رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل الخامس عشر
_أرجوك لا تفعل_
ما إن دلفت سندس إلي المنزل وأغلقت الباب خلفها حتي سمعت طرقاً علي الباب، ظنت ان عدنان قد نسي أن يخبرها أمراً، ففتحت الباب بابتسامة تقول:
_نسيت تقولي حا.....
وقفت الكلمات في حلقها وتجمدت، تزول ابتسامتها تدريجياً حين رأت رعد يقف أمامها يتطلع إليها بعيون تشتعل غضباً، وقبل أن يجتاحها الشوق ويملكها وجيبه وجدته يدلف إلي الداخل ساحباً ذراعها فتبعته بصدمة لإنفعاله البادي في حركته تلك قبل أن يتركها في منتصف الردهة ويواجهها قائلاً بغضب بينما يشير للخارج:
_هو ده اللي نسيتيني بسببه؟ هو ده اللي استبدلتيني بيه؟ هو ده اللي مبترديش عليا عشان خاطره؟
طالعته بصدمة أعجزتها عن الحديث، كل ذرة في كيانه تنطق بالغيرة، هل تدع قلبها يصدق مايصلها منه من مشاعر؟ هل ينبثق الأمل من قلب الألم؟لم تره قط ثائراً هكذا ولا من أجل أختها.. أتدع قلبها يرقص فرحاً أم تتمهل؟
ظلت صامتة فطالعها لثوان بصراع أشعل مقلتيه قبل أن يقترب منها ويمسكها من كتفيها يقربها منه، لفحتها أنفاسه الساخنة وهو يتأمل ملامحها الجميلة قائلاً:
_هو ده اللي ملك قلبك واتغيرتي عشانه؟ شعرك اللي طول عمرك رفعاه علشانه سيبتيه، وعنيكي لمعت بسببه وشفايفك...
زمت شفتيها تتمالك رعشتهما حين وجدته يركز أبصاره عليهما ليصبح لون عينيه الرماديتين داكناً كما لم يكن يوماً، أغمض عيناه وهو يتركها يمرر يده في شعره بعصبية مستديراً يمنحها ظهره مردفاً:
_ وهدومك اللي اتعودتي تلبسيها عشانه غيرتيها وبقيتي تلبسي الفساتين.
ليستدير مواجهاً إياها مرة أخري قائلاً بمرارة:
_مبسوطة معاه؟متنكريش أنا شفتك النهاردة وانتِ بتتفسحي معاه.. كنتِ طايرة من السعادة، بتحبيه؟
_بحبك انت.
تساقطت دموعها تباعاً بينما قطب رعد جبينه بقوة، يتطلع إلي عينيها بينما تردف قائلة:
_من زمان ومحدش قدر يملك قلبي غيرك انت، من زمان وأنا مش شايفة حضن لوجعي وفرحي غير حضنك انت، من زمان وانت بالنسبة لي روحي كنت بالنسبة لك إيه؟صديق مش كدة؟ كنت شايفني زيك وبتحكيلي عن مشاعرك انت عارف لما كنت بتحكيلي كان بيجرالي إيه؟ كنت بموت قصاد عنيك وأنا شايفة روحك بتناديها وفايتة روحي؟ سيبت روحي قصدي سيبتك وبعدت عنك..طب ايه اللي اتغير؟ حسيت باللي طول عمري حاسة بيه؟ انت عايز مني ايه؟ انت مش بقيت حبيبها؟ يبقي بتحاسبني ليه؟ جواك طيفها ولا طيفي؟ قبل ما تحاسب ياريت حاسب نفسك قبل مني، ماهو مستحيل تحب واحدة وتغير علي واحدة تانية ومستحيل تعشق الاتنين ياصاحبي، قبل ماتيجي وتحاسبني بص جوة مشاعرك صارحني مين فينا لما تغمض عنيك صورتها بتنور بصيرتك؟ مين فينا صوتها بتسمعه لما بتفكر شوية؟ مين فينا قبل ماتنام بتسأل عاملة ايه؟ أحوالها إيه؟ مبسوطة ولا الدمع كل ليلة بيجرح خدودها؟
أمسكها من ذراعيها يقول بأنين امتزج بحيرة آلمتها:
_سندس أنا....
نفضت ذراعيه عنها تقول بمرارة:
_حتي اسمي انساه وسيبني وقبل ماتقرر حقيقي عايز إيه مش عايزة أشوفك، مش عايزة أقابلك.. كفاية علي قلبي الألم متضيفش ليه قهرة ومرارة كفاية الوجع.. أنا مشيت وأنا متأكدة اني مقدرتش يكون لي جوة قلبك مكان صغير دلوقتي جوة عيونك شايفة صورتي بس الصورة مهزوزة وده بيوجعني أكتر.
لتتجه إلي الباب وتفتحه تشير له بالخروج مردفة:
_روح يارعد، خليك بعيد.. لسة بتفكر في نفسك.. لسة عايز من الدنيا كل حاجة ومحدش بياخد منها حاجة.. روح يارعد كفاية أرجوك اتوجعت.
تطلع إلي الألم المرسوم بمقلتيها وعلي ملامحها يدرك أنه آلمها كثيراً ومازال يفعل.. نعم أنانياً كان لا يفكر سوي بنفسه، حتي حين توهم العشق لسلسبيل استغل ضعفها وقد كان قادراً طوال الوقت علي لفت انتباه فهد لمشاعرها تجاهه أو محاولة التوفيق بينهما، نعم كان يفكر في نفسه الآن حين جاء يحاسبها علي فراق اختاره هو بمحض ارادته.. علي أي أساس فعل؟حين شعر بعشقها يسري بشرايينه.. وماذا عنها وعن جراح قلبها؟ وماذا عن ارتباطه بسلسبيل؟ هل كان ليخذلها كما خذلها فهد من قبله؟ يتصرف دون عقل علي غير العادة، مايؤلم قلبه اكتشافه أنها كانت عاشقة له منذ البداية.. لو كان أدرك مشاعره سابقاً لكان مصيرهما قد تغير تماماً، أما الآن فلديها كل الحق في طرده من حياته فصورتها حقاً مهزوزة بقلبه ومقلتيه ليس لاضطراب في مشاعره فهو يوقن من عشقه ولكن ماهز الصورة هو واجبه تجاه أختها، حين قرر اليوم أن يكف عن أنانيته كان للأسف قرار متأخر بعض الشيء، لن يبحث عن سعادته ،سعادته تلك ستهدم آمال سلسبيل التي وجدت به ملاذاً من أوجاعها وقوة بعد ضعف، التضحية بقلبه وقلب سندس وسعادتهما قرار مؤلم كألمه الآن وهو يسير بعيداً عن عشق قلبه ولكنه رغم ذلك يعلم أنه القرار الصحيح، ماإن غادر المنزل حتي أغلقت سندس الباب واستندت إليه بظهرها تبكي كما لم تبكي من قبل تهبط ببطئ حتي جلست أرضاً تضرب رأسها بخفة وتردد بمرارة من وسط دموعها:
_غبية.. غبية.
_______
كانت تسرع إلي الخارج بقلب مفعم بالأمل، لديها موعد الآن مع الرجل الذي سينقل لها الحقيقة كاملة، لقد كانت محظوظة حين ذكر العم يزيد الأمر أمامها دون قصد في حديث مع والدها ليغلق والدها الموضوع بحزم، بينما قررت هي زيارة عمها بالشركة وتقصي الأمر وهي تعرف عمها جيداً لتدرك أنه لن يخفي عنها شيئاً طالما كان ليطرق الموضوع في وجودها، تجمدت في مكانها وصوته يصل إليها..
لا لا يمكن أن يكون هذا صوته.. هكذا أخبرت نفسها، لكنه حقاً صوته.. اقتربت من حجرة المكتب وكلما اقتربت خطوة زادت خفقاتها.. إنه هو لم يعد لديها شك في ذلك، ولكن ماذا يفعل في منزلها يجلس مع أباها؟ عدوه كما اعتاد وصفه هل جاء ليواجهه ظناً منه أنها أخبرت والدها بكل شيء أم جاء في محاولة منه لخداع والدها؟ رجحت الاحتمال الأخير مع رفض تام منها لفكرة مرت برأسها، فلا يمكن أن يكون قد جاء رغبة منه في قتل أبيها، تعلم أنه لو أراد ذلك لفعلها منذ زمن ودون أن يتورط بالأمر ويكشف نفسه بهذه الطريقة، تجمدت علي عتبة الباب وصوت ضحكته تصلها، لم تسمعه يضحك من قبل.. كم هي رائعة ضحكته كروعته تماماً.
_تعالي ياحور واقفة علي الباب ليه؟
انتفضت علي صوت أبيها لتضطرب خفقاتها وهي تتقدم داخل الحجرة.. تراه الآن بوضوح، لم تكن تدرك كم اشتاقت إليه حتي وقع بصرها عليه ليتوقف الزمن تماماً وعيناها تتعلق بخاصته تحتضن تفاصيله بلحظات يدوي صوت خفقاتها في أذنيها ويرتعش جسدها بالكامل، تناديه حتي الدماء في شرايينها وتصرخ بوجيب الشوق بينما لم يكن هو أفضل حالاً منها، قد اشتاق إليها حتي أن أنفاسه احتبست لمرآها وثارت الدماء بشرايينه تناديها بشوق عجز عن السيطرة عليه لينسي كلية ماجاء لأجله ويحتفظ بهذه اللحظة في مخيلته للأبد، إنها آخر لحظة قد يري فيها عينيها تحمل له كل الحب فقريباً وبعدما ينتهي من الصفقة التي يدبرها لنضال والتي ستزج به في السجن طوال الحياة وتدمر شركته، لن تحمل عيناها له حباً بل ستحمل كرهاً مدي الحياة، وهو شيء لن يقدر علي احتماله لذا سينهي الأمر ويهاجر بلا عودة.
_حور بنتي ياليث، ليث السيوفي رجل أعمال.
تمالكت نفسها بصعوبة لتجلي حنجرتها قائلة بارتباك:
_تشرفنا.
_الشرف ليا ياآنسة حور.
_كنتِ عايزة حاجة ياحور؟
_ها..لأ..قصدي يعني كنت هقولك اني خارجة، ده بعد اذنك طبعاً.
_رايحة النادي؟
_لأ..رايحة الشركة.
_خير فيه حاجة؟
_هاخد منال وهننزل السوق.
_مش عايزة حاجة؟أجيبلك فلوس؟
_معايا.. عن اذنكم.
تدخل ليث الذي كان صامتاً طوال حديثهما قائلاً:
_بعد اذنك طبعاً ياعمي، أنا عندي ميعاد دلوقتي مع مكتب الديكور اللي جنب شركتكم لو تحب أوصل الآنسة حور في سكتي....
قاطعته قائلة بسرعة:
_معايا السواق.
شعرت بتسرعها وقد انصبت النظرات عليها لتردف بارتباك واضح:
_أنا مش حابة يعني أتعب حضرتك.
_مفيش تعب ولا حاجة، زي ماقلتلك ياآنسة اني رايح كدة كدة هناك.
_روحي معاه ياحور.
لم تجد سبباً آخر لترفض دعوته وقد وافق والدها فهزت رأسها موافقة بدورها ليقول ليث :
_عايزك تفكر في الكلام اللي قلتهولك يانضال بيه وهستني ردك بس ياريت يكون في أقرب وقت..هكون مبسوط قوي لو قبلت الشراكة بينا.
ابتسم نضال بهدوء يهز رأسه قبل أن يشير ليث لحور بتقدمه ثم يتبعها بينما جلس نضال ينظر في إثرهما للحظات ثم أخرج هاتفه ليقوم بإتصال رآه ضروري في هذه اللحظة.
______
أرجوك لا تفعل.. لا تدع العشق يرحل.. دعني أسكن خافقك للأبد فلا أغادر روحك مهما حدث، سامحني بالله عليك، وتفهم معذرتي.. قد هانت ذاتي التي رأيتها دوماً لا شيء، لاتصلح للسكني في قلب رجل مثلك، ورغم أن القدر نقش حروف اسمك في صدري فسكنت القلب والروح وربضت ملامحك بين جفوني ولفحتني نيران الشوق دوماً للوجود حدك إلا أنني اتخذت النكران سبيلاً لأتفادي عذاب الفقد ففقدتك وها أنا أعض الأنامل من الندم وأنا أراك لغيري يشتعل قلبي في مراجل الغيرة ويإنّ مطالباً إياي بالحضور إليك أُبعدها عنك بكل مااستطعت من قوة الحب ثم أجثو أمامك أعلن استسلامي للعشق لتكون سيدي إلي الأبد.
ضمت قبضتها بقوة وهي تراها تميل هامسة شيء في أذنه فيهز رأسه بهدوء، يسيران جنباً إلي جنب في الحديقة، لقد انتهت الدراسة وظهرت النتيجة ليحصلا علي حلمهما ويصيرا دكتوران في جامعتهما ولكنها مازالت تحضر إلي المنزل تجلس معه أو تسير، يتسامران قليلاً ثم تذهب، تحاول بكل وسيلة أن تجذب انتباهه بينما هو شارد في أغلب الأوقات، يفكر حتماً في والدته التي تضعف قواها يوماً بعد يوم ويظهر المرض علي ملامحها الجميلة ترفض إجراء جراحة قد تنقذها وتتمسك بالجلسات التي تجريها عند غياب العم يزيد فقط لتعيش أياماً أخري حدهم،كم هي حزينة لا تدري كيف تساعد هذه السيدة التي تعشقها من كل قلبها وتخفف عن روح حبيب ربضت بروحها وقد آذته بنكرانها فلم يعد لديها أي حق لتقترب منه. ترددت كلمات السيدة نيرة في أذنها..
"الحب يابنتي بقي عملة نادرة في الزمن ده والإنسان المحظوظ هو اللي بينوله
مفيش حاجة بتسعدنا قد الحب قد اننا نحب ونتحب
عيشوا الحياة قبل ماتتخلي عنكم متستهلش الدنيا نعيش لحظة فيها بقلب حزين"
لديها كل الحق وياليتها استمعت لهذه الكلمات منذ زمن لما كانت تقف هنا وحيدة بينما حبيبها يسير مع أخري، في هذه اللحظة رأت جاسمين تتظاهر بأن قدمها قد التوت وكادت أن تقع فأسندها ساهر بسرعة لتخرج مشاعر الغيرة عن السيطرة فتقدمت بوجه وقلب مشتعل تجاههما تسحب جاسمين من بين ذراعيه بقوة وتبعدها عنه بحزم ملك ملامحها لتتطلع إليها الأخيرة بصدمة قبل أن تشتعل ملامحها بغضب قائلة:
_انتِ اتجننتي؟ ازاي تشديني بالطريقة دي؟
تطلعت إليها براء تقول بنبرات ثابتة أكدت فيها علي كل حرف:
_خطيبي ومن حقي أغير عليه ولا إيه؟
اتسعت عينا جاسمين بصدمة تنقل بصرها بين ساهر الذي سكنت ملامحه تماماً فباتت لاتعكس شيئاً وبين براء التي تطلعت إليها بثقة قبل أن توجه جاسمين حديثها إلي ساهر قائلة بحنق:
_ما تقول حاجة ياساهر.. ساكت ليه؟
_عايزاه يقول إيه؟ هو انتِ مش سمعتيني؟ بقولك خطيبته وبحبه.
لتتطلع إلي مقلتيه اللتان تعلقتا بها ورغم أنهما لاتعكسان أي شيء، لا قبول ولا رفض إلا أنها أصرت علي الاعتراف والمجازفة لتقول وقد رقت عيناها:
_أيوة بحبه.. بحبه قد ماكل العاشقين حبوا واللي بيحب بيغير وأنا مش بس بغير عليه، أنا بموت كل ماأشوف واحدة غيري جنبه..
لتنظر إليها مجدداً مردفة:
_وبصراحة مبقتش قادرة أتحمل أشوفك معاه فياريت من فضلك متجيش هنا تاني.
جن جنونها فقالت بغضب:
_ساهر انت موافق علي كلام البنت دي؟ دي أكيد اتجننت بتطردني من البيت لأ وفاكرة ان واحد زيك ممكن يرتبط بخدامة زيها.
_اطلعي برة ياجاسمين.
قالها بصرامة فتطلعت إليه بصدمة بينما تعلقت عيون براء بساهر، ليردف وقد رقت عيناه حين تطلع إلي الأخيرة:
_براء حبيبتي وخطيبتي وهتبقي مراتي وأنا اللي يهين حبايبي مش بس أطرده من بيتي، أنا أطرده من الدنيا كلها.
أدمعت عيون براء بينما قالت جاسمين بثورة:
_انتوا أكيد اتجننتوا مش جاسمين بنت سعيد الأسيوطي اللي تتعامل بالشكل ده، أنا ماشية بس هقول لبابا وانت عارف ده معناه ايه..مش كدة؟
أشار لها بالخروج دون كلمة لتضرب الأرض بقدمها ثم تغادر بخطوات غاضبة بينما اقترب ساهر من براء التي همست قائلة:
_باباها هيفض الشراكة اللي بينه وبين عيلة الجبالي.
_مش مهم.
_باباك هيزعل منك.
_معتقدش.
_انت متأكد....
قاطعها يضع اصبعه علي شفتيها قائلاً:
_سيبك من الدنيا كلها وخليكي معايا أنا وبس..
هزت رأسها وقد اضطربت خفقاتها للمسته تلك ليرفع أنامله عن ثغرها قائلاً:
_انتِ قولتي ايه من شوية؟
قطبت جبينها بحيرة فأردف:
_كنتِ بتقولي انك بتحبيني قوي مش كدة؟
هزت رأسها دون صوت يحمر وجهها خجلاً فأردف:
_قد ماكل العاشقين حبوا.. مش كدة؟
هزت رأسها مجدداً تزداد حمرتها ليردف:
_يعني أخيراً اعترفتي..طب اشمعني دلوقت؟
تعلقت بعينيه قائلة بحب:
_لإن الحب بقي عملة نادرة في الزمن ده والإنسان المحظوظ هو اللي بينوله، ومفيش حاجة بتسعدنا قد الحب.. قد اننا نحب ونتحب، عشان بلحق روحي قبل ماتضيع جوة دوامة حزن مش هخلص منها، عشان محدش ضامن يعيش بكرة فلازم نعيش الحياة قبل ماتتخلي عننا لإنها متستهلش نعيش لحظة فيها بقلب حزين وأنا قررت أعيش الحياه وأسعد قلبي والحاجتين دول مش هقدر أعملهم غير معاك ياساهر، معاك انت وبس.
ابتسم قبل أن يسحبها إلي حضنه ويضمها بقوة فاستسلمت لعناقه وقد أدركت أن وطنها وسعادها وحياتها بأكملها يقبعون بين ذراعيه.
________
ظلت صامتة جواره لا تقوي علي التفوه بحرف بينما يتطلع إليها بين الحين والآخر قبل أن يقطع الصمت قائلاً:
_مش هتسأليني كنت بعمل ايه عند والدك؟
_قصدك عدوك مش كدة؟
نظرت إليه فرفع إحدي حاجبيه ومط شفتيه دون كلمة لتعود وتشيح بناظريها عنه قائلة:
_مش محتاجة سؤال، جاي تنتقم وأكيد زيارتك خطوة في خطتك يمكن الغرض منها الوصول لقلب بابا وثقته بس عايزة أقولك خطتك هتفشل زي اللي قبلها، مش عشان والدي ذكي ومش بسهولة يدي ثقته لغيره.. لأ.
لتنظر إليه مردفة بحزم:
_لإن بابا مظلوم والمظلوم مش ممكن حد يقدر يإذيه لإن ربنا هيكون دايماً معاه ويحميه.. وقبل ماتفكر تقرب منه هثبتلك انك كنت غلطان وبكرة تشوف.
تطلع إليها للحظة يشعر بقلبه علي وشك الانفجار حباً لفتاة تدافع عن أحبتها بكل قوتها، يتمني لو كان الوضع مختلفاً لتمسك بها وباع الدنيا بأكملها، تطلع إلي الأمام بصمت لباقي الطريق قبل أن يتوقف أمام الشركة قائلاً بهدوء:
_وصلنا.
هبطت من السيارة وقبل ان تبتعد ناداها فتوقفت ليردف قائلاً:
_ياريت متتأخريش في السوق وخلي بالك من نفسك.
رُغما عنها وجدت مشاعرها ترفرف من السعادة بينما ابتسم لها ابتسامة حملت مشاعر شتي مابين حب وأمل ألم وحزن خفق لهم قلبها وبقوة قبل أن يغادر بسيارته تتبعه عيناها حتي اختفي طيفه لتتنهد بضعف ثم تكمل سيرها وقد عزمت علي الوصول للحقيقة وبسرعة قبل أن تخسره وتخسر معه روحها.
______
كانا يجلسان .. كل شارد في حال قلبه لا يقويان علي الاعتراف بمشاعرهما والتخلص من هذا الحمل الثقيل علي قلبيهما، يفكر كل منهما في الآخر ومايمكن أن يصيبه من خذلان وخيبة أمل إن تخلي أحدهما عن الآخر،حاول رعد أن يخرج من حالته تلك فبات يتحدث عن العمل ومايقابله من أحداث غريبة في استقبال الطوارئ، تحاول سلسبيل رسم ابتسامة مهذبة علي شفتيها قدر استطاعتها ولكنها فجأة عجزت عن الاستمرار وسؤال يلح علي خاطرها،لتقاطعه فجأة قائلة:
_معني ابتسامتي في اللحظة دي ايه يارعد؟
قطب رعد جبينه قائلاً:
_معني ابتسامتك.. مش فاهم؟ هي الابتسامة ليها معني؟
هزت رأسها نفياً ترسم علي ثغرها مجدداً تلك الابتسامة المهذبة الخالية من الروح وهي تستمع إليه يعاود الحديث عن عمله وقلبها يصرخ..
" كفاكِ عناداً واستمعي إليّ، سامحيه.. أو ستندمين."
_______
توقف يزيد بالسيارة وهبط منها يسرع إلي الداخل كي يحضر مانسي من أوراق، لم يستطع اللحاق بطائرة الساعة الخامسة حين أدرك عدم وجود هذه الأوراق معه ليقرر حجز طائرة السابعة لذا عليه الإسراع بإحضار الأوراق والعودة إلي المطار، نادي علي نيرة فلم تجبه، خرجت براء مع والدتها التي اسرعت لتلبي نداءه، شعرت براء بالتوتر لمرآه لا تدري سر رجوعه الآن وكيف ستواري عنه الحقيقة وهو يسأل عن زوجته فأجابته والدتها بطيبة أنها خرجت كعادتها في هذا اليوم من كل أسبوع، عقد يزيد حاجبيه يتساءل إلي أين تذهب نيرة بعد سفره مباشرة علي غير عادتها فقد كانت تخبره دوماً أنه ما إن يسافر حتي تجلس في حجرتهما ولا تتحرك من مكانها حتي عودته فتعود إليها روح تغادر برحيله، انتابته الهواجس فغيابها وابتعادها عنه في الفترة الأخيرة لا يحملون سوي معني واحد فقط... كلا لا يمكن لنيرة أن تخونه.. هي تحبه أم توقفت عن حبه كما ساورته الشكوك؟
رأت نيرة تصارع المشاعر علي وجهه وغضب ارتسم علي ملامحه لتدرك مايفكر به، فالعاشق وحده من يدرك غيرة عاشق مثله ويعرف إلي أي مدي قد تأخذه الظنون، لتتخذ قرارها، ستخبره مهما كلفها الأمر، لذا قالت بسرعة:
_عمي يزيد، ممكن أتكلم مع حضرتك علي انفراد.
تطلعت إليها والدتها بحيرة بينما تركزت عينا يزيد عليها ليقرأ في عينيها شيء جعله يقول علي الفور:
_تعالي معايا المكتب.
سارت أمامه يتبعها بينما تردد والدتها بذهول:
_البت براء شكلها اتجننت.. هتلاقيها عايزة تكلمه عشان يشغلها في الشركة زي ماقالتلي، وهو ده وقته؟ مش شايفة الراجل هيطق من الغيظ.. ربنا يهديكي يابنتي.
_______
رفع ليث فنجال القهوة يرتشف منه بشرود وهو يتساءل عن سبب طلبها إياه بهذه السرعة وبهذه اللهجة المختصرة التي أقلقته بعض الشيء، لم يتوقف ليتساءل كيف عرفت رقمه الخاص فهي من الذكاء لتأخذه من والدها دون أدني جهد، بل انصب جل اهتمامه علي معرفة خطبها الذي جعلها تطلب مقابلته علي وجه السرعة، تعلقت عيناه بها وهي تقف علي عتبة الباب تبحث عنه بين الحضور ليقف ملوحاً لها فرأته.. تقدمت تجاهه بخطواتها الرشيقة تتعلق بها العيون لفتنتها فيشتعل قلبه غيرة عليها يود لو فقأ كل عين تمنت لو كانت هذه الجميلة ملكاً له، حيّته وجلست بهدوء بينما تعكس مقلتيها صراعاً احتار في فض ألغازه ليقول بسخرية مفتعلة يرغب بها فكاكاً من صراع أفكاره:
_خير ياحور، معقولة وحشتك؟
تجاهلت تعليقه الساخر وهي تقول بحزم:
_أنا جاية النهاردة مخصوص أكشف قدامك حاجات كتير ياليث، محتاجة منك حاجة واحدة بس.. إنك متقاطعنيش لحد لما أخلص ووقتها أنا جاهزة لكل أسئلتك.. تقدر توعدني؟
قطب جبينه للحظة قبل أن يهز رأسه لتردف قائلة:
_انت اتهمت والدي بانه كان السبب في قتل والدك وحرمانك منه لكن الحقيقة صدقني غير كدة خالص وأي حد وصلك معلومة غير اللي هقولهالك كان قاصد يورطك في انتقامه.
كاد أن يقول شيئاً ولكنه تذكر وعده اياها فذم شفتيه بينما تردف:
_ابتدت الحكاية بمنافسة في الشغل بين والدك ووالدي ولإن باباك مكنش ماشي سليم خسر صفقات كتيرة وخسر معاها شركته وطبعا وجه اللوم لبابا مش للصفقات المشينة اللي ضيعت شغله وفلوسه وهنا ابتدي مشوار انتقام مرضي، في البداية دبر لوالدي حادثة شوهت وشه وخلت جدي في غيبوبة مدة كبيرة، ولما مقدرش بالحادثة يقتل بابا أو حتي يكسره خلي خطيبته وبنت خالته ميس تتخلي عنه بس برضه مقدرش يكسر والدي وفي النهاية خطف أمي وكان عايز يكسره من خلالها وياخد فلوسه كمان لكن لكل ظالم نهاية ونهاية والدك كانت علي ايد الظابط عادل بعد ماحاول يقتل ماما والرصاصة جت في بابا بدالها،الوقتي اتبدلت الأدوار و المظلوم هنا هو والدي والظالم يبقي والدك ياليث.
كان ليث يطالعها برفض صارخ في عينيه وكأنه يأبي تصديق أنه تم خداعه من أقرب الناس إليه، لترتسم علي وجهها مرارة بالغة وهي تقول:
_لسة مش مصدقني مش كدة؟ ده السي دي اللي فيه صوروا الحادثة يوم وفاة والدك، تقدر تتأكد من كلامي لما تشوف والدك بنفسه بيعترف بجرايمه،وده هيجاوبك علي كل أسئلتك.. تعرف أكتر حاجة مزعلاني إيه؟إني رغم فرحتي اني قدرت أثبت براءة والدي إلا إني حزينة بعد ماعرفت الماضي اللي بينهم واللي معناه ان مستحيل بابا يقبل بمستقبل يجمعنا وأنا عمري ماحبيت غيرك ولا هقدر أحب بعدك ياليث.
لتنهض وتلقي عليه نظرة طويلة أليمة قبل أن تستدير وتهرول مبتعدة تتساقط عبراتها علي وجهها أمطاراً بينما بقي هو متجمداً في مكانه لا يقوي علي الحركة ممزق بين صدمته واعتراف منها للتو بعشقه، لطالما كان عشقهما مستحيلاً وقد صار رجلاً يحركه الانتقام أما الآن وإن صح ماتقوله كما تخبره مشاعره وحدسه اللذان لطالما كذبهما فسيضحي رجلاً مشبعاً بالغدر والألم.. رجل فقد نفسه ولن يسترجعها مهما حدث، مد أنامل مرتعشة يمسك بها السي دي قبل أن ينهض ويتجه إلي الخارج بخطوات بطيئة مهدمة.