رواية نصفي الاخر الفصل الثامن عشر 18 بقلم شاهندة سمير


 رواية نصفي الاخر الفصل الثامن عشر 


__بائسة في درب فُقد فيه الأمل __

آمنت بأني أستطيع ترويض الوحش بداخلك فتتحول إلي أمير أحلامي الذي لطالما أحببته، فواجهتني الحقيقة المرة..
تزوجتني لتطفئ لهيب قلبك المنبعث من جوف الانتقام فمن أنا لأواجه الكره بالحب؟ ومن أنا لأبحث عن اللاشيء؟ الآن والآن فقط قد آمنت أن الشقاء مصيري، وبعد أن عشقتك صرت بائسة في درب فُقد فيه الأمل.

كان نضال يدلف الى داخل الحفل وبيده زوجته رهف..كان يشعر بالتوتر كعادته فى هذه التجمعات والتى لا يطيقها منذ هذا الحادث..اقترب من مجموعة تحتوى على بعض رجال الأعمال وزوجاتهم الذين بدوا مندهشين من وجود نضال فى مثل هذا الحفل، ومتساءلين عن هذه الفاتنة التى يمسك بيدها، يرونها لأول مرة معه..سلموا عليهما وقدم نضال رهف كزوجته فسرعان ما رحبوا بهما مهنئيين اياهما على هذا الخبر الصادم والسعيد..تلقى كل من نضال ورهف التهانى بابتسامة هادئة ثم اقترب منهما النادل ليقدم لهما المشروبات..امسك نضال بعصير الفراولة يمنحها إياه فنظر النادل الى نضال بتوتر وكاد ان يغشى عليه لولا ان سمع صوت رهف تقول برقة :
_مبحبش الفراولة يا نضال . 

ابتسم النادل بداخله..لذلك أكد مازن أن يحمل اليهم كوبين من العصير فقط أحدهما فراولة والآخر مانجو وان يضع المخدر بالمانجو..لابد وانه يعرف هذه المرأة جيدا ليعرف انها لا تحب عصير الفراولة، منحها نضال عصير المانجو بابتسامة هادئة وأخذ هو عصير الفراولة ليبتعد النادل حتى وصل لرجل يقف بعيدا ويراقب ما يحدث بابتسامة منتصرة..قال النادل لذلك الرجل الذى لم يكن سوى مازن:
_انا كدة خلصت مهمتى ياباشا..والباقى على حضرتك.

أومأ مازن برأسه وعينيه تلتمعان وهو يرى رهف ترتشف من العصير ثم أشار الى النادل قائلا:
_روح انت ياثروت وابقى عدى علية عشان تاخد بقية حسابك.

ابتسم ثروت بجشع قائلا:
_اوامرك ياباشا.

ابتعد عنه فى حين نظر مازن الى رهف التى ظهر على ملامحها التعب وهى تضع يدها على صدغها بطريقة خفية لا تظهر سوى لمن يراقبها عن كثب مثل مازن الذى قال بشر:
_مفعول المخدر ابتدي يظهر..يلا روحى علي الحمام يارهف عشان تغسلى وشك بشوية مية وتفوقى..متعرفيش طبعا انى مستنيكى هنا..مستنيكى على نار.

استأذنت رهف بالفعل من نضال لتذهب الى الحمام فأذن لها..ذهبت رهف الى الحمام لتغسل وجهها ببعض الماء ولكنها وجدت نفسها تسرع بالتقيؤ..غسلت فمها ووجهها ببعض الماء ونظرت الى وجهها الشاحب بالمرآه قائلة:
_مالك يارهف..جرالك ايه؟

أحست بالضعف فقررت ان تخرج وتخبر نضال بأن عليهما الرحيل فهى لا تشعر بأنها بخير..ولكن ما ان خرجت حتى وجدت مازن امامها يعترض طريقها..نظرت اليه فى وهن قائلة:
_لو سمحت عدينى.

ابتسم بسخرية قائلا:
_طب حتى سلمى الاول..ولا خلاص من لقى احبابه نسى برضه أحبابه.

أحست رهف بدوار بسيط ولكنها تمالكت نفسها وهو تقول بملل:
_احنا عمرنا ما كنا حبايب يامازن..ومفيش حاجة كانت بتجمعنا او ممكن تجمعنا، لا سلام ولا كلام، ولو سمحت ابعد عنى دلوقتى أحسن ما....

كادت ان تقع فأسرع مازن باسنادها وهو يتعجب من عدم سقوطها مغشيا عليها حتى الآن...هل من المعقول ان تكون تقيأت ما شربته؟ ولكن حتى وان فعلت فلابد وان مفعول البعض منه ساريا فى دمها..نفض افكاره على محاولة رهف الضعيفة لابعاده عنها فقال فى هدوء:
_اهدى يارهف..تعالى بس معايا وأنا......

قاطعه صوت نضال الهادر وهو يقول:
_ رهف !

كان مازن يوليه ظهره وما ان استمع لصوت نضال حتى أدرك فشل خطته فترك رهف وأسرع بالابتعاد حتى لا يتعرف عليه نضال فى حين أسندت رهف نفسها على الحائط..اقترب منها نضال قائلا فى غضب:
_حسابك معايا بعدين.

وأمسك بيدها يجرها جرا من الباب الخلفى وهى لا تقوى علي قول له كأن يهدئ من سرعته مثلاً فدوارها يزداد حدة حتى احست بالسواد يحيط بها من كل اتجاه..كان نضال يمشى بخطوات غاضبة حتى أحس بتراخى يد رهف فأدرك انها سيغشى عليها ربما من الخوف، فأسرع باسنادها وحملها الى السيارة ثم أدخلها فيها وانطلق بسرعة وهو يضرب على مقودها بقوة وبغضب شديد قائلا:
_غبى.. غبى.

توقف بالسيارة حين وصل الى المنزل ثم خرج وحمل رهف الى حيث جناحهما ثم وضعها على الاريكة وذهب ليحضر كأسا من الماء ووقف يتأملها لثانية، بريئة المظهر كملاك بينما هي شيطان كأمها وقبل أن يشعر بالضعف صرخ عقله مطالبا اياه بصب جام غضبه عليها..سكب الكوب فى وجهها فانتفضت وهى تفتح عينيها بقوة، وجدت عينا نضال الغاضبتين تحدقان بها ثم نظرت الى حالها وابتلالها لتدرك ما فعله نضال، نظرت اليه قائلة بصوت ضعيف:
_انت ازاى تعمل كدة؟انت فاهم الموضوع غلط..ده كان....

قاطعها نضال بغضب قائلا:
_اللى شفته بعينيا مش محتاج شرح..مراتى فى حضن واحد غريب.

قالت وقد ترقرقت الدموع بعينيها:
_والله العظيم...

قاطعها قائلا بصوت هادر:
_اخرسى..انا كان لازم أعرف من الأول ان بنت سهام مش ممكن يتآمنلها.

نظرت اليه بصدمة قائلة:
_انت بتقول ايه؟

قال فى مرارة:
_بقول اللى تبيع حبيبها عشان الفلوس وتتخلى عنه زمان بنتها هتطلع ايه يعنى؟ أكيد خاينة زيها.

اتسعت عيناها بصدمة اكبر وهى تقول:
_مستحيل..مستحيل أصدق الكلام اللى انت بتقوله ده..ماما مش ممكن تعمل كدة.

اقترب نضال من دولابه ليخرج مجلدا صغيرا ويمسكه وهو يلتفت اليها قائلا:
_عارفة ايه ده؟

نظرت اليه رهف بتساؤل من خلال دموعها فاستطرد قائلا:
_دى مذكرات بابا..بابا اللى ضحى بعيلته وبالدنيا كلها عشان يتجوز حبيبته ولما أهلها رفضوا يجوزوهاله عشان احفادهم ميشيلوش اسم عيلة وضيعة على قدها فى نظرهم..مش من مستواهم ولا تليق بيهم..اتفقت معاه يهربوا..ولما جه الميعاد حبيبته مجتش ولما راح بيتهم عرف انهم سافروا عشان يجوزوا بنتهم..طبعا صدمته كانت كبيرة استسلم لعيلته اللى جوزوه بنت عمه..كانت ست طيبة قوى على نياتها زى ما بيقولوا ..حاولت كتير تسعده وتعوضه عن حبيبته..بس حبه لحبيبته كان اكبر من انه يتنسى ..فضل يحبها رغم انها اتخلت عنه..فضل يحبها رغم خيانتها ليه..والظاهر المثل اللى بيقول البنت لأمها مكدبش ورهف طلعت نسخة من مامتها ..بس انا مش بابا يارهف.

اتسعت عينا رهف برعب..لا تصدق ان هذه الحبيبة الخائنة التى يقصدها نضال هى أمها سهام..ابتسم نضال بسخرية قائلا:
_أيوة يارهف هانم..أمك هى الست اللى حبها بابا واتخلت عنه وخانته..واللى أقسمت انى هلاقيها وانتقم منها ومن عيلتها بجوازى من بنتهم عشان اجيب طفل يشيل اسم العيلة اللى رفضوا زمان احفادهم يشيلوه.

لم تكن رهف قادرة على استيعاب كل هذه الحقائق فأمسكت رأسها بشدة وقد سقطت دموعها علي وجنتيها وهى تدرك السبب الحقيقى لزواجه منها وتظهر امامها اجابات لأسئلة ظلت كثيرا غامضة بالنسبة لها..وياليتها لم تعرفها.

***********

قالت سهام فى حزن:
_يمكن تكون دى آخر مرة هزورك فيها يارفعت.

أحست بيده كعادتها معه تضغط على يدها..استطردت بحنان قائلة:
_مش بإيدى ياحبيبى والله..أصلى مقولتلكش ان قلبى ضعيف مش بس فى الحب ده طلع كمان أضعف فى الحقيقة ومش سايبنى أعيش.

ترقرقت الدموع فى عينيها وهى تقول:
_انا بكرة هعمل عملية فى القلب يارفعت..الدكتور بيقول ان العمليات دى اتطورت وانها عملية بسيطة بس انا خايفة ..خايفة قوى يارفعت ..حاسة انى مش هخرج منها ..انا مش خايفة من الموت ..انا خايفة بس من الفراق..فراقك انت ورهف.

مسحت دموعها وهى تبتسم قائلة:
_مين كان يصدق ان بنتى تتجوز ابنك يارفعت..فاكر لما كنت تقولى نفسك ولادنا يعيشوا الحب اللى عيشناه، أهم كبروا و عاشوا أحلى كمان من الحب اللى عشناه عشان هم حظهم كان أحسن مننا، على الأقل كانوا الاتنين بيحبوا بعض مش واحد فيهم بس اللى بيحب..و اتجوزوا كمان..وبكرة يجيبوا اولاد يملوا عليهم حياتهم.

رفعت يده الى فمها وطبعت على كفه قبلة حانية وهى تقول:
_خد بالك منهم ياحبيبي لو ربنا مكتبش ليا اخرج من العملية حية.

صمتت ثم أردفت:
_انا هقوم بقى قبل ما حد من الولاد ييجى..ببقى مكسوفة ومش عارفة افسرلهم وجودى هنا معاك، كان نفسى تفوق وأسألك أسئلة كتيرة بس الظاهر مليش نصيب..انا عايزاك بس تعرف انك الراجل الوحيد اللى حبيته فى حياتى وهتفضل حبيبى لآخر نفس فيا..الوداع يارفعت. 

ربتت على يده بحنان وابتعدت فى خطوات بطيئة وهى تشعر بألم حاد فى قلبها..أخذت نفسا عميقا ثم ما لبثت أن وقعت مغشيا عليها ليلفها السواد.

تعليقات



×