رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل الثاني عشر 12 بقلم شاهندة سمير


 رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل الثاني عشر 


_كالبحر هي_

تطلعت إلي ملامحه التي تصارعت عليها شتي المشاعر، تمنحه الوقت الكافي ليملك زمام نفسه ويستطيع البوح بما يعتمل في صدره حتي فعل وواجهها بنظراته قائلاً بحزم:
_ريتاج.. تتجوزيني؟

اتسعت عيناها للحظات في دهشة امتزجت بالسعادة، كادت أن تصرخ بنعم.. نعم نعم هذا جلّ ماتمنيته منذ اللحظة الأولي التي أيقنت فيها بعشق اجتاح جوارحي، نعم أقولها لك بقلبي قبل أن تنطق بها كلماتي فأمنية العاشقة هي أن يجمعها مع معشوقها الرباط المقدس فلا ينفصم أبداً.
ولكن مالبثت فرحتها أن خبت لتشعر بالحزن وقد رأت في مقلتيه غضب وحزن دفين لتدرك أن قراره هذا ليس نابعاً من حب بل هو انتقام لكرامته ربما أو بسبب جُرح غائر وصادف أن كانت بالجوار لتقرر في هذه اللحظة أن تطأ قلبها بقدمها في سبيل سعادته لذا أطرقت برأسها قائلة:
_ياريت كنت أقدر أسكت ضميري وأطاوع قلبي وأقبل بس للأسف مش هقدر.

لترفع إليه في هذه اللحظة عيون دامعة وهي تقول:
_ياريتك كنت حقيقي بتحبني وحابب نكون لبعض.. مكنتش هتردد لحظة واحدة في اني أقبل حتي لو متجوز غيري، كنت هقول لنفسي انه بطل يحبها وباقي عليها عشان ابنه لكن انتِ ياريتاج اللي بيحبها وعايز يقضي حياته معاها، لكن مش دي الحقيقة.. الحقيقة انك لسة بتحب مراتك وأنا مش أكتر من وسيلة بتنتقم بيها منها، أكيد زعلتك مش كدة؟مش مشكلة مع الأيام هتسامحها لإنك لسة بتحبها وهتلعن اليوم اللي اتجوزتني فيه وبجوازك مني قطعت كل سُبل الرجوع ليها.

قال بغضب:
_انتِ فاهمة غلط علي فكرة أنا مبقيتش أحب........

قاطعته قائلة بمرارة:
_متغالطش نفسك، الصدمة اللي شفتها في عيونك النهاردة والخوف من خسارتها اللي بان في كل ملامحك بيقولوا انك لسة بتحبها، عيونك اللي رغم غضبهم وثورتهم دلوقتي لكن جواهم حزن بيقولوا انك لسة بتحبها،كل ده فوقني وخلاني أشوف نفسي خرابة بيوت وأنا مستحيل أخرب بيت لسة جدرانه بتضم قصة حب،اسمعني كويس يافهد ومتفتكرش ان سهل عليا أقول الكلام ده لكن هقوله لإني بحبك واللي بيحب بجد بيتمني حبيبه يكون مش بس سعيد لأ أسعد واحد في الدنيا، وانت سعادتك عمرك ماهتلاقيها معايا أو مع غيري لكن معاها هي وبس.. واضح قوي ان كان فيه قصة حب كبيرة بينكم.

_أيوة بس هي.....

_غلطت.. بعدت.. مش مهم عملت ايه المهم انها لسة بتحبك وحبها وصدمتها فيك كانوا باينين قوي في عيونها النهاردة، أنا ست طول عمري بفكر بعقلي وده سر نجاحي، معاك غيرت قواعدي وفكرت بقلبي لكن النهاردة كان قلم فوقني وأنا بشوف قصة حب بتضيع بسببي وبسبب غباء قلبي.

قال فهد بمرارة:
_صدقيني الحب ضاع من قبل ماأعرفك، من اللحظة اللي بقيت فيها آخر اهتماماتها.
_مستحيل تكون آخر اهتمام أي ست يافهد، يمكن انشغلت عنك وأكيد دي غلطة كبيرة عملتها بس أكيد برضه من غير قصد لإنها بتحبك، فيه سبب خارج عن ارادتها يمكن وحتي لو مفيش فانت بتحبها ولازم تغفرلها.. ليه مااتكلمتش معاها؟ ليه ماقولتلهاش عن مشاعرك؟

ظهرت الحيرة ممتزجة بالحزن علي وجهه وهو يقول:
_مش عارف.. يمكن زي ماقالت حبيت احساس الضحية عشان آخده عذر للجواز عليها.

ابتسمت بمرارة تقول:
_مستحيل.. اللي زيك لما بيحب مبيعرفش يخون، حتي لو حاول حبه هيطارده ويمنعه.. انت جايلي دلوقت وعارف من جواك انك مش هتكمل.. حابب تعاقبها زي ماقلت.. كنت هتخطبني وتعلنها قدام الكل عشان تجرحها وتقولها انك قادر علي نسيانها وانها السبب لما ضيعتك من ايدها لكن لحظة الجد ووقت ماتلاقي نفسك خلاص هتطلقها وتبقي لحد غيرها كنت هتتراجع لإن لو كل الستات في كفة ووعد في كفة.. وعد هتكسب يافهد.

أطرق برأسه يتساءل.. تُري هل كان ليفعل؟ هل كان ليتراجع عن المضي قدماً فيما عزم عليه؟وهل كانت كفة وعد لترجح دون كل النساء؟إن أبعد عن قلبه الغضب لرأي أنها علي حق تماماً.. فما رأي نفسه منذ عرف الحب وتذوق حلاوة المشاعر سوي عاشقاً متيماً لها هيذات العينين الرماديتينيغرق في دخان مقلتيها فينسي الكون ويتمني لو سكن ضبابيتهما للأبد.

رفع وجهه إليها في هذه اللحظة يقول بحيرة:
_ ازاي قدرتي تفهميني بالشكل ده؟ ازاي قدرتي تعرفي اللي جوايا قبل ماأعرفه؟
_قلتلك لإني بحبك واللي بيحب حد بيفهمه ويفهم اللي جواه.
_طب ليه هي مقدرتش تفهمني؟ ليه دايما بتظلمني وتفتكر اني ممكن أخونها؟
_الست مننا لو فقدت أمانها بتعميها الغيرة وبيسيطر عليها احساسها ان جوزها مبقاش يحبها وأكيد هيكون لغيرها، رجع لوعد أمانها يافهد، حسسها بحبك خليها تكون متأكدة انها الوحيدة اللي بتملك قلبك وان نار حبها جواك لسة قايدة ومستحيل تنطفي، وقتها هترجعلك وعد اللي حبيتها.
_انتِ ازاي كدة؟

هزت كتفيها ببساطة قائلة:
_أنا مش ملاك علي فكرة وحقيقي بحسد وعد من كل قلبي عليك،وصدقني أنا لسة أنانية شوية و زي مابفكر في سعادتك بفكر في سعادتي اللي واثقة اني مش هنولها وانت كارهني لإني حرمتك منها، فالأفضل أسيبك وانا بحتل مكانة في قلبك بتحترمني فيها وبتقدرني أحسن ألف مرة ما نفترق وانت مش طايق تبص في وشي.

تراجع في مقعده يهز رأسه بابتسامة هادئة قبل أن يقول:
_أفهم من كدة اني مش هشوفك تاني؟

ابتسمت تخرج من حقيبتها قداحة أشعلت بها شموع كعكة عيد الميلاد التي طلبها لها فهد، تغمض عيناها وتتمني أمنية عيد ميلادها تطلب من الله سعادة لكليهما والصبر كي تتحمل فراقها عنه ثم تطفئ الشموع وتنهض بهدوء تتطلع إليه بنظرة طويلة قبل أن تهمس:
_الوداع يافهد.

تابعها تغادر بصمت، تطلع إلي الكعكة وتذكر همساتها ونظرتها المودعة، يدرك أنها أحبته من قلبها وتضحي بسعادتها لأجله كما يدرك أنها علي حق وأنه لن يمنحها أبداً قلبه الذي سلبته إياه وعده منذ عزف قلبه معزوفة العشق ولم تُعِده إليه مطلقاً.. لتكون ريتاج الطرف الذي يعيده لطريق الصواب بعد أن كاد يحيد عنه في ثورة غضب ولحظات ضعف، يحمد الله علي ذلك وقد كاد أن يقترف خطأ يُضيعه للأبد.

________

_مش عارفة يانيرة.. صدقيني مش عارفة مالها.. هي جتلي في حالة انهيار واضحة، حاولت أفهم حاجة مقدرتش،قالتلي انها عايزة تنام فطلعتها الأوضة بس أنا متأكدة انها مش هتنام، هي عايزة تقعد لوحدها فسبتها لحد ماتهدي وتقدر تتكلم، كلمت فهد لقيت تليفونه مقفول، أنا حاسة ان فيه حاجة كبيرة حصلت بينهم ومش عايزة أكبر المواضيع واتصل برعد، يمكن ميعرفش.. قلت أكلمك تيجي نقعد معاها ونحاول نعرف مالها.. هتقدري تيجي؟ انت صوتك تعبان....

قاطعتها نيرة قائلة بحزم :
_متقلقيش أنا كويسة، شوية صداع مش أكتر، أنا جاية حالاً.
_تمام بس متسوقيش وانتِ كدة.. خلي السواق يوصلك.
_ماشي.. سلام.

_انتِ رايحة لطنط رهف ياماما؟

استدارت نيرة تتطلع إلي ابنتها التي تقف علي عتبة  الباب قبل أن تقول بحنان:
_أيوة ياحبيبتي.

_هاجي معاكِ، طنط رهف وحشتني وعايزة أشوفها.
_أيوة بس.....
_عشان خاطري ياماما.
_طيب البسي بسرعة عشان منتأخرش أكتر من كدة.

هزت سلسبيل رأسها وهي سعيدة لإنها ستري زوجة خالها رهف التي تحبها وتفتقدها، لم ترها منذ سفر الخال نضال، تمتنع عن الذهاب إلي منزلهم حتي لا تصادف فهد وخطيبته ولكنها تعلم أن الليلة فهد وخطيبته في هذا الحفل الذي يقيمه معتز صديق فهد بمناسبة عيد ميلاده لذا رفضت هي الذهاب إلي هناك حتي لا تلقاهما ويغص قلبها لمرآهما تجد الآن الفرصة سانحة للذهاب إلي منزل خالها ورؤية زوجته التي افتقدتها بقوة.

_____

كانت سلسبيل تتجه إلي الحديقة لتجلس فيها تنتظر والدتها بعد أن طلبت منها الأخيرة ذلك وقد لاحظت شحوب وجه العمة وعد وذبول عينيها لتوقن من أن هناك مشكلة ما تخصها وتود الحديث عنها مع الخالة رهف وأمها، قد تفاجأت الأخيرة من عدم وجود فهد وخطيبته والتي اعتمدت علي كليهما في إلهاء سلسبيل عنهن، توقفت سلسبيل وقد رأت باب حجرة فهد موارباً، حاولت كبت رغبتها الشديدة في الدلوف إلي حجرته فلم تستطع خاصة وهي توقن من أنه بالخارج ولن يأتي في أي وقت قريب كما هي متأكدة من انشغال الجميع عنها الآن لذا فالفرصة سانحة لتلبي رغبة قلبها ثم تذهب علي الفور.
فتحت الباب ودلفت إلي الداخل تتأمل الحجرة بعيون رأت فهد في كل شبر فيها، منظم هو حد الهوس، كل شيء في مكانه ابتسمت وقد كانت تغيظه في الماضي ببعثرة أشيائه، تقدمت بإتجاه التسريحة تتلمس كل ماعليها بحنين، فرشاة شعره البنية والكريم الخاص به والذي لا يغيره أبداً، عطره الرائع والذي لطالما سحر كيانها وتغلغل إلي روحها، أمسكت الزجاجة تضغط علي فوهتها لينساب العطر منها تقترب بوجهها منه وتغمض عينيها تستنشقه حتي امتلأت رئتيها به، فتحت عيناها تتطلع إلي نفسها في المرآة وقد غامت عيناها بمشاعر ظنت أنها في سبيل نسيانها ولكن بضع دقائق في حجرته جعلوها تدرك كم اشتاقت إليه وكم تهواه، نظرت إلي سريره في المرآة فاستدارت تتطلع إليه، تبتسم بحنان.. هنا ينام نومته المعهودة علي جانبه الأيمن لا يتقلب أبداً، لطالما تركتها العمة رهف توقظه في الصباح حين كانت تزورهم، تقول أنها الوحيدة التي لا يرهقها  إيقاظه بينما تصاب هي بالإنهاك حين تفعل، لا تدري أن سرها هو الماء، تحضر البخاخ الذي تستخدمه في ري الزرع وترشقه به فيستيقظ متسع العينين استنكاراً وما ان يراها حتي يقفز من سريره ويطاردها حوله حتي يصابا بالانهاك فيجلسا أرضاً يتطلعان إلي بعضهما البعض ثم يضحكان بقوة وهو يتوعدها إن فعلت ذلك مرة أخري سيصب عليها جام غضبه فتعود وتفعلها ويعود لتوعده يدرك أنه لن يفعل لها شيئاً وهو يعلم أنها تخصه وحده بمزاحها الطفولي المحبب والذي لطالما راق له رغم ادعاءه العكس.
تنهدت بشوق لهذه الأيام وهي تجول بناظريها في الحجرة حتي رأت منامته، توجهت إليها وحملتها تضمها إلي صدرها بحب تغمض عيناها وهي تتخيله مرتدياً إياها لتسمع صوته الهامس يقول بتوق:
_سلسبيل.

فتحت عيناها بقوة تستدير بسرعة لتراه أمامها يقف علي عتبة الباب تنضح عيناه بمشاعر لطالما حلمت بها، وجدته ينظر إلي ماتحمله يداها فأصابها الاضطراب وهي تترك منامته من يدها بارتباك وتتجه إلي الخارج بسرعة فمد يده يضعها حاجزاً بينها وبين الخروج، نظرت إلي عينيه تقول بهدوء ادعته بينما يخفق قلبها بجنون:
_من فضلك يافهد سيبني أمشي.
_مش قبل ماتعترفي بمشاعرك ناحيتي واللي مش ممكن تنكريها بعد اللي شوفته.

غضبت من نفسها التي طاوعت قلبها فصارت بهذا الضعف أمامه، لتشيح بوجهها عنه تقول ببرود:
_لآخر مرة يافهد سيبني أمشي قبل ماحد من أهلنا يشوفني جوة أوضتك وتحصل مشكلة بسببي ملهاش أي لازمة.
_لو حد من أهلنا شافك جوة أوضتي مش هيستغربوا ولا نسيتي؟

أغمضت عيناها والذكري تعاودها لتفتحهما مجدداً وهي تنفض أفكارها تنظر إليه مباشرة وهي تقول:
_وخطيبتك.. هي كمان مش هتستغرب؟

مال بوجهه تجاهها يتطلع إلي دخانتيهما قائلاً بابتسامة:
_خطيبتي سابت البلد وسافرت بعد مااكتشفت ان قلبي ملك لواحدة تانية شايف صورتي دلوقتي في لون عينيها الصافي.

كانت عيناها تتسعان من الصدمة وهي تدرك أنه فسخ خطبته من سوزان حتي وصلت إلي الجملة الأخيرة لتدرك أنه يعترف ضمنياً بعشقها، اضطربت خفقاتها وتسارعت بفرحة غامرة مالبثت أن إنطفأت وهي تدرك أنها لم تعد حرة إلي جانب عدم تيقنها من مشاعره التي يدعيها الآن بعد أن صارت لغيره، تدرك أنه ربما يفتقد الصديقة فظن واهماً أنه يحبها وحين تصبح ملكه سيدرك زيف مشاعره، لتسيطر علي قلبها في هذه اللحظة وهي تقول:
_قلتلك قبل كدة ان كل واحد فينا بقاله طريق غير التاني واني مخطوبة يعني خلاص بقي التزامي ناحية واحد تاني و وقفتنا دي اهانة في حقه، من فضلك يافهد تبعد عني وتسيبني في حالي....

_مش قادر.. من ساعة ماحسيت اني بحبك وأنا مش قادر أبعد عنك، فراقك صعب قوي ياسلسبيل وكأن وجودك في حياتي حياة بتتسحب مني ببعادك عني، عارف اني محسيتش بحبك غير لما ضعتي مني، بس لسة قدامنا فرصة نصلح اللي فات و.....

قاطعته تقول بألم:
_ورعد ابن خالتي وابن عمك يافهد، تفتكر ممكن أجرحه بعد ماعرفت انه كان بيحبني من زمان قوي وكاتم جواه عشان عارف ان قلبي مع واحد تاني زي ماقالتلي سندس قبل ماتسافر ووصتني مكسرش قلبه؟ أيوة كنت بحبك وكان الكل عارف اني بحبك ماعدا انت اللي عماك غرورك وصورلك اني هفضل جنبك حتي لو ارتبط بميت واحدة غيري، يمكن خسارة الصديقة دلوقتي اللي عامياك ومصورالك انك بتحبني ويمكن كان نفسي أسمعها منك كتير زمان بس دلوقتي كلمة الحب ملهاش مكان مابينا.. بكرة تفوق لما تحب واحدة تانية غير سوزان وأظن انك مش هتغلب وهتلاقي غيرها بسهولة، أما أنا فهنساك وبنفس السهولة عشان حد حقيقي حبني وضحي كتير عشاني وللأسف مش مستعدة أكسر قلبه لإني جربت كسرة القلب ومش هقبل حد غيري يمر بالاحساس اللي عشته.. أبداً.

أزاحت يده وخرجت دون كلمة أخري يتبعها صوته الهادر و الذي سمعته بوضوح:
_رغم كل اللي قولتيه ورغم ايمانك ان اللي بينا انتهي قبل مايبتدي مش هيأس، سمعاني ياسلسبيل.. انتِ ليا من يوم مااتولدتي ومش ههدي و َلا أرتاح  قبل ماأثبتلك انك مخلوقة من ضلعي أنا مش من ضلع حد تاني واني أكتر واحد بيحبك ومستحيل تكوني لحد غيري أبداً مهما حصل..مهما حصل.

ليضرب يده بالباب بغضب بينما أسرعت هي في خطواتها وقد أدمعت عيناها ترغب في أن تستدير وتهرول إليه تلقي بنفسها بين ذراعيه وتتوسل إليه أن يتركها بداخلهما قرب ضلعه ولكنها لن تستطيع فكما أخبرت فهد هي لن تكون السبب في كسرة قلب لأيا كان خاصة ان كان هذا الشخص رقيق طيب القلب كابن خالها.. رعد.

______

قالت رهف بشفقة:
_طب اهدي ياوعد.. البكا مش هيفيدك بحاجة دلوقت.

قالت وعد بمرارة:
_وإيه اللي ممكن يفيدني ؟ أنا خلاص حياتي اتدمرت.. جوزي ضاع مني يارهف، فهد هيتجوز واحدة تانية غيري يانيرة.. انتوا حاسين بالنار اللي جوايا..  فهد طول عمره حبيبي، الراجل اللي كبرت وأنا شايفاه نصي التاني.. أبويا وأخويا وتوأم روحي.. النهاردة خلاص حكايتي معاه خلصت والمصيبة اني حسيت انه كان مستني اليوم ده بفارغ الصبر وكأني كنت حمل تقيل علي قلبه ما صدق يخلص منه.

_لا حول ولا قوة إلا بالله.. مستحيل فهد أخويا يعمل كدة أو يفكر بالطريقة دي، انتِ أكيد فهمتي غلط او....

_بقولك دخلت المكتب لقيتها حاطة ايديها علي شفايفه وقريبة منه كده أهو.. يعني شوية وكانت هتبقي في حضنه، ده غير كلامه ليا ولومه عليا اهمالي ليه السنين اللي فاتت دي كلها، كان شايل في قلبه لحد ما جه اليوم اللي طلعه كله قدامي، مكنش قدامي غير اني أصون كرامتي وأبعد وأطلب الطلاق.

_طلاق!

قالاها في نفس واحد فقالت وعد:
_أكيد كان لازم أطلب الطلاق أمال هستني لحد ماألاقيه داخل عليا بواحدة تانية؟

قالت رهف:
_اسمحيلي ياوعد أقولك انك غلطانة وغلطانة قوي كمان، الواحدة فينا لما بتحب بتتحدي الكون كله عشان اللي بتحبه.. مش بتسيبه بسهولة لغيرها وتستسلم، تعرفي بتصرفك ده بتحسسيه بإيه ؟ انه بالنسبة لك ولا حاجة وانك قادرة تعيشي من غيره وده في حد ذاته هيإلمه وهيخلي كرامته تثور ووقتها هيتصرف بعند ويروح يتجوز أقرب حد لمجرد انه يعاقبك وساعتها للأسف حياتكم انتوا الاتنين هتتدمر وهتندموا بس بعد فوات الأوان.
_كلام فارغ.
_رهف عندها حق ياوعد، انتِ نسيتي حكايتي مع يزيد، فاكرة لما استسلم ومحاربش عشاني روحت اتجوزت أول واحد اتقدملي لمجرد اني أعاقبه وفي الآخر آذيت نفسي وآذيته.. بس رحمة ربنا كانت كبيرة قوي بينا ورجعنا لبعض قبل فوات الأوان، افرضي فهد اتعامل بنفس الطريقة بس اللي اختارها كانت واحدة كويسة وقدرت تخليه ينساكي ويحبها، تفتكري وقتها هتكوني مرتاحة؟مستحيل..الموت هيكون أهون عليكي من انك تشوفيهم مع بعض فرحانين وسعدا.
_انتوا عايزيني أعمل ايه بالظبط؟ أعدي اللي شوفته وأتجاهله وأكمل.. مستحيل طبعاً.
_احنا مقولناش كدة.. احنا عايزينك ترجعي بيتك وتنسي موضوع الطلاق ده خالص، خاصميه ياستي بس إفضلي قدامه، عاتبيه بعنيكي وتصرفاتك شوية وبعدين عاتبيه بكلامك وقوليله انك باقية عليه وانك هتسامحيه لإنك واثقة فيه وفي مشاعره ناحيتك، ثقتك فيه هتخليه بكل قوته يحاول يكون قدها وانتِ هتساعديه وانتِ جنبه .

تطلعت وعد إلي رهف تراجع كلماتها في رأسها قبل أن تنظر إلي نيرة التي أومأت برأسها موافقة ،مس كلامهم قلبها المفعم بحب زوجها والذي لا يتقبل فكرة الفراق عن بعد لذا تنهدت تهز رأسها بدورها قائلة:
_هعمل اللي انتوا عايزينه بس هقعد يومين مع رهف أريح أعصابي شوية وأهو بالمرة نخلص أوراق الدار قبل ماأرجع البيت وأواجهه.

لتنظر رهف تجاه نيرة بارتياح.

______

كان يجلس في ردهة الفندق يتطلع إلي ساعته بقلب ينهشه القلق يخشي أن يكون قراره خاطئاً ويخسر ابنته، لقد راهن علي قلبه الذي أنبأه بأن مختطف حور لن يقتل روحاً بريئة وقد وجد المحيطين به يحبونه ويمدحونه بل انهم حتي مستعدون للتضحية بأرواحهم فداءه يدعم أفكاره حلم رهف الذي آمن أنه رسالة ربانية إليه، وها هو في انتظار يزيد ليخبره عن مصير المزاد وبعدها سينتظر تبعات قراره يبتهل إلي الله أن يكون قلبه علي صواب هذه المرة كما جعله دوماً وأن يدعمه ويحفظ أحبته كما فعل طوال السنوات الماضية.

وجد يزيد يدلف من باب الفندق ويتجه إليه علي الفور يقول بملامح مكفهرة:
_المزاد رسي علينا رغم ان فهد كان مصمم ميكملش لكنه اضطر يسمع كلامك لما هددت بفض الشراكة بينكم.
_ومالك مكشر كدة ليه؟

قال يزيد باستنكار:
_انت بتهزر يانضال؟ انت عارف لما المزاد يرسي علينا يبقي مصير حور ايه؟
_حور في حفظ الله ورعايته وصدقني لو كان فيه أي خطر عليها كنت هتلاقيني برة المزاد من غير لحظة تردد.
_ونعم بالله.. طب ايه هي خطوتنا الجاية؟

قال نضال :
_الخطوة الجاية مش احنا اللي هنقوم بيها.
_أمال مين؟
_اللي خطف حور.

كاد يزيد أن يتحدث ولكن نضال قاطعه قائلاً:
_متفكرش كتير في اللي جاي.
_ماشي ياسيدي ، بالمناسبة عارف مين كان في المزاد؟ مش هتصدق.
_مين يعني؟

قال يزيد الإسم فاتسعت عينا نضال في دهشة.

_____

_أنا مش فاهم انت عايزني أقولك ايه يارعد؟ الموضوع واضح ومش محتاج دكتور نفسي.
_قصدك إيه؟
_قصدي ان مشاعرك واضحة هي بس متلخبطة شوية لكن باين قوي ان اهتمامك بيها هو اهتمام عابر بواحدة جميلة شاف فيها الصورة اللي رسمها في خياله لكن لو دققت النظر في شريط حياتك معاها هتلاقي انه اهتمام أخوي مش أكتر، يمكن تعاطفك معاها شدك ليها بس الأكيد انها بالنسبة لك مش أكتر من أخت.

هز رأسه قائلاً بارتياح:
_أنا قلت كدة برضه..اللي بحسه ناحية سندس مشاعر أخ بأخته ماهو طبيعي ان احنا نغير علي اخواتنا بس أنا يمكن عشان مكنش عندي اخوات بنات اتهيألي ان غيرتي عليها حاجة تانية.
_ماهي غيرتك عليها حاجة تانية فعلاً وأنا مكنتش أقصد سندس بكلامي، أنا كنت أقصد سلسبيل.

اتسعت عينا رعد بصدمة فأردف مراد وهو ينهض ويستدير حول المكتب ليجلس أمام رعد قائلاً:
_انت فعلاً بتحب سندس، طول حياتك تقريباً وانت بتحبها، يمكن مظهرها الرجولي إلي حد ما وتصرفاتها وحكمتها خلوك تحطها في عقلك في خانة الصديق وتتعلق بجمال سلسبيل مع احساسك بانها تستاهل حد بيحبها ويكون أحسن من فهد زير النساء..  ومن هنا اتهيألك انك بتحبها رغم ان قلبك حب سندس لإنها أكتر حد قريب منك وبيفهمك والدليل علي كدة رفضك لفكرة ابتعادها عنك ده غير غيرتك عليها، ولو فكرت كويس هتلاقي انك مبتغيرش علي سلسبيل من فهد.
_ده لإنه مبيحبهاش.

مط مراد شفتيه قائلاً:
_مش شرط.. اللي بيحب بيغير علي حبيبته من أي حد بيحمل صفة مذكر حتي لو عارف ومتأكد انه مبيحبهاش والدليل غيرتك من نبيل مع ان سندس قالتلك ان علاقتهم في حدود الصداقة وبس.

نهض رعد يقول بعصبية:
_انت عايز توصل لإيه بالظبط يامراد؟ انت فاهم كلامك ده معناه ايه أصلاً؟

نهض مراد بدوره يقول:
_انت اللي جايلي وعايزني أقولك اللي عايز تسمعه وبس وده مش دوري كصديق ليك قبل ماأكون طبيب نفسي، الحقيقة انك بتحب واحدة وخاطب واحدة تانية خالص، العلاقة هنا مستحيلة لإنك حتي لو فكرت تنسي الأولي عشان ارتبط بالتانية فسندس هتفضل قدامك بحكم أخوتها لخطيبتك وده ان كان بيجننك دلوقتي فهيدمرك بعدين صدقني، في اللحظة اللي هتلاقي حد تاني في حياتها غيرك، في اللحظة اللي هتستحرم مجرد تفكيرك فيها أو رغبتك بقربها وساعتها هتندم انك عاندت بس متجيليش وقتها وتقولي اني كنت صح وانك ندمان لإني هقولك اني حذرتك وانت مسمعتش الكلام.

تطلع رعد إلي مراد وصراع بمقلتيه يشتعل يدرك مراد أن عقل صديقه يحاول أن يوأد مشاعره وينسي كل ماقيل في هذه الجلسة ولكن قلبه يقاوم بكل قوته لينتصر أحدهما علي الآخر، أيقن مراد أن عقل رعد من انتصر وعيونه تخلو من الحياة في تلك اللحظة وقبل أن يتفوه الأول بكلمة وجد رعد يغادر بخطوات مسرعة متجاهلاً نداءه وكأنه يخشي التراجع ان مكث للحظات أخري.

______

كالبحر هي ساكنة طوال الليل ترفل الهموم في جنباتها كجنباته،وكما يشتاق البحر حد الجنون للصباح حتي يأتيه طائر النورس رفيقه وتوأم رحلته يرفل فوقه فيجعله يحيا بصوته الذي يحمل إليه سعادة تمحي هموم الليل يغيب عنها طائرها ورفيقها فتغيب السعادة عن محياها ويحيطها ضجيج من كل صوب، تتمني لو حطمت أي شيء في ثورة غضب علي القدر الذي لم يمنحها إياه، كما يحطم موج البحر الصخور ويحمل فتاتها لقاعه حتي يعود هادئاً كما كان ولكن هيهات أن تفعل فأول ماسوف تحطم هي نفسها التائقة له رغم أنه تركها ترحل واكتفي بوداع باهت، لقد رأت الحزن بعينيه.. رأت غيرته و توقه وأدركت مشاعره وبالرغم من خفقات قلبها التي رقصت طرباً وقتها لعنت عقله الذي يرفض الاعتراف بمشاعر قلبه، يتركهما يتعذبان بفراق لا فائدة منه ويتمسك بأوهامه؛ليجعلها تتساءل ..ماالذي جذب عقله لأختها بينما لم ينجذب لها سوي قلبه الذي أدرك أنها نصفه الآخر؟ هل لإنها لا تشبه غيرها من النساء اللاتي جل اهتمامهن جمالهن؟ حسناً هي هكذا ولن تتغير من أجل أحد، إن كان أحبها كما هي كان عليه الحضور إليها والاعتذار ثم الاعتراف بعشقها وإلا ستجبر قلبها علي نسيانه وحين يدرك مشاعره سيجدها قد تجاوزته بل ونسيته تماماً ليعض وقتها أنامله من الندم.مالت تأخذ إحدي الصدفات من علي الشاطئ ثم تستقيم وتلقيها بكل قوتها تجاه البحر، ترتدي نظارتها الشمسية ثم تسير باتجاه سيارتها تقودها تجاه موقع عملها وقد عزمت علي النسيان.

______

صمت للحظة يستوعب الخبر الذي حملته له أمه بصوت يستشيط غضباً، بينما أردفت هي بحنق:
_ماترد عليا ياليث سكت ليه؟ مش ده المزاد اللي قلتلي اطمني ياماما هيرسي عليكي، الظاهر انك معرفتش توصله الرسالة بشكل يرعبه بجد، أو الظاهر ان حور مكنتش غالية عليه زي ماافتكرنا، عرفت قد ايه معندوش قلب حتي يخاف بيه علي ولاده ويفكر فيهم، اقتلها ياليث اقتلها واحرق قلبها هي..رهف.. مراته اللي محبش في الدنيا قدها، لو اتحرق قلبها هيتحرق قلبه ونرتاح حبة ياحبيبي.

توقف عقله عند كلمة اقتلها لتنتبه كل ذرة في كيانه وتنتفض رافضة الأمر وبقوة،هو لم يقتل بريئ قط فكيف يقتل من امتلكت الروح وسكنت خفقات القلب؟
_ياابني رد عليا.. ساكت ليه؟
_مش هينفع.
_ايه هو ده اللي مش هينفع؟
_مش هقدر أقتلها.
_هنخلي حد تاني يقتلها؟ مش مشكلة.. المهم تموت وينحرق قلب أمها عليها.
_حور هتعيش ياماما وهترجع لأهلها.
_انت اتجننت.. حور عرفت شكلك واسمك ولو رجعت هتقول له.....

قاطعها قائلاً بحزم:
_تقول له.. وأهو بالمرة يبقي اللعب علي المكشوف.. أنا غلطان اني سمعت كلامك وخطفتها عشان ألوي دراعه زي أي واحد جبان مش قادر يواجه خصمه ويضربه في وشه.. أنا طول عمري بقف قصاد الشيطان وأواجهه، طول عمري بدافع عن الحق وأجيب حق البريء، مش هاجي دلوقتي و اقتل روح بريئة عشان أجيب حق بابا وحقك.
_اسمعني ياليث....
_اسمعيني انتِ.. حور هرجعها لأهلها وهصفي كل حاجة هنا وأنزل مصر وهنتقم منه بطريقتي أنا مش بطريقة أي حد وده آخر كلام عندي.

أغلق الهاتف وألقاه علي الطاولة بحنق، يتساءل عن سبب مجازفة نضال بحياة ابنته ضارباً بأوامره عرض الحائط؟ هل لا يأبه لأمرها حقاً أم هناك شيء بالأمر لا يعلم عنه شيئاً، تري هل توصل إليهما؟ نفي هذه الفكرة وقد أيقن أنه لو فعل لكان الآن مكبلاً بالقيود.
_علي فكرة أنا مش هقول له.

استدار يتطلع إليها يدرك للمرة التي لا يدري عددها أنه يستهين بقدرة حبيبته علي الهرب والفكاك من الأسر، تأمل ملامحها الجميلة وهو يقول بهدوء:
_زي ماسمعتي.. مش هتفرق.. أنا خلاص قررت أواجهه بشغلي.. هنافسه في السوق وبإذن الله همسحه من علي وش الدنيا.
_بابا....
_حور.

قاطعها قائلاً بحزم فخفق قلبها لسماعها اسمها منه لأول مرة دون ألقاب ليردف قائلاً:
_من فضلك نقفل الكلام في الموضوع ده.. رحلتنا خلصت وآسف لو كانت رحلة سخيفة مليانة وجع بالنسبة لك.. دلوقتي كل واحد فينا هيروح في طريق، انتِ هترجعي لأهلك وأنا هدور علي حق أهلي، يمكن في يوم طريقنا يتلاقي بس بتمني وقتها متكرهينيش قوي وتديني ولو عذر واحد للي هعمله.

_ليث....

خفق قلبه بدوره بقوة لسماعه اسمه من ثغرها بهذا الرجاء فأوقف كلماتها باشارة من يده وكأنه يأبي أن تُضعِفه فيترك انتقامه لأجلها ويركع حدها الآن يطالبها بالرحيل معه إلي مكان بعيد لا يصل إليه أهلها وأمه، نفض أفكاره وهو يقول :
_جهزي نفسك عشان هنمشي..بعد نص ساعة بالظبط.

طالعته بنظرة صامتة ولكنها قالت الكثير قبل أن تستدير وتصعد إلي الحجرة التي كانت تمكث بها بينما ضم قبضتيه بقوة كي يمنع نفسه من اتباعها، يهمس بمرارة:
_ياريتنا اتقابلنا بطريقة تانية.. ياريتك ماكنتِ بنت الجبالي ياحور.. لكن للأسف الفراق قدرنا والانتقام طريق لازم هنمشيه .

تعليقات



×