رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل الاول 1 بقلم شاهندة سمير


 رواية نصفي الاخر الجزء الثاني(سلسبيل) الفصل الاول 


_أنهكني الهوي_

دلفت سلسبيل الى المنزل بخطوات عصبية حين لمحت نضال ورهف يجلسان فى ردهة المنزل فتقدمت منهما تقول :
_مساء الخير.
قالا فى نفس واحد:
_مساء النور ياحبيبتى.

نظرا الى بعضهما البعض بابتسامة حانية تخللها نظرة عشق طالت لثوان انفرجت على إثرها ملامح سلسبيل المتجهمة وهى ترى قصة عشق حمويها مازالت مشتعلة رغم مرور السنوات، تجهمت ملامحها مرة أخرى مع دلوف فهد للمنزل والقاءه تحية المساء فى جمود..عقدت رهف حاجبيها وهى تنقل نظراتها بينهما قائلة فى قلق:
_مالكم ياولاد حصل حاجة فى الحفلة اللى كنتوا فيها؟
قالا الاثنان فى نفس واحد:
_لأ.

نظرا الى بعضهما لثانية واحدة قبل أن يشيحا بوجهيهما، تبادل كل من نضال ورهف النظرات وهما يدركان أن هذين الزوجين يخفيان عنهما شيئا ما ليقول نضال بهدوء:
_طب تعالوا اقعدوا واقفين ليه؟
قال فهد :
_ معلش يابابا مش هنقدر نقعد، هنطلع ننام لإنى مسافر الصبح بدرى.
عقدت رهف حاجبيها قائلة:
_هتسافر بكرة ؟انت ناسى انه عيد الحب؟
_لأ منستش وبعدين فيها إيه يعنى ياماما لما أسافر في اليوم ده؟ ورايا شغل ومش هقدر أأجله.. عن اذنكم.

اتجه الى غرفته لتنظر فى إثره سلسبيل بحزن وقد بدأت دموعها تترقرق فى مقلتيها، أطرقت برأسها حتى لا يراها حمويها وهى تقول بصوت خفيض:
_تصبحوا على خير.

اتجهت الى حجرتهما بدورها.. ليقول نضال وهو يضرب كفاً بكف:
_لسة متجوزين مبقالهمش شهرين وبيتخانقوا..الواد ده هيجننى، ده اول عيد حب يمر عليهم والاستاذ يقولك مسافر..أنا مش عارف الواد ده طالع لمين؟

_طالعلك طبعا..يبان قاسى ووحش معندوش رحمة لكن من جواه قلبه طيب وحنين بس صعب يظهر مشاعره بيعتبرها ضعف منه.

نظر اليها نضال قائلا بعتاب:
_أنا قاسى ومعنديش قلب يارهف؟

نظرت اليه رهف قائلة باستنكار:
_يعنى دول الكلمتين اللى سمعتهم وبس..و بالنسبة لانى قلت ان من جواك طيب وحنين..ايه ؟هوا؟مسمعتهمش؟

أشاح بوجهه متظاهرا بالحزن وهو يقول:
_لأ مسمعتهش..وزعلان على فكرة.

ابتسمت رهف وهى تمد يدها وتمسك ذقنه تدير وجهها اليه قائلة:
_وحبيبى أصالحه ازاى؟

تأمل عينيها التى أذابته عشقاً منذ اللحظة الأولي يقول بعشق نطقت به أحرفه ونبرات صوته:
_حبيبك لمسة من ايديكِ بتصالحه ونظرة من عنيكِ بتخليه ينسى كان زعلان ليه أصلاً.

ليقترب من وجهها تلفحها أنفاسه الساخنة وهو يهمس قائلا:
_ياسلام بقى لو بوستيه هينسى حتى اسمه.

ابتعدت رهف فى ثوانى عن مرمى شفتيه وهى تقول فى خجل :
_بس بقى يانضال احنا تحت..حد يشوفنا.

حرك حاجبيه صعودا وهبوطاً وهو يقول:
_طب ما تيجى نطلع فوق.

أطلقت رهف ضحكة رقيقة تشبهها لتشهق فجأة حين وجدت نفسها محمولة من قِبل نضال ..دفنت رأسها فى تجويف عنقه خجلاً ليسرع نضال فى خطواته وخفقات قلبه المتسارعة بشدة تجعله يدرك أن هذه الرقيقة بين يديه ستقتله يوما ما....... عشقاً.

*****

دلفت سلسبيل الى الحجرة تبحث بعينيها عن فهد فلم تجده سمعت سريان الماء بالحمام لتدرك أنه بالداخل..تنهدت بصمت وهى تتقدم وتجلس علي سريرها تترك دموعها تتساقط على وجنتيها، مسحتهم على الفور عند شعورها به يفتح باب الحمام..أشاحت بوجهها وهي تنهض وتتجه الى الحمام وعندما خرجت منه  وجدت فهد ممددا فى سريرهما على ظهره يغمض عينيه،أحست بغصة فى قلبها وهي تتجه الى السرير تمسك بوسادتها تحتضنها بضعف ثم تتجه الى الأريكة وتضعها عليها استعداداً للنوم عندما سمعت صوت فهد يقول ببرود:
_ممكن أفهم الهانم بتعمل ايه؟

تجاهلته وهى تتمدد على الأريكة، نهض فهد فى ثوان حتي أصبح قبالتها قائلا بحدة:
_لما أكلمك تردى عليا.

نظرت اليه قائلة فى جمود:
_لو سمحت يافهد كفاية خناق وسيبنى عشان تعبانة وعايزة أنام.

قال باستنكار:
_كفاية خناق!ده على أساس ايه ان شاء الله؟مش انتِ اللى من ساعة ما دخلتي الحفلة وانتِ بتستفزينى بضحكك وهزارك مع رعد.

قالت سلسبيل باستنكار:
_رعد يبقى خطيب أختى يافهد و..

_وكان خطيبك ولا نسيتى؟

اطرقت برأسها قائلة:
_لأ منستش بس كمان اول ما حسيت انك متضايق انا بعدت عنهم خالص.

_وبعدين ما تكملى ..عملتى ايه من ساعة ما خرجنا من الحفلة مش فضلتى تزعقى؟مش اتهمتينى انى بطلت أحبك وانى وحش ومعنديش مشاعر وكل ده ليه ها؟عشان قلتلك انى مسافر بكرة.

رفعت عينيها اليه وقد ترقرق الدمع داخلهما وهى تقول:
ـ لأنى زعلانة يافهد..ده أول عيد حب يمر علينا واحنا مع بعض، حبيت ياأخى أحس انه يوم مميز بالنسبة لي زي بقية البنات، حبيت أمحي بيه ذكري وحشة كسرت قلبي وحرقته ولا نسيت اللى حصل فى عيد الحب اللى فات..ماأجرمتش لما اتمنيت نقضيه مع بعض ، وبعدين انت مش شايف أهالينا اللي لحد النهاردة بيحتفلوا بعيد الحب مع بعض .ورعد اللى انت غيران منه ..الدكتور العملى..مش اخد اجازة من المستشفى والعيادة عشان يقضى اليوم ده مع سندس؟

_رعد يبقى ابن عمى ياسلسبيل وغيرتي عليكي منه مش لاني شايفه أحسن مني، لأ.. لانه في يوم كان اقربلك مني.. ودي حاجة مستحيل هقبلها تاني ولا هخلي حد أقربلك مني حتي الهوا اللي بتتنفسيه لازم أكون أقرب لروحك منه لاني بغير قوي.. بغير من الهوا لو لمس شعرك ..من صوت ضحكتك لو حد غيرى سمعها ..من لمسة ايدك لراس طفل حتي.. غيرتي جنون صحيح بس ده لاني بحبك بجنون وانتِ مش قادرة تفهمي حبي،ولا قادرة تستوعبي اني مبعرفش أعبر عن اللي جوايا بالكلام وبتتهميني دايماً اني مبحبكيش كفاية، طب هاتي حد بيحب حد قد مابحبك.. حد مستعد يضحي بعمره عشان حبيبته.. تعرفي انتِ ايه مشكلتك؟ انك مش واثقة لسة في حبي وهفضل دايماً متهم في نظرك مش هتبصي أبداً لنص الكوباية المليان وهتفضلي شايلة في قلبك غلطتي زمان.

قالت سلسبيل بسرعة:
_لا والله أنا...

قاطعها قائلا بجمود:
_متحلفيش ومتقوليش كلام مش مقتنعة بيه.. قومى نامى فى سريرك ياسلسبيل عشان انا تعبان ومبقاش فيا حيل لجدال عقيم زهقت منه وبدأت أآمن انه من غير فايدة.

_اسمعنى الاول وبعد.....

قاطعها قائلا فى حزم:
_قسما عظما ياسلسبيل ان ما قمتى ونمتى فى السرير من سكات لأكون سايبلك الأوضة دى..لأ البيت كله وبايت برة.

اتسعت عينا سلسبيل بصدمة تدرك جيدا أن فهد لا يطلق تهديدات فارغة..لتنهض ببطئ وتتجه الى سريرهما مطرقة الرأس بحزن، تابعها فهد بعينيه وقد كاد أن يرق لها لتعود ملامحه للجمود وهو يتذكر مقارنتها اياه برعد وهى تدرك كم يؤلمه ذلك ويثير جنونه تذكره أن رعد كان يوماً خطيبها ويحمل في قلبه مشاعر تجاهها  .

أغمض كل منهما عينيه بشدة يودان لو غرقا بالنوم هرباً من هذه الافكار التى تجتاحهما..ولكن هيهااااات فالذكريات تتدفق مع اقتراب عيد الحب الذي كان بداية شعلة أنارت قلبيهما بلهيب لا ينطفئ.

______

منذ عام...في يوم عيد الحب

أخرجت سلسبيل هاتفها تطالع صورتها في الكاميرا الخاصة به لتميل عليها أختها سندس هامسة :
_ياستي قمر أحلفلك يعني، كفاية بقي دي المرة العاشرة اللي بتبصي فيها علي شكلك و ماما أخدت بالها علي فكرة.

حانت منها نظرة إلي والدتها فوجدتها تحدقها بالفعل لتبتسم لها ابتسامة مهزوزة، فتحت نيرة فاهها وكادت أن تقول شيئاً ولكن  صوت شجار قريب منها استرعي انتباهها حيث وجدت وعد تتكلم بحدة مع فهد بينما انتفخت أوداج الأخير فنهضت تتجه إليهما بسرعة، زفرت سلسبيل بقوة ثم همست لأختها:
_أووف مش كنتِ تنبهيني، أخدت بالها فعلاً وربنا يستر، أنا عارفة ماما مش هترتاح غير لما توصل لأصل الحكاية.

هزت سندس كتفيها قائلة:
_وهو فيه حكاية أصلاً؟ الموضوع كله في دماغك وبس، أوهام......

قاطعتها سلسبيل قائلة باستنكار:
_متقوليش أوهام.. حبي لفهد عمره ما كان وهم، دي الحقيقة الوحيدة في حياتي.

_يابنتي فوقي بقي، الحب ده من طرف واحد.. طول حياتنا وانتِ قدامه.. ضله.. في كل مكان وراه شايفاه نصك التاني بيكملك وروحك من غيره ناقصة بس هو مشافكيش غير أخت.. بنت عمة.. صديقة حتي.. والدليل انه لحد دلوقتي مخدش خطوة واحدة تقربه منك بالعكس سافر من سنة ومن غير حتي مايودعك.

رغم أنها ترفض تصديق المنطق في كلمات سندس لإنه يصيبها باليأس إلا أن هناك شيئا قد استرعي انتباهها في هذه اللحظة، مرارة أطلت من أحرف أختها الصغيرة احتارت في تفسيرها، انتابها هاجس بغيض يدوي في أذنها أصابها بالهلع للحظات.. تري هل تحمل أختها في قلبها لفهد بعض المشاعر وتخفيها عنها؟ نفضت هذا الهاجس علي الفور وهي تدرك استحالته وقد داومت سندس علي هجاء فهد واتهامه بالغرور.

تنهدت سلسبيل قائلة:
_حتي لو اللي بتقوليه صح؟ حتي لو مكنش شايفني قبل مايسافر غير أخت فالبعد غيّره وحسسه بأهمية وجودي في حياته، ده مكنش بيعدي يوم من غير مايكلمني والنهاردة قبل مايركب الطيارة قاللي انه محضرلي مفاجأة هتسعدني، أكيد أول مايوصل هيخطبني من بابا.. أنا بعد الثواني لحد ماييجي.

طالعتها سندس بقلب موجوع، تدرك أنها أمنيات قلب عاجز عن تصديق عكس مايرغب، لطالما كانت أختها الكبري هي الحالمة بينهما بينما سندس هي الواقعية التي أدركت منذ زمن أن كلتاهما  قد وقعتا في الغرام ولكن مع الأسف قد اختارتا رجلين لم يبادلاهما مشاعرهما قط والنتيجة أن ظلت احداهما تعيش قصتها الخيالية بينما أفاقت الأخري من وهمها.. قد نجت من وهم الزواج بمن تحب بينما لم تنجو أبداً من العشق، مغرمة مازالت ولكنها توقن من أنه غرام مقبور ربما نسيته يوماً وتعافت من ذكراه وربما ظل محفور في القلب مؤلم كجرح عميق ينزف حتي يودي بصاحبه لموت لا مفر منه.

حانت منها نظرة لمكان قريب فوجدته يقف هناك قرب شجرة لم يتحرك قيد أنملة منذ جلوسهم علي هذه الطاولة ، يطالع بهيام الجالسة جوارها تنظر إلي كاميرا هاتفها مجدداً غير منتبهة إليه قبل أن يعدل من وضع نظارته بارتباك حين رأي سندس تنظر إليه، ليبتسم مضطرباً يهز رأسه محيياً فبادلته ابتسامة باهتة تحرك علي إثرها بإتجاه والديه المتنازعين والذي انتبه لهما للتو، فتابعته بعينين أطل الحزن منهما.. يقطر قلبها ألماً بينما يهمس بأنين.

أنهكني الهوي تختنق الروح بفراق مُجبرة عليه، حبيب قد وهبته خفقاتي فأدمي القلب بحب غيري، يمر الزمن ولا أنساه وأدرك أنني سألفظ أنفاسي الأخيرة عاشقة دون أمل.. أقر أنني عاجزة عن إنقاذ نفسي الموصومة بعشقه والمحترقة بلهيبه.. أعيش لأجله وسأموت لأجله، أحتفظ بوجعي ودموعي داخلي تنسكب كالمطر حتي صار الوجع غير محتمل وتوقفت الدموع في مفترق أنفاسي لأشعر باقتراب أجلي وما يمنحني بعض العزاء أنني سأرحل بكرامتي... في صمت.

_______

كانت حور تحاول الاستماع لأي صوت يدلها علي مكانها فلم يصلها سوي صمت قاتل أدركت معه أنها في غرفة معزولة ومضادة للصوت..حاولت مجدداً حلّ أصفادها فلم تستطع، زفرت بقوة تتساءل عن مختطفيها، من هم؟ ولماذا قاموا باختطافها؟ وما الذي سيفعلونه بها؟ تساءلت عن صديقاتها في السكن؟ هل اكتشفن غيابها وأبلغن والديها؟ تري كيف حال والدتها الآن وهل جاء الجميع لإنقاذها؟ حاولت أن تتذكر أي شيء عن مختطفيها علّ خلاصها في شيء قد تتذكره..
كانت تحضر بعض الأشياء من السوق القريب من مسكنها حين توقفت بجانبها سيارة يقودها رجل وبجانبه امرأة، أخرجت المرأة رأسها من زجاج السيارة تسألها عن عنوان ما، كادت أن تقول لها أنها غريبة عن المكان لا تعرف عنه شيئاً حين فوجئت بيد من خلفها تكبل حركتها واليد الأخري تضع شيئاً علي فاهها رائحته نفاذة حاولت المقاومة فاشتد الضغط عليها حتي فقدت وعيها واستيقظت الآن وهي علي هذه الحالة تضرب أخماس في أسداس، ومهما كثفت جهودها لاستبيان سبب ماحدث لها لن تستطيع له إدراكاً.

تعليقات



×