رواية من اجلك الفصل الخامس بقلم اسماء ندا
وقبل ما أطلع من الدولاب كانت أختي خدت العصير وطلعت، حاولت أتسلل وراها عشان أمنعها تديهم العصير، بس الست الهانم الكبيرة نادتها وخلتها تدخل الصينية للجناح بتاعها وزعقت فيها وقالت لها:
الهانم الكبيرة "تفيدة إياكي تطلعي أكل ولا شرب للحقيرة اللي فوق دي، لو عايزة تشرب ولا تاكل حاجة تنزل للمطبخ زي باقي الخدامين، هي هنا زيها زي أي خادم في القصر."
تفيدة "حاضر يا هانم."
الهانم الكبيرة "غوري اطلعي لها قولي لها تنزلي أنا عايزاها هنا."
تفيدة "حالا يا هانم."
سوسن "بتزعقي ليه يا ماما، صوتك بيرعد في القصر."
الهانم الكبيرة "أنا لازم أذل الحقيرة دي، أنا هخلي زين يكرها ويطردها من القصر، ده أنا هخليها تشتغل خدامة تمسح القصر وتشوف زين وأنا مجوزاه واحدة هانم."
خرجت مفيدة من جناح الهانم الكبيرة واتسلقت السلم طالعة على أوضة زين باشا، حاولت إني أوقفها لكن فايز ظهر فجأة قدامي وقرب مني وقال:
"إنتي مين يا قطة، أنا أول مرة أشوفك هنا."
اترردت أرد عليه، بس بعد شوية قلت:
"آه، أصل، أصل أنا عايزة أشتغل هنا ومفيدة كانت واخداكي عشان تقول للهانم الكبيرة تشغلني، بس الظاهر إن الهانم في حاجة مزعلاها، فمفيدة نسيت وطلعت على فوق على طول، خلاص بقى أنا همشي."
اقترب فايز بخطوات سريعة مني، وكنت من الخوف أرجع لوراء حتى خبط ظهري في باب غرفة، مد فايز يده وفتح الباب فوقعت أنا جوه وعيني تنظر في عين فايز التي تنهش جسمي بنظراتها، لكن فجأة سمعنا صوت صراخ سوسن هانم من جوة جناح أبيها وأمها، فتركني فايز وجرى ناحية الجناح، ولما ذهبت وراءه وجدت الباشا الكبير نائماً على السرير وعينه مفتوحة ولا يتنفس وكأس العصير واقع على الأرض، والسيدة الهانم الكبيرة واقعة في الأرض وفي يدها كوب عصير.
كانت سوسن واقفة عند باب الجناح وعمالة تصرخ حتى تجمع كل من في القصر على صوتها، مرت الأيام وكان في تحقيقات والاتهام كان كله موجهاً للخادمين في المطبخ، أن واحد منهم هو القاتل، لكن يومها نعيمة هربتني ومشيتني من القصر ولم يتذكر أحد أني كنت موجودة غير فايز، وأنا من القلق ذهبت لأختي في بيت أبي لأحكي لها على الذي رأيته، تفاجأت بوجود فايز في بيتها وأنه يهددها لو لم تعترف أنها هي التي وضعت السم سيقول أني كنت موجودة وسيثبت هذا، وهددها بأنه سيقتل زوجها ويشرد أطفالها لو لم تقل مكاني، أختي خافت منه لأنها تعرف أنه سينفذ كلامه واعترفت للضابط أنها هي التي وضعت السم، وسُجنت، وعشان لا يؤذي أولاد أختي وزوجها وافقت أن أشتغل في القصر وهنا بقى ظهرت مفاجأة كثيرة زلزلت القصر كله وكثر فيها الضغائن والمؤامرات.
بعد إعلان الوراثة، اكتشفوا أن أباهم كتب كل شيء باسم يزن بيعاً وشراءً، وكتب وصيته ليزن بأنه لا يعطي إخوته غير مصروف يكفيهم لحياتهم كما كان يفعل هو، وهذا أشعل البيت ناراً، لكن في الآخر يزن عرف أن يهدئهم وبدأ يجعل فايزاً ينزل ليتابع الفلاحين ويراعي الأرض في المقابل يأخذ نصف العائد لوحده والنصف الثاني يتوزع عليهم، وجعل فوزي يراعي مزارع الحيوانات وبرضه يأخذ نصف العائد، وبالنسبة للأموال التي في البنك والذهب الذي تُحوِّش هو سيشغله بنفسه ويوزع الريع عليهم، وفعلاً فضل الموضوع هادئاً لمدة كام سنة، سوسن أصبحت تعرف كل كبيرة وصغيرة في شغل الأرض وتعطي ربع العائد لفايز وتأخذ هي الربع والاسم أن هو الذي يراعي الأرض، وكمان اشتركت مع يزن وفتحوا شركة تصدير وأصبحت هي التي تمسك الحسابات ويزن اهتم بالمصانع التي افتتحها.
مرت السنين وأنت يا أدهم كبرت وأصبح عندك تسع سنين، أمك كانت سقطت وأنت عندك ست سنين والدكتور أزال الرحم، الذي عرفته من كلام سوسن لأختها أن أمهما هي التي دفعت فلوساً للدكتور عشان يشيل الرحم، كانت تسعى بكل الطرق عشان تكره يزن في أمك بس ماتت بيد ابنتها.
في يوم كان أبوك سافر عشان شغل وأنا كنت قاعدة مع أمك في الجناح بتاعها قالت لي إنها خائفة أوي من فايز وأنه بيحاول يتقرب منها في الحرام، وهي مش عارفة تصارح يزن باشا ليفهم أنها بتوقع بينه وبين إخواته، خاصة أن سوسن كانت معاملتها اتغيرت معها وأن أخت يزن الصغيرة اللي كانت أقرب واحدة ليها خلاص هتخلص إعدادي ويزن عايز يسفرها برة مصر تكمل تعليمها وهي هتبقى لوحدها في البيت ويزن باشا بسبب مكتب التصدير بقى يسافر كثيراً، وإحنا قاعدين باب الجناح خبط جامد وبدأ فايز باشا ينادي من وراء الباب كان واضح أنه سكران ومش في وعيه، ولما مرديناش عليه كسر الباب ودخل حاول يومها أنه، يعني يغصبها على حاجة حرام بس أنا حاولت أساعدها وضربته بالفازة على دماغه وشديته من رجله ووديته أوضته وأنا خارجة شفت سوسن هانم وهي واقفة على باب الجناح بتاعها وبصت لي وضحكت مفهمتش وقتها ليه، بس بعد يومين سمعت فايز وفوزي وهما بيتكلموا في الجنينة مع بعض وفايز بيقول:
فايز "عملت اللي قلت لك عليه زي ما اتفقنا مع سوسن."
فوزي "عملت، عملت، بس يا فايز ده أخونا الصغير وهو مش مخلينا محتاجين حاجة، ليه نعمل فيه كده؟"
فايز "إنت أهبل؟ هو بيحود علينا يعني من اللي معاه ده حقنا اللي نهبه بالوصية والأوراق المزورة اللي ضربها مع المحامي بتاع أبوك، وبعدين لما يموت ابنه هيقش كل حاجة وإحنا هنتطرد من هنا، يبقى نخلص من الواد."
فوزي "أنا مليش دعوة بالموضوع ده، إنت قلت أعطل يزن كام يوم وإنت وأختك هتتصرفوا وترموا الواد في ملجأ وتقولوا إنه مات وتحطوا جثة كدب، ده الاتفاق."
فايز بضحكة خبيثة "طبعاً أمال يعني هنقتله؟ إحنا مش قتالين قتلة يا فوزي."
جريت وقلت لوالدتك فهي صورتك وشالت صورك وكل الأوراق التي تثبت هويتك وزوجها من يزن في صندوق وبعثتني لأشيل الصندوق ده في بيت أبيها، وفعلاً رحت وأنا راجعة لقيت سوسن مكتفاك وعمك فايز بيضرب أمك وبيطردها من البيت، كان صوت صابرين أختهم يرج القصر وهي تعيط كانوا حابسينها في أوضتها، أمك كانت دماغها تنزف جامد المنظر كان صعب جداً الكل واقف ويتفرج محدش بيحاول يحوش عنها، الكل الخوف عشَّش في قلوبهم، لسه فكرة كلام أمك.
"هاخده يا فايز وهعيش بيه بعيد، أنا هنسيه أبوه هقوله إنه مات، يا فايز حرام عليك سيب لي ابني، يا سوسن إنتي ست زيي حرام عليكي تحرميني من ابني."
فايز "حرام، حرام، إنتي مالكيش عيال عندنا أصلاً إنتي واحدة عاقر مبتخلفيش."
سوسن "إنتي صدقتي نفسك إنك مرات واحد من العيلة دي يا حقيرة؟ إنتي مجرد كنتي لعبة بيتمتع بيها إخواتي وخلاص زهقوا منك."
قالوا كلامهم ده وهم يضربونها ويرمونها بره القصر، وقعت يا عيني على السلم الذي في المدخل وأغمي عليها كلنا افتكرنا أنها ماتت وفايز أمر الحراس أن يرموها في مكب الزبالة الذي في آخر البلد، سوسن هانم شدتك وحبستك في الأوضة وبعد كام يوم جاء خبر أن يزن عمل حادثة عربية وهو راجع ومات، فايز قال يوم ما الخبر جاء
"خلاص يا سوسن مبقاش فيه يزن، خلاص متشليش هم هتقولي له مراته هربت ورمت الواد، اطلع يا فوزي هات الواد من فوق."
فوزي "إنت قلت مش هتقتله، هتوديه ملجأ."
فايز بضحكة "وأنا عند قولي ما إحنا ما بنقتلش عيال يا فوزي."
وفعلاً فوزي طلع جابك وفايز شدك من ذراعك ورماك في العربية وبعدين رجع يأخذ مسدسه من القصر لأنه كان نسيه، ساعتها جريت أنا على العربية وأعطيتك المفتاح الذي فيه كل حاجة تثبت هويتك وتثبت جواز يزن من أمك وأنت خبأته في شرابك، بعد ما فايز رماك في الملجأ الذي لم أكن أعرف مكانه ورجع القصر سمعت سوسن تقول له إن الأوراق التي تثبت جواز يزن وشهادات ميلاد ابنه ومدرسته اختفت وإن يزن كاتب وصية مع المحامي أن لو حصل له حاجة هو ولا ابنه ولا مراته كل الفلوس والأملاك تروح للأوقاف حتى القصر، وأن لازم يلاقوا الأوراق التي اختفت ويحرقوها عشان يخفوا أن يزن أصلاً كان متزوج، فايز شافني وعرف أني سمعتهم بس أنا بعد ما سمعتهم هربت من بلد لبلد وبعدين جئت الإسكندرية تعرفت على أبو زينب وهو تزوجني وغير اسمي ووقت ما كان في جثة مجهولة تُدفن هنا وضع اسمي القديم عليها وقال للجيران وللناس أن نعيمة انتحرت وبقي أي أحد يجيء ويسأل يقول له كده أبو زينب حارس المقابر هنا وده المكان الذي تزوجنا فيه وبعدين ربنا فتحها عليه واشترى البيت ونقلنا هناك بس بقيت كل فترة بأجيء هنا أنظف المقابر وأزرع الورود.
دام الصمت لفترة ودموع ادهم لا تتوقف ونيران قلبه لا تهدأ لكنه بعد فترة صغيرة همس
" يعنى متعرفيش هى ماتت ولا لا "
نعيمة " لا يا ابنى ، بس مظنش انها ماتت لان الحراس قالوا ان لما رموها كانت لسه بتتنفس ، بس معرفش حد لحقها ولا لا "
ادهم " فين الصندوق ؟"
نعيمة " روح بيت جدك ابوا امك ، فى الحارة الثالثة بعد جامع الحج اسماعيل ، هتلاقى سرير فوق الفرن البلدى ارفع المرتبه هتلاقى فى الجدار بلاطة مختلفة عن باقى البلاط شدها وخرجها الصندوق جوه "
تنهد ادهم وقال " يعنى بيت جدى هيسبوه لحد دلوقتى "
قال وافى " بعد جامع الحج اسماعيل ، تقصدي بيت الزيات اقصد عرفة الزيات "
نعيمة " ايوه عرفة الزيات جد ادهم، انت تعرفه "
وافي قال " لا معرفوش بس مريت جنب البيت مرة وكان محروق ومهجور فسألت من باب الفضول يعنى قالوا ان فايز باشا هو اللى قمر بحرقة و كان الراجل العجوز جواه، واتقيد في قسم الشرطه أن الحريق كان حادث ناتج عن انفجار انبوبة وفايز منع اى حد يشتريه ، البيت كان متفحم يا ادهم "
قالت نعيمه " ما دام حرقه يبقى موصلش للصندوق ، روح يا ادهم بس متدخلش البيت بالنهار لان كلاب فايز فى كل مكان فى البلد، طول ما هما بياكلوا وبيشربوا من خيرة هيفضلوا أوفياء بس لما يبطل يديهم هيكونوا اول اللى ينهش فيه"
نهض ادهم وقبل رأس نعيمه و ودعها على وعد ان يعود لها مرة اخرى ، ثم رحل وقد اشتعلت نيران الانتقام من قلبه ولن يوقفه أحد.