رواية حبل الوريد الفصل الثاني عشر
_ خشى ريان أن يقوم بحادث سير نتيجة إرتفاع حماستهُ .. فـتوقف بسيارتهُ جانبًا وحلّ عنه حزام الأمان ليلتفت بجسدهُ ويكون مواجهًا لها .. كانت الفرحة تكسو وجههُ ، رمقها بعدم تصديق وهو يردد بتلهف :
- إنتي بتتكلمي جد ؟
كارمن وهي تومئ رأسها عدة مرات متتالية : اه ، أنا خدت معاد من بابا عشان تيجي تقابلهُ وهو مستنيك يوم السبت الساعة تمانية
ريان وهو يضرب عجلة القيادة بكفهُ بحماسة شديدة : مش مصدق نفسي ، يعني هشوف باباكي واطلب إيدك منهُ وكدا ! لا بجد مش مصدق
_ ثم نظر نحوها مرة أخرى وهو يتسائل بفضول :
- ليه غيرتي رأيك؟
كارمن بنبرة راضية : أنت عارف إن كريم عرف كل حاجة من ساعة ما كُنا في الرحلة ، ومن ساعتها وهو بيشجعني أخد الخطوة دي، وانا ما صدقت خلصت الرسالة بتاعتي
ريان بلهجة مازحة : والله كريم ده طلع راجل أوي يعني ، أرجل منك
كارمن وقد عبست ملامحها بإعتراض : What! أنت شايفني راجل ياريان ؟
ريان وهو يداعب وجنتها الملساء : شايفك أحلى واحدة في الدنيا ياحببتي
_ نظر في ساعة يدهُ ثم قال بجدية :
- طب انا ألحق أروحك بقا وأبدأ أجهز نفسي
كارمن وقد أنعقد جبينها بإستغراب : تجهز نفسك ! النهاردة التلات ولسه بدري على يوم السبت
ريان بلهجة مُغترة : لا ، ده انا مستني اليوم ده من زمان ولازم أجهزله أحسن تجهيز .. ولسه هقول لوالدي وعمتي وتاج ، وبعدها أخلص أي حاجة ورايا عشان يوم السبت يكون فاضي عندي
كارمن وقد أصابتها الحماسة متأثرة به : طيب ، اللي تشوفهُ ياحبيبي
ريان وهو يشير نحو أذنهُ : تاني
كارمن بضحكة صغيرة : ياحبيبي
_ فرك ريان كفيه بحماسة ، واعتدل في جلستهُ ليتابع قيادتهُ وهو يقول :
- أمتى السبت ييجي بقا ، يافــــرج الله
_ شعر كل من تعامل معهُ هذا اليوم بإنه وصل لذروة سعادتهُ .. حتى أن المعظم حسدوهُ على فرحتهُ ، بينما كانت هي تتأهب لهذا الموعد وهذا اليوم بإشتياق شديد ..
شهران كاملان مرّا على انتهاء الرحلة ، ومن بعدها سافر قُصي لقضاء مهام شديدة الأهمية بخارج مصر ..
وبنفس التوقيت ، كانت علاقة تاج وكريم تبدأ في النمو .. فقد أصبحا صديقين جيدين .. يتحدثان كثيرًا في المساء ، ويهتم بمشورتها في كثير من الأشياء التي تخصهُ ..
هو لم يقصد ذلك ولكنها بالفعل أصبحت جزء هام في حياتهُ اليومية ولا يكتمل اليوم بدونها ..
وعندما علم الأثنين بهذا الموعد الذي طالما أنتظارهُ من الجميع ، تشجعا كثيرًا للمشاركة فيه ..
_ قامت تاج بمساعدة ريان في إنتقاء ثيابًا أنيقة تناسب مقابلتهُ الأولى مع '' جلال الدغيدي '' ..
حيث أختار ريان بذلة رمادية فاتحة وأسفلها قميصًا أبيض اللون .. أنتقت له تاج رابطة عنق سوداء ولكنه حبذ ألا يرتديها ، وترك أزرار قميصهُ مفتوحة ..
وقف ريان أمام اللوح الزجاجي '' المرآه '' اللامع ، يضبط من وضعية حزام الخصر .. ثم ضبط قميصهُ وأنتقل لتهذيب شعرهُ مرة أخرى ، فـ لاحظ عن طريق المرآه ما تقوم شقيقتهُ الصغيرة بفعلهُ ..
حيث أمسكت بباقة الزهور المتفتحة ، والتي كانت من التوليب الأرجواني الأنيق .. وصُممت الباقة خصيصًا من أجل كارمن ، فـهي عاشقة لزهور التوليب..
أقترب منها ريان ليسحب منها الباقة وهو يقول :
- الورد ده بتاع كارمن
تاج وهي تعقد ذراعيها سويًا بإمتعاض : عمرك ما جيبتلي وردة ، ولا ورقة شجر حتى .. كله لـ كوكي بس
ريان وقد تقوست شفتيه بإستنكار : وانا اجيبلك ليه ، لما تتخطبي يبقى اللي أمه داعية عليه يجيبلك
تاج وهي تلكزهُ بعنف في كتفهُ : قصدك دعيالهُ من قلبها وفي ساعة استجابة كمان
ريان : كـدابة
_ ولجت مايسة بخطوات متهادية وهي تحمل ذلك الأناء الفخار والذي يحوي قطع الفحم المشتعلة والمزينة بأجود أنواع البخور .. أقتربت منهم وهي تقول بسعادة :
- عقبالك ياتاج ياقلب عمتو ، لما يجيلك إبن الحلال وأساعدك بنفسي
ريان وهو ينظر لهذا الأناء : إيه ده ياعمتي ! أنتي هتبخريني ؟
مايسة بلهجة مشددة : طبعِا ياحبيبي ، دي العين فلقت الحجر وانت بسم الله تبارك الله زي القمر النهاردة
ريان وهو يغرز أصابعهُ بخصلات شعرهُ الحليقة حديثًا : عجبتك القصة الجديدة
تاج وهي تتأملهُ بإعجاب : بصراحة جميلة جدًا عليك
مايسة وهي تمسح على كتفهُ بعاطفة : ربنا يحميك ياحبيبي ، تعالي أبخرك وأقرالك المعوذتين يلا
_ جلس ريان على حافة الفراش لتبدأ السيدة مايسة برُقيتهُ ، عن طريق قراءة آيات من الذكر الحكيم گالمعوذتين وآية الكرسي وآخر آيات سورة البقرة ..
بينما كان ريان مرتاحًا بشدة لهذه الأجواء السعيدة التي تحاوطهُ ..
في هذه اللحظة ، أستأذن طاهر بالدخول ليجد هذه الأجواء و :
- يابختك ياعم ريان ، لميت عليك عمتك واختك وسيبني لوحدي
ريان وهي لا يزال بمحلهُ : الليلة ليلتي يانُعماني ، أدعيلي أتوفق في المشوار ده ونحدد معاد قراية الفاتحة عشان أخدكم معايا المرة الجاية
طاهر : كل حاجة هتمشي زي ما تحب يابني ، أنا ماصدقت هفرح بيك .. وأي طلبات لأبو عروسة متشيلش همّ إحنا سدادين وقدها
ريان وقد أنفرج ثغرهُ لتدعيم والدهُ : ربنا يخليك لينا يابابا
_ مسحت مايسة على رأسه وهي تقول :
- صدق اللّه العظيم ، ربنا يحميك يابني ويبعد عنك شر الناس
ريان وهو ينهض عن جلستهُ : ربنا يخليكي ليا ياعمتي
_ أقتربت منهُ تاج وهي تمسك بـ قنينة عطر لتنثر فوق سترتهُ.. فتركها ريان لتقوم بمهمتها و :
- شكرًا ياتوتي ، عقبال ما أزوقك بأيدي
_ قالها وهو يمسح على وجهها بعنف كنوع من المزاح ، فأبتعدت وهي تردد :
- يالهوي على رذالتك ، فصلتني
_ أنتقل ريان بخطواتهُ لمغادرة الغرفة ، وردد :
- دعواتكم بقا ، ســلام
مايسة بصوت خفيض : ربنا يسعدك ياحبيبي وينورلك طريقك ويجعلك نصيب فيها
.............................................................
_ كان تذرع حجرتها ذهابًا وأيابًا من فرط القلق ..
وصوت حذائها العالي المثير يتحرك معها.. في حين كان كريم جالسًا على الأريكة العريضة ليراقبها بتفحص ..
حتى قرر قطع هذا التوتر بـقولهُ :
- يابنتي أتهدي شوية ، صوت جزمتك منرفزني
كارمن وهي تتنهد بقلق : مش هرتاح غير لما مقابلة النهاردة تنتهي على خير
كريم وهو يومئ برأسهُ : متخافيش ، كلهُ هيعدي زي ماانتي عايزة ويمكن أحسن كمان
_ خلعت كارمن حذائها لتتحرك بحرية ، ثم وقفت أمام المرآه لترى كيف أصبح شكلها عقب هذا التوتر الذي داهمها ، فرددت بتساؤل :
- في حاجة مش مظبوطة؟
كريم وهو يتفحصها بدقة : زي القمر ياروكا ، متقلقيش
_ كانت ترتدي فستان ضيق يصل حتى ركبتيها من اللون الـ ( كشمير ) والذي كان لائقًا بشدة مع لون بشرتها الفاتحة وعينيها الخضراوتين .. وتركت شعرها ليكون منسدلًا على ظهرها ، نظرت لقلادتهُ التي أهداها إياها فـ أبتسمت وبدأ قلقها ينخفض منسوبهُ ..
أستمعت لصوت طرقات على الباب ، فسمحت بالدخول و :
- أتفضل
جلال وهو يخط بقدمهُ داخل الحجرة : إيه ياولاد ، قاعدين هنا ليه ؟
كريم وهو يشير نحو شقيقتهُ : أصلها محسساني إن نتيجة الثانوية العامة هتظهر دلوقتي
كارمن وهي تحدجهُ بعتاب : كـريم !
جلال وهو يقهقه بصوت خشن : سيبك منه ياحبيبة بابا ، أنتي أميرة النهاردة ، إيه الجمال ده
_ قالها بإنبهار وهو يتأمل ثوبها الرقيق ، ثم أقترب منها وهو يردد :
- متقلقيش من حاجة ، وانا مش هعارض معاه كتير طالما عايزين بعض
_ أحتضنها والعاطفة تجيش منهُ .. مسح على شعرها بحنو وهو يهمس :
- كبرتي ياكارمن ، أنا فرحان أوي وانا شايفك عروسة قدامي
كارمن وهي تستمع لدقات قلب والدها : أنا فرحانة لأنك فرحان يابابي ، فرحتي بموافقتك ووجودك جمبي أحلى من أي فرحة تانية
كريم مستنكرًا : خليني قاعد أتفرج كدا كأني إبن البطة السودا ولا حاجة !
جلال وهو يبتعد برأسه عنها لينظر نحو ولدهُ : بطل طولة لسان ياولد
كريم بمزاح وهو يشير بسبابتهُ : طب ضمني ضمة واحدة
_ فتح جلال ذراعيهُ ليضمهُ ، وشدد طوقتهُ عليه وهو يردد :
- بس لو لسانك يقصر شوية!
كريم : هو الإنسان مننا إيه غير لسان ياحج
_ أستمعا لصوت رنين الجرس ، فـ دق قلبها مع دقات الجرس وهي تهمس بـأسمه :
- ريان!
جلال وهو ينظر لساعة يدهُ بـرضا : مواعيدهُ مظبوطة بالـ مللي
_ خرج جلال عن غرفتها ولحق به كريم ، بينما أنحنت هي لترتدي حذائها ومن ثم بدأت في ضبط أنفاسها لتخرج هي الأخرى ..
وقفت بالأعلى تراقب حضور حبيبها من بعيد ، حتى رأت والدها يُصافحه .. أطرقت رأسها بخجل شديد ، وشعرت بخفقات قلبها السعيد وهي تُحقق أولى خطوات إجتماعهم .. وظلت أطراف أناملها ترتجف بسعادة ، حتى قررت أن تشاركهم جلوسهم ..
كان ريان جالسًا على أحر من الجمر ليلمحها فقط ، منتظرًا بشغف أن تطل عليه بطلّتها .. حتى أستمع لصوت حذائها الذي يحفظهُ عن ظهر قلب ، فـ ابتسم بسعادة كلما أقترب الصوت منه .. حتى أخترق أنفهُ رائحتها ، فتنهد بحرارة لتقع عينيه عليها أخيرًا .. خطف نظرة سريعة منها لينتشي ، ثم نهض عن مكانهُ ليستقبلها ، حيث بسط يدهُ نحوها بباقة الزهور لتلتقطها منه بحرج وهي تتمتم :
- شكرًا
_ راقبهم جلال بدقة ، فتذكر لقاءهُ الأول بزوجته .. أبتسم بمرارة ثم هتف مواريًا حزنهُ :
- أقعدي ياكارمن ، أقعد يابني
_ جلس الجميع جلسة ودية .. حيث أحضرت لطيفة المشروبات الباردة وقطع الكعك والحلوى .. بدأ الحوار الودي بينهما والأجواء الدافئة شعت بالمحيط ..
بينما شخصت كارمن أبصارها على باقة الزهور التي أخذت موضعها في أحضانها ، فهي تعشق زهور التوليب وخاصة البنفسجية ..
بينما تطرق جلال للتعرف على تفاصيل هذا الشاب الذي ارتاح للقائهُ و... :
- وانت شغال مع والدك بقالك كتير؟
ريان وهو يضع كأس العصير جانبًا : من قبل التخرج وهو أصر أكون معاه خطوة بخطوة عشان أفهم الشغل كويس ، لحد ما بقيت أهم عضو في مجلس الإدارة
جلال وهو يدعم إجتهادهُ : جميل جدًا ، أنا كمان سحبت كريم لدوامة الشغل بدري عشان لما يجرالي حاجة الشركات دي متقعش ، واللي عملتهُ ميضيعش
كريم : ربنا يطول في عمرك يابابا
جلال : مقولتليش ياريان ، والدك شغال في إيه
ريان بثقة شديدة : إحنا مش متخصصين في حاجة ، تلاقينا في المقاولات وتلاقينا في المنتجعات السياحية ، حتى البورصة شغالين فيها .. مجموعة النعماني نشاطها كبير و....
_ توقف عقل جلال لحظات ، وبدأت حاسة السمع لديه لا تتلقى أية إشارات سمعية ..
عقب سماع هذا الأسم الذي أثار الغضب في صدرهُ ، وذكّرهُ بـ أيامًا قاحلة مرت عليه .. تغيرت معالم وجهه البشوشة لأخرى حادة تميل للعدائية شيئًا ما ، وفجأة ، بتر حديث ريان وهو يقاطعهُ قائلًا :
- باباك أسمه إيه ؟
ريان وقد أنتبه لتغير تعابير وجههُ وصلابة نبرتهُ : طاهر أبوزيد النعماني
كريم : سمعت الأسم ده قبل كدا!
_ بدأ القلق يتسرب لداخل قلبها '' كارمن '' عقب أن لاحظت تغير والدها بنسبة كبيرة جدًا .. حتى إنها تبادلت في النظرات بينها وبين ريان الذي لم يكن أقل منها توترًا وقلقًا ، حتى نطق جلال بصوت خشن :
- وانت جاي هنا ليه يابني ؟ خير ؟
ريان بلهجة متوترة يشوبها رجفة بسيطة : جاي أطلب من حضرتك تمنّ عليا وتوافق أطلب أيد بنتك ، كارمن .. ومستعد لأي حاجة تطلبها مني
جلال وهو ينهض عن جلستهُ فجأة : آســف ، معنديش بنات للجواز
_ نهض ريان عن جلسته فجأة ولحقت به كارمن، حيث سقطت باقة الورود من بين يديها وهي تقول بعد تصديق :
- بابي !
جلال وهو يشير لها برأسه لتترك المكان : أطلعي أوضتك ياكارمن
ريان وقد أشتعل داخلهُ عقب أن خمن رغبة والدها في تزويجها من قُصي : ممكن تعرفني سبب رفضك ليا !
جلال وهو يوليهِ ظهره گتعبير عن عدم الإهتمام : أنا حر ، أوافق أو أرفض دي بنتي ومن حقي أختار اللي يناسبها
ريان : وانا مش مناسب !
جلال : لأ
_ قالها جلال بشئ من الغلظة ، مما جعل كريم غير مقتنعًا بتحول والدهُ الجذري في لحظة واحدة .. فتدخل قائلًا :
- بابا ، ممكن تهدا وتفهمنا آ....
جلال بلهجة فجة : محدش يدخل
كارمن وقد أرتفعت نبرتها قليلًا : بابي ! أنت مقولتليش إنك هتجيب ريان هنا عشان تحرجهُ .. كان ممكن تقولي من البداية إنك رافض
- أطــلــعــي فــــوق !
_ صاح جلال بهذه العبارة في وجه إبنتهُ ، التي أرتجفت أوصالها على أثر ذلك وراحت تركض لتبتعد عنهم .. فـ هذه هي المرة الأولى التي يعاملها فيها والدها بهذه الطريقة المحرجة والقاسية ..
أندهش كريم مما يحدث ، يكاد يكون يحلم .. فـ ليس من طابع والدهُ المزاجية وتقلب أحوالهُ فجأة إلا إذا كان الأمر قويًا .. في حين كان ريان قد وصل لذروة إنفعالهُ وقد أحتقنت الدماء في عينيه وشعر بإهانة مريرة أصابتهُ ، ولكن حُبه الصادق جعلهُ يصمد قليلًا أمام فظاظة والدها في التعامل معه .. وما أثار حنقهُ هو الرفض القاطع والغير مبرر ، ولذلك قرر عدم ترك الأمر قبل أن يصل لأصوله و... :
- ريان بلهجة جادة : أنا حقي أعرف سبب رفضك ليا !
جلال وهو يحدجهُ بنظرات قاتلة : أبوك عارف إنك جاي تطلب إيد بنتي ؟
ريان وقد رمشت عينيه عدة مرات : أيوة ، ومتفق معاه ييجي معايا المرة الجاية لما آ...
جلال وهو يحدد سؤاله : عارف إنك جاي تطلب أيد بنت جلال الدغيدي ؟
ريان وهو يهز رأسه بالنفي وقد بدأ يستنتج سبب الرفض : لأ ، هو واثق في أختياري
جلال بإبتسامة ساخرة : روح أسأل أبوك ، أكيد هيعرف يقولك سبب رفضي ليك
ريان مضيقًا عينيه بتساؤل وقد بلغ الفضول أقصاه : تقصد إن رفضك راجع لعيلتي ؟
جلال وهو يكتف أصابع كفيه : بالظبط
ريان : بس انا ماليش علاقة بأي خلافات و.....
جلال مقاطعًا له : المقابلة انتهت ، شرفت
كريم وقد حدقت عيناه بذهول : بابا آ....
_ تركهم جلال وانصرف .. شعر ريان بسخونة شديدة في رأسه بفعل إرتفاع ضغط الدم في المخ ، وقد أحمرت عينيه وتوهج وجهه لحُمرة قاتمة ، حاول كريم أن ينزع عنه الحرج و.... :
- انا مش عارف أقولك إيه؟
ريان : .......
كريم : آ ....
ريان مقاطعًا له : آسف ، لازم امشي
_ تحرك ريان بخطوات تكاد تكون متعثرة .. حتى خرج عن حجرة إستقبال الضيوف ، ليجدها تقف منزوية على نفسها خلف هذا العمود الرخامي الذي يتوسط باحة القصر .. والدموع كست وجنتيها لتغرقهما ، أنفطر قلبهُ وأراد لو إنه يضمها الآن فـ يخفف من آلام قلبها ، ولكنه عجز عن ذلك .. فأطرق رأسهُ بخزي وتابع خطواتهُ للخارج.
_ أنفرد جلال بحجرتهُ ، وظل ينفث بشراهة في سجائرهُ البُنية السميكة .. حتى ولج إليه أبنه ليجد سحابة رمادية من الدخان تحيط بوالدهُ ، فقام بإنارة الضوء واقترب منه بيقول بعتاب :
- ليه كدا يابابا !
جلال بنبرة واهنة : متفتحش الموضوع ده تاني معايا ياكريم ، ده لو آخر راجل في الدنيا أختك مش هتتجوزهُ
كريم وقد أنقبض قلبهُ وجزع : دي أول مرة تزعق لكارمن وتقسى عليها بالشكل ده يابابا ، دي برضو كارمن
جلال وهو يقبض على جفنيه بتألم : غصب عني ، أنت عارف كارمن بالنسبالي إيه .. دي عوض ربنا ليا عن أمها
_ أقتحمت كارمن حجرة والدها بشكل فظ لأول مرة ، وقد ظهر على وجهها وعينيها أثر البكاء الغزير الذي بكتهُ ، وصرخت بصوت دوى في أرجاء الحجرة :
- أنا لازم أعرف دلوقتي ليه عملت كدا ، ليه يابابا !
جلال وهو ينهض عن جلستهُ بتشنج : كــارمن ! أنتي بتعلي صوتك وانتي بتكلميني ؟
كريم وهو يقف أمام والده : بابا ، عشان خاطري
كارمن وقد أمتزج صوتها بالبكاء والنشيج : أنا لازم أعرف السبب ، ليه يابابــي !
جلال وقد أنعقد حاجبيه بقسوة : عايزة تعرفي ليه ؟
كارمن وقد خالجها الخوف من معرفة الحقيقة : آ.. آآه !
جلال وقد صدح صوتهُ عاليًا وهو يصرخ بهما قائلًا : عشان ده اللي أبوه خد أمك من وسطنا ، أبوه هو اللي قتل أمك ، هو اللي مـوتـــــــها .. سمعتي ، موتها
_ تجمدت الدماء في عروقها ، وكأن دلوًا من الثلج سقط فوق رأسها و..................................
....................................................................