رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل السادس عشر
_سأحارب لأجلك وأجلي_
كان يهرول في طرقات المشفي وبداخله ألف نبضة تخاف فقدانها، وكيف يفقدها وهي الروح لذاته ؟هي التي حين يكون حدها ينفصل العالم عن الوجود..لا..لن يستطيع تخيل الفكرة حتي، سيناضل لأجلها وأجله وسيحارب حتي آخر أنفاسه ليستبقيها حده ولن يدعها ترحل مهما كلفه الأمر.
رأي ساهر ابنه يجلس أمام الحجرة يضع رأسه بين يديه، شعر بخوف يجتاحه ويمزق كيانه بالكامل، اقترب بسرعة منه يناديه فاستقام ساهر يتطلع إلي أبيه قبل أن يندفع إلي حضنه فضمه يزيد يقول بصوت مرتعش :
_ مامتك حصلها حاجة ياساهر.. اتكلم ياابني الله يرضي عليك ورد فيا الروح.
خرج ساهر من حضنه يمسح دموعه قائلاً بسرعة وقد شعر بخفقات والده المتسارعة خوفاً:
_اطمن يابابا، هي كويسة بس....
_بس ايه؟
_الدكتور لسة مبلغني ان جلسات الكيماوي مجابتش نتيجة كبيرة وانها لازم تعمل العملية في أقرب وقت وماما مصممة متعملهاش.
_هي فين؟
_جوة بس هي نايمة دلوقت.
اتجه يزيد للحجرة علي الفور فأردف ساهر:
_بابا.
توقفت يد يزيد علي مقبض الباب يستدير بوجهه إليه فقال ساهر:
_أنا آسف اني خبيت عليك بس هي اللي خليتني أوعدها.
هز يزيد رأسه متفهما بحزن قبل أن يدلف إلي الحجرة ويغلق الباب خلفه.. وقف يتطلع إلي ملامحها الشاحبة بقلب يإنّ ألماً، كيف لم يلاحظ مرضها؟ كيف غاب عنه شحوب وجهها ووهنها وهو الذي يحفظ كل خلجاتها؟ كيف تركها تعاني وحدها طوال الشهور الماضية؟ ألا يحفظ تفاصيلها ليدرك أنها تخفي عنه أمراً، لمَ ظن ابتعادها عنه في الفترة الأخيرة هو نفور منه ولم يدرك أنه نفور من الحياة وخوف عليه؟ لقد أبقته بعيداً عن ألمها كما اعتادت أن تفعل رغم أنه أكد عليها مراراً وتكراراً..
" شاركيني كل شيء حتي ابتسامتك لإشراقة الصباح ومذاق فنجال قهوتك، ودمعة تسقط بسبب هِرة"
جلس جوارها يمسك يدها بحزن، يرفعها لشفتيه ويلثمها بحنان، سقطت دموعه وهو يتطلع إليها بوجيب قلب ناداها فلبت النداء تفتح عيونها بضعف، نظرت جوارها وما ان فعلت حتي اتسعت عيناها بصدمة تنطق حروف اسمه بصوت مرتعش:
_يزيد!
_قلب يزيد وعمره كله.
_أنا... أنا....
_انتِ ايه؟ انتِ النبض جوة قلبي.. انتِ عمري.. انتِ هدية ربنا ليا.. انتِ روحي.. ليه عايزة دلوقتي تاخدي روحي مني؟ليه مصممة تمشي قبل مني؟ انتِ فاكرة بعدك للحظة ممكن أعيش؟ موتك يعني موتي ولا نسيتي كنت عامل ايه في بعدك وانتِ قصاد عيني، كنت عايش بالاسم بس لكن فارقتني الحياه، طب هبقي من غير وجودك في الدنيا عامل ايه؟ متخيلة؟ ليه مش عايزة تتمسكي بآخر أمل؟ليه بايعاني بالشكل ده وانتِ عارفة انك زي المية القليل منك بيحييني..وعذابي وأنا جنبك دلوقتي هيبقي أضعاف لو فارقتيني.
أشاحت بوجهها عنه تتساقط عبراتها علي وجنتها وهي تقول بألم:
_أنا مكنتش عايزاك تعرف عشان كدة.. مكنتش عايزاك تتألم في وجودي، كان كفاية عليك الألم في غيابي.
لتعود وتتطلع إليه مردفة:
_انت فاكر اني محلمتش أعيش جنب منك وأنسي ان الموت محاصرني؟ انت فاكر ان قرار وداعكم كان سهل عليا؟
الفراق عن الحبايب وجع لكنه أهون من اني أعيش وأشوف نظرات الشفقة في عيونكم وخصوصاً انت، تفتكر لما أعمل العملية وأفقد أنوثتي هبقي مبسوطة؟ لأ.. أهون عليا أموت وآخر حاجة فاكراها عشق في عيونك مش ألم وشفقة وحزن هيلازموا عيونك كل أما تبصلي.
_انتِ هبلة؟ حزن وشفقة ايه اللي هحسهم لما أبصلك؟ انتِ فاكرة اني لما حبيتك حبيت شكلك.. حبيت جمالك؟ لأ طبعاً.. اللي بيحب الجمال مع الوقت الجمال بيروح وبيروح معاه الحب لكن اللي بيحب الروح حبه مع الأيام يزيد،انتِ نسيتي عبدالوهاب كان بيقول ايه؟وعشق الروح ملوش آخر لكن عشق الجسد فاني.. وأنا حبيت روحك ياروحي.. حبيت طيبتك وحنيتك ونقاء سريرتك.. حبيت البنت اللي اختارتني من بين الكل وميزتني، زي ما رهف حبت روح نضال وكان مشوه ولا نسيتي؟
_يزيد....
_مفيش نقاش.. هتعملي العملية عارفة ليه؟ عشان لسة بدري علي الرحيل، لسة حاجات كتير معملنهاش مع بعض، انتِ ناسية رحلتنا لجبال التلج؟ انتِ ناسية أحلامنا اللي رسمناها بعد التقاعد؟ هتسيبيني لوحدي أحققها مش هحققها لإني محلمتش بيها لوحدي، كانت شركة زي حياتنا والقرار مش بس ليكِ، القرار بينا شركة والحياة مستمرة والأمل فيها موجود، هتعملي العملية يانيرة وترجعيلي ووقتها بصي في عيوني مش هتلاقي غير حب وبس.. عشق وبس.. هتلاقي جوة عيوني انتِ.. يعني هتلاقي الحياه، قلتي ايه؟ هتحاربي معايا ولا لسة مصممة تفارقيني؟
ابتسمت من بين دموعها وهي تقول بحنان:
_هحارب لإني متجوزة أعظم راجل في الدنيا.
ابتسم بدوره قبل أن يرفع كفها إلي ثغره ويقبله بحب يغمض عيناه بتوق محب قد فاز للتو بمحبوبته.
_____
دلفت إلي المنزل وتقدمت إلي الداخل، تلقي بحقيبتها علي الطاولة وتميل تخلع حذائها ذي الكعب العالي حين انتفضت علي مرأي شبح رجل يجلس في الركن المظلم فأسرعت تضيء الردهة ،وماإن رأت زائرها حتي تنفست الصعداء وهي تقول براحة:
_ليث خضيتني..قاعد في الضلمة كدة ليه؟
لم يجبها فتطلعت إليه تلاحظ نظرات عينيه المشتعلة غضباً تتساءل بوجل.. هل علم بخطتها؟ نفضت هذا الاحتمال وهي تدرك أنه لا مجال لذلك وقد اتفقت للتو مع الرجل الذي سينفذ الخطة، لتقترب منه قائلة:
_ساكت ليه؟ مالك؟
نهض ببطئ يقول بنبرات حملت غضباً تلفحها حممه:
_انتِ مش جيتيلي باريس بعد بابا ما مات وقلتيلي انه مش أبويا الحقيقي وانك اتجوزتيه وانتِ حامل فيا وان بابا الحقيقي يبقي جوزك الأولاني مازن النجيري اللي حرمك منه نضال الجبالي بعد ماسجنه ظلم وانه لما حاول يهرب الظباط قتلوه.
قطبت جبينها قائلة:
_أيوة حصل بس ليه بتقول الكلام ده دلوقت؟ ....آاااه.
قاطعها يمسك كتفيها قائلاً بقهرة:
_عشان كلامك كله طلع كدب زي أمومتك اللي طول عمرها كدب بس أنا اللي غبي عشان صدقتك ومشيت وراكي وفي النهاية كنت هظلم انسان بريء وأعيش بذنبه طول عمري.
نفضت ذراعيها تقول بغضب:
_إنسان بريء! نضال إنسان بريء؟ ده الراجل اللي دمر حياتي كلها وتقولي في الآخر إنه بريء.
_انتِ لسة بتكدبي!
ألقي إليها السي دي قائلاً باحتقار:
_شوفي اللي جوة السي دي يمكن ينعشلك ذاكرتك وتفتكري اللي عمله بابا في نضال الجبالي وعيلته.
_مش محتاجة أشوفه.. أيوة أنا كدبت بس عشان كنت عارفة انك مش هتنتقم منه غير لما أقولك علي الحكاية الهبلة اللي صدقتها علطول من غير ماتدور ورايا.
_كنت عايز ألاقيلك سبب لمعاملتك ليا طول الوقت وكأني حمل تقيل علي قلبك، وكأني مش ابنك.. قلت جايز بفكرك بالظلم اللي حصلك.. جايز لما بتشوفيني بتتألمي وخصوصاً اني شبه بابا، كنت عايز أغفرلك وأديكي عذر، كنت غلطان والوقتي فوقت وعرفت انك مستحيل تكوني أم.
_أيوة كنت حمل تقيل علي قلبي،كنت بكرهك لإني كنت كل ماأبص في وشك افتكر انسان حقير ضحك عليا وخدني منه وأنا عمري ماحبيت غيره، كان حبيبي وكنت خطيبته ولما اتشوه غصب عني بعدت عنه، ماهو كان رافض يعمل العملية عشان خاطري.
لتردف بحقد:
- بس عملها عشانها هي.. مكنتش أحسن مني في حاجة لكن حبها هي ورفضني، ولما مات مازن اكتشفت اني حامل سافرت برة واتعرفت بالراجل اللي اداك اسمه بعد مااتجوزته علطول، كان نفسه في طفل بعد ماماتت مراته ومجابش منها أطفال ، كان فرحان بيك وعشانك اداني كل حاجة، عز.. فلوس.. سلطة وجاه.. لكن ده كله مقدرش يخليني أنساه..و بعد مااتطلقت رجعت مصر عشانه، قلت جايز يبقالي فرصة معاه.. جايز حبه ليها قل لكنه زاد، كرهته أكتر وفي اللحظة دي قررت أنتقم منه.. حاولت لكني مقدرتش.. أصله ذكي وحويط ومحبوب ومش بسهولة أقدر أأذيه، ولما مات أبوك جيتلك وألفت حكاية عشان أقدر بيك أهده، بس في الآخر طلعت زيه..بتقول مبتإذيش بريء وانت أذيتني لما بتتخلي في اللحظة دي عني زي ماهو إذاني زمان واتخلي عني، أنا ميس العطار -بنت الحسب والنسب عارضة الأزياء الأولي وملكة جمال القاهرة- وقتها يفضل عليا واحدة لا أصل ليها ولا فصل، ده حتي مازن أبوك كان مهووس بيها وكأنها ملاك وأنا شيطان.. أنا بكرهها قد مابكرهه دلوقت وبكرهك انت كمان.. بكرهكم كلكم لإني كنت أستاهل تحبوني.
لتتساقط دموعها وهي تسقط أرضاً تردف بمرارة:
_ليه مقدرتوش تحبوني؟ ليه؟أنا كنت أستاهل أتحب بس انتوا اللي محبيتونيش؟ انتوا اللي ظلمتوني وجايين دلوقتي تحاسبوني.. حرام عليكم.. سيبوني في حالي.. مش عايزة أشوفكم تاني.
طالع ليث والدته التي تبكي بانهيار بعيون خالية وقد أدرك أنها تحتاج إلي علاج نفسي، قد يساعدها في يوم من الأيام علي الحصول عليه، أما الآن فقد أوهنته الحقيقة المرة ومزقت قلبه لينزف بصمت، سيبتعد.. سيسافر ويلملم جراحه ثم يعود إليها ويضعها في مصحة نفسية وبعدها سيهاجر ولن يعود مجدداً وقد أحدثت به الحياة صدوعاً لن ترأب أبداً.
________
_ازاي تخبي علينا كلنا حقيقة مرضك يانيرة، هو احنا مش أهلك وعيلتك وأصحابك؟
ربتت نيرة علي يد وعد قائلة بوهن:
_غصب عني ياوعد، مكنتش حابة أضايقكم.
قالت رهف بحزن:
_تضايقينا ايه يابنتي؟ العيلة جسم واحد لو عاني منه عضو الكل لازم يساعده ويقف جنبه ويسانده عشان يخرج من محنته أقوي من الاول.
هزت نيرة رأسها فقالت وعد:
_وهتعملي ايه دلوقت ياحبيبتي؟
ضمت نيرة دثارها حولها تقول :
_هعمل العملية بس ليا طلب عندك ياوعد.
_أؤمريني ياقلبي.
_الأمر لله.. أنا عايزة أعمل فرح رعد وسلسبيل وساهر وبراء في ليلة واحدة قبل ماأدخل أوضة العمليات، محدش ضامن عمره وأنا.....
قاطعتها وعد تقول بحزم امتزج بحزن:
_هتعيشي وهتكوني زي الفل كمان يانيرة، وبعدين ده مش طلب، ده يوم المني حددوا اليوم واحنا جاهزين.
هزت نيرة رأسها بابتسامة واهنة بينما انقبض قلب رهف وهي تدرك كم سيكون هذا الخبر قاسياً علي ولدها وقد بات لا يحلم سوي بيوم يجمعه بسلسبيله ويبدو ان هذا اليوم لن يأتي أبداً.
_______
دلفت رهف إلي الحجرة المظلمة التي يجلس بها فهد منذ أن علم بميعاد الفرح والذي سيقام بعد أيام تلبية لرغبة نيرة في إقامة العرس قبل إجراء عمليتها الجراحية، تلقي فهد الخبر بوجه ارتسم عليه كل ملامح الصدمة الممتزجة بالألم قبل أن يتراجع إلي حجرته دون كلمة يمكث بها حتي الآن، لتقرر رهف الحديث معه رغم أنها لا تعلم كيف ستواسيه وهي تدرك أننا حين نفقد من نحب نفقد معه الرغبة في الحياة.
لم تجده بالحجرة، قطبت جبينها وكادت ان تغادرها ولكن تحرك الستائر قليلاً بفعل نسيم الليل جعلها تدرك وجوده بالشرفة، لتتقدم وتدلف إلي الشرفة فوجدته بالفعل واقفاً يستند بكفيه إلي السور بينما يتطلع إلي القمر بشرود، وقفت جواره لا تقوي علي الكلام وقد ظهر الحزن في مقلتيه جلياً وتبللت أهدابه وكأنه كان يبكي للتو.
_انتِ عارفة ان الواحد بيعتبر كل نعمة ربنا ادهاله شيء مسلم بيه في حياته لدرجة انه مبياخدش باله قد ايه لو راحت النعمة دي منه حياته ممكن تتغير وتضيع.
هزت رأسها دون كلمة تعلم جيداً مايتحدث عنه،تترك له الفرصة لإخراج مكنون قلبه والحديث عنه رغم أنه حديث لا طائل منه ولن يفيد شيئاً ولن يخفف حتي عنه جراح قلبه النازفة.
_حتي القمر مبنحسش بقيمته غير لما بيغيب والدنيا بتبقي ضلمة من غيره.. الشمس.. الصحة.. المية، حاجات كتير لو اتحرمنا منها هنعرف قد ايه كنا في نعمة في حياتنا محسيناش بيها غير لما اتحرمنا منها و هي كانت بالنسبة لي قمر شمس صحة مية، شوية منهم حياة وغيابهم موت لكني محسيتش قد ايه كنت في نعمة غير لما راحت مني، كل اللي حواليا كانوا شايفين انها ليا حياة إلا أنا.. كنت غبي قوي ياماما وفعلا فوقت زي ماطلبتي مني بس بعد فوات الأوان.
_فهد....
قاطعها يتطلع إليها قائلاً بمراوة:
_فهد ولا حاجة من غير سلسبيله ولإني مش قادر أعيش من غيرها هسافر يمكن غربة روحي تكون العقاب المناسب علي جحودي النعمة اللي ربنا ادهالي ومقدرتش أحافظ عليها.
قطبت جبينها بقوة قائلة:
_قصدك ايه يافهد؟ انت هتبعد عني تاني.. هتسافر وتسيبنا؟ احنا ماصدقنا ترجع ويتلم شملنا من تاني.
اغرورقت عيناه بالدموع قائلاً:
_مش هقدر استحمل أشوفها جنبه عروسة ليه بدالي، ولا هقدر اتحمل أشوفهم مع بعض راجل ومراته.. مش هقدر صدقيني.. الموت عليا أهون ياأمي.
اغرورقت عيناها بالدموع تفتح ذراعيها علي مصراعيهما تدعوه لنثر أحزانه علي صدرها فارتمي في حضنها يبكي كطفل صغير ، يدع مدامعه تخرج أنين قلبه علها تشفي الوجع كما اعتاد حضنها أن يفعل بالماضي ولكن هيهات فالألم هذه المرة ينخر في كيانه والوجع لا يحتمل.
_______
_رعد روحت فين؟ مقولتليش إيه رأيك؟
أفاق رعد من شروده علي سؤالها الحائر فتطلع إليها في فستان الزفاف الذي اختارته لها مصممة الأزياء، فاتنة حقاً يليق بها لون وتفاصيل الفستان ، تبدو كملاكاً هبط من السماء إلي الأرض ولكنها بكل تأكيد ليست ملاكه لذا اكتفي بهزة رأس وابتسامة باهتة يرفع أنامله الثلاث باستحسان، أومأت برأسها ترسم بدورها ابتسامة باهتة ثم تتجه إلي حجرة تبديل الملابس، تنهد ثم تجول في المكان ليتوقف عند فستان أبيض بذيل طويل، رُغما عنه تراءت له سندس في هذه اللحظة ترتديه، تمنحه سحراً وجاذبية، أغمض عينيه يبعد عن مقلتيه صورة زادت من وجيب قلبه إليها، ثم فتحهما ومصممة الأزياء تقول له:
_الموديل ده حقيقي استثنائي بس للأسف مش هينفع للآنسة سلسبيل لإنه عايز واحدة أقصر شوية.
_عارف.
تردد للحظة قبل أن يردف:
_أنا هشتريه.. هدية لخطيبة شخص عزيز عليا فمن فضلك خلي حد يوصله العربية مع الفستان التاني.
_تحت أمرك يارعد بيه.
أخذته لتضعه مع الفستان الآخر بينما عقل رعد وقلبه يتصارعان.. القلب يشكره لتلبية رغباته والعقل يلومه علي الانصياع لوجيب القلب ومابين الاثنين يشعر رعد مجدداً بالضياع.
_______
كعادتها كل يوم تجري حور في الصباح الباكر لتجلي أفكارها وتجدد نشاطها ولكنها ومنذ عادت من الخارج وكل ماتفكر به هو ليث، أين هو وماذا يفعل وماذا لو....؟
عشرات الأسئلة تدور بخلدها وما يقودها للجنون أن أسئلتها تظل دوماً دون إجابة، منذ لقائهما الأخير وكل شيء أصبح بلا معني في حياتها، كان لديها الأمل في أن يختلف مصير عشقها حين كانت تؤمن ببراءة والدها من هذا الإثم الذي اتهمه به ليث، فإن أثبتت له براءته زال كل حقد يضمره لأبيها في قلبه ووقتها تستطيع بما رأته من عشق بعينيه يماثل مافي قلبها أن تذلل كل الصعاب ويجمعهما بيت واحد، ولكن وبعد أن عرفت الحقيقة أصابها اليأس تدرك أن حبهما لم يخلق ليعيش بل خُلق منذ البداية لزوال، فكيف لأباها أن ينسي أفعال والد ليث؟ وكيف يمكن أن يمنحهما البركات؟ سيظل إثم مازن يحول بينها وبين ليث رغم العشق ورغم ثقتها بأنها ستظل أسيرته مدي الحياة.
توقفت عن الجري عند هذه الفكرة التي حملت الدموع لمقلتيها لتقرر العودة وما كادت تعبر الطريق حتي وجدت من يجذبها من يدها بقوة لترتطم بصدره في نفس اللحظة التي سمعت فيها صرير إطار سيارة، تراجعت برأسها ببطئ وعقلها يُكذب شعورها الذي يخبرها بأنها حيث يجب أن تكون تماماً.
وماإن إلتقت مقلتيها بمقلتيه حتي ارتعش جسدها بالكامل وعيونه تخبرها أنه عاد للحياة للتو مع عودتها، لتفيق من مشاعرها علي صوت صاحب السيارة الذي هرول إليهما يقول بلهفة:
_انتِ كويسة ياآنسة؟
خرجت من حضن ليث تهز رأسها بارتباك فبدا السائق مبهوراً بجمالها وهو يقول:
_لازم تاخدي بالك قبل ماتعدي الشارع بعد كدة، مش معقول نخسر حد بالجمال ده.
رمقه ليث بنظرة زاجرة أرعبت السائق وهو يقول متوعداً:
_خلي نصايحك لنفسك ومتتكلمش في التليفون وانت سايق تاني، وياريت عينيك تبقي في الأرض لما تيجي تبص علي واحدة تخص غيرك.. مفهوم ولا تحب أفهمك؟
أسرع الرجل يقول :
_مفهوم طبعاً.. تحبوا أوصلكم ل....
صمت وقد اشتعلت عينا ليث ليسرع الرجل إلي سيارته ويقودها مبتعداً قبل أن ينال المزيد ليقول الأول بهدوء :
_تعالي هوصلك.
_أنا هروح لوحدي.
_قولت هوصلك، أنا عربيتي راكنها في آخر الشارع.
من حيث بدأت تجري.. تُري هل يراقبها قد أحضره وجيب الشوق أم كان هنا بالصدفة؟ لم تدري فسارت جواره قبل أن تقول بهمس:
_إتأكدت من كلامي؟
ضم قبضتيه وتيبس جسده حتي ظنت أنه لن يجيبها ولكنها سمعته يقول :
_أيوة إتأكدت.
_وهتعمل إيه دلوقت؟
_هرجع مكان ماجيت.
لقد حسم أمره اذاً وقرر العودة إلي فرنسا.. هل أراد توديعها ؟
_هتسافري تاني؟
هزت رأسها نفياً تقول بحزن:
_بابا قرر إني مبعدش عنه تاني.
هو هناك وهي هنا، بينهما من الحواجز و المسافات العديد والعديد،إنه الوداع حقاً.. غصّ حلقها فلم تستطع الحديث أكثر بينما صمت هو بدوره حتي وصلا إلي السيارة ليركباها ويقودها تجاه منزلها حتي أتياه فكادت أن تهبط من السيارة ولكن قبل أن تفعل استدارت إليه تقول بمرارة:
_الوداع ياليث.
قالتها وهبطت من السيارة مسرعة تجاه منزلها لا تلوي علي شيء بينما يتابعها بعينين اشتعلتا مرارة وحزناً فقد ودعها سابقاً ولكن هذه المرة كان يدرك أنه وداعهما الأخير.
______
في الليلة التي تسبق يوم الزفاف.
توقفت السيارة وهبطت منها سندس تتطلع بعينين تملؤهما العبرات إلي منزل اشتاقت إليه، حال بينها وبين وجودها فيها رؤية رعد يزور غيرها كحبيب وخطيب، حاولت قدر امكانها تأجيل عودتها حتي ترحل أختها معه كعروس، يقضيان أعوام بالخارج حيث سيعمل رعد كما أخبرتها أختها في إحدي المرات،لتستطيع سندس تخطي الأمر والنسيان تساعدها الأيام والسنوات، ولكنها اليوم تعود مجبرة وقد علمت بمرض والدتها وخضوعها لعملية خطيرة في اليوم التالي للزفاف، تسمو مشاعرها كإبنة فوق مشاعرها كحبيبة لتتحمل أي شيء في سبيل أن تبقي حد والدتها وتدعمها بكل ذرة في كيانها.
بينما نظرت سلسبيل إلي نفسها بالفستان الأبيض تجربه قبل ان ترتديه بالغد، حتي هذه اللحظة قد بذلت كل قوتها في سبيل نسيان مشاعرها، كانت تظن أنها قادرة علي إتمام الأمر والمُضي قدماً في زيجة غير التي حلمت بها طوال حياتها، لكن في هذه اللحظة وهي تتطلع إلي نفسها في ثوب عرسها أدركت أنها لن تستطيع أن تكون عروساً لسواه.. ماالذي فعلته بنفسها وبه؟ تختار سبيلاً غير سبيله وتضحي بهما من أجل ماذا؟ألم توقن من أنه يهواها حقاً.. قد أثبت لها علي مدار الشهور الماضية صدق مشاعره ونواياه؟ أتخشي علي قلب رعد من انكسار قد يلحق به؟ وماذا عن قلبه هو؟ تري كيف حاله الآن وقد علم بموعد زفافها؟ لم تره ثانية منذ اللحظة التي تقرر فيها موعد الزفاف ولم يحاول الإتصال بها أو إرسال رسالته اليومية والتي كانت تحمل لها أعذب كلمات الحب، تتظاهر حينها بأنها لا تهتم بينما كانت تنتظرها كل يوم بشوق أنكرته حتي علي نفسها.
تري هل قرر أخيراً نسيانها؟ بالطبع نعم فمن المعروف عن فهد أنه لا ينظر لإمرأة أصبحت لغيره مطلقاً.. أدمعت عيونها وتساقطت دموعها تباعاً حتي أنها لم تنتبه لطرقات الباب الذي فُتح وظهر علي عتبته سندس التي ماإن رأتها سلسبيل حتي أسرعت ترتمي في حضنها وتفرغ أحزانها بين ذراعيها.
______
جلس رعد في شقته يتأمل فستانها بعد أن عجز عن النوم وقد طاردته في أحلامه وهي ترتديه وترحل بعيداً مع غيره، ماشعر به كان فوق قدرته علي الاحتمال، حاول الصراخ عليها كي لا تفعل فلم تخرج صرخاته، شعر بروحه تسحب منه وكأنه يلفظ أنفاسه الأخيرة وهو يري طيفها يختفي حتي استيقظ ينادي إسمها بمرارة مازالت في حلقه رغم مرور ساعات، أيقن الآن والآن فقط أنه لن يستطيع الزواج بغيرها فستظل هي حلم حياته بل حياته ذاتها، بالله كيف كان سيتزوج أختها بينما تملك هي القلب والروح؟كان حقاً ليرتكب جريمة بشعة بحق الجميع.. إنه لن يحتمل الفراق أكثر وهو يدرك أنها جل مايهمه وأنه يحبها بجنون حتي أنه مستعد أن يتنازل عن أحلامه لأجلها،يشاركها كل شيء تحبه، سيحقق رغباتها قبل رغباته وإن آثرت العمل فسيدعها تعمل..فقط عليه إقناعها أنه لم يعد كما كان.. لقد نسي ذاته في ذاتها وأقر أنه مهما أدركنا اختلاف كينونتنا عمن نحب لا نستطيع الحول دون الوقوع في الحب فالحب قدر لا خِيار.. لذا وجب عليه الذهاب إلي منزل حبيبته والاعتراف بمشاعره قبل أن يضحي في نهاية اليوم زوجاً لغيرها.
جاءته رسالة فأمسك هاتفه يتفقدها وجدها من سلسبيل..
"قابلني دلوقتي ضروري في الكافيه"
أدرك أنها رسالة من الله تخبره أنه يسير علي الدرب الصحيح، سيعترف لسلسبيل بالبداية علي انفراد حتي لا تنجرح مشاعرها، يدرك الآن وهو يفكر بقلبه ربما لأول مرة أنها حين تعلم بقصته مع أختها لن تمانع انفصالهما بل سترحب به، ثم سيخبر الجميع لذا ابتسم براحة وهو يكتب لها
"خمس دقايق وهكون عندك"
أغلق الهاتف ونهض ليرتدي ثيابه علي عجل.
______
_ليث باشا.
_خير يامرزوق، حجزت تذاكر الطيارة؟
_حجزتها ياباشا.. هنسافر بإذن الله في طيارة الساعة ٩..بس كنت عايز أقولك علي حاجة كدة.
ترك ليث الورق الذي يراجعه وهو يتطلع إليه متسائلاً بعد أن لاحظ نبراته القلقة ليردف مرزوق قائلاً:
_الست الكبيرة قابلت الواد برهومة من يومين.
قطب ليث حاجبيه قائلاً:
_برهومة!
_الواد اللي قولتلك عليه و انت حذرتها منه وقلتلها انه بيسرقها، الواد ده اللي طردته من دار الأزياء بتاعتها من ييجي سنة كدة.
_أيوة أيوة افتكرته.. وقابلته ليه؟ معقولة عايزة ترجعه الشغل من تاني.. الست دي أكيد إتجننت.
_ياريت ياباشا دي اتفقت معاه يقتل.. المصيبة انه وافق ومراته لما عرفت جت للست الكبيرة واتخانقت معاها والست طردتها وهددتها انها هتبلغ عنها البوليس، نجية الشغالة كلمتني وقالتلي أبلغك.
نهض ليث وهو يعقد حاجبيه بشدة قائلاً بتوجس:
_ونجية معرفتش ماما عايزاه يقتل مين؟
_نضال الجبالي ياباشا.. النهاردة في فرح ولاد أخته وإبن أخوه.
لتتسع عينا ليث بقوة.
______
ظلا صامتين لا يدري كلاهما كيف يتطرق إلي الحديث عن قراره الذي اتخذه من كل قلبه، حتي قالت سلسبيل بحزم:
_رعد أنا عمري ماهنسالك وقفتك جنبي في أزمتي، واهتمامك بيا وإني قدرت معاك أكون أقوي وأحسن..
تجعلين الأمور مستحيلة يافتاة، كيف أقوي علي إخبارك بمشاعري بعد هذه الكلمات؟
_الحقيقة لحد امبارح وأنا كنت فاكرة اني أقدر أتجوزك كرد لجميلك عليا، كنت فاكرة اني هسعدك لما أضحي بقلبي ومشاعري بس ازاي تعيس القلب يسعد غيره؟وإزاي هنكمل مع بعض وأنا كل ماأغمض عيني مبشوفش غيره ..لا قدرت أنساه ولا هقدر لإنه مش ساكن بس قلبي، ده ساكن روحي ودمي.
شعر رعد بنبضاته تستريح بعد عناء، وقد أيقن أنه لن يجرحها حين يعترف لها بمشاعره بل يمنحها إطلاق سراح بإحسان.
_رعد انت زعلان مني؟ أنا لو للحظة حسيت إني ممكن أسعدك لما نتجوز أنا كنت.....
قاطعها قائلاً بحزم:
_أنا بحب سندس.
ظنت للوهلة الاولي أنها لم تسمع جيداً حتي رأته يبتسم لتدرك أنها لا تهذي وأن ماسمعته صحيح تماماً لتتسع عيناها بصدمة مرددة:
_بتحب سندس أختي!
هز رأسه قائلاً:
_أنا كنت أناني قوي ياسلسبيل،لما اتوهمت حبك استغليت لحظة ضعف منك وخليتك ترتبطي بيا وأنا بديكي ألف عذر عشان توافقي، أما هي فكانت صديقتي وأقرب ماليا، كانت الملجأ اللي بهرب فيه من مشاكل أهلي وشغلي، كنت بحكيلها كل حاجة وكانت بتسمعني وتنصحني، خدتها شيء ثابت في حياتي زي صاحب، يمكن نسيت إنها بنت بسببها ماانتِ عارفاها بس الأكيد إن قلبي حس بيها كأنثي والدليل يوم خطوبتنا، لما لليلة اتصرفت زي أي بنت، وقتها اتصدمت وبدأ عقلي يشوف اللي شافه قلبي ولما فارقتني ظهرت مشاعري بس برضه فضلت أناني، مشيت في الطريق السهل محاولتش أعافر عشان أحقق لقلبي رغباته، غصب عني اتعودت غيري يسهل أموري، وعد أمي.. ماانتِ عارفة اني طول عمري عايش في ضلها واللي بتمناه بييجي لحد عندي لكن مع سندس اتغيرت وبقيت واحد تاني، سيبت بيت أهلي واعتمدت علي نفسي لكن فضل الضعف جوايا مستخبي ولما فوقتني بكلامها حسيت انه فات الأوان.. القدر ده غريب قوي ياسلسبيل، بيعذب المحبين لكن في النهاية النصيب غلاب واللي رايده ربنا بيكون مهما يعمل الإنسان.
تماماً كما حدث معها هي وفهد، يبدو أنه قدر أفراد عائلة الجبالي..
_اتغيرت فعلاً يارعد، أنا حاسة انك إنسان جديد.
ابتسم فأردفت:
_وهتعمل إيه دلوقت؟
_زي ماانتِ هتعملي.. هروح لقدري ومستحيل أمشي قبل ما يبقي اسمي منقوش علي حروف دبلة تتحط في ايدها الشمال.
خلعت دبلتها في هذه اللحظة ومنحته إياها بابتسامة فتناولها بابتسامة مماثلة، نهضت فنهض بدوره يقول:
_تحبي أوصلك؟
_معايا عربيتي، روح انت حالاً لسندس واعترفلها بمشاعرك ومتنساش تفهم ماما وبابا ان الفرح النهاردة فرح ساهر و براء وبس،ولو سألوك عني قولهم بتلحق قدرها.
هز رأسه تتسع ابتسامته بينما تغادر هي بسرعة تتبعها عيونه التي شاركتها فرحتها.