![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل الخامس عشر بقلم نورهان ال عشري
" مواجهات ضارية"
لا تُبالي لتلك الأسباب السخيفة و العقبات المؤسفة فمن صِدق الشعور تُولد الإرادة و ينحني كل شئ أمام عنفوان الرغبة ، فالأمر لا يقتصر على الهوى فقط ! بل أنه أعمق من ذلك بكثير، فشخص يهواك لا يشبه أبدًا شخص تتلخص حياته في وجودك. إيجازًا للحديث الفرق يكمن في القَدْر ! قدرك بقلوبهم إما أن يجبرهم علي خوض الحروب لأجلك او التخلى و كأن شيئا لم يكن !
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ انت. انت مش مصدقني!
هكذا تأرجحت الحروف فوق شفاهها وهي تناظر مرزوق الذي كانت عينيه جامدة تكاد تتفجر بها الدماء من شدة احمرارها، و كذلك جاءت نبرته جافة قاسية حين قال
_ الموضوع مش هيقف على اللي أنتِ قولتيه!
ارتجف بدنها خوفًا تجلى في نبرتها حين قالت
_ تقصد ايه؟
مرزوق بحدة
_ بطلي كلام كتير وتعالي معايا. أنتِ مش قولتي الصراحة خايفة ليه؟
تناثر الألم من بين مآقيها و هتفت بنبرة تحمل من القهر ما جعل جسدها يرتجف حين قالت
_ خايفة منهم. خايفة يأذوني اكتر من كدا.
لأول مرة يدق قلبه بتلك الطريقة وهو يرى خوف ابنته الذي كان مرآه لحقيقة يرفض تصديقها. مرت ثوان وربما دقائق وهو يناظرها بقلة حيلة لا يسعفه عقله في التفكير، و لكن في نهاية الأمر انصاع خلف رغبة عنيفة بالثأر جعلته يقوم بجذبها من ذراعها وهو يقول بصرامة
_ محدش يقدر ييجي جنبك، ولا يقربلك.
داخليًا شعرت بالغبطة لحديثه، ولكنه لم يُشعِرها بالأمان الذي تحتاجه، فهي تعلم بأن هذه الطبيبة لم تُخبره عن جُرمها، ولهذا أخذت تُردد بقلب يرتعب من طُغيان البشر
_ لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
وصلوا إلى هذه المشفى، فضرب جسدها رجفة قوية وهي تحاول الفرار من ذكريات أليمة هاجمتها بشراسة، و قد ساعدها في ذلك والدها الذي جذبها من يدها، وهو يقول بجفاء
_ اسمها ايه الدكتورة دي ؟
هزة بسيطة من رأسها اتبعها بإجابة مختصرة
_ معرفش.
مرزوق بحدة
_ طب عارفه مكتبها فين؟
أومأت برأسها بالإيجاب، فترجل معها من وسيلة النقل التي أقلتهم وهو يجذبها من يدها متوجهًا إلى الداخل لتغمض عينيها بشدة تتمنى لو أنها تستطيع الهرب من كل هذا الخوف الذي يسكنها، ولكن كانت أمنية بعيدة المنال، فها هي تقف أمام غرفة هذه الطبيبة التي تجردت من كل مشاعر الإنسانية و ساعدت تلك الحية في سفك دمائها و هتك برائتها دون أدنى شعور بالذنب.
كانت مواجهة ضارية بين خوفها من الماضي و رغبتها في أن يكون المستقبل لها وحدها. نزاع بين طفلة صغيرة خائفة و إمرأة قوية لن تقبل الهزيمة مُجددًا لا سحبت نفسًا قويًا و استعدت لحربًا لن تُهزم بها، وأقسمت بأنها ستخرُج من هذه الغرفة مُنتصرة
دق مرزوق على الباب بعد أن أعطى الممرضة بعض النقود لتجعله يدلف إلى الطبيبة في الحال لتقوم بالكشف على ابنته، و قد سمحت لهم بالدخول ففتح الباب و توجه إليها ليرتجف جسد غنى وهي تطالع هذه المرأة، والتي لدهشتها تختلف كليًا عن تلك التي فعلت بها هذه الجريمة لذا هتفت بانفعال
_ مين دي؟ انتِ مين ؟
الطبيبه باندهاش
_ انا الدكتورة منى يا حبيبتي اتفضلي اقعدي.
تبادلت الأنظار مع والدها قبل أن تقول باندفاع
_ أنتِ مكنتيش هنا قبل كدا. كان في واحدة تانيه قبلك.
الطبيبة بهدوء
_ اه لو تقصدي دكتورة ولاء، فهي استقالت وسافرت مع جوزها، وانا اللي جيت مكانها.
أوشكت غنى على الحديث، فقبض مرزوق على يدها قبل أن يقول بجفاء
_ شكرًا يا دكتورة. يالا نمشي.
_ انت كنت عايز تسأل الدكتورة ليه ؟ مش مصدقني !
هكذا استفهمت وكلها ام أن ينفي حديثها ولكنه باغتها حين قال بجفاء
_ هتعرفي لما اسمع منها. يالا نمشي.
اللهم أن أحدًا من عبادك ضرني و ضره لن يبرى أبدًا، فأرني فيه ما يُرضيني و يُرضيك ولا يُرضيه. حسبي الله ونعم الوكيل.
★★★★★★★★★★★
_ ولا شايف الحتة البلدي اللي ملفوفه في العباية السمرا دي!
هكذا تحدث أحد الشباب أثناء مرور ضي متوجهة إلى المطبعة، و التي بدورها سارعت في خطواتها حين سمعت شاب آخر يقول بوقاحة
_ لما اللي برا العباية يهبل كدا اومال اللي جواها اي؟
جف حلقها و تسارعت دقات قلبها من حديثهم و أوشك أن يُصيبها الشلل حين شاهدت هؤلاء الشباب يُحيطون بها، فهوى قلبها بين ضلوعها ذعرًا خاصةً حين هتف أحدهم بوقاحة
_ ايه يا حلو تقلان علينا ليه؟ دا احنا كفاءة و هنبسطوكي.
اغرورقت عينيها بالدموع، و ارتجفت نبرتها وهي تقول بصوت مُتقطع
_ اوعى. سيبني. امشي.
هتف الشاب الثاني بتهكم
_ تمشي فين يا حلو؟ دا الليلة ليلتك النهاردة.
_ في حاچة يا شباب ولا اي؟
هكذا جاء صوتًا جاف مليء بالوعيد من خلفهم مما جعل الشباب يتراجعون إلى الخلف حين شاهدوا ذلك الجسد الضخم لذلك الرجُل الذي كان ملامحه مُخيفه وعينيه تُطلقان نظرات كالأعيرة النارية مما جعلهم يتراجعون إلى الوراء و أحدهم يقول بتلعثُم
_ لا . لا. دا احنا بنسأل عن الساعة بس.
أنهى جملته و فروا هاربين، ولكن لم يهرب معهم خوفها، ولم تهدأ رعشة جسدها فقط عبرات غزيرة تساقطت من عينيها و هي تضغط بأسنانها بقوة حتى كادت أن تتحطم، فهي في تلك اللحظة تحارب كوابيسها و ذكرياتها اللعينة، فلم تلحظ اقترابه منها وهو يقول بصوته الرخيم
_ أنتِ كويسة يا بنت الناس؟ حد منهم جرب منيكي؟
كانت حالتها لا تُبشر بالخير مما جعله يقول باهتمام
_ طب اهدي وصلي عالنبي . مفيش حاچة. أهم غاروا في داهيه.
لم يتلقى منها رد بل نظرات زائغة و جسد لا زال يرتجف مما جعله يتوجه إلى المقهى الجانبي و يجذب منه مقعد وهو يقول بنبرة رفيعة
_ طب تعالي اجعدي. دا أنتِ جلبك خفيف جوي.
اخترق صوته العالي عقلها لينتشلها من بؤرة الألم مما جعلها تلتفت إليه دون حديث فقام بجذب قنينة مياة من فوق أحد الطاولات الجانبية للمقهى وهو يناولها إياها قائلًا باهتمام
_ خدي بلي ريجك. جلبك هيوجف يا بت الناس.
بصعوبة بالغة مدت يدها لتأخذ منه القنينة و ترفعها إلى شفاهها لينحسر كُم العباءة التي ترتديها ليظهر هذا الوشم بوضوح أمام عينيه، وكأنه يُغريه بالنبش أكثر خلف هذه الفتاة للوصول إلى هوية من قام بنقشه فوق ذراعها، وقد تبلورت شكوكه جميعها في شخص واحد يتوق للوصول إلى عنقه.
مدت يدها بالقنينة إليه وهو تُتمتم بعبارات الشكُر ليقول بمُزاح
_ أخيرًا صوتك رچع. يا شيخه داني جولت انك بلعتي لسانك.
لاح شبح ابتسامة خفيفة على شفاهها قبل أن تقول بخفوت
_ اني زينة.
رحيم بابتسامة هادئة
_ الحمد لله، جوليلي مش أنتِ البنت اللي شغاله في المطبعة؟
اومأت برأسها وهي تتذكره قائلة بنبرة مسموعة
_ ايوا، اني عرفاك مش انت اللي چيت تصور ورج جبل اكده ووو
قطعت حديثها حين تذكرت حديثه عن هذا الوشم ليظهر على ملامحها الارتباك الذي جعل رحيم يقول بتهكُم
_ ايوا اني، واني بردو اللي سألتك مين اللي عِمِلك الوشم دا، و مردتيش تجوليلي. اهو ده ذنبي.
قال جملته الأخيرة بمُزاح، فابتسمت بتكلُف وهي تقول بارتباك
_ متشكرة انك دافعت عني. اني لازمن امشي. عن اذنك.
قالت جملتها و فرت هاربة من أمامه، ولكنها عززت فضوله و غزت شكوكه حول هذا الوشم كثيرًا. لذا تبعها إلى أن وصلت إلى المطبعة و حين أوشكت على الانحناء لفتح بابها جائها صوته الصارم
_ وجفي يا مچنونة أنتِ. كيف بتوطي أكده وسط الخلج!
انتفضت بفزع حين سمعت صوته خلفها، ولكنه لم يُمهلها الوقت للاستيعاب بل توجه إلى باب المطبعة و قام برفعه إلى الأعلى قبل أن يلتفت إليها قائلًا بحزم
_ مينفعش واحدة زيك توطي ترفع باب زي ده. العيون حواليكي تدب فيها رصاصه.
ضي بارتباك
_ طب واني هعمل ايه؟ مين هيرفعهولي يعني ؟
_ نادي على أي راچل من الشارع يرفعهولك. شغلانه يعني!
قال جملته الأخيرة بحدة اغضبتها، فهتفت بانفعال
_ انت بتعلي حسك على مين عاد؟ و انت مين أصلًا عشان تجولي اعمل ايه و معملش اي يا چدع انت؟!
باغتها حين ابتسم وهو يقول بمُزاح
_ ايوا ايوا ايوا فهمت! انتٍ عايزة تتعرفي علي، فبتچبيها من أهنه يعني! طب ما تجولي من اللول.
برقت عينيها من حديثه وهتفت بانفعال
_ مين دي اللي عايزة تتعرف عليك؟ مچنون انت إياك!
رحيم بنبرة جافة اشعرتها بالخوف
_ همرجلك غلطك دلوق عشان متِعرفيش انا مين. لكن المرة الچايه هتزعلي جوي مني لو لسانك طول.
شعرت بالخوف و غزى الارتباك معالمها و نبرتها حين قالت
_ و لا چايه ولا راحه، ولا عايزة أشوفك تاني. روح شوف طريجك. الله يصلح حالنا و حالك.
أراد إطاله الحديث معها عله يصل إلى أي شيء قد يُفيده، فتابع بتهكُم
_دلوق حسك طلع. اللي يشوفك من شويه، وأنتِ عم ترجفي ميجولش انك نافشة ريشك دلوق! دا بدل ما تشكريني اني وچفت چارك. بتتعاركي وياي!
لمحة من الخوف مرت في سماء عينيها قبل أن تقول بجفاء
_ اني مبتعاركش، و جولتلك شكرًا مرة عايزني أغنيهالك ولا اي؟
رحيم بنبرة عابثة
_ لو صوتك حلو كيف عيونك أكده اني موافج انك تغنيها.
حفنة من الوخزات ضربت سائر جسدها و انطبعت نتائجها فوق وجنتيها التي تلونت بحمرة قانية من غزله، ولكنها سُرعان ما تداركت الأمر وهتفت بانفعال لم يُخفي ارتباك نبرتها
_ چرى ايه يا أخ انت؟ انت هتعاكسني ولا اي؟ روح شوف حالك.
لم يكد يُجيبها حتى جاء صوت لهيف من خلفهم
_ ضي. كويس اني لقيتك. قوليلي جميلة عاملة ايه دلوقتي؟
هكذا تحدثت ضحى بلهفة وهي تدلف إلى داخل المطبعة لتُجيبها ضي بنبرة تحمل طابع الحزن
_ زينة. الحمد لله.
ضحى باستفهام
_ طب حد عندهم ولا متعرفيش؟
_ معرفش والله. اني چيت افتح مكانها النهاردة. عشان هي تفضل مع چميلة، روحي اطمني عليهم مفيهاش حاچة.
ضحى باختصار
_ هروح اشوفهم. يالا سلام..
ما أن خرجت ضحى حتى التفت رحيم إليها قائلًا بنبرة رخيمة
_ ضي! اسمك حلو و لايج عليكي جوي.
تحمحمت بخفوت ليستطرد قائلًا بترقُب
_ ولايج عالوشم اللي في يدك كمان.
برقت عينيها غضبًا تجلى في نبرتها حين قالت
_ انت مالك ومال الوشم اللي في يدي. عايز منيه ايه ؟ انا مش مرتحالك.
فاجئها حين قال بنبرة بدت مُتأثرة
_ عايزة الحجيجة؟ عشان يشبه وشم كان عامله حد عزيز عليا بس دلوق مبجاش موچود.
لفت انتباهها الشجن في حديثه فهتفت باندفاع
_ راح فين؟
_ عند ربه.
شعرت بالحزن لأجله و قالت بخفوت
_ الله يرحمه.
صحح حديثها قائلًا
_ يرحمها. ست مش راچل.
ارتفع أحد حاجبيها دون إرادتها ليُتابع رحيم قائلًا
_ مرتي. الله يرحمها. خدها مني المرض الخبيث وهي لساتها يدوب بنت تمنتاشر سنه.
كان عِنديها وشم يشبه للوشم ده، عشان اكده لما شفته في يدك سألت مين عِملهولك عشان يعملي واحد زي اللي كان على يدها. بس أنتِ هبيتي فيا، و مدتنيش فرصة أفهمك.
شعرت بالأسى لأجله و هتفت بحزن
_ الله يرحمها ويعوض شبابها في الچنة. اني مكنش اعرف لحكاية دي.
رحيم بترقُب
_ يعني ممكن توصليني بالست اللي عِملتهولك؟
ضي بصدق
_ كان على عيني والله. بس زي ما چولتلك هي بطلت تشتغل الشغلانه دي من زمان.
كان يلمس سذاجتها و برائتها في الحديث لذا قال بتخابُث
_ يمكن بتجول أكده عشان عايزة فلوس كتير. اني موافج باللي تطلبه.
ضي بلهفة
_ لاه. الموضوع مش أكده واصل. هي عرفت أن الوشم ده حرام، فوجفت الشغلانه دي.
رحيم بعناد
_ كنك صغيرة و مفهماشي الناس. اني متوكد أني لو عرضت عليها فلوس كتيير هتعملهولي ولا هتجول حرام ولا حلال. اني عارف الناس دي.
تصاعد الغضب إلى رأسها لتهتف بانفعال
_ خلي بالك من حديتك اللي بتتكلم عليها دي تبجى امي، و جولتلك مبجتش تشتغِل الشغلانه دي علشان حرام. بدل ما تدعي لمرتك تروح تعمل حاچة عفشة أكده.
التمعت عينيه بالنصر بعد أن وقعت في مصيدة حديثه، ولكنه واصل تمثيليته قائلًا بحدة
_ ولما عي حاچة عفشه عملاه ليه اومال؟
ضي بحدة
_ مش اني اللي كت عايزة اعمله. اني من لما وعيت عالدنيا وهو في يدي. ممكن تفارجني بجى عايزة اشوف شغلي، ولا هتفضل طول اليوم تتحدت وياي!
أخذت الظنون تعصف برأسه، فقد تبقى شيئًا واحدًا وهو رؤية تلك المرأة حتى تتحول إلى حقيقة مُثبته و يستطيع حينها الإمساك برأس الحية لذا تابع استغلالها قائلًا بتهكم
_ شغل اي يا ام شغل! هو في حد بص في خلجتك من وجت ما فتحتي! و بعدين الحج عليا اني خايف عليكي من ولاد الرفدي اللي عاكسوكي لا يكونوا متربصينلك ولا حاچة!
دب الذُعر في صدرها و جف حلقها مرة أخرى لتهتف بتلعثُم
_ يا مُري ! هما ممكن يكونوا متربصينلي ؟
نجحت خطته في إخافتها لذا تابع بتأكيد
_ مليون في المية. ولاد الحرام دول يطلع منهم كل حاچة.
كادت أن تبكي من فرط الخوف لتهتف بتلعثُم
_ لاه. اني مش هفضل اهنه دجيجة واحدة. اني هروح و بلاها شغل النهاردة.
شعر بالذنب حيالها حين رأى ذُعرها الحقيقي لذا قال بطمأنة
_ يا بت الناس ماني معاكي اهو. هتخافي من ايه؟ و بعدين هما هيزهجوا و يمشوا لما يلاجوني واجف. اطمني.
ضي بحدة
_ و انت تجف معاي بتاع اي؟ والناس هتجول عني اي؟
_ ما الناس كانت واجفة وهما بيعاكسوكي و محدش اتكلم ولا جالهم عيب. يرجى يولعوا. بدل ما تحمدي ربنا ان ربنا وجفلك راچل ابن بلد زيي يدافع عنك، و اديكي شوفتي من كلمتين چريوا كيف الفران.
ضي بعفوية
_ ليهم حج ما انت شكلك يخوف بردك.
برقت عينيه من حديثها لتحاول تصليح الموقف قائلة بلهفة
_ اجصد يعني أن ليك هيبة أكده. الا جولي انت منين؟
رحيم بعبث
_ اني جولت من الأول انك هتموتي و تتعرفي علي!
اللهم من اراد بي سوء فاشغله في نفسه وراحته وصحته وعافيته ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا له يارب وارزقه اضعاف مايتمناه لي اللهم ارني فيه عجائب قدرتك وحسبنا الله ونعم الوكيل
★★★★★★★★★
_ أنتِ فين يا غنى ؟ وقعتي قلبي بقالي ساعه بحاول اكلمك مبتروديش. انا كنت هسيب الشغل و اجيلك.
هكذا هتفت آسيا بحنق قابلته غنى بالجمود الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ مسمعتوش. في حاجه ولا ايه؟
شعرت آسيا بخطب ما في حديثها فقالت باستفهام
_ في ايه صوتك ماله؟ أنتِ كويسة؟
أطلقت زفرة حارة من جوفها قبل أن تقول بنبرة مُتحشرجة
_ كويسة. كنتي عيزاني في ايه؟
تحدثت بعتب
_ صوتك مش مريحني. لما اروح نتكلم. المهم في حاجه حصلت و عايزة اقولك عليها.
غنى باختصار
_ قولي.
لم تُفكر كثيرًا قبل أن تُخبرها بالأمر دفعةً واحدة حين قالت
_ اتفاجئت ان ياسر بيتصل عليا و بيقولي أنه عايز يقابلك ضروري.
انتفض قلبها إثر سماعها اسمه و اهتاجت دقاته مما جعل نبرتها مُهتزة حين قالت
_ مقالكيش عايز ايه؟
_ مقالش. بس مُصِر أنه يقابلك، ولما سألته قالي في حساب لازم يتصفى، وهو مستنيكي في المكان اللي كنتوا بتتقابلوا فيه.
كانت الكلمات تطن بعقلها كالذُباب وهي تُفكِر في حديث آسيا مما جعل صمتها يدوم لتقول الأخيرة بتعقُل
_ طبعًا أنتِ محتارة ما بين تروحي ولا لا؟ بس لو عايزة رأيي روحي، وشوفي عايز يقول اي؟ ولو فتح في اللي فات ارمي في وشه الحقيقة كلها.
تسارعت دقاتها من حديث آسيا لتهتف باستنكار
_ بتقولي ايه يا آسيا؟
_ بقول اللي لازم يحصل. هتفضلي محروقة من اللي حصل لحد امتى! بدل نويتي تبدأي من جديد يبقى تبدأي على نضافة، وبعدين بيني و بينك بقى الحوار دا كله مش داخل دماغي، فاهي فرصة و جتلك عشان تتأكدي
استنكر عقلها حديث آسيا بشدة فلا يُمكن أن يكون مظلومًا لذا هتفت بانفعال
_ بطلي عبط يا آسيا محدش هيتبلى على نفسه بمصيبة زي دي!
آسيا بنفاذ صبر
_ بقولك ايه؟ توقعي اي حاجه من البشر في الزمن دا. كل واحد له أسبابه و دوافعه، وأنتِ متعرفيش البت دي دماغها كان فيها ايه؟ و عايزة افكرك انه متجوزهاش، و هي اتجوزت يبقى الموضوع مش مظبوط.
تناحرت دقات قلبها حين فجرت آسيا بارود الظنون بصدرها، فلو كان ما تقوله صحيحًا فستموت قهرًا في الحال، أيمكن أن تكون اخطأت في حقه و القت بنفسها في هذا الجحيم من دون أي سبب!
تأرجحت الكلمات فوق شفاهها حين قالت
_ طب. طب هعرف ازاي ؟ يعني مش ممكن يكذب عليا!
آسيا بحنق
_ هو أنتِ حمارة! معندكيش نظرة في البني آدم اللي قعدتي تحبيه عمر بحاله! غنى فوقي كدا و حلي مواضيعك بالعقل، و ياتقفلي قصته دي خالص. يا تشوفي هتعملي ايه سلام.
أخذت كلمات آسيا تدور في رأسها كالطواحين التي لا تهدأ أبدًا، ومن حسن حظها أن والدها بدأ عمله في الفرن، لتتوجه رأسًا إلى ذلك المكان الذي شهد على أجمل لحظات حياتها، ففي السابق كانت تشعر بأنها أسعد فتاة في العالم وهي تتوجه إليه حتى أنها كانت تُحصي الخطوات لتصل حيث يستكين قلبها والآن ترتعب مما هو قادم. حتى عقلها يأبى مُجرد النخيل أنها من الممكن أن تكون عانت كل تلك المعاناة لأجل لا شيء.
التقمتها عينيه من بعيد ليخونه قلبه مُجددًا و يطير فرحًا برؤيتها رافعًا رايه التمرُد أمام كل قرارت العقل و تنبيهاته. لتضربه نوبة شوق عاتيه جعلت عينيه تطوف فوق ملامحها بلهفة حاول قمعها قدر الإمكان ولكنه لم يفلح في قطع ذلك التواصل البصري بينهم إلى أن جلست على المقعد أمامه بصمت قطعته أخيرًا حين قالت
_ حساب ايه اللي عايز تصفيه ؟
نبرتها المُتعبة و عينيها الذابلة التي طمس البكاء بريقها إضافة إلى بهوت ملامحها كل هذه الأشياء كان بها وقعًا قاسيًا على قلبه الذي لازال يتألم لأجلها، ويهتم لأمرها، وهو من أتى به جرًا إلى هذا المكان لمقابلتها
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ الليلة اللي قابلتك فيها وانتِ رايحه بيت خالتك قولتيلي انت السبب في اللي جرالي. انا السبب في ايه؟
حتى الحديث أصبحت ترتعب منه، و لا تجرؤ على إخراجه من بين شفاهها، ولكن عينيه التي تخترقانها بطريقة اجفلتها جعلتها تقول بخفوت
_ كنت متضايقة و مش عارفة بقول ايه؟
ياسر بقسوة
_ كدابه.
رفعت رأسها تطالعه بصدمة تضاعفت حين أضاف بقسوة
_ للمرة الأخيرة هسألك ليه قولتي كدا؟ و ياريت يكون عندك إجابة واضحة. عشان أنا كمان اكون واضح معاكي.
حديثه يحمل وعيدًا كان القشة التي قصمت ظهر البعير، فاليوم كان كارثيًا بالنسبة إليها، ولم تعُد تحتمل الصمت أكثر لذا هتفت بحدة
_ نبرة التهديد اللي في صوتك دي مش عجباني.
_ واللي هقوله بعد كدا انا واثق أنه مش هيعجبك، فقدري اني بديكي فرصة تقولي اللي عندك.
هكذا هتف بحدة قابلتها بالتحدي حين قالت
_ معنديش حاجه اقولها أكتر من اللي قولته. قول انت اللي عندك..
سخر من نفسه و من قلبه و من ذلك الأمل الغبي في أن كون هناك شيء واحد من شأنه أن يُخفف من ألم الغدر و الخذلان الذي تعرض له على يدها، و خاصةً أنه شعر بصدق دموعها تلك الليلة، ولكنها كاذبة مُخادعة، وقد جعلته هذه الفكرة يُزمجر بشراسة
_ يبقى بعد كدا ترمي بلاكي على حد غيري، و لو في يوم جمعت بنا الأيام اياكِ تتهميني بالباطل مرة تانية.
يحدُث أن يدعي الإنسان القسوة بينما الضعف يتجلى بوضوح في عينيه هكذا رأته، ولكنه خذلته و كثيرًا لهذا أتقن تزييف الكره في نبرته حين قال
_ و دا إنذار أول و أخير ليكي.
ما أن هم بالنهوض من مقعده حتى فاجأه ضحكتها التي كانت تحمل كل معاني السُخرية التي تجلت في نبرتها حين قالت
_ تعرف لو مكنتش عرفت حقيقتك كنت قولت انك ملاك، وانا يا حرام ظلماك. بجد عايزة اسقفلك والله.
عاد إلى مقعده مرة أخرى، و هو يناظرها بصدمة تجلت في نبرته حين قال
_ نعم!
أكدت على حديثها السابق، ولكن بنبرة مُتألمة خالية تماماً من السخرية
_ بقولك عرفت حقيقتك. بس يا خسارة عرفتها متأخر، و صدقني انا بلعن الظروف اللي خلتني اتحوجلك و تكون انت طوق النجاة الوحيد اللي قدامي عشان اخلص من رأفت!
كان الأمر مروعًا بالنسبة إليه تتأجج جمرات الألم داخل صدره فتجعل حتى التنفس شاقًا عليه، ولكن يبدو أن قلبه لم يكفي من الأسى و اللوعة ليقول بنبرة جافة
_ و ايه هي حقيقتي اللي عرفتيها متأخر؟
دوت كلمات آسيا في رأسها، فشعرت بأنها تُريد الخلاص، و تنظيف آثار الماضي لتستطيع أن تحيا من جديد مما جعلها تقول بنبرة قاسية و عينان أشد قسوة
_ انك كداب، و خاين، وغشاش، خنت حبي ليك، و خنت أمانة صاحبك اللي أمنك عليها قبل ما يموت زي ما كنت بتقول. رافقت أخته في الحرام، و انت بتبص في عيني و بتقولي بحبك، و مكفكش لحد كدا. لا دا انت بإيدك خدتها عشان تقتل ابنك، و فكرت أن جريمتك هتموت معاه. بس حظك بقى اني كنت بنت حلال، و عرفت عشان الحق نفسي في الوقت المناسب.
بهتت ملامحه و جحظت عينيه. حتى ان أنفاسه احتبست في صدره من هول حديثها الذي جعله يلجأ للصمت عاجزًا عن الحديث للحظات، وكأن عقله يحاول استيعاب ما تفوهت به من جرائم لا يجرؤ على مجرد تخيلها.
مرت دقيقه اثنان وهو صامت وهي تراقبه لا تستطيع تفسير ملامحه، ولكن لم يخفى عليها جمود نظراته التي توحي بمدى صدمته مما جعلها تقول بتهكم
_ ايه اتصدمت اني عارفة ؟ ولا كنت متخيل انك هتقدر تخبي عمايلك! معلش اصل انا زي ما قولتلك طيبة و ربنا بيحبني.
بدأ يستعيد وعيه تدريجيًا، و يعي ما تفوهت به لتحتد عينيه و تشتد ظُلمتها بطريقة اجفلتها و خاصةً أن ملامحه تجهمت بطريقة جعلت عروق رقبته تبرز وهو يقول بهسيس مُرعِب
_ أمانة صاحبي ايه اللي خنتها؟ و جرايم ايه اللي ارتكبتها و ابن مين اللي موته؟
تفشى الرُعب في أوصالها مما جعل رغبة هوجاء بالهرب تُسيطر عليها لتقول باندفاع
_ انا قولت اللي عندي خلاص، و معنديش كلام تاني أقوله. عن اذنك.
ما أن همت بالنهوض من مقعدها هرباً من أمامه تفاجئت بقبضة حديدية تُمسِك بمعصمها حتى كادت أن تُحطمه و صوته القاسي يأمرها بطريقة جعلت جسدها ينتفض أسفل قبضته
_ اترزعي هنا، و ردي عليا عشان مكسرش المكان دا فوق دماغك سامعه؟
كادت عظامها أن تتحطم جراء قبضته، فشعرت بألم عظيم جعلها تقول بتلعثُم
_ سيب إيدي. هتتكسر في ايدك.
زمجر بشراسة افزعتها
_ و هكسر دماغك كمان لو مجاوبتنيش حالًا تقصدي ايه بالكلام دا؟
ضاقت ذرعًا بالألم والخوف اللذان يسكنان صدرها لتهتف بحرقة
_ كمان ليك عين تزعقلي؟ ايوا عرفت كل حاجه. مها جت وقالتلي انها على علاقة بيك، وأنها حامل منك، وانك عايزها تنزل اللي في بطنها عشان أنا معرفش.
ياسر بصدمة
_مها قالتلك كدا؟
غنى بغل
_ ايوا، و مش بس كدا كمان دانا شوفتها بعيني ويه بتترجاك قدام المستشفى علشان متخليهاش تنزل اللي في بطنها، وانت ولا اهتميت كل اللي كان همك تخلص من جريمتك و خلاص.
كانت كلماتها كالخناجر تمزق صدره، فلم يكُن ألمًا جراء غدرها به أو أنين قلبه لاتهاماتها، ولكنه الشعور بالظُلم الذي يجعل أعتى القلوب تخر صريعة، و من شأنه أن يُسقِط أشد الرجال و أكثرهم صلابة كالذي حدث معه، فقد تلاشى كل شيء امامه الآن، و أصبح يراها الخصم الأكثر وضاعة من بين جميع أخصامه ليقول بمرارة و كأن صبارًا نبت في جوفه
_ أنتِ ازاي قادرة تكوني كدا؟ جبتي الحقارة دي كلها منين؟ بقى بتتهميني اتهام قذر زي دا. عشان تبرري لنفسك غدرك و خيانتك ليا؟
أوشكت على الحديث فتابع بنبرة قاسية اجفلتها
_ مها اللي بتتهميني فيها زور تبقى اخت يزيد اخويا في الرضاعة. يعني اختي. انا اللي ربتها على أيدي، و بايدي بردو سلمتها لعريسها. جاية تقوليلي اني كنت على علاقة بيها!
صمت لثوان قبل أن يُضيف بسخرية مريرة
_ لا وكمان هي اللي جت قالتلك؟ و شوفتيني وهي بتترجاني اني معملش فيها كدا؟
ضحكة ساخرة مزقت جوفه حين تابع
_ دي مها مسمية ابنها على اسمي. دانا اللي بروح اوديلها زياراتها في المواسم.
كانت تناظره بصدمة وهي تسترجع ما حدث، و كأنه حدث البارحة، فهي متأكدة مما تفوهت به، ولكن حديثه و ملامحه التي تكاد تُقسِم بأنها صادقة تجعلها قال قوسين او أدنى من الجنون لذا قالت باستماتة
_ بطل كذب. بقولك شفتها بعنيا وهي بتترمي في حضنك وهي بتعيط وانت بتشيل ايديها من حوالين رقبتك و بتجرها غصب عنها تدخلها المستشفى.
صمت لثوان يستعيد ذكريات ذلك اليوم قبل أن يقول بجفاء
_ يومها كانت بتعيط و مرعوبة علشان داخله تعمل عملية الزايدة، واتصدمت لما لقيتها بترمي نفسها في حضني، و كان لازم اتدارك الموقف. عشان محدش يتكلم عنها نص كلمة، و بعدها اضطريت اني أشدها ادخلها جوا لما هيام ندهت علينا. ازاي ألفتي القصة دي يا غنى ؟
كان الموقف اقسى من أن يتخيله عقل. اصعب من أن يصفه حديث، فملامحه المُتألمة، و عينيه التي تهتز من فرط ما تحمل من عبرات، و كذلك نبرته الجريحة بالإضافة إلى تفسره الذي يبدو منطقيًا جميعها أشياء تؤكد صدق حديثه. مما يجعل شعور أشبه بالجنون يُسيطر عليها بأن تلك الفتاة خدعتها، وهي البلهاء صدقتها، و هاها تقف في مواجهة أسوأ هواجسها، بأنها أضاعت حياته هباءً.
_ لا . اكيد لا. انت بتقول كدا عشان تبرأ نفسك. مش محتاج تكذب عليا. لا مش محتاج دا. احنا أصلًا انتهينا. تحرق قلبي و تزود ناره ليه؟
هكذا أخذت تهتف كمن مسه الجنون وعينيها تذرفان الوجع بسخاء فوق وجنتيها و هي تلوح بيديها هنا وهناك، ولكن بالمقابل كان هو يعيش أسوأ لحظات حياته. حتى أنه لم يعُد يستطيع البقاء أمامها أكثر من ذلك ليقول بنبرة مُلتاعة و كأن الأحرُف تلدغه وهي تمُر عبر شفتيه
_ احنا فعلًا انتهينا. بس أسوأ نهاية ممكن كنت أتوقعها.
أنهى جملته و نصب عوده كي يفر منها و من ألمه و لوعته لتتعالى أصوات بكائها وهي توقفه قائلة بانفعال من بين عبراتها
_ رايح فين ؟ استنى عندك. بقولك جت قالتلي كدا، وقالتلي انكوا هتكونوا في المستشفى الصبح الساعة تسعة.
لم تفلح كلماتها في إخماد ثورة آلمه و لا أن تطفيء حرائق الوجع بصدره مما جعل صوته يخرج مبحوحًا جريحًا حين قال
_ هفترض انها فعلًا قالتلك كدا ؟ ازاي قدرتي تصدقيها؟
صمت لثوان قبل أن يُتابع بحرقة
_ أنا بحبك من و أنتِ عندك تلتاشر سنة. قعدت خمس سنين احبك بيني وبين نفسي عشان مفتحش عنيكي على حاجات أنتِ أصغر منها، وحتى لما قولتلك اني بحبك. قعدت بعدها تلت سنين مفكرتش امسك حتى ايدك. من كتر مانا بخاف عليكي و بتقي ربنا فيكي.
كانت كلماته تدهس على قلبها بقسوة فتعالت شهقاتها، ولكنه لأول مرة لم ينحنى أمام ألمها بل ضاعفه حين قال بقسوة
_ عذر أقبح من ذنب. ياريتني ما سألتك، ولا قابلتلك.
التفت ينوي المغادرة حاملاً قلبه المكلوم و روحه المُبعثرة لتوقفه يدها التي تمسكت به وهي تقول بحرقة
_ ياسر.
ياليتها ما فعلتها فقد ناظرها بأعيُن تلتمع بهم خيبة الأمل التي جعله يقول بنبرة تتضور وجعًا
_ أنتِ أكبر غلطة غلطها في حياتي. ابعدي عني يمكن اقدر أكفر عنها.
أنهى كلامه و غادر دون النظر إلى الوراء، فهوت على المقعد خلفها وهي تبكي بحسرة احتلت قلبها للحد الذي جعلها تتمنى الموت في هذه اللحظة.
حسبي الله ونعم الوكيل فيمن أذاني اللهم بحق جاهك وجلالك وعزتك وعظمتك التي يهتز لها الكون اسألك بعزتك التي يهتز لها العرش ومن حوله اللهم انصرني على من ظلمني اللهم أنك لا ترضى الظلم لعبادك اللهم أنك وعدتنا ألا ترد للمظلوم دعوة فأنت العدل والعدل قد سميت به نفسك اللهم انصرني على من ظلمني
★★★★★★★★★
_ ايه اللي هببتيه دا هتشليني يا أشجان!
هكذا هتفت آسيا بحنق وهي تناظر أشجان التي تمنت لو لم تقص عليها ما حدث، ولكنها تخشى أن تعلمه من أحد آخر، فالجميع انتابه الذهول حين خرجت سالمة من بين يدي الوحش، و عادت إلى عملها مرة أخرى
_ متخلنيش اندم اني حكيتلك يا آسيا الله يباركلك. أنا اللي فيا مكفيني.
لاحظت آسيا تلك الآثار على وجه شقيقتها فهتفت بحدة
_ هو الحيوان دا مد أيده عليكي تاني؟
أشجان بجمود
_ عادي يا آسيا متاخديش في بالك.
آسيا بانفعال
_ مخدش في بالي ايه ؟ أنتِ عايزة تجننيني! الزفت دا لازم تحطيله حد احسن وحياة ربنا انا اللي هقفله.
ضغطت أشجان على ذر المصعد بعصبية تجلت في نبرتها حين قالت
_ احطله حد اعمله ايه؟ ولا أنتِ نفسك هتقفيله تعمليله ايه؟
_ هروح اعمل فيه بلاغ في القسم، و اللي على وشك دا كفيل يخليه يروح في ستين داهية، وانا واثقة ان الحجاب مداري كتير.
زفرت أشجان بتعب وهي تقول
_ ولما اسجن ابو ولادي وييجوا يسألوني عني هقولهم ايه؟ انا هعمل زي ما قولتلك، و احوش مبلغ يخليني اعرف اخد شقه اعيش فيها انا وولادي، واهو مرتبي مش هيحوجنا لحد.
آسيا بتعاطُف
_ يا أشجان أنتِ عيزالك على الأقل سنة ولا سنة ونص على ما تعملي الكلام دا. دول بياخدوا نص مرتبك. هتفضلي متحملة العذاب دا الفترة دي كلها؟
_ يمكن اموت وارتاح يا آسيا. هعمل ايه طيب قوليلي؟
_ اهدي يا حبيبتي. اكيد في حل.
اشتدت يد خالد القابضة على الهاتف، فقد خرج من قاعة الاجتماعات يريد الإطمئنان على طفلته، فإذا به يستمع صدفة الى صوت آسيا العالي مما جذب انتباهه ليُتابع الحديث حين وصل إلى مسامعه ان تلك المرأة بالفعل تتعرض للعُنف على يد زوجها، ولم يمنع نفسه من الوقوف ليعرف طبيعة ما يحدُث معها إلى أن جاء المصعد و استقلته الفتاتين، بينما كان يغلي من الغضب كيف لرجل أن يتجبر على زوجته بهذة الطريقة؟ و أي النساء التي تحتمل هذا القهر فقط لأجل أولادها؟
اللهم أطفي نار من شب لي ناره واكفني هم من أدخل علي همه وأدخلني في درعك الحصين ، واسترني بسترك الواقي ، اللهم من عادني فعاده ومن كادني فكده ومن بغي علي فخذه ومن نصب لي فخذه بهلكه وأهلكه. اللهم من أرادني بسوء فأجعل دائرة السوء عليه
★★★★★★★★
دلف إلى الداخل بملامح واجمة، و اعيُن جامدة، فظنت هيام بأنه لازال غاضبًا مما حدث صباحًا، فاقتربت منه قائلة بحنو
_ حمد لله عالسلامة يا قلب أختك. جاي في وقتك لسه عاملة كوباية شاي انما ايه تستاهل بقك. هجبهالك و اصبلي انا واحدة تانية.
التفت يناظرها بجمود قبل ان يقول باستفهام
_ أحنا هنروح نودي الموسم لمها امتى؟
هيام بعفوية
_ أن شاء الله الاسبوع الجاي. انا كنت لسه بجهزلها زيارة انما ايه معتبرة.
احتدت عينيه و قست نبرته حين قال
_ لا خليها بكرة.
هيام باستفهام
_ اشمعنى بكرة يعني ؟
ياسر بجفاء
_ عايز اطمن على ياسر الصغير.
_ وماله. نروح بكرة.
كانت ملامحه لا تُفسر و كذلك نظراته مما جعلها تقول باهتمام
_ في حاجه حصلت يا ياسر ؟
ياسر بغموض
_ انا ناوي اعرف ايه بالظبط اللي حصل!