رواية بنت الاكابر الفصل الثالث والثلاثون 33 بقلم ندا الشرقاوي


 رواية بنت الاكابر الفصل الثالث والثلاثون


رفعت راسها لتنظر إليه ،ورفعت نفسها حتى تكون في مستواه وضعت قبله على أحد خديه وقالت 
-طلقني يا يونس 

أبعدها يونس عنه، فتراجعت قليلًا، قبل أن ترفع عينيها إليه منتظرة إجابته. لكنه لم يقل شيئًا، بل توجه إلى أقرب مقعد وجلس عليه، يشعر بألم يخترق قلبه. كان الإحساس بالرفض ينهشه، أفكار قاتمة تدور في رأسه: هل حقًا لا تحبه؟ لا تريد قربه؟ هل كان حديثها صحيحًا؟

نظر امامه في الفراغ، وصوت داخله يهمس: هذه ليست طريقها... لكنها ليست ثابتة، يمكن تغيير الاتجاهات... الحب تضحية، ولكن من كلا الطرفين، وليس من طرف واحد فقط...

جلست قمر أمامه، وهي تدرك تمامًا ما يدور في خاطره. هل حقًا يشكك في حبها!؟يشكك في مشاعرها نحوه!؟. بهدوء، رفعت يدها، أمسكت بيده برفق، ثم قربتها إلى شفتيها، تطبع عليها قبلة دافئة، وهمست بحنو:
-اوعى تشُك في حُبي ليك يا يونَس ،بس أنا خايفة ،اه خايفة مش حقي اخاف ،خايفة من الحياة ،خايفة مكُنش الزوجة اللي تتمناها مكونش الام اللي تتمناها لعيالك ،أنت فاكرني مبسوطة وأنا بقولك كده بالعكس يا يونس أنا في اشد احتياجي ليك أنا بقيت بستقوى بيك وبسند عليك ،مش بكدب ايوه يا يونَس أنا بتحامى فيك ،كان نفسي يكون ليا حد اجري عليه في وقت حزني وغضبي كان نفسي يبقا ليا حضن يقفل عليا ويقلل وجعي أنا بحبك
 
تملَّك الغضب من يونس ،لكنه يعشقها حتى النخاع .قبض على ذراعيها بقوة ،مسندًا جسدها إلى الحائط ،حتى صار ظهرها ملتصقًا بالحائط ووجهها مقابل وجهه ،اقترب منها أكثر ،حتى تداخلت أنفاسهما ،وشعرت بحرارة أنفاسه تلامس بشرتها ،كان صدره يعلو ويهبط بعنف ،وعيناه تتوهجان بمزيج من الغضب والشوق والحزن ،وكأن صراعًا داخله لا يعرف الهدوء

هتفت بصوت هادئ مما جعلها تشعر بالخوف 
-عاوزه تتطلقي ؟وماله تطلقي وماله ؟بس على شرط لما ترجعي البلد وتلاقي جثتي طالعه من سرايا الراوي اعتبري نفسك طالق غير كده مفيش واتفضلي ادخلي اوضتك أنا هنام هنا للصبح 

ظلت قمر تنظر إليه فقط حتى صرخ بها بقوة ارعبتها مهما كان قوتها فهو زوجها وتخافه 
-مش قولتلك ادخلي ادددخلي 
هرولت من امامه إلى الداخل واستمعت إليه وهو يقول 
-فرحنا في معاده يا انسه الأسبوع الجاي كفايه دلع بقا ومش عاوز صوت على اوضتك 

دلفت إلى غرفتها واغلقت الباب،وسندت بظهرها على الباب وتضع يدها على قلبها الذي ينبض بقوه وترى نفسها تهاب يونس وتخاف من صوته العالي ،وهي يخاف منها الرجال جميعًا ،لكنه زوجها ورفيقها وحبيبها قبل كل هذا
خلعت عنها الترينج بتعبٍ صامت، وارتدت منامة صيفية ناعمة من الحرير، شورت قصير يصل أعلى الركبة وبلوزة خفيفة تُظهر أكثر مما تخفي. كان يمكن أن تقف أمامه هكذا، فهو زوجها شرعًا، لكن قلبها يذكّرها بأن الوقت لم يحن بعد. لم يسلمها جدها له، ولم تنتقل إلى بيته بعد، وما زالت بين حدود الحياء والانتظار.

زفرت بهدوء، واتجهت إلى الفراش. سحبت الغطاء على جسدها، استقرت على جنبها، وأغمضت عينيها تحاول انتزاع النوم من ضجيج الأفكار الذي يدور في ذهنها.

بعد مرور أسبوع 
اليوم زفاف قمر ويونس ،يوم اكتمال القمر كما اطلق عليه يونس ،في فندق فاخر لا يعمل فيه زفاف إلا لاصحاب النفوذ والسلطات العالية ،كان الفندق من الداخل أشبه بتحفة فنية تجمع بين الفخامة الكلاسيكية والتكنولوجيا الحديثة. الثريات الكريستالية العملاقة تتدلى من السقف العالي المزخرف بنقوش ذهبية، تعكس ضوءها على الأرضية الرخامية اللامعة التي تعكس فخامة المكان. الجدران مزينة بلوحات فنية نادرة، وإضاءات خافتة تبرز التفاصيل المعمارية الفريدة.

الطاولات مزينة بأوانٍ كريستالية أنيقة ،يتوسطها شموع مضاءه تُضيف جوًا من الرومانسيه الحالمه 
 كانت تحفة معمارية بديعة، سقفها مغطى بستائر حريرية تتماوج مع نسمات الهواء الخفيفة، وأرضيتها مفروشة بسجاد فاخر يحمل نقوشًا ملكية. في نهاية القاعة، مسرح ضخم تتوسطه شاشة عرض عملاقة، سوف تُبث عليها لحظات من قصة حب قمر ويونس، وفرق سوف تعزف فرقة موسيقية مقطوعات ساحرة تزيد من سحر الأجواء.
في الخارج ،نافورة مياه راقصة تتلألأ أضواؤها بألوان ناعمة ،بينما تنتشر الزهور البيضاء في كل زاوية ،تفوح منها رائحة الياسمين والورد الفاخر .

في الأعلى، داخل جناح "قمر"، كانت الأجواء مشحونة بالحركة والتوتر. الجميع كان حاضرًا، وفتاة التجميل منشغلة بإعداد العروس. جلست قمر على مقعدها بصمت، بينما كانت الفتاة أمامها تضع لمساتها الأخيرة

وضعت يديها على بعضهما وبدأت تفركهما علامة واضحة على القلق والتوتر.لم تلبث طويلًا حتى هبّت واقفة فجأة، ما لفت انتباه الموجودين، لتسألها سما بدهشة:
– مالك؟ وقفتي ليه؟
ردّت قمر سريعًا وهي تتحرك نحو الباب:
– خمس دقايق بس... خمس دقايق وجاية.
اندفعت خارج الجناح، أغلقت الباب خلفها، وبدأت تبحث بعينيها عن جناح يونس 
وما إن وجدته، حتى أسرعت إليه وطرقت الباب بخفة وقلق.
لحظات، وفتح الباب. بدا يونس متفاجئًا:
– كل دا تأخير؟
ثم قطّب حاجبيه قليلًا وهو يتأملها:
– قمر؟ مالك؟ في إيه؟ كنت فاكر حد تاني.
نظرت إليه بعينين تحملان مزيجًا من الخجل والارتباك، وهمست بصوت متوتر:
– مش عارفة... خايفة، وقلقانة، ومتوترة... سبتهم وجيت.

ابتسم ابتسامة خفيفة، نصف مطمئنة، ثم مد يده إليها برفق، وأدخلها إلى الداخل. سار بها بهدوء حتى وصلا منتصف الجناح، جلس على مقعده وجذبها لتجلس على ساقيه، ثم أحاط خصرها بذراعه، ممسكًا بيدها كأنه يحاول أن ينقل لها بعضًا من سكينته لتدفن وجها في حوف عنقة كإنها تختبئ منهُ فيه بدا يهتف بكلمات مليئة بالحنين 
-مالك بس؟
قالها يونس بصوت منخفض ونظرة حانية وهو يشدّها نحوه أكثر.
– توتر فرحة... متخافيش، أنا معاكي، جمبك.
ثم ابتسم بخفة وأضاف وهو يغمز:
– بس تعرفي إنك مجنونة؟
قطبّت حاجبيها باستغراب وهمست، وهي ما زالت مستندة على صدره:
– ليه؟
قهقه يونس وهو يمرر يده على شعرها بلطف:
– اللي أعرفه واللي سمعته إن العروسة يوم فرحها متخليش العريس يشوفها، وتفضل مستخبية، وكل القصص التقليدية دي...
أشار لها بإيماءة خفيفة ثم تابع ضاحكًا:
– وإنتِ جاية ليا بالروب، ونص ميكب، وشعرك لسه مخلصش. وكمان... لو مش واخدة بالك، أنا لابس البورنص!

رفعت رأسها ونظرت إليه، ثم انفجرت بالضحك، وهو فعلًا كان يرتدي معطف الاستحمام. هزّت رأسها بخفة وقالت وسط ضحكاتها:
– مش عارفة... لقيت نفسي جاية لك من غير تفكير. وبعدين أنا مبحبش التقاليد، خلينا في الحاجات الاسبيشيل يا يوني.
تغيّر تعبيره فجأة، وحدّق فيها باستغراب ممتزج بابتسامة:
– نعم؟... يوني؟
لفّت ذراعها بدلال حول عنقه، واقتربت منه أكثر، ثم همست بصوت أنثوي دافئ، يقطر أنوثة ونعومة:
– آه، يوني...
– أصل لقيت الأسماء الشائعة مملة، قولت أختار حاجة بيني وبينك كده... حاجة ليّ أنا بس.
ابتسم، وعيونه علقت بوجهها للحظة، قبل أن يهمس:
– خلاص... يوني يوني ، وكلّي ليكي،الدلع حلو برده 

ظلت هكذا في حضنه على ساقيه يضمها من كُل شئ حتى الهواء كأنه يريد أن الهواء يكون مختلط بانفاسهما سويًا ،يريد أن لا يفصل بينهم شئ حتى الهواء ،رفعت يدها تحيط عنقه من جديد وهى تهمس بصوت مليئ بالمشاعر الجياشة 
-يونس ...

جاهد على خروج صوته وهو يشعر بحرارة في جسده باكمله لو يقدر أن يخبئها بين ضلوعة ويقفل عليها بالمفتاح ثم يبتلعه ،لا ....لا اضعها في قلبي واغلق عليها سور ...ورا سور حتى لا يظهر طيفها 
-عيون يونس وحياته يا قمري 

رفعت راسها من عنقه ورفعت سبابتها تسير على وجهه كانها ترسم خريطه على وجهه اغمض عينه وهو يستمتع بهذه اللحظة التي يود أن يتوقف الزمن هنا 
هبطت يدها بالتدريج حتى استقرت على عنقه وهتفت 
-نفسي أفضل في حضنك يا يونس،أنت الوحيد اللي شايفني أنثى بجد 

اغلق زراعيه بقوة عليها ووقف وهو يحملها ولف قدميها حول خصره ورفع أحد زراعيه يضعه على مقدمة راسها وهو يهبط على سائر جسدها باكمله حتى شعرت برعشه قويه وتمتم
-أنتِ الحياة يا قمر ،أنا فرحان إن قمر اللي معايا غير اللي مع الكل ،قمر بره بابا اوضتنا بتكون حاجه وجوه الاوضة حاجة تانية خالص أنا حابب كده أنتِ أجمل أنثى على وجه البشرية كُلها 

ابتسمت بخجل مما جعل وجنتها تحمر وتشع نورًا ردت مغيره الحديث 
-أنا ..... لازم امشي ... 
ضحك على حديثها المتقطع وهتف 
-حاضر امشي ولو قلقتي تاني تعالي هاخدك واهرب من الدنيا كلها 

اومات له وانزلها من حضنه لتسير حتى وصلت إلى الباب ونظرت إليه وجدته ينظر إليها مبتسمًا بحب ،ردت له البسمة وضعت يدها على مقبض الباب لتخرج وترجع غرفتها .

مرت عدة ساعات كان الجميع على عجلة وهو يتجهز لان الوقت قد حان 
كانت قمر تقف في منتصف الغرفة تضع يدها على خصرها تنظر إلى نفسها في المرآه ،فستانها الذي كان قطعه من الجنة ،صمم منه قطعه وحده كُتبت  باسم "قمر المُحمدي "

كانت تسال نفسها ،هذا هو شعور الفرحة الذي اغلقت عليه القبر عندها ودعت والدي ،هل رجع هذا الشعور مره ثانيه ؟لكن ينقصه شئ!! والدي الذي قتل غدر .

دق الباب وسمحت قمر بالدخول وكان جدها مُحمد 
وقف وهو يطالعها بحب وفخر كان يتمنى أن يرى هذا اليوم ويسلم قمر لحبيبها التي اختارته بقلبها 
وقف وهو يتمتم 
-ما شاء الله ...البدر في تمامه ...عروسة چمر وهى چمر 
ربنا يحرسك من العين يا بتي 
امسكت بفستانها واسرعت نحوه راكضه لتسكن حضنه وهى تقول 
-ربنا يخليك ليا يا جدو 
اغلق يده عليها وهو يتمتم 
-عشت وشوفتك عروسة وأجمل عروسة يا قمر 

خرجت من حضنت ونظرت إليه تنتظر منه الحديث حتى هتف 
-بصي يا بتي أنا ربيتك معرفش ربيتك صح علشان تاخدي حقك متبقيش لقمة سهله ولا غلط مخلتكيش الانثى اللي بجد بس أنتِ كنتِ بتعرفي تتعامل مع كل موقف امته تبقي قمر المحمدي وامته تبقى قمر الرقيقة ،اللي عاوز اقوله ليكِ يا بتي كان ابوكي الله يرحمه كان هيقوله ،حافظي على جوزك يا بتي اوعى في يوم من الايام تكسري كلمته قدام حد ولا حتى بينك وبين نفسك ،كلمت راجلك تسير على رقبتك ،اوعى تظهري وتتفرعني على جوزك تبقي خربتي على نفسك يا بتي ،وربنا يرزقك الخلف الصالح 

نظرت إليه بحنو وقبلت يده بحب وامسك بيدها يضعها في يده ليتوجه إلى الاسفل 
تحركت قمر وفي كل خطوة كانت تدق الطبول على قلبها كاد قلبها يقفز من مكانه ،حتى وصلت إلى الدرج تقف هى اخر الدرج ،نظرت إلى الاسفل كان يونس ينظر إليها من الاسفل والجميع يقف يصفق بحراره الحب في عيون احدهم ،والكره في عيون احدهم ،لكن لا يهم احد المهم الفرحة فقط.

صعد يونس درجة ...تليها درجة ...قلبه يصرخ من السعادة 
حتى وصل إليها ،سلم على "الحج مُحمد" وسلمها له وقف يونس امام قمر وابتسم بسعادة غامرة وضع فاه على جبينها يقبلها بعمق ثم ابتعد قليلًا وهو يقول 
-خليتي حياتي جنة يا قمر ...مبروك يا حرم يونس الهواري 
ردت وهى تنظر إليه بعشق 
-بحبك يا يونس 

وضع يونس يده في يدها وبدا في الهبوط  على أغنية "ادخلي عمري " والجميع يصفق بحرارة وفرحة 
جلسوا في مقعدهم ليبدا الجميع في المباركة والتهاني 
ولم يترك يونس يد قمر نهائياً 

في الخارج كان معتز يحدث ليليان وهى تبكي بحرقة ،لانها لم تحضر زفاف شقيتها 
هتف معتز وهو يشعر بحزنها وقلبه يؤلمه عليها 
-خلاص بقا يا ليليان ...أنا هدخل واورهالك 
كانت شهقتها عالية لا تتوقف ...شقيتها حزينة منها ...غاضبة ...كان هذا اختيارها ولابد من تحمل اخطاءه !
رد وهو يحاول مواساتها
-خلاص يا لي لي أنا معاكي اهو ... طب حد زعلك ؟حد قالك حاجة؟أنتِ اللي اخترتي يا ليليان محدش غصبك صح ؟
اومات براسها على حديثه وهى تقول بين شهقتها 
-صح ... بس هيا ...هيا ...زعلانة مني ..
تمتم بحنو 
-معلش غصب عنها هيا كان نفسها تفضلي عايشه معاها هيا دلوقتي خايفة عليكِ 

ثم استطرد بقلق وتوتر 
-لي لي أنا عاوز ....عاوز 

تعليقات