رواية قلب السلطة الفصل الثاني عشر 12 بقلم مروة البطراوي

  

 رواية قلب السلطة الفصل الثاني عشر بقلم مروة البطراوي



(تبتسم ليلي... ابتسامة صغيرة، لا تُرى إلا في طرف شفتيها، لكنها تنبض بجُرحٍ ساخر. ليست ابتسامة انتصار، بل ابتسامة مَن جرّب الحريق ولم يَحترق، من تذوّق الانكسار... وعاد أصلب.)

ليلي (بصوت خافت... فيه نار مطفأة لا تزال تبعث دفئها): بس العين... كمان بتعرف تطفي اللي حاول يولّعها.

(تتراجع خطوة واحدة، كأنها ترسم بخطوتها خطًا لا يُتجاوز، فصلًا نهائيًّا. ثم تدور بعينيها لا بجسدها، وتتركه خلفها كأنها تترك حربًا لم تُهزم فيها، ولم تُرد الانتصار.)
*******************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
(يمسك "رائد" بمعصمها فجأة، يسحبها نحوه بعنف، ويدفعها نحو الحائط باندفاعٍ غامض. عينا ليلي تتسعان من الصدمة، لكن نظرتها لا تهتز، لا انكسار فيها... بل نار.)

رائد (بصوتٍ واهن، أشبه بالسم الزاحف): آخر مرة يا ليلي... إقبلي الجواز مني بكامل كرامتك. قبل ما ييجي اليوم... اللي تترجّي فيه وما تلاقيش باب.

(تشُدّ ذراعها بقوة، تتنفس بثقل، وتحدّق فيه بثبات كأنها تشقّ طريقًا وسط العاصفة.)

ليلي (بجرأة صارخة): إنت بتفكّرني هخاف؟ الخوف لو عرف طريقي... كان زماني وقعت من زمان. جرب تشوف... يمكن تتفاجأ.

(يضيق عينيه، ثم يترك يدها ببطء محسوب، كأنما يختبر رد فعلها. يضحك ضحكة قصيرة، لا فرح فيها... فقط برودة قاتلة.)

رائد (بسخرية ملساء): أنا مش بحتاج أهددك... أنا عندي استعداد أُفاجئك. دلوقتي... حالًا. تحبي تجربي؟

(يميل برأسه قليلًا، يتأمل ملامحها بدقة، ثم يبتسم ابتسامة خافتة... لكنها تحمل نذرًا بشيءٍ أكبر.)

رائد: أنا مصمم عليكي... مش بس علشانك. علشان بنتي. نيرفانا محتاجالك... وأنا مش بعرف أوصلها. إنتي الوحيدة... اللي تقدر تربيها بعيد عن طيش أمها، وعن اللي أنا ما قدرتش أكونه ليها.

(تضحك ليلي... ضحكة موجعة، كأنها لا تصدّق ما تسمعه، أو كأنها تشفق عليه من نفسه.)

ليلي (بسخرية مريرة): ده مش حُب... ده هوس. وأنا مش دواء لخرابك.

(يتنفس ببطء، يدير ظهره للحظة، ثم يعود إليها، عيناه صارتا أشد برودة، كأنهما جليد يحترق.)

رائد (بصوت قاتم): أنا جاي من الباب. لو قفلتيه... هدخل من الشباك. وساعتها... اللوم مش عليّ.

(تتقدم نحوه خطوة، بثبات... كأنها لا ترى سواه، أو كأنها ترى شيئًا خلفه.)

ليلي (بصوتٍ صلب): الدنيا ما خلصتش عليك... دورلك على غيري يا رائد بيه.

(تستدير لتغادر، لكن صوته يخترق اللحظة، يلاحقها كرصاصة في ظهرها.)

رائد (بابتسامة ساخرة، صوته يرتفع قليلًا): إنتي اللي اخترتي... وأنا بحب اللعب الطويل.

(تتوقف... للحظة فقط. يتسلل ارتعاش خفيف إلى جسدها، لكنها تقاومه. تتراجع خطوة، تحدّق فيه بدهشة، ثم تهتف بصدمة مكبوتة.)

ليلي: إنت فعلاً مجرم... مش معقول!

(يضحك ضحكة قصيرة ساخرة، يقترب خطوة، نظراته خليطٌ بين اللهو والجد... كأنّه يُخفي سكينًا تحت ابتسامته.)

رائد (يميل برأسه، بصوت هادئ): ده أنا... أغلب من الغلب والله.

(يتغير صوته، يلين فجأة، كأنّه يستدرجها بكلمات صادقة، مظهره مغاير لكن عينه تفضحه.)

رائد: أنا مصمم عليكي... علشان نيرفانا. أنا واخد الموضوع بجد... عايزك بالحلال. أنا غلطان؟

ليلي (تحدّق فيه بدهشة، لا تصدق ما تسمع): موضوع بنتك؟ (تضيق عيناها بشك) تقصد... تعلقها بيا؟!

رائد (يبتسم، يهز رأسه ببطء، صوته كأنه يروي مأساة): نيرفانا عندها 15 سنة... مراهقة، فاهمة يعني إيه؟ والمراهقة دي... نار مش هعرف أطفيها لوحدي. إنتي الوحيدة... اللي تقدري.

(صمت، تتسع عينا ليلي، فمها ينفتح بدهشة مكتومة، يكمل رائد كأنه يعترف بسر خطير.)

رائد: أنا ماعرفتش أكون أب ليها... كنت صغير لما اتجوزت أمها. غلطة جامعة... ومشيوا بيها لجواز. لو ما اتجوزتهاش؟ نيرفانا كانت هتكون... بنت خطيئة. (ضحكة باردة) أنا خايف عليها... خايف تغلط نفس غلطتنا. فاقد الشيء لا يعطيه... وأنا فاضي من جوه. إنتِ... اللي تملي الفراغ.

(تتنفس ليلي بحدّة، تحاول دفعه بعيدًا، لكن يدها ترتجف... تغلب رجفتها بحدة في الصوت.)

ليلي (بحدة): كفاية! أنا ما بقيتش أعرف أعيش بسببك. شيلني من دماغك!

(يتراجع خطوة، يترك لها الفراغ، لكن عينه لا تتركها. يتنهد، يرفع رأسه، صوته هذه المرة صارم، بلا التفاف.)

رائد: مش هشيلك. مش دلوقتي. لو ما جيتيش بمزاجك... هاجيبك غصب. بس ساعتها... هتندمي.

(لحظة صمت... عينا ليلي تشتعلان. تتقدّم نحوه، تقف أمامه، لا يرتجف فيها شيء.)

ليلي (بصوتٍ خافت، كأنها تُلقي عليه الحكم الأخير): أنا... متعودة أحرق اللي يقرب زيادة.

تدور عنه... خطواتها ثابتة.
******************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
(تتجه نحو الباب، خطواتها كأنها تُدق على الأرض إعلان استقلال... وفي اللحظة التي تُمسك فيها المقبض، يتوقف الزمن للحظة، كأن العالم كلّه يترقّب ما بعد هذه اللحظة. لا تتحرك، لا تستعجل، بل ترفع عينيها نحوه... تترك كلمتها الأخيرة كرصاصة بلا صوت.)

ليلي (بهمسٍ كحد السيف، يجرح ولا يُسمع): خد بالك... اللي بيفكر يكسرني... بيبقى أول واحد بيتكسر تحت رجليّ.

(النبرة في «تحت رجليّ» لا تقبل نقاشًا، نبرة سيدة لا تُهدد... بل تحكم. ثم تفتح الباب ببطء، لا تستأذن بالخروج، بل تقتحم اللحظة، كأنها تُملي شروطها على الغياب. وكأن كل خطوة تهمس: أنا اللي بختار النهاية... مش أنت.)

(الهواء يندفع من الخارج كعاصفة خفيفة، كأن الكون أخيرًا تحرر، أو ارتعد. تخطو خارج العتبة، ثم... تتوقف، تتلفت بعينين لا تسأل، ولا تتردد، بل تُسجل لحظة وداع... لا له، بل لما ظنه ذات يوم سيطرة.)

ليلي (بصوت كالهمس، لكن وقعُه صاعق): كل خطوة ببعدها عنك... هي أول طوبة بتتهد من عرشك.

(ثم تمضي... والباب يُغلق كأنه خُتم، لا يُفتح إلا بسفر جديد. صوت الإغلاق ليس نهاية... بل وعد بمعركة أخرى... أكبر.)

(يُغلق الباب بهدوء، لكن وقع صوته كأنّه صدى قَسَمٍ قُطِع... أو عهدٍ بالحرب. الهواء في الغرفة يظل ساكنًا، كأنّ الزمن نفسه توقّف.)

(رائد لا يتحرك... عيناه لا تفارق الباب، نظرة جامدة، تحتها نار... نار تُطبخ على مهل.)

(ثم... تبتسم شفتاه ببطء، ابتسامة لا تُشبه البشر، باردة... مرعبة... وكأنّه وجد في التحدي لذّته الحقيقية.)

رائد (بصوت خافت، يتمتم وكأنه يُحدّث ذاته): هي خرجت... بس ما خرجتش مني.

(يتقدّم بخطوة، يضع يده على المكتب، يطرق بأصابعه فوق الخشب بنغمة ثابتة... تفكير عميق، شرّ يُخطط له.)

رائد (ببطء، وعيناه لا تزالان على الباب المغلق): إحنا كده ابتدينا بجد... اللعبة... بقت لعبة حياة.

(يُخرج هاتفه، يتصل بأحدهم، نبرته حادة، لا تحتمل التردد.)

رائد: تابعوها... من أول ما تطلع من باب العمارة لحد ما ترجع بيتها. ما تفكّروش، بس نفّذوا. ولو حد فكّر يقرب منها... حتى بالنية... أنا اللي هقرّب... وهتكون نهايته عندي.

(يغلق الهاتف، يلقي به على الطاولة، يمرر يده في شعره كأنّه يُهدّئ عاصفة داخله... ثم يضحك... ضحكة قصيرة، خافتة... لكنها تحمل نذرًا.)

رائد (لذاته): هي مش عارفة بتلعب مع مين... وأنا... بحب ألعب.

(يتّجه نحو النافذة، يُزيح الستارة قليلًا، ينظر إلى الأسفل... يتخيّلها ماشية بثباتها المعتاد، وهو... فوق، يراها، يراقبها، يخطط لها.)

رائد (بهمس): كل خطوة بتمشيها بعيد عني... هي خطوة أقرب لرجوعها ليّا... بس بشكل تاني. وأنا... هاصبر.

(صمت... ثم يغمض عينيه، نَفَسه بطيء، لكنه مُحمَّل بوعود ثقيلة... وابتسامة جديدة ترتسم على وجهه، هذه المرة فيها شيء من الألم... شيء من الذكرى.)

رائد (بصوت أشبه بالحلم): ليلي... هتكوني ليّا. بس مش زي ما إنتِ فاكرة. زي ما أنا... عايز.

(تُغلَق الستارة، يعود الظل يكسو الغرفة... وتختفي ملامح رائد وسط الظلام، لكن صوته... يظل يتردد داخله، كأنّه وعد... أو تهديد.)

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
(يبتعد رائد عن النافذة، يتجه إلى خزانة صغيرة خلف المكتب، يفتحها بهدوء، ويخرج منها ملف أسود، مغلق بحرص. يضعه على المكتب، يجلس ببطء، ثم يفتحه... صفحات، صور، مستندات... عيون حمراء تراقب كل شيء.)

(يمسك بصورة ليلي، التُقطت من بعيد، وهي خارجة من المدرسة... عيناها فيها قوة، لكنها متعبة. يمرر أصابعه على الصورة، يبتسم... ابتسامة تحمل غطرسة المنتصر.)

رائد (بصوت خافت): كل نقطة ضعفك... هنا. وكل قوة فيك... أنا اللي هشكلها.

(ينقل بصره إلى ورقة فيها تفاصيل... تحركاتها، علاقاتها، أقاربها، أصدقاؤها... كل شيء محسوب. يضع يده فوق اسم معين... يتوقف.)

رائد (يهمس): آسر… صاحبك ولا حاجة تانية؟ لازم أعرف... وإن كنت ما بحبش أشك، لكن لازم أتأكد.

(يمسك الهاتف مرة أخرى، يتصل برقم مختلف هذه المرة... الصوت في الطرف الآخر يظهر الاحترام والتوتر.)

رائد (بلهجة آمرة): عايز كل حاجة عن آسر... شغله، بيته، تحركاته، تاريخه. وما تستنونيش... ابدأوا من دلوقتي.

(صمت قصير، ثم يضيف بنبرة أكثر خطورة): ولو لقيت حاجة مش هتعجبني... هتشتغلوا عليها من غير ما تستنوني.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

خلال الشهر الماضي و هي المهلة المحددة التي أعطاها لها لتقرير مصيرها و قام بأبعاد نيرفانا عن المدرسة بتلك الحجه و لكن هو أبعدها حتي لا تلتقي مع اوس ذلك الشاب الذى خرجت معه يوما ما ، كانت يقين مسؤولة عن نيرفانا بشكل شبه كامل، حتى إنها لم تجد فرصة لرؤية شامل إلا نادرًا. لم تعترف بذلك لنفسها، لكنّها كانت تفتقده... افتقادًا صامتًا، يتسلل إليها في لحظات التعب والوحدة. لذا، حين علمت بقدومه هذا الصباح، تسلّل شيء من السعادة إلى قلبها دون أن تبوح به، كأنّها تستعيد جزءًا من ذاتها التي غفلت عنها.

وبمجرّد أن رأته أمامها، أسرعت بتصريف العمال، ثم وقفت متأهبة، وكأنها تتهيأ للقاء طال انتظاره.

شامل، بابتسامته الجذّابة التي تحمل في طياتها ألف معنى:
– مساء الخير يا يويو!

ارتسمت السعادة على وجهها، إشراقة دافئة لا تخطئها عين، وهمست بعذوبة:
– مساء النور يا شمولة… وحشتني أوي يا حبيبي.

شامل، وقد ابتسم ابتسامة دافئة تشبه حنان الوطن:
– وإنتِ كمان وحشتيني…
(ثم تابع بلهفة صادقة)
– أمال فين أميرتنا الجميلة؟ النهارده هترجع مدرستها، مش كده؟

يقين، وهي تشير للطابق العلوي:
– نيرفانا فوق، بتجهز… شوية وهتنزل مع رائد.

شامل، متعجبًا وهو يرفع حاجبيه:
– وهو فين رائد؟!

يقين، بهدوء:
– في أوضته… بيجهز هو كمان.

شامل، وقد ومضت عيناه بدهشة:
– هو خلاص اتصالح معاها؟!

يقين، زافرة بأسف:
– لأ، للأسف لسه.

شامل، وقد بدا على ملامحه استغراب صادق:
– الله! أمال هتروح المدرسة إزاي؟!

يقين، بنبرة حائرة:
– ماعرفش والله يا شامل… ما إنت عارف رائد، دماغه لوحدها… محدش يعرف بيفكر إزاي.

شامل، بتفهم وإدراك:
– أوك… عمومًا ربنا يستر.
(ثم غمز لها بخفة)
– بس إنتِ مش ناوية تجهزي زيهم ولا إيه؟ مش معقول ييجي الوقت اللي نتقابل فيه تاني وتنكسلي، صح؟!

يقين، مبتسمة بدلال:
– لأ يا حبيبي، اطمن… أنا طالعة دلوقتي ألبس وأجهز نفسي… هفاجئك.
أنا بس كنت عايزة أشوفك مشتاق لي ولا لأ، وأتأكد إن كل حاجة بينا زي ما هي.

شامل، وقد أشرق وجهه بسعادة:
– أوك يا حبيبتي، يلا بقى اطلعي جهزي نفسك… عايز أشوفك أحلى واحدة في البيت النهارده.
أنا عايزك تطلعي أحلى من زمان.

يقين، ضاحكة بخفة:
– معقول يا شامل؟! أنا طول عمري زي القمر… بس مش زيك، أنا هاجي جنبك إيه؟!

شامل، وقد ألقى نظرة سريعة حوله ثم اقترب منها وهمس بصوت أجش:
– ده إنتِ مزة يا يويو… ما شوفتش زيك أبدًا.
ده إنتِ حتتي… النظرة ليكي بتخليني آيد ناااااار!

ارتعش جسدها قليلًا تحت همساته، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خجولة، همست بها وكأنها سرٌ لا يحتمل البوح:
– عمري إنت يا شامل… بحبك أوي.

شامل، وهو يربت على وجنتها بحنو:
– وأنا بحبك أكتر… يا روح شامل.
يلا بقى… اطلعي جهزي، الوقت بيجري.

يقين، تسبل جفنيها بخجل ودلال:
– أوك، يا قلبي.

شامل، يراقبها وهي تصعد الدرج، يبتسم كأنما يخبئ في قلبه وعدًا قديمًا:
– منتظرك…

(ثم ظل واقفًا للحظات، نظراته لا تفارق أثرها على السلالم، وكأنها تركت جزءًا منها مع كل خطوة صاعدة.)

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
لم يمضِ وقت طويل حتى انفتح باب غرفة رائد، وخرج منها بخطوات واثقة، كعادته، يرتدي بذلته الرمادية الداكنة، ونظرة الصرامة تظلل ملامحه. عيناه تجولان في المكان كمن يبحث عن خلل في النظام. وما إن لمح شامل واقفًا في صالة البيت، حتى توقفت خطواته للحظة، قبل أن يتابع سيره ببطء محسوب.

رائد، بنبرة رخيمة ولكنها حذرة:
– صباح الخير.

شامل، وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة لكنها تحمل نبرة تحدٍ دفين:
– صباح النور… يا باشا.

صمتٌ خفيف تسلل بينهما، كأن الهواء امتلأ بشحنة توتر خفية. تطلع رائد إليه بنظرة فاحصة، ثم اقترب خطوات محسوبة، كمن لا يريد المواجهة لكنه لا يتهرّب منها أيضًا.

رائد، متسائلًا ببرود:
– جِيت بدري النهارده… فيه حاجة ولا جاي تشوف يقين وبس؟

شامل، بنبرة متماسكة:
– اللي جاي عشانه واضح… مش محتاج أوضحه، صح؟

رفع رائد حاجبيه، وابتسم ببرود خفيّ، ثم اقترب أكثر حتى صار على بُعد خطوات منه. نظر في عينيه مباشرة، وكأنما أراد أن يرى ما وراء السطح.

رائد، وهو يخفض صوته بنبرة مشحونة:
– أنا ما بحبش اللف والدوران… لو ليك عندي حاجة قولها.
لو ليّ عندك… برضو قولها.

شامل، وقد اشتد صوته قليلًا، دون أن يفقد ثباته:
– مش كل حاجة ينفع تتقال… وفيه حاجات بتبقى باينة من غير كلام.

ابتسم رائد ابتسامة قصيرة، كأنها نصل يلمع في الظلام. ثم قال:
– يقين بتاعتي أنا… مش من حقك تدخل حياتها أكتر من كده.
أنا اللي مسؤول عنها… وأنا اللي محدد حدود التعامل.

شامل، يرمقه بثبات، ثم قال بتهكم خفي:
– مسؤول؟! وإمتى بقت المسؤولية عندك كده… ولا دي بس لما يكون في حد غيرك موجود؟

اتسعت عينا رائد قليلًا، لكنّه لم يفقد هدوءه. تنفس بعمق، ثم قال بلهجة قاطعة:
– أنا راجل بحب أتكلم واضح… يقين تحت سقفي، في بيتي، والبنت نيرفانا كمان…
أي حركة منك خارج المألوف… هتكون ردودي قاسية.

شامل، يقترب خطوة، ونبرته تزداد حدة:
– وأنا مش بخاف من ردودك… ولا عمري كنت بلعب ورا ضهرك.
أنا راجل… ولو عندك مشكلة مع وجودي، قولها بصراحة.

لحظة صمت مشحونة، تبادل فيها الطرفان نظرات حادة، كأنهما يتصارعان دون سلاح. ثم فجأة، ظهر صوت يقين من أعلى السلالم، تقف وقد بدت ملامحها مضطربة، وعيناها تتحرك بينهما بقلق.

يقين، بصوت مرتعش:
– فيه إيه؟! إنتو بتعملوا كده ليه؟!

التفت كلاهما إليها، وفي لحظة خاطفة، تغيرت ملامح رائد إلى هدوء مزيف، بينما ابتعد شامل خطوة، وكأن شيئًا لم يحدث.

رائد، بنبرة ناعمة:
– مفيش حاجة يا يقين… كنا بنتكلم بس.

شامل، وهو يبتسم لها ليطمئنها:
– صباحك زي الفل يا يويو… استعجلي نيرفانا علشان المدرسة .

لكن عيني يقين ظلت متعلقة بهما، كأن قلبها يعلم أن شيئًا تغيّر… وأن المشهد الهادئ يخفي تحت سطحه نذر صراع آتٍ.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

كان النهار قد انتصف تقريبًا، حين قرر شامل أن يستأذن من المدرسة ليقابل يقين. خطواته كانت واثقة، لكن قلبه يحمل نوايا لا يعلم بها سواه. غير أنه، وقبل أن يبلغ بوابة الخروج، اعترضت طريقه ليلي، وعيناها تتقدان قلقًا وشكًّا.

كانت تدرك يقينًا أن هناك أمرًا ما يُدبَّر في الخفاء. فالوقت الذي منحه لها رائد قد انقضى، ورغم ذلك، لم يأتِ بنفسه لاستلام نيرفانا من المدرسة كعادته، بل أرسلها مع السائق، وحدها. لم يكن ذلك غيابًا عابرًا في نظر ليلي، بل غياب مقصود، جزء من خطة محكمة، تكاد تشعر بخيوطها تلتف من حولها شيئًا فشيئًا، حتى كادت تخنقها.

ولم تجد أمامها سوى شامل، فاستوقفته بنبرة عاجلة، تطلب منه أن يرافقها إلى منزل والدتها. اعتقدت في قرارة نفسها أنه ربما يستطيع التأثير عليها، ليقنعها برفض عرض الزواج من رائد بنفسها، عسى أن يشعر الأخير بشيء من الحرج أو التقدير فيتراجع عن ضغوطه.

لكن ليلي لم تكن تدري أنها تلقي بنفسها بين يدي رجل لا يرغب إلا في عكس ما تتصوره.
شامل كان يحمل في قلبه مصلحة واحدة فقط: أن تتم هذه الزيجة بأي ثمن، أن تصبح ليلي زوجة رائد، ليفتح لنفسه الطريق خاليًا نحو يقين، دون حسيب أو رقيب.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

في منزل نيفين، كان التوتر مشتعلاً كأنما الجدران تضيق بهم، والهواء يثقل في الصدور. كانت ليلي تتحرك بانفعال واضح، كلماتها تتلاحق كأنها تحارب طواحين الهواء، بينما ظلت والدتها تتابعها بعينين ضيقتين، توحي بنفاد صبرٍ بلغ مداه.

وفجأة، دوّى صوت نيفين، حادًا قاطعًا كسيف مسلول:

– شايف عصبيتها يا شامل يا ابني؟ أهو من ساعة ما بدأ الموضوع وهي كده، راكبها ستين عفريت! والله العظيم لأخرج عن شعوري وأوريها شغلها كويس!

هزّ شامل رأسه مبتسمًا ابتسامة دبلوماسية، يحاول تهدئة الأجواء بصوته الرزين:

– لأ، بالهداوة يا حاجة نيفين. ليلي عاقلة وبتفهم، أكيد بس متضايقة شوية، ما إنتِ عارفة البنات، بتحب تتدلع.

لكن ليلي لم تكن في حالة تسمح لها بالمسايرة أو التراخي، فردّت بحدةٍ لا تخفى:

– لأ، ده مش دلع يا مستر شامل! ولو سمحت، يا ريت تلتزم باللي اتفقنا عليه. حضرتك هنا علشان تقنع ماما تقول لرائد بنفسها إنها مش موافقة. عيب أوي اللي بيعمله! أنا مش طفلة، وهو مش وصيّ عليّ! إيه حكاية مهلة الشهر دي؟! هو أنا بنته؟! وبعدين... يبعد بنته عني في نفس الشهر؟! ده ضغط نفسي متعمَّد!

لم تمهلها نيفين لتُكمل، فقد انفجرت فيها كبركانٍ هائج:

– بنت؟! بتقولي بنت؟! إنتي اتجننتي ولا إيه؟ بتغطي عليا؟! قطع لسانك يا قليلة الأدب!

رفع شامل يده في إشارة لتهدئة الأمور، وقال بصوت هادئ يحمل نبرة تسامح:

– سيبيها تتكلم يا حاجة نيفين.

لكن نظرة نيفين المشتعلة لم تهدأ، صاحت في وجهه بانفعال:

– مش سامع كلامها؟ دي مش محترمة!

تنهّد شامل بصبر ظاهر، ثم التفت إلى ليلي وقال بلهجة هادئة لكنها جادّة:

– بصي يا ليلي، أنا صديقك، وزي أخوكي. ولو ليَّا أخت و"رائد الذهبي" اتقدملها، مش هشوف قدامي غير مصلحتها.

حدّقت به ليلي بعدم تصديق، ثم قالت بسخرية لاذعة:

– مصلحتي؟! مع واحد بيهددني بالاغتصاب؟! همجي ومتهوّر؟! رائد نفسه لو سألته، مش هيقدر ينكر إنه قال كده!

حاول شامل التخفيف من وقع كلماتها، فقال بصوت رخيم:

– يا ليلي، تهديد وخلاص، عارفاه لما بيتنرفز بيقول أي كلام، عمره ما يعمل كده بجد. ده راجل بيخاف على سمعته.

ثم مال نحوها قليلًا، وأردف بنبرة مقنعة:

– دي فرصة عمرك. رائد ممكن يخليكي ملكة، حياتك كلها هتتغير، صدقيني، أنا بتمنالك الخير، مش غير كده.

قهقهت نيفين بغيظ، وهزّت رأسها:

– مش وش نعمة يا شامل! زميلتك غاوية الفقر !

ضحك شامل بخفة، وقال بلا مبالاة:

– ولا يهمك يا حاجة نيفين. ما هي بردو بنتك، وحبيبتك.

ردّت بامتعاض:

– مش ناكرة، بس البِت دي غيظاني! الراجل مافيهوش غلطة! شاب، حلو، وغني جدًا! عايزة إيه تاني؟!

شدّت ليلي قامتها، وواجهتها بعينين دامعتين، لكنها تماسكت وقالت بصلابة:

– الفلوس ما تعنينيش، اللي يهمني راجل أعرف أعيش معاه، أب لأولادي. لازم أختار صح، مش أي راجل همه سمعته علشان مجلس الشعب! سمعته حلوة دلوقتي، بكرة تبقى في الطين!

ألقى شامل نظرة سريعة على نيفين، ثم قال بصوت دافئ:

– لو مش مقتنعة، إديله فرصة... فترة خطوبة، مش هتخسري حاجة.

زفرت ليلي بحدة:

– أنا مش حقل تجارب!

قطّب شامل جبينه، وقال بلهجة آمرة:

– قولنا ياخد فرصته بقى!

ثم أردف بنبرة أكثر لطفًا:

– ما تتعبيش قلب أمك، أنا مش هضرك، ورائد على ضمانتي. لو ما استريحتِيش، أنا بنفسي هفركش الموضوع.

ثم نظر إليها نظرة طويلة، وقال بصوت خافت:

– عشان خاطري... يا ليلي.

ظلت ليلي تنظر إليه بعدم رضا، قبل أن تطلق زفرة ثقيلة، كأنها تنهزم أمام جدار لا يُخترق.

خرج شامل من منزل نيفين بخطوات واثقة، وعلى وجهه طيف ابتسامة، لا تخفى على من يترصده. لقد بات واثقًا أن ليلي ستخضع، فليس لها سوى والدتها، ووالدتها قد باعت موقفها. لم يبقَ إلا يقين، تلك الورقة الأخيرة التي يجب أن يسيطر عليها... يقين  كانت الهدف، و"رائد" لا يعلم أن رقعة الشطرنج بدأت تتحرك لصالحه، حتى وإن بدت الأمور بغير ذلك.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 
صعد إلى الشقة التي تجمعه بـيقين، وما إن دلف من الباب حتى خلع سترته برشاقة وألقاها على الأريكة، كأن المكان ملكٌ خاص له لا يُنازع عليه. وقف أمام المرآة يُهندم ثيابه الفاخرة، يعدّل من ربطة عنقه وينفض عن كتفيه الوهم، ثم نظر إلى انعكاسه بنظرة تحمل مزيجًا متوهجًا من الغرور والرضا، كمن يرى نفسه فارسًا منتصرًا على رقعة لا يُهزم فوقها.

استدار ببطء نحو يقين، التي كانت تقف عند النافذة، يكسو ملامحها قلق شفيف وهي تتفحّص الخارج بعينين متحفزتين، وما إن التقت عينها بعينه حتى تبدّلت نظرتها إلى حالمة ساكنة.

اقترب منها بخطوات محسوبة، ثم انحنى قليلًا، ودفن وجهه بين لفائف شعرها المتدلية، يستنشق عبيرها وكأنه يتزوّد بلذة لا تنتهي. همس في أذنها بنبرة خافتة تحمل مزيجًا من السخرية والإعجاب:

– بس تصدقي؟ حلو التغيير ده... صايع قوي!

ضحكت يقين ضحكة قصيرة ناعمة، ومالت برأسها للخلف لتفسح له مزيدًا من الاقتراب، وقالت بصوت مغمور بالدلال:

– إبقى تعالَ كل يوم في الميعاد ده يا حبيبي... بس يلا بينا، نرجع، أحسن حد ياخد باله من غيابي.

أدار شامل عينيه بتكاسل، ثم استند إلى الحائط بإهمال متعمَّد، وقال بثقة لا تخلو من استفزاز:

– ما تخافيش، محدش واخد باله إنك مش في البيت أصلاً، وأخوكي... غرقان مع ليلي في المدرسة! لا وقت ولا دماغ لأي حاجة تانية.

اقتربت يقين منه بخطوات أنثوية متمايلة، ووضعت ذراعيها حول عنقه، وهمست بقلق مغلَّف بالحب:

– طيب... بردو مش بحب أخاطر، خصوصًا بيك. وبعدين، أخويا إيه اللي يشغله بواحدة زي ليلي؟!

رفع شامل حاجبًا بسخرية، وهو يمرر أصابعه على ذقنه متصنعًا الدهشة:

– يا سلام! طب وما يشغلش باله بيها ليه يعني؟ هو إنتي شايفة أخوكي ملاك ما بينزلش الأرض؟! ده راجل، وأي راجل ممكن يقع.

ابتسمت يقين، ولمعت عيناها بمزيج من الحب والتملك، ثم رفعت يدها تلمس وجنته بحنان وقالت بنبرة هامسة:

– راجل... بس مش زيك، إنت أحلى حاجة حصلتلي في الدنيا. ربنا ما يحرمني منك يا شامل.

ثم ضمّته إلى صدرها بقوة، كأنها تتشبث به من عالمٍ آيل للانهيار، تسعى أن تُجمّد اللحظة في حضنه، أن تهرب من الزمن إليه.

أما شامل، فاكتفى بابتسامة صغيرة، تمرّدت على زوايا شفتيه، وأخذ يُمرر أصابعه في خصلات شعرها بهدوء، كمن يُهدهد طفلة مدللة لا يُريد إيقاظها من حلم. ثم همس لها بلطفٍ ظاهر:

– ربنا يخليكي ليا يا حبيبتي... ماشي، يلا نرجع لـ"الأشكيف" أخوكي.

قهقهت يقين برقة، ثم تشابكت أصابعها بأصابعه، وسارا معًا نحو الباب، خطواتهما تغرق في صمتٍ يوحي بالكثير... أكثر بكثير مما يبدو على السطح.

---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜 

بعد توصيل نيرفانا الي المدرسة 
ما إن لمحَت حور صديقتها تُومئ برأسها من بعيد، حتى فهمت أن الخطة تسير كما رُسم لها، بل إن لحظة المواجهة قد آن أوانها. قلبها يخفق بقوة، وهي تُمني نفسها بانتصار يثبت أن نيرفانا لا تُقهر، مهما اشتد الحصار عليها.

كان "أوس" يجلس في سيارته المظللة، يحدّق في المرآة الأمامية بعيون يملؤها الترقب، وحين لمح حور تقترب، نادى بنبرة باردة خلت من الحماس:

— "ها يا حور... إيه الأخبار؟"

أجابته وهي تفتح باب السيارة الأمامي، لتجلس بجواره دون تردد:

— "خلصت... نيرفانا جاية، ومفيش حد واخد باله."

أدار وجهه نحوها، وابتسامة خبيثة ترتسم على ملامحه، قبل أن يقول بنبرة ناعمة تحمل نصلًا خفيًا:

— "كويس... جه وقت الحساب بقى."

رمقته حور بنظرة مرتابة، وقالت بتردد:

— "بس خليك فاكر... أنا قلتلك هقابلها بيك، مش أكتر."

ضحك بخفة، ثم اقترب منها قليلًا حتى كادت أنفاسه تلامس وجهها، وهمس:

— "وهل تفتكري إني هأذّيها؟ أنا عايزها... بس بطريقتي."

في تلك اللحظة، ظهرت نيرفانا عند زاوية البوابة، تلتفت حولها بحذر، ثم لمحت السيارة السوداء بانتظارها. أسرعت بخطوات متوترة، قلبها يخفق كمن يهرب من قيدٍ إلى قيدٍ آخر، لكنها لا تبالي، فالمهم أن تخرج... أن تنتقم.

فتح لها أوس الباب الخلفي، فصعدت مسرعة وجلست، تتنفس بعنف، قبل أن تقول بنبرة يختلط فيها اللهفة بالتمرد:

— "أوس... أنا مش هارجع! خُدني بعيد، أي مكان... مش عايزة أشوفهم تاني."

نظر إليها من المرآة، عيناه تلمعان بوميضٍ خفي، وقال ببطء وكأنه يوزن الكلمات
— "هخدك بعيد... وهتشوفي بنفسك، لما كلهم يعرفوا إنك مش ملكهم تاني."
تعليقات



×