رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل الرابع
_كنف أبي_
حدقته بنظرة متجهمة تتمنى ان تردعه بينما بداخلها ينتفض خوفاً من نظراته التي شملتها وتعريها بالكامل، لا تدري لمَ توقف خاطفها عن زيارتها وأوكل رعايتها لهذا الرجل ؟ يحضر لها وجبة طعام في اليوم ثم يعود ليأخذ الصينية، تتمني وقتها لو تركها خاطفها تتضور جوعاً عوضاً عن مرورها برعب لا يزول حتي يخرج هذا الرجل مفتول العضلات قميء النظرات ويغلق الباب خلفه، مال فمه بابتسامة ساخرة ألقاها إليها بينما تلتمع عيناه برغبة فيها لم تخفي عليها قبل أن يقول بنبراته المقيتة:
_كُلي لقمة وبلاش مكابرة، أيامك ولياليكي هنا طويلة وأكيد هتحتاجي قوتك عشان اللي جاي.
ضغط حروفه الأخيرة فارتعدت أوصالها من مغزاها الواضح ولكنها تماسكت ترمقه بنظرة اشمئزاز أشعلت عيونه،ضم قبضتيه و كاد أن يتقدم تجاهها ولكنه تراجع باللحظة الأخيرة وهذه البسمة الساخرة القميئة تعود لثغره يشملها بنظرته الراغبة وهو يقول بنبرات متمهلة:
_الصبر طيب يابرنسيسة.
سمعتها من خاطفها قبل ذلك ولكنها لم تُشعرها بالغثيان كما فعلت كلمات هذا الرجل، أشاحت بوجهها عنه فاتجه إلي الخارج بينما عادت تطالع الباب الذي أغلقه تطلق زفرة طويلة،نظرت إلي الطعام ورغم أنها تتضور جوعاً إلا أنها لم تستطع تناول لقمة واحدة وقد غصّ حلقها بمرارة شديدة أزاحت الصينية جانباً وقد اغرورقت عيناها بالدموع تتطلع إلي جدران سجنها يغمرها الندم لإصرارها علي السفر مع صديقاتها وترك كنف أباها وأمانه.
________
_معقول فيه حد زيك يافهد؟ اسمحلي يعني أقول اسمك من غير ألقاب، احنا بقينا أصحاب مش كدة؟
_أكيد يامدام ريتاج.
_مدام ايه بقي احنا مش قلنا بلاش ألقاب، بس بجد أنا مبهورة بيك.. قدرت تنفذ المشروع في وقت قياسي جداً والحقيقة الشغل فوق مستوي التوقع، انا لازم أشكر نرمين علي ترشيحها شركتك ومش عارفة أشكرك انت ازاي.
_الكلام ده كتير عليا يا م...
طالعته بنظرة أدركها فابتسم مردفاً:
_ريتاج.
_أيوة كدة.
_الحقيقة ده مش مجهودي لوحدي، ده مجهود كل اللي اشتغلوا في المشروع.
_أكيد طبعاً بس دي أول مرة أشوف صاحب شركة بينزل بنفسه الموقع وبيتابع كل صغيرة وكبيرة ويعدل مع المهندسين،وكمان بيبات معاهم عشان المشروع يتسلم في الوقت المحدد.. الحاجات دي كلها تستاهل كل تقدير مني ومن كل عميل بيتعامل معاك يافهد.
اكتفي فهد بابتسامة هادئة فأردفت ريتاج وهي تنهض قائلة:
_طيب بما إننا علي وشك افتتاح المشروع فاسمحلي بالمناسبة دي أعزمك علي العشا وأهو بالمرة نتكلم في شوية تفاصيل تخص المشروع حابة أسألك عنها.
_ الموضوع مش محتاج عزومة علي العشا تقدري تسألي دلوقتي وأنا هرد عل......
قاطعته وهي تميل وتضع يدها علي يده تطالعه بنظرة ممتنة امتزجت باعجاب لم يخفي عليه فاضطربت خفقاته وهي تقول:
_العزومة دي عشان أشكرك علي كل حاجة عملتها معايا، ده غير انك محتاج تخرج وتغير جو ، أنا بقالي معاك فترة وملاحظة انك من البيت للشغل وده مش كويس علي صحتك اللي تهمنا كلنا.. انت راجل مشفتش في حياتي زيه واللي زيك لازم ناخد بالنا منه ونشيله في عنينا.
اشتبكت النظرات لفترة طويلة شعر فيها فهد بأنه فقد السيطرة على حواسه فلم يستطع التحرك قبل ان يستعيد السيطرة وقد أدرك خطورة مايحدث ليسحب يده وقد انتوي رفض الدعوة بشكل قاطع ولكنه لم يتفوه بحرف وقد فُتح الباب وظهرت علي عتبته وعد تتطلع إليهما قبل أن تقول:
_متأسفة مكنتش أعرف ان معاك حد يافهد، السكرتيرة مش برة فقلت أفاجأك.
نهض يرحب بها وهو يزيل عنه ارتباكه قدر المستطاع ويصل لها بخطوات واسعة قائلاً:
_مفاجأة تجنن طبعا.
قبل وجنتها قبل أن يسحبها قائلاً:
_تعالي أعرفك بمدام ريتاج، صاحبة مشروع ليالينا اللي كلمتك عنه.
_تشرفنا.
_الشرف ليا يامدام وعد..أتمني أشوفك في الافتتاح.
_بإذن الله.
_مضطرة أستأذن يافهد عشان ورايا مشوار مهم وياريت متنساش اللي قلتلك عليه، كلمني عشان نحدد الميعاد.
هز فهد رأسه فابتسمت ريتاج لوعد قبل ان تغادر تتابعها نظرات الأخيرة وقد اشتعلت بنيران الغيرة وهي تراها تكلم زوجها بأريحية شديدة لتقول لفهد ماان أغلقت الباب:
_هي ايه حكايتها الست دي؟
اتجه فهد إلي مكتبه يجلس علي كرسيه وهو يقول بملل:
_مالها هي كمان؟
اتجهت إلي المكتب تقف أمامه وهي تقول بحنق:
_فهد متستهبلش، انت مش شايف بتقول اسمك ازاي لأ وكلمني عشان نحدد الميعاد.. ميعاد ايه ده بقي ان شاء الله؟
_وعد بطلي الغيرة اللي معيشاني فيها دي ليل ونهار.. أنا في شغلي أكيد هتعامل مع ستات ومش كل ماهتعامل مع ست هتفتحيلي محضر.. أنا حقيقي اتخنقت.
_اتخنقت مني مش كدة؟واضح الصراحة انك مبقتش طايقلي كلمة وبتتلككلي.. قول بقا انك شايفلك شوفة تانية، ماأنا مبقتش عاجباك.. إيه يافهد بيه حابب تنحرف علي كبر وتجرب الشمال؟
ضرب بقبضته المكتب بقوة وهو ينطق باسمها فانتفضت وعد، لينهض قائلاً بغضب:
_خدي بالك من كلامك ونبرة صوتك وانك بتكلمي جوزك مش واحد شغال عندك ياوعد هانم، أنا فهد ياوعد مش معقول ثقتك فيا معدومة بالشكل ده، انتِ اتغيرتي قوي .. مش دي بنت عمي اللي حبيتها واتجوزتها، والظاهر صبري عليكي خلاكي تتصوريه ضعف مني.. من النهاردة بقي مفيش بينا كلام لحد ماتتعدلي وهسيبلك الأوضة لأ البيت كله قبل ماأتهور وأعمل حاجة نندم عليها بعدين.
قال كلماته وهو يسحب هاتفه ومفتاح سيارته ويغادر المكان متجاهلاً ندائها الملتاع باسمه يطرق الباب خلفه بقوة لتجلس هي علي أقرب كرسي تترك لدموعها العنان، تدرك أنها أهانته وأغضبته وله الحق في ثورته ولكنه لا يدرك أن غيرتها عليه تصيبها بالجنون، شعورها به يضيع من يديها يطلق أسوأ مافيها ويفقدها حسن التصرف، وبدلاً من أن تعيده إليها تبعده عنها أكثر.. لا تدري ماالذي عليها أن تفعله الآن وقد ترك لها المنزل؟ لتلتمع عيناها وقد أطلت صورة في ذهنها لإمرأة قد تساعدها.. امرأة جعلت من الوحش حبيباً يعشقها واحتفظت بعشقه مشتعلاً رغم مرور كل هذه السنوات،لتجفف دموعها وهي تنهض وتتجه إلي الخارج.. إلي حيث تقطن رهف.
_______
أحضرت له رباط عنقه فتناوله منها يحيط به رقبته بينما تقول:
_أنا مش قادرة أصدق الكلام اللي سمعناه من رعد وسلسبيل ده.. معقول كانوا بيحب بعض وأنا مخدتش بالي؟
تطلع إليها عبر المرآة يقول بهدوء:
_أنا كمان مخدتش بالي، شباب اليومين دول مشاعرهم مش واضحة والحب عندهم زي زمنهم غريب.
_أيوة بس...
صمتت فاستدار اليها يقول بحيرة:
_بس ايه؟ أنا مش عارف ايه اللي مخليكي رافضة قصة حبهم مع اني فرحت لما عرفت، أظن لو لفينا الدنيا مكناش هنلاقي عريس لبنتنا أحسن من رعد.
_أكيد بس افتكرت ان سلسبيل....
صمتت مجدداً فاقترب يزيد منها يقول بحنان :
_سكتي تاني ليه؟ شاركيني أفكارك ياحبيبتي.
تنهدت نيرة قائلة:
_مش هقدر لإنها مش أفكار،دي أوهام والأوهام أحسنلها تفضل جوانا.
_الأوهام لازم تخرج عشان نتحرر منها .
_مبقاش ليها لزوم صدقني، المهم دلوقتي هتعمل ايه النهاردة؟
قبل أن يجيبها سمعا طرقات علي الباب فأذن يزيد للطارق بالدخول، دلفت سندس تقول بهدوءها المعتاد:
_صباح الخير.
_صباح النور ياسندس، لابسة من بدري كدة ورايحة فين؟
_هنزل مع بابا الشغل ياماما.
_انتِ مش في أجازة ياسندس؟
_أيوة يابابا بس حابة أقطعها.
هز يزيد رأسه متفهماً طبيعة ابنته الجدية وعشقها للعمل.. نسخة مصغرة منه فتاته الصغيرة بينما تشبه ابنته الكبري حبيبته نيرة، قطع أفكاره صوت الأخيرة وهي تقول:
_واقفة كدة ليه ياحبيبتي؟ محتاجة حاجة؟
_الحقيقة كنت عايزة أستأذنكم أسافر بنفسي أتابع مشروع الساحل.
قطب يزيد جبينه قائلاً:
_بس ده مشروع كبير ومحتاج وقت ومجهود كبير....
قاطعته قائلة:
_عارفة ومقدرة.. بس أنا حقيقي محتاجة المشروع ده يابابا لو واثق فيا وفي شغلي.. محتاجة حاجة كبيرة أخرج فيها طاقتي وأوعدك اني مش هخذلك.
_أنا واثق فيكي طبعاً بس في نفس الوقت خايف عليكي.
_أرجوك متخافش.
ظهرت الحيرة علي وجه يزيد فقالت نيرة باستنكار:
_انت بتفكر توافقها يايزيد، ازاي توافق بنتي تبعد عن عيني ٣ شهور بحالهم وأكتر؟ مستحيل طبعاً.
_ماهي طنط رهف وخالي وافقوا حور تبعد عنهم ٦ شهور بحالهم ومعترضوش يعني.. اشمعني أنا؟
_سندس.
نهرها يزيد فأطرقت برأسها ليزفر الأول قائلاً:
_سيبي الموضوع ده لبعد خطوبة أختك وبعدين نتكلم.
_لكن يابابا....
_قلت سيبي الموضوع ده دلوقتي واسبقيني علي العربية.
استدارت مغادرة تخفي ألمها ونزيف قلبها المميت بينما قالت نيرة لزوجها:
_اوعي توافق يايزيد، ارفض وهي هتزعل شوية وبعدين نراضيها.
_سندس مبقتش صغيرة عشان نعاملها بالشكل ده.
_البنت بقي كل دماغها في الشغل، بتتصرف زي الرجالة بالظبط،زيهم ايه دي افتكرت نفسها خلاص راجل وعايزة تروح تشتغل مكانهم.. دي حتي رافضة الجواز وبترفض كل العرسان اللي بيتقدمولها، طب شوف لبسها.. فيه بنت كل لبسها بدل وجينزات؟أنا قربت أتجنن خلاص.
_اهدي يانيرة، سيبيها تختار حياتها ، كل واحد ليه طبيعته وطبيعة سندس غيرك وغير سلسبيل، حاولي تفهميها وتستوعبيها وتساعديها زي ماعودتينا تفهمينا دايماً، وان كان علي الجواز ياستي لما هييجي نصيبها هيحصل ويمكن وقتها جوزها وولادها يبقوا عندها أهم من أي حاجة تانية.
ظهر التردد علي محياها فمد يزيد يده يسحب يدها ويقبلها بحنان قائلاً:
_متفكريش كتير وبعدين انتِ تعبانة ومحتاجة ترتاحي ومتنسيش تاخدي ميعاد مع الدكتور...
_أنا كويسة مش محتاجة دك....
_خلينا نطمن ولا انتِ متعرفيش حياتك غالية عندي قد ايه؟
ابتسمت بحنان وهي تمد يدها تمرر أناملها الصغيرة علي وجنته هامسة:
_عارفة.. زي ماانت عارف تمام غلاوتك عندي.
ابتسم قائلاً:
_يبقي تديني بوسة الصبح اللي كنتِ هتنسيها وبعدها تسيبيني أمشي لإني إتأخرت.
اشرأبت علي أطراف أناملها تقبل وجنته بنعومة تطير عقله في كل مرة، يرغب وقتها في نسيان كل شيء والبقاء جوارها ينهل من شهدها الذي يبدو أنه لن يكتفي منه أبداً، ولكنه ككل مرة أيضاً يجمع شتات نفسه ويجبر ذاته علي المغادرة بينما تتبعه دعواتها الرقيقة كرقتها تماماً.
________
_علي فكرة بقي أنا حذرتك أكتر من مرة وقلتلك تخفي من غيرتك دي شوية وان ملهاش داعي خالص، انتِ عارفة فهد بيحبك قد ايه ومستحيل يخونك.
_مبقاش فهد يحبني زي زمان وكمان مبقاش فيه شيء مستحيل يارهف.
_ياوعد بلاش الأفكار اللي في دماغك دي، انتِ كدة هتدمري حياتك بايديكي.
_حياتي! هي فين الحياة دي؟ جوزي وخلاص بيروح مني وابني ساب البيت وبعد عني، حياتي فضيت قوي يارهف ومبقاش فيه حد محتاجلي.
ربتت رهف علي يد وعد وهي تقول:
_طب اهدي بس وشيلي المرارة دي من قلبك..متستسلميش ياوعد ورجعيهم لحياتك من تاني، خفي بس من محاولتك التحكم في حياتهم وسيبي ليهم مساحة هتلاقيهم حبة بحبة بيقربوا من تاني.
_انا مش بتحكم فيهم يارهف أنا بحاول أشاركهم قراراتهم وأنصحهم، ده خوف وحب واهتمام مش تحكم.
_متغالطيش نفسك ياوعد، انتِ عارفة من جواكِ انك غلطانة، غلطتي من الأول لما اهتميتي برعد علي حساب فهد ولما فوقتي كان خلاص فهد اتعود علي البعد والوحدة، وأكيد مش في غمضة عين هيغير حاجة اتعود عليها سنين.
نهضت وعد تقول بحنق:
_انا مش جايالك عشان تعِدّيلي غلطاتي يارهف.
سحبتها رهف من يدها تجلسها مجدداً وهي تقول:
_طب اهدي كدة واسمعيني، أنا مش بَعِدّ غلطاتك صدقيني ، أنا بحاول أكون ضميرك اللي بتسكتيه بحجج واهية لإني بحبك ولازم أصارحك وأخليكي تعترفي باللي جواكي ومن هنا هنحاول نصلح كل حاجة.
_قلتلك مفيش فايدة.. مفيش حاجة ممكن تتصلح.
_لازم تآمني انك هتقدري ترجعي جوزك وابنك لحضنك من تاني قبل أي خطوة هنقوم بيها.
_وهنرجعهم ازاي بس؟
_قلتلك بالصبر.. بانك ترجعي وعد بتاعة زمان وأهم حاجة تهدي أعصابك و تشغلي نفسك.
_أشغل نفسي إزاي يعني؟
_تمارسي حاجة كنتِ بتحبيها، تفتحي مشروعك الخاص مثلاً، انتِ مش كنتِ قلتي انك قبل ماتتجوزي فهد كنتِ بتحبي تصممي ملابس ، ليه متفتحيش مشغل وتكوني انتِ الديزاينر ونجيب بنات وماكينات تنفذ تصميماتك.
لمعت عينا وعد قائلة:
_تصدقي فكرة.
لم تلبث أن ظهر الاحباط علي ملامحها قائلة:
_بس المشغل ده هياخد كل وقتي وبدل ما هقرب من جوزي وابني هلاقيني ببعد عنهم اكتر .
_ياستي أنا مستعدة أشاركك وأشرف علي العمال، أنا ليا خبرة بالتفصيل صحيح بسيطة بس مع الوقت والخبرة هتقدم وبكدة هتقضي نص الوقت بس في الشغل والنص التاني هتراعي جوزك وابنك وتاخدي بالك منهم وأهم حاجة تزودي ثقتك بفهد، يعني بلاش في الراحة والجاية تجننيه بأسئلتك وتعصبيه بغيرتك، صدقيني الراجل لو حس بعدم ثقة مراته فيه ممكن يخونها بجد من باب العند والغضب.
هزت وعد رأسها قائلة بابتسامة:
_أنا مش عارفة أشكرك ازاي يارهف، كنت متأكدة اني هجيلك وأخرج من عندك مرتاحة البال، ربنا مايحرمنا منك.
_ولا يحرمني منكم.
_مرات عمي عندنا ايه النور ده كله.
استدارت وعد تطالع محدثها لتتسع ابتسامتها وهي تقول:
_ازيك ياحبيبي، كويس اني شوفتك.. رعد بيتصل بيك وفونك مقفول، محتاجلك ضروري النهاردة .
وضع فهد كوب العصير من يده في الصينية الموضوعة علي الطاولة وهو يقول:
_طيب مجاش معاكِ ليه؟ ده انا كنت مستنيه.
_مشغول ياسيدي، عريس بقي وبيجهز نفسه عشان رايح يتقدم لحبيبة القلب .
تجهمت ملامح رهف بينما خلت ملامح فهد وهو يقول :
_ومين المحظوظة حد نعرفه؟
_سلسبيل.
غصّ حلقه ورفض قاطع يغمره وهو يتخيل سلسبيل صغيرته الرقيقة عروساً، كيف مر الزمن بهذه السرعة وكبرت الفتاة التي كانت تتبعه كالظل لتصير في سن الزواج؟ انه يرفض بقوة فكرة حلول آخر مكانه بالنسبة إليها حتي لو كان ابن عمه الذي يحبه من كل قلبه، كيف يمكن أن يتقبل اهتمام غيره بها بدلاً منه؟ كيف يتقبل أن يقل اهتمامها به ويصير غريباً بالنسبة إليها، أفاق علي صوت وعد تقول بدهشة:
_هي فعلاً، عرفتي ازاي يارهف؟ ده أنا نفسي معرفتش غير امبارح..هو الحب كان واضح عليهم للدرجة دي؟
_الحب مبيستخباش ياوعد، لازم يظهر علي الملامح والتصرفات..وحب رعد لسلبيل كان واضح جداً، انتِ بس كنت مشغولة حبتين واهو انتِ فضيتي .
نهضت وعد تقول:
_طيب أستأذن بقي عشان ورايا حاجات كتير هعملها وأولهم اني اكلم جوزي وأشوف هيعمل ايه؟ ومتنساش يافهد تكلم رعد.. أشوفكم بخير.
نهضت رهف توصلها ثم عادت لتجد فهد يجلس مكانه ساهماً، هزت رأسها بحزن قبل أن تقترب منه قائلة:
_فهد.. سرحان في ايه؟
_ها.. أبداً مفيش، أنا هقوم أشوف سوزي مش باينة ليه؟
_ ماانت عارف انها مبتقومش من النوم غير بعد الضهر.
تذكر أنها تستيقظ في وقت متأخر بالفعل فهز رأسه قائلاً:
_طيب هروح أكلم رعد أباركله.
_روح ياابني.
سار خطوتين ثم توقف واستدار إلي والدته قائلاً:
_هم بيحبوا بعض من زمان؟
هزت كتفيها بلا أعلم، فأطرق برأسه قائلاً:
_انا المفروض أبارك لسلسبيل.. مش كدة؟
_أكيد.
_تفتكري رعد هيسمحلي أكلمها وأباركلها؟
_ سلسبيل بنت عمتك وزي اختك، يعني مفيش فيها حاجة لو كلمتها.
قال بسخرية مريرة:
_خلاص ياماما حاجات كتير اتعودنا عليها هتتغير، مبقاش حاجة ممكن ترجع زي الأول.
تفهمت الصراع الذي يدور بداخله ولا يستطيع له إدراكاً بينما أدركته هي منذ زمن لتقول بحزن:
_حال الزمن ياابني، مفيش حاجة بتفضل علي حالها.
هز رأسه وبدا الحزن علي قسماته للحظات قبل أن يتمالك نفسه يرفض هذه الغصة التي تعتصر قلبه وهو يشد قامته ثم يغادر بخطوات سريعة لتتابعه رهف بعينيها قائلة بحزن:
_انت اللي اخترت يافهد.. هدعي ربنا ليل ونهار انك متندمش علي اختيارك ولو اني متأكدة انك هتندم.
_______
حدقته بنظرة رادعة بينما يتقدم تجاهها بملامح ظللتها الشهوة وهو يقول بسخرية:
_سيبي السلاح ده من ايدك يابرنسيسة وإلا هيعورك.
_وأنا قلتلك متقربش مني أنا مش عايزة أأذيك.
ضحكة ساخرة انطلقت من فاهه قبل أن يطالعها بعيون التمعت وهو يقول:
_انتِ فاكرة حتة السكينة اللي في ايدك دي ممكن تخوفني، بالعكس دي خليتني عايزك أكتر، قربي واجرحيني.. أوقات الألم بيبقي أكبر متعة ممكن البني آدم يحس بيها.
ارتعشت يداها ونبرات جملته الأخيرة تثقل وتتشبع بلذة مريضة أرعبتها، تمسكت بسلاحها وهي تقول:
_أنا بحذرك لآخر مرة، اياك تقرب مني، معتقدش سيدك هيرضيه انك تلمس شعرة حتي مني.
_سيدي مسافر ومش هيرجع قبل يومين، في اليومين دول هكون خدت كل اللي انا عايزه منك وبعدها.....
صمت لتدرك بخوف مقصده لتجمع كل قوتها وهي تقول:
_مش هتلمسني حية، لو قربت هقتلك أو هقتل نفسي.
اقترب منها في خطوة واحدة أربكتها فصوبت سلاحها تجاهه ولكنها لم تستطع اصابة قلبه، فقط جرح في ذراعه تقبله بهدوء كأنه لم يكن قبل ان يضرب كفها فيسقط سلاحها ويمسكها من كتفيها، حاولت التملص من بين يديه فلم تستطع لتوجه له ضربة بركبتها أسفل بطنه فانثني متأوهاً، حاولت استغلال الفرصة والهرب فوجدته يجذبها من شعرها بقسوة، صرخت بقوة وهو يسحبها ثم يصفعها، سقطت علي السرير فاعتلاها يمزق سترتها غير آبه بصرخاتها المرتعبة بينما يميل بشفتيه يقبلها ويتلمس جسدها الغض فتزداد صرخاتها وهي تحاول ابعاده عنها بكل قوتها ولكنها لم تستطع ازاحته عنها حتي وجدته يُرفع من قبل خاطفها الذي ظهر فجأة تتقافز شياطين الدنيا في وجهه وهو يكيل اللكمات لهذا الحيوان القذر، نهضت بسرعة تلملم سترتها وتواري جسدها العاري بأنامل مرتجفة وعبرات لا تتوقف بينما سقط الرجل أرضاً ليخرج مختطفها سلاحه ويوجهه إلي الرجل يطلق ثلاثة رصاصات استقرت جميعها في قلب الأخير بينما انتفضت حور وزاغت نظراتها من منظر الدماء تشعر بسواد سحيق يحيطها قبل أن تسقط أرضاً ولكنها لم ترتطم بالأرض بل كان آخر ماشعرت به ارتكازها علي صدر صلب يحاوطها ذراعان قويتان واستماعها لخفقات قلب متسارعة وما أثار دهشتها شعور بالأمان جعلها تستسلم لهذا السواد دون أدني مقاومة