رواية نصفي الاخر الفصل الواحد والعشرون
__جُننت بمن أهوي__
قالوا جُننت بمن تهوي، قلت انظروا بعيني كي تمنحوا جنوني عُذراً
كُنت خليّاً لا أعرف شيئاً عن الهوي حتي ذُبت في مقلتيها عشقاً
إن إلتقي القلب بمعشوقه كيف يخفي الأمر بقلبه وكيف يصبح سراً
ستفضحه العيون وتُعلن عشقها كلما نظرت إلي المحبوب تبرق فرحاً.
اقترب نضال من حجرة العناية المركزة والتى توجد بها والدة رهف فرأى رهف تقف أمام نافذتها تستند بجبهتها على الزجاج مغمضة العينين تتساقط دموعها ، تتحدث بصوت منخفض وكأنها تناجي أمها فأنّ قلبه لمرآها، وقف خلفها تماماً يستمع الى حديثها لا يقوي علي مقاطعتها:
_مش قادرة اشوفك كدة ياماما..ضعيفة والسلوك حواليكى، انتِ اللى كنتى بتقوينى على كل حاجة بتمر فى حياتى..فاكرة لما مازن اتخلى عنى عشان فلوس بابا راحت، ورغم انى عمرى ما حبيته بس الصدمة كسرتنى وضعفت ثقتى بنفسى ..حسستنى انى مسواش حاجة من غير الفلوس لولاكِ انتِ ..شجعتينى ورجعتيلى ثقتى بنفسى، انتِ الوحيدة اللى بيريحنى كلامى معاها...واللى كان نفسى احكيلها علي اللى بيحصلى مع نضال..تعرفى لما شفت نضال اول مرة حسيت انه عوض ربنا ليا ..ورغم تصرفاته وكلامه معايا بس مقدرتش اكرهه ولا حتى أزعل منه..عارفة ليه؟
انتظر نضال اجابتها بلهفة وبشوق وبقلق..ابتسمت بخفة قائلة:
_لأنى شايفاه من جوة، هو مش وحش ياماما..حتى لو شايف نفسه وحش ما بيرحمش، انا شايفاه قلب طيب اتوجع..حابب يظهر بمظهر الوحش عشان مش عايز من حد مشاعر شفقة ولا عايز حد يقرب منه ويجرحه.
نظر اليها نضال بحنان، ود لو ضمها الآن الى صدره وبثها مشاعره، ولكنه يشعر بأن هناك المزيد لديها لتقوله..يود لو يعرف فيم تفكر وبالفعل تنهدت رهف قائلة:
_تعرفى ياماما ..نفسى أقوله ميخافش منى، وإنى لا يمكن أجرحه، نفسى أقوله إنى بخاف على مشاعره اكتر ما بخاف على مشاعرى..نفسى أقوله انى.....انى....انى.....
صمتت لا تقوي علي التصريح بها فقال نضال بهمس:
_انك ايه يارهف؟
فتحت رهف عينيها بصدمة على سؤال نضال الهامس لتلتفت خلفها وتجده فى مواجهتها ينظر اليها بنظرة رأتها فقط فى أحلامها..ابتلعت ريقها بصعوبة وهى تقول:
_نضال !
أمسك يدها وهو ينظر الى عينيها مباشرة قائلا:
_نفسك تقوليلى ايه يارهف؟
أطرقت برأسها أرضاً قائلة فى توتر:
_مش فاكرة.
رفع ذقنها باحدى يديه فالتقت العينان ليقعان تحت سحر النظرات العاشقة، قال نضال بهمس:
_مبتعرفيش تكدبى يارهف، وعنيكى دايما بتقولى علي الحقيقة..الحقيقة اللى كنت اعمى ومشوفتهاش، الحقيقة المكتوبة دلوقتى جوة عنيكى..واللى نفسى اسمعها من بين شفايفك.
قالت فى حزن:
_مش هينفع يانضال..فيه حاجات تخلى اللى نفسى اقوله مستحيل يتقال.
قطب جبينه وهو يلمس جرحه الغائر قائلا:
_قصدك ده؟
رفعت يدها لتمسك يده التى يضعها على جرحه وتنزلها الى جواره ثم ترفع يدها مرة اخرى وتلمس الجرح بحنان وبطريقة سحبت أنفاسه كلية وهى تقول:
_انا لما ببصلك مبشوفش الجرح ده أساسا يانضال..انا بشوفك بقلبى قبل عينيا.
تأملها بشغف..يود لو يأخذ أنفاسها الآن ويمزجها بأنفاسه فى قبلة تعبر لها عن قوة مشاعره تجاهها..ولكنه ما لبث ان عقد حاجبيه وهو يقول فى حيرة:
_اومال ايه الحاجة اللى مش مخلياكى قادرة تتكلمى يا رهف..ايه اللى ممكن يفرقنا؟
تنهدت قائلة:
_اللى حصل بين باباك وماما زمان..ورغم انى متأكدة من براءة ماما..بس انت كنت القاضى والجلاد وحكمت عليها بالادانة..وهفضل بالنسبة لك بنت الخاينة و بأقل غلطة منى هتعتبرنى خاينة زيها وتعذبنى بكلامك وافعالك زى ماحصل قبل كدة.
نظر اليها بعينين مليئة بالمشاعر..مابين حزن وعشق وحيرة وغضب لتنتصر مشاعر العشق قائلا:
_يمكن مش هقدر اوعدك بالنسيان بس اللى اقدر اوعدك بيه انى احاول..لأنى بحبك.
نظرت الى عينيه بصدمة فاستطرد قائلا:
_أيوة بحبك..خلاص مبقتش قادر اقاوم أو أخبى.. ومستعد انسى اى حاجة واعمل اى حاجة بس تفضلى معايا وفى حضنى.
فتح لها ذراعيه قائلا:
تعالى فى حضنى وقولى ان حبنا اقوى من اى حاجة..اقوى م الظروف اللى جمعتنا وأقوى حتى من خوفنا.
نظرت الى ذراعيه المفتوحتان ثم الى عينيه فأيقنت أن وطنها حضنه لتسرع وترتمى بين ذراعيه قائلة فى عشق:
حبنا اقوى من كل حاجة يانضال..اقوى من اى حاجة..انا بحبك قوى..قوى.
تنفس عبيرها فى شوق وتغلغلت كلماتها فى دمه لترتفع خفقات قلبه وهو يضمها اليه قائلا وهو ينظر من خلال النافذة الزجاجية الى والدتها المستلقية على السرير :
_وانا بحبك قوى يارهف..حبك اهم عندى من اى حاجة تانية..صدقينى ياحبيبتى.
ثم اغمض عينييه لينعم بدفء حبها وتشعر هى ان أحلامها تتحقق وأنها ستعيش سعيدة الى الأبد..أو هكذا تمنت.
************
نفضت وعد يد فهد قائلة فى حدة:
_انت اتجننت يافهد..ازاى تشدنى بالطريقة دى قدامهم؟
قال فهد وهو ينظر اليها بغضب:
_ما هو أنا مقولكيش عايزك برة فى كلمتين وانتِ تفضلى تتحججيلى عشان منخرجش برة الاوضة.
أمسك ذراعها مجدداً قائلا فى صرامة:
_مش عايزة نبقى لوحدنا ليه ياوعد..خايفة من ايه؟
نظرت الى فهد قائلة فى توتر:
_وهخاف من ايه يعنى؟
نظر فهد الى اعماق عينيها قائلا:
_قولى لنفسك ياوعد..اسأليها ليه اتغيرت وبقت بتخبى على حبيبها..اسأليها ليه دايما متوترة وجسمها بيترعش..ليه؟
احست وعد انها على وشك ان تخبره بالحقيقة لذا ابتعدت عنه قائلة:
_على فكرة الحاجات اللى بتقولها دى اوهام فى خيالك..وانا مش مخبية عنك حاجة.
نظر اليها بهدوء قائلا:
_متأكدة ياوعد؟
حاولت ان تبدو ثابتة وهى تقول:
_متأكدة يافهد.
ظهر البرود على ملامح فهد وهو يقول:
_طب كنتِ فين لما اتصلت بيكى؟
ظهر الارتباك على وجهها وهى تقول:
_فى السوق.
قال فهد:
_لغاية دلوقتى..غريبة يا وعد ..طب فين الحاجات اللى اشتريتيها؟
قالت وعد:
_معجبنيش حاجة.
ثم اختارت ان تهاجم قبل ان يحاصرها بالمزيد من الأسئلة فقالت بحدة:
وبعدين ايه الاستجواب ده يافهد؟ مش انا اللى اتغيرت على فكرة..انت اللي اتغيرت وبقيت بتشك فيا؟
نظر اليها فهد قائلا فى صرامة:
_انا لو بشك فيكى بنسبة واحد فى المية مكنتش هبقى واقف دلوقتى وبسألك ياوعد..ثقتى بيكى هى ثقتى بنفسى، متنسيش انى مربيكى على ايدى..بس ده ميمنعش انى أحب أطمن عليكى.
أحست وعد بالذنب وودت لو اخبرته على الفور ولكنها ترددت فلو عرف فهد سيمنعها بالتأكيد عن مواصلة ما تفعله وهى مستحيل ان تضيع هذا الأمل منها..لذا قالت بهدوء:
_وانا بقولك اطمن وعن اذنك بقى ..انا رايحة عشان اشوف رهف واطمن على مامتها.
تركته وذهبت تتابعها عيناه وما ان ابتعدت حتى امسك هاتفه واجرى اتصالا وحين سمع صوت محدثه قال بهدوء:
_من النهاردة يامجدى عايزك تمشى ورا المدام وتقولى على تحركاتها اول باول..كل اما تخرج وتوصل لمكان تبلغنى بيه فورا..مفهوم؟
ثم اغلق الهاتف وهو يقول:
_آسف ياوعد بس انتِ اللي اضطرتيني أعمل كدة عشان اطمن عليكى واعرف مخبية عنى ايه؟
*************
نظر رفعت الى نيرة قائلا:
_فين نائل ياحبيبتى؟
قالت نيرة بارتباك:
_نائل.. أصله.. أصل يابابا..هو..يعنى...
قاطعها يزيد وهو يراها مرتبكة قائلا بحزم:
_نائل طلع حيوان ياعمى ..وقريب قوى هنخلصها منه.
نظر رفعت الى يزيد فى دهشة ثم نظر الى نيرة التى أشاحت بوجهها كى لا يرى دموعها ولكنه لمحها ليدرك أنينها وماسببه لها نائل من ألم ليقول فى حزن:
_سامحينى يابنتى..انا اللى اجبرتك ع الجوازة دى..باباه كان صاحبى وكان راجل كويس والله بس على رأى المثل يخلق من ضهر العالم فاسد.
قالت نيرة بصوت مختنق:
_كل شئ قسمة ونصيب يابابا..والحمد لله انها جت على قد كدة..وانا مش زعلانة..ده كان ابتلاء من عند ربنا وانا صبرت واكيد آخرة الصبر خير.
قال يزيد بحنان:
_انتِ تستاهلى كل خير يانيرة.
نظر رفعت الى يزيد ليلاحظ بحنكته نظرة الحب فى عينيه ونبرة صوته التى تحمل مشاعر كثيرة ولاحظ أيضا تأثير كلمات يزيد على وجنة ابنته التى احمرت من الخجل..ليكتشف انه فرق بين قلبين دون ان يدرى وانه اعاد ماحدث له منذ سنوات عديدة ولكنه فى هذه المرة فعلها وهو يجهل مشاعرهما،اما عائلة سهام فكانت تعلم..قال رفعت فى مرارة:
يزيد تخرج من هنا دلوقتى وتاخد نضال معاك ومترجعوش غير بورقة طلاقها..مفهوم؟
أومأ برأسه ليستطرد رفعت وهو ينظر الى يزيد نظرة لها مغزى قائلا:
_وربنا يعوض على بنتى براجل يحافظ على الجوهرة اللى جواها دى.
نظر يزيد الى رفعت بدهشة ليدرك ان رفعت رأى مشاعره لنيرة ووافق عليها..فابتسم فى سعادة وامتنان، قطعت هذه النظرات كلمات نيرة القائلة:
_انا خلاص يابابا مبقتش بفكر فى الجواز..انا اخدت نصيبى والموضوع ده بالنسبة لى اتقفل.
ربت رفعت على يدها قائلا بحنان:
_متستعجليش يانيرة..انتِ لسة صغيرة يابنتى..بكرة تحبى وتتحبى..بس انتِ ارجعى نيرة بتاعة زمان اللى مش شايف منها غير طيف حزين.
ابتسمت نيرة ابتسامة باهتة فى حين قال رفعت:
_انت لسة واقف يايزيد..يلا ياابنى..خلصها من الكابوس ده.
أومأ يزيد برأسه وخرج من الحجرة على الفور تتابعه عينا رفعت ونيرة..قال رفعت:
_يزيد ابن حلال ومعزته عندى من معزة ولادى ..راجل بجد ولا ايه بانيرة؟
قالت نيرة بشرود:
_ها..بتقول حاجة يابابا؟
ابتسم رفعت قائلا:
_لا ياروح بابا..مبقولش حاجة.