رواية نصفي الاخر الفصل السادس بقلم شاهندا سمير
___لن تُعيدها الدموع___
بعد رحيلك فقدت كل شيء حين صار الكون فجأة أحادي اللون، أشتاق دوماً للحظات كنا نسترقها من الزمن، كانت أجمل لحظاتي وأكثرها سعادة، فقدتها حين فقدتك ورغم طيفك الذي يرافقني دوماً ضبطت نفسي متلبساً بالشوق إليك، إلي وجودك حدي.. كنت أؤمن دوماً أن لا إحساس يدوم للأبد ولكن هاهو اشتياقي ووجيب قلبي وأنينه لفراقك يلازمني كعشق يسري بدمائي لن يفارقني حتي تفارقني أنفاس الحياة، لست نادماً علي عشق سلمته قلبي والباقي من عمر سأقضيه راهباً بمحرابك ولكني نادم علي عدم البوح بالعشق.. نادم علي كل لحظة كدت فيها أن أصرح بمشاعري، أن أخبرك أنكِ من تتربعين علي عرش قلبي وأنكِ الروح لخفقاتي، نادم بعد أن صار القلب عقيماً بعد إنجابه حُبكِ، صرتي لغيري فصار الندم رفيقي يلومني في كل وقت مردداً.. ابكي قدر ماشئت فلن تُعيدها الدموع ولو كانت أنهاراً.
وقف يزيد يتأمل وجوه الحاضرين فى الحفل يبحث بعينيه عن وجه واحد اشتاق اليه، وجه حبيبته التى فرق بينه وبينها القدر.
لا ليس القدر..
بل هو من كان السبب فى فراقهما، هو من تخلى عن حبهمها فحتى وان لم يتصارحا بهذا الحب إلا ان كل منهما كان يدرك مشاعر الآخر،تركها تضيع من يده وقد خشى أن يظن والدها أو أخويها أنه طامعا فى أموالهم، خشى أن يخسرهم وهم العائلة الوحيدة التى عرفها وأحس معهم بالانتماء ..فخسرها هى.
رآها الآن تقف بجوار زوجها ومعها أخيها فهد وزوجة أخيها ..ألقى عليها نظرة بطيئة مشتاقة اليها، ظل هكذا للحظات يجوب بعينيه علي ملامحها الحبيبة، عقد حاجبيه عندما رأها تبتسم فتلك الابتسامة المجاملة والتى لا تصل الى عينيها لا يمكن أن تكون ابتسامتها، هناك حزن غريب يخيم على هاتين العينين تحاول أن تخفيه بهذه الابتسامة ولكنه يعرفها، يحفظها ويحفظ كل تعابيرها..تساءل عن سر حزنها وود لو ذهب الآن واحتواها وأخذ عنها هذا الحزن ليحتوي حزنها داخله الى الأبد ويعيد اليها روحها المرحة التى لطالما سحرته..ولكن كيف؟كيف وقد أصبحت هى زوجة لرجل آخر، زوج هو فقط من يمتلك حق احتوائها، هو فقط من يستطيع ضمها ولمسها .
اشتعلت نيران الغيرة فى قلبه ..كيف استطاع ان يسمح لأحد غيره بالاقتراب منها ولمسها..كيف؟
أحس بالمرارة ..بالموت يزحف اليه..أدمعت عيناه فتلاقت بعينيها فى هذه اللحظة..رأى فى عينيها شوقا وألماً وعتابا..ورأت فى عينيه عشقاً وندماً ولكن قد فات أوان الندم، اشاحت بنظرها بعيدا عنه، رآها ترفع وتمسح شيئاً عن عيونها ..هل هذه دموع حقا أم انه يتخيل؟انفطر قلبه وأحس بالاختناق..زفر بقوة يمرر يده في شعره ثم ابتعد عن المكان ..ذهب الى أقصى الحديقة وجلس على كرسى هناك فلم تعد قدماه قادرتان على حمله..خارت قواه عند رؤيتها هكذا..ولكن ماذا يفعل؟هو السبب، هو فقط ولا احد غيره.
********
توقفت سيارة نضال داخل هذه الفيلا الرائعة..نظرت اليها رهف بانبهار فقد كان تصميمها غاية فى الروعة، رأى نضال هذه النظرة فى عينيها فابتسم بداخله..نزل من السيارة والتف حولها ليفتح لها الباب، نزلت برقة فأغلق الباب وأمسك بيدها..لا تدرى لم اقشعر جسدها كله من لمسته الحانية ليدها؟ ابتلعت ريقها بصعوبة ودخلت معه الى الحديقة حيث يقام حفل عيد الميلاد..ساد الصمت بين الحضور حينما وقعت عيونهم على نضال ورهف..فمنهم من تعجب لوجود نضال بالحفل وهو قد امتنع عن الظهور بالحفلات منذ مدة طويلة تقارب العام، ومنهم من تعجب اكثر لوجود هذه الحورية رائعة الجمال معه ..وتساءلوا فى دهشة عنها، شعرت رهف بتوتر نضال رغم انه ظهر بارداً وواثقا من نفسه ولكن يده التى ضغطت على يدها لاشعوريا أنبأتها بما يخفيه..مدت يدها الأخرى وربتت على يده التى تمسك بيدها، نظر اليها بحيرة فابتسمت له برقة..أدرك أنها شعرت بتوتره وأنها تخبره أنها بجانبه وكم فعل به ذلك الأعاجيب..زال التوتر من قلبه على الفور واحتلت البسمة شفتيه لتذوب رهف فى هذه الابتسامة التى تراها على وجهه لاول مرة فظهروا للجميع كعاشقين، منهم من تبسم فرحا لهم ومنهم من اشتعل قلبه حقدا عليهم ..اقترب نضال ورهف من عائلته التى أصابتها الدهشة مما يحدث..سلم عليهم جميعا وقدم لهم رهف قائلا:
_أحب أعرفكم برهف.
ثم رفع يده الممسكة بيدها يُظهر خواتم الخطبة مستطردا وهو يقول:
_خطيبتى.
نظروا اليهما فى صدمة مالبثت ان تحولت الى فرحة وقالت وعد بسعادة:
_بجد انا مش مصدقة ..مبارك يانضال رهف خطيبتك زى القمر.
ابتسم رهف بخجل بينما اكتفي نضال بابتسامة هادئة فى حين قالت نيرة بمرح:
_والله وجه اليوم اللى هشوفك فيه عريس يااخويا..تعرف احلى حاجة فى الموضوع انى هيبقى عندى اختين زى القمر.
ثم اقتربت من رهف تضمها مردفة :
_مبارك ياقلبى.
ضمتها رهف فى سعادة..كم تمنت ان تحظى بعائلة تمنحها كل الحب ولم تكن تظن أبدا عندما ارتبطت بنضال أنها ستحظى بهذه العائلة..ضم فهد أخيه نضال مباركا وهامسا له فى أذنه قائلا:
_ مبارك يانضال..انت متعرفش فرحتنا النهاردة قد ايه..ياريت بابا كان معانا دلوقتى..كان هيفرح قوى.
ربت نضال على ظهره قائلا:
_بكرة يفوق ونفرحه يافهد.
اكتفى نائل بتهنئة من كلمة واحدة في حين بدأت العائلة فى استجواب العريسين ورهف تجيبهم بخجل بينما يتحدث نضال بثقة حتى تطرق الحديث الى الزواج فقالت نيرة بدهشة:
_الجواز ازاى بعد يومين؟مش هنلحق يانضال نجهز للفرح.
قال نضال فى حزم تشوبه بعض الحدية :
_فرح ايه اللى هفكر فيه وبابا فى غيبوبة ومامة رهف تعبانة.. ده غير وشي..جرالك ايه يانيرة..بتفكرى ازاى بس؟
قالت نيرة فى حزن:
_أيوة بس..
قاطعها بصرامة قائلا:
_هى كلمة واحدة..مفيش فرح يعنى مفيش فرح.
ابتلعت رهف ريقها بتوتر فها هو الوحش يعود للظهور ليجعلها تخشاه مرة أخرى..قال نائل فى سخرية:
_ياعم سيبك انت ويعنى اللى عملوا فرح خدوا ايه؟بكرة تقول ولا يوم من أيام العزوبية يانضال.
نظرت اليه نيرة تتجمع الدموع فى مآقيها من كلماته الساخرة..لم تستطع الرد عليه لذا قالت بهدوء مفتعل:
_عن اذنكم هتمشى شوية.
ابتعدت عنهم دون ان تنتظر الرد..فنظر كل من وعد و فهد الى نائل بحدة فى حين اكتست ملامح نضال بالغضب فابتلع نائل ريقه قائلا:
_انا هروح اجيب حاجة اشربها.
ابتعد عنهم فقالت وعد بحدة:
_اووووف..انا مش عارفة نيرة مستحملة البنى آدم ده ازاى؟
نظر فهد اليها قائلا :
_مع الأسف هو صحيح اختيار بابا ..بس انا نفسى مبطيقوش ولو يوم فكر يزعلها هيشوف وش تانى خالص.
قال نضال بقوة:
_وهو يقدر يفكر بس يزعلها .ده انا أفرمه.
نظرت اليهم رهف وداخلها سعيد بهؤلاء الأخوة ..كم تمنت أن يكون لها اخوة يخشون عليها هكذا كما يخشون على نيرة وكم تتمنى أن يكون هناك من يهتم بها مثلهم..ولكنها تظل أمنيات.
أفاقت من شرودها على صوت أنثوى يقول بدلال:
_مش معقول ..نضال الجبالى بنفسه منور الحفلة..أنا مش مصدقة عيوني.
استداروا جميعا تجاه ذلك الصوت لترى رهف فتاة جميلة رشيقة شعرها أسود قصير وعينيها سوداويتين تلبس فستانا ذهبيا قصيرا ذا حمالات رفيعة ..رفع نضال حاجبه الأيمن قائلا فى برود:
_لأ صدقى ياميس ومش لوحدى كمان.
أحاط بكتف رهف مردفاً:
_معايا خطيبتى..رهف..رهف الشامى.
نظرت ميس الى رهف بصدمة تحولت الى نظرة متفحصة متعالية ثم قالت ببرود:
_ مبروك..وياترى هنفرح بيكم امتى؟
ثم نظرت الى نضال قائلة بسخرية:
_بيتهيألى هيتأجل لحد ما تعمل العملية ولا لسة مصمم متعملهاش وتفضل بالشكل ده؟
ظهر الغضب على وجه الجميع وكاد نضال ان يرد عليها لولا ان اسرعت رهف بالرد قائلة:
_الفرح مش هيتأجل ..احنا مش هنعمله خالص..كتب كتاب كدة وخلاص..ومش عشان وشه يا آنسة ميس..مش آنسة برضه؟
أومأت ميس برأسها ببرود..لتستطرد رهف قائلة:
_بصراحة عمل العملية او معملهاش مش هتفرق كتير..هو كدة كدة عاجبنى..لأنى لما حبيته حبيت فيه قلبه الكبير مش شكله رغم انه وسيم قوي والجرح مقدرش يشوه ملامحه لكن الفرح هيتلغى بس عشان خاطر والده اللى فى المستشفى ومامتى التعبانة..لما يقوموا بالسلامة هنعمل حفلة كبيرة واكيد هندعيكى.
ابتسموا جميعا من كلمات رهف التى أفحمت ميس وأظهرت رهف عاشقة متيمة بنضال..حتى نضال أحس باعجابه بها يزداد..ورغم انه يعرف انها كلمات فقط أرادت بها الدفاع عنه والحفاظ علي مظهرهما العاشق أمام عائلته كما طلب منها ..الا ان هناك شعور يزداد بداخله يخبره أنها ستسانده دوماً طالما هي إلي جواره وهذا الشعور جعله يزداد اعجابا بها رغما عنه، ظهر ذلك فى نظرته لها التى رأتها ميس فأشعلت نيران الحقد فى قلبها لتبتسم فى برود وتنظر الى ساعتها قائلة فى ملل:
_للأسف اتأخرت ومضطرة امشى.
ثم نظرت الى وعد قائلة:
_كل سنة وانتِ طيبة.
ابتسمت وعد ابتسامة مزيفة وهى تقول:
_وانتِ طيبة.
غادرتهم ميس فقالت وعد:
_اوووف..دمها تقيل بشكل.
ثم نظرت لرهف مردفة:
_بس ايه يارهوفة الجمال ده..أفحمتيها.
قال فهد ضاحكا:
_آه والله ..كانت هطق من الغيظ.
ابتسمت رهف بخجل فزادها الخجل جمالا..ليتأملها نضال وقلبه يزداد خوفا من هذه المشاعر التى تجتاحه تجاه رهف وتدمر كل الأسوار التى بناها حول قلبه طوال هذه السنة وحولته الى ذلك الوحش الذى يعرفه.
شكرا لزيارتكم عالم روايات سكيرهوم