![]() |
رواية ذنوب علي طاولة الغفران الفصل السابع عشر بقلم نورهان ال عشري
لم اعتد يومًا على المبالغة.. بل كنت أتجنب الكثرة في كل شئ! في الحزن ، الغضب ، التعلق و حتى في الفرح و لكن معكِ تخليت عن خارطتي التي كنت امشي على نهجها طول حياتي ووجدتنى غارق في الكثير من الحب ، اللهفة و الشغف. و هنا بدأت معاناتي فـ على قدر كثرة شعوري نحوك كان ألمي عظيمًا وجراحي غائرة وأبواب الغفران مصفدة بسلاسل الكبرياء الذي يقف معاندًا أمام ثورة قلب لا يبغي سواكِ. سلاحه الوحيد عشق أهوج يجتاحني كطوفان لا اقدر على مواجهته أو الفرار منه، و بنهاية تلك الحرب الضارية أجد نفسي أمام حقيقة ثابتة..
أنني أريدك و بشدة. فما الحل ؟؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
تفشى الصمت كالعدوى التي انتقلت لجميع من بالغرفة فقط أعين جحظت من فرط الصدمة و أنفاس متلاحقة من هول ما سمعت لينتفض عز الدين من مكانه وهو يقول بحدة
_ انت بتقول ايه يا ولد؟
تنبهت نبيلة حين سمعت جملته لتهتف بانفعال
_ مين دي يا عمر؟ و جواز ايه ؟ انت اكيد بتهزر!
لم تتغير ملامحه و كذلك نبرته حين أجابها بجمود
_ قولتلك شروق بنت عمتي نسمة بقت مراتي. ايه مسمعتيش ولا ايه؟
جملته أضرمت نيرانًا هوجاء داخل صدرها مما جعلها تهتف صارخة
_ و كمان بتعيدها تاني. حرام عليك . بتعمل فيا ليه كدا؟ ملقتش إلا دي تتجوزها! ملقتش إلا أنت نسمة يا عمر! عايز تحرق قلبي ليه ؟ حرام عليك.
كانت الشماتة تتساقط من عيني سعاد التي بنبرة حادة كالسيف
_ مالها بنت نسمة يا نبيلة! مش عجباكي! وانت يا عز الدين عادي كدا تتكلم عن اختك ! يا خسارة والله.
لم تدع المجال لأحد بالحديث حين صرخت بعنف
_ أنتِ السبب. أنتِ اللي مليتي دماغه و خلتيه يعمل عملته عشان تحرقي قلبي.
اقترب عز الدين من زوجته يحتضنها وهو يقول بعتب
_ نبيلة مقالتش حاجه وحشة عن نسمة يا أمي. نبيلة زيها زيي و زيك مش عاجبنا اللي عملته زمان، و خلت راسنا في الطين. متجيش تلوميها على أخطاء غيرها. أما انت فلو مُصر عالبنت دي يبقى تخرج من بيتي و مش عايز اشوفك وشك فيه تاني.
أوشك عمر على الحديث، فلم تمهله سعاد الوقت لذلك لتتحدث هي بنبرة جافة قاسية
_ دا مش بيتك لوحدك. البيت دا بيتي و بيت بنات نسمة الله يرحمهم. كلنا لينا فيه، ولو هنقسمها نسب يبقى انت أقل نسبة فينا، فلو حد هيخرج يبقى انت و مراتك، و بصراحة بقى تبقى أحسن حاجه ممكن تعملوها في حياتكوا.
نبيلة بانفعال
_ أنتِ بتقولي ايه؟ دا بيتي و بيت ولادي. نسمة ملهاش في اي حاجه.
سعاد بصراخ
_ نسمة ليها فيه وأنتِ اللي ملكيش ولا شبر هنا. ورثك هناك الناحية التانية ابقي روحي خديه من اخواتك.
عز الدين بانفعال
ـ كفاية افترى بقى يا ماما لحد كدا. انا نفسي اعرف نبيلة عملت فيكي ايه عشان تكرهيها الكره دا كله.
تجاهلت سعاد حديثه لتقول بنبرة شامته
_ انا مبكرهش حد، و لو كنت بكرهها مكنتش هكتب لابنها نصيبي كله. كدا ولا ايه يا بلبلة!
برقت أعيُن الجميع من حديثها ليهتف عز الدين دون وعي.
_ يعني ايه كتبتيله نصيبك كله!
سعاد بجمود
_ يعني عمر له بقى شريكك في كل حاجه و أولهم الشركة بنسبة خمسة و خمسين في المية. و له نص القصر و كل شيء بنملكه. شوفت بقى انا بحبك انت و مراتك قد ايه!
لم يدع عمر لهم المجال لاستيعاب ما حدث انما امتد ذراعه ليُحيط به كتف شروق وهو يقول بجمود
_ انا هاخد شروق واطلع نريح شويه في اوضتنا، ولو حد حابب يتعرف على مراتي هو عارف الطريق.
أنهى جملته و التفت إلى جميلة التي كانت تقف في الخلف كعصفورًا خائف بل مرتعب ثم قال بابتسامة صادقة
_ و دي جميلة اخت شروق. ياريت تخلي حد من الخدم يفتح اوضة عمتي نسمة الله يرحمها و ينضفها عشان جميلة حابه تقعد في اوضة مامتها.
كان كل هذا يحدُث أمام شروق التي أتقنت رسم الجمود في عينيها و على ملامحها و كأن ما يحدُث لا يعنيها، ولكن في الحقيقة فقد كانت مُستمتعه بمشاهدة ملامح كُلًا من عز الدين و نبيلة التي كان البُغض يتجلى كالشمس في عينيها لتبتسم شروق بتهكم قبل أن تلتفت ناظره إلى عمر وهي تقول بهدوء
_ ميرسي يا عمر.
أعطاها ابتسامة مُطمأنه قبل أن يلتفت إلى سعاد وهو يقول بجمود
_ يالا عشان تطلعي اوضتك تريحي شويه قبل الغدا.
التفتت سعاد إلى جميلة قائلة بحنو
_ اطلع انت مع عروستك جميلة هتطلعني و تقعد معايا لحد ما يجهزولها اوضة الغالية.
لأول مرة تقف مكتوفة الأيدي أمام شيء بل أكثر الأشياء بغضًا إلى قلبها. هي التي كانت تُسير الجميع كيفما تشاء تقف عاجزة أمام ما يحدُث في بيتها مع ولدها الذي كان سلاحًا فتاك قسم ظهرها، و اذاقها ويلات ما أذاقته لغيرها بيوم من الأيام، ولهذا لم تستطِع الاحتمال إذ صرخت بقهر
_ لاااا. اكيد انا بحلم. استحالة يكون دا حقيقي.
اقترب عز الدين من زوجته يُحيطها بذراعيه وهو يقول بقلق
_ اهدي يا حبيبتي. كل حاجه و ليها حل متقلقيش.
دفعته نبيلة في صدره وهي تقول بانفعال
_ اسكت. انت السبب في كل اللي بيحصل. لو كنت سمعت كلامي من البداية مكنش دا كله حصل واديني بدفع التمن اهو. ابني بيعصاني و امك بتستخدمه سلاح عشان تكسرني بيه.
عز الدين بتوتر وهو يحاول الاقتراب منها
_ انا ذنبي ايه بس، وبعدين ابنك هو اللي عليه كل اللوم مش امي. أنتِ عايزة تقنعيني انه بيسمع كلام حد غير نفسه.
أخذت تدور حول نفسها وعقلها يغلي من شدة الغضب، ولازالت غير مستوعبة ما حدث ليأتي صوت هايدي القادمة من الخارج وهي تقول باستفهام
_ مالك يا ماما في ايه؟
توقفت نظرات نبيلة فوقها لثوان قبل أن تقول بغل
_ الست هانم جدتك. جوزت عمر لبنت بنتها اللي هربت مع واحد زمان و حطت راسنا في الطين و دلوقتي هي جايبة بناتها و عايزة تحطها فوق راسنا.
هايدي بصدمة
_ بتقولي ايه يا ماما؟
نبيلة بانفعال
_ اللي سمعتيه. اخوكي اتجوز واحدة و التانيه فوق مع جدتك بيخططوا ازاي يخرجونا من البيت دا.
تبدلت صدمة هايدي إلى غضب كبير تجلى في صراخها حين قالت
_ الكلام دا لا يمكن يحصل أبدا. لو حد مفروض يخرج من هنا يبقى هما.
أنهت جملتها وهي تتوجه إلى الأعلى قاصدة غرفة جدتها، فتقدم عز الدين ليمنعها، ولكن أوقفته يد نبيلة التي قالت بجفاء
_ سيبها. خليها تعرفهم أن قعادهم في البيت هنا مش هيكون بالسهل، أن كان عمر في صفهم، فاحنا ضدهم..
في الأعلى كانت عيني سعاد منصبه على جميلة التي تجلس منكمشة على نفسها بخوف، وكأنها دخلت بيت الأشباح مما جعل سعاد تقول بنبرة حانية
_ قربي مني يا جميلة.
ناظرتها جميلة لثوان قبل أن تقترب منها لتجلس على المقعد بجوارها، فمدت سعاد يدها لتحتوي يدها الباردة قبل أن تقول بحنو
_ انا عارفه انك مخضوضة و خايفة و حقك بعد اللي شفتيه تحت. بس نصيحة مني اوعي تبيني خوفك أو ضعفك لحد. عشان الناس مش هتتردد تستخدمه ضدك.
جميلة بخفوت
_ انا متخيلتش أن الناس هنا عامله كدا أبدًا. كنت بلوم على شروق لما خدتنا بعد موت بابا و مشينا عشان متعرفوش توصلولنا بس طلع عندها حق.
سعاد بنبرة صارمة
_ غلط. الهروب وانكوا تسيبوا حقكوا دا مش حل. هتهربوا مننا و من غيرنا و بعدين؟ هتقضوا حياتكوا كلها كدا! مش هتعرفوا تستمتعوا بحاجة. طول ما معاكي الحق خلي عينك قوية.
لم تكد تنهي جملتها حتى تفاجئت باقتحام الغرفة من قبل هايدي التي وقعت نظراتها الغاضبة على جميلة التي انتفضت حالما رأتها لتهتف هايدي بسخرية
ـ هي دي بقى اللي مفكره نفسها هتقدر تاخد مكان أسيادها !
تفشى الذُعر بجسد جميلة من كلمات هايدي لتتدخل سعاد قائلة بحزم
_ اخرسي يا بنت، و اتكلمي مع بنت عمتك عدل. أسياد مين يا ماما! فوقي، وكلام امك دا مسمععوش تاني.
هايدي بحنق
_ ايوا أسيادهم. ولاد نبيلة الوتيدي أسيادهم يا تيتا و مهما عملتي مش هتساوينا بيهم، و لازم يعرفوا أن نبيلة هانم هي ست البيت دا، و أنهم مش مرغوب بيهم فيه.
سعاد بنبرة أحد من السيف
_ الكلام دا تقوليه لما اموت. غير كدا مسمعهوش منك. البيت دا بيتي، و لو مش عاجبك خدي امك و ابوكي و امشوا منه، واللي بتقولي عليهم أنكوا أسيادهم ليهم في البيت دا اكتر منكوا.
ما أن أوشكت على الحديث حتى تفاجئت بصوت عمر القادم من الخلف
_ صوتك جايب اخر الشارع ليه؟
التفتت هايدي قائلة بغل
_ اهلا يا دكتور عمر. معلش بس أسألك سؤال! هو لو ماما دي جرالها حاجه هتبقى مبسوط!
اصابه هذا الاستفهام في مقتل، ولكنه لم يُظهِر تأثيره عليه بل أجابها بنبرة باردة
_ وأنتِ بقى مين عشان تسأليني السؤال دا!
هايدي بسخرية
_ اختك لو كنت نسيت.
عمر بسخرية
_ تصدقي فعلا نسيت، و واضح أن أنتِ كمان نسيتي. بس انا هفكرك. لو صوتك علي عليا تاني هقطعلك لسانك. دا أولًا.
أوشكت على الحديث، فأوقفها اصبعه الذي رفعه للأعلى ليوقفها عن الحديث وهو يتابع بجفاء
_ ثانيًا لا أنتِ ولا اي حد يجروء يحاسبني على اي شيء بعمله دي حياتي وانا حر فيها. ثالثًا شروق مراتي و احترامها من احترامي، و جميلة نفس النظام واي حد هيفكر يضايقهم هيواجهني. كلامي مفهوم!
قال جملته الأخيرة بنبرة عاليه دوى صداها بأؤجاء القصر الكبير، و كأنه أراد من الجميع سماعها ليأتيه صوت نبيلة القاسي من الخلف
_ مفهوم. طبعًا مفهوم يا دكتور عمر. بس الكلام دا يمشي عالكل إلا انا. عارف ليه؟ عشان أنا امك، ولما تخرج عن طوعي مش هتردد ثانيه اني ارجعك تاني للطريق الصح.
أنهت جملتها ثم قامت برفع يدها و هوت بقوة فوق خده ليدوي صوت صفعتها في أرجاء المكان لتتعالى شهقات الجميع حولهم بينما التفت عمر يناظرها بأسى احتل قلبه منذ سماعها وهي تخطط للتخلص من جدته، و ضاعفته فعلتها معه، ولكنه لم يُفصِح عما يدور بداخله بل تحدث بجفاء اذهل الجميع
_ الطريق الصح دا أنا من نفسي همشي عليه لما اشوفك ماشيه عليه. انا ماشي على نفس نهجك بالظبط. بس أنتِ اللي مش واخده بالك عشان اللي بعمله مش على كيفك، و اللي قولته هيمشي على الكل هنا، وإلا رد فعلي هيضايقك أكتر.
أنهى جملته و توجه إلى الأسفل ثم إلى الخارج وبداخله يلعن كل شيء و أولهم انتمائه لهذه العائلة.
★★★★★★★★
برقت عين رحيم و تسارعت أنفاسه حين شاهد ذلك الوشم فوق قدم ضي التي كانت ترتدي فستان بيتي يصل طوله ما بعد ركبتيها بعدة سنتيمترات، فظهر له ذلك الوشم الذي رأى مثله فوق أقدام جثث الفتيات، ولكنه سرعان ما تدارك صدمته ليقول بتفكير
_ طب ازاي؟ و اشمعنى هي؟ لو دي بتها فعلًا ليه الوشم دا على رچليها؟
اندهش مطاوع لحديثه وقال بعدم فهم
_ في ايه يا واد عمي؟ وشم ايه وبت مين؟
رفع أنظاره مرة أخرى إلى ضي التي تحاول تهدئة والدتها و التي ظهر وجهها بوضوح ليتأكد من أنها هي المرأة التي يبحث عنها، فتسارعت أنفاسه وهو يقول بوعيد
_ يا بت الرفدي. جاعدة اهنه كلات دا وسيبانا بندوروا عليكي كيف المچانين!
مطاوع بنفاذ صبر
_ في ايه يا راچل انت؟ ما تجولي بتبرطم تجول ايه؟
زفر رحيم بحدة قبل أن يقص عليه كل شيء إلى أن اختتم حديثه قائلًا بغل
_ هي دي الولية اللي بندوروا عليها، و بإذن الله دي اللي هتچيب رجبة الكلب رماح. اني لازمن ابلغ محمد بيه.
داخله شيء يخبره بأن هناك الكثير من الألغاز حول هذه الفتاة التي لا يعلم لما شعر بالشفقة عليها، ولكنه تجاهل شعوره نحوها مُذكرًا نفسه بأنها مجرد وسيلة ليصل إلى مُبتغاه وها هو قد وصل إليه، و لن يتراجع عن ما انتواه مهما كلفه الأمر.
اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .♥️
★★★★★★★★★
اتسائل كيف يأتي الصباح مُشرقًا هكذا دون اعتبار لما فعله الليل بقلوب البشر؟ كيف له أن يتجاوز هذه الألام و الجراح التي نبشها الليل لتستنزف كل طاقتنا في المواجهة، و مع ذلك مُجبرين على مواصلة حياتنا و لكن بقلوب أهلكها الوجع. أصبحت انظر الى العالم من حولي وأنا أتساءل بأسى لا يفارقني" متى ستُشرِق الشمس على عالمي ليُضيء أم أن عتمتي ستدوم إلى الأبد و جراحي التي تهدأ ولا تتوقف عن الأنين هل ستُشفى ذات يوم ام ستظل حية إلى أن أفنى انا ؟
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
_ حضريلي الفطار قبل ما تمشي.
هكذا تحدث أمين بجفاء قابلته أشجان بالصمت كعادتها و تنفيذ أوامره دون جدال ولكن ذلك لم يُعجبه إذا قال بحدة
_ مش بكلمك!
أجابته باختصار دون أن تلتفت إليه
_ سمعت اللي انت قولته.
_ و مبترديش ليه؟
كانت في اسوأ حالاتها بعد ليلة أمس التي كعادته أجبرها عليه لذا خرجت لهجتها جافة حانقه حين قالت
_ هو انا لازم اقولك أمرك يا سيدي. ما خلاص هعملك اللي انت عايزه.
تفاجيء من نبرتها الحادة و حديثها الغاضب، فهو لم يعتد منها على ذلك لذا دنا منها بخطوات بطيئة وعينين تحملان من الوعيد أطنانًا
_ أنتِ بتعلي صوتك عليا يا أشجان!
وصلت لمرحلة من الألم و الوجع جعلتها لا تهتم لما قد يفعله بها ولا تخشى حدوث أي شيء فماذا سيفعل أكثر مما فعل بها لذا هتفت بجفاء
_ أشجان قرفت من حياتها كلها.
توقف بمكانه من فرط الصدمة التي سرعان ما تداركها حين قال بقسوة
_ حياتك اللي مكنتيش تحلمي بيها دلوقتي قرفتي منها؟
أشجان بتهكم
_ ياريت تتكرم عليا و تحرمني منها.
لم يُجدي معها التعنيف الجسدي، فالمعنوي به لذة اكبر لذا قال بهسيس مُرعِب
_ مش مستغرب كلامك على فكرة. واحدة زيك مفهاش ميزة واحدة تتباهى بيها، فلازم نطلع العيب في غيرها.
أصابت كلماته عمق قلبها فالتفتت تُكمِل ما في يدها ليقترب منها قائلًا بحقارة
_ اوعي تفكري أنك لما اشتغلتي بقيتي بني آدمه! لا . أنتِ بتسددي اللي عليكي وطول مانتِ في بيتي تحمدي ربنا و تبوسي ايدك وش وضهر اني متحملك، و اعرفي انك لو فكرتي تخرجي يبقى مش هتشوفي ولادك تاني. مانا مش اهبل عشان اخلي ولادي يتربوا بعيد عني مع واحدة زيك.
و كأنه يرى مكامن ضعفها ،و بواطن النقص داخلها و يضغط عليهم بقوة، فهاهي تصمت رغمًا عن ألمها الهائل فقط لأجل أولادها تتغاضى عن جراحها النازفة عن عمد حتى لا تفقد أثمن شيء بحياتها
انتظرت دخوله إلى المرحاض لترفع رأسها إلى السماء وهي تهتف بقهر
_ يارب. ارحمني من الإنسان دا. حسبي الله ونعم الوكيل.
مرت الدقائق على ظهر سُلحفاة حتى أنهت ما بيدها و توجهت إلى عملها الذي كان المهرب الوحيد أمامها لتخرج من هذا المكان الذي تبغضه كما لو انه جهنم. لتتوجه رأسًا إلى قسم الأرشيف، فقابلتها أحد الفتيات العاملات معها بالشركة وهي تقول بلهفة
_ أشجان كويس اني قابلتك. دي الفيزا بتاعتك طلعت يعني تقدري تصرفي المرتب بتاعك عادي.
أشجان بامتنان
_ شكرًا يا هدى بس لو هتعبك تعرفيني اتعامل ازاي عشان مبفهمش في الحاجات دي بصراحة.
هدى بسماحة
_ طبعًا. عيوني.
جلست أشجان بجانب هدى التي شرحت لها كل شيء وقامت بتنزيل أحد التطبيقات لتُسهِل عليها الأمر و أنهت حديثها قائلة
_ بس يا ستي ومن التطبيق دا تقدري تحولي فلوس و تستقبلي تعرفي رصيدك كام.
أشجان بامتنان
_ تسلميلي يا هدى. مش عارفة أشكرك ازاي بجد؟
هدى بمرح
_ يا بنتي ولا اي شكر. الناس لبعضيها. هسيبك انا بقى عشان ورايا شغل كتير.
اومأت هدى بابتسامة قبل أن تُمسِك بهاتفها وهي تتصفح هذا التطبيق لتحاول معرفة رصيدها، فتفاجئت حين وجدت أنه أكبر مما توقعت، فاعتلت الدهشة ملامحها حين وجدت زيارة عشرة آلاف جنيهًا زيادة عن راتبها الشهري، فأخذت تفكر ربما وصلت إليها هذه النقود بالخطأ؟ ولكنها في نهاية الأمر عزمت على الذهاب لشقيقتها لاستبيان الأمر، فهي لن تقبل بقرشًا واحدًا ليس من حقها، و بالفعل استقلت المصعد للطابق الأعلى وهو طابق المُدراء وحينها شعرب بالحيرة فهي لا تعلم اي مكتب تكون شقيقتها، وحين هاتفتها لم يُجيب على اتصالاتها.
طافت عينيها المكان لتتوجه إلى مكان تخشاه بشدة، ولكن هو سبيلها الوحيد لمعرفة مكان شقيقتها لذا اقتربت من عرين الوحش وهي تتوسل إلى خالقها حتى لا تقابله، فقد كان هناك مكتب كبير يضم طاقم السكرتارية الخاص به، وهي لا تعرف منهم سوى هذه الفتاة التي هاتفتها أكثر من مرة حين بعث في طلبها لذا توجهت إليها بالفعل لتسألها عن مكتب كمال الذي تعمل به شقيقتها وما أوشكت على الحديث حتى أشارت لها الفتاة بالصمت حتى تنهي مكالمتها، فأومأت برأسها بتفهم، و لكنها سُرعان ما تجمدت في مكانها حين سمعت صوت أحد الفتيات التي تقول لفتاة أخرى
_ كدا يبقى خلصنا القايمة بتاعت كل شهر. راجعي معايا كدا عشان مستر خالد بيشدد في الموضوع دا اوي. تقريبًا بيطلع الفلوس دي على روح مراته ولا ايه؟
تحدثت الفتاة الأخرى قائلة باستفهام
_ فلوس ايه ؟
_ دي مبالغ بتطلع كل شهر من حساب مستر خالد الشخصي . بتروح لناس غلابه هو بس اللي عارفهم انا معايا ارقام حساباتهم بحولهم الفلوس، و كل كام شهر بيزود عليهم لو لقى حد يستحق. بس الحمد لله مزادش الشهر دا غير واحد. انا بخاف اتلخبط و خصوصًا أن هو بنفسه بيراجع ورايا ولو نسيت حد ياويلي منه.
هكذا تحدثن الفتاة لتقول الأخرى بانبهار
_ تصدقي راجل محترم. طب قوليلي هي المبالغ دي بتكون كبيرة ولا اي؟
_ مقدرش اقولك كام بالظبط بس اه يعني مش قليلة. اخر شخص مدينه رقمه دا واخد مبلغ محترم تقريبًا مرتب كامل في ناس بتاخد زيه في الشركة.
بهتت ملامحها، و شعرت بألم قوي يجتاح داخلها، كيف له أن يفعل ذلك ؟ و هل يعتبرها ممن يحتاجون لشفقته؟ و هنا زارها هاجس ضاعف من ألمها كثيرًا هل يُعاملها هكذا لأجل والدتها التي تعمل عندهم؟ كاد الدمع أن يقفز من بين مآقيها ولكنها قمعته بصعوبة حين سمعت صوت الفتاة تقول باستفهام
_ اقدر اساعدك في حاجه؟
غيرت خطتها لتقول بجمود
_ عايزة اقابل خالد بيه ضروري. لو سمحتي قوليله أشجان عزام عايزة تقابلك .
شملتها نظرات الفتاة بتمعُن قبل أن تقول بجفاء
_ خالد مش فاضي. عنده مواعيد مهمة.
أشجان بإصرار
_ لو سمحتي انا كمان عايزاه في موضوع مهم. قوليله أشجان عزام بس من فضلك.
تنهدت الفتاة بنفاذ صبر قبل أن تُمسِك الهاتف و تحادثه قائله باحترام
_ مستر خالد . في موظفه في الأرشيف اسمها أشجان عزام عايزة تقابل حضرتك بتقول في موضوع مهم .
قاطعها خالد باختصار
ـ دخليها.
أغلقت الهاتف و التفتت تناظرها بحنق تجلى في نبرتها حين قالت
_ اتفضلي.
التفتت تتوجه إلى الداخل وهي تود أن تصرُخ في وجهه قائلة كيف تجروؤ؟ ولكنها تعلم بأن ذلك مستحيل الحدوث، فهي لا تملك الشجاعة للوقوف بوجه اي احد، و رغمًا عن ذلك فهي ستخبره ان يحتفظ بنقوده لنفسه هي لا تريد اي صدقة من أحد.
رفع رأسه حالما شعر بوجودها أمام مكتبه تناظره بأعين تأجج زمردها من فرط الغضب، وقد كانت هذه هي أول مرة يرى بهم شيء غير الحزن، ولكن بجميع الأحوال فتوهجه هذا افضل من انطفاءه
_ سامعك.
هكذا تحدث باختصار و بنبرة جافة جعلتها تغضب أكثر لذا كانت لهجتها حادة بعض الشيء
_ أسفة لو هاخد من وقت حضرتك بس كنت عايزة اعرف الفلوس اللي وصلتني زيادة على مرتبي دي من حضرتك؟
تفاجيء كثيرًا من استفهامها، فهو اعتاد على فعل هذا الأمر مع الكثيرين من موظفي الشركة مصدقه جارية على روح زوجته الراحلة، وحسن استمع عن طريق الصدفة لحديثها مع شقيقتها بأنها بحاجة للمال حتى تتخلص من زوجها الذي لا ينفك عن إه
هانتها وضعها على قائمة اولئك الناس ولم يتوقع أن تسأله هذا السؤال ظنًا منه أنها ستفرح، فهذا من شأنه أن يُقلص المسافه بينها وبين حريتها من ذلك الوغد ضارب النساء
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ فلوس ايه؟
أشجان بنبرة حانقة
_ العشر تلاف جنيه اللي وصلوني فوق مرتبي. حضرتك اللي بعتهم؟
خالد بخشونة
_ وانا هبعتلك فلوس فوق مرتبك ليه؟
أشجان بألم
_ صدقة مثلًا زي ما بتعمل مع ناس كتير!
بدأ الغضب داخله بالتصاعد تدريجيًا لهذا احتدت نبرته حين قال
_ وأنتِ عرفتي الموضوع دا منين؟
أشجان بثبات
_ سمعت عنه. لو سمحت جاوبني على سؤالي. انت اللي بعتلي الفلوس دي؟
ضاق ذرعًا من الحاحها خاصةً و هو شخص لم يعتد على الاستجواب من قبل اي احد لذا قال باختصار
_ ايوا انا.
على الرغم من أنها كانت متأكدة من هذا الأمر بنسبة كبيرة ولكن صراحته ضاعفت من غضبها مما جعل نبرتها مُستاءه حين قالت
_ طب انا هحول لحضرتك الفلوس تاني عشان أنا مش محتجاها. انا ظروفي كويسة جدًا و الحمد لله ميجوزش عليا الصدقة.
لونت الدهشة معالمه من حديثها و الأكثر معالمها التي كانت مُستاءة إلى حد كبير مما جعله يقول بجمود
_ غريبه مع اني متأكد انك فعلًا محتاجة الفلوس دي.
أشجان بصدمة
_ يعني ايه الكلام دا؟ و مين قالك أن انا محتجاهم؟
تباين ملامحها من الغضب للصدمه و غيرها من مشاعر تتجلى بوضوح على وجهها كان شيئًا مُثير للإهتمام، فقد تبددت لوحة المرأة البائسة التي كان يراها بها دائمًا مما جعله يقول ببرود
_ سمعت!
اغتاظت من ترديده لجملتها، فهتفت مُستفهمة
_ سمعت ايه بالظبط؟
ترك القلم من يده و تراجع للخلف يستند على ظهر المقعد قبل أن يقول بخشونة
_ انك عايزة تخلصي من وضع مؤذي بالنسبالك، و محتاجه تجمعي فلوس عشان تعرفي تعملي دا.
برقت عينيها حتى كادت أن تخرج من محجريها من حديثه من المفترض أنه لا أحد يعلمه سوى شقيقتها، و سُرعان ما تحولت صدمتها إلى خزي من أن يعلم ما تتعرض له على يد زوجها مما جعل طبقة كرستاليه من العبرات تتشكل كحاجز زجاجي بينهم وبين الرؤية، فخرجت نبرتها مُتحشرجة حين قالت
_ الكلام دا مش صح و معرفش حضرتك جبته منين؟ لكن احب اقولك اني مش محتاجه فلوسك، ولا محتاجه حاجة من حد.
التفتت تنوي المغادرة و عبراتها تفرش الأرض أمامها ولكن سرعان ما تجمدت بمكانهاحين استمعت إلى صوته الحاد خلفها
_ استني عندك.
مدت يديها تحاول محو عبراتها حتى لا يراها هذا المعغطرس الذي اقترب منها يفصله عنها بضع خطوات لتلتفت تناظره بعينين يتراقص بهم الألم الذي تجلى في نبرتها حين قالت
_ أفندم.
هذه المرأة أدهشته حقًا ما الذي حدث لتبكي بهذه الطريقة؟ جزءً منه تعاطف معها، و آخر استاء من بكائها الغير مُبرر ليناظرها بحيرة منها و من شعوره تجاهها مما جعله يقول بخشونة
_ أنتِ ايه حكايتك بالظبط؟
ودت لو تخبره بأنها المرأة التي تحمل أسوأ حظ في هذا العالم ولكنها اكتفت بإجافة مُقتضبة
_ مفيش حكاية ولا رواية. فلوس حضرتك انا مش محتجاها.
لدهشتها و دهشته حين اقترب يجلب أحد المحارم الورقية و يناولها إياها قبل أن يقول بلهجة لم تكُن جافة كعادته انما هادئة
_ مبتكلمش على الفلوس دلوقتي. بتكلم على حالتك الغير مُبررة. انا عملت ايه يستدعي الدموع دي كلها ؟
تناولت منه المحرمة وهي تمحي عبراتها قبل أن تقول بخفوت
_ الدموع دي مش بسبب حضرتك. انا بس متضايقة .
خالد بتهكم
_ أنتِ على طول متضايقة باين عليكي. انا مشوفتكيش أبدًا غير وأنتِ معيطة.
اغتاظت من حديثه فلم يكن ينقصها سواه، و ارتفع أحد حاجبيها تناظره بسخط تجلى في نبرتها حين قالت
_ والله مفيش حد بيعيط من غير سبب. محدش عاقل بيحب النكد يعني!
خالد بجفاء
_ في . الستات بيحبوا النكد قد عنيهم، وانا بالمناسبة بكرهه، فبلاش الدموع دي عمال على بطال.
اغتاظت من حديثه الوقح، و هتفت بنبرة حادة بعض الشيء
_ بعتذر لحضرتك والله. بس لو مكنتش بعتلي الفلوس اللي انا مش محتجاها مكنتش هزعجك بدموعي.
لوهلة أحتار بماذا يُجيبها، فشراستها أضفت بريقًا فريد من نوعه على عينيها أثره لوهله قبل أن يُعنف نفسه على تفكيره الغريب هذا ليلتفت متوجهاً إلى مكتبه وهو يقول بقسوة
_ الفلوس دي خرجت من ذمتي خلاص. لو مش محتجاها تقدري تصدقي بيها.
أوشكت على الاعتراض فاحتدت نبرته حين قال
_ مش عايز جدال كتير. انا قولت كلمتي والموضوع انتهى. تقدري تتفضلي على مكتبك.
اغتاظت منه و كادت أن تصرُخ في وجهه ولكنها للأسف لن تفعل ذلك لذا توجهت تنوي المغادرة وهي تسبه في داخلها هو وزوجها و جميع الرجال .
اللهم إني توكلت عليك فأعنّي، ووفقني، واجبر خاطري، جبرا أنت وليّه. - يا رب، أدعوك بعزتك وجلالك، أن لا تصعّب لي حاجة، ولا تعظم علي أمراً، ولا تحنِ لي قامة، ولا تفضح لي سراً، ولا تكسر لي ظهراً. - اللهم لا تجعل ابتلائي في جسدي، ولا في مالي، ولا في أهلي، وسهّل علي ما استثقلته نفسي♥️
★★★★★★★★
يحدث أن تشعر بالشوق لشخص دون أن تعلم السبب ؟ تفتقد حضوره، ضحكته، و حتى النسيم الذي يحمل رائحته، لا تحلو الحياة إلا عندما تشرق شمسه على عالمك. هذه ليست معضلة يا صديقي بل انها كارثة الوقوع في العشق، و بكل أسف فالنجاة منها أمرًا مستحيل.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
زفر بقوة و كأن الأكسجين المُحيط به لا يكفي لكي تتنفس رأتيه هناك شيء آخر يفتقده وكلما حاول التملص من شعوره تشتد وطأته على قلبه أكثر إلى أن اخذ قرارًا لا يعلم أن كان صائبًا أم لا ولكنه لن يقاوم ما يشعر به أكثر، فهو يشتاقها لذا جذب هاتفه الداخلي و ضغط على زر ما ليأتيه صوت سلمى التي أجابت باحترام
_ أمرك يا مستر كمال؟
تحمحم كمال بخشونة وهو يقول باستفهام
_ سلمى هو انتِ لسه مستلمتيش شغلك في مكتب خالد ؟
سلمى بتوضيح
_ الحقيقة استلمته النهاردة بس كان عندي وقت فاضي، و آسيا طلبت مني استنى هنا عشان لو حضرتك احتجت حاجة اكون موجودة.
نبض الفضول دواخله ليقول بلهفة
_ وهي فين؟
_ هي عند مستر وائل.
هكذا أجابته سلمى بسلاسة ليشعر ببداية اشتعال حريق داخل صدره لا يعرف سببه أو ربما لم يهتم للسبب، فهو غاضب و بشدة مما جعله يهتف بجفاء
_ طب كلميها خليها تيجي عندي ضروري.
اندهشت من طريقته في الحديث، ولكنها لم تعلق بل رفعت رأسها لتُطالع الساعة التي أمامها قبل أن تقول باحترام
_ تمام هتصل عليها حالًا..
اغلق الهاتف بغضب لا يعرف كنهه، ولكنه هائل يجتاح صدره بطريقة لم يعهدها مُسبقًا، فهو لم يكُن شخصًا عصبيًا من قبل ما الذي يحدُث له الآن؟
رن هاتفه الداخلي فالتقطه وهو يظن أنها المتصل ليتفاجيء بسلمى التي قالت
_ مستر كمال الكل في الكافيتريا دلوقتي لأن وقت البريك ابتدا.
قاطعها كمال بحدة
_ طب اقفلي.
اندهشت من طريقته،و لكن تضاعفت دهشتها حين وجدته يخرج من مكتبه كالإعصار ليتوجه إلى الكافيتريا الخاصة بالشركة ليتعاظم غضبه حين شاهد ضحكتها العذبة التي تُرسُلها لهذا الغبي الذي يضحك كالأبله المتيم بها نعم، فهو يعلم كيف تكون نظرات الرجل لإمرأة تُعجبه، وحين أوشك على التقدم نحوها وجد جميع الأعين تلتفت نحوه باحترام جعله يعود إلى رشده، و يتذكر موقعه في هذا المكان مما جعله يُغير وجهته إلى طاولات المدراء بعد أن أتقن رسم الجمود فوق ملامحه، ولكن لسوأ حظه، فقد التقمت عينيها غضبه و طريقته في التحديق بها ما أن دلف إلى المكان لذا لم تُعطيه أي اهتمام و واصلت حديثها مع وائل، وقد أتقنت التلاعب بملامح وجهها الجميل و تعبيراته للحد الذي ضاعف من اعجاب وائل و غضب كمال إلى أن اقتربت منها أشجان قائلة بتقريع
_ اتلمي يا بنتي لو رؤوف شافك وأنتِ بتتكلمي مع وائل دا هيزعل اوي.
تجاهلت ذلك الهياج الذي اصاب دقات قلبها عند ذكرها اسم رؤوف و اقتربت بجانب أشجان قائلة بخفوت
_ دا رئيسي في الشغل ايه المشكلة لما اتكلم معاه، وبعدين انا عارفه حدودي مع الناس كويس و مبتخطهاش و دا عشاني مش عشان حد.
زفرت أشجان بتعب، فيكفيها ما تمر به كما أنها تعلم كم شقيقتها عنيدة، فالتفتت إلى الجهة الأخرى لتصطدم بأعيُن سوداء كبئر عميق يرهبها النظر إليه خوفًا من أن تسقط به، ولا تجد من يساعدها، فقامت بالإلتفات إلى الناحية الأخرى وهي تتناول غدائها بهدوء، فقام وائل بتوجيه سؤال لها، فرفعت رأسها تطالعه بتيه وهي تبتسم بمجامله كي لا تُحرجه، فتابع مزاحه معها مما جعل ابتسامتها تزداد. مما جعل أحد حاجبيه يرتفع وهو يطالع ضحكتها، فقد كانت المرة الأولى التي يراها تضحك، و كم كانت ابتسامتها رائعة للحد الذي جعل استفهام مُثير يندفع إلى رأسه
_ كيف لشخص أن يطمس هذا البسمة الرائعة ؟
_ غريبة يعني أول مرة اشوفك بتتغدى هنا؟
هكذا استفهم كمال بجفاء قابله خالد بالجمود حين قال
_ عادي . زهق، و انت ايه اللي منزلك؟
أضاف خالد هذا الاستفهام ولكن سرعان ما استرعى انتباهه نظرات شقيقه المتعلقة بهذه الفتاة ليُضيف بسخرية
_ كدا انا عرفت ليه؟
التفت كمال قائلًا باستفهام
_ بتقول ايه؟
خالد بغموض
_ بقول متحومش حوالين النار لو مش هتتحمل حرارتها.
اندهش كمال من حديث خالد الذي أعطاه غمزة ماكرة قبل أن يتناول فنجان القهوة ليرتشف منه فاستفهم كمال وهو يتصنع عدم الفهم
_ تقصد ايه ؟ مفهمتش!
خالد بسخرية
_ متبقاش كمال الوتيدي لو مفهمتش.
تحمحم كمال قبل أن يقول بمُزاح
_ الكينج بتاعنا مبيفوتش عليه حاجه أبدًا. بس لا الموضوع مش زي ما انت فاهم. دا مجرد اعجاب بشخصها و أنها اتحدت ظروفهم و قدرت توصل للمكان دا.
خالد بابتسامة هادئة
_ فاكر واحنا صغيرين لما كنا بنلعب و كان بابا بيسميك فوكس.
كمال بمرح
_ عشان كنت ذكي.
أضاف خالد بمزاح
_ و مكار.
اتسعت ابتسامة كمال قبل أن يقول بتوضيح
_ بس طول عمري بلعب بنزاهه تنكر؟
خالد بهدوء
_ لا منكرش. بس عارف المشكلة دايمًا مبتبقاش فينا احنا. يا بتبقى ظروفنا معندانا. يا بتبقى الناس مش سالكة. يا بيبقى القدر عايز كدا.
لون الحزن معالم كمال حين قال
_ بتتكلم عن نبيلة صح؟
قست ملامحه و نبرته حين قال
_ هي واللي زيها.
_ بس نبيلة مش بالسوأ اللي انت شايفها عليه.
هكذا تحدث كمال ليقاطعه خالد بجفاء
_ انا عمري احساسي ما خاب تجاه حد.
فرغ من ارتشاف قهوته ليضع القول فوق الطاولة قبل أن ينهض من مكانه وهو يقول بجفاء
_ قول للفوكس يركز على هدفه قبل ما يطير منه. سلام .
كانت كلمات خالد تطن في أذنيه أثناء عودته إلى مكتبه وهو يعاند نفسه تارة و تارة أخرى يحاول إقناعها بأن الأمر لا يستحق، و في النهاية قرر أن يُلاعب فريسته حتى يصل إلى حقيقة ملموسه لما يشعر به لذا لم يطلب رؤيتها حين عاد إلى مكتبه بل انكب على عمله إلى أن مرت ساعة وأكثر وهي بالخارج تفكر لما لم يُرسِل في طلبها ؟ تكاد تقسم بأنها رأت ألسنه اللهب تتراقص في مقلتيه حين كانت تجلس مع وائل بالأسفل، و قد ظنت بأنه سيُرسِل في طلبها، ولكنها لم تنتظر حتى يفعل ذلك لذا قامت بجمع بعض الأوراق التي تنتظر توقيعه و توجهت إلى مكتبه تطرق الباب الى أن سمح لها بالدخول لتتقدم نحوه بخطوات مدروسة، وعلى وجهها ابتسامة بسيطة لتقول بهدوء
_ مساء الخير يا مستر كمال.
اومأ برأسه دون حديث لتقول بوضع الأوراق أمامه وهي تتعامل بطريقة طبيعية جعلت الغضب يتصاعد إلى رأسه، ولكنه لم يُظهُر ذلك لتُتابع وهي تقول بعملية
_ كمان نص ساعة في اجتماع مع رؤساء البنوك. لو تحب حضرتك اجيبلك قهوتك قبل الاجتماع؟
كمال بجمود
_ انا شربت تحت في الكافيتريا.
أتقنت تزييف العفوية في لهجتها حين قالت بلهفة
_ لا حضرتك أكلت بس مأخدتش قهوة خالد بيه بس اللي طلب قهوته.
صُدِم حين لمس اهتمامها الصريح له الءي جعل دقات قلبه تبدأ بالشجار داخله فرفع رأسه يقول بسخرية
_ دا أنتِ مركزة بقى؟
للمرة التي لا يعرف عددها تفاجئه حين قالت بصراحة
_ أيوا فعلًا انا كنت مركزة عشان اشوف حضرتك هتحتاج حاجة ولا لا. سلمى قالتلي أن هي اللي كانت بتهتم بموعيد الغدا بتاعت حضرتك و كمان مواعيد القهوة.
لا يعلم لما شعر في هذه اللحظة بأنه يود صفعها و بقوة، فهي تهتم لأجله فقط لأنه عملها! لم ينجح في محو الغضب الذي تراءى في عينيه، ولهجته حين قال
_ هاتيلي فنجان قهوة و جهزي الورق اللي هحتاجه في الاجتماع.
تمام يا فندم.
آسيا بعملية يكمن خلفها سعادة عظيمة بأنها استطاعت اخراج ما بداخله لتلتفت تنوي الخروج قبل أن توقفها كلماته الجافة
_ صفقة مصنع الغزل كنت مكلف وائل يعملي عليها دراسة مبدأيه اتناقش معاكي فيها؟
توارى المكر بعينيها خلف نظرات جامدة و نبرة تشبهها حين قالت
_ اكيد مستر وائل مش هيتناقش معايا في اي حاجه غير لما ياخد برميشن ( أذن ) من حضرتك.
تحمحم بخشونة قبل أن يقول بجفاء
_ اممم. اومال كنتي بتتناقشي معاه في أي الصبح؟ انا احتجت كام حاجه و سلمى اللي كانت موجودة..
تراجعت بخطوات تميل إلى الدلال الذي شاب لهجتها حين قالت
_ اه في الحقيقة كنت بتناقش معاه في كام بوينت كدا مكنتش عارفة اتعامل ازاي؟
غضب منها و من عفويتها التي تقوده إلى جحيم لا يستطيع النجاة منه ولا الانغماس فيه لذا هتف بجفاء
_ و مجتيش اتناقشتي معايا فيهم ليه؟
آسيا بعفوية
_ لإن مستر وائل الليدر بتاعي، وانا من يوم ما جيت الشركة وهو قالي اي حاجه اتناقش معاه فيها، و بصراحة مفيش مرة سألته على حاجه، و اتأخر عني فيها. بالعكس حتى لو وراه حاجه بيفضي نفسه و يقعد يتناقش معايا.
زحفت السخرية إلى ملامحه و نبرته حين قال
_ والله ! مكنتش اعرف انه حنين اوي كدا!
آسيا بعفوية
_ سوري! يعني ايه مفهمتش ؟
كمال بجمود يتنافى مع بريق الغضب في عينيه
_ مستر وائل لما جه الشركة كان زيك كدا. بس هو كان اذكى منك. لما حب يتعلم اتعلم من الأستاذ نفسه مرحش لتلميذ زيه عشان يعلمه.
فطنت إلى ما يقصد و غرق داخلها في سعادة عارمة من حديثه بينما من الخارج ارتدت قناع الخجل حين قالت بخفوت
_ فاهمه حضرتك تقصد ايه. بس. انا مكنتش حابه ازعجك، و اكيد يعني مش هتسيب اللي وراك عشاني! اقصد عشان تتناقش معايا يعني.
كمال بخشونة و عينين تتشبعان من ملامحها الجميلة
_ مين قالك كدا؟
آسيا بخفوت
_ مش محتاجه حد يقولي.
كمال بمزاح
_ يبقى متجوديش من نفسك.
ابتسام خافتة انفلتت من بين شفتيها قبل أن تقول بخجل
_ تمام.
لونت ثغره بسمة رائعه و ربما عاشقة كما أن عينيه كانت تُحيط بها بطريقة جعلتها تشعر بعدم الراحة، وحين قررت المغادرة بادرها هو الحديث قائلًا
_ بتعرفي تعملي قهوة؟
لون المرح معالمها قبل أن تقول بنبرة رقيقة
_ يعني مش اوي.
دار بكرسيه ثم توجه إلى حيث تقف واضعًا يديه بجيوب بنطاله قبل أن يقول بصوته الأجش
_ تحاولي عشاني ؟
اشتبكت الأعين بحديث صامت ارادت الهرب منه عمدًا حين قالت بتحدي مُبطن
_ عن نفسي معنديش مشكلة. المشكلة أنها لو وحشة انت اللي هتزعل.
_ مش هزعل.
_ يبقى خلاص هحاول.
كمال بنبرة يشوبها العبث
_ تمام.
ابتسمت بخفوت قبل أن تقول بمرح
_ تمام التمام.
قهقه كمال فتضاعفت وسامته قبل أن يقول بغزل مُبطن
_ انا واثق أنها هتبقى تمام التمام زي اللي عملتها.
اخفضت رأسها بخجل كان صادقاً هذه المرة لتقرر الهرب حين قالت بخفوت
_ عن اذنك.
كانت عينيه تتابعها بشوق لأول مرة يغزو قلبه الذي لم تكفيه هذه الدقائق معها بل يريد الكثير و الكثير، ولا يجروء عن تفسير. ماهية شعوره نحوها.
اللهمّ أعنّي ولا تعن عليّ، وأنصرني ولا تنصر عليّ، وامكر لي ولا تمكر بي، واهدني ويسّر الهدى لي، وانصرني على من بغى عليّ، رب اجعلني لك شكّارًا، لك ذكّارًا، لك رهّابًا، لك مطواعًا، لك مخبتًا، لك أواهًا منيبًا، رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبّت حجتي واهدِ قلبي وسدّد لساني♥️
★★★★★★★★
_ جومي بينا عشان هنمشي من المكان ده.
هكذا هتفت بدرية بلهجة آمرة جعلت ضي تنتفض في مكانها وهي تقول بفزع
_ وه . بتجولي ايه ياما ؟ نمشي نروح فين؟
بلعت بدرية ريقها بخوف اخفته خلف جدار الحدة حين قالت
_ جولتلك هنمشي من المكان اهنه.
_ ايوا هنروحوا فين يعني؟
_ ملكيش صالح. جومي فزي. لازمن نمشي جبل طلوع النهار
هكذا هتفت بدرية بصراخ جعل ضي تسقط في نوبة بكاء عاتيه وهي تصرخ قائلة
_ حرام عليكي بجى بعد ما بجالنا عزوة و اهل عايزة تخلعينا منيهم؟
بدرية بحدة
_ جولتلك بطلي رغي و جومي بلا أهل بلا حديت ماسخ.
احترقت للمرة التي لا تعلم عددها بجفاء و قسوة هذه المرأة مما جعلها تهتف بانفعال
_ مش هاچي معاكي. روحي مُطرح ما انتِ عايزة اني هجعد اهنه وسط اصحابي واخواتي
لم تحسب حساب لفعلة بدرية التي رفعت يدها و هوت فوق خدها بصفعة قوية وهي تصرخ بقسوة
_ اخرسي يا بت. بجى بتعارضيني و بتجفي جدامي. اني هوريكي.
أنهت حديثها و أخذت تضرب ضي بعنف و الأخيرة تصرخ من فرط القهر و الألم، فوصل صوتها إلى جميع سكان المنزل و المنازل المجاورة و بعد لحظات أنقذها الطرق على الباب من بين يدي والدتها التي ذهبت لرؤية الطارق، فوجدت رضا التي قالت بلهفة
_ في ايه يا بدرية؟ ضي بتصوت ليه؟
بدرية بقسوة
_ ضي و زفت. بت جليلة الرباية، واني كنت بربيها.
دفعتها آسيا بعنف لتدلف إلى ضي المنكمشة على نفسها تبكي بأسى، فقامت باحتضانها وهي تقول بانفعال
_ حرام عليكي هي صغيرة عشان تضربيها بالشكل دا؟ عملت ايه يعني ؟
بدرية بغضب فلم يكن أمامها وقتًا لهذا الهراء
_ ملكيش صالح. بتي و بربيها، و هاخدها و نهملوا المكان ده كله.
شهقت رضا بصدمة تجلت في نبرتها حين قالت
_ يا ندامه! تمشي و تروحي فين يا بدرية؟ هو حد زعلك ولا داسلك على طرف ياختي؟
بدرية بجفاء
_ لاه يا رضا. بس لازمن نمشي من اهنه
آسيا بانفعال
_ ايوا ليه؟ حصل ايه؟
بدرية بحنق
_ مالكيش صالح. جولتلك هنمشي يعني هنمشي.
_ بس يا بت يا آسيا اسكتي و اتكلمي مع خالتك عدل.
هكذا تحدثت رضا بغضب قابلته آسيا بالامُبالاه ثم قامت بجذب هاتفها لتهاتف غنى التي كانت تتقف أمام مواجهة ضارية بينها وبين والدتها التي قالت بعتب
_ رجعتي تكلمي ابوكي وانا لا يا غنى؟ قد كدا مش صفيالي؟
غنى بجفاء
_ اصفى للدنيا كلها بس أنتِ لا.
شهقت صابرين بصدمو تجلت في نبرتها حين قالت
_ للدرجة دي يا بنتي ؟
حاولت قمع عبراتها و اشواك الحروف التي تنغز بداخلها حتى لا تؤلم والدتها أكثر لذا قالت بجفاء
_ سيبيني في حالي الله يباركلك..
صابرين بنبرة ناكنة
_ طيب قوليلي كنت اعرف منين الخيبة التقيلة اللي هو فيها دي؟
التفتت غنى بغضب تجلى في نبرتها حين قالت
_ هي دي غلطتك الوحيدة؟ طب خدي عندك بقى ياسر مخانيش! مطلعش خاين ياما، و كل اللي مها قالته كذب!
ضربت صابرين فوق صدرها بصدمة تجلت فوق ملامحها و نبرتها حين قالت
_ يالهوي. بتقولي ايه؟
_ بقولك اللي سمعتيه. ياسر مخنيش، ولا كان له علاقة بمها. دا هو اللي مجوزها وبيودها مكان عادل الله يرحمه. شفتي بقى أن اللي عملتيه كتير! و لا يمكن اسامحك عليه.
ما أن أوشكت صابرين على الحديث حتى قطع عليها رنين الهاتف فامتدت غنى لتُجيب
_ ايوا يا آسيا.
_ تعالي بسرعة وهاتي خالتو صابرين معاكي. الست المجنونة بدرية دي عايزة تمشي من هنا و تاخد ضي معاها.
لم تمر ربع ساعة حتى هرولت غنى و خلفها صابرين إلى بيت خالتها ليتفاجئوا بوجود حشد من الناس أمام المنزل، و دلفت إلى داخل المنزل لتجحظ عينيها حين رأت…
الإثم السابع عشر ج٢ ❤️🩹 بعنوان " صِدامات و صَدمات"
مؤخرًا أصبحت أشعر بأن الحياة لا تُحبني، وانا كذلك أُبادلها نفس الشعور، فنحن نشبه كثيرًا خطان متوازيان لا يلتقيان أبدًا، فبالرغم من كل محاولاتي في السعي نحو الأفضل أجدها دائمًا تجذبني لأغوص في أعماق اليأس، و كلما مددت يدي لأصافح الأمل بترت أصابعي لكي لا أحاول مُجددًا. ربما في الأمر مُبالغة مني، ولكنها نجحت في جعلي أشعر بالملل، وانعدام الرغبة في المواصلة، وهذا قد يكون أقسى شعور رائع اختبرته في حياتي.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
فتح باب الغرفة التي أضاع بها قلبه، ولا يعلم كيف يسترده أبدًا، حاول مرارًا و تكرارًا و لكنه بكل مرة يصطدم بصخرة الفشل الذريع، وبالرغم من ذلك فمازال يحاول حتى لو كلفه الأمر كل شيء يملكه في هذه الحياة
ـ صباحك صافي يا ست الستات.
هكذا هتف وهو يتطلع إلى هذه الجميلة التي و كأن الزمن لم يمر على وجهها الصبوح الذي يحمل كم الحسن ما جعله يفني حياته أسفل قدميها طواعية، ولكنها كعادتها لم تُعطيه مثقال ذرة اهتمام واحدة بل ظلت واقفة بشموخها و عزتها تنظر من النافذة الكبيرة، و كأنها تناجي السماء أن تُحقِق عدالتها و تخُط فرمان حريتها للأبد
ـ وه يا صافية. لساتك مفطرتيش؟ أكده غلط عليكِ يا حبة الجلب.
اعتادت أن تقابل زخم عشقه بالصمت على أمل أن يمل منها ذات يوم، ولكن هذا اليوم تأخر كثيرًا، ولكنها مازالت تتمسك بالأمل لذا ظلت على جمودها ليقترب منها ببطء يتلذذ باستنشاق ذلك الهواء الذي يحمل رائحتها التي يعشقها، و كذلك يعشق النظر إلى خصلات شعرها و يتمنى لو يأتي يوم يمكنه غرس أصابعه بين طياتهم ليستمتع بجميلته التي كانت ابعد ما يمكن عن يديه برغم وجودها أما عينيه
ـ طيب شوفي. دول عاملينلك الوكل اللي بتحبيه.
ضاقت ذرعًا بصوته الذي كان وقعه كالنشاذ على مسامعها لذا التفتت ناظره إليه بجمود لم يهتز طوال السنوات الماضية كما أنها أتقنت تغليف لهجتها به حين قالت
ـ الوكل في دارك سَم حتى لو كان شهد يا رماح.
حروف اسمه من بين شفاهها كان لها وقعًا خاصًا يفعل الأفاعيل بقلبه الذي يرتضي بالفُتات منها لذا ابتسم بهدوء قبل أن يقول بلهجة تتقد عشقًا
ـ ورماح من خشمك شهد حتى لو كلامك سَم يا صافية.
ابتسامة ساخرة مرت على شفتيها قبل أن تقول بجفاء
ـ معيزاش يتعكِى صباحي بكلامك يكفيني شوفتك.
حديثها المسموم هو الشيء الوحيد القادر على اختراق دوافعه و جبال الظلام المُحيطة بقلبه الذي تألم في هذه اللحظة و تجلى ألمه بوضوح في عينيه و نبرته حين قال
ـ راح فين عشجك ليا زمان يا صافية؟ خبتيه فين يمكن أجدر اني كمان اخبي حبك اهناك بدل ما هو حارجلي جلبي أكده ؟
صافية بنظرات تحمل الضغينة و الاحتقار
ـ دفنته. دفنته في الخرابة اللي دفنتني فيها بالحيا جدام اهلي و ناسي. روح دوِر عليه هناك لو تجدر!
احرقته بحديثها و تذكيرها له بالماضي ليهتف بنبرة تحترق قهرًا
ـ اني عِملت كلات ده عشانك. عشان تبجي ليا. ليا بتحاسبيني اني حاسبيهم هما اللي فرجوا بينا.
لسوأ حظه و حسن حظها انا كانت شجاعه لا تهاب أحد تملك من الثبات ما يُمكنه زعزعة أعتى الرجال، و هذا ما فعلته به حين قالت
ـ محدش فرج بينا يا واد الهلالية. اني بنفسي اللي رفضتك لما عرفت حجيجتك، وهفضل ارفضك عمري كله.
هذه الجملة التي كانت بمثابة خناجر يختتم بها دائمًا حديثه معها، فلا هو قادر على نفي هذه الاتهامات، ولا قادر على ثنيها على موقفها تجاهه، و كل هذا الضغط الهائل يجعله كالثور الهائج لا ينجو من براثنه لحد سواها، و كما هي عادته حين يخرج من عندها يأتي بعدة فتيات كُن ضحايا انتُزِع برائتهم بوحشية، و يقوم بممارسة ساديته عليهم، و بكل مرة ينتهي به الأمر يصرخ باسمها لكي تستمع إليه وهو مع غيرها عل الغيرة تزور قلبها تجاهه ولكنه لا يجد سوى الاشمئزاز.
كان صدره يعلو و يهبط من فرط الغضب و المجهود في آن واحد، فجاء صوته غليظًا حين أجاب على الهاتف لتبرق عينيه ما أن استمع إلى حديث المتصل لينهي المكالمة وهو يصرُخ بصوت اهتزت له جدران البيت الكبير
ـ زناتي..
هرول زناتي الرجل الثاني في هذا الوكر و كل خلية به ترتعب من صُراخ سيده ليقف أمامه وهو يبتلع ريقه بصعوبة حين شاهد نظراته الجحيمية و نبرته التي تشبهها حين قال
ـ البنته اللي ماتت عِملت في جُثثهم ايه؟
ابتلع زناتي ريقه و تعالت أنفاسه و اهتزت نبرته حين قال بتلعثُم
ـ اني. اني حولتهم عالمعمل يشفوهم، و محيت كل الأدلة ووو.
قاطعه رماح بشراسة
ـ و أي؟ وديت الجُثث فين؟
ارتجف جسد زناتي و كذلك نبرته حين قال
ـ المكبس. كا. كان متعطِل جومت خليت الرچالة رموهم في الچبل.
ما أن أنهى جملته حتى قام رماح بلكمة بقوة في أنفه وهو يصيح بصوت كالرعد في شدته
ـ غبي. عايز توديني كلاتنا في داهيه.
زناتي وهو يرتجف كالاطفال
ـ يا كبير. ماني. ماني محيت كل حاچة عالچثث. استحالة حد هيعرِف حوصول ايه؟
رماح بهياج
ـ محيت كل الأدلة الا أهم حاچة. الوشم يا غبي.
أخذ يُكيل له اللكمات حتى خارت قواه، فقام بنفضه على الأرض وهو ينتزع سلاحه يوجهه إلى رأسه قائلًا بسخرية
ـ يالا سمعني الشهادة. ميرضنيش تموت كافر.
انتاب زناتي حالة من الذُعر الذي يجعل جسده يرتجف و نبرته حين قال متوسلًا
ـ ابوس يدك يا كبير لاه. اني خدامك.
حاوطته حدقتي رماح بمكر تجلى في نبرته حين قال
ـ صوح. خلاص مش هجتلك. بس.
زناتي بذُعر
ـ بس اي؟
رماح بحقارة
ـ تفدي روحك.
هوى قلبه بين قدميه حين استمع إلى جملة رماح مما جعله يقول بذُعر
ـ تجصد اي يا كبير؟
ـ البت بتك اللي بتربيها بدرية تاچي تاخد مكانها اهنه تتعلم و تتودك، و تاخد ختم رماح الهلالي، و بعديها تنزل الصالة وسط اخواتها. جولت اي؟
اللهم ارزقني رزقًا واسعًا حلالًا طيبًا، واستجب دعائي من غير رد، وأعوذ بك من الفضيحتين؛ الفقر والدين، اللهم يا رازق السائلين، ويا راحم المساكين، يا ذا القوة المتين، ويا ولي المؤمنين، ويا خير الناصرين، يا غياث المستغيثين، ارزقني يا أرحم الراحمين♥️
★★★★
_ أنتِ بتعملي ايه حرام عليكي؟
هكذا هتفت غنى وهي تشاهد بدرية التي كانت تمسك بخصلات ضي و الأخيرة تحتضن آسيا التي تعانقها بقوة وهي تصرُخ بانفعال
_ سبيها يا مجرمة. ابعدي عنها.
بدرية بانفعال وهي تدفع آسيا بقوة
_ بعدي عنها يا بت أنتِ. خلينا نغوروا من اهنه.
تدخلت غنى لتُخلص ضي من بين يديها وهي تقول بصراخ
_ ابعدي عنها هتموتيها في ايدك.
تدخلت صابرين هي الأخرى تحاول جذب بدرية بعيدًا عن الفتيات وهي تقول بانفعال
_ أنتِ اتجننتي في عقلك يا بدرية في اي؟
بدرية بصراخ
_ بعدوا عني انا و بتي عايزين مننا ايه؟ واحدة و بتها مالكوا انتوا؟
اقتربت صابرين تربت على كتفها وهي تقول بمهادنة
_ طب اهدي وخدي نفسك و خلينا نتكلم و نحل كل حاجه بالعقل الناس اتلمت علينا بره.
عند سماعها جملة صابرين الأخيرة اضطرت بدرية إلى التزام الهدوء تزامنًا مع قدوم رضا التي كانت تلهث من فرط التعب، فقد كانت تهرول لنداء زوجها عله يتصرف مع هذه المجنونة
_ في ايه يا ولاد ؟
هكذا تحدث عزام الذي صدمه ما يحدُث لتهتف بدرية بغضب
_ انا عايزة اخد بتي وامشي من اهنه، و هما مانعيني. يرضيك أكده يا عم عزام ؟
تدخلت آسيا بانفعال
_ وهي مش عايزة تمشي معاكي هو بالعافية ؟
عزام بحدة
_ وطي صوتك يا آسيا و اتكلمي كويس .
ناظرته آسيا بحنق ثم التفتت الى ضي المنهارة بأحضان غنى التي تساقط الدمع من مقلتيها حزنًا على ما يحدُث مع صديقتهم ليقول عزام بنبرة حادة
_ خدوا ضي و اطلعوا فوق لحد ما اتكلم مع الحاجة أم ضي شويه .
كان القلق ينهش بدواخلها، ولكنها مُجبرة على الصمت حتى تستطيع مغادرة هذا المكان قبل وقوع الكارثة.
صعدت الفتيات إلى الأعلى ليتوجه عزام إلى الأريكة وهو يقول
_ اتفضلي يا حاجه عشان نعرف نتكلم..
اطاعته بدرية بمضض و كذلك فعلت كُلًا من صابرين و رضا لتقول بدرية بحنق
_اهه. اديني جعدت. جول اللي عِندِك يا عم عزام.
عزام بهدوء
_ طب صلي على النبي.
الجميع في صوتًا واحد
_ عليه أفضل الصلاة و أذكى السلام
عزام باستفهام
_ قوليلي بقى في ايه؟ و عايزة تمشي من هنا ليه؟
بدرية بجفاء
_ من غير ليه؟ المكان دا مبجاش لادد عليا. ايه هتشاركوني يا عالم ؟
رضا برفق
_ طب قوليلي بس حد ضايقك ولا داسلك على طرف؟
بدرية بجمود
_ لاه. اني عايزة امشي من نفسي.
صابرين بحنق
ـ لا حول ولا قوه الا بالله. هو أنتِ يا بنتي ملبوسة! ما كنتي زي الفل امبارح. مالك قلبتي مرة واحدة ليه كدا؟
صمتت بدرية للحظات تتذكر المكالمة التي جاءتها منذ عدة ساعات لتقلب عالمها رأسًا على عقب
عودة لما قبل عدة ساعات
_ غريبة. ايه اللي فكرك بيا يا رماح؟
هكذا تحدثت بدرية بتهكم قابله رماح بالحدة حين قال
_ اسمعيني يا مرا أنتِ. معنديش وجت للحديت الماسخ دا.
انتابها القلق لحديثه فهتفت باستفهام
_في ايه يا رماح؟ حوصول حاچة ولا اي؟
رماح بانفعال
ـ تاخدي بت المحروج اللي عِندِك دي و تخفوا من المكان اللي عايشين فيه دا. العمدة عرف طريجكوا و هيبلغ عنكوا الحكومة.
هبت بدرية من مكانها قائلة بذُعر
ـ وه! بتجول اي ؟
_ اللي سمعتيه. رحيم الوتيدي عرف طريجك، و ناوي يبلغ عنك ، و في أي وجت ممكن تلاجي الحكومة طابه عليكي و وجتها مش عايز اجولك أني هعمل ايه فيكي انتِ و البت اللي معاكي دي!
كانت لهجته حادة تحمل طابع التهديد الذي تعلم جيدا بأنه لن يتوانى عن تنفيذه، فهو لا يرحم أحد أبدًا
عودة للوقت الحالي
لم يكُن أمامها بُدًا من هذا الأمر لذا قالت بنبرة حزينة
_ في ناس من عِندينا من البلد چت اهنه و عرفوا ضي و عرفوا اللي حوصولها، و عشان أكده عايزة اخدها و نمشوا.
تعالت شهقات المرأتان قبل أن يقول عزام بحرج
_ يا ست الحاجة بنتك زي الفل. بلاش التفكير الغريب دا، و الخوف الغير مُبرر.
بدرية بوقاحة
_ احنا في الصعيد عِندينا أصول، وبدل المرا اكتشفت على راچل تبجى خاطية.
اوشك عزام على الحديث فأوقفته نظرة رضا التي قالت بنفاذ صبر
_ طب يعني أنتِ مصرة تمشي؟
بدرية بجفاء
_ أيوا.
رضا بحنق
_ طيب عارفة هتروحي فين ؟
بدرية بنفاذ صبر
_ بلاد الله واسعة.
طافت عيني رضا على زوجها و شقيقتها بنظرات ذات مغزى قبل أن تقول باستسلام
_ طيب يا حبيبتي احنا منقدرش نمنعك. أنتِ مش محتاجة حاجه نعملهالك؟
بدرية بحدة
_ محتاچة تبعدوا بناتكوا عن بتي عشان نعرِفوا نمشوا من اهنه.
رضا بغضب حاولت قمعه
_ لا يا حبيبتي حقك انت هطلع اجبهالك، ولو احتاجتي حاجة أنتِ عارفة مكاننا.
في الأعلى جلست الفتيات تحتضن ضي التي كانت ترتعب من فكرة فراقهم لتقول آسيا بانفعال
_ بقولك ايه أنتِ مش صغيرة، و تقدري تقوليلها مش جاية معاكي. بطلي الضعف اللي أنتِ فيه دا.
أيدت حديثها غنى التي هتفت بغضب
_ اسيا عندها حق. دي حياتك، وأنتِ حرة فيها أنتِ مبقتيش صغيرة، وهي مش هتتحكم فيكي مش كفاية قسوتها عليكي و طريقتها الزفت معاكي.
تدحرج الدمع فوق خديها يخبرهن اي واقع مؤلم يُحيط بها قبل أن تقول بنبرة تتضور وجعًا
ـ مبجتش صغيرة بس معِنديش حد استجوى بيه. هي اللي بجيالي في الدنيا دي. انا عمري ماشفت ابوي، ولا اعرِفه. معرِفش أهل غيرها، وانتوا بعديها. مجدرش اعملها تمشي لحالها.
هتفت آسيا بغضب
_ طيب قوليلها مش هنمشي من هنا. مينفعش تسمعي كلامها عالعمياني كدا. أنتِ مش هيلة صغيرة.
ضي بألم
_ امي محدش يجدر عليها يا آسيا. اديكي شوفتي لما جولتلها مش هروح معاكي عِملت فيا ايه.
غنى بنفاذ صبر
ـ خلاص نقفلها احنا.
ـ قومي يا بت أنتِ وهي اطلعوا بره. عايزة اتكلم مع ضي شويه.
هكذا تحدثت رضا من خلفهم لتستدير رؤوس الفتيات ينتظروها بصدمة لم تعبأ لها، وحين أوشكت آسيا على الحديث أوقفتها رضا التي قالت بحدة
_ سمعتيني قولت ايه؟
تدخلت غنى التي قالت بتهكم
ـ والله يا خالتي انتوا حرام عليكوا عمايلكوا فينا دي. هو احنا مبنصعبش عليكوا؟ دا احنا حتى لحمكوا و دمكوا.
غضبت رضا من حديث غنى الذي لامس وترًا حساسًا داخل قلبها لذا هتفت بانفعال
_ ما هو عشان انتوا لحمنا يا عين خالتك بنحافظ عليكوا. انما انتوا في التراوة عايزين كل حاجه على كيفكوا. لا بتفكروا لافي أهل ولا في ناس ولا في اي حاجه. كل اللي يهمكوا تعملوا اللي في كيفكوا وبس، واحنا في النهاية اللي بنشيل الطين على دماغنا.
آسيا بتهكم
_ اه ما احنا بنات يعني هموم بالكوم يا ماما.
رضا بحدة
ـ عليكي نور، وانتي بالذات اكبر هم في حياتي. عقبال ما ينزاح و ارتاح منه.
آسيا بانفعال
ـ مش هينزاح غير بمزاجي عشان تبقي عارفة.
رضا بغموض
ـ هنشوف يا بت بطني.
وجهت انظارها إلى ضي قائلة بجمود
ـ اقعدي مع اخواتك شويه يا ضي على ما امك تلم حاجتكوا تحت عشان هتمشوا، وتعرفي يا حبيبتي أن مفيش حد هيحبلك الخير ولا هيعوز مصلحتك اكتر من امك.
أنهت جملتها و التفتت تغادر الغرفة لتندفع العبرات بغزارة من عيني ضي التي قالت بقهر
_ خلاص يا بنات. انا همشي معاها. بزيداها فضايح و وچع جلب.
كان الاستسلام هو الخيار الوحيد ولو كانوا مُكرهين لذا التفت غنى تحتضنها بقوة بينما تعاملت آسيا مع الأمر بعملية إذ توجهت إلى الخزانه و قامت بجذب شيء ما لتُعطيه لضي وهي تقول
_ التليفون دا تخليه معاكي، و متوريهوش لأمك، واول ما تعرفي هتروحوا فين كلميني عرفيني و أنا هجيب البنات ونجيلك لو روحتي فين ؟
امتدت يد ضي تأخذ الهاتف من آسيا بامتنان لتقول غنى من بين عبارتها
ـ متفكريش أن احنا هنسيبك ولا هنتخلى عنك، وهنرجع نتجمع كلنا. أنتِ بس عرفينا هتروحوا فين.
احتضنت ضي كُلًا من آسيا و غنى وهي تقول بامتنان
_ ربنا ما يحرمني منيكوا. انتوا عوضي عن كل حاچة.
مرت ساعة إلى أن انتهت بدرية من حزم أمتعتهم البسيطة و بجانبها ضي التي كان وجهها لوحة حية عن الحزن و الأسى الذي جعل بدرية تشعر بالشفقة تجاهها مما جعلها تقول بنبرة جافة
_ اعدلي بوزك ده. حد جالك اننا رايحين چهنم ولا اي؟
تساوى كل شي بعينيها في هذه اللحظة فهاهي ستفارق أحب الأماكن و الأشخاص إلى قلبها، فما الذي سيحدُث أسوأ من ذلك لذا لم تُجيبها إنما سارت خلفها كالتي تُساق إلى موتها، فوداع الأحبة يُعد موت، مغادرة الأماكن التي نعتبرها وطنًا لنا موت، الفراق بعد التعود موت، ولكن موت يحياه الإنسان بجميع تفاصيله المؤلمة إلى أن يحين له النجاة منه
تعانقت الفتيات بقوة و شوق بدأ قبل الفراق الذي جعل قلوبهن تنفطر ألمًا حد تفجر الدمع كالفيضانات، فكان مشهد تأذى منه جميع الحاضرين و اغتمت قلوب الجميع ماعدا القاسية قلوبهم و الذي لا يفلح شيء في إيقاظ مشاعر الأحساس بداخلهم
_ همي شويه مفيش وجت للدلع ده كله.
هكذا هتفت بدرية بجفاء فزفرت أسيا بحدة قبل أن تقول بسخط
ـ عندي احساس أن امك دي نهايتها على أيدي قريب.
ضي بنبرة تشعب بها الحزن
ـ أمي يا أسيا مجدرش ابيعها واصل. دا جدري و مفيش مهرب منيه.
حاوطتها غنى بحب تجلى في نبرتها حين قالت
ـ سيبك منها. المهم اول ما تستقروا في مكان كلمينا عشان نتقابل.
أنهت جملتها و قامت بجذب شيء من جيوب فستانها و كان عبارة عن منديل ابيض حين فتحته التمع بريق الذهب أمام اعينهن فهتفت ضي قائلة بصدمة
_ وه. ايه دا يا غنى؟
غنى بتهكم
ـ دي دبلت جوازي من اللي ما يتسمى. خديها خليها معاكي لو اتزنقتي اتصرفي فيها. انا عارفه انها مش بتمسكك فلوس.
ضي برفض قاطع
_ لاه طبعًا. بتجولي ايه أنتِ. دهبك اني ماليش صالح بيه.
اغتاظت آسيا من حديثها فهتفت بحنق
_ علي صوتك كمان خلي الناس كلها تسمع. اتنيلي خدي الزفتة منها دي دبلة فقر أصلًا
أوشكت ضي على الحديث فاوقفتها غنى التي قالت بحزم
ـ ولا كلمة خديها خليها معاكي لو اتزنقتي في أي وقت بيعيها و لو ضايقتك و مدت ايديها عليكي هاتي بعضك و تعالي على هنا.
اذعنت ضي لحديث الفتيات و ناظرتهن بامتنان قبل أن تنتفض من مكانها إثر نداء بدرية التي بلغ منها القلق درجاته القصوى، فهرولت ضي إليها لتستقل السيارة و تغادر بأقصى سرعة.
اللهم أعطنا من الدنيا ما تقينا به فِتنتها وتغنينا به عن أهلها ويكون بلاغًا لنا إلى ما هو خير منها، فإنه لا حول ولا قوة إلا بك أنت العليُّ العظيم. ـ
★★★★★
جاء الصباح مُغبرًا برماد الأمس الذي ابكى العيون و فطر القلوب مما جعل وجهها لا يُفسر وهي تدلف إلى المكتب لتضع أشيائها و تقوم بإعداد البرنامج اليومي لكمال الذي كان يتوسل الليل حتى يمر و يراها. على عكسها، فهو لم يزُر تفكيرها، ولو بمثقال ذرة بل على العكس تمامًا، فهي قضت الليل تحارب شبح رجل كانت تلجأ إليه كلما عصفت بها الحياة، وبيدها حرمت على نفسها ركنها الآمن، وهاهي تتجرع مرارة وحدتها بدونه، ولكنها ستصمُد أمام قرارات عقلها تتمنى لو تجني ثمارها قريبًا
جذبت دفترها لتتوجه إلى كمال الذي كان يحاول إخراجها من عقله حتى يستطيع التركيز على الملفات التي بين يديه، ولكن مع كل دقة على باب مكتبه كان يدق قلبه أضعافها ليأخذ نفسًا قويًا قبل أن يسمح لها بالدخول لتطل عليه بهيئتها المُبهرة من بداية مظهرها الرائع و وجهها المشع و حتى مشيتها التي تشبه عارضات الأزياء، و هذه الهالة من الثقة بالنفس و الطاقة التي تُحيط بها تجعل يومه أفضل، ولم يعُد في مقداره إنكار ذلك
ـ صباح الخير يا مستر كمال.
ابتسامة بسيطة لونت ثغره قبل أن يُجيبها بهدوء
ـ صباح النور.
ـ تحب اقول لحضرتك بروجرام النهاردة ؟
هكذا تحدث آسيا بعملية لم تروق له، و خاصةً عينيها التي كان يتفرع بهم شعيرات حمراء من المؤكد أنها نتيجة نوبة بكاء كبيرة.
ـ أحب اشرب قهوة من ايدك الاول.
بصعوبة نجحت في رسم ابتسامة بسيطة فوق ثغرها وهو توميء برأسها لتنو أن تتوجه إلى الخارج لإعداد القهوة و لكن أوقفها صوته حين قال باهتمام
ـ آسيا.
التفتت تناظره بصمت ليقول باستفهام
ـ أنتِ كويسة؟
لم تكُن في حالة تسمح لها بالحديث خاصةً معه لذا قالت باختصار
ـ كويسة.
أبى كبريائه عليه أن يُعيد استفهامه ليومأ برأسه مما جعلها تغادر دون أن تُضيف شيء، فقد كان داخلها يحمل من الغم ما جعلها لا تلحظ نظرات صاحبتها إلى حيث تقف، فقد كانت في عالم آخر حتى أنها لم تنتبه إلى صوت ماكينة القهوة التي أطلقت صوتًا عاليّا ليخترق أذنها صوت أشجان القادم من الخلف
ـ آسيا. طمنيني حصل اية امبارح ؟
التفتت آسيا إلى شقيقتها لتقول بنبرة مغمومة
ـ خالتك بدرية خدت ضي و مشيت.
أشجان بصدمة
ـ مشيت فين؟
آسيا بحزن
ـ منعرفش. المشكلة الأكبر أن البوليس جه امبارح الفجر يسأل عنها.
شهقت أشجان بصدمة
_ يالهوي بوليس! ليه هي عملت ايه؟
ـ معرفش، و للأسف الظابط مقالش حاجة لبابا. كل اللي قاله أن لو جت يعرفوا، وأن الموضوع كبير. انا قلقانه اوى على ضي يا أشجان.
أنهت جملتها و ألقت بنفسها في أحضان شقيقتها التي عانقتها بحنان و أخذت تربت فوق خصلات شعرها وهي تحاول تهدئتها قائلة
ـ اهدي يا حبيبتي. إن شاء الله مفيش حاجه وحشة.
مر بعض الوقت قبل أن تعود إلى المكتب لتجده مُمسكًا ببعض الأوراق بين يديه، فقامت بوضع القهوة أمامه وهي تقول بجمود
ـ اتفضل القهوة.
جمودها و عينيها الحمراء و انهيارها بين احضان شقيقتها كلها أشياء جعلوه يشعر بالألم لأجلها والغضب لكونها لو تخبره السبب حين سألها منذ قليل، ولكنه بالرغم من كل شيء لم يُريد فرض نفسه عليها مرة أخرى لذا قال بجفاء
ـ عندنا بروجرام ايه النهارده ؟
شرعت في سرد برنامجه اليومي بآليه بينما عينيه كانت تطالعها بفضول نهش دواخله، ولكنها كانت بعيدة عنه و عن كل ما يشعر به كثيرًا و لدهشته كان الموضوع مؤلم!
ـ جهزتيلي العقود اللي هراجعها؟
ـ جهزتها.
ـ حجزتي في المطعم اللي قولتلك عليه عشان الميتنج مع الممولين؟
ـ حجزت..
ضاق ذراعًا بإجابتها المختصرة لذا هتف بغضب
ـ هو احنا متخاصمين ولا حاجه؟
آسيا بعدم فهم
ـ يعني ايه ؟ مفهمتش!
ابتسامة ابعد ما يكون عن المرح لونت ثغره قبل أن يقول بجفاء
ـ ولا حاجه. اتفضلي على مكتبه، و خدي الورق دا معاكي.
أوشكت على مد يدها لتأخذ الورق من يده ليأتي إلى مسامعها صوت رنين هاتفها، وحين نظرت إلى المتصل تبدلت ملامحها، و تشقق قناع الجمود الذي ترتديه بشكل ملحوظ التقمته عينيه التي احتدت نظراتها حين رأى تخبطها الواضح، و ارتجافة الحروف فوق شفتيها حين قالت
ـ حضرتك. محتاج حاجه. اقصد امشي؟
اجتاح صدره غضب هائل لا يعرف مصدره، ولكنه ثقيل حد الألم الذي لا يُمكنه الإفصاح عنه، بالرغم من أنه يرغب و بشدة في هزها بعنف حتى يعرف مابها و ما الذي جعلها ترتجف هكذا ؟ أيمكن أن يكون رجل؟
هذا الهاجس جعله حرارة جسده ترتفع و أنفاسه تتلاحق مما جعله نبرته تبدو حادة كنصل السكين حين قال
ـ امشي .
تفاجئت من حالته، ولكنه لم تهتم فقد كانت تسابق خطواتها حتى تخرج لتُجيب على اكثر نداء يحتاجه قلبها في هذه اللحظة، ولكن لسوء حظها انتهى الاتصال لتحاول بشتى الطرق منع نفسها من مهاتفة رؤوف الذي هو اكثر انسان تحتاجه الآن، و ما هي إلا لحظات حتى أتتها منه رسالة نصية أضرمت نيرانًا هوجاء بدقات قلبها
ـ عايز اشوفك. محتاج اكلم معاكي.
لأول مرة تنحي عقلها جانبًا و تستمع إلى قلبها الذي جعلها ترسل إليه الرد في التو و الحال.
اللّهم إن كان رزقي في السّماء فأنزله، وإن كان في الأرض فأخرجه، وإن كان بعيداً فقرّبه، وإن كان قريباً فيسّره، وإن كان قليلاً فكثّره، وإن كان كثيراً فبارك لي فيه.
★★★★★
لأول مرة يتأخر عن عمله، ولكن طفلته كانت مريضه و قد اضطر إلى السهر بجانبها حتى تنخفض درجة حرارتها، و الإطمئنان أنها أصبحت بخير، وهاهو يسارع الزمن حتى يصل إلى مكتبه، و ما هي إلا دقائق حتى توقف المصعد في الطابق الخاص به، و ما أن انفتح الباب حتى تفاجيء بأشجان امامه، فبعد أن اطمأنت على شقيقتها توجهت إلى المصعد للنزول إلى القسم الخاص بها، ولكنها تفاجئت بنفسها وجهًا لوجه مع هذا الوحش كما يسمونه، و لسوأ حظها كانت تبكي أيضًا ككل مرة يراها بها لذا رفع حاجبه باندهاش قبلان يقول بتهكم
ـ أنتِ تاني! و بتعيطي بردو!
تيبست أطرافها من فرط الحرج فبكل مرة يراها تكن حزينة و تبكي لذا اخفضت رأسها بحرج قبل أن تقول بصوت خافت
ـ والله المرة دي..
باغتها حين قال بجفاء
ـ لا مش عايز اعرف بصراحة.
اغتاظت من وقاحته فرفعت رأسها بعينيه يتوهج زمردها من فرط الغضب مما جعل ابتسامة رائعة تزين شفتيه لتتوهج وجنتيها خجلًا جعله يقول بتهكم وهو يتوجه إلى مكتبه
ـ مش نكدية فعلًا.
لم تستمع الى جملته الأخيرة، ولكنه استوقفته قائلة بلهفة
ـ مستر خالد.
توقف على مضض، فهو بحياته لم يتأهر على عمله، و قد لاحظت ضيقه لذا قالت بحرج
ـ أنا طلعت الفلوس اللي حضرتك ادتهالي…
قاطعها بنبرة جافة
ـ هششش. الكلام دا مينفعش هنا. تعالي ورايا عالمكتب.
أنهى جملته و توجه إلى المكتب لتهتف بحنق
ـ هو عبيط دا ولا ايه؟
مُجبرة توجهت خلفه، وهي تشعر بالحرج من نظرات الفتيات في مكتب السكرتارية الخاصة به، ولكنها لا تملك خيارًا آخر لذا قامت بالطرق فوق باب الغرفة ليأتيها صوته يسمح لها بالدخول، فأطاعته لتجده أخذ مكانه خلف المكتب الخشبي يناظرها بأعيُن لاح بهم الغضب الذي جعل نبرتها مُهتزة حين قالت
ـ حضرتك قولتلي اجي وراك عالمكتب.
تشابهت نظراته الحادة مع نبرته حين قال
ـ المفروض انك كبيرة بدرجة كافية تخليكي عارفة ايه اللي ينفع يتقال وسط الناس و ايه اللي مينفعش!
جحظت عينيها من وقاحة كلماته، فهتفت باندهاش
ـ ناس مين ؟ مكنش في حد في الريسبشن غيرنا.
خالد بجفاء
ـ الحيطان ليها ودان يا مدام! اومال انا عرفت ازاي انك محتاجة الفلوس!
شهقة خافتة غافلت شفاهها مما جعلها ترفع يدها تغطي ثغرها وهي تناظره بصدمة، فطافت عينيه على هذه المرأة التي تُشبه الأطفال في تصرفاتها، فهاهي الآن تتصرف كصغيرته حين يخبرها بأنها اخطأت، وللحظة شعر بالشفقة على هذه القهر الذي تمارسه الحياة على بريئة مثلها.
ـ اقعدي يا أشجان.
لأول مرة يتفوه باسمها مما جعل شعور غريب يكتنفها، ولكنها لم تستطع تفسيره إنما اطاعته و توجهت لتجلس على المقعد أمامه بهدوء جعل لهجته ترق قليلًا حين قال
ـ واضح انك شخص بيتصرف بعفوية، و بتلقائية.
ابتسامة خافتة ارتسمت على ثغرها، ولكنها سرعان ما انمحت حين سمعته يقول بحنق
ـ و دا غلط جدًا، و يعتبر شغل ولاد صغيرين، وانا شخصيًا مابحبوش، فياريت بعد كدا تفكري كويس اوي في كل كلمة بتقوليها فين و لمين؟
كادت أن تبكي في هذه اللحظة، وقد تجلى ذلك في عينيها مما جعل الغضب يزحف اليه ليهتف بقسوة
ـ و لو عايزة تعيطي عيطي في أي مكان بعيد عني.
حل الغضب مكان الحزن بداخلها لذا نصبت عودها وهي تقول بنبرة جافة
ـ أنا مش طفلة صغيرة عشان اعيط يا فندم، ولو فعلًا بتصرف بتلقائية و بعفوية، فدي صفة نادرة في الزمن دا، وحاجة محبش اغيرها في نفسي.
انتبه الى ملامحها التي تلونت بحمرة قانية جراء غضبها و أيضًا ذلك الزمرد الذي توهج لونه بطريقة خاطفة للأنفاس أسرته للحظات، فقد كانت إمرأة فاتنه بحق، ولكن فتنتها تختبيء خلف واقعها الأليم. لذا و في هذه اللحظة قرر ان يساعدها لا يعلم السبب ولا يهتم، فقط لا يُريد أن يرى بكائها أبدً بعد اليوم.
أخرجه من شروده جملتها الغاضبة
ـ أنا كنت عايزة اقول لحضرتك بس أن الفلوس اللي بعتهالي أدتها لواحدة غلبانه كانت بتجهز بنتها. انا مخدتش منها ولا جنية، و مش محتاجة أصلًا. عن اذنك.
التفتت تنوي المغادرة وهي تشعر بأنها ناقمة عليه و على الظروف التي جعلت منها امرأة حزينة ينفر الجميع منها، ولكنها توقفت إثر جملته و نبرته القوية
ـ اتمنى انك تثبتي على كدا.
التفتت تناظره قائلة بعدم فهم
ـ نعم!
فاجأها حين قال بنبرة خشنة
ـ كل ما تيجي تعيطي. افتكري حاجة تعصبك، وتخليكي تتغلبي على ضعفك.
تنهيدة قوية شقت جوفها تتمنى لو تخبره أنها تكره البكاء أكثر من أي شخص في هذا العالم ولكن طريقتها الوحيدة للتنفيس عن ألم لا يمكن وصفه، ولا التبرأ منه.
لأول مرة بحياته يأخذ قرار دون أن يمر على عقله انما اندفع من بين شفتيه رغمًا عنه
ـ لو حابه انا ممكن اديكي شغل تخلصيه في البيت، و هيبقى له سالري غير اللي بتاخديه كل شهر.
مرت لحظات حتى استطاعت تجاوز صدمتها لتقول بعدم فهم
ـ شغل ايه؟ انا مش فاهمة.
خالد بخشونة
ـ الملف بتاعك مكتوب فيه انك معاكي كورسات انجليش، فممكن ابعت معاكي ايميلات و فايلات تترجميهالي؟
لم تصدق ما سمعته أذنيها لتقول بعدم تصديق
ـ حضرتك بتتكلم بجد ؟
خالد بجفاء
ـ مفروض أننا أصحاب ههزر معاكي؟
تحمحمت بحرج قبل أن تقول بخفوت
ـ بعتذر . مقصدتش.
ود أن يبتسم على حرجها و لكنه قال بجفاء
ـ ها موافقة ولا اي؟
كانت فرصة لن تُضيعها أبدًا خاصةً و أن كرامتها لن تُمس لا أجابته بثقة
ـ موافقة.
طافت عينيه مُطولًا، فقد كانت نوعًا من النساء لم يختبره مُسبقًا، مختلفة بل مميزة قد يكون لإنها ضعيفة، للحد أن نسمة هواء يمكن أن تجرحها، و قد يكون لانه يعرف نبذة عن الظروف المُحيطة بحياتها. لايعلم ما الذي يشعر به الآن امامها، ولكنه يستنكره بشده فهي امرأة خجولة و بريئة و أيضًا متزوجه.
ـ بعد ما تخلصي شغل تعالي لسلمى هتديكي الشغل اللي هتخلصيه في البيت، ولو في اي ملاحظات هتقولك عليها.
اومأت بسعادة لونت ملامحها فأظهرت مدى جمال ملامحها التي حولتها السعادة حتى بدت فاتنة.
اللهم من اراد بي سوء فاشغله في نفسه وراحته وصحته وعافيته ورد كيده في نحره واجعل تدبيره تدميرا له يارب وارزقه اضعاف مايتمناه لي اللهم ارني فيه عجائب قدرتك وحسبنا الله ونعم الوكيل♥️
★★★★★
ـ كيف اللي بتجوله ده؟ اني بنفسي شايفها هو اني هتوه عن وش البومة دي!
هكذا هتف رحيم بانفعال وهو يحادث الضابط محمد الذي صرخ بحنق
ـ قولتلك روحنا لقيناهم مشيوا من هناك. في حد بلغهم أننا رايحين يا رحيم.
كاد رحيم أن يجن في هذه اللحظة فهتف بجفاء
ـ يا بيه محدش يعرِف حاچة. اني متوكد من الحديت ده. شوف انت اكيد حد سمعك وانت بتكَلمني.
زفر محمد غاضبًا
ـ طيب مش موضوعنا. عايزين دلوقتي راحوا فين ؟
صمت رحيم يُفكِر قليلًا قبل أن يقول بنفاذ صبر
ـ في طريچة ممكن توصلنا لمكانهم.
ـ طريقة ايه؟
أطلق زفرة قوية قبل ان يقول بجفاء
ـ في الحجيجة هو شخص ممكن يساعدنا.
محمد بحنق
ـ طب و الشخص دا واثق فيه ولا؟
رحيم بتأكيد
ـ زي ماني واثج في نفسي يا بين.
التفت إلى الجهة الأخرى قبل أن يقول بينه و بين نفسه بحزن
ـ دا التمن هيكون غالي جوي.
أستغفر الله العظيم من جميع الذنوب كبائرها وصغائرها. أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. أستغفر الله العظيم على النعم التي أنعم علي بها ولم أشكره. أستغفر الله العظيم من الرياء والمجاهرة بالذنب وعقوق الوالدين وقطع الرحم. ♥️
★★★★
ـ ياسر. رايح فين يا حبيبي؟
هكذا هتفت هيام موجهة حديثها إلى ياسر الذي كان يتحدث بالهاتف ليُنهي مكالمته و يتوجه إليها قائلًا بابتسامة هادئة
ـ صباح الفل.
ـ صباح الهنا و الفرح على عيونك يا قلب أختك.
هكذا تحدثت هيام بحب يلون حدقتيها و نبرتها ليأتيها صوت حانق من الخلف
ـ و هييجي منين الفرح و الهنا طول ما العبد لله في الكلية الغبرة دي!
ناظرته هيام بحنق تجلى في نبرتها حين قالت
ـ ايه يا ابني النكد دا عالصبح ؟ دا بدل ما تقول صباح الخير
يزيد بنفاذ صبر
ـ ايوا هو فين الخير؟ و أنا أول ما صحيت اصطبحت بوش روضة.
هكذا تحدث يُشاكِس روضة القادمة من الأعلى لتقول بسخرية
ـ على أساس أن انا اقول ايه بقى على وشك؟
يزيد بغرور
ـ وش الهنا وش السعد.
تدخل ياسر قائلًا بسخرية
ـ و ممكن وش الفقر بردو.
التفت يزيد يناظره بسخط قبل أن يقول بوقاحة
ـ الصراحة يا ريس دمك تقيل. مضحكناش.
تظاهر ياسر بالنهوض من على مقعده وهو يقول بوعيد
ـ عايز تضحك ؟ هضحكك حلو..
انتفض يزيد من مكانه وهو يقول بخوف
ـ ياعم مكانك اضحك ليه اتهبلت؟ انا هاخد روضة و نقعد نندب على جنب.
روضة بسخرية
ـ روضة مش فضيالك. هقعد اتفرج عالفيلم بتاعي
يزيد بفضول وهو يتوجه إلى المقعد بجانبها
ـ فيلم ايه دا؟ اوبا الجميلة و الجحش بحب الفيلم دا علي يالا.
استغلت هيام انشغالهم و اقتربت بجانب إذن ياسر تقول بخفوت
ـ ايه يا حبيبي. فكرت في اللي قولتلك عليه ؟ بص شوف كدا البنية حلوة و زي القمر متتعيبش ازاي؟
التفت ياسر يناظر روضة التي كانت جميلة بحق، بملامحها المنمقة و ابتسامتها الرائعة، فهي بالفعل فتاة بغاية الروعة يتمناها اي رجل الا هو، فقلبه مُحصن ضد سحر أي امرأة سواها لذا التفت ناظرًا إلى هيام ليقول بخشونة
ـ قلبي مش شايفها يا هيام..
قطع حديثه يدها التي وضعتها فوق شفاهه تمنعه من الحديث وهي تقول بتوسل
ـ و رحمة ابوك الغالي لتركن قلبك على جنب. فكر بعقلك. شوفها بعين الريس ياسر اللي عقله يوزن بلد. اختار اللي يليق لك يا قلب أختك.
أوشك على الحديث فقاطعته مرة أخرى وهي تقول بحنو
ـ معاك لآخر الشهر تفكر.بس وغلاوة هيام عندك فكر بعقلك. مش هيضيعك صدقني.
تحمحم ياسر بخشونة قبل أن يقول بنفاذ صبر
ـ أنا همشي دلوقتي علشان رحيم هيقابلني عالشونة.
هيام بقلق
ـ خير في حاجه؟
ياسر باختصار
ـ لا.
اللهم إني توكلت عليك فأعنّي، ووفقني، واجبر خاطري، جبرا أنت وليّه. - يا رب، أدعوك بعزتك وجلالك، أن لا تصعّب لي حاجة، ولا تعظم علي أمراً، ولا تحنِ لي قامة، ولا تفضح لي سراً، ولا تكسر لي ظهراً. - اللهم لا تجعل ابتلائي في جسدي، ولا في مالي، ولا في أهلي، وسهّل علي ما استثقلته نفسي♥️
★★★★
أخذت تجول في المكان من حولها برهبة حاولت قمعها البارحة حين خاضت تلك المواجهة مع اهلها المزعومين، ولكنها وقعت فريسة لها طوال الليل خاصةً حين لم يأتي عمر، فقد شعرت بالخوف يغزو أوردتها من اي فعل أخرق قد تفعله هذه المرأة معها، ولكنها تذكرت كلمات عمر المطمئنة ذلك اليوم حين أتى ليطلب يدها للزواج
عودة لوقت سابق
تفاجئت من رنين جرس الباب في هذا الوقت المُبكر من الصباح، فتوجهت بلهفة لمعرفة من الطارق، فصُدِمت حين رأت عمر يقف أمام باب المنزل بأعيُن لا تُبشر بالخير، فهتفت بقلق
ـ جدتي جرالها حاجه؟
اندهش أنها أطلقت على جدته هذا اللقب، ولكنه اكتفى بطمأنتها قائلًا
ـ اطمني. هي كويسة.
هدأت أنفاسها قليلاً لتقول بارتياح
ـ طب الحمد لله.
ـ ممكن اتكلم معاكي شويه؟
ـ اتفضل.
تنحت شروق جانبًا حتى افسحت له المجال ليمُر و تبعته هي لتجلس في المقعد أمامه تنتظر منه ام يبدأ بالحديث، و الحقيقة أنه لم ينتظر بل عمل بمبدأ قطع العرق و إسالة الدماء ليقول بجمود
ـ شروق انا طالب ايدك للجواز!
شروق بصدمة
ـ نعم؟!
تحمحم عمر قبل أن يقول بجمود
ـ اسمعيني كويس يا شروق. انتوا ليكوا حق عندنا، وانا بشكل أو بآخر مُجبر اردهولكوا، و ماما وجدتي بينهم صراع من زمان اوي وانا مش عايزك أنتِ و جميلة تكونوا ضحايا للصراع دا.
ناظرته بهدوء عكس ما يعصف بداخلها من خوف و قلق، و رهبة، و صدمة لم تفلح في تخطيها بعد، ولكنها تحدثت بثبات تُحسد عليه
ـ ممكن اعرف ايه اللي في دماغك بالظبط؟
اعجب بهدوء أعصابها كثيرًا لذا شرع يقص عليها ما يجول بداخله
ـ أنتِ فاضلك سنة و تتمي واحد و عشرين سنة وقتها اقدر اسلمك ورثك، و عشان اكون متطمن عليكوا لازم تكونوا قدام عيني.
ـ و قدام عين ممتك بردو.
هكذا أضافت شروق ليقول بنبرة قوية تشبه نظراته التي طمأنتها كثيرًا
ـ قدام عنين الكل هتبقي تخصيني، وقتها محدش هيقدر يقرب منكوا.
شروق بهدوء
ـ اوك بس ممكن اعرف ازاي انت ضامن حاجة زي دي؟
عمر بنفاذ صبر
ـ أنا من ضمن أهداف الصراع اللي داير بين ماما و جدتي. اللي هي شايفه أن ماما اخدت منها ابنها، وعايزة تاخدني منها، و امي بتعافر عشان متسمحش ليها تعمل دا، و بالتالي فالكل بيتلاشى أنه يقف قدامي.
لمحة من التوتر مرت بعينيها مما جعله يقول بمرح
ـ و بعدين ابن خالك مسيطر متقلقيش. انا شاكمهم كلهم هناك.
رغمًا عنها ابتسمت على حديثه ليُضيف بنبرة مُطمئنة
ـ مش عايزك تخافي من حد، و اتأكدي انك في امان انتِ و جميلة طول مانا موجود.
عودة للوقت الحالي
زفرت بتعب وهي تجلس فوق السرير العريض تُفكِر كيف ستتعامل مع اولئك البشر، و بالطبع لن تنسى ثأر والدتها الذي هو هدفها الأول و الأخير، و لأجله قبلت الزواج من عمر، والبقاء في هذا المنزل..
طرق خافت على باب الغرفة جعل رعشة قوية تضرب جسدها، و من ثم تأهبت جميع حواسها أستعدادًا لما هو قادم لتجد نفسها وجهًا لوجه مع نبيلة التي كانت هادئة بشكل مريب، فلم تتحرك شروق من مكانها بل ظلت ثابته تناظرها بأعين مظلمة كليل حالك لا نجوم فيه لتقول نبيلة بمرح
ـ مبروك يا عروسة.
شروق بهدوء
ـ الله يبارك فيكي يا حماتي.
اغتاظت نبيلة من كلمة شروق التي جعلتها تهتف بتهكم
ـ حماتك! هقول ايه معلش يا حبيبتي ما انتوا تربية الحواري.
شروق بنفس هدوئها زاد عليه ابتسامى بسيطة
ـ بالظبط. احنا في الحواري بنقول كدا.
هذه الفتاة بالنسبة إليه كتلة من الاستفزاز ولكنها لن تسمح لها بجعلها تنهار لذا هتفت بتهكم
ـ لا بس أذكية و ناصحين، و بتعرفوا ترسموا و تخططوا كويس.
ـ لا هو مش موضوع حواري. هو تقريبًا موضوع جينات هي اللي بتتحكم في موضوع الذكاء دا.
هكذا تحدثت شروق بهدوء كاد أن يُصيبها بجلطة دماغية، فصرخت نبيلة بانفعال
ـ اتعدلي يا بت أنتِ. أنتِ هتشتغليني بالكلام؟
نصبت شروق عودها و توجهت لتقف وجهًا لوجه مع نبيلة قبل أن تقول بندية و نبرة جافة ولكن ثابته
ـ ليا اسم، و اظن أنتِ عرفاه، وياريت لما تحبي تتكلمي معايا تناديني بيه، و لو كانت ردودي ضايقتك، فأنا عندي ردور تانيه ممكن تزعلك، فالأحسن منتكلمش مع بعض يا حماتي.
قالت جملتها الأخيرة بابتسامة عريضة أصابت نبيلة بالجنون ولكنها لن تسمح لغريمتها بالانتصار عليها لذا نحت غضبها جانباً قبل أن تقول بتهكم
ـ تصدقي نسمة الهبلة خلفت، و ربت. والله فاجئتيني.
حريق هائل نشب في صدرها حين سمعت حديثها عن والدتها ولكنها نجحت في كظم غضبها لتقول بنبرة جامدة
ـ كويس ان أنتِ عارفة أنها ربت، و تربيتي تمنعني أرد على واحدة في سنك، فياريت تحترمي سنك أنتِ كمان و تخرجي بره اوضتي.
أصابتها كلمات شروق في مقتل فعمى عينيها الغضب وحين أوشكت على الرد جاءها صوت عمر الساخر من الخلف
ـ ايه يا بلبلة حد بردو يضايق عروسة كدا يوم صباحيتها ؟
التفتت تناظر عمر بحنق تجلى في نبرتها حين قالت
ـ عروسة ايه وزفت ايه؟ تعالى اسمع تربية الحواري اللي جبتها وسطنا و شيلتها اسمك قالت ايه لأمك و أهانتها ازاي؟
عمر بجمود
ـ سمعت، و بحيي شروق على هدوئها قدام الإهانات اللي وجهتيهالها، و أدبها في الرد عليكي و بصراحة بحسدها على اللتنين، و الحقيقة اني اتأكدت في اللحظة دي اني اخترت صح.
تجمدت الدماء في أوردتها من حديث ابنها و لكن ما جعلها تتخطى صدمتها هي ابتسامة شروق المنتصرة لتصرخ بغل
ـ بتنصرها عليا عمر؟ بتنصرها على امك!
عمر بجمود
ـ بالعكس أنا منصرتش حد على حد. الكلام بينكوا كان خلصان من قبل ما آجي، و اتمنى بجد اني مجيش في يوم اشوف الموقف اللي شفته دا تاني. عشان وقتها هتبقى خسرنا بعض فعلًا..
تضخم قلبها من فرط الغضب، و قد تأكدت في هذه اللحظة بأنها على وشك التعرض لخسارة هائلة لذا يجب عليها وضع خطة مُحكمة لأعادة الأمور إلى مسارها الصحيح لذا هتفت بنبرة منكسرة
ـ حاضر يا عمر. مش هدخل اوضتك تاني.
اللهم إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدّين وقهر الرّجال. - اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كلّه، لا إله إلا أنت
★★★★★★
يؤذينا الشوق ليلًا، و تتجلى آثاره على القلوب نهارًا حيث لا شيء قادر على تعديل مزاج شخص قضى الليل يتقلب على جمر الشوق ينتظر أن يأتي الصباح بدواء قادر على إصلاح آثار الليلة الفائتة، ولكن يضيع انتظاره هباءً حين يجد نفسه مشتاق و أيضًا مجبر على التعامل وكأن شيئًا لم يكُن.
نورهان العشري ✍️
🍁🍁🍁🍁🍁🍁🍁
أخذت تتجول بين الفصول، فقد بدأت بالعمل منذ أسبوع مضى، وقد فادها العمل كثيرًا، فهاهي تمضي النهار بأكمله في هذه المكان و تعود لتمكث في غرفتها بين ذكرياتها و آلامها إلى أن ينتشلها النوم من بؤرة أحزانها و تقضي الليل بين كوابيس و هواجس إلى أن تستيقظ لتدفن جميع اوجاعها في العمل الشاق و هذا هو الشيء الوحيد المُريح بالنسبة إليها، ولكنها لم تسلم من من وخزات الشوق الذي يجذبها من قلبها جرًا لتختلس بضع نظرات إليه من هذه النافذة التي تُطِل على مقر عمله، فهذه النظرات هي الشيء الوحيد الذي يُعطيها دفعة لتُكمل يومها الطويل.
كعادتها تحاول المقاومة و لكن دون جدوى، فهاهي تستعجل إنهاء حصتها لتتوجه إلى هذه الغرفة تحاول إلهاء الأولاد قليلًا ولكن عينيها على ذلك الرجل الذي كان وسيمًا، قويًا، ذو هيبة تحيط به كهالة مُشِعة تجذبها إليه لتقع بعشقه مرارًا و تكرارًا، و كلما قاومت سقط قلبها أكثر و أكثر في عشقه لتنفلت عبرة يتيمة من طرف عينيها تحكي واقعها الأليم، و لكنها سُرعان ما محتها وهي تلتف إلى الجهة الأخرى حين أوشك على الإمساك بها، أو هكذا ظنت لا تعلم بأنه يرى نظراتها و إن قلبه يستشعر مراقبتها له قبل أن تراها عينه بل إنه هو الآخر يسترق النظر إليها من أحد المخازن حتى يُملي عينيه من جمالها، و يروي شوق قلبه العاصي الذي يشبهه بالطفل العاق الذي يخبئ أفعاله النكراء عن العالم أجمع
اختفت عن ناظريه ليزفر بتعب وهو يتوجه إلى الخارج قائلًا بجفاء
ـ فين الشاي يا ابني انت وهو؟
تحدث أحد الصبيان في المخزن
ـ انا قولت لحماصه يبعته يا ريس ياسر و هو اللي اتأخر .
هتف الصبي الآخر بلهفه
ـ حماصة مين يا عم انت. مقاليش حاجه يا ريس.
ـ بطل كذب. قولتلك بس انت مكنتش مركز…
قاطع شجارهم ياسر قائلًا بحنق
ـ خلاص. اعملك قفلة انت وهو. انقلوا يالا الحاجات دي المخزن التاني من سكات.
توجه إلى الخارج ينوي طلب كوب من الشاي الذي كان هو مشروبه المفضل، و حين خطت أقدامه إلى خارج المكان وجد فتى القهوة يحمل صينية عليها كوب من الشاي فهتف مُناديًا
ـ ساعة عشان تجيب كوباية الشاي؟
و بنفس اللحظة أتاه صوتها العذب وهي تقول بعتب
ـ كل دا يا جندي على ما تجيبلي كوباية الشاي!
توقف الاثنان وجهًا لوجه أمام بعضهم البعض، فاحترق الهواء من حولهم من فرط الأشواق العاتية التي فاضت بها القلوب و تجلت بوضوح في نظراتهم، فقد كان لقاء من ترتيب القدر الذي انتهت له قلوبهم لتشتبك نظراتهم لثوان قبل أن يقول فتى القهوة
ـ هو انتوا اللتنين عايزين شاي ولا اي؟
تحمحم ياسر بخشونة هو يُدير رأسه بصعوبة عنها كما التفتت هي الأخرى ناظره للفتى ليقول ياسر بخشونة
ـ أنا باعتلك بقالي ساعه على الشاي.
و هتفت هي الأخرى بنبرة رقيقة
ـ وانا كمان بعتلك مع عم عطية البواب.
شعر الفتى بالحرج من هذا المأذق ليقول باندفاع
ـ طيب في كوباية واحدة حد فيكوا ياخدها، وانا هعمل للتاني.
أطلق زفرة حارة قبل أن يقول بجمود
ـ اديهالها و اعملي انا واحدة تانية.
أرادت أن تُطيل الأمر أكثر لذا هتفت بلهفة
ـ لا خلاص خدها. انت بتحب تشرب الشاي الصبح كدا.
لا إراديًا تعلقت عينيه بها بشوق سرعان ما تحول لغصب و كأنه يعاتبها قائلًا
ـ ما الذي تنوين فعله بي ؟
ولكنه في نهاية الأمر تغلب على ما يجول بصدره ليهتف بجفاء
ـ مش مشكلة هستنى شويه. خديه أنتِ.
لا تعلم لما أرادت الانتصار في هذه المعركة البسيطة لذا عاندته قائلة برقة
ـ لا لا خدها انت. احنا كدا كدا بنشربه زي بعض. فأكيد هيبقى مظبوط.
رقتها و نظراتها كانا كالأسلحة الفتاكة التي جعلت نظراته متوسلة هذه المرة و كأنه يُخبرها
ـ رفقًا بي فقلبي ليس في مقدوره المقاومة أكثر.
مثلها يعاند فقط ليبقى أمام عينيها وقتًا أطول لا هتف بجفاء
ـ لا مش مشكله. خديها وانا هطلب واحدة تانية.
ـ خلاص يا ياسر. يعني انت شربت كإني انا شربت.
كانت لها الغلبة حين قالت بلهجة اقرب للتوسل الذي اخترق صدره مما جعل أنفاسه تتشاجر بداخله والكلمات تتناحر فوق شفتيه تريد الخروج ولكنه نجح في قمعها ليسمعها توجه حديثها إلى الفتى قائلة بتعب
ـ اعملي واحدة الله يباركلك، و ياريت تجيبي حبة مسكن معاها.
هذه المرة غافلته الكلمات و خرجت متلهفة من بين شفاهه حين قال
ـ تعبانه ولا اي؟
التفتت تناظره بلهفة تجلت بوضوح في عينيها وهي تقول بخفوت
ـ مصدعة شويه.
تصنع الجمود وهو يقول باستفهام
ـ من ايه؟
غنى بنبرة مغمومة
ـ بقالي فترة مبنمش حلو. عادي يعني هبقى كويسة..
أراد لهذا اللقاء أن ينتهي الآن و إلا لن يستطيع الابتعاد عنها أبدًا لذا هتف بجفاء
ـ إن شاء الله.
أنهى جملته و توجه للداخل وهو يحارب جيوش شوقًا عاتيه تجتاح صدره الذي أصاب دقاته الجنون يتمنى لو تحدُث معجزة تجعله يذهب الآن و يعانقها حتى تئن عظامها بين يديه طالبة للرحمة، ولكن لسوأ حظه فزمن المعجزات ولى منذ أمد بعيد.
التف حول مكتبه وقام بجلب شريط دواء من أحد الأدراج و توجه الى أحد صبيانه و هو يقول بجفاء
ـ اطلع ادي دا للواد جنيدي و قوله الريس ياسر بيقولك دا مسكن كويس.
تناول الصبي منه الشريط و هرول إلى الخارج ليقف ياسر أمام أحد النوافذ يحاول تنظيم دقات قلبه، و إذا به يتفاجئ حين رأى