رواية آآن الفصل الثانى بقلم ايمان صالح
-السر بالكاميرا !!
ولما ابتديت أسأل مين غبت عن الوعي وماحسيتش بحاجة.
لتچبها سَّلّامة:
-إيه اللي إنتوا بتقولوه ده يا جماعة؟ احنا بقى لنا سنين هنا شغالين. وولا مرة سمعنا اللي إنتوا بتقولوه ده.
ردت إنچي:
-بس أنا متاكده من اللي سمعته زي منا متأكدة اني شيفاكوا.
في هذه اللحظه نطقت چانيت:
-إيه رعب ده ياجماعة؟ أنا موش فاهمة بتخوفوني ليه.
أجابت سلّامة:
-انت اللي مش فاهمة! بالعكس ده أنتِ اللي مفروض تفهمينها إيه حكايتك إنت والكاميرا بتاعتك.
لتچبها:
-مالها الكاميرا بتاعتي بقى! دي عندنا في إيطاليا لسه نازلة أحدث حاجة ومش معقول تكون بايظة .انتم اللي دماغكم بايظة. الصورة فيها حاجة مش طبيعيه بجد.
سرعان ما انفعلت سّلامة بدون مبررات وأخذت تطلق التهديد والوعيد بأنها ستبلغ صاحبة المكان بما تفعلنه أولئك المشاغبات أثناء العمل، لكن مهما بلغت درجة استهتارهن، لم تكن تدعوا إلى هذا الإنفعال المبالغ به منها، وعلى الفور ذهبت إلى السيدة رأفة تبحث عنها بين الأروقة، لكنها لم تجدها على الفور. أخذت تسأل عنها القريب والبعيد ومرت ببعض الأنفاق المعتمة حتى ضلت طريقها ولم تعد تستطيع التفرقة بين ممرات المنجم وبعضها البعض، بتلك الآونة أخذت تستدير بنظرها مذعورة في كل مكان وناحية جميع الجوانب، على أمل أن تجد بصيص من النور للعودة لمكان الفتيات، لكن دون جدوى.. حل الظلام من حولها وأصبح حيزها كالقبر يطبق على أنفاسها، بغتة.. بدأت تشعر بيد باردة مجعدة الچلد تتحسس جسدها، ثم همس في أذنها صوت امرأة عشرينية حدثتها قائلة:
-انت إيه اللي جابك هنا؟ كل ده عشان تإذي زميلاتك؟
حاولت سَّلّامة التأمل أو النظر ناحية الصوت لكنها لم تستطع رؤية الخلف. بدأت تتحدث مع الصوت ودموعها تنهمر منها كأنها تترجاه وتتحدث بود، ربما تظنه إحدى زميلاتها، أخذت تثرثر بخوف وتقول:
-إنتئئي ،مين فيهم؟ انت كنتي ماشية ورايا؟
حدثها المتكلم بسخرية:
-أههههااه. ماشية وراكي.
خفق قلبها بشدة وردت القول بتوتر ورعدة:
-طب يلا، يلا طلعيني من هنا، أنا مش قادرة آخد نفسي.
أجاب الصوت بتهكم مرة أخرى:
-لأ ما إنت مش هتطلعي من هنا! إنت ماتعرفيش ولا إيه؟
اتسعت عينا الفتاة بشدة ثم انقضت على وجهها يد شاحبة اللون زرقاء ملوثة ذو جلد مهترئ متساقط وأول مابدأت به، هو إقتلاع عينيها من مكانهما لتتعالى صرخات المسكينة ومن ثم، إهتز المنجم بأكمله وكاد أن يقضي على الجميع بعد إنهيار جزء منه..
بعد يومان..
الجميع في حالة حزن مصحوبة بقلق. فلقد إنهار المنجم فوق رأس بعض العاملين وعلى رأسهم سَّلّامة التي لاقت حتفها تحت الركام وحتى الآن لم يستطيعوا الوصول إلى جثمانها. غير أنهم في حالة شتات تائهون لا يستوعبون ما يحدث، فمنذ الانهيار الجزئي المنجم، وقد توالت الأحداث والظواهر الغريبة دون تفسير. أشخاص من المفقودين يظهرون أثناء الليل ويقومون بأعمالهم المطلوبة بالمنجم ثم يتبخرون مع ضوء الفجر، أصوات العمل لا تتوقف حتى وقت النوم، الثرثره دائمة. الصراخ دائم، أصوات الاستغاثة لا تنقطع إلى أن أصبحت تؤرق البقية، جلست الفتيات وبعض العاملين الرجال يتحدثون سوية عما يحدث وعن شعورهم بالإرهاق والقلق المفرط. حينها تحدثت چانيت بالعامية المصرية التي بالكاد تعلمتها من زميلاتها بعد عملها بالمنجم، فأصلها الإيطالي يغلب عليها، حتى أنها حين تتحدث تعتقد بأنها امرأة من الطبقة الأرستقراطية، وقتئذ إنخرطت في الحديث قائلة:
-هو الحجات اللي بتحصل دي كانت بتحصل هنا زمان قبل ما آجي أشتغل!!
على الفور نظرت إليها إحدى الزميلات قائلة:
-لأ ياختي، اللي بيحصل ده محصلش إلا من ساعة ما دخلتي علينا انت والمكنة الغريبة بتاعتك اللي لقطتي بيها الصورة المشؤومة وبس، غير كده محصلش حاجة تشبه اللي بيحصل خالص.
حيئذ نظرت لها متعجبة وسخرت منها قائلة:
-Scusa!!
- سكوزا نعمة، انت عندك عقل زي الناس ولا موش عندك؟ فيه حد يقول الكلام اللي بتقوليه ده ويصدقه؟!
انتفضت نعمة من موضعها بغضب ثم بدأت ترد عليها بصوت عال:
-إيه إيه إيه إيه؟ انت تقصدي إيه يا إيطالية؟ إني معنديش عقل!!
نظرت لها چانيت من أعلاها لأسفلها ثم قالت:
-إنت أدرى يامصرية.
لتبادر إنچي بالرد قائلة:
-مش يمكن يانعمة الكاميرا دي دليل على سر احنا منعرفوش؟؟
ضايقت كلمات انچي هذه المرأة، نظرت لها شزرًا ثم ثم شردت بعيدًا بنظرها كأنها تفكر في شيء قديم، وبعد صمتها الذي استمر حوالي دقيقة، بادرت بالتحدث قائلة:
-هو انت غاوية وجع قلبك بنفسك؟ وانتوا ياجماعة! شاغلين بالكم بشئ غامض كده ليه؟ ماتخلونا في أكل عيشنا وقوموا يلا، قوموا نشوف شغلنا إحنا بقالنا حوالي يومين من ساعة اللي حصل ومبنطلعش ولا كيلو دهب على بعض حتى! انتوا فاكرين ساعة القبض كده هيدونا أجورنا؟ كده مش هيقبضوكوا يلا قوموا. على الشغل يلا!
تعجبت چانيت من مهاجمة نعمة لها، فهي تعمل في المنجم منذ قرابة الشهر ولم يصدر من نعمة أي تصرف سيء تجاهها، بل على العكس تماما فإن نعمة شخصية ودودة محبوبة من الجميع، لا يصدر منها أي تصرف سيء تجاه أحد، لذلك اندهشت چانيت من حالتها. لربما تخفي سرًا لا يعرفه أحد غيرها، تناوبت چانيت عليها بالنظرات، ليتفقدها زميلهم في العمل ثم ينظر ناحية نعمة ويحدث چانيت قائلًا:
-متزعليش نفسك يا ست چانيت. الست نعمة أطيب خلق الله والله، ميغركيش شخطها ونطرها فينا اللي بتعمله الأيام دي! ده هي متغيرة بس عشان الوضع متبرجل ومحدش فاهم حاجة، لكن هي في الأساس طيبة خالص.
رمقته بطرف عينها قائلة:
-هنشوف يا عم عرفان، هنشوف.
مرت الساعات وانغمس الجميع في عمله دون توقف، السيدة نعمة تسيطر على ساحة العمل، العاملات والعاملين يبحثون بكدٍ وتعب في التراب عن خيرات الأرض ومايخفيه باطن التربة، لكن سرعان ما خرجت الأمور عن السيطرة مجددًا، لوهلة.. توقف هذا الرجل ينظر آخر النفق الذين يُنَقِبون به عن الذهب، حدق بعينه بعيدًا وأخذ يتمعن شئ ما، حينئذ لاحظت رئيسة العمل انشغاله عما بيده لتصيح به قائلة:
-عم عوضين! خير بتبص على إيه ومركز قوي كده!
شتتت كلماتها انتباهه فرمقها بتوتر قائلًا:
-ها؟ مفيش حاجة يااست نعمة. دنيا بتهيألي لمحت حد آخر النفج بس.
اتسعت حدقتها عينها وزادت إتساعًا حينما رفعت حاجبها وهي تعقدهما في غيظ قائلة:
-هو فيه إيه؟ هي لعنة صابتكوا كلكوا ولا خيبة في عقولكم؟ ماتركز في شغلك أحسن ياعم عوضين!
طأطأ رأسه ثم زفر بحرج وقال:
-آسف ياريسة. يظهر من التعب إتخيلت حجات مابتجراشي، متآخذينيش.
أجابته بقليل من اللطف الذي نفى حالة عضبها السابقة محدثة إياه برحمة:
-خلاص ياعم عوضين ولا يهمك، كلنا هلكانين بعض الشئ، إرجع لشغلك ومتزعلش من إنفعالي.
أجابها:
-ولايهمك ياريسة.
بتلك اللحظة رمقت إنچي چانيت وهامستها بمهمة:
-يظهر أيامنا في المكان المخروب ده مش هتعدي على خير.
نظرت لها رفيقة عملها وهي ترفع حاجباها للأعلى ثم أغلقت عينها بثقة وهي تخبرها:
-أدينا طلعنا مش وحدنا اللي بنشوف وبتحصل لنا حجات غريبة في المنجم أهو! أنا متأكدة إن المكان ده فيه حاجة غلط.
أجابتها إنچي التي كانت تغربل بعض الحصى والرمال ثم توقفت عن تحريكهم وقالت:
-أنا كمان حاسة بنفس اللى انت حاسة بيه، لأ ومتأكدة ٱن فيه حاجة مش مظبوطة في المكان ده.