رواية ارض المنهاوا الفصل الثالث 3 بقلم جاسر شريف


رواية ارض المنهاوا الفصل الثالث 


ظلّ يامن، يعقوب، وسهيلة في المخبأ المظلم، يتنفسون بصعوبة بعد مطاردة حراس القلعة لهم. كان الهواء في المكان خانقًا، تفوح منه رائحة العفن والرطوبة، بينما جلس نور الدين في الزاوية متأملًا الأرض.

—تمتم يامن، وهو يمرر يده في شعره المتعرق. "لازم نخرج من هنا بسرعة..."

نور الدين نظر إليه بعينين حادتين، ثم قال:

— "الخروج مش هو المشكلة... المشكلة هي إلى أين ستذهبون."

نظروا إليه باستغراب، قبل أن يكمل بصوت منخفض:

— "أنتم عالقون في المنهاوا، والقلعة محمية بالسحر الأسود. ما تملكونه الآن لا يكفي لمواجهة الحراس أو حتى الاقتراب من أبوابها."

يعقوب قبض على يده بغضب:

— "يعني مافيش أي طريقة لإنقاذ أختي؟!"

نور الدين لم يرد فورًا، لكنه وقف وبدأ يرسم بيده على الأرض الرمادية، وكأنه يخطط لشيء.

— "هناك طريقة... لكنها محفوفة بالمخاطر أما النجاه أو الموت.

يامن اقترب منه، وجهه يحمل مزيجًا من القلق والأمل:

— "قل لي، سأفعل أي شيء."

نور الدين رفع نظره إليه ببطء، ثم قال:

— "نقاط الدم."
تعجب يامن ويعقوب وسهيله

طريق الدم

جلس الجميع في صمت بينما بدأ نور الدين يشرح لهم القوانين الملعونة التي تحكم أرض المنهاوا.

— "نقاط الدم هي العملة هنا وهي الطريقة الوحيدة لشراء طريقكم إلى القلعة."

— "كل نقطة تُكسب عبر إعدام روح وإزهاقها، أو سرقة من شخص آخر، أو حتى تنفيذ طقوس خاصة لاستدعاء قوى الظلام التى هى سبب الضياع

سهيلة ارتجف صوتها وهي تقول:

— "يعني لازم نقتل حد؟!"

نور الدين أومأ برأسه ببطء:
للأسف 
— "أو تخدعوا شخصًا آخر ليقتل بدلكم."

يعقوب قفز واقفًا بغضب:

— "أنا مش قاتل! ومش هكون واحد منهم!"

نور الدين لم يظهر أي انفعال، لكنه رد بهدوء:

— "إذن استعدوا للبقاء هنا للأبد ومنى كذلك."

ساد الصمت في المكان، بينما كانت كلمات نور الدين تقطعهم كالسكاكين الحاده 

يامن نظر إلى الأرض، قلبه ينبض بسرعة. هل يمكنه فعلها؟ هل يمكنه التضحية بشخص آخر لإنقاذ أخته؟

— سأل أخيرًا بصوت مبحوح .مافيش طريقة تانية؟" .

نور الدين ضاقت عيناه، وكأنه كان يتوقع هذا السؤال.

— "هناك طريقة لكنها أخطر بكثير."

لعنة القاتل

يامن ماذا تقول

فتح نور الدين كفّه، فظهر عليها وشم غامض بلون أحمر متوهج.

— "يمكنكم تحدي أحد محاربي المنهاوا في قتال الفائز يحصل على نقاط الخاسر."

يامن استقام ببطء، يحدّق في العلامة المضيئة على يد نور الدين.

— "هذا يعني أننا لا نحتاج لقتل الأبرياء؟"

نور الدين ابتسم ابتسامة ساخرة:

— "لا يوجد أبرياء في المنهاوا، يا فتى. كل شخص هنا قتل أو خدع أو خان ليبقى على قيد الحياة."

يعقوب شد قبضته، ثم قال بصوت حازم:

— "إذن، أين نجد هذا المحارب؟"

نور الدين نظر إليه بإعجاب خفي، ثم استدار نحو الحائط، ووضع يده عليه.

— "هناك سوق تحت الأرض، يُقام كل ليلة... حيث يبيعون كل شيء، بما في ذلك الموت نفسه."

سوق الظلام هو بمثابة مخزن لسكان المنهاوا
------------------------------------
شقّت المجموعة طريقها عبر الأزقة الضيقة، حتى وصلوا إلى ممر حجري يؤدي إلى الأسفل. كان المكان أشبه بسرداب قديم، حيث توجد مشاعل مشتعلة بنيران زرقاء على الجدران، وتملأ الرائحة المكان بمزيج من البخور والدم المتجلط

عندما خرجوا إلى الساحة، اتسعت أعينهم.

كان السوق مزدحمًا بمخلوقات غريبة وأشخاص بملامح مخيفة، بعضهم يحمل أسلحة مشؤومة، والبعض الآخر يتهامسون في الظلام.

في المنتصف، كانت هناك حلبة دائرية، حيث رجلان يتقاتلان بضراوة، والسكان يحيطون بهم وهم يهتفون بحماس.

نور الدين أشار إلى الحلبة، وقال:

— "هذه فرصتك، يامن. إذا استطعت هزيمة أحد المقاتلين، ستحصل على نقاطه."

يامن بلع ريقه، وهو يشعر برجفة تسري في جسده. لم يسبق له أن خاض قتالًا حقيقيًا، فكيف سينجو هنا؟

لكن قبل أن يستطيع التفكير أكثر، دوّى صوتٌ أجشّ خلفه:

— "أنت أريد قتالك."

استدار يامن ببطء، ليجد أمامه رجلًا ضخم الجثة، بعينين سوداويتان وندبة طويلة تمتد عبر وجهه.

نور الدين همس ليامن:

— "إنه راغور سفاح مشهور هنا، لديه خمسين نقطة دم."

يامن شعر بالدم يتجمد في عروقه، لكن لم يكن هناك تراجع.

تنفس بعمق، ثم تقدم إلى الحلبة.

— "موافق."

وقف يامن داخل الحلبة، يواجه راغور الذي كان يبتسم بثقة قاتلة.

— "لا تقلق، سأجعل موتك سريعًا."

يامن لم يرد، لكنه قبض على يديه، محاولًا كتمان خوفه.

ثم دقّ الجرس.

واندفع راغور نحوه بسرعة!
------------------—-----------------

انطلق راغور نحو يامن بسرعة مذهلة، وذراعه الضخمة مرفوعة لتسديد ضربة ساحقة. بالكاد تمكن يامن من تفاديها، فتراجع للخلف وهو يشعر بالهواء يصفع وجهه بقوة. لو أصابته تلك الضربة، لكانت نهايته.

— "أوه سريع، هذا ممتع!" ضحك راغور بصوت أجش، بينما استدار ليهاجم مجددًا.

هذه المرة، لم يكن أمام يامن أي مجال للهروب.

رفع يديه لصد الضربة، لكن قوة راغور كانت أشبه بصاروخ انتلق عليه. ارتطم بالأرض بعنف، وتدفق الدم من زاوية فمه.

— "يامن!" صرخت سهيلة من بين الحشود، بينما كان يعقوب يقبض على سيفه بقوة، غير قادر على التدخل.

نور الدين راقب بهدوء، لكن في عينيه كان هناك توتر خفي.

يامن سعل، ثم رفع رأسه بصعوبة. الألم كان يمزق جسده، لكن كان عليه النهوض. لا يمكنه أن يخسر.
ـــ همس يامن في نفسه ليس الآن."منى تحتاجني..."

جمع قوته، واستند على يديه للنهوض، بينما كان راغور يتقدم نحوه بخطوات ثقيلة.

— "أعجبتني شجاعتك، لكن لا جدوى من المقاومة."

رفع يامن نظره إليه، ثم لمح شيئًا في يده اليمنى—خنجر صغير، نصفه مغروس في حزام راغور.

لم يفكر، بل قفز فجأة إلى الأمام، مدّ يده وانتزع الخنجر في لحظة خاطفة!

— صاح راغور بغضب،"ماذاتفعل يا وغ......" ،

 لكن يامن لم يمنحه وقتًا للرد.

غرس الخنجر في فخذ العملاق بكل قوته.

صرخ راغور متألمًا، بينما استغل يامن الفرصة وسدد لكمة مباشرة إلى وجهه، جعلته يترنح للخلف.

الحشد صاح بجنون، بعضهم يهتف ليامن، والبعض الآخر يطالب راغور بتمزيقه.

نور الدين ابتسم للمرة الأولى.

— "هذا الفتى قد يكون لديه فرصة فعلًا"

بسبب ذكائه الفتاك تحولت الكفة

راغور كان غاضبًا، وهذا ما جعله أضعف. الغضب يعمي العقل، ويجعل صاحبه مندفعًا بغباء 

يامن كان يعلم أنه لا يستطيع الاعتماد على قوته البدنية، لذلك استخدم سرعته وذكاءه. كان يتفادى ضربات راغور في اللحظة الأخيرة، يجعل العملاق يستهلك طاقته.

"فقط... اصمد قليلًا."

لكن المشكلة أن جسده لم يكن يحتمل أكثر. أنفاسه أصبحت ثقيلة، ورأسه يدور.

راغور، رغم الجروح، كان لا يزال أقوى بكثير.

—زأر راغور "لقد سئمت منك!" ، ثم قفز في الهواء، رافعًا قبضته الهائلة لتسديد ضربة نهائية.

لم يكن هناك مفر.

أغمض يامن عينيه للحظة، ثم فكر في كل شيء. منى... يعقوب... سهيلة...

ثم، كما لو أن الزمن تباطأ، تذكر كلمات نور الدين:

"كل شخص هنا قتل أو خدع أو خان ليبقى على قيد الحياة."

عينيه اتسعتا. فهم الآن.

وفي اللحظة التي سقطت فيها قبضة راغور، انزلق يامن بسرعة بين قدميه، ثم طعن الخنجر في ركبته بقوة مره أخرى

انهار راغور على الأرض وهو يصرخ، والدماء تتدفق منه بغزارة.

لكن يامن لم يتوقف.

استدار بسرعة، ووجه ضربة أخرى إلى عنق العملاق باستخدام مقبض الخنجر.

راغور شهق، ثم عينيه انقلبتا، وسقط وجهه على الأرض، بلا حراك.

صمت تام خيّم على المكان.

ثم دوّى صوت الجرس.

— "الفائز: يامن الشبح.

لقد سموه بهذا الاسم لطريقة قتاله الغريبه

الحشد انفجر بالهتاف، لكن يامن لم يكن يسمع شيئًا. كان يلهث، بالكاد يستطيع الوقوف.

نور الدين اقترب منه، ووضع يده على كتفه:

— "لقد فعلتها، يا أخي اني فخور بك

قبل أن يستطيع يامن الرد، شعر بحرارة غريبة تنتشر في جسده. نظر إلى يده، ليجد وشمًا أحمر صغيرًا يظهر على معصمه.

— "تهانينا..." قال نور الدين بابتسامة. "لقد حصلت على خمسين نقطة دم."

نظر يامن إليه بصدمة، ثم إلى يده، حيث كانت النقاط تتوهج بلون دموي.

لم يشعر بأي شيء سوى الفراغ.

لقد فاز. لكنه لم يشعر بالنصر.
لان النصر الحقيقي هو عودت منى

الطريق إلى القلعة كان غريبا 

بعد ساعات، كانت المجموعة تسير في طريق مهجور، بعيدًا عن سوق الظلام.

نور الدين كان يتقدمهم، يقودهم إلى حيث يمكنهم استخدام نقاط الدم لشراء تذكرة إلى القلعة.

لكن يامن لم يكن يتحدث. كان غارقًا في أفكاره الدفينه 

"هل هذا هو الطريق الذي يجب أن أسلكه؟ هل علي أن أقتل لأحمي من أحب؟" ولكن هو كان سفاح يصفق الدماء!؟

يعقوب وضع يده على كتفه، مقاطعًا أفكاره:

— "لقد كنت رائعًا، يا يامن. أنا فخور بك."

نظر إليه يامن، ثم أومأ بصمت
------------------------------------

 عتبة الجحيم

تقدمت المجموعة في الطريق المظلم، محاطين بصمت ثقيل. كل خطوة كانوا يخطونها نحو القلعة جعلت الهواء أكثر برودة، والظلام أكثر كثافة. حتى نور الدين، الذي بدا دائمًا مسيطرًا على الوضع، كان يمشي بحذر.

كان يامن لا يزال يشعر بألم المعركة السابقة، لكنه لم يستطع التوقف. لقد حصل على خمسين نقطة دم، لكنه لم يفهم بعد معناها الحقيقي.

—سأل يعقوب، مقاطعًا الصمت 
إلى أين نذهب بالضبط؟".

أجاب نور الدين بصوت هادئ:

— "إلى بوابة القلعة، حيث يتم قياس نقاط الدم."

سهيلة التفتت إليه بقلق:

— "يعني لو ما معاناش نقاط كفاية... مش هيدخلونا؟"

ابتسم نور الدين ابتسامة خفيفة، لكنها كانت تحمل وراءها شيئًا مرعبًا:

— "بل سيتم التخلص منا."

صمت الجميع. لم يكن لديهم خيار آخر.

بوابة القلعة

بعد ساعات من السير، ظهرت أمامهم بوابة ضخمة من الحديد الأسود، ترتفع لعدة أمتار، وكأنها جزء من جبل داكن. على جانبيها، وقفت تماثيل حجرية ذات وجوه مشوهة، وأعين فارغة تحدق بهم.

أمام البوابة، وقف رجل ضخم الجثة، بشرته شاحبة كالأموات، وعيناه سوداوين بالكامل.

عندما اقتربت المجموعة، تحدث بصوت أجش:

— "أظهروا نقاط الدم يا أيها الغرباء وانت ايضا يا نور الدين

نور الدين مدّ يده، حيث تألقت علامة حمراء تحتوي على 300 نقطة دم.

ثم تبعه يامن، الذي رفع يده ليكشف عن وشمه الجديد، والذي أظهر 50 نقطة.

يعقوب وسهيلة لم يكن لديهما أي نقاط، مما جعل الرجل العملاق يحدّق بهما ببرود.

— "لا نقاط؟"

شعر يامن بقبضة باردة تعتصر قلبه. هل هذا يعني أنهم لن يدخلوا؟

قبل أن يتكلم، تدخل نور الدين بسرعة:

— "سأدفع عنهم."

رفع يده مرة أخرى، واختفت 100 نقطة من وشمه.

أومأ الحارس العملاق، ثم التفت إلى البوابة، ورفع يده.

في لحظة، بدأت البوابة تصدر صوتًا مخيفًا، وكأنها تفتح إلى هاوية لا نهاية لها.

— "ادخلوا."

عبروا البوابة إلى عالم مختلف تمامًا.

كانت القلعة ضخمة، جدرانها مصنوعة من حجر أسود ينبض وكأنه حي. المشاعل التي أضاءت الممرات لم تكن عادية، بل كانت ألسنة لهب بلون أزرق بارد، تتراقص بشكل غير طبيعي.

لكن أكثر ما لفت انتباههم هو الأشخاص هناك.

كانوا يسيرون بين الممرات، يرتدون ملابس مختلفة، بعضهم يشبه البشر العاديين، بينما آخرون كانت لديهم علامات غريبة على وجوههم وأجسادهم.

—همست سهيلة. "من هؤلاء؟" 

نور الدين ردّ دون أن ينظر إليها:

— "محاربو المنهاوا. كل شخص هنا إما قاتل، أو مسحور، أو هارب من العالم الحقيقي."

يامن شعر بقشعريرة. كل هؤلاء الأشخاص، كل هذه الأرواح الضائعة... هل هذا هو المصير الذي ينتظرهم؟

لكن لم يكن لديه وقت للتفكير، لأن أمامهم ظهر شخص آخر...

رجل يرتدي رداءً  احمر داكن يشبه الدماء، بعيون غريبة تحمل بريقًا لم يكن بشريًا.

— "أخيرًا... لقد وصلتم."

توقفوا جميعًا عند رؤية الرجل. كان يقف بثقة، يديه مخبأتين داخل ردائه الطويل، وابتسامة غامضة تزيّن وجهه.

— سأل يعقوب بحذر"من أنت؟" 

ابتسم الرجل بهدوء، ثم قال:

— "أنا ساحر من عالم المنهاوا... ولكني لست مثل البقية."

نور الدين حدّق فيه بتمعن، ثم قال بصوت منخفض:

— "لقد سمعت عنك... أنت الساحر الطيب."

الساحر أومأ برأسه ببطء.

— "جئت لأساعدكم... ولأكشف لكم الحقيقة عن هذه الأرض."

يامن تقدم خطوة إلى الأمام، قلبه ينبض بسرعة:

— "الحقيقة؟ عن ماذا؟"

نظر الساحر إليهم جميعًا، ثم قال بكلمات بطيئة سوف 
احكي 

— "عن تاريخ المنهاوا... وعن الأخوين اللذين تسببا في نشآته

تعليقات