رواية ارض المنهاوا الفصل الرابع 4 بقلم جاسر شريف


 رواية ارض المنهاوا الفصل الرابع 

 الحقيقة و العوده 

وقف يامن وبقية المجموعة أمام الساحر، الذي كان ينظر إليهم بهدوء غريب. كان هناك شيء في عينيه، خليط من الحزن والتحذير.

—قال الساحر، "قبل أن أخبركم بالحقيقة، عليكم أن تفهموا شيئًا مهمًا... 
ثم أضاف بصوت منخفض:

— "المعرفة هنا ليست نعمة... بل لعنة."

سادت لحظة من الصمت، قبل أن يقطعها يعقوب بنبرة حادة:

— "إذا كانت لعنة، لماذا تريد إخبارنا بها؟"

تنهد الساحر، ثم رفع يده، وبحركة بسيطة، بدأت الجدران المحيطة تهتز، قبل أن تتلاشى وكأنها دخان، لتكشف عن مشهد لم يكن من هذا العالم.

أرض المنهاوا كما كانت في الماضي أرض المُنى والتمني.

الماضي السحيق للمنهاوا هاهو

ظهرت أمامهم مدينة لم تكن تشبه القلعة المظلمة التي رأوها قبل لحظات. كانت أرضًا مضيئة، بسماء ذهبية، وأنهار تتدفق بلون الفضة. الأشجار كانت تنمو بارتفاع لا يُصدق، وأوراقها تشع بنور خافت. كان الناس هناك يعيشون في سلام، وجوههم تحمل الرضا، وكأنهم في جنة حقيقية.

الساحر تابع بصوت هادئ:

— "هذه كانت أرض المُنى والتمني. أرضٌ وُجدت لتمنح الراغبين فرصة تحقيق أحلامهم."

نظر يامن إلى المشهد الساحر، ثم سأل بصوت منخفض:

— "ماذا حدث؟"

الساحر أشار إلى شخصين يقفان وسط المدينة. كانا شابين، أحدهما طويل ذو شعر فضي وملامح هادئة، والآخر أقصر قليلًا، ذو عينين مليئتين بالغضب.

— "كانا أخوين... الساحر واللساني

التفت الجميع إلى المشهد، حيث كان الأخوان يتحدثان في ساحة واسعة. بدا الأخ الأكبر، ذو الشعر الفضي، هادئًا، بينما كان الأصغر ممتلئًا بالغضب.

— "هذه الأرض كانت تمنح كل من يعيش فيها قدرة خاصة، لكن الساحر كان الأقوى. كان يستطيع تشكيل العالم كما يريد، بينما أخوه، اللساني، لم يكن يمتلك سوى القدرة على التلاعب بالكلمات."

نور الدين رفع حاجبه:

— "التلاعب بالكلمات؟ كيف يمكن أن تكون هذه قوة؟"

ابتسم الساحر بمرارة:

— "كلماته لم تكن عادية. كان يستطيع تحويل أي كلمة يقولها إلى حقيقة... لكن بحدود. لم يكن يستطيع خلق شيء من العدم، بل فقط التغيير في الواقع."

يامن فهم فجأة:

— "وهذا جعله يشعر بالضعف مقارنة بأخيه."

أومأ الساحر برأسه:

— "تمامًا. بدأ الغضب يملأ قلبه، وبدأ يشعر بأنه مظلوم. لماذا يجب أن يكون أخوه هو الأقوى؟ لماذا لا يستطيع هو أن يخلق العالم كما يريد؟"

ثم، بدأ المشهد يتغير.

ظهر الأخ الأصغر في مكان مظلم، يتحدث إلى كيان غريب، كيان بلا ملامح، مجرد ظل يتحرك.

— "هنا، التقى اللساني بقوة أخرى... قوة لم يكن من المفترض أن توجد في أرض المنى والتمني."

نور الدين شعر بشيء من التوتر:

— "قوة من أين؟"

الساحر نظر إليه بجدية:

— "من عالم آخر. من مكان مظلم، حيث لا يوجد إلا الخراب. أقنعه هذا الكيان أن القوة الحقيقية لا تأتي من تحقيق الأمنيات، بل من السيطرة على الآخرين."

منى، التي كانت تستمع بصمت طوال الوقت، همست بخوف:

— "وماذا فعل؟"

الساحر تنهد:

— "أعطى روحه لهذا الكيان، مقابل أن يمنحه القوة ليواجه أخاه."

نهاية أرض المُنى والتمني لم تكن هينه يا فتاه

المشهد تغيّر مرة أخرى، وهذه المرة كان مختلفًا تمامًا.

الأرض الجميلة تحولت إلى خراب. الأشجار احترقت، السماء أصبحت سوداء، والأنهار الفضية تحولت إلى دماء. الناس كانوا يصرخون، يفرون، لكن لم يكن هناك مهرب.

وقف الأخوان في مواجهة بعضهما البعض، والظلام يحيط بهما.

— "المعركة الأخيرة بين الأخوين كانت مدمرة. اللساني، الذي أصبح أقوى، حاول تدمير أخيه، لكن الساحر كان لا يزال يحمل القوة الأصلية للأرض."

ثم، ظهر المشهد الأخير:

الأخ الأكبر، الساحر، كان يقف فوق أنقاض المدينة، ينظر إلى أخيه الذي كان على وشك الموت.

— "لكنه لم يقتله. بدلاً من ذلك، ألقى عليه لعنة جعلته يهرب إلى عالمكم
رد يامن : وانا الذي أسئل عن سبب فساد عالمي
ـــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ـــــــــــــ ــــ

وقف الجميع مهوشين أمام المشهد الذي عرضه الساحر. كان المشهد يتغير بسرعة، كأنه يعيد إحياء ذكرى قديمة محفورة في أعماق أرض المنهاوا.

رأوا الأخ الأكبر، الساحر، وهو يرفع يده في الهواء، بينما كان الأخ الأصغر، اللساني، يتراجع، جسده يتحلل وكأنه دخان أسود يتلاشى في الفراغ. كانت المدينة بأكملها تنهار، وصرخات سكانها تتردد في الأفق.

— "لقد كانت النهاية... أو هكذا ظننتُ."

صوت الساحر كان يحمل مرارة عميقة.

يامن، الذي كان يراقب المشهد بعينين متسعتين، سأل بقلق:

— "لكن كيف استطاع اللساني الهروب؟"

الساحر أدار رأسه إليه ببطء، ثم قال:

— "بالكلمات."

— "ماذا تعني؟"

— "لقد نطق بكلمة واحدة... كلمة لم يكن من المفترض أن تُقال أبدًا."

الجميع انتظر بفارغ الصبر، بينما تابع الساحر بصوت خافت:

— "البوابة."

---

فتح البوابة

رأوا المشهد مرة أخرى، هذه المرة كان اللساني يرفع يديه، والهواء من حوله يتكثف، كأنه يُجبر الواقع نفسه على الطاعة. صرخ بكلمة واحدة، وتحت قدميه، انشقّت الأرض، ليظهر باب أسود، يلتوي كالدخان، تمامًا مثل الذي حلم به يامن وسهيلة.

— "لقد فتح اللساني بوابة إلى عالمكم، وهرب."

منى، التي كانت صامتة طوال الوقت، همست:

— "لكن... إذا هرب، لماذا لم يدمر العالم الذي دخل إليه؟"

نظر إليها الساحر بعينين باردتين:

— "لأنه لم يكن قوياً بما يكفي. كان ضعيفًا بعد القتال، ولم يستطع التأقلم مع قوانين عالمكم فورًا. لكنه لم يستسلم... بدأ يعمل في الخفاء، بدأ يجمع الأتباع، وبدأ ينقل جزءًا من ظلامه إلى البشر."

ساد الصمت.

ثم، فجأة، دوّى صوت قعقعة في الغرفة. التفت الجميع بسرعة، ليجدوا الجدران التي كانت تعرض الماضي بدأت تتشقق، وكأنها لا تحتمل هذه الذكريات.

الساحر قال بسرعة:

— "علينا الرحيل! ليس لدينا وقت!"

لكن قبل أن يتحركوا، انبعث صوت جديد، صوت منخفض، خبيث، كأن الظلام نفسه يتحدث:

— "لقد تأخرتَ كثيرًا، أيها الساحر."

ظهر ظل أسود من العدم، ملامحه غير واضحة، لكن صوته كان يملأ المكان.

يعقوب وضع يده على كتف ابنته منى، يحاول حمايتها، بينما يامن تقدم خطوة إلى الأمام.

— "من أنت؟!"

ضحك الصوت بخفوت:

— "ألم تعرفني بعد؟ أنا من هربتُ من هنا منذ زمن... أنا من دمرتُ أرض المُنى والتمني... أنا من سأجعل عالمكم يركع لي!"

ثم، انبعثت أعين حمراء من الظلام.

اللساني قد عاد

تعليقات



×