رواية حبل الوريد الفصل الرابع
_ وصلت للدرجة الأخيرة من الدرج فوجدته قد لحق بها بسرعة البرق .. وقف قبالتها ليكون مانعًا عن مرورها ، فحدجته بإستنكار ممزوج بالغضب وهي تردف بصوت محتد :
- إنت بتعمل إيه ؟
قُصي وقد برقت عينيه بالرغبة فيها : عايز أتكلم معاكي
كارمن وهي تعقد ساعديها أمام صدرها بتذمر : وهي دي الطريقة اللي تكلم معايا بيها ! وبعدين أنا مش عايزة أسمع الكلام اللي هتقوله
قُصي وهو يجتهد لرسم إبتسامة باردة تتناقض مع الضيق الذي ملأ داخله من معاملتها القاسية له : هو انا بعرف أشوفك أصلًا عشان أتكلم معاكي ! أنتي زي ما تكوني بتهربي مني
كارمن وقد برزت أنيابها الجانبية على أثر ضحكتها الساخرة : طب كويس إنك لماح وبتفهم ! وبرضو مصمم تطاردني
_ قرر الإستغناء عن أسلوبه الأخرق معها وإستبداله بإستراتيچية جديدة لربما تُحبذها .. فأخفض بصره ليتفحص ثوبها الأسود الذي تطعم بالفصوص الذهبية ثم أبتسم بلطف شديد وهو يغازلها قائلًا :
- حلو أوي اللون الأسود عليكي
_ مد يده ليلمس بها خُصلة من شعرها ولكنها سرعان ما دفعت ذراعهُ عنها و......
- جميلة جدًا گالعادة
كارمن وقد قست تعابير وجهها وهي توبخهُ بعنف : متفكرش تمد إيدك ناحيتي تاني ياقُصي ، أنت فاهم !
_ دفعته بكفيها لتتجاوزه ومن ثم تعبر من جواره ، ولكنه أطبق على رسغها وجذبها بإنفعال وهو يردد من بين أسنانهُ :
- أنا مش بسيب حاجة عايزها غير لما أخدها
كارمن وهي تجذب ذراعها بقوة لتنفلت منه ولكن دون جدوى : آه ، أوعى إيدي .. إيه الهمجية دي !
وبعدين أنا لا يمكن أكون في يوم من أشيائك اللي بتكلم عنها ، أنساني ياقُصي ، أنسى
_ سحبت ذيل ثوبها ثم تحركت سريعًا رغمًا عن حذائها العالي لتمر بالرواق القصير المؤدي لحجرتها .. ومن ثم تختلي بها بعيدًا عنهُ ..
هي تعلم مدى عشقهُ المرضي لها ، والذي يصيبها أحيانًا بالخوف من تصرفاته الهوجاء والمتهورة ، ولكنها لا ترغب فيه .. رغم ضغوط والدها المستمرة عليها ، إلا إنها تستمر بالرفض بالرغم من المصالح المشتركة بينهم ..
_ جلست كارمن على حافة فراشها لتنزع عنها الحذاء الذهبي ، ثم ألقتهُ بعنف وهي تتأفف بضجر ..
نهضت عن جلستها لتقف أمام مرآتها العريضة التي تأخذ مساحة واسعة .. وما أن وقعت عينيها على أثر أصابعهُ على رسغها ، ضغطت على فكيها وهي تنطق ب....
- همجي !
_ تلوت بثغرها ثم تحركت لتسحب منشفتها العريضة وتدلف بها نحو المرحاض .
................................................................
_ وصل ريان أمام بوابة القصر الإلكترونية ، وبعد أن عبر البوابة الرئيسية .. تحرك نحو الخلفية ليلج إلى حجرة المكتب الخاصة بوالده مباشرة دون المرور علي القصر .. گتقصير للمسافات ..
وعندما وصل أستمع لصوت مشادات بين والدهُ وأخيه ، فعلم للتو ما سبب طلب والده له بهذه العجلة ..
تأفف ريان بحنق ثم حك مؤخرة رأسه وتحرك للداخل عن طريق الباب الزجاجي للحجرة ..
وما أن وقعت عيني أخيه عليه ، حتى أصابهُ الغضب أكثر وأصبحت تعابير وجهه أشد إحمرارًا وردد بإنفعال :
- إنت بقى كنت بتتصل بإبنك الحيلة ، وكل ده بتسكتني لحد ما ييجي
ريان وقد تنغض جبينه بضيق من فظاظة أخيه معه : في إيه يامراد ، طب سلم الأول ؟
طاهر وهو يشير نحو ريان ليتقدم منه : تعالى ياريان ، تعالى شوف أخوك وتحكماته
ريان وهو يوزع نظراته بينهم : تحكمات إيه يابابا ! في إيه ؟
طاهر : أخوك عايز يمسك المشروع اللي داخلين فيه مع الشركاء الأجانب ، ولما عرف إنك أستلمت شغل المشروع مصمم برضو هو اللي يشتغل عليه !
_ أشار طاهر نحو ولده '' مراد '' وبالكف الآخر كان يضرب سطح المكتب بعنف وهو يردد :
- قوله انت يمكن يسمع منك ، فمهمه إن كل أساسات المشروع تمت ومينفعش تسيب المشروع بعد ما بدأنا في التنفيذ !
ريان وهو يطقطق أصابعه بغيظ مكتوم : إن شاء الله المشروع الجاي هسيبه عشانك يامراد
مراد وقد تحول الغضب الكامن بعينيه لغلّ شديد على أخيه : أنت شايفني عيل صغير هتسكتني بكلمتين! ولا أختك الصغيرة وبتحايلها؟
ريان وقد نفذ صبرهُ ، فتنهد بسئم وهو يتابع : خلاص براحتك بقى ، المشروع بيتنفذ على أرض الواقع ومش هقدر أسيبه في الوقت ده
_ نظر حيال والدهُ ثم تابع
- عن أذنك يابابا ، راجع تعبان جدًا
_ خرج من حجرة المكتب نحو باحة القصر فأستمع لعبارة أخيه التي أعتاد عليها دومًا .. والتي يصف فيها مدى التفضيل الذي يشعر به وأن والدهُ لا يعدل بين أبناؤهُ و....
- ده العادي بتاعك يابابا ! أمتى يعني نصفتني قدام ريان؟
_ لم يودّ حتى سماع ما تبقى من الحديث ، فقد طفح به الكيل من تصرفات أخيه وأحاديثهُ الخرقاء .. فزفر أنفاسه بضيق وتابع سيرهُ ، بينما تابع الأب وولده حديثهما و...
- طول ماانت حاطط ريان في راسك هتفضل حاسس بالإحساس ده !
مراد وقد أبتسم بتهكم واضح : آه صح !
_ أنتقل بخطواته نحو الباب الزجاجي للشرفة لكي يغادر القصر من الخلف .. فتركهُ والدهُ دون تسلط ، ولم يمنعه من الإنصراف..
شبك طاهر أصابع كفيه سويًا وأسندهما على سطح المكتب، وراح يفكر في حلًا مرضيًا لولده الأكبر ''مراد'' ، كي تبتعد هذه الأفكار من عقلهُ .. يخشى أن يتطور الأمر بين الأخوين فيتحول لعداء ، وهذه ستكون الطامة الكبرى له ..
هما أخوان غير شقيقين، ولكنه داوم على التساوي بينهم منذ صغرهما حتى لا يصل لهذه النقطة .. ولكن لم تفلح محاولاته وباءت بالفشل الذريع وخاصة من قبل الأبن الأكبر '' مراد ''
(( مراد - الأبن الأكبر لطاهر النعماني ، أنفصل والده عن والدتهُ وتزوج بأم '' ريان ، تاج '' .. ومنذ هذا الحين ، نمت بذرة الكراهية والبغض من ناحية '' مراد '' نحو أخويه الذين يصغرانهُ بعدة سنوات ، وبقى بينهما حاجزًا منيعًا ، رغم محاولات طاهر للتقريب فيما بينهم .. إلا أن والدة مراد لم تكن تحبذ ذلك يومًا ، فكانت من أسباب زرع هذه الكراهية بصدر إبنها ))
_ عقب أن بدّل ثيابهُ بأخرى ، تفحص حاسوبه الشخصي وهي ممدًا لجسده على الفراش ، فوجد عدة مراسلات إلكترونية من أصدقائهُ ومن '' كارمن ''.. فقام بمراسلتها ليجدها مازالت مستيقظة و......
- انتي لسه صاحية؟
- مش جايلي نوم ، طمني أنكل طاهر كان عايزك ليه!
- حاجة في الشغل متشغليش بالك ، المهم عرفيني هتنزلي امتى بكرة عشان أفوت عليكي أوصلك في سكتي
- أول محاضرة هتكون الساعة ١٠
- تمام ، هكون عندك ٩ ونص
_ لاحظ ريان من مؤشرات الكتابة الخاصة بتطبيق المراسلات الإلكترونية إنها تكتب العبارات وتقوم بمحوها ثم تعود لتكتب من جديد ..
فأستطاع بفطنتهُ فهم بأن هناك ما تريد قولهُ، ولكنها تتردد في ذلك .. حك طرف أنفه محاولًا التخمين ثم بدأ هو بالكتابة و.......
-كارمن انتي عايزة تقولي حاجة
- لأ
_ هي تعلم جيدًا مدى الكراهية التي يكنّها لقُصي ، فلم تود أن تفسد صفو ليلتهم التي قضياها سويًا .. لذلك كتمت رغبتها في الإفصاح له بمضايقتهُ لها وبررت له ب....
- مرهقة جدا ومحتاجة انام ، عشان كدا بتلغبط في الكلام وبمسحه
- طيب حبيبي مش هينام ويرتاح بقأ !
- حاضر ، وانت كمان
- على فكرة ، نسيت أقولك حاجة.. كنتي حتة من السما النهاردة ، صافية تمام زيها
- بحبك
_ أبتسمت بسعادة وهي تستمع لمغازلته المهذبة لها ، لم تكن الأولى التي يغازلها بها ، ولكنها بكُل مرة تشعر وإنها أول مرة ، كتبت حروف '' بحبك '' ثم أرسلتها لثلاث مرات متتالية وأعقبها رمز من الرموز التعبيرية عن الحُب .. ليرسل لها هو أحد قصائد نزار قباني ويهديها لها خصيصًا ..
وهنا فقط ، تعرف النوم على طريقهُ لعينيها .. وغفت أثناء حديثهما الطويل ، وعندما غابت في الرد عليه .. أستشف إنها تعمقت في النعاس گعادتها ..
وكانت تلك هي أحب الأشياء إليه ، أن تغفو وهي تُحدثه ، فيشعر حينها كم هو قريب إليها فتتصرف بتلقائية شديدة تجاههُ .. وإنه أخر من ظهر في يومها وأخر من تحدثهُ ، كم كان هذا يبعث السعادة في نفسهُ حقًا ..
قام بأغلاق حاسوبهُ ثم دفعه برفق بعيدًا عنه لينام هو أيضًا.
................................................................
_ كانت '' تاج '' في قمة نشاطها وحيويتها في هذا الصباح ، حيث أستعدت للذهاب إلى الحرم الجامعي لتلقي مُحاضراتها التعليمية والتدريبية .. ألتقطت حقيبتها ثم أتجهت نحو حجرة شقيقها ، وقبل أن تطرق الباب تفاجئت به يفتح الباب متعجلًا ليدلف خارج الغرفة و.....
- تاج ! صباح الخير ياحببتي ، صاحية بدري على غير العادة يعني !
تاج وهي تتفحص هيئتهُ الجذابة : wow ، متشيك ورايح فين كدا
_ أستنشقت رائحة عطرهُ التي فاحت في المكان ، ثم أغمضت عينيها بتنغم وهي تتابع
- ال perfume بتاعك فظيع ياريان ، أعترف .. أكيد الحكاية فيها كوكي صح !
ريان وهو يجذب طرف أذنيها بلطف : ماانتي لماحة أهو ياصغنن
تاج وقد أنعقد ما بين حاجبيها بضجر : متقوليش ياصغنن دي ، خلاص انا كبرت ياريو
ريان : مش عليا ياصغنن ، هتفضلي طول عمرك الكائن الصغنن في نظري مهما كبرتي
تاج وهي تتشبث بذراعه بدلال : طب يلا تعالى وصلني الجامعة بالعربية الجديدة بتاعتك ، البنات كل ما بيشوفوك معايا بيقعدو يحسدوني .. لدرجة إن في واحدة عايزة ترتبط بيك تخيل !
_ غمزت له بنصف عين ثم تابعت
- بس قولتها مش فاضي وواقع لشوشته
ريان وهو يطلق تنهيدة هائمة : واقع بس ! سيبيني أروح أشوف شوشتي ، قصدي أشوف كارمن
تاج وقد تنغض جبينها بإنزعاج : يعني مش هتوصلني!
ريان وهو يسحب ذراعه منها ممازحًا إياها : أوعي بس شوية كدا ياشاطرة عشان مش فاضيلك ، ورايا معاد ومش عايز أتأخر
تاج : طب وصلني لتحت!
ريان وهو يخفض بصره نحو قدميها : ليه مشلولة !
_ أستمعا لصوت قهقهات مايسة وهي تقترب منهم ، حيث راق لها مداعبة الشقيقين سويًا وراحت تندمج معهم و....
مايسة : ما تاخدها معاك ياريان
ريان وهو يهمس لها بخفوت أثناء أشارته نحو ساعة اليد خاصتهُ : يعني أخدها وانا رايح لكارمن ! يرضيكي يعني ياعمتي ! دي بنت أخوكي لسانها زي المبرد ولما بيتقابلو مش بتسكت .. سيبوني أمشي الله يخليكم
تاج وقد تعندت في رغبتها : ماانا مش هسيبك غير لو وصلتني لتحت
_ أطبق ريان على رسغها برفق ثم جذبها نحو الدرج ليهبطا سويًا .. ثم هتف ريان صائحًا :
- عن أذنك ياعمتي عشان أتأخرت
_ وصل بها أمام سيارته ، فألتفت نحوها وهو يتابع متذمرًا :
- ريحي نفسك مش هتيجي معايا ياتاج ، سيبيني أخد فرصتي بقا
تاج بنظرات فضولية شديدة : طب قولي هو انت قابلت كارمن إزاي تاني بعد أول مقابلة بينكو!
ريان وهو يضرب كفًا بكف : يادي النهار اللي مش فايت ، دي عاشر مرة أحكيلك فيها ، لو حد مسلطك عليا قوليلي
تاج وقد أرتفعت صوت ضحكاتها المرحة : والله بحب أسمعها منك وبطريقتك ، please بقا .. لو قولتلي هسيبك تمشي
_ أطلق زفيرًا مختنقًا ، ثم بدأ يسرد عليها تفاصيل ذلك اليوم الذي ألتقى فيه بها مصادفًة وبدون ترتيب .. فقط التخطيط الآلهي الذي جمع بينهما من جديد .
كانت '' كارمن '' تقف وسط الملعب المُحاط بالبقعة الخضراء ، ممسكة بالمضرب الكبير الخاص بتدريبات التنس وتمارس تمريناتها .. بينما كان هو يستعد أيضًا لممارسة نفس اللعبة التي تمارسها، وأثناء أتجاههُ نحو الملعب لمحها .. أضطربت أنفاسه وهو يتأمل ملامحها ليتأكد من صدق نظرهُ وحدسهُ ، وكان صادقًا ..
ألتفتت برأسها وهي ترفع الكرة للهواء ثم تدفعها بعنف لتنتقل نحو الخصم المُدرب لها ، فبرقت عيناه بوميضًا سعيدًا عندما تأكدت ظنونه بإنها هـي ..
طالع حركاتها المفعمة بالحيوية وكيف مارست اللعبة بمهارة شديدة .. ثم أخفض بصره ليتأمل هيئتها وملابسها الرياضية القصيرة وشعرها المرفوع والمعقوص بعصى خشبية مخصصة للشعر .. لم يدرك كم من الوقت مرّ عليه وهو مسلطًا بصره عليها ، ولكنه إنتبه إنها تبتعد عن ناظريه وتختفي .. نفض رأسه ودقق بصره ليجد إنها لملمت حقيبتها الرياضية وسارت مبتعدة عن الملعب لتنتقل إلى أحد الأمكنة المخصصة بتقديم المشروبات الباردة ..
كان ينادي عليها ولكنها لم تستمع له ، فقد وضعت سماعة الأذن بأذنيها لتنفصل عن العالم الخارجي ..
فأضطر لإستخدام المضرب الخاص به والكرة البيضاء الصغيرة وقذفها بإتجاهها ..
وفجــأة ، ضرب رأسها شيئًا قويًا وعنيفًا .. فصرخت على أثرهُ وألتفتت نحو إتجاه الضربة وهي تضع كفها على رأسها وتتأوه بتألم شديد .. كادت تصرخ فيه وهي تتحرك بخطواتها المندفعة نحوهُ لتوبخه توبيخًا فظًا وعنيفًا و....
- إنت إيه مبتشوفش ، بـ .....
_ قطع صوتها عندما لمحت ملامحهُ المألوفة إليها .. وعندما أقترب أكثر بركوضهُ نحوها .. تعرفت عليه بسهولة شديدة ، فلم يمر على لقائهما سوى عشرة أيام فقط ..
حدجتهُ بإنزعاج شديد وهتفت متبرمة من فعلته الحمقاء و...
- إنت تاني ! ده انت مصتقصدني بقـى !
ريان وهي يلتقط أنفاسه وسط أنهاج متتالية : بنادي عليكي من بدري
_ لمح السلك الخاص بسماعات الأذن وهو يتدلى من أذنيها ، فقوس شفتيه بتهكم وهو يتابع :
- هتسمعيني إزاي ومزيكة حسبالله شغالة في ودانك
كارمن وهي تعقد ذراعيها أمام صدرها سويًا : أفندم !
ريان وهو يبتسم لها بعذوبة آسـره : بقولك أزيك
_ أنتبهت لآلام رأسها فغرزت أناملها بداخل شعرها لتتحسس هذه الكدمة التي أصابها بها .. تأوهت وهي تهتف بسخط :
- إنت ازاي تعمل كدا !
ريان وقد عاتب حاله على تهوره وشعر بالندم الحقيقي حيالها : أنا آسف ، بس ملقيتش طريقة أوقفك بيها غير دي ، خصوصًا إني معرفش إسمك حتى
كارمن : وتوقفني ليه أصلًا ، صحيح إنك إنسان غريب ؟ هو انا أعرفك ولا آ.....
_ وضع كفهُ على فمها لتتوقف عن الحديث ، ثم تابع :
- بصي بقى انا مش عايز غلبة في الكلام ، انا آسف وخلصنا!
_ أنحنى ليلتقط الكرة الخاصة به ، ثم أعتدل في وقفته وأبتعد خطوتين وهو يهتف بتذمر :
- عن أذنك
- ريــــان !
_ كان هذا صوت '' يسرا '' وهي تنادي عليه من مسافة ليست ببعيدة .. فتوقف على أثر صوتها وأنتظر إقترابها منه ، بينما كانت كارمن ترمقهُ بغيظ شديد لفعلته التي لم تأخذ بحقها منه بعد ..
تابعت الموقف بين رفيقتها وهذا الغريب لتكتشف معرفة صديقتها به معرفة وطيدة .. لم تبدي إهتمامًا بحديثهم ، ولكن أثار إستفزازها نظراته الحانقة نحوها بينما كان هو المخطئ حيالها .. فتمتمت بخفوت وهي تقول :
- كمان بيبصلي وزعلان أوي البجح ده !
_ تفاجئت بإقترابهُ منها من جديد ولكن تلك المرة بصحبة يسرا .. فأتسعت عينيها بذهول ونظرت حولها بتوتر وهي تفكر في الذهاب من هذا المكان ، ولكن لا مفر .. فقد وقفت يسرا قبالتها في غصون لحظات وأشارت نحو ريان وهي تقول :
- أعرفك ياكارمن ، ده ريان .. أخو تاج صحبتي وبيدرب معايا تنس هنا
كارمن وقد تلوت شفتيها بضجر : أهلًا
ريان وهو يتعمد إستفزازها : أهلًا يـا ... كارمــن ! حلو أسم كارمن
كارمن وقد ضاقت عينيها بضيق منهُ : أحلى من ... ريـان
يسرا وقد أستشعرت وجود سابق معرفة بينهم ، فوزعت أبصارها عليهم وهي تتسائل : هو انتو تعرفو بعض قبل كدا؟
_ راح يقذف الكرة لأعلى ثم يلتقطها ثم يُعيد الكرّة مرة أخرى متعمدًا إغاظتها ، ثم نطق بهدوء مزيف
- طبعًـا ، عز المعرفة
كارمن بلهجة مستنكرة : ولا معرفة ولا حاجة ، أنا والكابتن ده عملنا حادثة وانا راجعة علي الطريق الصحراوي ، بس
يسرا وقد أتسع ثغرها بعدم تصديق : إيه ده بجد ! هو ده اللي أداكي الشوكلت ؟
ريان وقد جحظت عينيه بذهول وهو يطالعها بنظرات عابثة : اللـه ، ده انا مشهور أهو! أمال ليه بقى الأسلوب ده!
_ رمقته بإستخفاف وهي تُحيد ببصرها عنه للجانب الآخر ، وأخذت تهزّ ساقيها بإنفعال واضح ..
بينما لاحظت يسرا الأجواء المشحونة بينهما فقررت أن تحل هذه المسألة بسياستها الخاصة، لذلك أقترحت عليهم بـ....
- طب تعالو نشرب drink عقبال ما باقي الشلة تتجمع
كارمن وهي تسد عليها أدنى وسيلة للجمع بينهما : أنا لازم أروح ، كريم جاي ياخدني
_ وبدون سبب واضح أمتعضت ملامحهُ عندما ذكرت أسم رجلًا آخر .. فعبس بوجهه وهو يعقد ما بين حاجبيه بإستهجان ثم نطق معترضًا هو الآخر ....
- وانا كمان مش فاضي ، عن أذنكم عندي تدريب
- كــارمن !
_ كان هذا صوت شقيقها الأصغر '' كريم '' ، عندما ألقى النداء عليها وهو يقترب منها .. لم يستطع ريان التحرك قيد أنملة واحدة حتى يرى ذلك الشاب الوسيم الذي كان وجهه مألوفًا إلى حد ما وأستمع حديثه وهو ينطق :
- أنا بدور عليكي من بدري ، عشان أقولك إن بابا جاي يتغدا معانا هنا في النادي وبعدها نروح
- يسرا وهي ترسم ملامح الحزن المزيف على ثغرها : بقا كدا ياكوكو بقيت تنسى تسلم عليا
كريم وهو يغمز لها مداعبًا : ودي تيجي يايويو ، معلش جاي على هنا جري عشان ألحقها قبل ما تمشي
يسرا وهي تشير نحو كارمن : أختك كانت عاملة زي القطر من شوية وعايزة تمشي
_ لم يستمع ريان لباقي حديثهم ، حيث علق عقله بهذه الصلة التي تجمعهم .. الأخوة ، فضيق عينيه وهو يفرك مؤخرة رأسه .. ثم غمغم بصوت خفيض :
- أمم ، أخوها ! ...........................
.........................................