رواية قلب السلطة الفصل الرابع عشر بقلم مروة البطراوي
في غرفة رائد بالليل
دُقّ الباب، فارتفع رأس رائد ببطء، كأن الصوت اخترق طبلة أذنه في غفلة، لكنه لم يلتفت. ظل جالسًا، عينيه معلقتان على الهاتف الملقى فوق المكتب، كأنه لا يزال يسمع صدى المكالمة... كأنه لا يزال يراها وهي تبتعد.
دخل شامل بحذر، نظر إلى رائد نظرة طويلة ثم همس، صوته متهدج:
— "باشا... كل حاجة تحت السيطرة. بس... إنت تمام؟"
تحرك رائد أخيرًا، قام كأن جسده يحمل أطنانًا من الغضب، استدار نحوه، صوته مبحوح يقطر قهرًا:
— "أنا...؟! أنا مش تمام، وعمري ما كنت. بس دلوقتي لازم أفهم... أسر ده عايز إيه من ليلي؟ وبأي حق بيتدخل في حياتها... وفي حياتي؟!"
شامل اقترب خطوة، يتردد كمن يسير على حافة لغم:
— "نفتح عليه خط؟ نرصد تحركاته ونعرف بيكلم مين؟"
رائد صمت لحظة، عيناه تغليان بصمتٍ قاتل، ثم قال بجمود:
— "مش عايز أعرف بيكلم مين... عايز أعرف هو مين! ومخبي عني إيه."
رمقه بنظرة قاطعة، كأنها حكم لا يُرد:
— "الملف الكامل لأسر العزبي... من أول نفس اتولد بيه لحد آخر خطوة خطاها النهارده. عايز أعرف قرب من ليلي ليه... وإزاي اللعب اتنقل من خصومي... ليّ أنا."
هز شامل رأسه بصمت، ثم غادر، بينما جلس رائد ببطء، أنفاسه متقطعة، دفن وجهه بين كفيه، تمتم كمن يعتصر روحه:
— "لو خانتني... هدمرها.
ولو كانت بتحمي نفسها من خطر... هكره نفسي... أكتر من كده."
قلب السلطة بقلمي: مروة البطراوي 💜
في غرفة ليلي بالليل
الظلام يلف الغرفة كستارٍ ثقيل... الضوء الشاحب يتسلل بالكاد من خلف الستارة المرتعشة بين أصابعها. وقفت ليلي أمام النافذة، صدرها يعلو ويهبط، ونظرتها شاردة كأنها ترى السقوط يقترب.
رفعت يدها المرتجفة، تناولت الهاتف، ضغطت الرقم المحفوظ، وضعته على السبيكر، وخطت ببطء نحو المكتب كأنها تمشي على زجاج.
رنّ مرتين... ثم جاء صوته، فيه قلق خافت:
— "ليلي؟ إنتِ كويسة؟"
صوتها خرج مكبوتًا، مضغوطًا بين الخوف والقرار:
— "رائد شاف. ما قالش، بس أنا عرفت... الشك دخل عينه، وابتدى يتحرك. أنا مش جاهزة أواجهه بحاجة... ومش هينفع نكمل بالطريقة دي."
أسر (بصوت حذر): — "يعني إيه؟ قاليك حاجة؟ واجهك؟"
ليلي (بأنفاس متقطعة): — "ما قالش، بس كفاية نظرته. رائد لما يشك... بيكسر الدنيا، وأي حد فيها. أنا عايزة أخلص... اسمعني، وقلّي دلوقتي. الحقيقة كلها."
صمت طويل، كأن أنفاسه تحولت لحجارة، ثم قالها كمن يخلع خنجرًا من قلبه:
— "الراجل اللي باعكم زمان... اللي كان شريك أبوك في كل حاجة، وسبب اللي حصل لكم... اسمه صابر عبد الجليل. المعروف بصابر الذهبي."
شهقت ليلي، كأن صدمة ضربت قلبها، سارت خطوة إلى الوراء، تتمسك بحافة المكتب:
— "عم رائد؟! صابر... عم رائد؟!"
أسر (بخوف خافت): — "أيوه... وده اللي كنت خايف تعرفيه."
أغمضت عينيها، دموعها انسابت دون صوت، ثم مدت يدها، أغلقت الهاتف بهدوء، كأنها تُسدل ستارًا على كل ما كان.
نظرت إلى الفراغ، ثم همست لنفسها، والخذلان يملأ صوتها:
— "كنت فاكرة الخطر جاي من برّه... ما كنتش عارفة إنه مزروع جواه."
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
في غرفة رائد بالفجر
السماء تتلون بلون رمادٍ خافت... والمدينة خلف الزجاج ساكنة، كأنها تنتظر العاصفة.
جلس رائد أمام المكتب، جسده مائل للأمام، يداه مشدودتان فوق سطح المكتب، وعيناه لا تفارق ورقة بين يديه. خطوط حمراء تحت عبارات معينة، وصورة قديمة في طرف الملف... صورة تجمع صابر عبد الجليل برجل آخر. عينه تشتعل، وصدره يعلو ويهبط.
دُقّ الباب بخفوت، دخل شامل يحمل في يده ملفًا آخر، وضعه أمامه بتردد:
— "باشا... ده الجزء الأول، ولسه فيه حاجات بتتجمع. بس الصورة... بتأكد إنه كان شريك رسمي في شركة والدها، وخرج منها قبل إفلاسهم بسنة. وساب كل حاجة عليه."
رائد لم يرد... مدّ يده ببطء، قلب الصفحات، حتى توقف عند توقيع مألوف... توقيع عمّه.
تمتم وكأنه يحدّث نفسه:
— "باعه... وسابهم يغرقوا، عشان يطلع هو."
شدّ على أسنانه، ثم أغلق الملف فجأة، قام واقفًا، وأخذ يدور في الغرفة بعصبية:
— "يعني ليلي كانت عارفة... وكانت بتحاول تبعدني؟ بتحميني؟ ولا بتبعد نفسها؟"
شامل بصوت خافت:
— "ماعرفش يا باشا، بس شكلها حاولت تمنعك تعرف."
رائد توقف، التفت إليه، نظرته قاطعة:
— "هعرف منها... بطريقتي."
اقترب من المكتب، تناول هاتفه، تردد لحظة، ثم ضغط الرقم. انتظر... لكن لم يأتِ رد.
أغلق الهاتف، وضعه ببطء على سطح المكتب، ثم نظر من النافذة... كأن الفجر القادم يزعجه.
تمتم بصوت يقطر غضبًا مكبوتًا:
— "كنت فاكرها بتبعد عني... طلعت بتبعدني عن دمي."
نظر إلى صورته في المرآة، وانعكس في عينيه رجلٌ آخر... رجل لم يعد يعرف كيف يثق، ولا بمن.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
في منزل رائد في الصباح الباكر
الشمس ما زالت في أول خيوطها، والضوء ينساب داخل المكان كأنه يفضح كل ما خفي.
الباب يُفتح بعنف، تدخل ليلي بخطى ثابتة، عيناها مشتعلة، وقلبها يسبقها، كأنها داخلة معركة لا تعرف كيف ستخرج منها.
رائد واقف في منتصف الصالة، عينيه ما بتتحركش من عليها... ملامحه حجر، وصدره يعلو ويهبط كأن الكلام حارق في جوفه.
رائد (بصوت مشحون): — "عرفتي إنّي عرفت... وجيتي؟"
ليلي (بحدة): — "أيوه، جيت، لأنك لازم تسمع مني، مش من ملفاتك ولا ظنونك!"
رائد يقترب خطوة، صوته منخفض بس قاتل: — "كنتي بتكذبي؟ ولا بتمثلي؟ إيه كان دورك؟ تبعديني عن الحقيقة... ولا عن نفسي؟!"
ليلي (بانفعال): — "أنا اتفاجئت زيك! عرفت الحقيقة من كام يوم بس، وسكت... سكت لأن رجلي ما كانتش شايلة جسمي، مش قادره أصدق. صابر عبد الجليل... عمك! كنت هقولك، والله العظيم، بس..."
رائد (يقطعها): — "بس إيه؟ كنتِ بتستني إيه؟ كنتِ مستنية أنفجر؟ كنتِ بتختاري الوقت اللي يناسبك تكشفيني؟"
ليلي (بغضب وألم): — "كفاية! أنا مش مجرمة ولا خائنة! أنا اللي كنت واقفة لوحدي قدام الحقيقة دي، مش عارفة أقولها إزاي، ولا أواجهك بيها إزاي! إنت فاكر إني كنت مرتاحة؟ دا قلبي وقع لما عرفت، والدم اتجمد في عروقي... زيّك بالضبط."
رائد (يحاول السيطرة على نفسه): — "بس انتي سكتي... وحميتيهم!"
ليلي (بصوت قاطع): — "أنا كنت فاكرة الخطر جاي من برّه... ما كنتش عارفة إنه مزروع جواك!
اللي عرفته هدّني... وكنت بخاف عليك، أيوه بخاف عليك، ومش مستنية منك لا شكر ولا رضا. أنا اتحطيت بين نارين... وانت بتحاسبني كأني العدو."
رائد صامت، نظرته تخونه، الحدة تضعف لحظة، لكنه يشد نفسه:
— "كل يوم بصيتي في وشي... وانتي شايلة السر ده."
ليلي (بصوت ينكسر من شدّته): — "وأنا بموت من جواه! بتفتكرها خيانة؟ لأ... كانت صدمة، وخوف، ووجع، وسكوت غصب عني.
كنت عايزة أقول... بس لقيتني عاجزة، خايفة تدوس الحقيقة على كل حاجة بينّا."
رائد يسكت، يتنفس ببطء، كأن الكلام بيوجعه أكتر من السكوت.
ليلي تنظر له، تحاول تلاقي في عينيه نقطة فهم... لكنه يشيح بوجهه عنها.
تدير ظهرها، تمشي نحو الباب، لكن تتوقف لحظة، تقول بصوت هادي:
— "أنا وقفت في وش المصيبة دي لوحدي... وانت حكمت عليا قبل ما تسأل.
لو شايف إني خنتك... يبقى عمرك ما عرفتني."
تخرج، الباب يُغلق بهدوء... لكنه كان أقسى من الضربة.
رائد يقف في مكانه، يحدق في الفراغ... وصوتها ما زال يتردد في أذنه كالحقيقة التي لم يعد يستطيع الهروب منها.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
في غرفة رائدفي منتصف النهار
الضوء يملأ الغرفة، لكنه لا يبدد العتمة التي في قلب رائد.
يجلس خلف مكتبه، يحدّق في الفراغ، كأن الزمن توقف عند آخر كلمة قالتها ليلي، لكن عقله لم يتوقف... بل اشتعل.
ملف "صابر عبد الجليل" أمامه مفتوح، صفحاته مبعثرة، وصور قديمة مبقّعة، كلها لا تقول الحقيقة كاملة... لكنها تلمس جرحًا غائرًا.
نهض فجأة، دار في الغرفة كذئب حبيس، ثم أمسك الهاتف وضغط زرًا.
— "شامل... عايزك فورًا."
بعد دقائق، دخل شامل مترددًا، عينه تتفحّص وجه رائد الذي كان ساكنًا، لكن خلف السكون... طوفان.
رائد (بهدوء متوحش): — "عرفت... هو اللي دمرهم. سابهم يغرقوا، وطلع فوق على حسابهم... وأبويا ساكت، واللي حواليّا ساكتين. كله كان متواطئ، وأنا... كنت غافل."
شامل (بقلق): — "باشا، لو عايز نتحرك عليه، نقدر نفتح ملفاته القديمة، والناس اللي اشتغلوا معاه..."
رائد يقاطعه، يرفع عينيه فيهما نارٌ لا تُخفى:
— "أنا مش هفتح ملفاته القديمة... أنا هفتح له باب الجحيم.
وكل اللي خدوا منّي سكوتي... هيدفعوا التمن، واحد واحد."
اقترب من النافذة، تطلع إلى المدينة كأنها ملكه، وكأنها مدينة بلا قانون إلا قانونه.
رائد (بصوت بارد): — "جهز عربية، وبلغ الحرس... هروح أشوف عمّي، وشخصيًا."
شامل (متفاجئ): — "دلوقتي؟!"
رائد (بثبات مميت): — "الوقت اللي اتساب فيه للسكوت... خلص.
واللي فاكرني هموت بالحقيقة... هيموت بيها."
مد يده، تناول سترته، وخطا نحو الباب بخطى ثابتة، كأن الأرض نفسها تتهيأ لزلزال.
وفي قلبه، شيء تغيّر... ليس فقط في نظرته للناس، بل لنفسه.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي💜
---
في منزل صابر الذهبي في توقيت العصر
البيت العتيق يقف كحصنٍ مشيّد على رماد... أبواب من خشبٍ ثقيل، وجدران تحمل عبق الماضي، وكأنها شاهدة على صراعاتٍ قديمة لم تمت.
دخل رائد بخطى محسوبة، الحرس خلفه، لكنّه أشار إليهم بالتراجع.
في قلبه، سكون يشبه البركان قبل أن ينفجر... وعيناه تمشط المكان كأنها تقتنص كل تفصيلة.
في الصالة، جلس الحاج صابر على كرسيّه المعتاد، بوقارٍ مصطنع، يطالع الصحف، لكن لمّا لمح رائد، رفع عينه، ورسم على وجهه ابتسامة باهتة:
— "نورت يا ابن أخويا... تعالى، اقعد."
رائد لم يتحرّك، ظل واقفًا، ينظر إليه نظرة من يعرف كل شيء... وأكثر.
رائد (بصوت هادئ، قاتل): — "أنا مش جاي أقعد... أنا جاي أسألك سؤال واحد، والإجابة عليه هتغير كل حاجة."
صابر (بغموض): — "أسأل يا رائد... بس افهم، الدنيا فيها حاجات لو عرفتها... تندم."
رائد (يقترب خطوة، يضغط على الحروف): — "أبويا كنت شريك في شركة أبوها...
وخرج منها قبل ما تغرق بسنة...
وساعتها كنت إنت لسه شاب صغير... وكنت شايف."
صابر يبتسم، يضع الصحيفة جانبًا، ويتنهّد تنهيدة طويلة:
— "اللي مضى... مات. وأنا عملت اللي ينقذ اسمي واسم عيلتك. إنقذتك وانت صغير... ورفعتك فوق، تبقى كبير."
رائد (بحدة): — "ورفعتني على جثث؟ على دمار ناس؟!
ضيّعتهم... وساكت... وأنا كنت أعمى."
صابر (ببرود): — "كنت بتحلم بالقوة، وأنا حميتك... وكنت بجهزك، عشان تشيل اللي أنا شلته. إنما لو ناوي تحاسبني، يبقى افتكر... إن اللي فوق، ما بيستناش حد ضعيف."
رائد يقترب حتى كاد وجهه يلاصق وجه عمّه، عينه تتوهّج:
— "أنا لا ضعيف... ولا سهل.
ولو كنت فاكر إني همشي على خطاك... يبقى انت ما تعرفنيش.
أنا هقلب التراب... وأطلع الحقيقة. واللي كان فوق زمان، هينزل تحت، وبإيدي."
صابر ينظر إليه طويلاً، ثم ينهض، يضع يده على كتف رائد بقوة:
— "متبقاش غبي يا رائد... اللي بيحفر في الماضي، يقع فيه.
واحنا عيلة... ولازم نفضل عيلة."
رائد يزيح يده ببرود، ويهمس:
— "العيلة اللي تتبني على الخيانة... لازم تقع."
ثم يدير ظهره، يخرج دون كلمةٍ أخرى، تاركًا وراءه عمّه يتابع خطواته...
وفي عينه، لأول مرة، نظرة قلق.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
أمام بيت الحاج صابر – غروب
خرج رائد من بوابة البيت، خطاه بطيئة... لكن في عينه نار مشتعلة، كأن المواجهة ما طفّتش غضبه... بل زادت حريقه.
وقف لحظة عند عربته، تناول سيجارة، أشعلها... وسحب نفسًا عميقًا، كأنّه بيحاول يبتلع كل الهوا اللي حوالين قلبه الخانق.
اقترب شامل، عينه مترددة، لكنه نطق:
— "باشا... موضوع أوس.
لحد دلوقتي، ما تصفاش.
ما ينفعش يفضل واقف، خصوصًا بعد اللي عمله مع نيرفانا."
رائد ظلّ صامتًا لحظة، ثم قال بصوت هادي... بارد:
— "أوس...هيتحاسب.
بس بطريقتي، وفي وقتي."
ثم التفت إليه، نظرة صارمة كأنها ختم:
— "أنا عمري ما بسيب حساب مفتوح...
وأوس... هيعرف ده كويس."
فتح باب العربية، رمى السيجارة، وساق، وعقله كأنّه بيكتب أوامر تصفية...
لأوس... وللي بعده.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي
---
مخزن تابع لمجموعة الذهبي – الليل
المكان مظلم، عدا مصباح يتدلّى من السقف، يرمى ضوء باهت على الأرض الترابية.
صوت صدى خطوات...
ثم انفتح الباب بعنف، واقتيد أوس إلى الداخل بين اثنين من رجال رائد، عنيفين، لكن صامتين.
وقف أوس وسط الدائرة، جسده متوتر، عينه تتحرك في جنون.
رائد دخل بعدهم بخطى بطيئة، أنيقة، يرتدي معطفًا قاتمًا، ووجهه جامد لا ينطق بشيء... لكنه كان كافي يخنق.
وقف قبالة أوس، وسحب كرسيًّا خشبيًا، جلس... وأشعل سيجارته، لم ينطق، فقط حدّق فيه.
أوس (بتوتر): — "باشا... مش فاهم إيه اللي بيحصل؟! أنا تحت أمرك، لو في حاجة..."
رائد (مقاطعًا، بنبرة هادئة قاتلة): — "فاكر لما خدت نيرفانا من قدامي... يومها كنت شايف نفسك؟ كنت فاكرني مش شايفك؟"
أوس (يحاول التماسك): — "والله ما كان قصدي حاجة... أنا كنت..."
رائد (يرفع يده يسكتّه، يتكلم ببُطء): — "أنا سكت... وسبتك.
فاكر ليه؟"
أوس صامت، يتلعثم.
رائد يقترب، عينه تغرس فيه:
— "عشان كنت مستني اللحظة اللي أنزّل فيها الحساب كله...
بالمكسب والخسارة، بالغلطة والتمن."
ثم يلتفت لرجل من رجاله:
— "هاتوا الملف."
وُضع ملف على الطاولة، فتحه رائد، وبدأ يقرأ بصوت ثابت:
— "تهريب شحنة من ورايا...
صفقة مع خصومي...
واستخدام بنتي لعبة.
كل واحدة منهم... تمنها دم."
أوس يتراجع خطوة، وجهه شاحب:
— "باشا... غلطة... غلطة، وحياتك ما تتكرر..."
رائد ينهض ببطء، ينفث دخان سيجارته في وجهه:
— "مفيش غلطة بتتكرر... فيه غلطة بتتدفع."
ثم أشار لحرسه:
— "خدوه...
ووروني إزاي الرجالة بتتعلم الأدب لما تنسى مين الكبير."
أوس يصرخ، يحاول الاستعطاف، لكن رائد لا ينظر له...
خرج من المخزن، وأغلق الباب خلفه،
وترَك صوته في الداخل:
— "خلي وشه دايمًا فاكرني... لحد آخر نفس."
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
--
في غرفة ليلي والفجر يزحف على نافذة موصدة
كانت جالسة أمام المرآة، عيناها شاخصتان كأنهما تريان ما هو أبعد من انعكاس وجهها… ترقبت كثيرًا، صمتت كثيرًا، والآن جاء دور الفعل.
أمسكت هاتفها، ضغطت رقمًا محفوظًا في ذاكرتها أكثر من ذاكرة قلبها.
رنّ مرتين… ثم جاء الصوت الخشن، المألوف.
صابر (بهدوء متحفّظ):
— "ليلي؟ مش توقعت المكالمة دي."
ليلي (بنبرة ثابتة، لا تخلو من حدة):
— "أنا جاية لك… النهاردة."
صمت على الطرف الآخر… ثم جاء صوته كمن يبتسم:
— "عايزة تقفلي الدائرة؟ ولا تفتحيها على مصراعيها؟"
ليلي:
— "أنا عايزة أعرف…
هو دمكم اللي خلق اللعنة دي… ولا أنتو اللي زرعتوها فينا بإيديكم؟"
ثم أنهت المكالمة دون انتظار رد.
وقفت، أغلقت حقيبتها الصغيرة، وضعت الهاتف فيها، نظرت لنفسها للمرة الأخيرة… ثم همست:
— "كفاية جري…
أنا هقف… وهخليهم كلهم يواجهوا اللي خافوا منه."
خطت إلى الباب، وخرجت… وعيناها لا ترمش.
اليوم… لن تكون ليلي مجرد اسم في صراعهم.
اليوم… ستُكتب باسمها معركة، لا تشبه أحدًا.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
في سراي صابر الذهبي – ضحى ثقيل بالضباب
البوابة الحديدية فُتحت ببطء، كأنها تتثاقل عن استقبال زائرة غير مرغوب فيها.
خطت ليلي بثبات إلى الداخل، عيناها تحدّقان في الساحة التي تشبه ذاكرة قديمة لا تندمل.
دلفت إلى الصالة، كل شيء يعبق برائحة السلطة القديمة…
ثم ظهر صابر الذهبي، جالسًا فوق عرشٍ خشبي، كأنه لم يتحرك منذ عقود، عيناه تراقبانها كصقرٍ شاخ لكنه لم يفقد حدّته.
صابر (بنبرة ساخرة):
— "كبرتي… وبقيتي بتخدي خطوات رجالة.
كنتي صغيرة لما شفتك آخر مرة… وكنتي وقتها ضحية ساكتة."
ليلي (بثبات جليدي):
— "والنهارده جاية أطالب بحق الضحية… بصوت عايش."
ابتسم صابر، ابتسامة تحمل عفن الزمن:
— "الحق؟ فين كان الحق لما أبوكِ دخل الشراكة بإيده… ووقع بإيده؟"
ليلي (بحدة):
— "هو دخل شراكة معاك… مش مع شيطان.
أنت اللي نهبت، وأنت اللي ورّيته الضياع، ووقفت تتفرج عليه بيغرق… وانت رميت السفينة وطلعت تبني عرش."
صابر نهض، اقترب منها، نظرة جافة:
— "أبوك كان طمعان… وكنت أنا أذكى.
المصلحة وقتها كانت ليّا… ووقت الحساب، كل واحد شال شيلته."
ليلي (عيناها تلتمع):
— "وأنا شيلتي… كانت فـ دموعي، وأمي اللي ماتت بالحسرة، وسنين الجوع.
وأنت طلّعت ابن أخوك للعالم، ذهبي… وبعتوه دم، من دمنا."
صابر ظل صامتًا… لكنها أكملت، بصوت يقطّع الصمت:
— "رائد مكنش يعرف انا مين. إنت اللي بنيت على أنقاضنا، وربّيته فـ كذبة."
اقتربت منه أكثر، عيناها لا تفر، كأنها تسدّد لكمة:
— "بس عرف…
وأنا اللي عرفته."
صابر ابتسم، لكنه ابتسامة مليئة بالشرر:
— "لو فتحتِ السيرة الحقيقية… هتفتحي جهنم
****
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
أمام بوابة قصر رائد – المساء يموج بتوتر مكبوت
لمحت يقين سيارته تتوقف فجأة، ثم انفتح الباب بقوة وخرج منها دون أن ينتظر أحدًا.
ركضت نحوه، وقلبها يسبق خطواتها:
ــ "إيه اللي حصل يا رائد؟! مالها نيرفانا؟!"
لم يجب… بل مضى بخطوات واسعة، كأن الأرض تضيق تحته، وعيناه معلقتان في الفراغ، لا يرى شيئًا… ولا يسمع سوى صوته الداخلي.
نداؤها تردد خلفه، لكنه لم يلتفت، ولم يعبأ بارتجاف صوتها.
تسمرت يقين في مكانها، انتفضت من قلقها، وهتفت بصوت مشحون:
ــ "رائد… بقولك مالها البنت؟! إنت ما بتردش عليّا ليه؟!"
اقترب منها شامل سريعًا، كأنما يخشى اشتعال لحظة لا وقت لها، أمسك بذراعها بقوة محسوبة وقال بحزم:
ــ "يقين… إهدي. مش دلوقتي! سيبيه يدخل… وأنا هبقى أحكيلك، بس ما تفتحيش معاه كلمة!"
حدقت فيه بعينين ممتلئتين بالذعر، قلبها يعصف بأسئلة لا تجد لها سبيلًا، ثم تمتمت، والحيرة تخنقها:
ــ "أنا قلبي مش مرتاح… نيرفانا تعبانة، كانت مرعوبة! جبتوها منين؟! حصل إيه يا شامل؟!"
أغمض شامل عينيه، وزفر بقوة، ثم ضغط على أسنانه وهو يتمالك نفسه:
ــ "جبناها من عربية الواد صاحبها اللي اسمه اوس… وخلاص! كفاية كده، ما تزيديش النار."
شهقت يقين، واتسعت عيناها وكأن الأرض انشقت تحتها:
ــ "صاحبها …؟! يعني إيه؟! كانت فين؟!و مين اوس ده؟!"
ارتفع صوتها، وكأن الهلع فاق قدرتها على الاحتمال، لكن صوت رائد من أعلى السلم اخترق الأجواء:
ــ "يقين!"
كان صوته كالسيف، حاسمًا… لا يحتمل جدلًا.
تجمدت يقين، نظرت نحوه بخوف، ثم ابتلعت أسئلتها، وصمتت… بينما كان رائد يقف في الأعلى، عينيه تحترقان.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
غرفة نيرفانا – الليل خانق، والسكون مريب كصمت الخطيئة
فتح الباب بعنف، ارتجفت الجدران كأنها تعرف أن العاصفة قادمة.
دخل رائد، عينيه تقدحان شررًا، ملامحه لا تعرف الرحمة… لم يكن أبًا في تلك اللحظة، بل عاصفة من غضبٍ لا يُحتمل.
كانت نيرفانا جالسة على حافة السرير، ترتعش، ودموعها على وجنتيها لم تجف بعد.
تقدم نحوها بخطوات ثابتة… لكنها تحمل كل الغضب الذي في الكون.
وقف أمامها، صوته خرج كالرصاص:
ــ "ليه؟! جاوبيني… ليه مشيتي معاه؟!"
شهقت نيرفانا، ورفعت عينيها إليه بخوف، ثم تمتمت:
ــ "أنا… كنت فاكرة… إنه بس هايوصلني…"
صرخ فجأة، يقطع كلامها كالسيف:
ــ "فاكرة؟! فاكرة إيه بالظبط؟!
ده واحد أنا مهددك تبعدي عنه! أنا مش قلت؟! أنا مش حلفت؟!"
تراجعت بجسدها للخلف، تحتمي بحافة السرير، لكنها لم تجد ملاذًا… كل شيء في عينيه كان يحترق.
ــ "أنتي فاكرة نفسك كبيرة؟! تعملي اللي على مزاجك؟!
ده أنا كنت هقتلك بإيدي وأنا بدوّر عليكي…
فاهمة يعني إيه؟! كنت هتجنن!"
انفجرت بالبكاء، وضمت نفسها، وهي تهتف بانهيار:
ــ "أنا آسفة… والله آسفة… ما كنتش عارفة…"
اقترب أكثر، قبض على ذراعها، وصوته ينزف وجعًا:
ــ "أسفك مش هيرجع اللي راح!
إنتي عارفة كنت هتروحي فين؟! عارفة هو عمل فيكي إيه؟!"
صرخت وهي تبكي، جسدها ينتفض:
ــ "محصلش حاجة! ما عملش حاجة… بس… أنا كنت خايفة…"
ترك ذراعها فجأة، كأن لمسة منها تحرقه، وأدار وجهه وهو يزفر بحرارة.
صمت… ثم قال بصوت أشد من الضرب:
ــ "من النهاردة… ما تخرجيش من الأوضة دي… إلا لما أقول…
وتنسي إنك كنت بتختاري، وتسمعي بس…"
ثم غادر الغرفة، أغلق الباب خلفه بعنف، وكأنما يغلق على قلبه معها.
سقطت نيرفانا باكية، وحدها… كأنها لأول مرة تعرف معنى الغربة عن حضن أبوها.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
في المنزل – بهو خافت الإضاءة، والسكون كأنما مقبرة تنتظر زائرًا
هبط رائد الدرج بخطوات بطيئة، كأنها تحمل أثقال الدنيا، لم يكن ينظر حوله، فقط يسير نحو اللاشيء…
لكنه توقف فجأة، حين اعترضته يقين، وجهها شاحب، وعيناها مشبعتان بالقلق والخوف.
هتفت بصوت مرتجف لكنه متماسك:
ــ "رائد… مش هسيبك تمشي قبل ما نفهم… البنت مالها؟! حصل لها إيه؟!"
نظر إليها لحظة، صامتًا، كأنما لا يرى سوى ضوضاء لا تعنيه، ثم همّ بالتحرك… لكنها أمسكت بذراعه، شدّته بقوة، هتفت بحرقة:
ــ "إنت شايف حالتها؟! البنت مبتتكلمش… مبتبصليش! إيه اللي عمل فيها كده؟!"
تملص منها بعنف، صوته خرج كزئير غاضب:
ــ "انتي آخر واحدة تتكلمي في الموضوع ده!"
تراجعت خطوة، لكن دموعها لم تتوقف، صرخت بحدة:
ــ "أنا اللي شايلة همها وانت بتتفرج!
يا رائد… نيرفانا بتنهار قدامي… وانا مش فاهمة ليه؟! عملت إيه عشان تتعاقب كده؟!"
حدّق فيها بنظرات مليئة بالنار، ثم قال بنبرة تهزّ الجدران:
ــ "مشت مع أوس… بإرادتها.
فاهمة يعني إيه؟! مش طفلة صغيرة، ومش ضحية… هي اخترت."
شهقت يقين وكأنما سُحب الهواء من حولها، ثم تمتمت بصوت مكسور:
ــ "بس ده ما يمنعش إنها بنتك… مش مستحملة نظرتك ليها… مش مستحملة نفسها!"
صمت رائد، يده ترتعش
****************
قلب السلطة بقلمي مروه البطراوى 💜
داخل الغرفة – الليل خافت، والهواء كأنه لا يتحرّك
وقفت يقين عند حافة الفراش، تتأمل وجه نيرفانا الشاحب، كأن الحياة قد تركت ملامحها معلّقة بين الوعي والغياب.
عيناها مغمضتان، أنفاسها خفيفة، منتظمة، لكنها ليست طبيعية… ليست تلك الفتاة التي اعتادت سماع ضحكتها في أرجاء البيت.
اقتربت منها، جلست بجوارها، مرّرت يدها على جبهتها بحنانٍ متوجّس، ثم همست كأنها تخشى أن تكسر صمتها:
— "مالك يا روحي؟! إيه اللي وجعك كده…؟"
لم تجد ردًا، لا حركة، لا كلمة… فقط السكون، وتلك البرودة التي تسلّلت إلى قلب يقين كسمٍّ بطيء
صمتٌ… دموع نيرفانا بدأت تتساقط، ارتجف صوتها وهي تهمس:
— "أنا… مشيت معاه… بس ما كنتش عارفة… ما كنتش فاهمة…"
شهقت يقين، ضمّتها بقوة، ثم همست بإصرار:
— "هو خدعك؟! قالك إيه؟! إنتي لازم تقوليلي… لازم نعرف!"
نيرفانا دفنت وجهها في صدرها، تبكي، تنطق بالكلمات كأنها سكاكين:
— "قال إنه بيحبني… وإن بابا عمره ما هيوافق علينا… وإنه هيخدني بعيد… بس… بس الدنيا اتقلبت… والدنيا وجعتني."
جمدت يقين في مكانها، قلبها يتفطّر، ثم تمتمت:
— "ربنا ينتقم منه… والله ما هسيبه يا نيرفانا… ولا هسيبك."
في الخارج، وقف رائد يسمع همسات البكاء، يداه مشدودتان، وعيناه كأنها زجاج ينكسر بصمت، لا يجرؤ على الدخول… لا يجرؤ على النظر.
قلب السلطة
بقلمي: مروة البطراوي 💜
---
خارج غرفة نيرفانا – الليل ساكن، والظلام ثقيل كالغضب في صدره
وقف رائد خلف الباب، كأن قدميه جُذرتا في الأرض… يسمع، ولا يستطيع أن يمنع نفسه من الاستماع.
كل حرف خرج من فم نيرفانا كان كالسوط يُجلده… "قال إنه بيحبني… هيخدني بعيد… الدنيا وجعتني…"
ارتجف جفنه، تقوّست أصابعه كأنه يقبض على الهواء ليكتم انفجاره.
رفع يده، أسندها إلى الحائط، رأسه مطأطأ، أنفاسه تضيق، صدره يعصف، كأن قلبه يحترق ولا يجد مهربًا.
تمتم بكلمات خرجت من بين أسنانه، كأنها لعنات:
— "حبك؟! خدك بعيد؟!… ده خَد مني كل حاجة!"
ضرب الحائط بقبضته، فارتجّ السكون، ثم استدار، خطواته متثاقلة… مشى نحو نهاية الممر، لكن صوته انفلت كأنه يصرخ في داخله:
— "كان لازم أخلّي بالي… كان لازم أمنعها…"
ثم توقف، رأسه مرفوع، عينيه تقدحان شررًا… همس بصوت قاطع كالنصل:
— "أنا اللي هوجعك بقد إيدي… وهخليك تندم على اليوم اللي قرّبت فيه من بنتي."
فتح هاتفه، ضغط رقم شامل، انتظر لحظة، ثم قال بجفاف قاتل:
— "عايز أوس… دلوقتي… عايز أشوفه، وأكسر اللي اتبقى منه."
أنهى المكالمة، عينيه لا رمش فيهما… السكون من حوله كأنما يترقّب انفجار العاصفة،
رائد الذهبي… لم يعد في قلبه موضع لرحمة.