رواية نصفي الاخر الفصل الخامس 5 بقلم شاهندة سمير


 رواية نصفي الاخر الفصل الخامس

__خُلقت لأجلك__

أنا معكِ دوماً
حين تضيق بكِ الحياة
وحين يقترب الحزن من قلبك
حين تشعرين بالخوف
وحين تصارعين أمواج الدهر العاتية
وحين تواجهين العالم بأثره
لا تنسي أبداً أني معك
يدي بيدك لن أفلتها مهما حدث
في الضراء قبل السراء
أنا معك
تذكري دوماً وستدركين أنكِ لي وأنا لكِ. 
خُلقت لأجلك لذا لا أدرك معني للحياة سوي أنتِ وحبك.

وقفت وعد تضع اللمسات الأخيرة على زينتها فى المرآة حين رأت فهد يدلف من الباب وعلى وجهه ابتسامة جذابة يتأملها فى عشق..كانت وعد تلبس فستانا أحمر يضيق من عند الصدر وينزل ليحدد جسدها بنعومة ثم ينزل على اتساع محدود..اقترب منها قائلا:
_ايه الجمال ده كله؟

ابتسمت فى سعادة، كم تعشق هذا الرجل تسعدها أقل كلمة منه، وهو لايبخل عليها بكلماته او افعاله التى تجعلها تطير فوق السحاب، ضمها فهد من الخلف ينحنى ليطبع قبلة رقيقة على جيدها، اغمضت عيناها تترك أحاسيسها تتشبع بلمسة شفتيه على بشرتها الناعمة فترفرف داخلها الفراشات و تذوب بين يديه..فتحت عيناها عندما سمعته يقول :
_تعرفى.. جمالك ده ناقصه حاجة.

نظرت اليه فى المرآة بتساؤل فأخرج من جيبه إسوارة من الألماس ولفها حول يدها فى رقة ثم أغلقها قائلا بعد أن لثمها فى خدها بنعومة:
_كل سنة وانتِ حبيبتى.

ظهرت السعادة جلية فى عينى وعد وتلمست الإسوارة برقة تترقرق الدموع بمقلتيها..أمسك كتفيها ليديرها اليه قائلا فى حنان:
_لأ..دموع النهاردة مش مسموح.

ابتسمت وهى تنظر اليه فى عشق قائلة:
_دى دموع الفرح ياحبيبى..ربنا يديمك نعمة فى حياتى يافهد.

ابتسم وهو يبادلها نظرة العشق قائلا:
_ويديمك نعمة فى حياتى ياحبيبة فهد.

ضمته اليها فى سعادة فاحتواها بحنان واقترب من وجنتها يقبلها قبلة بطيئة ناعمة فتأوهت وعد قائلة فى همس:
_فهد.

همس فى أذنها بصوت مغوى:
_أنا بقول نلغى الحفلة واحتفل أنا بيكى النهاردة لوحدى ياقلب فهد.

أفاقت من تأثير سحره وهى تبتعد عن حضنه ضاحكة وهى تقول:
_قدامى يافهد على تحت ..الناس مستنيانا.

تأفف قائلا:
_فصيلة قوى ياوعد..بس اعملى حسابك، الحفلة دى تخلص بسرعة عشان انا مش هقدر أستحمل كتير.

ضحكت بدلال وهى تغادر الغرفة ثم التفتت اليه وهى تلقى له قبلة فى الهواء قبل أن تسير مجددا ..تابعها بعينيه وهو يهمس فى عشق قائلا:
_بحبك ياوعدى..بحبك

************

شعور يقتل حين تتوق إلي الماضي، إلي أوقات كنت تنهل من السعادة فيها قدر تشاء بينما ترفل بين جنبات الحزن في واقعك وتري مستقبلك غائم يزحف إليه سواد قاتم يُنبئ بعاصفة ستغضب البحر فيصيب سفينتك بأمواجه العاتية راغباً في ابتلاعكما بجوفه والأدهي أنك توقن أنه لا أمل أمامك ولا طوق نجاة.

كانت نيرة ترتدى فستانا باللون البنفسجى الفاتح دون حمالات يصل الى ركبتيها ووضعت شال طويل حول كتفيها وذراعها لتخفى تلك العلامات الزرقاء التى تركتها يد نائل عليها..أخفت الهالات السوداء حول عينيها من بكائها طوال الليل وخدها الأحمر من صفعته بالماكياج..نظرت الى نفسها بالمرآة نظرة أخيرة، كادت أن تبكى فلم تعد ترى فى مرآتها نيرة التى تعرفها ..نيرة التى كانت ضحكتها تنير عينيها قبل وجهها، أصبحت صورة باهتة..طيف ربما وحطام أنثى..تمالكت نيرة نفسها قائلة بهمس:
_لأ يانيرة..اجمدى كدة ومتبينيش حاجة لحد ...عشان خاطر اخواتك ع الأقل..مش بعيد يعمل فيهم حاجة لو عرفوا باللى بيحصلك ووقفوله، انتِ عارفة هو شرانى قد ايه..
خايفة؟خايفة من ايه؟يشرب مرة ويقتلك..مش مهم، هتفرق ايه لو اختفيتى من الدنيا وروحتي للي خلقك؟ بالعكس هترتاحى..لكن اخواتك لأ..لأ يانيرة.

اومأت برأسها فى تصميم ثم خرجت من غرفتها ونزلت الى الردهة لتجد نائل يتحدث عبر الهاتف وما ان رآها حتى أغلقه قائلا بسخرية وهو يتأملها:
_وأخيرا الهانم خلصت.

ابتلعت ريقها فى توتر..اقترب منها وحاول نزع شالها قائلا:
_شيلى الزفت ده.

تمسكت بالشال قائلة بمرارة:
_مش هينفع..ايدك معلمة على دراعى واخواتى هياخدوا بالهم. 
ظهر التوتر فى عينيه فتعجبت نيرة ..وتساءلت..هل يخشى نائل من أخواتها؟هل هذا معقول؟ربما يبدو اخواتها قساة ولكنها تعلم كم قلوبهم تمتلئ بالطيبة والحنان..ربما نائل لا يرى ما تراه هى...قرأ أفكارها فى عينيها..فقست نظراته وهو يقول بحدة:
_طب امشى يلا قدامى بدل ما أقولك مفيش خروج وتبقى تورينى هتشوفى اخواتك دول فين.

أسرعت بالخروج قبل أن ينفذ نائل تهديده لها وهى تعلم انه قادرا تماما على ذلك.

**************

وقف نضال امام سيارته ينتظر خروج رهف من منزلها حتى يأخذها الى حفل عيد ميلاد وعد ليعرفها بأهله..يعلم أنها خطوة جريئة منه فهو لم يظهر بحفلات قط منذ هذا الحادث ولكنه أصر على الحضور معها ليواجه عائلته دون ضغط من الأسئلة التى سيطرحونها..كان يفكر فى خطوته القادمة عندما توقف عقله تماما عن العمل وهو يرى رهف تخرج من المنزل، تلبس فستانا أزرقا فى مثل لون عينيها الجميلتين ..صدره مزخرف بنقوش وردية يضيق حول خصرها لينزل باتساع وقد جمعت شعرها على جانب واحد بدبوس فضى ووضعت بعض لمسات الماكياج الخفيفة فبدت كملكة متوجة وهى تخطوا باتجاهه برقة ومع كل خطوة منها تزداد خفقات قلبه..حتى توقفت امامه تماما، حاول جمع شتات نفسه التي تبعثرت للتو وهو يفتح لها الباب بهدوء لا يعبر ابدا عما يدور بداخله من مشاعر، دخلت رهف السيارة برقة فأغلق نضال الباب خلفها واستدار حول السيارة ليدخلها ويقودها باتجاه الحفل..التفتت رهف لترى جانب وجه نضال، كم يبدو وسيما حقا ..من يراه من ذلك الجانب لا يتخيل ابدا انه مشوه.أحس نضال أنه مراقب فألقى عليها نظرة ليضبطها متلبسة بتأمله مما أصابها بالارتباك والخجل..تنحنحت قائلة وهى تحاول أن تخرج من هذه الحالة:
_هو مش المفروض اكون عارفة حاجة عن عيلتك؟

نظر أمامه مجددا يخفي تأثره بجمالها وهو يقول ببرود:
_هو مش المفروض..بس لو حابة تعرفى أقولك.

قالت فى خجل:
_أكيد حابة أعرف.

قال بهدوء دون ان ينظر لها مجددا:
_بابا فى غيبوبة زى ما انتى عارفة وبروح أزوره كل يوم..ليا أخ اسمه فهد أصغر منى ب٣سنين ومتجوز بقاله ٤سنين من وعد بنت عمى الله يرحمه واللى احنا رايحين عيد ميلادها دلوقتى،متجوزين عن حب..حب الطفولة زى ما بيقولوا بس مع الأسف مخلفوش،فرصة وعد فى الخلفة ضعيفة..اما اختى الصغيرة نيرة فدي دلوعتنا كلنا..متجوزة نائل من سنة قبل حادثة بابا بأيام بسيطة..وبرضه لسة معندهمش اطفال..دول هم كل عيلتى.

نظر اليها نظرة خاطفة ثم عاد ليركز على الطريق وهو يستطرد قائلا:
_عيلة الجبالى.

أومأت رهف برأسها قائلة:
_طيب ممكن أسألك سؤال؟

عقد حاجبيه وهو يلقى اليها نظرة متساءلة فاستطردت قائلة:
_السؤال ده فى الحقيقة انا سألتهولك قبل كدة..وانت قولتلى هتقولى اجابته فى الوقت المناسب وبتهيألى ان ده الوقت المناسب عشان تقولى ليه اخترتنى أنا ؟

ضغط نضال على أسنانه فبسبب جمالها كاد ينسى سبب زواجه منها ولكنها عادت لتذكره فنظر اليها قائلا بصرامة:
_الوقت المناسب مش انتى اللى تحدديه..انا بس اللى هحدده وساعتها هتعرفى كل حاجة..فاهمة ولا لأ؟

ابتلعت ريقها فى خوف لمرأى ذلك الوحش يعود مرة أخرى الى ملامحه وتصرفاته فأومأت برأسها موافقة دون ان تتحدث..حاول تمالك أعصابه وهو يخرج علبة كان يحتفظ بها فى تابلوه سيارته يقول لها فى هدوء:
_دى شبكتك..مينفعش تبقى خطيبة نضال الجبالى ومتكونيش لابساها.

توقف بسيارته وهو يقول مستطردا:
_يلا البسيها بسرعة عشان نمشى.

أخذت منه العلبة بأصابع مرتجفة ثم فتحتها بهدوء لتشهق عند مرأى محتواها كان بها دبلة مرصعة بفصوص الألماس وعقد واسوارة وخاتم مزينون بفصوص زرقاء رائعة الجمال.. نظرت اليها بعينين تشعان بالسعادة قائلة:
_دول جمال قوى يانضال.

نظر الى سحر عينيها وسعادة الأطفال التى تطل من مقلتيها ليجد نفسه يقول فى شرود:
_دى فصوص الزفير..من أغلى الاحجار الكريمة فى العالم..جبتهم مخصوص م الهند، بيفكرونى بعنيكى.

تطلعت اليه رهف فى دهشة وهى تتساءل عما سمعته؟هل حقا أحضرهم لها خصيصا من الهند وهل حقا تذكره هذه الفصوص الجميلة بعينيها ..أفاق نضال من سحر عينيها على كلماتها الملهوفة:
_انت بتتكلم جد؟

عاد اليه قناعه الجليدى وهو يقول بسخرية :
_أكيد خطيبة نضال الجبالى مش هتلبس غير أحسن حاجة..البسيها بقى عشان مفيش وقت ولا عايزانى ألبسهالك انا.

أحست رهف بخيبة أمل ولكنها قالت بهدوء:
_لأ هلبسها أنا.

وارتدت رهف شبكتها ودبلتها ورأته يرتدى هو الآخر دبلة تشبه دبلتها، ثم قاد نضال السيارة مرة أخرى باتجاه بيت أخيه فى حين يراود كل منهم أفكار مختلفة، فكان نضال يفكر بأن تلك الرهف بدأت تؤثر فيه بشكل خطير حتي انها بدات فى ترويض ذلك الوحش بداخله وهذا يُعد الأخطر على الاطلاق، بينما كانت رهف تفكر بأن هذا الوحش الذى تعرفه به شئ جميل يحاول أن يواريه الثري ولكن هى وهى فقط من ستعيده الى الحياة.

تعليقات



×