايحه بيك لفين، و على فكرة انا هعمل اللي انت قولت عليه. نتقابل في البيت.
الساعات القليلة كانت مُتعبة، و مُرهقة كثيرًا للحد الذي جعله يلتزم الصمت طوال الطريق الى البيت، وبجانبه روضة التي تكاد تميز من الغيظ حين تسلل الى داخلها شعور بأن ياسر يحمله مشاعر لتلك الفتاة، وبجانب الغضب هُناك خوفًا كبير من أن تسأله، فتصدمها الإجابه، فهي لا تُريد أن يُهدم قصر الرمال الذي كانت تبنيه السنوات الماضية معه. لذا قررت أن تتحدث مع شخص هو سبيلها الوحيد في الحصول على حبيبها الأول و الوحيد.
اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضلك عمن سواك. 2- اللهم مالك الملك، تؤتي الملك من تشاء، وتنزع الملك ممن تشاء، وتعز من تشاء، وتذل من تشاء، بيدك الخير، إنك على كل شيء قدير، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء، وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك.♥️
★★★★★★★★★
_ هو الدكتور فين ؟
هكذا تحدث مرزوق بجفاء مع يزيد الذي قال بتهكُم
_ بالنسبالي رجل كنبة ولا ايه؟
_ لا طبعًا دا قد الدنيا. بس معرفش انك متابع حالتها.
كان الامتعاض يمتزج مع لهجته لذا أجابه يزيد بجمود
_ لا متابع. انا بدرب في المستشفى، والدكتور اللي كان معاها لما جت شرحلي الحالة، و ياريت تحمد ربنا أنها كويسة.
مرزوق بقلق
_ تقصد ايه؟
يزيد بجفاء
_ بنتك اتكتبلها عمر جديد. حالها نزيف في المخ و احتمال تبقى اتهطلت. ربنا يستر لما تصحى متقولش بطن كريمة أوجع.
مرزوق بذُعر
_ انت بتقول ايه يا ابني؟ غنى حصلها ايه و مين كريمة اوجع دي؟
يزيد بملل
_ لا دي الست نبيلة عبيد متشغلش بالك. المهم يعني انت تطلع من هنا تروح تجيبلك أرنب و تدبحه و توزعه عالغلابه أن البت دي كويسة. البت اللي حيلتك كانت هتموت النهاردة. بس انت شكلك راجل طيب أو هي اللي بسبع ارواح مش عارف و فلتت. احمد ربنا بقى.
مرزوق بقلق
_ طيب هي هتصحى امتى ؟
يزيد بملل
_ تصحى وقت ما تصحى بقى. اقولك فوت علينا كمان ساعة ولا اتنين. تكون ماتت. اقصد فاقت.
زفر مرزوق بحنق قبل أن يلتفت وينظر إلى ابنته الذي كان يُحيط الضماد برأسها مُحددًا وجهها الصبوح، فلا إراديًا تسلل إلى داخله شعور بالذنب، ولكنه انتشل نفسه من تلك البؤرة التي لا تتناسب مع مبادئه ولا نزعته، وتحمحم بخشونة قبل أن يتوجه إلى الخارج.
الممتع في الأحلام أنها دنيا بلا قيود لا تخضع لقدر ولا تتأثر بالظروف التي مُجبرين على التعايش معها. بل هي عالم سحري يقوم العقل الباطن بنسجه ليحيا الإنسان بداخله ما لا يجرؤ على التفكير به في الواقع.
_ بحبك اوي يا غُريبة.
هكذا تحدث وهي بين ذراعيه تتمرغ بين ضلوعه كقطة كسولة، تُغويها رائحته و دفء أحضانه بالبقاء بجانبه للأبد، وقد ترجمت شفاهها ما يجول بصدرها حين همست بدلال
_ وحشتني اوي الكلمة دي منك.
نثر عشقه فوق جبهتها قبل أن يقول بخشونة
_ وحشتني كل حاجه فيكِ.
_ متفارقنيش يا ياسر. انا محتجالك اوي.
ياسر بنبرة محرورة
_ و مين يقدر يفارق قلبه يا قلب ياسر؟
_ خايفة اكون بحلم، وهصحى ألاقيك مش جنبي.
هكذا هتفت بنبرة خافتة، فأجابها بنبرة محمومة بوهج العشق
_ انا موجود دايمًا في قلبك. عمرك ما هتحتاجيني و مش هتلاقيني.
فجأة شعرت بوخزة ألم جعلتها تفتح عينيها لتصطدم بسقف الغرفة الأبيض اللون ثم اخترق أذنها صوت يزيد الذي قال بملل
_ ايه يا غنى أنتِ مبتناميش في بيتكوا ولا اي؟
التفتت تناظر يزيد الذي كان الامتعاض يلون ملامحه لتقول بخفوت
_ يزيد!
يزيد بنفاذ صبر
_ ابن خالته.
زفرت بتعب فقد كان هُناك ألم في ذراعها نتيجه سحب الجهاز المُستخدم في وضع المحلول، و أيضًا بدأت تشعُر بالألم في مؤخرة رأسها مما جعلها تقول بوجع
_ أه . أدوني مُسكن انا تعبانه اوي.
يزيد بنفاذ صبر
_ مسكن ايه ؟ هو أنتِ والده دا خربوش. اصحي مش فاضيلك.
ناظرته بحنق تجلى في نبرتها حين قالت
_ ما تغور في داهيه. ايه اللي موقفك هنا.
يزيد بحنق
_ الشديد القوي اللي أيده عامله زي المرزبة حسبي الله في العيلة دي نفر نفر. اخلصي عاملة ايه دلوقتي ؟
غنى بتعب
_ في ألم في راسي، و ضهري.
يزيد بتهكُم
_ من اعمالك.
ناظرته بحنق فاستطرد قائلًا بخفوت
_ بقولك اي انا قايل لابوكي انك بتخلصي، وان كان عندك نزيف و الدنيا خربانه. بس أنتِ زي القردة مفكيش حاجه. يعني تقومي من هنا عالجيم عادي، فبطلي سلبطة.
شعرت بالأسى، فإن كان أخبره بأن حالتها خطر إذن أين هو؟ ابتسامة سخرية لونت ملامحها، فهو حتمًا لن يهتم لذا خرجت الكلمات من فمها مُحملة بقدر كبير من الغضب حين قالت
_ تعرف ؟ الرجالة دول كلهم مؤذيين.
تربع يزيد على المقعد بجوارها وهو يقول بتقريع
_ تستاهلي وحد قالك تجربي الرجالة كلها بردو ! ما أنتِ اللي غلطانه.
غنى بغضب
_ مين دي اللي جربت الرجالة كلها؟ انا بتكلم على ابويا.
يزيد بتهكُم
_ اه لو ابوكي، فهو يقرف بلد الصراحة.
صرخت به حد اشتداد الألم في رأسها.
_ انت هتستهبل؟ يزيد بطل طولة لسان.
يزيد بملل
_ طب أنتِ عملالي فيها شادية، و عايمه في بحر البؤس كدا ليه طيب ؟
غنى بأسى
_ تصدق انا حياتي كلها بقت بؤس فعلًا.
_ فين غنى الفرفوشة بتاعت زمان؟
غنى بأسى
_ ماتت، و دلوقتي بقى مكانها واحدة معقدة و كارهه نفسها.
شعر بأنها تُعاني، و كثيرًا لذا حاول إضفاء المرح في نبرته حين قال
_ وايه اللي عقدك ياختي ؟
لم تفلح في قمع الكلمات من أن تخرُج من بين شفاهها حين قالت
_ البركة في اخوك .
فطنت إلى ذلة لسانها، فهتف يزيد بتهكُم
_ واد صنايعي بصحيح.
ناظرته غنى بحنق قبل أن تقول بجفاء
_ قفل عالقصة دي انا عايزة اروح
يزيد بلهفة
_ وانا نفسي تروحي عشان أنا كمان عايز اروح. هبعت حد من الممرضات ينادي ابوكي كان واقف بره، وهخلي واحدة تانيه تيجي تساعدك، و الروشتة دي فيها الدوا اللي هتمشي عليه. و كمان يومين تيجي تغيري عالجرح.
اومأت بصمت وهي تتناول منه الورقة، بينما داخلها يحترق بصمت، وهُناك استفهام يقرضها من الداخل تحاول مراوغته، ولكنه لا يكِل ولا يمِل، فهتفت باندفاع
_ يزيد..
التفت يزيد إليها ليجدها. في حالة من التخبط لا تعي ماذا تقول ليشعُر بما تُريد قوله، فهو من البداية توقع أن تسأله عنه، ولكنه قال بتخابُث
_ نعم يا غنى.
تحمحمت بخفوت قبل أن تقول باستفهام
_ هو . هو بابا لوحده اللي بره ؟
يزيد بتهكُم
_ طبعًا هو لوحده اللي بره. مفيش حد هيقدر يتحمل يقعد مع عم مرزوق في مكان واحد. دا حتى حرس المستشفى قدموا استقالتهم أول ما شافوه داخل.
زفرت بغضب قبل لأن تقول مغلولة
_ طب امشي انت كمان بدل ما اقوله انت بتقول عليه ايه؟
يزيد بتهكُم
_ قلة الأصل دي تبع الوتايدة أنتِ قريبتنا ولا ايه؟
رغمًا عنها ابتسمت على حديثه، فتابع باستفزاز
_ ايوا اضحكي يا شيخة مش ناقصين مرار احنا، وبردو مش هريحك. سلام..
اغتاظت من هذا الوغد فأطلقت زفرة حارة قبل أن تُعنف نفسها قائلة
_ لمي نفسك بقى يا ست غنى. مش ناقصة فضايح. هنا ولا مش هنا ملكيش دعوة، وافتكري أنه خلاص مبقاش يخصك.
اللهم أنت ربي وبيدكَ أمري، أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أجبت، أن تجمعني وما أتمنى من غير حولٍ مني ولا قوّة، ولا حول ولا قوة إلا بك. ♥️
★★★★★★★★★
تجمدت الدماء في عروقها حين استمعت الى حديثه المتوعد و خاصةً حين شاهدت عينيه التي يتساقط منها الوعيد لذا هتفت بتلعثُم لم يعهده منها من قبل
_ كملي. سكتي ليه؟
بدت شهية وهي مُرتبكة بهذه الطريقة، و خاصةً حين تفتحت الورود فوق وجنتيها، و أخذت شفتيها ترتجف من فرط الاحراج وربما الخوف، ف كانت مختلفة كثيرًا عن تلك الفتاة المتعجرفة الواثقة من نفسها، وقد حازت حالتها الجديدة على إعجابه ليحاول قمع ابتسامته على مظهرها خاصةً حين أجابته بنبرة حاولت جعلها ثابتة حين قالت
_ من سمع ما لا يعنيه سمع ما لا يُرضيه على فكرة.
واصل اللعب على ثباتها حين قال بنبرة حادة
_ طب على فكرة يعنيني. هو أنتِ مش كنتي بتشتميني ولا انا سمعت غلط.
أسيا بحنق
_ اه سمعت غلط.
كمال باندهاش
_ نعم.
أسيا و قد بدأت تستعيد ثقتها المهزوزة حين قالت
_ أيوا سمعت غلط. انا مكنتش بشتمك انا كنت بعبر عن انفعالاتي و مشاعري و حضرتك اقتحمت اللحظة دي، و كدا مش لطيف على فكرة. انا هروح اجيب اللاب توب و اجي عشان نخلص اللي ورانا.
قالت جملتها الأخيرة بتلعثُم قبل أن تفر من أمامه وتتوجه إلى مكتبها ليهتف كمال بغل
_ دانا هوريكي اللُطف اللي عمرك ما شوفتيه بس صبرك عليا.
كانت سلمى تشاهد ما يحدُث باندهاش سُرعان ما تداركته حين سمعت صوت كمال الصارم
_ مش عايز حد يقاطعنا.
دلف إلى مكتبه وهو يتوعد لها سرًا، و خاصةً حين تأخرت في القدوم إليه لينصب عوده متوجهًا للخارج وحين أوشك على فتح باب الغرفة تفاجيء بها تدلف إلى الداخل ليحدُث تقارب غير مقصود بينهم جعله يقف وجهًا لوجه مع عينين تشبهان الزمُرد في توهجه الذي خطف أنفاسه للحظات تيبس كل شيء به إلا تلك النبضة التي تعثرت داخل قلبه والتي أحدثت ضجيج قوي داخله، وفي تلك اللحظة الخاطفة نبت برعُم صغير داخل قلبه قد يمر الكثير حتى يفهم سبب وجوده.
شعرت بحفنة من الوخزات الموترة تتفشى في سائر جسدها حين وقعت فريسة لنظراته التي كانت تخترق عينيها بطريقة أجفلتها لتقرر التصدي لتلك السهام المُنبعثة من عينيه إذا قالت بجمود
_ حضرتك خارج ولا ايه؟
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ حضرتي قاعد مستني حضرتك بقاله ربع ساعة. اقدر اعرف كنتي بتعملي ايه كل دا؟
عادت إلى جمودها بعدما استعادت ثقتها بنفسها مرة أخرى
_ اتناشر دقيقة بالظبط اللي اتأخرتهم، و كنت بجهز الأوراق و الدرافتس اللي كنت عملاها كلها عشان لو احتجناها.
اغتاظ منها كثيرًا، ولكنه لم يتحدث انما عغم إلى مكانه وهو يقول بجفاء
_ اقفلي الباب وتعالي.
اطاعته مُكرهه لتتوجه إلى حيث يجلس و قامت بوضع ما تحمله من أوراق و جهازها اللوحي ليشرع كمال رأسًا في مناقشة الميزانية التي وضعتها، ولا يُمكنه إنكار إعجابه برجاحة عقلها و ذكائها، وقد كشفت تلك الساعات المنصرمة التي قضاها برفقتها عن شخصية جديدة تملكها تلك الفتاة التي أحتلت حيزًا لا بأس به من تفكيره.
انتهوا أخيرًا من تلك الميزانية التي عملت عليها بجد لتقول بجمود
_ اقدر اروح دلوقتي ؟
شيء ما داخله أستنكر ذهابها، ولكنه حاول جعل الأمر منطقياً حين قال بجمود
_ خمس دقايق والأكل اللي طلبته يكون وصل. كلي و بعدين روحي.
آسيا باختصار
_ ميرسي. هاكل في البيت.
كمال بهدوء مُثير للأعصاب
_مبخدش رأيك على فكرة. انا ضيعت عليكِ وجبة الغدا والعشا، و عشان كدا طلبت اكل ليا انا وأنتِ و سلمى اللي بالمناسبة مش هترضى تاكل لو أنتِ مشيتي.
اغتاظت من جملته الأخيرة، فهو يُريد جعلها تشعِر بالذنب تجاه الفتاة سلمى التي كانت تساعدهم طوال الاجتماع، والحقيقة أنها لم تكُن تهتم كثيرًا، ولكنها لا تُريد أن تُثير أي جدال معه لذا التزمت الصمت الذي لم يروق له، فقطعه قائلًا
_ قد كدا شايفة الشغل معايا وحش لدرجة أنه أسوأ من أن يدوسك قطر؟
عبأت صدرها بالهواء النقي قبل أن تقول بنبرة لا مُبالية
_ طبيعي أن الإنسان لما بيتعصب بيخرج منه ردود أفعال ممكن تكون غير محسوبة أحيانًا، وممكن تكون متهورة.
_ و رد فعلك دا كان غير محسوب ولا متهور؟
هما استفهم بتسلية قابلتها بالجدية حين قالت باختصار
_ اللتنين.
كمال بابتسامة لعوب
_ بس دا ضد طبيعتك.
قاطعته بجفاء
_ و حضرتك تعرف طبيعتي منين؟
حاوطتها عينيه بطريقة أجفلتها وخاصةً حين قال
_ اقصد طريقتك اللي بشوفها منك من اول ما اتعينتي هنا في الشركة. مش دي طبيعتك بردو ولا أنا غلطان؟
لم ترتح لنظراته ولكنها جابهتها حين قال بجمود
_ طبيعه الانسان عمومًا بتتغير على حسب الناس اللي بيتعامل معاها، فبالنسبة لأن حضرتك مديري وانا موظفة عندك، فأيوا دي طبيعتي.
فطن إلى المغزى وراء حديثها فهتف بتساؤل
_ افهم من كدا أن في طبيعة تانية مختلفة بتتعاملي بيها مثلًا مع الناس القريبة منك
اومأت آسيا قبل أن تقول باختصار
_ يعني.
باغتها ذلك الاستفهام الذي كشف الغمامة عن ذكريات مريرة وجراح لازالت نازفة حين قال
_ أنتِ ليه مابتحبيش ميرهان ؟
أصبح صدرها يعج بالصرخات التي تود لو تُطلقها في وجهه لتخبره بأنها لا تحبه هو الآخر ، و ذلك لكونهم أُناس معدومين الضمير، والإنسانيه، ولكنها ارتكزت على ذخيرتها من الثبات حين قال بجفاء
_ ليه مش العكس؟
توقع أن تراوغه لذا قال بسلاسة أدهشتها
_ عشان أنا واثق أن مريهان اختي متعرفش يعني ايه كره!
مابال هذا الرجُل اليوم، فهو يحاول بكل الطرق أن يجعلها تغرز مخالبها في وجهه، فهو إما يمزح أو مختل لذا!
_ مفيش حد في الدنيا ميعرفش يعني ايه كره! بس في ناس موهوبة في الخداع.
ابتسم كمال على حديثها على الرغم من ان لمحة الحزن التي لونت عينيها لوهلة لم تفُت عليه لذا حاول أن يكون مُنصفًا حين قال
_ انتوا أصغر من كل الحاجات دي على فكرة .
_ اللي هي ايه الحاجات دي؟
كمال موضحًا
_ الكُره و الخداع و المصطلحات الكبيرة دي.
لم تفلح في قمع الكلمات التي غافلتها و خرجت من بين شفاهها حين قالت بسخرية
_ على الرغم من أنك بيزنس ماه ناجح بس اعتقد ان معندكش أي خبرة في الحياة.
برقت عينيه من حديثها، فللمرة الثانيه التي تتجاوز حدوده معها، ولكنه الصبر كان من شيمه و خاصةً مع أنثى مثلها. لذا هتف بنبرة خشنة
_ أنتِ مسنودة على ايه وأنتِ بتتكلمي معايا بالطريقة دي يا آسيا؟
باغتته إجابتها حين قالت بنبرة لم تخلو من اللوعة
_ خالص. أنا ضهري للطل زي ما بيقولوا. معنديش حد ولا حاجه اتسند عليها.
رغمًا عنه اعتدل في جلسته وهو يقول باندهاش
_ اية؟
آسيا بابتسامة ساخرة يشوبها مرارة عرفت طريقها إلى قلبه
_ أه. متستغربش. يعني مثلاً معنديش أخ يقف يدافع عني لما واحدة زي مريهان تهيني. زي ما انت عملت معاها، و مش بنت عيلة غنية و ليها نفوذ في كل مكان، فاهروح اجري على بابا وماما اشتكيلهم أن في حد زعلني. بالعكس. دانا مقدرتش احكي لماما اي حاجه عشان مهينهاش هي كمان. شفت بقى انا اقصد ايه!
كانت إجابه قاتلة اخترقت جدران قلبه الذي ارتج حين رأى تلك العبرات التي تترقرق في مقلتيها، ولكنها تحاول قدر الإمكان في التحكُم بها، ولم تكتفي بذلك بل فاجأته حين نصبت عودها وهي تقول بابتسامة هادئة
_ هروح اكل مع مروة. عن اذنك.
لم تِعطيه الفرصة للحديث إنما توجهت إلى الخارج وبداخلها براكين من الغضب يناطحه ألم عظيم داخل صدرها مما عزز من نيران الانتقام الذي يتناقض كُليًا مع شعوره تجاهها في هذه اللحظة.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللهم اغفر لي ذنبي كله، دقّه وجلّه، وأوله وآخره، وعلانيته وسره، اللهم إني أسألك رضاك والجنة وأعوذ بك من سخطك والنار♥️
★★★★★★★★★★
_ مالك يا جميلة ؟ شكلك تعبان !
هكذا تحدثت ضحى صديقة جميلة التي كان الألم جليًا على ملامحها لتُحيب بتعب
_ الزايدة تعباني اوي يا ضحى، و الدكتور قالي لازم تتعمل و الظروف زي الزفت، ومعناش فلوس العملية.
تعاطفت ضحى مع صديقتها قائلة
_ يا حبيبتي يا جميلة سلامتك ألف سلامة. طيب هتعملي اي؟ دي ممكن تنفجر و دا خطر على حياتك.
جميلة بحزن
_ والله مانا عارفه يا ضحى و صعبان عليا اقول لشروق انا عارفه ظروفها احنا عايشين بالعافية والله. دي لسه متصرفالي في فلوس درس الكيميا.
ضحى باستفهام
_ طيب مش هي كانت معاكي عند الدكتور وسمعت اللي قاله؟
_ ايوا كانت معايا بس انا قولتلها اني خفيت على العلاج، و مردتش اقولها اني لسه تعبانه.
فجأة هتفت ضحى بحبور
_ تصدقي أنتِ بنت حلال! افتكرت دلوقتي صاحبتي كانت بتقولي أن الدكتور الجراح اللي هي بتشتغل عنده بيعمل عمليات للناس الغلابه ببلاش في مستشفى (..) انا هقولها عليكِ وهي تقوله، وان شاء الله يعملهالك.
كانت كالغريق الذي وجه القشة التي ستنقذه فهتفت بلهفة
_ بجد يا ضحى الله يباركلك كلميها حالًا.
قامت ضحى بإجراء اتصال بصديقتها التي ما أن أجابته حتى هتفت بلهفة
_ ازيك يا مرفت عاملة ايه؟
كانت تستمع إلى الرد على الجانب الآخر وبعد تبادل السلامات اخبرتها بما تريد قائلة
_ بقولك ايه الدكتور الجراح اللي انتِ بتشتغلي عنده كنتي بتقولي أنه بيعمل عمليات للناس اللي على قد حالهم ببلاش صح ولا ايه؟
_ ايوا . له على شهر عملية ببلاش بيشوف اكتر حاله محتاجه و يعملها العملية
ضحى بلهفة
_ طب بقولك ايه صاحبتي الزايدة عندها مُلتهبة و لازم تعملها وهما ظروفهم صعبة اوي، فأيه رأيك تقوليله ولو عايزة تيجي يشوفها و يكشف عليها.
صمتت مرفت لثوان قبل أن تقول باستفهام
_ طب بقولك ايه ؟ هي بنت ولا مدام؟
ضحى باندهاش من استفهامها
_ بنت . بس دا ايه علاقته؟
تحمحمت مرفت وقالت بتلعثُم
_ لا عادي. بسأل بس. ماشي هاخد معاد منه و ابلغك.
أغلقت الهاتف فقالت ضحى بحبور
_ قالتلي هتاخدلك معاد منه و تكلمني.
جميلة بأمل
_ يارب يا ضحى يرضى يعملهالي يارب.
اللهم اجمعنا في جناتك جنات النعيم ولا تفرقنا وأهلنا وأحباءنا بعد الممات يا رب العالمين. اللهم اقسم لي من خشيتك ما تحول به بيني وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغني به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علي مصائب الدنيا. اللهم اجعل آخر قولي في هذه الحياة الدنيا أن لا إله إلا أنت وأن محمدا عبدك ورسولك.♥️
★★★★★★★★★
_ جواز ايه اللي بتتكلمي عنه معلش! احنا متفقناش على كدا.
هكذا تحدثت شروق موجهة حديثها إلى سعاد التي قالت بإصرار
_ اتفقنا انك هتسمعي كلامي علشان نقدر ناخد حق امك من نبيلة، و اول حاجه نعملها أننا نأمنك أنتِ و امك، وعمر الوحيد اللي نبيلة بتعمله ألف حساب، و الوحيد اللي تخاف تخسره، وعشان كدا لازم توافقي على موضوع جوازك منه.
كانت شروق تود لو تصرخ ملء صوتها من فرط الغضب ولكنها كعادتها ظلت هادئة ظاهريًا وهي تقول
_ يبقى تقدري تعتبري اتفاقي مع حضرتك لاغي. أنا أسفة مش هعمل كدا.
لجأت سعاد إلى الخديعة حين اسبلت اهدابها بحزن ذرفته عينيها وهي تقول بحزن
_ مبقاش ينفع يا شروق. نبيلة عرفت طريقكوا، هي مش كانت عندك قبل ما انا اجيلك المرة اللي فاتت؟
شروق بجمود
_ ايوا ودا معناه ايه؟
سعاد بغضب
_ نبيلة معندهاش مشكلة تتخلص منكوا بأي طريقة، وانتوا ضعاف يا بنتي، وحتى الناس اللي حواليكوا أضعف منكوا. لو امك الله يرحمها عايشة كانت هتقولك نفس كلامي. والله انا خايفة عليكوا، وصدقيني عمر دا غيرهم كلهم. راجل و حُر لا شاغل باله بالفلوس ولا العيلة ولا كل العك دا.
شروق باندهاش من حديثها
_ نبيلة دي أمه على فكرة، واكيد هو مش هيتحمل عليها الهوا، ولا هييجي عليها عشان خاطري.
_لو لقى معاكي الحق هييجي في صفك. صدقيني انا مش بضحك عليكي. كل لحظة بتمر وانتوا في مكانكوا دا خطر.
شروق بملل
_ لا مش للدرجادي، وبعدين انا أكدلها اني مش عايزة ولا جنية من فلوسكوا . يعني مفيش سبب قدامها تأذيني.
سعاد بحنق
_انتِ صغيرة، و بتحكمي عالناس كأنهم زيك. نبيلة مش هتسيبكوا. دا حتى اخواتها مسلموش من شرها.
شروق بعدم فهم
_ تقصدي اي؟
سعاد بغل
_ بنسبة كبيرة اوي هي السبب في موت مرات خالد اخوها الله يرحمها.
شروق بصدمة
_ ايه ! موت! لا مش فاهمة.
_ مكنتش بتحب مرات خالد ولا خالد نفسه عشان هو رئيس مجلس إدارة المجموعة. كانت متخيلة أن ابوها هيخلي عز الدين ياخد المنصب دا بس طبعًا محدش هيبدي حد على ولاده بالرغم من أن عز كان دراع ابوها اليمين ولما كان هيقع عز اللي سنده. بس طبعًا مفيش بعد الضنا، ومن وقتها وهي اتسرعت. ياما اتحايلت على عمر دا يسيب مهنته ويشتغل في الشركة عشان يناطح كمال و خالد بس هو رفض.
زفرت بتعب قبل أن تستطرد قائلة
_ المهم. كانت بتكره مرات خالد عشان كان بيحبها وروحه فيها، و طبعًا هي الكل في الكل ما جوزها هو اللي في أيده كل حاجه، نادية كانت حامل في شهرها الأخير و في يوم سمعنا صريخ نبيلة جاي من القصر بتاعهم ماهو جنبنا على طول. طلعوا يجروا و اتفاجئوا بنادية مرمية عالأرض سايحه في دمها، و على ما ودوها المستشفى كانت ماتت من النزيف.
شروق بصدمة
_ يا ساتر يارب. طب و نبيلة دي مالها؟
سعاد بكُره شع من بين كلماتها
_ هي اللي عملت فيها كدا عشان تحرق قلب خالد.
_ طب وأنتِ عرفتي منين ؟
سعاد بجفاء
_ كان في بنت خدامه شافت كل اللي حصل، وشافتها وهي بتزقها. و فضلت سيباها تنزف لحد ما اتصفت، و البنت كانت مرعوبة تتكلم. بس انا لاحظت انها مش مظبوطة وبعت جبتها واستجوبتها، ولما حكتلي كل حاجه سمعتنا نبيلة، و بعدها البنت اختفت خالص محدش يعرفلها طريق، و خالد حاله بقى يحزن كاره الكل و عايش لوحده بعيد عن العيلة، ولحد الآن مش قادر يتخطى موت مراته، و لا حتى قادر يهتم ببنته.
شروق بتأثر
_ هو عنده بنت؟
_ رنا لسه يدوب اربعتاشر سنة. مبيهونش عليها حتى تبص في وشها.
غزا الرعب أوصال شروق التي هتفت بذُعر
_ و عيزانا نروح نعيش معاها انا واختي؟
سعاد بلهفة
_ عشان كدا بقولك وافقي على جوازك من عمر. الوحيد اللي هيقدر يحميكي.
شروق بتهكم
_ إذا كان اخوها مقدرش يحمي مراته منها يبقى عمر دا هيقدر!
_ اخوه مكنش مدي خوانه. بس انا مصحصحالها، و عمر شبه عارف اللي عملته في امك، و كمان انا حكتله على اللي البنت الخدامه قالتهولي، وهو واجهها و طبعًا نكرت ولبست وش الملايكه، فعشان كدا مش هتقدر تكرر الموضوع مرة تانيه. اسمعي كلامي يا بنتي متتعبيش قلبي.
اللّهم إنّك لا تحمّل نفساً فوق طاقتها فلا تحملني من كرب الحياة ما لا طاقة لي به وباعد بيني وبين مصائب الدنيا كما باعدت بين المشرق والمغرب اللّهم لا تحرمني وأنا أدعوك، ولا تخيبني وأنا أرجوك♥️
★★★★★★★★★
كانت عائدة مع والدها في أحد وسائل المواصلات التي تُسمى توك توك وفجأة تجمدت أنظارها عند نقطة معينة جعلت جسدها ينتفض بقوة حين رأته مع تلك الفتاة يبتسم لها بتلك الطريقة التي زعزعت ثباتها خاصةً حين مرت تلك الذكرى امام عينيها و كأنها البارحة
تندفع تلك الفتاة إلى أحضانه التي احتوتها بحنو رأته في عينيه و طنين كلمات يضج بأذنها
_ يزيد أبو ابني يا غنى. ابعدي عنه و سبينا نربي ابننا سوى.
كان جسدها ينتفض للحد الذي جعل مرزوق يقول بلهفة
_ في ايه يا بنتي؟ أنتِ كويسة ؟
لم تُجيبه فقد كانت في عالم آخر تتذكر فجيعتها الكبرى التي تتلخص في خيانته التي رأتها بعينيها، ولم تستطِع نسيانها يومًا فقد بدأت معاناتها منذ ذلك اليوم.
توقف السائق أمام المنزل، فهرولت إلى الداخل تسبقها عبراتها، فلم يوقفها نداء والدتها ولا والدها انما اندفعت إلى داخل الغرفة تبكي و كأنها لم تبكي من قبل، و عقلها لم يرحمها وهو يُذكرها بسبب شقائها و الإعصار الذي ضرب حياتها ذات يوم و خاصةً تلك الجملة التي كالشوك ينغز بصدرها
_ ياسر عايزني انزل الطفل بسببك، وانا مش هقدر اتخلى عن ابني. ابعدي عنه أنتِ اللي واقفه بيني وبينه. ابوس ايدك ابعدي عنه.
كان الصداع برأسها لا يوصف فحاوطتها بيدها وهي تقول بشفاه مُرتجفة
_ بكرهك يا ياسر. بكرهك. بكرهكككك..
لا إله إلا الله، الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم، اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين».♥️
★★★★★★★★★
_ نعم ياختي! يعني ايه مش هتروحي الشغل دا تاني ؟
_ هكذا استنكرت مديحة بغضب قابلته أشجان بالبرود الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ يعني مش هروح. دول عايزيني خدامه مش سكرتيرة.
مديحة بتهكم
_ ومالها الخدامة يا عنيا! مش المحروسة أمك خدامة بردو!
نفذت الإهانة إلى أعماق صدرها فهتفت بقهر
_ ملكيش دعوة بأمي، و متجبيش سيرتها، و بعدين هو أنتِ مش ابنك الباشا أمين على سن ورمح؟ هيقبل أن مراته تشتغل خدامة !
_ اخرسي و متجبيش سيرة ابني على لسانك. ابني دا اللي ستتك و هناكي و عيشك في العز. أول ما الحال ضاق بيه مش عايزة تشيليه! اخس على قلة أصلك.
لم تعد تستطِع الاحتمال، فصرخت بانفعال
_هشتغل في أي مكان غير دا.
مديحة بنفاذ صبر
_ طيب كملي الشهر وخدي مرتبك. جاي مصاريف مدارس وانا يا عنيا معاشي يدوب بيكفيني. عيالك هياكلوا و يشربوا منين ؟ ولا هيجيبوا حاجات المدارس منين؟
أشجان بقهر
_ يعني الكام ملطوش اللي هقبضهم هما اللي هيجيبوا كل دا!
مديحة بغضب
_ هيساعدوا يا عنيا. مانا مش هحط كل دا من جيبي. يالا اطلعي اتنيلي البسي و غوري على شغلك.
لم تستطع إلا أن تصرخ بقهر
_ حسبي الله ونعم الوكيل يا شيخة.
هرولت إلى الأعلى باكية لتجد هاتفها يهتز و لحسن حظها فقد كان مايزال نائمًا لذا تسللت لتأخذه من جانبه فوجدت المتصل أسيا شقيقتها فأجابته بتعب
_ ايوا يا آسيا؟
_ ايوا يا هانم فينك من امبارح اتصلت عليكِ خمسين مرة لحد ما البارد دا رد عليا، وقالي انك نايمة.
أشجان بملل
_ قصري يا آسيا انا مش طايقة نفسي أصلًا.
آسيا بقلق
_ حصل اي؟
قصت أشجان عليها ما حدث بالأسفل لتهتف آسيا مغلولة
_ لو ربنا ياخدها الولية دي و يريحنا. اياكي تروحي المكان دا تاني يا أشجان، و أصلًا انا كنت بتصل عليكِ عشان اقولك اني لقيتلك شغل عندي في الشركة.
أشجان بلهفة
_ بتقولي ايه؟ شغل في شركتك انتِ؟
آسيا بحنق
_ أقصد الشركة اللي بشتغل فيها. شغل حلو و مرتبه قد اللي بتاخديه في المخروبة دي مرتين
بس طبعًا اوعي تعرفي الحيزابونة دي .
أشجان بتحسُر
_ للأسف مش هينفع. عشان هي مُصرة اني اكمل الشغل هناك لحد ما اقبض مرتبي.
لعنت آسيا بداخلها قبل أن تقول بحنق
_ اسمعيني كويس عشان مجيش ارتكب جناية في ماري منيب اللي عندك دي. أنتِ هتيجي تشتغلي في الشركة و مش هتقوليلها، مفيش مرواح المخروبة دي تاني.
_ طب ولما ييجي معاد القبض اقولها ايه؟
هكذا استفهمت أشجان بحنق، فأجابتها أسيا بنفاذ صبر
_ وقتها هكون انا قبضت هديهملك. خلصنا بقى يا أشجان. يالا انا هبعتلك اللوكيشن عالواتس، وانا هسبقك علشان عندي ميتينج، وأنتِ البسي حاجه حلوة عليها القيمة، و تعالي بأوبر اياكِ تيجي بميكروباص هقتلك أنتِ و حماتك والله.
انصاعت لأوامر شقيقتها، و قد تفهمت دوافعها، فهي لا تُريد أن تُسبب لها الحرج بين اصدقائها في هذا المكان الذي من المؤكد أنه راقي، فهي تعلم كم يبلغ ثراء تلك العائلة لذا ارتدت أكثر الملابس أناقة فيما تمتلك، و لكنها لم تهتم لوجهها كثيرًا، و عكصت شعرها على هيئة كعكة دائرية و توجهت للأسفل، فأوقفها صوت مديحة الكريه
_ ياختي كام لازم البوقين الحمضانين اللي قولتيهم دول. ما أنتِ لابسة و متشيكة اهو.
لم تُجيبها انما خرجت وهي تدعو ربها أن تتخلص من هذه المرأة قريبًا، و قامت بتنفيذ حديث شقيقتها لتترجل أخيرًا من سيارة الأوبر وهي تنظر برهبة إلى هذا الصرح العملاق ليتولد بداخلها شعور قوي بالخوف من الدلوف إلى هذا المكان، فمن المؤكد ان جميع من في هذا المكان يملكون كفائات عالية، فأين هي من هؤلاء؟
حاولت تهدئة نفسها و قامت بالاتصال بشقيقتها التي رفضت المكالمة و قامت بعدها بإرسال رسالة نصية تخبرها بأنها لازالت في الاجتماع و أن تنتظرها في الأسفل، فتوجهت إلى الداخل وهي تُردد دعاء الخوف
_ اللهم اكفنيهم بما شئت و كيف شئت انك على كل شيء قدير.
كان المكان واسع و مُثير للإعجاب بطريقة لم تتوقعها، ولكنها كانت في حالة من التوتر لم تُساعدها في تأمل كل شيء حولها لذا ما أن شاهدت باب حمام النساء توجهت إليه على الفور تُريد غسل وجهها بالماء حتى يُساعدها على الانتعاش، فما أن دلفت إلى الداخل حتى سمعت صوت أنين يأتي من داخل المرحاض فاحتارت ماذا تفعل لتأخذ قرارها بعد أن على صوت النحيب، فقامت بطرق الباب وهي تقول بحرج
_ مين جوا؟ أنتِ كويسة طيب ؟
لم يصلها اي رد و لكن بعد لحظات وجدت باب المرحاض يُفتح و انتابتها صدمة كبيرة حين شاهدت تلك الفتاة التي كان جسدها يهتز من فرط البكاء و شفاهها المذمومة بطريقة جعلت قلبها ينتفض ألمًا على مظهر تلك الصغيرة، فاقتربت وهي تمد يدها إلى وجهها قائلة بحنو
_ مالك يا حبيبتي ؟
ناظرتها الفتاة بحيرة و عبراتها تزداد، و فجأة جذبت حقيبتها و توجهت إلى الخارج و هي يجذب ملابسها إلى الأسفل، و فجأة جذبت أنظارها شيء ما على ملابس الصغيرة، فهرولت خلفها، وهي تقول بلهفة
_ استني يا حبيبتي.
توقفت الفتاة وهي تناظرها بألم ارتج له قلب أشجان التي اقتربت و حاوطتها بذراعيها قبل أن تقول بخفوت بجانب أذنها
_ هي أول مرة تجيلك؟
ارتعش جسد الفتاة حين علمت أشجان سرها العظيم ثم اومأت برأسها بالإيجاب و عبراتها تزداد لتقول أشجان بحنو
_ طب تعالي معايا.انا على طول ببقى عاملة حسابي.
و حين التفت يدها حول الصغيرة و توجهت معها إلى الحمام جمدها بمكانها صوت قوي قادم من الخلف
_ انتِ مين؟ و حضناها كدا ليه؟
★★★★★★★★★★
_ ايه يا دكتور طمنا محتاجة عملية ؟
هكذا استفهمت ضحى بلهفة فأجابها الطبيب بحدة
_ دي لازم تدخل عمليات فورًا. الزايدة ممكن تنفجر في أي لحظة. أنا هكلمهم يجزوا اوضه العمليات.
جميلة بذعر
_ بس انا لسه مقولتش لأختي، و مش عاملين حسابنا في الفلوس يا دكتور.
_ خلي صاحبتك تتصل عليها . مينفعش نتأخر اكتر من كدا، و بالنسبة للفلوس مش هتدفعي ولا جنية. انا هعملهالك لوجه الله. لو استنيتي ساعة واحدة ممكن الزايدة تنفجر في بطنك. انا قولتلك وأنتِ حرة.
ارتعبت جميلة، فطمأنتها ضحى قائلة
_ متقلقيش اهو الراجل عارف ربنا وهيعملك العملية اهو، وانا هتصل على شروق اقولها، وان شاء الله تقومي بالسلامة هتلاقيها جنبك.
جميلة بذُعر
_ قلبي مقبوض و خايفة اوي.
ضحى بمؤازرة
_ اجمدي كدا يا بت انتِ. دي زايدة يعني يعملوها من غير بنج أصلًا.
في الخارج توجه الطبيب إلى تلك الفتاة قائلًا بخفوت
_ جهزيها و وديها قسم النسا عشان يخدروها.
مرفت بتلعثُم
_ دي بنت يا دكتور.
الطبيب بوقاحة
_ مش هنيجي جنبها. احنا بس هنستغلها في حاجه بسيطة اوي، وبعد كدا نعملها عمليتها لا من شاف ولا من دري.
في قسم النسا كان يزيد يقف مع زملائه ليقول أحدهم
_ اهو احسن حاجه في الطب دا قسم النسا و التوليد حاجه كدا لوزة مقشرة
ضحك الجميع على حديثه ماعدا يزيد و بعض الشباب، فقال أحدهم بتقريع
_ متنساش أن في قسّم هتحلف عليه.
الشاب بوقاحة
_ يا عم وأنا هعمل ايه كفاية اتفرج بس.
يزيد بملل
_ دقة بدقة ولو زدنا لزاد السقا. هييجي بردو اللي يبص عاللي يخصك، فاتلم بقى خلي ام الساعتين دول يعدوا و نخلص.
ضحك الشاب على حديثه وقال بسخرية
_ يا عم لا حياء في العلم.
شعر بالملل فهتف قائلاً
_ انا هروح الحمام على ما الدكتور ييجي.
خرج إلى الرواق الذي يحتوى على عدة غرف و في نهايته دورة المياة، و أثناء مروره بأحد الغرف توقف إثر جملة أخترقت أذنيه
_ يعني يرضي مين دا تبقى بنت جاية تعمل عملية في أمان الله تبقى فرجة بالشكل دا!
تجمدت الدماء في عروقه حين استمع إلى تلك الجملة، ولكنه ما أذهله هو حديث فتاة أخرى حين قالت
_ احنا مالنا. احنا بنعمل اللي بيتطلب مننا وخلاص، وبعدين الراجل بيدفعلنا كويس . ملناش دعوة بقى.
اختفى فجأة صوتهم مما يدل على أنهم دلفوا إلى الغرفة الأخرى المُلاصقة لغرفة التخدير، فلم يستطِع أن يقاوم رغبته للدلوف إلى الداخل ليجد فتاة مُمددة على السرير النقال، و من الواضح أنها سقطت أسيرة للمخدر فاقترب منها وهو غير مُصدق لما وصل إلى ذهنه ليُصعق حين علِم هوية الفتاة ووووو