رواية قلب السلطة الفصل الثالث عشر بقلم مروة البطراوي
ترددت نيرفانا للحظة وهي تُغلق باب السيارة خلفها، ثم التفتت نحو أوس بنظرات متحفزة، بينما حور وقفت خارج السيارة، عيناها لا تكفان عن الترقب، وقلبها يضطرب كأنها تودّ التراجع ولا تملك الجرأة.
قالت حور بسرعة وهي تشير بعينين قلقتين:
— "حاسبوا... مستر شامل مش مضمون، ممكن يرجع فجأة."
لم يلتفت إليها أوس، بل ابتسم ابتسامة باردة، وضغط على دواسة الوقود بقوة، حتى اهتزّ جسد السيارة للحظة، وقال بثقة لا تخلو من تهكم:
— "اللي زي شامل؟ اتلهى في نفسه دلوقتي... محدش هيقدر يوقفني."
وانطلقت السيارة، تبتلع الطريق تحت عجلاتها، وتترك خلفها صمتًا ثقيلًا، وقلقًا يأبى أن يهدأ.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
بينما كان يجلس قربها في سيارته، مرر شامل عينيه على يقين بنظرة مشتعلة، فيها من الشهوة ما يكفي لإشعال قلبٍ بارد، ثم مال نحوها ببطء، كأنه يغوص في عطرها المسحور، وتمتم بنبرة واهنة لكنها مغمورة بالافتتان:
— "إممم… ريحة شعرك… بتدوّخني. أهو الواحد لسه عارف يتبم عليكي، هنا وبس."
ولم ينتظر أكثر… مدّ يده يحيط وجهها برفقٍ متعطش، ثم انحنى يقبّلها كما لو أنه يسرق من اللحظة ما يشبع به اشتياقًا طال.
لكن اللذة لم تكتمل… إذ ارتجف الهاتف بين يديه فجأة، قاطعًا الحلم بصوت الواقع الجاف.
نظر إلى الشاشة بعبوسٍ ضيق، فظهر أمامه الاسم الذي لا يُرد… رائد الذهبي.
ضغط شِبه مُكره، وما إن فتح الخط حتى دوّى صوت رائد، قويًا، حاسمًا، لا يمنح مجالًا للتفكير أو جدال:
— "ابقي جيب نيرفانا… بدري. قول خلصت شغلك بدري. مش عايزها تحسّ بحاجة!"
وانقطع الاتصال بنفس القسوة التي بدأ بها، دون حتى أن يمنحه فرصة للرد… فقط أوامر تُلقى، ولا سبيل سوى تنفيذها.
رفعت يقين عينيها نحوه، القلق يطفو على ملامحها كضوء خافت، تمسح الخوف بكلمات خرجت منها كأنها سر دفين:
— "كلّ مرة يتصل عليك وأنا معاك… بحسّ إنه شايفنا… شايفنا واحنا بنبعد. عمره ما سهّل علينا حاجة يا شامل!"
شامل زفر، وكأن صدره يحمل همًّا أثقل من احتماله، ثم عاد إليها دون أن يُجاري قلقها، طبع قبلة خاطفة على شفتيها، قبل أن يغمغم بنبرة مستسلمة، ممزوجة بمرارة ضاحكة:
— "أه والله… مفيش حد مسكين في الدنيا دي قدي."
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في المقعد الخلفي، جلست نيرفانا تحدّق في الطريق المتسارع خارج النافذة، كأنها تهرب بعينيها من شيء يطاردها داخليًا. يدها تقبض حقيبتها الصغيرة بقوة، وصدرها يعلو ويهبط بأنفاسٍ لا تهدأ.
همست بصوتٍ بالكاد سُمع، وكأنها تخاطب نفسها:
— "أنا مش هارجع... مهما حصل."
أوس لمحها من المرآة، وابتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه، لكن عينيه بقيتا جامدتين، لا تشي بشيء. مدّ يده إلى الهاتف الموضوع بجانبه، وأرسل رسالة سريعة، ثم التفت نحوها وقال بنبرة رخيمة تحمل ما لا يُقال:
— "كل حاجة ماشية زي ما كنت عايز... بس ناقص خطوة واحدة."
نيرفانا التفتت نحوه، عيناها تضيقان بشك، لكنها لم تنطق. فقط أعادت النظر للطريق، وكل شيء بداخلها يقول إن ما ينتظرها... ليس كما تخيلت.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
داخل المنزل، حيث تتكاثف نُذر العاصفة القادمة...
عاد رائد الذهبي إلى بيته، لكن ما إن تخطّى العتبة حتى شعر كأن شيئًا غامضًا يجثم على صدره... هاجس غامض، قلق مبهم، قلبه يضجُّ بتحذير لا يعرف له سببًا. وقف لحظة يتلفت حوله، كأن عينيه تبحثان عن أمر مفقود، ثم صعد الدرج بخطوات ثقيلة نحو غرفة ابنته.
وقف أمام الباب، دقّه بنغمة حملت مزيجًا من لهفة الأب وقلقه:
— "نيرفانا؟ جيتي يا بابا؟ أوعي تكوني زعلانة عشان بعت شامل يجيبك بدري…!"
لكن الصمت كان هو الجواب… صمتٌ يلسع أكثر من الكلام.
مدّ يده إلى المقبض، فتح الباب بحذر… ووقع بصره على الفراغ.
الغرفة خالية… لا نيرفانا… ولا حتى أثر.
اشتعلت النار في صدره، اندفع كالسهم يهبط على الدرج، خطواته تقرع كأنها طبول إنذار، واندفع نحو غرفة الطعام حيث كانت يقين تجلس، لا تدري ما يحدث.
— "يقين! خرجتي النهارده من غير ما تقولي؟! نيرفانا مش فوق!"
رفعت رأسها، مفزوعة، وقد باغتها صوته الحادّ، نهضت متوترة، تتلفت نحوه بذهول:
— "إيه فيه إيه يا رائد؟!"
وقف أمامها، عينيه تقدحان شررًا، وملامحه بين الغضب والذهول.
— "نيرفانا مرجعتش البيت! إزاي؟!"
تسمرت يقين في مكانها، وكأن الأرض سُحبت من تحتها:
— "مش في البيت؟! يعني إيه؟! يمكن جت وخرجت تاني؟! … و أنا لسه راجعة!"
رائد يقترب منها خطوة، صوته يخرج كالسياط:
— "البنت مرجعتش يا يقين! البنت مش هنا!"
هتف بها، ويده ترتجف على هاتفه، يتصل بـ شامل، بينما عيناه تنغرسان فيها بنظرة نارية:
— "انتي كنتي فين؟! ازاي تسيبي البيت من غير إذني؟! نيرفانا مسؤوليتها عليكي!"
صوت يقين ارتجف، تحاول الدفاع وسط العاصفة:
— "مسؤوليتي إزاي بس؟! والله العظيم، ما بعرف أتنفس من ساعة ما حابسنّي جنبها! رائد، ربنا يعلم… أنا بس خرجت ساعة… أنا مالي؟!"
في تلك اللحظة، دخل شامل بخطواته، لكنه توقف كالمُسمّر، وقد التقط الكلمات الأخيرة، عيناه لا تفارق يقين.
ثم تحرك ببطء نحو رائد، وصوته يحمل قلقًا مكتومًا:
— "انا قلت انك انت اللي روحت تجيبها النهارده
رائد التفت نحوه كالمفترس الجريح، وانفجر فيه، كمن تلقّى خيانة من أقرب الناس:
— "أنا؟! انت اللي المفروض تجيبها! إزاي تسألني؟! أنا عايز الدنيا كلها تتحرك… لحد ما نيرفانا ترجع! الليل ده… ما يليلش إلا وهي هنا…"
تلاقى نظر شامل بنظر رائد، ثم قال بصوت ثابت، رغم العاصفة:
— "هنلاقيها… وقبل ما الليل يليل."
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
السيارة انحرفت عن الطريق الرئيسي، إلى مسلك جانبي غير ممهد، يتعرج بين أشجارٍ كثيفة وأرضٍ جرداء، كأنها طريق لا يعرفه أحد. شعرت نيرفانا باهتزازات السيارة تحتها، ورهبة خفية تسللت إلى صدرها، فشهقت دون وعي:
— "إحنا رايحين فين؟... ده مش الطريق لأي مكان!"
لم يُجبها أوس، فقط زاد من سرعة السيارة، كأنه يتجاهلها عمدًا، أو كأنه لا يسمعها أصلًا.
صرخت بصوت أعلى، نبرته حادة:
— "أوس! بقولك إحنا رايحين فين؟!"
عندها فقط، أبطأ السيارة قليلًا، ثم نظر إليها من المرآة، عينيه خاليتين من أي دفء، وقال بنبرة باردة كالصقيع:
— "للمكان اللي هتبقي فيه حرة... بعيد عنهم كلهم."
قالت بحدة:
— "يعني إيه؟! حرّة؟! إنت وعدتني ناخد بعض ونسافر بعيد!"
ضحك ضحكة قصيرة، وغمغم بصوت كالسُمّ:
— "سافر؟... ده إنتي لسه ماعرفتيش أنا ناوي أعمل إيه."
تجمد الدم في عروقها، حدّقت فيه بذعر، وقبل أن تنطق، توقفت السيارة فجأة.
كانت الأرض منبسطة، حولها صمت مخيف، وأمامها... سيارة أخرى تقف في الظل، لا يُرى من فيها. قلب نيرفانا انفجر بالخفقان، وقالت بصوت متهدج:
— "إيه ده؟... مين دول؟!"
فتح أوس بابه بهدوء، ثم التفت نحوها وهمس:
— "اللي هيساعدوني... عشان تكوني لي، للأبد."
فتح الباب الخلفي، لكنها لم تتحرك، ارتعشت يداها وهي تقول بانهيار:
— "إنت كداب... إنت مش زي ما قلت!"
وفي تلك اللحظة، ارتفعت أصوات أقدام تقترب... وخُيّل إليها أن أحدهم نطق اسمها.
التفتت بجزع... ثم تجمدت.
كان هو...
يقف أمامها، عيناه مشتعلتان... وصوته كالسيف:
— "انزلي يا نيرفانا... دلوقتي!"
— "إنت؟!"
وصدرها يعلو ويهبط، وعيناها تتسعان... كأن كل شيء انهار في لحظة واحدة.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في جعبة كلٍّ منا رواية، لكن رواية رائد الذهبي تختلف عن جميع الروايات...
إنها ليست مجرد حكاية، بل كارثة تتكشف خيوطها أمامه، كلوحة قاتمة تُلطّخها أقدارٌ سوداء. وقف عند النافذة الزجاجية لمكتبه، يطالع المدينة المترامية تحته، مصابيحها المتلألئة بدت كنجومٍ مضطربة، كأنها تعكس ضجيج الأفكار الذي يعتمل في صدره. هاتفه كان ساكنًا على سطح المكتب، لكنه كان يعلم أن العاصفة تتجمع خلف هذا الصمت.
حينما انطلقت في أرجاء المدينة موجات البحث عنها، كان عقله مسرحًا للسيناريوهات المحتملة. أين ذهبت؟ مع من؟ وكيف استطاعت الإفلات من أسواره المحكمة؟ كان قد استنفر رجاله، دفعهم إلى الشوارع، المحطات، الفنادق، حتى الأزقة الضيقة لم تسلم من أعينهم. ورغم ذلك، كان هناك صوت داخلي يخبره أن الأمر ليس بهذه البساطة.
****************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
كان واقفًا أمامها، جسده يملأ المكان مهابة، وعيناه تتقدان بنارٍ لم ترَها فيه من قبل... نار الغضب، والخذلان، والحسم.
كان شامل.
نعم... شامل.
بذلته غارقة في العرق، كأنه كان يركض منذ زمن، وجهه متجهم، وفكّه مشدود كمن يوشك أن ينفجر، وبصوته الذي لم تعرفه بهذه الحدّة من قبل، صاح من جديد:
— "قلت لك... انزلي يا نيرفانا!"
أوس ضحك باستهزاء، واقترب خطوة، ثم قال بسخرية لاذعة:
— "إيه ده؟! رجعت بدري يا شامل؟! ما كنتش قافل على نفسك شغل؟"
لم يرد شامل، بل أمسك بجانبي باب السيارة، وكأن يديه صارتا فولاذًا، ثم فتح الباب بعنف، ومدّ يده نحو نيرفانا التي كانت ترتجف كأنها في حلم لا تملك فيه قرارًا.
— "اختاري يا نيرفانا... دلوقتي... هنا أو هناك."
أوس رفع يده فجأة، كأنها إشارة، فظهر من خلف السيارة رجلان غريبان، يتقدمان ببطء.
لكن شامل لم يتحرك، بل رمق أوس بنظرة قاتلة، وقال بنبرة لا تحمل تهديدًا... بل حكمًا:
— "جرب تلمسها... وشوف هتعيش قد إيه بعدها."
تسمرت نيرفانا في مكانها، قلبها كاد يتوقف، بين رجلين كلاهما كان بابًا... لكنها الآن عرفت، أي باب كان جحيمًا.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
أوس تقدم خطوة، جسده متوتر، وعيناه لا تفارقان شامل، وقال بلهجة كلها تحدي:
— "هو انت فاكر نفسك مين؟! دي مش بتاعتك... دي بتاعتي أنا!"
شامل لم يرد، فقط خلع سترته ببطء، وعيونه لا ترمش، ثم ألقاها على الأرض، وصوته خرج كالرعد:
— "قرب... وريني نفسك يا بطل."
لم ينتظر أوس، بل انقضّ عليه كالسهم، يضربه بقبضة غادرة في صدره، لكن شامل ثبت مكانه، كجبلٍ لا يتزحزح، ثم ردّها بلكمة خاطفة أصابت وجه أوس، فسقط على ركبته.
صرخ أوس، واندفع من جديد، لكن شامل أمسكه من صدره، وطرحه أرضًا بقوة جعلت الغبار يتطاير من تحته.
الرجلان المرافقان لأوس تحركا، لكن شامل لم ينتظر، خطف حجرًا من الأرض، ولوّح به، وعيناه تقسمان الموت:
— "اللي هيقرب... هديله نهاية مش هيعرف يوصفها!"
تراجع الرجلان مترددين، بينما أوس ينهض متثاقلاً، والدم ينزف من فمه، يلهث، ويضحك بهستيرية:
— "كل ده... عشان واحدة؟! دي مش فارقة معايا زي ما انت فاكر!"
اقترب شامل، وأمسك بتلابيبه، ثم صرخ في وجهه:
— "هي مش واحدة... دي نيرفانا! ولو قربت منها تاني... والله ما هتلحق تندم!"
ثم تركه يسقط كخرقة بالية، والتفت نحو نيرفانا التي كانت تتابع المشهد بعينين دامعتين، وصوت مختنق.
مد يده نحوها، وقال بنبرة دافئة رغم كل شيء:
— "تعالي... كفاية لعب بالنار."
نيرفانا لم تتحرك... لحظة صمتٍ ثقيلة مرت، قبل أن تخطو خطوة نحوه، ثم الثانية، حتى صارت أمامه.
لكنها لم تمسك يده.
بل قالت بصوت مرتجف:
— "ليه جيت؟ بعد ما كلكم سبتوني لبابي يذل فيا و يهيني ؟!"
جفف شامل فمه بكم قميصه، وقال بنظرة كسرت كل شيء فيها:
— "ما سبناش... إحنا منقدرش نقوله لا . بس انا هحاول معاه من تاني."
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
على جانب الطريق، في منطقةٍ شبه خالية لا تُرى فيها إلا أعمدة إنارة شاحبة، توقفت سيارة شامل للحظاتٍ كأنها تلتقط أنفاسها بعد مطاردةٍ غير معلنة. من خلف الزجاج، بدا الليل كثيفًا، يحمل في طياته توترًا لم ينقشع بعد.
كان شامل يحدق في الطريق أمامه، أنامله لا تزال تضغط على المقود بشدة، فيما يجاهد أن يُخفي اضطرابًا خلف ملامحه المتماسكة.
إلى جواره، جلست نيرفانا، متيبسة، يعلو صدرها ويهبط بأنفاسٍ متقطعة، ووجهها لا يزال يحمل آثار الصدمة... والخذلان.
أدار شامل رأسه نحوها، وسأل بنبرة حازمة لكنها غير قاسية:
— "انتي فاهمة كنتي رايحة على فين؟! ده كان هيموّت الدنيا كلها عليكي."
نيرفانا لم تنظر إليه، بل ظلّت تحدّق في الفراغ أمامها، ثم تمتمت بصوت متهدج:
— "أنا... أنا كنت حاسة إني مش قادرة أتنفّس... حسيت إني مخنوقة... كلّهم بيشدّوني، بيضغطوا عليا، وأنا مش قادرة أصرخ. أوس قاللي هخرجك من دا كله... وأنا صدقته."
هزّ شامل رأسه ببطء، ثم قال بنبرة مشوبة باللوم:
— "صدقتيه؟ ده أراجوز، واللي زي ده لو خرجك من حاجة، هيحبسك في مصيبة أكبر."
نظرت إليه نيرفانا بعيونٍ دامعة، وهمست بمرارة:
— "أنا ماكنتش بهرب من بابا... كنت بهرب من إحساسي إني متراقبة، متحاصَرة. أوس أوهمني إن دي الفرصة... وكنت مستعدة أمشي وراه عشان أتنفس، ولو لمرة واحدة."
تنهد شامل، ثم استند إلى المقعد وقال بهدوءٍ محمّل بثقل التجربة:
— "الحرية ما تبقاش في الهروب... تبقى في المواجهة. بس انتي صغيرة، وغضبك أكبر منك... ومحدش علّمك تمشي صح."
ثم التفت إليها، وقد لان صوته قليلًا:
— "اسمعي كلامي... الليلة دي تعدي، وبعدها تقعدي مع أبوكي وتتكلمي. الراجل ده لو باع الدنيا كلها، ما يبيعكيش. وده مش كلام... ده واقع، أنا عارفه بعيني."
ظلت نيرفانا صامتة، ثم همست أخيرًا، بوجعٍ يختلط فيه الندم بالحذر:
— "أنا غلطت... بس خفت أقول، خفت الكل يلومني... خفت أكون لوحدي."
شامل لم يرد، بل أعاد تشغيل المحرك، وقال بنبرةٍ قاطعة:
— "مش لوحدك... بس لو كنتي كملتي وراه، كنتِ بقيتي لوحدك فعلًا... ضايعة. يلا بينا نرجّعك... قبل ما رائد يشعل الدنيا."
وانطلقت السيارة، تحمل معها ندم نيرفانا، وحزم شامل، وسؤالًا لا زال معلقًا... هل ستغفر الأيام هذا التهور؟
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في منزل "رائد الذهبي"، كان الليل قد بدأ يسدل ستائره الثقيلة، والهواء مشحون برائحة توتر لا تُرى... في المكتب العلوي، جلس رائد أمام النافذة المفتوحة، عيونه ثابتة على الطريق، كأنه بينتظر عودة جُندي من معركة... أو ضحية من فخ.
يداه مشبوكتان أمامه، وسيجار لم يُشعل بعد، بين أصابعه، كأن لحظة الإشعال لا تجيء إلا في التوقيت الصحيح... توقيت إعلان الحرب.
دخلت "يقين" بخطوات هادئة، وقال بصوت حذر:
— "العربية قرّبت... شامل معاها."
لم يرد رائد، فقط أشعل السيجار، ونفث أول نفس بقوة، ثم قال دون أن يلتفت:
— "اخليهم يفتحوا البوابة... وخليك قريب."
تحركت يقين فورًا، بينما رائد ظل واقفًا، والشرر يتطاير من بين أنفاسه، وعيناه ترصدان الطريق الممتد تحت أنوار خافتة... حتى ظهرت سيارة سوداء قادمة من بعيد.
همس لنفسه، والغيوم تتلبد في صدره:
— "رجعتي يا نيرفانا... بس ما حدش هيطلع من النار دي زي ما دخل."
السيارة اقتربت... وتوقف الزمن.
وانطفأ السيجار على حافة النافذة.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
ما إن انغلقت بوابة الفيلا خلف سيارة "شامل"، حتى تغيّرت قواعد اللعبة.
فلم تعد نيرفانا تلك الفتاة التي هربت تطلب الخلاص، ولا عاد رائد الرجل الذي يكتفي بالمراقبة من علٍ.
أوس لم ينتهِ.
والعدو الحقيقي... لم يظهر بعد.
في ظلال الليل، تُعقد التحالفات وتُنسج الخيانات، ويُبعث الماضي من تحت الركام ليأخذ بثأره.
والسؤال الذي سيطرح نفسه...
من سيحترق أولًا... ومَن سيُشعل النار؟
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في غرفةٍ فخمة، يلفها الظلام كعباءةٍ ثقيلة، تنبعث منها رائحة المال المشبع بالخطيئة، والسلطة الملوّثة. كل تفصيلة فيها تصرخ بالثراء، لكنه ذلك الثراء الذي يحمل بين طياته سمًّا بطيئًا ينهش الأرواح.
على أحد الجدران، علّقت شاشة ضخمة، تنبعث منها صورة واضحة: نيرفانا تدخل إلى سيارة شامل، وملامحها حائرة، كأنها تهرب من قدرٍ لم تدركه بعد.
وفي ركنٍ مظلم، جلس أسر العزبي على كرسي جلدي، ينساب تحته كأنه عرشٌ وُلد للهيمنة. بين أنامله مسبحة سوداء، يقلبها ببطءٍ شيطاني، وعيناه مثبتتان على الشاشة بثباتٍ يبعث القشعريرة. صوته خرج واطئًا... لكنه كان يحمل بين طبقاته نغمة نزيف الأرواح.
أسر (بهدوء قاتل):
— "ضيّعت البنت... مش كده؟"
وقف أوس أمامه، متوتّرًا، يتعرّق رغم برودة الغرفة، يحاول أن يُحافظ على تماسكه، لكن عينيه تفضحانه.
أوس (متوتر، متلعثم):
— "ماكنتش لوحدي... شامل ظهر فجأة، والمكان كان مفتوح، ما لحقتش—"
رفع أسر إصبعه ببطء، يقاطعه دون أن يشيح ببصره عن الشاشة.
أسر (بنبرة موت بارد):
— "مفيش حاجة اسمها ما لحقتش... فيه حاجة اسمها فاشل. وأنا... ما بشتغلش مع الفشلة."
بلع أوس ريقه، وعيناه تدوران في المكان كأنهما تبحثان عن مخرج، لكنه كان يدرك تمامًا... لا مفر.
أوس (بصوت أضعف، شبه هامس):
— "أنا عملت اللي اتقاللي بالحرف... قرّبت منها، وخليتها تيجي برجليها. مين كان يتوقع إن شامل هيقلب الدنيا؟!"
لم يرد أسر، بل ظل يقلب في المسبحة، وكل خرزة تمرّ بين أصابعه كانت تشبه حكمًا بالإعدام. ثم قال فجأة، بصوتٍ أخطر من السكون:
أسر:
— "أنا بتوقّع كل حاجة... عشان كده اسمي أسر العزبي... ورائد الذهبي، عايز يعرف أنا مين."
رفع أوس رأسه بدهشةٍ حقيقية، كأن صاعقة سقطت فوقه.
أوس (باندهاش):
— "رائد؟! بيدوّر عليك؟"
ابتسم أسر ابتسامة باردة، ابتسامة لا دفء فيها ولا حياة.
أسر (ببطء قاتل):
— "مش عليّ... عايز يعرف كنت بعمل إيه مع ليلي... وكنت قريب منها ليه."
تجمّد أوس في مكانه، واتسعت عيناه بصدمة، وكأن الأرض انشقت تحت قدميه.
أوس (بصوت مرتعش):
— "ليلي؟... ليلي نيرفانا؟!"
وفجأة، تغيّرت ملامح أسر، وارتفع صوته لأول مرة، حادًا كحد السيف:
أسر (بغضب مكبوت):
— "اسكت... ما تجيبش اسمها تاني! هي ورائد بينهم حساب... وأنا، ليا حساب تاني... أعمق... أوجع."
اقترب منه بخطواتٍ بطيئة، حتى صار أمامه مباشرة، عينٌ في عين، كأنهما على حافة هاوية.
أسر (بغلظة ووعيد):
— "رائد فاكر نفسه فوق الكل... بس لما يعرف الحقيقة... هيكره اليوم اللي اتولد فيه."
ثم استدار، وعاد إلى كرسيه بهدوء من يُتقن السيطرة. جلس، وقلب مسبحته مرةً أخرى، وقال بنبرةٍ تشبه الهمس... لكنها كانت إعلانًا واضحًا:
أسر (كأنه يُحدّث ذاته):
— "كلّهم فاكرين إنهم بيختاروا... بس الحقيقة؟... كلّهم بيلعبوا دوري... دوري أنا، اللي مرسوم من زمان."
صمت ثقيل خيّم على المكان، لا يُسمع فيه إلا صوت المسبحة... تُعدّ خطوات نحو جحيمٍ لم يُفتح بعد.
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في مكتبه المهيب، جلس رائد الذهبي، يُحدّق إلى الفراغ بعينين موصّدتين على توترٍ خفيّ. هاتفه بين يديه، يراقب بصمتٍ سجلّ المكالمات، حيث يتكرّر اسم واحد... أسر العزبي.
ضغط بأصابعه على الطاولة، كأنه يُفرغ فيها جحيمًا يعتمل داخله، ثم التقط الهاتف وأجرى اتصالًا سريعًا، جاءه صوت رجاله من الطرف الآخر.
رائد (بصوت منخفض، لكن حاد):
— "عايز أعرف أسر ده بيقابل مين... وبيعمل إيه. كل تحرّك ليه يبقى عندي فورًا... مفهوم؟"
رد الطرف الآخر بتأكيد سريع، ثم أُغلق الخط. رفع رائد عينيه إلى الصورة المعلّقة على الحائط، صورة قديمة تجمعه بأبيه وعمه صابر. نظر إليها طويلًا، تمتم كأنه يكلّم أشباح الماضي:
رائد (بصوت كظيم):
— "حاجة غلط... الراجل ده ما دخلش حياتي صدفة."
سكت لحظة، ثم شدد على كلماته، وكأنه يُقسم بها:
— "وإذا ليلي ليها علاقة بيه... يبقى لازم أعرف الحقيقة... كلّها."
ثم نهض عن كرسيه، عيناه تشتعلان بتصميمٍ لا يلين، بينما خلفه، كانت صورة صابر تُحدّق كأنها تُخفي سرًّا لم يُفصح عنه بعد...
************************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في صمت الليل، تقابلت خطواتهما في بهو المنزل، حيث الأضواء الشاحبة تلقي بظلال متوترة على الحوائط. نظر شامل إلى رائد بنظرة مباشرة، قبل أن يسأله بصوت خافت يحمل قلقًا مكتومًا:
شامل (بجدية):
— "عملت إيه مع نيرفانا؟"
رائد (نظرة سريعة، ثم ببرود):
— "سايبها في أوضتها... مش هكلمها دلوقتي، عندي حاجة أهم... عايز أعرف مين ورا أوس."
تغيّرت ملامح شامل قليلًا، ثم اقترب خطوة وهمس:
— "أسر العزبي... وبيتواصل مع ليلي."
سكنت عينا رائد، ثم أومأ ببطء، قائلاً بنبرة غامضة:
— "فهمت... اللعب ابتدى يظهر وشه الحقيقي."
وانتهى الحوار عند هذا الحد، لكن ظلال الشك تمددت في الأفق، تنذر بأن القادم... ليس بسيطًا.
*****
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في عتمة غرفتها، حيث لا صوت سوى دقات قلبها، رنّ هاتف ليلي فجأة، يحمل رقمًا تعرفه جيدًا... رائد الذهبي.
أجابت بصوت هادئ، لكنها شعرت أن خلف سكونه عاصفة.
رائد (بهدوء مصطنع):
— "لسّه صاحيــــة؟"
ليلي (بابتسامة مشوّشة، تخفي ارتباكًا عميقًا):
— "مقدرتش أنام... الجو خانق."
صمت طرفاه الخط، ثم جاء صوته واطيًا... يحمل من السخرية ما يكفي ليوقظ قلقها:
— "الجو... ولا الضمير؟"
تجمدت ملامح ليلي، لكن نبرتها لم تهتز:
— "تقصد إيه يا رائد؟"
رائد (نبرة جافة، لكنها جارحة):
— "اللي بينك وبين أسر العزبي... شغل؟ ولا فيه حاجات تاني؟"
صمت لحظة، لكنها كانت كفيلة بجعل أنفاسها تتسارع، ثم قالت ببرود حاسم:
— "إنت بترمي كلامك كده وخلاص؟ أنا مش مضطرة أشرحلك أي حاجة، وبالذات لما يكون السؤال بالطريقة دي."
رائد (نبرة حادة كالسيف):
— "شايفك بتقابليه... بتتكلمي معاه، في السر. وأهو، كلمتك... عشان أسمع منك بدل ما أصدق عيني."
ليلي (ترفع صوتها بحدة، تقطع عليه):
— "لو كنت فارق معاك، كنت سألتني من الأول، مش لما تشوف. وأنا؟ لا بعمل حاجة غلط، ولا بخاف أواجهك."
رائد (صوت متحشرج بالغضب):
— "أنا مستنيكي تحكيلي... مش أكتشف! أنا مش زيه يا ليلي، مش حد برّه حياتك."
ليلي (بثقة موجعة):
— "أنا بحمي نفسي... وده اللي عمرك ما فهمته. بحمي نفسي من وجع... أكبر من أي سؤال بتسأله دلوقتي."
صمت رائد لحظة، ثم ألقى كلمته الأخيرة كطلقة باردة:
— "أنا بطلت أصدق اللي بيخبّي عني... وطلعت إنتي أولهم."
ثم أغلق الخط، وتركها تحدّق في هاتفها، وقلبها يشتعل... ليس من الخوف، بل من الخذلان.
******
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
---
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
في عتمة غرفتها، وقفت ليلي أمام المرآة، تتأمل وجهها المنهك، كأن السنين انسكبت فوق ملامحها دفعة واحدة. بين يديها الهاتف، وأمامها قرار لا يحتمل التردد. ضغطت على اسم رائد، وانتظرت... قلبها ثابت، لكن بداخلها نار لا تهدأ.
جاء صوته جافًا، كأنما يحمل ألف عتاب:
— "نعم؟"
استجمعت ليلي كل ما في قلبها من صلابة، وردّت بنبرة حادة، ولكنها متماسكة:
— "إحنا محتاجين نتكلم... وأنا اللي هقول، مش إنت اللي هتسأل."
ضحكة قصيرة ساخرة صدرت منه، تبعها بقوله:
— "كلام متأخر أوي... بعد ما كل حاجة اتكشفت."
قاطعته، بقوة مفاجئة ونظرة لا تُقهَر، كأنها تقف أمامه لا خلف سماعة:
— "متكشفتش حاجة... إنت اللي اخترت تصدّق اللي شافه عقلك، وتكذّب إحساسي بيك. بس أنا مش هسمحلك تشك فيا تاني... وأنا ساكتة."
جاء صوته حادًا، مليئًا بالاحتقان:
— "والمقابلات مع أسر؟ والمكالمات؟ دا يبقى إيه؟ تفسير واهي ولا مبرر سخيف؟"
ردّت دون أن تتردد، وكأنها كانت تنتظر هذا الهجوم:
— "أسر بيساعدني! عندي مشكلة... مش هينفعك تعرفها دلوقتي، ومش هستنى إذنك عشان أحلها. لكن مفيش بيني وبينه حاجة... ولو شايف غير كده، يبقى إنت اللي لازم تراجع نفسك."
هدأ صوته قليلًا، لكنه خرج مشحونًا بالغضب:
— "بتخبي... وبتطلبي أثق؟"
صمتت للحظة... كأنها تمنح كلمتها الأخيرة ثِقلها.
وبهمس قاطع لا يحتمل نقاشًا، ختمت الحديث:
— "مش كل حاجة تمشي بأمرك، ومش كل خطوة باخدها تبقى خيانة."
ثم أنهت المكالمة... بلا وداع.
وتركت خلفها في الأثير، صمتًا أثقل من العتاب.
*****
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
غرفة رائد – الليل
السكون يخيّم، إلا من صوت أنفاسه المتسارعة... الجو كأنما يختنق من توتر لا يُحتمل.
كان رائد واقفًا وسط الغرفة، عينيه معلّقتان في الفراغ، والهاتف في يده لا يزال يهتز، كأن صدمة المكالمة لم تنتهِ بعد...
رفع بصره نحو المرآة المقابلة، تطلع إلى انعكاس وجهه... وجهٌ بدا له غريبًا، كأنه لا يعرف صاحبه.
همس بكلمات خرجت من صدره كنصلٍ بارد:
— "بتحمي نفسها..."
رددها بخفوت، كأنها طعنة ما زالت تنزف داخله.
خطا خطوتين، ثم ألقى الهاتف بعنف على سطح المكتب، وعضّ على أسنانه، يهمس بحنق وارتباك:
— "بتحمي نفسها... من إيه؟! ومن مين؟! وليه أسر العزبي؟!"
شهق أنفاسه كأن صدره ضاق، ثم مرّر كفه على وجهه، محاولًا الإفاقة من كابوسٍ لا ينتهي.
دُقّ باب مكتبه، فدخل شامل بهدوء، لكن عينه لمحت الشرر في نظرات رائد، فتردد قليلًا