رواية نصفي الاخر الفصل الرابع والعشرون
___صرتي كقهوتي___
أنتظر هذه اللحظة التي تكفين فيها عن عناد قلبك كما تخليت أنا عن غبائي ليجتمع شملنا بعد أن انتظرنا طويلاً وتعذبنا كثيراً، لا تتدللين أكثر وقد صرتي كقهوتي التي أدمنتها، مضبوطة كعشقك مُرة في فراقك وحلاوتها كحلاوة لقاءك ياحبيبي ونصفي الآخر.
جلس كل من نيرة ويزيد صامتين لا يدرى يزيد من أين يبدأ بالحديث ولكنه لملم أفكاره قائلا:
_أنا آسف يانيرة.
نظرت اليه بهدوء قائلة:
_آسف على ايه يايزيد؟
_آسف لأنى كنت جبان
نظرت اليه بدهشة فاستطرد قائلا:
_ايوة كنت جبان..بحبك وعارف انك بتحبينى ومعملتش حاجة عشان الحب ده..وقفت ساكت وانا شايفك بتضيعى منى، خفت أخسر العيلة اللى احتوتنى بعد أهلى ما ماتوا، ومفكرتش انى بكدة بخسرك انتِ..بخسر السبب الوحيد اللى مخلينى عايش، ياريت كنت خسرت الدنيا كلها ومكنتش خسرتك انتِ وياريتنى كنت مت قبل ما اسيبك تتجوزي الزفت ده.
قالت بلهفة:
_بعيد الشر عنك.
نظر اليها فى حنان فأدركت خطأها بإظهار مشاعرها، تعود ملامحها جامدة ..يعلم أنها مازالت تحبه ولكنه يعلم أيضا انها مجروحة بسببه ليقول فى رجاء:
_عشان خاطرى سامحينى..انا كل اما افتكر قد ايه الحيوان ده عذبك وإذاكي مبقدرش أسامح نفسى.
اغمضت نيرة عينيها فى ألم وانتفض جسدها بضعف للذكريات التي تراءي لها البعض منها ليرى يزيد انتفاضتها ويشعر بألمها ليصيبه هذا الألم فى مقتل، يندم أشد الندم لسماعه كلام نضال وعدم الفتك بهذا الوغد..مد يده ليربت على يدها فانتفضت بقوة أكبر وفتحت عيناها لتواجهها عيناه مباشرة،أصابها أمان مقلتيه لتدرك انها الآن بأمان بعيدة كل البعد عن هذا الوغد نائل..حرة وأخيرا..ابتلعت ريقها وهى تسحب يدها قائلة بتوتر:
_انا برضه آسفة..الغلط كان منى انا كمان..استسلمت ووافقت، وافقت اتجوز واحد وانا فى قلبى واحد تانى..تعرف..كان كل ما يضربنى أحس انه عقاب من ربنا عشان كنت بفكر فى واحد وانا شايلة اسم راجل تانى، بس والله ما كان بايدى، انا حاولت كتير انساك بس مقدرتش ...والله ما قدرت.
انهمرت دموعها مع كلماتها الأخيرة..ود لو احتواها بين ذراعيه ليمحى ألمها ويمسح دموعها ولكنه لا يستطيع الآن..قال بحزن:
_عشان خاطرى يانيرة كفاية دموع..انا مش قادر أتحملها.
بدأت دموعها تخف تدريجيا، فأخرج منديله من جيبه وأعطاها اياه.. أخذته منه وهى تمسح دموعها لتشتم رائحة عطرها ..نظرت الى المنديل فى حيرة فرأت حرف اسمها منقوشا على أطرافه..اتسعت عيناها فى دهشة قائلة:
_ده منديلى.
نظر اليها ليدرك انه منحها ذلك المنديل الذى يحتفظ به أطرق برأسه ارتباكاً لتبتسم هى فى حنان ولكنها سرعان ما اخفت هذه الابتسامة عندما رفع اليها عينيه قائلا:
_انتِ عارفة انى بحبك من زمان يانيرة..دى كانت حاجة منك بتواسينى، كل اما توحشينى كنت بضم المنديل لحضنى وكأنى بضمك انتِ..كل ذكرى فى قلبى منك كان المنديل بيحييها، بس انا خلاص مش عايز ذكريات انا عايز حاضر ومستقبل يجمعنا ..عايز اتجوزك يانيرة.
نظرت اليه نيرة بحزن قائلة:
_ياريت كان ينفع يايزيد..انت مش فاهم حاجة.
ربت يزيد على يدها قائلا:
_فهمينى.
انتفضت للمسته تسحب يدها قائلة فى مرارة:
_السبب أهو قدامك..انا مبقتش انفعك خلاص، مش قادرة أستحمل ايد تلمسنى، يمكن نائل كان عاجز جنسيا بس اللى عشته معاه كان أسوأ من الاغتصاب، انا محتاجة علاج نفسى مش جواز.
اغمض عيناه بألم..تذبحه كلماتها..تصيبه فى مقتل...تعذبت حبيبته كثيرا..... كثيرا جدا.
وقفت نيرة لتمشى وهى تدرك قسوة كلماتها وانه لن يتحمل ان يتزوج بها وهى مدنسة بلمسات رجل آخر..لتجد يده تمسك بيدها وتوقفها عن الرحيل، نظرت الى عينيه لا تصدق تمسكه الواضح بها في مقلتيه رغم كلماتها ليقول مؤكداً وعد المقلتين:
_انا جنبك ومش هسيبك..هكون معاكى خطوة بخطوة وهصبر عليكى..انا مش عايز حاجة من الدنيا غير انك تكونى جنبى، انام فى حضنك وأحس ان لقيت نصى التانى، انى بقيت كامل يانيرة، من غيرك بحس انى تايه.. ناقصنى حاجة، ناقصنى النفس اللى بعيش بيه يا حبيبتى..ناقصنى انتِ يانيرة.
ظهرت مشاعرها فى عينيها واغرورقت بالدموع لينهض يزيد ويجلس على احدى ركبتيه قائلا فى حنان:
_نيرة رفعت الجبالى تقبلى تكونى مراتى ..تقبلى تكملينى وتكونى النور اللى بينور حياتى ؟
ظهر التردد فى عينيها للحظات ثم ما لبثت أن حسمت أمرها وهى تدرك أنها لا تريد الحياة بدونه وانها لن تتحمل أن يكون لأخرى لتومئ برأسها فى خجل..فينهض يزيد لا يصدق أنها وافقت كاد أن يضمها ويدور بها فى سعادة ولكنه تمالك نفسه وهو يدرك أنها تحتاج إلي الوقت كي تمسح عن كينونتها عذاب الماضي، يكفيه مايشعران به الآن من فرحة طاغية لقرب اتحادهما برباط مقدس لا ينفصم أبداً.
***********
قالت وعد بترقب:
_هى الجلسة هتبتدى امتى؟
قال عابد وهو يتأمل ملامحها قائلا بابتسامة مقيتة:
_حالا يامدام وعد..اشربى انتِ بس العصير وهنعملها علطول.
اومأت برأسها وامسكت كوب العصير ترتشف منه رشفة واحدة فأحست بطعم غريب فى فمها فمالت على حسنية تقول بتوتر:
_العصير ده طعمه غريب ياحسنية ولا انا بتهيألى؟.
نظرت حسنية الى كوب عصيرها الفارغ قائلة:
_لأ ياستى..ده طعمه حلو قوى..أنا قدامك أهو خلصته فى ثوانى..انتِ بس اللى متوترة.
نظرت اليها وعد قائلة :
_عندك حق..أنا فعلا متوترة.
ثم ارتشفت باقى العصير لتحس بالدوار..قالت لحسنية:
_حسنية أنا دايخة قوى..بقولك ايه قومى نمشى ونأجلها مرة تانية.
قالت حسنية:
_يووه ياستى ما ينفعش ..احنا أجلنا قبل كدة والشيخ عابد قال ده آخر أمل.
بدأ السواد يحيط بوعد حتى فقدت وعيها لتنهض حسنية بجزع قائلة:
_ستى وعد ..ياستى.
ابتسم عابد ابتسامة انتصار خفية ليقول لحسنية:
_سيبيها ياحسنية..دى الأسياد..حضرت وهم اللى خلوها كدة.
قالت حسنية بفزع:
_ياحوووستى..ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم.
اتصل عابد برقم ليقول بلهفة:
_تعالى شيلها..بسرعة.
دخل رجل مفتول العضلات حمل وعد وخرج بها من الغرفة ..نهض عابد يتبعهما فنهضت حسنية لتذهب معهم، التفت عابد اليها قائلا:
_استنينا هنا ..احنا فى الاوضة اللى جنبك..شوية وهنجيلك.
قالت حسنية بتردد:
_بس ياسيدنا....
قاطعها قائلا فى صرامة:
من غير بس ..تحبى تيجى معانا وتزعلي الأسياد.
قاطعته حسنية قائلة فى خوف:
_لا ياسيدنا خلاص..روح ربنا يجعل الخير على ايديك.
خرج عابد وقد ارتسمت على شفتيه ابتسامة ذئب بشرى على وشك ان ينال فريسته.
************
قال رفعت :
_يعنى عايزة تكتبى الكتاب بس يانيرة ومتعمليش فرح.
اومأت نيرة برأسها فقال يزيد:
_بس انا عايز اعملك فرح يانيرة.
ابتسمت نيرة قائلة:
_انا عارفة انك مبتحبش الافراح يايزيد..ولو عايز تعمله عشانى فأنا مش عايزة غير حفلة بسيطة تضم اللى يهمونا وبس زى اخويا نضال ما عمل..وبعدين انا فرحتى بجد هى ان احنا نكون مع بعض.
ابتسم يزيد بحنان فى حين ظهرت الفرحة على وجه الجميع ليقول رفعت:
_كدة الفرحة هتبقى فرحتين.
نظر اليه الجميع فى تساؤل فاستطرد قائلا:
_انا وسهام قررنا نتجوز اول ما تقوم بالسلامة..يعنى هنكتب كتابنا وياكم.
هلل الجميع يقدمون التهاني فى حين اقترب رفعت من نضال قائلا:
_هو اخوك ومراته راحوا فين يانضال؟
قال نضال :
_مش عارف يابابا..وعد خرجت عشان صاحبتها تعبانة و فهد خرج بعدها علطول.
أومأ رفعت برأسه ثم قال بحنق مفتعل:
_وانت مش هتعمل العملية وتصلح وشك ده ولا ايه..ذنبها ايه البنت القمراية دى تصطبح وتتمسى بالوش ده؟.
نظر نضال الى رهف التى تتحدث بهمس مع نيرة وتبتسم فى رقة ليبتسم دون ارادة منه وهو يشعر بها تملأ قلبه سعادة قائلا فى حنان:
_كل شئ بأوان يابابا..كل شئ بأوان.
****************
ويحي قد ناحت مقلتيّ وتهدمت قصور قوتي وأنا أراكِ أمامي تُحيطك الذئاب
قد حذرتك كثيراً.. بريئة أنتِ لا تفارقي أذرعي ولا تبتعدي عن ناظري فأبيتي الإستسلام
وها أنا ذا أقف مطعوناً بخنجر لاذع لا أستطيع نزعه من قلبي
تنزف أنهاراً من دمائي تبغي قتلي فأرحب بالموت لا حول لي ولا قوة فالموت عندي سيواري ضعفي وجرحي وألمي وبقايا روح لن تستطيع العيش ان رحلتي عني، أدركت أن لاذنب لكِ في برائتك ولكن الذنب ذنبي حين غفلت عيناي عنكِ فأوشكتي علي الضياع لولا رحمة من الله حاوطتك فأنقذتني.
سمعت حسنية ضجة شديدة بالخارج فخرجت لترى ما يحدث لتجد سيدها فهد ومعه رجلين مفتولي العضلات، يتحدث فهد مع السكرتيرة بعصبية وصوت عال، وضعت يدها على فمها تكتم شهقتها فى فزع تحول التراجع إلي الحجرة بخوف لكنه سمعها لينظر اليها بغضب ويتجه نحوها بخطوات سريعة، يمسك ذراعها بعنف قائلا بصوت كالرعد:
_فين وعد ياحسنية؟
قالت حسنية متلعثمة :
_ستى وعد..أصلها..أصلها....
صرخ فى حدة:
_ما تنطقى ..قولى هى فين لاما اقسم بالله هدفنك حية دلوقتى.
قالت حسنية بخوف:
_ستى مع الشيخ عابد فى الجلسة.
قال فهد بعصبية :
_والنيلة دى فين؟
أشارت باصبع مرتجف الى الحجرة المجاورة..أسرع فهد الى الحجرة المجاورة ليجدها موصدة فحطمها ليرى ما جعله يتمنى الموت فى هذه اللحظة، رأى زوجته شبه عارية وفوقها رجل يقبلها بجنون، صعد الدم الى رأسه يسرع اليه كي يقتله فظهر له رجلا من العدم، عاجله بلكمة قوية ثم ضربة محترفة علي جيده أسقطته مغشيا عليه..ابتعد عابد عن وعد قائلا برعب:
_انت مين؟
نظر فهد الى زوجته التى بدأت تفيق وترى نفسها بهذا المنظر تشهق بفزع ..وجدت فهد يحدقها بنظرات حزينة مصدومة وغاضبة.. فأمسكت بالملاءة تغطى بها جسدها وهى تبكى بشدة اما فهد فقد أشاح بناظريه عنها يطالع عابد المرتجف بنظرة نارية قاتلة وهو يقول:
_عايز تعرف انا مين..صح؟انا جوز الهانم، الراجل اللى كنت بتلوث شرفه ياكلب، وانا اللى يمس مراتى بنظرة مش بلمسه أقتله بايديا دول..لكن انت هدفنك حى واخليك تتمنى الموت ألف مرة ومش هتطوله.
قال عابد برعب :
_أنا....
قاطعته لكمات نضال القوية المتتالية التى أطاحت بأسنانه وشوهت وجهه وأفقدته الوعى على الفور.
سحبه فهد ثم ألقاه خارجاً لرجاله قائلا لهم بصرامة:
_خدوه من هنا وخدوا البت حسنية معاه ودوهم المخزن واستنونى هناك.
أومأ رجاله برأسهم وهم ينفذون أوامره..فى حين عاد فهد الى زوجته المنهارة قائلا فى صرامة:
_البسى هدومك وحصلينى..انا مستنيكى تحت.
أومأت برأسها دون ان تنظر اليه..فغادر الغرفة بعد أن نظر اليها نظرة مريرة..نهضت وعد وهى ترتجف ترتدي ملابسها بضعف..همست فى يأس باكى وهى تضرب رأسها:
_تستاهلى ياوعد عشان مشيتي ورا دماغك وخبيتى على جوزك..تستاهلى عشان غبية..غبية..غبية.