رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل السادس عشر 16 بقلم نورهان ال عشري


رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل السادس عشر بقلم نورهان ال عشري 


❤️‍🩹 بعنوان" صراعات لا تهدأ وجراح لا تلتئم "

لا أسف على من غادرونا بعد أن نصبوا خيمة الحب بقلوبنا ثم ذهبوا دون أن يمنحونا سببًا واحدًا لفراقهم. لا عتاب لهم، ولا ذريعة يُمكنها أن تجعل العقل ينسى تلك التساؤلات التي نهشت بواطنه دون رحمة، و جعلت القلب يسقط فريسة لاحتمالات أهونها مؤلم و بعضها مهلِك و لكن أشدها قسوة أن يسأل الإنسان نفسه ألم أكُن كافيًا؟ المرارة التي تُصاحب هذا الاستفهام تظل عالقة بالقلب طوال حياته. 

نورهان العشري ✍️ 

🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁

_ مش مصدقين نفسنا والله دكتور عمر مرة واحدة قاعد معانا عالسفرة! 

هكذا تحدثت هايدي بتهكُم وهي تنظر إلى عمر الذي يجلس على جانب أبيها حول مائدة الطعام، فتجاهل حديثها كعادته، ولم يُعقِب عليه، فتدخلت نبيلة قائلة بتقريع
_ بطلي تريقة و اتكلمي عدل ما اخوكي الكبير. 

تفاجئت هايدي من حديث والدتها، و كذلك عز الدين ما عدا عمر الذي لاح شبح سخرية فوق ملامحه، فهو يعلم أن انحيازها له الآن لأنها تريد منه شيئًا ما. 
_ عمر كل يا حبيبي . الباستا اللي بتحبها. انا عملتهالك مخصوص. 

هكذا تحدثت نبيلة بحنو كان دخيلًا على قلبها فاومأ برأسه وهو يرسم ابتسامة بسيطة على ملامحه قبل أن يقول باختصار
_ شكرًا.

لم يُعجِب عز الدين طريقة عمر مع والدته لذا تحدت بنبرة جافة
_ مردتش على اختك وبتكلم والدتك بالقطارة يا دكتور مع ان ضحكتك بتبقى مجلجلة في المستشفى مع الممرضين و المرضى و حتى عمال النظافة. مش شايف ده غريب شوية! 

لم تُغادر عينيه طبقه بل تمهل وهو يضع الملعقة في فمه ليبتلع ما تحتويه قبل أن يقول بجمود
_ مش غريب ولا حاجه. 

صمت لثوان قبل أن تطوف عينيه على الموجودين حوله ثم تابع بجفاء
_ شيء كويس أن الإنسان يلاقي مكان يضحك فيه من قلبه. 

نبيلة بعتب
_ بقى كدا يعني انت مبتضحكش من قلبك وانت معانا يا عمر! 

عمر ببساطة أغضبت الجميع
_ انا مبضحكش أصلًا معاكوا يا بلبلة. بيتكوا لو حد ضحك فيه ممكن حيطانه تشقق. 

قال جملته الأخيرة بسخرية أغضبت عز الذي احتدت نبرته حين قال
_ مش عاجبينك يا عمر بيه! بتتريق و مش عاجبك عيشتنا! طب ما تفارقنا ؟ 

عمر باختصار
_ اوعدك هفكر في الموضوع دا. 

غصب عز الدين من حديث ولده الذي لا يُجدي معه النقاش و قبل أن يستطيع أن يُجيبه تدخلت سعاد بحزم
_ عمر يعمل اللي هو عايزه، و يقول اللي هو عايزه و اللي مش عاجبه هو اللي يفكر يمشي. 

اتسعت ابتسامة عمر الساخرة فهو يعلم أن جدته هي الأخرى تتملقه لأجل ما تُريده، فتحدث بتهكُم
_ تسلميلي يا غالية. 

عز الدين بحدة
_ بطلي تعصيه عليا انا وأمه الغلبانة يا ماما. أنتِ كدا بتضليه. 

كانت نبيلة ترتدي قناع الضعف الذي لا يتأثر له سوى زوجها مما جعل سعاد تقول بجفاء 
_ معاشرني بقالك ستين سنة ولسه متعرفش اني امك بتعمل اللي هي عايزاها و مبيفرقش معاها حد، وبعدين دا اعز من الولد ولد الولد يا عز. يعني عمر دا أعز منك. 

هتفت نبيلة بلهجة أتقنت تزييف الألم بها
_ اعملي اللي أنتِ عايزاه بعيد عن ابني لو سمحتي يا ماما، وانا عارفه انك بتحبي عمر. بس بلاش تبعديه عننا. عني على الأقل أنتِ أم زيي وووو

قاطعتها سعاد بلهجة جافة يشوبها التهديد
_ انا مش زيك، و ابنك قدامك اهو أنا مبعدتوش عنك ولا حاجه. يمكن هو بينفر منك بس دا مش مني. راجعي أنتِ نفسك.

عز الدين بغضب
_ ماما. 

نصب عوده و هو يججذب المقعد ليضمه إلى الطاولة قبل أن يقول بلهجة جافة تحمل التهكم في جوف كلماتها
_ طب انا كلت يا جماعه. حد فيكوا عايز يكرعني ولا حاجه! 

برقت أعين الجميع فتابع موضحًا
_ يعني بما انكوا عمالين تنتشوني من بعض زي العيل الصغير.

حبس الجميع أنفاسه من حديث عمر الذي كانت عينيه تحمل الغضب في طياتها، فلم يتحدث أحد 
ليُتابع هو ناظرًا إلى هايدي بجمود تجلى في نبرته حين قال
_ لو بتفكري تخرجي فاطلعي غيري اللبس دا. 

اغتاظت من أوامره فهتفت بانفعال
_مالو لبسي؟ و بعدين بابي و مامي شايفني و مقالوش حاجه. 

لم يتنازل عن جموده حين قال
_ مش هكرر كلامي تاني، و اللبس دا تبقي تلبسيه لما أقرر اتبرى منكوا أن شاء الله، ودا هيحصل قريب متقلقيش. 

توجه إلى مقعد سعاد وهو يجذبه الى الخلف قائلًا بجمود
_ يالا عشان تاخدي دواكي. 

سعاد باعتراض، فهي لم تُكمل جولتها مع نبيلة بعد
_ انا لسه مخلصتش أكل.

يعلم ما الذي لم تكتفي منه لذت اجابها بتهكم
_ كفاية عليكي كدا. صحتك.

قام بإيصالها إلى الأعلى و قام بإعطائها دوائها في صمت قطعته حين رأته يتوجه إلى الخارج لتقول باستفهام
_ فكرت في اللي قولتلك عليه ؟ 

عمر باختصار
_ مش فاكر بتتكلمي عن ايه، و مش ناوي افتكر. سلام.

أنهى حديثه و توجه إلى الخارج، فمر من جانب غرفة أبية لتتجمد قدميه عن الحركة حين سمع حديث والدته الصارخ
_ شايف بتعمل ايه؟ كل دا عشان محملاني ذنب اختك اللي هربت و فضحتكوا. 

عز الدين في محاولة لتهدئتها
_ اهدي يا نبيلة. أنتِ عارفة ماما وطريقتها. ايه جاب سيرة نسمة الله يرحمها دلوقتي ؟

نبيلة بصوت باكي
_ بناتها اللي طلعولنا من تحت الأرض. ما صدقت حياتي ارتاحت بعد ما قعدت عالكرسي دا. بس اهي لقت سبب عشان ترجع تحاربني تاني. 

عز الدين بتعب
_ قولتلك نمشي و نروح فيلا تانية اكبر و احسن وأنتِ مردتيش. 

نبيلة برفق و نبرة مخادعة
_ صعب عليا اسيبها لوحدها في حالتها دي. خفت تموت لوحدها، و كمان دا بيتي و بيت ولادي انت ليه كل حلولك عايزني انا اللي أتنازل. 

احتضنها عز الدين قبل أن يقول بحنو 
_ حبيبة قلبي مش عايزك تتنازلي ولا حاجه. بس أنتِ طيبتك دي هي اللي بتأذيكي، و ماما مبتقدرش. يبقى تمشي أحسن. 

نبيلة بغل غلفته بالأسى حين قالت
_ وليه هي متمشيش! قولتلك قبل كدا نوديها دار مسنين. احسن دار موجودة في القاهرة، و هناك نضمن أنهم يهتموا بيها، و يعاملوها أحسن معاملة، و نرضي ضميرنا من ناحيتها. 

عز الدين بتفكير
_ بس حاسس ان الحل دا سخيف اوي، و هيخلي شكلنا وحش.
نبيلة بإقناع
_ هو انت هترميها! دا انت هتوديها احسن مكان حد ممكن يقعد فيه، و هنعين لها ممرضة تقعد لها لوحدها. عايز ايه تاني؟ 

أجابها عز الدين بعد أن بدأ يقتنع بوجهة نظرها
_ طب تفتكري عمر هيسكت وهيوافق عالموضوع دا ؟ أنتِ عارفة هي اللي مربياه…

قاطعته نبيلة بلهفة
_ لا طبعًا عمر ايه احنا مش هنعرفه أصلًا حاجه. احنا نقوله أنها هتروح تقضي يومين عند اختها في امريكا عشان تعبانه، و نفهمها هي كمان الكلام دا عشان ترضى تطلع معانا من غير شوشرة. 

عز الدين باقتناع
_ هي فكرة حلوة، و خصوصًا أنهم هيهتموا بيها و بصحتها يعني مش هنرميها ولا حاجه. طب . طب افرض موافقتش و بهدلتهم هناك ؟ 

نبيلة بتخابُث
_ متقلقش. أنا بنفسي اللي هتولى الموضوع دا. انت بس اديني الأوك.

لا إله إلا الله، الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك والغنيمة من كل بر والسلامة من كل اثم، اللهم لا تدع لي ذنبا إلا غفرته، ولا هما إلا فرجته ولا حاجة هي لك رضا إلا قضيتها يا أرحم الراحمين♥️

★★★★★★★★★★

اقتربت أشجان من والدها الذي لم ينظر إليها طوال جلستهم، فهي و بشق الأنفُس استطاعت أن تأخذ الأذن من حماتها حتى تحضر تجمع العائلة، فعمها و أولاده أتوا من البلد في زيارة و أتى معهم، وقد كانت مُشتاقة للشعور بالدفء و الحنان بين ذويها 
اقتربت منه لتجلس بجانبه قائلة بخفوت
_ عامل ايه يا بابا ؟ 

عزام بجفاء
_ كويس الحمد لله. 

لم تعتاد منه على هذا الجفاء لذا ترقرق الدمع في مقلتيها وهي تقول بصوت مُتحشرج
_ بابا انت زعلان مني؟ 

عزام بجفاء يتنافى مع أنين قلبه
_ زعلان عليكي و دي تفرق. 

أشجان بخفوت
_ ليه يا بابا مانا كويسة اهو. 

التفت يناظرها بعتب فاخفضت رأسها لا تقوى على النظر في عينيه ليُتابع بحزن
_ انا حزين عشان بنتي هاين عليها نفسها. 

أشجان بلوعة
_ يابابا أمين كان في مأمورية. الموضوع مش زي…
قاطعها قائلًا بجفاء
_ الموضوع واضح للأعمى، وانا مستني اليوم اللي عينك هتشوف اللي قلبك شايفه.

كانت تود الإرتماء بين ذراعيه وهي تبكي حالها، ولكن نظرات والدتها جعلتها تحاول التماسك قبل أن تقول بخفوت
_ أن شاء الله هيخرج منها على خير، ويربي ولاده يابابا. انا مقدرش احرمهم من ابوهم أو احرمه منهم. 

زفر عزام بتعب، فهو يرى ذبول وردته التي كانت أول شعاع للنور دخل حياتهم، و التي كان يرعاها منذ نعومة أظافرها يحاوطها بحنانه هي و شقيقتها، والآن عليه أن يُشاهد ذبولها دون أن يكن له القدرة على انتشالها مما هي فيه، و ذلك لأنها لا تُريد ذلك، ولا تُعطيه أي إشارة لكي يحاول انقاذها، و لكن في النهاية فهي طفله و حبيبته التي لا يقوى على أحزانها فمد يده يجذبها إلى أحضانه و هو يحتويها برفق و يربت فوق خصلاتها، فعانقته أشجان بقوة تشتم رائحته. رائحة الأمان التي تفتقدها

_ بقالي من يوم ما وصلت مش عارف اتلم عليكي وحشاني اوي. 

هكذا تحدث رؤوف بجانب آسيا التي كانت تنظر إلى البعيد، وهي تحاول تنظيم دقات قلبها الذي يتلهف لهذا الحبيب الذي لم يعرف سواه منذ أن وعى على هذه الحياة، و بالرغم من أنها كانت تشتاقه كثيرًا إلا أنها نجحت في التملص من شوقها هذا و طمس معالم حبها له وهي تسعى بجد في عملها، و تدريبها في الشركة، والتي تعتبرها بوابة للعبور إلى العالم الذي تبتغيه لذا تحمحمت قبل أن تقول بجمود
_ معلش كنت مشغولة شوية.

رؤوف بنبرة عاشقة
_ طب بصيلي وحشتني عنيكِ، ولا انا مش وحشتك؟ 

اخفضت رأسها تسحب قدرًا كافيًا من الهواء داخل رئتيها قبل أن تنظر إليه، وهي تقول بجمود
_ انت اخبارك ايه؟ 

_ الحمد لله تمام. قضيت إجازة حلوة مع الحاج والحاجة، و أن شاء الله من بكرة هبدأ ادور على. شغل. 

هكذا تحدث رؤوف بمرح قبل أن يُطلق غمزة مصحوبه بحديثه المليء بالحماس
_ على فكرة عندي ليكِ خبر حلو. 

كل ما به رائع و خاصةً هذه البساطة التي تميزه، و طريقته المرحة التي تبعث الراحة في نفسها، ولكن كل ذلك يعوق طريقها، و يجذبها إلى الخلف بدلًا من التقدم إلى الأمام لذا التفتت إلى الجهة الأخرى وهي تقول بعدم اهتمام 
_ خبر ايه؟ 

لاحظ جمودها ولكنه لم يكترث و أجابها بنبرة حماسية
_ بابا هيبيع قيراطين من الأرض و هيديهملي عشان ادفع بيهم مقدم الشقة، و بإذن الله أول ما احط رجلي في شغل هتقدم لعمي عزام عشان اخطبك. 

رصاصة اخترقت قلبها الذي تحداها وهو يأن وجعًا أن تلتفت ناظره إلى وجهه وهي ترفض عرضه، والحقيقة أنه تحدي كبير و قاسي عليها، فهي لا تستطيع أن تجرحه، ولا تقوى على قلبها في هذه اللحظة. لذا تحمحمت بخفوت قبل أن ترسم ابتسامة مُتكلفة على ملامحها تتنافى مع الألم المُتجلي بوضوح في عينيها و لهجتها حين قالت
_ مبروك. ربنا يوفقك. 

كان يتجاهل برودها معه منذ أن عاد، ولكن الآن لم يعد يستطيع ذلك لذا قال باستفهام
_ متحمستيش يعني لكلامي، ولا رديتي عليه كله. 

حاولت الظهور بمظهر طبيعي حين قالت 
_ ليه مانا قولتلك مبروك.

رؤوف بجمود
_ و بالنسبة لكلامي اني عايز اخطبك؟ 

أتقنت تزييف جمودها الذي صبغت به نبرتها حين قالت
_ الموضوع دا سابق لأوانه يا رؤوف. احنا لسه بدري قدامنا عالكلام دا. كل واحد فينا عايز يثبت نفسه الأول.

طافت عينيه عليها بخيبة أمل حاول قدر الإمكان قمعها ليقول بثبات يُحسد عليه
_ تمام. زي ما تحبي. 

أنهى جملته و توجه إلى الناحية الأخرى من الصالة المتوسطة لتمر الجلسة دون أن ينظر إليها ولو مرة واحدة بالخطأ. لتهرول إلى غرفتها تذرف ألمها علها تتخلص منه إلى الأبد و تسير في مسعاها نحو الحياة التي تشتهيها. 

اللهم من اراد بي سوء فاشغله في نفسه وراحته وصحته وعافيته ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا له يارب وارزقه اضعاف مايتمناه لي اللهم ارني فيه عجائب قدرتك وحسبنا الله ونعم الوكيل♥️

★★★★★★★★★★★

مر أسبوعًا كاملاً هاديء ظاهريًا، ولكن هناك قلوب كانت تتقلب على جمر الدقائق و الثواني التي لم تمر بسهولة بل كانت و كأنها تترك بصماتها على ملامحنا و فوق جدران قلوبنا، و هاهي تدلف إلى داخل الشركة بوجه حزين و عينين تكاد تكون الحياة معدومة بهم، فمن يراها يندهش من هذا الحزن الذي يخيم على تقاسيم وجهها، ولكنها لم تهتم، فتابعت صعودها الى الأعلى وهي تحاول صم تلك الكلمات المُقززة التي سمعت زوجها المحترم يتلوها على مسامع أحد فتيات الليل التي يُرافقها، ولم يكتفي بذلك إنما تفاجئت به يأخذ جميع النقود التي كانت تخبأها في حقيبتها حتى تستطيع أن تذهب الى الشركة في سيارة أجرة لكي تحفظ شكلها و شقيقتها أمام العاملين، وها هي استقلت الحافلة لتقطع منتصف الطريق، و أتت الباقي على أقدامها حتى بلغ منها التعب ما جعلها تسقط على مكتبها الصغير ، هي تحاول استرداد أنفاسها بصعوبة لتضع رأسها بين كفوفها من فرط التعب. حتى أنها ظلت هكذا لدقائق ثم شعرت بيد حانية تلامس يدها برفق فرفعت رأسها لتتفاجيء برنا تقف أمامها وهي تُمسِك وردة حمراء جميلة تُشبِهُها، فابتسمت أشجان وهي تقول بحنو
_ رنا حبيبتي. عاملة ايه؟ 

اقتربت رنا تعانقها وهي تقول بخفوت
_ الحمد لله. وحشتيني اوي. 

احتوت أشجان وجهها لتضع قبل صغيرة فوق وجنتيها وهي تقول بحب
_ وأنتِ وحشتيني اكتر. 

ناولتها رنا الوردة وهي تقول بخجل
_ ميرسي. 

تناولت منها الوردة وهي تقول بسعادة بالغة
_ الله ايه الوردة الحلوة دي. تسلم ايدك يا حبيبتي. 

رنا بسعادة أنها أعجبت بهديتها الصغيرة
_ انا بحب الورد أوي، وعشان كدا جبتلك وردة صغيرة من اللي انا زرعاهم في الجنينة عندنا. 

قبلت أشجان يدها التي أعطتها الوردة وهي تقول بحنو
_ دي أحلى هدية جتلي في حياتي. تسلميلي يا قلبي. 

شعرت رنا بالخجل حين رأت الموظفين ينظرون إليها فقالت بخفوت
_ انا هطلع لبابي فوق. عن اذنك. 

أشجان بحب
_ خلي بالك من نفسك، و عايزة أشوفك دايمًا.

ترددت الفتاة كثيرًا ثم قالت بخجل
_انا هقضي اليوم مع بابي النهاردة. ينفع أشوفك تاني؟ 

كانت تشعر بالشفقة و الحب تجاه تلك الفتاة اليتيمة فلم تستطيع احزانها لذا قالت بحنو
_ طبعًا. بصي نتقابل وقت البريك. انا بكون تحن في الكافيتريا. ايه رأيك اعزمك عالغدا؟ 

شعرت الفتاة بسعادة بالغة تجلت في نبرته حين قالت
_ اوك. هقول لبابي و اخليه يجيبني اتغدى معاكي. 

اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت وأبوء لك بنعمتك علي وأبوئ بذنبي فاغفر لي فأنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، استغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه توبة عبد ظالم لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.♥️

★★★★★★★★★

_ كدا احنا خلصنا و عدلنا كل النقط اللي حضرتك قولت عليها. في حاجه تاني؟ 

هكذا استفهم وائل فأجابه كمال بعملية
_ لا تمام كدا. هعرضها على خالد بيه في اجتماع مجلس الإدارة، و أن شاء الله نعتمدها. تقدروا تتفضلوا.

خرج الجميع إلى مكتبه ليتمطى كمال بكسل فقد دام هذا الاجتماع أكثر من ساعتين ليشعر بالتعب الذي تحول فجأة إلى حالة من الترقب سيطرت عليه حسن استمع الى دقات على باب الغرفة و أطلت برأسها وهي تحمل بعض الأوراق التي من المفترض أنه سيوقعها، و كعادتها لها طلة رائعه منمقة تحمل لمسه جمالية تجلت في تلك البذلة التي تعانق جسدها بنعومة، و يتماشى لونها الأخضر الداكن مع ذلك الزمرد المدفون بين جفونها، فكانت إطلالتها اليوم جميلة و عملية، وغير مُبتذلة، ولكنها أيضًا مُثيرة لتلك الخصلات البنيه التي تنساب باسترسال خلف ظهرها و تُحيط بوجهها الرائع لتبرز جماله أكثر. 
تنهيدة حارقة خرجت من جوفه وهو يناظرها قبل أن يتحكم في نظرات الإعجاب التي تغزو نظراته إليها و يرتدي قناع الجمود حين اقتربت منه وهي تقول بلهجة لينة
_ صباح الخير. 

تفاجأ من جملتها، فهي المرة الأولى التي يسمعها منها، ولكنه لم يُعلق انما اكتفى بإيماءة بسيطة من رأسه قبل أن ينظر في الأوراق أمامه، فدام صمتًا لا يُطيقه لذا قطعه حين قال بجفاء
_ اومال سلمى فين؟ 

آسيا بنبرة هادئة 
_ على مكتبها. 

_ و جبتش هي الورق ليه؟ 

هكذا استفهم زعزعته لهجتها الخافتة حين قالت
_ حبيت انا اجيبه لحضرتك ؟ 

لم يستطِع التحكم في رد فعله حين التفت يناظرها و إمارات الدهشة على ملامحه و في نبرته حين قال
_ نعم! 

آسيا بابتسامة رائعة
_ هو ايه اللي نعم؟ 

تأثر بابتسامتها الرائعة ولكنه ضمن التهكم لهجته حين قال
_ مالك ؟ أنتِ سخنة النهاردة ولا حاجه؟ 

آسيا باندهاش
_ ليه بتقول كدا؟ 

كمال بسخرية
_ أصلك بقيني بتتعاملي زي البني آدمين الطبيعيين يعني! 

لم يصدمها حديثه، ولكنها زيفت ذلك حين قالت
_ اومال انا قبل كدا كنت بتعامل ازاي؟ 

كمال بتهكم
_ الصراحة مفيش وصف لطريقتك قبل كدا.

حاولت التلاعب له لتصل إلى نقطة معينة فقالت بنبرة يشوبها الدلال
_ للدرجادي؟ طب و ايه الفرق بين الطريقتين عشان اخلي بالي بعد كدا؟ 

نصب عوده ليقف قبالتها واضعًا يديه في جيوب بنطاله وهو يقول بنبرة خطرة
_ الفرق كبير بصراحة. يعني قولتي صباح الخير. ضحكتي ضحكة حلوة. اتكلمي بنبرة رقيقة. 

طافت عينيه على ملامحها بشغف تفهمته على الفور ليُتابع بإعجاب
_ حتى عيونك لونهم مختلف النهاردة. 

تحمحمت بخفوت قبل أن تقول بنبرة متحشرجة
_ يعني ايه مختلف! 

_ يعني حلو. 

هكذا تحدث بجرأة ضايقتها، ولكنها حاولت ألا تُبدي ذلك، فأخفضت رأسها تدعي الخجل ليُتابع كمال بنبرة شغوفة
_ عيونك. حلوين أوي النهاردة. 

رغمًا عنها تعثرت نبضة داخل صدرها من غزله، فحاولت تغيير الأمر حين قالت بخفوت
_ انا كنت عايزة اتكلم مع حضرتك في موضوع مهم..

فطن إلى رغبتها في تغيير دفة الحديث، ولكنه كان غارق في جنة عينيها التي تجذبه إليها بطريقة لم يختبرها مُسبقًا مما جعله يقول
_ كمان أول مرة اشوفك مكسوفة كدا 

قطع عليها السبُل ولكنها كانت ذكية لتجعل من حديثه طريق لتصل إلى وجهتها معه حين قالت
_ مش حوار كسوف بس بصراحة انا حسيت اني كنت سخيفة اوي مع حضرتك قبل كدا، و دا مش طبعي. بس انا مابحبش حد يفرض عليا شيء غصب عني.

كمال بإعجاب 
_ و دي من ضمن الحاجات الحلوة فيكي. بس خلي بالك أنها بتتعارض مع شخصيتي.

هاهي جذبته إلى الطريق الذي تريد لتقول بنبرة ذات مغزى
_ حاجه كمان انا محبتش الكلام اللي قولتهولي اليوم دا. 

كمال بتخابُث يُريد أن يختبر مدى خجلها، و أن كان صحيحًا أم لا
_ كلام ايه؟ 

تعلم إلى ماذا يرمي لذا لاعبته بطريقتها حين قال بثبات
_ مثلاً لما قولت عايز اتعرف عليكي. 

_ و ايه الغلط في كلامي دا؟ 

آسيا بدهاء
_ حضرتك عارفني أصلًا، فمش محتاج تعرفني. 

يعجبه الحديث معها كثيرًا، و خاصةً أنها كانت تلاعبه كالفأر الذي يحاول جذب انتباه القط دون اعتبار لما قد يفعله به أن وقع في قبضته لذا قال بمكر
_ يمكن عايز اتأكد اذا كنت اقدر أثق فيكي ولا لا؟ 

اغتاظت من مكره، فهو يُبرر طريقته معها، و إجبارها على العمل في مكتبه ليُتابع بعملية
_ أنتِ عارفة شغل الحسابات مش سهل، و مينفعش أثق في أي حد، و بما اني عارفك، فقررت اختبرك و اشوف هقدر أثق فيكي ولا لا. 

كانت تود لكنه في تلك اللحظة، ولكن عوضًا عن ذلك آثرت الضرب بطريقة أخرى إذ أخذت نفسًا طويلًا متبوعًا بابتسامة رائعة اخترقت قلبه مُباشرًا قبل أن تقول 
_ انا واثقه اني هنجح في الاختبار، و هكون قد ثقة حضرتك فيا. 

تُحيره كثيرًا فهي لا تُعطيه ما يتوقعه منها، فقد ظن أنها ستغضب لحديثه ولتلاعبه بالكلمات، ولكنها فاجأته، و قرى بدوره أن يكُن سهل المنال حتى يصل الى ما يبتغيه، فقال بخشونة
_ مبسوط أننا حلينا سوء التفاهم اللي كان بيننا، و اتمنى انك تفضلي كدا على طول.

آسيا بابتسامة بسيطة
_ كدا ازاي ؟ 

كمال باختصار
_ صريحة. 

باغتتها كلمته لثوان قبل أن تقول بثبات
_ دا شيء مفروغ منه طبعًا..

توجه ليجلس على طرف مكتبه قبل أن يقول بنبرة تحمل الكثير من الغزل في طياتها
_ أنتِ كدا تمام التمام. 

ابتسمت بصمت ولكن قبل أن تُتاح لها الفرصة للحديث تفاجئت بباب المكتب يُفتح و تُطِل منه أكثر انسانه تبغضها في هذه الحياة والتي بدورها اقتربت من كمال وهي تناظرها باحتقار قبل أن تلتفت إلى شقيقها وهي تقول بمرح
_ أبيه كمال. وحشتني.

ابتسم كمال لشقيقته ولكن عينيه كانت تتابع آسيا التي رسمت الهدوء على ملامحها، وكأنها لا تراها 
_ تعالي يا حبيبتي. الشركة نورت. 

مريهان بدلال
_ ماهي الشركة هتنور كل يوم. تمام ولا ايه ؟ 

كمال بمرح
_ تمام التمام طبعًا. 

التفتت آسيا إليه بهدوء يتناقض مع غليان دمائها حنقًا و اشمئزازًا من كليهما 
_ مستر كمال اقدر أخرج. 

كمال باختصار
_ اتفضلي. 

توجهت إلى الخارج وهي تتهادى في مشيتها بطريقة أغضبت ميرهان التي قالت قاصدة استفزازها
_ يالا بقى عشان توريني مكتبي . عايزة ابدأ شغلي من النهاردة. 

توقفت الدماء بعروقها حين علمت بأن هذه الفتاة ستعمل معها بنفس المكان، وتملكتها رغبة هوجاء في أن تعود للخلف و تمزق وجهها و وجهه هو الآخر، ولكنها ستفعل ذلك بطريقة أكثر إحترافية. 

اللهم أنت ربي وبيدكَ أمري، أسألك باسمك الأعظم الذي إذا سُئلت به أجبت، أن تجمعني وما أتمنى من غير حولٍ مني ولا قوّة، ولا حول ولا قوة إلا بك. - اللهم رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما، تعطيهما من تشاء وتمنع منهما من تشاء، ارحمني رحمة تُغنيني بها عن رحمة من سواك واقضِ عني ديني ولا تكلني إلى أحد سواك♥️

★★★★★★★★★★

_ اقدر افهم ايه الهبل اللي انا سمعته دا؟ 

هكذا هتف ياسر بحدة افزعتها، ولكن الفزع الذي يُعشعش داخل صدرها منذ أن رأت تلك الفتاة بين ذراعيه كان أقوى و أشد لذا تحلت بالقوة و الشجاعة حين قالت
_ هبل ايه؟ 

ياسر بانفعال
_ عريس ايه وزفت ايه اللي كان عندكوا امبارح؟ 

غزى الخوف أوردتها، ولكن خذلانه لها و خيانته لك يتركوا لها مجال للتراجع حين قالت
_ ايوا كان في عريس عندنا امبارح وانا قابلته. 

ثارت الدماء في عروقه و غرزت الغيرة أنيابها في صدره ليهتف بحدة
_نعم ياختي! قابلتي مين ؟ أنتِ اتهبلتي في مخك! غنى اعمليلك قفله احسنلك. 

غنى بانفعال
_ مش هعمل قفلة يا ياسر. 

ياسر بصدمة
_ تقصدي ايه؟ 

حاولت استجداء الشجاعة من عمق جرحها المُستعر
_ يعني العريس كويس وانا موافقة عليه. 

عاد من ذكرياته على ألم مروع اجتاح صدره فقام بدعك وجهه بكفوفه عليه يتخلص من تلك الذكرى الأليمة التي لازالت تغزو أحلامه، فتحولها إلى كوابيس، و قام بإخراج سيجارته ليضعها بين أسنانه وهو يُشعلها ظنًا منه أنه سيخرج ألمه و غضبه بها، ولكنها كانت تُزيد من لهيبه اكثر و اكثر.

_ مالك يا ياسر؟ 

هكذا استفهمت هيام بقلق فأجابها ياسر بجفاء
_ مفيش مصدع شوية. 

هيام بعتاب
_ ما انت اللي اصريت نروح نودي الموسم لمها بدري. 

ياسر بنفاذ صبر
_ خلاص يا هيام خليني اخلص. 

هيام باندهاش
_ من امتى يا ياسر؟ دا انت طول عمرك بتعمل المشوار دا بحُب اشمعنى المرة دي عايز تخلص؟ 

كيف يخبرها بأنه لا يطيق التحمل يريد أن يعرف حقيقة ما حدث، يشعُر بالقهر يعشش داخل صدره حتى تضيق به الأنفاس. حتى لو استحال اجتماعهم، ولكنه كان يُريد أن يتأكد من صدق حديثها حتى يجد شيء واحد يمكنه التخفيف من مأساته كونها فضلت رجل آخر عليه. يريد أن يتأكد من كونها وقعت في فخ مُحكم، ولم تختار الغدر به عن طواعية. لم يغير هذا من واقعهم أبدًا، ولكنه سيُهديء من وجعه قليلاً. 
_ يالا عشان وصلنا. 

هكذا تحدث وهو يوقف السيارة أمام منزل مها و من الناحية الأخرى توقفت وسيلة المواصلات المسماة ب ( التوك توك) أمام هذا البيت الذي يحوي حية خدعتها وحولت حياتها الى جحيم، و الآن تنوي أن توقعها في خديعتها لكي تُثبِت له بأنها لم تكذب عليه. 
زفرت غنى قبل أن تخرج محفظتها لتخرج بعض النقود و تضعها في يد السائق، وهي تنظر إلى شروق التي تجلس بجانبها والتي قالت بقلق
_ غنى. أنتِ متأكدة من اللي هتعمليه دا ؟ 

غنى بتصميم
_ مقداميش حل تاني. لازم اعرف اذا كانت بتكذب ولا لا؟ و لازم هو كمان يسمع كلامها و اواجهه بيه عشان اعرف مين فيهم كذاب. يالا معايا. 

ترجلت الفتاتين وهما تلتفان حول المنزل و إذا بغنى تتجمد في مكانها حين شاهدت ياسر الذي يترجل من سيارته و بجانبه شقيقته هيام لتهتاج دقات قلبها حين رأته، ولكنها قررت أن هذا هو الوقت المناسب لمعرفة الحقيقة، فتقدمت تنوي الظهور أمامهم وووو

تعليقات



×