رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل السادس 6 بقلم شاهندة سمير


 رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل السادس 


_لا تكابر_

_انت مخبي عني حاجة يانضال؟

أشاح نضال بوجهه يتظاهر بضبط درجة حرارة المكيف، يعرف أن نصفه الآخر قد نفذت إلي مشاعره وأدركت قلقه وإن نظر إليها الآن ستنهار كل دفاعاته وسيلقي بنفسه بين ذراعيها يبغي سكينة من مخاوفه.

وجد أناملها الرقيقة تمسك ذقنه وتدير وجهه إليها تتطلع إلي عينيه بحزم قائلة:
_سألتك سؤال ومجاوبتنيش يانضال.. انت مخبي عني حاجة؟

لترق عيناها ويظهر الخوف بنظراتها وهي تردف:
_قولي مسافر لندن ليه؟ انت كويس؟ بتشتكي من حاجة؟ متخبيش عليا أرجوك.

زفر بداخله وهو يحمد الله أنه لم يذكر وجهته الحقيقية، انها تظن الآن أنه ذاهب للمركز العلاجي بلندن، تخشي عليه فاتنته من مكروه قد أصابه وأخفاه عنها،لذا قال بحب:
_قلبي.

قالت بجزع :
_ماله؟

أمسك يدها يضعها علي خافقه قائلاً:
_بيدق بسرعة وانتِ جنبي وقصاد عيني.

سحبت يدها قائلة بحنق:
_متهزرش يانضال وطمني عليك.. أنا قلبي هيقف من الخوف.

_بعيد الشر عنك.

رفع إبهامه يمرره علي وجنتها مردفاً بحنان:
_أنا كويس صدقيني، والله مافيا أي حاجة، أنا مسافر زي ماقلتلك في رحلة عمل، همضي عقد مهم مع رجل أعمال كبير في لندن.

_بس السفر برة مهمة فهد، غريبة انك انت اللي هتسافر المرة دي.

_انتِ شايفة العلاقة بين فهد ووعد متوترة ازاي، مش معقول هكمل عليها واقوله سافر.. كدة هيبعدوا عن بعض أكتر.

_وأنا ذنبي ايه تبعد عني؟ انت عارف اني مقدرش أنام غير في حضنك، عشان خاطري خدني معاك.

_قلتلك مش هينفع.

_مش هينفع..مش هينفع.. ليه مش هينفع؟ مخبي عني ايه يانضال؟

_ولا أي حاجة..الحكاية بس ان ابنك وخطيبته ساكنين معانا ومش هينفع تسيبي البيت الفترة دي، الناس تقول ايه؟

طالعته بتذمر فمد ابهامه يمرره علي ثغرها الممطوط قائلاً:
_قمري زعلان مني.. ايه رأيك أصالحك بطريقتي؟

تراجعت قائلة:
_انت وراك سفر ولازم ترتاح....

سحبها فصارت قربه يفصل وجهيهما الهواء ليتأمل ملامحها الفاتنة بقلب ينبض عشقاً يقول بهيام:
_مفيش حاجة بتريحني قدك يارهف.

ارتعش ثغرها ورقت نظراتها فضمها بقوة يغمض عيناه وهو يردف:
_وجودك جوة حضني بيخليني أنسي أي حاجة ممكن تقلقني أو تزعلني وأحس بسلام.. ضميني وخليني أنسي الدنيا والناس يارهفي.

ضمته إليها أكثر وشعور القلق بداخلها يتزايد، فارتعاشة جسده بين ذراعيها بعد سكون لطالما شعرت به معه تجعلها توقن من أن هناك أمراً يقلقه ويخفيه عنها، وأن سفرته تلك ورائها أمر جلل لن يخبرها عنه شيئاً، تود لو صاحبته في السفر أو استبقته بين ذراعيها ولكن للأسف.... لن تستطيع.

______

كانت تجلس أمام المرآة ساهمة تتذكر كيف طالعها رعد الليلة بأعين اتسعت انبهاراً يخبرها كم صارت رائعة الجمال حين تخلت عن لباسها المعتاد وأسدلت شعرها، أمسكت خصلة من شعرها تلفها حول إصبعها تتطلع إلي نفسها الجديدة والتي صارت لا تعرفها بعد أن أظهرت أنوثتها المواراة طويلاً، تري ان فعلت منذ زمن أكان ليلاحظها وربما أحبها كما تحبه؟
تباً.. هاهي قد عادت لأفكار أقسمت أن تمحوها من قلبها وتطمسها بداخلها للأبد، فقد صار رعد خطيباً لأختها وانتهي الأمر، ؛ لذا نهضت تسحب شعرها وترفعه بدبوسها الفضي قبل أن تتجه لخزانتها وتخرج منامتها المفضلة، تخلع عنها فستانها وترتديها علي عجلة ثم تتمدد علي السرير، تطلعت إلي فستانها الملقي علي الكرسي بحسرة قبل أن تنقلب بجسدها علي الجهة الأخري تغالب دموعاً سقطت... رغماً عنها.

______

كان يجول في حجرته كليث جريح، يتذكر هذه الليلة بكل تفاصيلها وكم بدت سلسبيل  كأميرة في فستانها الوردي الرائع الذي جسد تفاصيل جسدها وأبرز جمالها الفتان، تمتلك هذه الفتاة جمالاً من نوع خاص فرغم ملامحها الأنثوية الرائعة إلا أنها تمتلك وجهاً بريئاً وروحاً نقية كطفلة بالمهد تجعلك تشعر بالسعادة جوارها، فهي تفرح لأبسط الأشياء وتمط شفتيها وتبكي حزناً لأقل الأشياء أيضاً، تتحمس فتقفز و ينتابها الفضول فتدفعك لمشاركتها البحث حتي تصل لمأربها دون كلل أو ملل، لطالما أحب رفقتها وفضلها علي رفقة أصدقائه جميعهم ولطالما كان الأقرب إليها بدوره، لكنها اليوم بدت متباعدة كبعد نجمة في سماءه عنه، بدت علي غير طبيعتها.. تبتسم نعم ولكن هذه البسمة ليست خاصتها، تتحدث نعم ولكن ليست هذه كلماتها، تبدو سعيدة نعم ولكن ليست هذه سعادتها.. شعر اليوم لأول مرة في حياته بأنه يخسرها لصالح ابن عمه، صغيرته التي ظن أنها ستظل صغيرته كبرت وستتزوج ولن تكون صغيرته بعد الآن.

_أهذا كل ما يحزنك يافهد؟
_من أين جاء هذا الصوت؟
_تعال..أنا هنا.. انظر بمرآتك وأجبني.

تقدم فهد باتجاه مرآته يتطلع إلي نفسه، وجد ذاته تحدثه..
_لم تُجبني؟
_ماذا تريد مني؟
_أريد حديث قلبك.. لمَ تخشاه؟
_أنا لا أخشي شيئاً.
_بل تفعل.. لا تكابر.. هناك بقلبك شعور أيقظته الغيرة والخسارة.. أفصح عنه؟
_ليس هناك شيء لأفصح عنه.. سلسبيل رفيقتي منذ الأبد، صديقتي التي أخشي فقدانها وحسب.
_أنا لم أذكر اسمها.

شعر فهد بالتوتر فأسرع يقول:
_علي أي حال كف عن ازعاجي وابتعد عني الآن يكفيني ما أعانيه.
_ان أفصحت عن مكنون صدرك واعترفت بدواخل قلبك لن تعاني بعد الآن صدقني.
_كفي أخبرتك أن تنصرف عن وجهي.

قطع حديثه مع نفسه دلوف سوزان إلي الحجرة في هذه اللحظة واغلاقها الباب خلفها وسط دهشته وهي تقول بحيرة:
_انت بتكلم نفسك يافهد؟

تطلع إلي منامتها الحريرية القصيرة قائلاً:
_انتِ ازاي تجيلي الأوضة في الوقت ده و بالشكل ده؟ افرضي ماما أو بابا شافوكي كده.. هيقولوا ايه؟

اقتربت منه تقول بنعومة:
_عادي يعني ياحبيبي.. ماانت شفتني بالبكيني، مش شايفة انها مشكلة يعني وحتي لو مامتك وباباك لسة صاحيين مع اني أشك لأنك عارف ان باباك مسافر الصبح بدري بس برضه عادي هيقولوا واحدة حابة تقعد مع خطيبها شوية لوحدهم، ماأنا مبقتش أشوفك خالص من يوم ما رجعنا مصر يافهد.

كانت تلف ذراعيها حول رقبته في هذه اللحظة فحل يديها وهو يقول بحنق:
_علي فكرة بقي لو حد شافك في أوضتي دلوقت هيبقي منظرنا وحش قوي ومش عادي بالمرة، احنا في مصر ياسوزان وتقاليدنا وعاداتنا وأخلاقنا غير أمريكا زي ماقلتلك، وأظن انك كنتي موافقاني قبل مانرجع مصر ولا نسيتي كلامك عن رغبتك في الرجوع بسبب قرفك من اللي بيحصل هناك.

قالت باضطراب:
_لأ طبعا منستش لكن....

_مفيش لكن.. ارجعي أوضتك من فضلك ودي آخر مرة أشوفك براها في وقت متأخر زي ده وباللبس ده، ولو علي اني مكنتش فاضي اليومين اللي فاتوا دول فبكرة هفضيلك نفسي وآخدك كمان أفسحك.. اتفقنا.

هزت رأسها باستسلام تلعن تمسكه بالعادات والتقاليد وقد انتوت الليلة أن تجعله ملكها وتذيقه لذتها فيدمنها ولا يستطيع عنها ابتعاداً بعد أن لاحظت مايكنه لهذه الغبية سلسبيل من مشاعر، استدارت تمشي مغادرة الحجرة فاستوقفها نداءه باسمها، لمعت عيناها تظن أنه لم يقوي علي سحرها واستدارت اليه بلهفة فأردف بحزم:
_احنا اتفقنا كمان ان مبقاش فيه بكيني ولا لبس ممكن يكشف جسمك، انتِ خلاص هتبقي مراتي وأنا اللي يشيل اسمي لازم يحافظ عليه، ده غير اني راجل ومش ممكن أسمح لحد يبص علي حاجة تخصني أو يتكلم عنها نص كلمة.. مفهوم؟

هزت رأسها مجدداً وقد أحبطتها كلماته ولكنها ستصبر حتي تصبح زوجته ثم تمحو هذه الأفكار من رأسه بسحرها.
غادرت الحجرة بينما زفر فهد بحنق، يدرك أنه سيحتاج وقتاً حتي تعتاد سوزان حياتهما الجديدة، يتعجب من أن أكثر ما جذبه إليها هو تحررها وعقلها الذي يوازي الرجال في جرأته ورجاحته.. تتخذ قرارتها في العمل دون رجعة وتقرر دون تردد وتنجح بحرفية ومهارة ولكن هنا بين أهله وجد نفسه يتساءل تري هل أحب كل هذا حقاً، ام أحب فقط اختلافها؟ حين يقارن الآن بين جرأتها ووداعة وحياء سلسبيل يجد الأخيرة تكسب دون منازع، مرر يده بعصبية بين خصلات شعره حتي كاد أن يقتلعها يتردد هذا الصوت برأسه مجدداً..
_لا تكابر.. فقط اعترف وأفصح عن مكنون قلبك وإلا ستشقي للأبد.

وضع يديه علي أذنيه لفترة يخرس هذا الصوت قبل أن يرفعهما وقد توقف تماماً ليرتمي علي السرير بملابسه يسحب وسادته ويضعها فوق رأسه حتي لا يعاوده الصوت فلا مجال الآن لأي شيء سوي الغرق في سبات عميق بعد يوم منهك لجسده.... وقلبه.

________

_ليلتك امبارح كانت تجنن يارعد وسلسبيل كانت قمر، ربنا يسعدكم ياابني.

اكتفي رعد بابتسامة هادئة قبل أن تردف وعد:
_علي فكرة بقي شكل الأفراح بدأت تدخل بيت نيرة ومش هتخرج منه أبداً باذن الله.

_قصدك ايه يا ماما؟

_انت وسلسبيل، وسمعت ان ساهر هيخطب قريب وحبيبتي سندس حسيت امبارح ان عماد ابن عم باباك عينه هتطلع عليها ومش بعيد يطلب ايدها....

_لأ طبعا.. مستحيل.

_ايه هو اللي مستحيل ده؟

_ان عمي يزيد يقبل يجوز سندس.. سندس لسة صغيرة و....

قاطعته قائلة:
_صغيرة ايه بس؟ دي توأم ساهر وأصغر من سلسبيل بسنتين بس، تبقي ازاي صغيرة؟

قال باضطراب :
_صحيح هي اصغر من سلسبيل بسنتين بس....

_بس ايه؟

_مش عارف.. انا بشوفها صغيرة أو يمكن مش من النوع اللي بيفكر في بيت وجواز.

_يمكن عشان هي عملية وتبان كل تفكيرها في الشغل بس امبارح كانت حاجة تانية والكل لاحظ ده.. امبارح كانت عروسة ناقصها العريس.

_خلاص بقي ياماما قفلي كلام في الموضوع ده ومتنسيش تخرجي مع سلسبيل وتروحوا لمهندسة الديكور عشان تختاروا الألوان.

_أكيد، بس سيبك انت أنا الدنيا النهارده مش سايعاني من الفرحة والسفرة بتجمعني مع اقرب اتنين لقلبي.

ربت رعد علي يد والدته قائلا:
_يارب دايما أشوفك فرحانة ومبسوطة ياأمي.

_وجودك جنبي ياحبيبي هو السعادة كلها.. انا نفسي اجري أرقص أزغرد من فرحتي.

قال فهد بسخرية :
_رجوعك الفيلا جننها.

تراجع رعد في مقعده يقول بمرح:
_كلها كام شهر بس علي ماأوضب الشقة وهترجع لقواعدها سليمة.

_وليه متتجوزش في الفيلا هنا معانا ياحبيبي؟ الفيلا واسعة زي ماانت شايف أهو علي الأقل تونسني فيها انت ومراتك وولادك بدل مابقعد بين حيطانها وحيدة.

قال رعد بمرح:
_فيه واحدة برضه تبقي وحيدة وهي متجوزة فهد الجبالي اللي ستات مصر كلهم بيحسدوكي عليه.

وكزه فهد بينما تقول وعد محدجة فهد بنظرة ذات مغزي:
_ ييجوا يشوفوه وهو مشغول علطول ومش فاضيلي.

_ارتحت، أما أقوم بقي أروح الشغل قبل ما آخد مرشح كل يوم.

_بقي كدة يافهد؟

_فهد مشي خلاص.

_استني يابابا خدني معاك، العربية عطلانة.

تابعتهما وعد وهما يغادران علي عجلة، لتتأمل جدران الفيلا ووحدتها بينهم، ظلت هكذا للحظات قبل أن تدع فنجال الشاي من يدها وتنهض متجهة إلي غرفتها لتبدل ثيابها وتبدأ العمل علي تنفيذ مشروعها علها تجد فيه علاجاً لوحدتها و مزاجها المتعكر في الآونة الأخيرة.

_________

قالت محادثته بعصبية:
_انت اتجننت ازاي تجيبها البيت؟ انت كدة بتهد كل حاجة خططنا ليها.

زفر بحنق وذكري تطل برأسه وتخرجه عن ثباته ليقول بحزم:
_انا كدة مرتاح، علي الأقل ضميري مش هيعذبني لو....

_ضمير ايه اللي بتتكلم عنه ده؟ أبو الزفتة دي ضيع حياتي كلها وضيع أقرب الناس ليك.. السكة اللي بدأناها ياليث لا فيها ضمير ولا ندم ولا رحمة.

_أيوة بس.....

_مفيش بس، ترجعها زي ماكانت قبل ماتعرف عنك أكتر، تتإذي تموت حتي ملناش دعوة مادام مش انت اللي آذيها.

_ازاي الكلام ده بس؟ هو مش انا السبب في انها تكون محبوسة لا حول ليها ولا قوة وسط شوية مجرمين، يعني أي أذي هيمسها هكون شريك فيه.

_مش عارفة ليه حاسة انك متغير ياليث.. مش انت الأسد اللي كان اسمه بس بيخوف ويتعمله ألف حساب، ايه مالك؟ ضعفت ولا البت دي سحرتك بجمالها؟

_اسمي بيخاف منه المجرمين وبس.. أما حور فمنكرش انها جميلة جداً بس مش ليث السيوفي اللي واحدة جميلة تضعفه وتخليه ينسي انتقامه لكنها في نفس الوقت بريئة من ذنب أبوها، هي مجرد وسيلة عشان ألوي بيها دراعه وبعدين هسيبها تمشي وتكمل حياتها بعيد عني.

_الكلام ده لو رجعتها لمكانها القديم لكن طول ماهي في بيتك فده معناه انها هتعرف عنك أكتر ومش بعيد تستغل الشغالين اللي عندك وطيبة قلوبهم وتهرب، ماانت مجمع حواليك حالات انسانية قلبهم رهيف ومبيستحملوش.

أغمض عينيه بنزق يدرك أنها تلومه علي طاقم الخدم الذي اختاره من بين بعض الحالات الانسانية التي كانت تقابله في عمله، ليفتحهما مجدداً وهو يقول:
_متقلقيش محدش بيقرب منها، هي في أوضة لوحدها مقفول عليها وانا اللي بتعامل معاها وبس، وياريت نسيبنا من الكلام عنها وتقوليلي، أخبار الصفقة ايه؟

_المزاد عليها الأسبوع الجاي وعيلة الجبالي داخلة بتقلها، ده غير ان نضال سافر النهاردة الصبح باريس وده ملوش غير معني واحد.

_انه شك في الجواب اللي بعتناه لصاحباتها.. عموماً مش مشكلة كدة كدة كان هيعرف.

_أيوة بس قبل المزاد بيومين عشان ميقدرش يتصرف أو يعمل حاجة لكن كدة الموضوع يقلق وميطمنش.

_مبقاش علي المزاد غير اسبوع مظنش يقدر يعمل حاجة في الفترة القصيرة دي.

_انت متعرفش نضال، انا بس اللي أعرفه.. مفيش حاجة اسمها مستحيل في قاموسه، لو حط في دماغه حاجة هيوصلها ولو حد وقف قصاده هيفرمه زي ما...

صمتت بعد كلمات تشبعت بحقد شديد وربما أوقف حديثها غصة ومرارة في الحلق أرجعهم ليث لماض أليم لم تتعافي منه أبداً لذا طمأنها قائلاً:
_قلتلك متخافيش، وقتها كنتِ لوحدك، دلوقتي أنا جنبك ومش ممكن هسمح لحد يإذيكِ.

_يبقي تبعدها عن البيت، رجعها ياليث لو بتحبني ومش عايزني أتأذي.

قالتها بتوسل يدرك أنه نابع من خشيتها لضعف قد يعتريه تجاه هذه الفاتنة، يري أن لديها كل الحق في مخاوفها وقد شعر هو بهذا الضعف قبل أن تواجهه به ولكنه يخشي أن يتكرر ماحدث سابقاً لحور ولا يكون هو موجوداً لحمايتها فوقتها ليس الندم هو كل ماسيشعر به ولكن في الموت سيكون راحته من شعور لا يستطيع وصفه أو تسميته.

_قلت ايه ياليث؟

قطع صوتها أفكاره فأراد أن يريحها لذا قال بهدوء:
_هعمل اللي انتِ عايزاه.
_وعد.
_وعد.

زفرت بارتياح قائلة:
_انا كدة ارتحت، نركز بقي في اللي جاي لإن أي غلطة هتضيعنا.

_متقلقيش أنا مظبط كل حاجة.

_ونضال؟

_هكلمه كمان يومين بعد ماييأس من انه يلاقيها ويكون استوي علي الآخر.

_تمام ياليث ومتنساش اللي قلتلك عليه.. انت وعدتني مش كدة؟

_وعدتك.

_سلام دلوقتي ياحبيبي عشان الشو هيبدأ وانا نجمته زي ماانت عارف.

_سلام يانجمة.

أغلق الهاتف ووضعه مكانه ثم أسند كوعيه و عقد كفيه أمامه، يدرك أنها المرة الأولي التي يمنحها فيها وعد كاذب لن يستطيع الوفاء به فلن يسمح له عقله قبل قلبه أن يتسبب بأذي انسان بريء، لا سيما فتاة ذات خلق وشجاعة وجمال كحور، لذا سيدعها جواره وتحت عينيه وسيطلب من الجميع التكتم علي الأمر وعدم اخبار محدثته بوجود الأخيرة في بيته وتحت سقفه، وليدعوا الله أن ينتهي هذا الأمر قبل أن يزداد تعلقاً بهذه الفتاة ليصعب عليه بالنهاية اطلاق سراحها.

______

_أنا زعلانة منك علي فكرة.

_ليه بس يامدام ريتاج؟

_عزمتك علي العشا ولحد النهاردة موافقتش.

_انا متأسف جداً والله بس انشغلت بخطوبة ابني.....

قاطعته وهي تنهض قائلة:
_وكمان رعد خطب ومدعيتنيش، لأ دي الرسالة واضحة جداً.

أمسك يدها قائلاً:
_استني بس انتِ فهمتي غلط.

طالعت يده التي تمسكت بيدها وقد رقت ملامحها ليشعر بالارتباك، ترك يدها ومررها بشعره مردفاً:
_اتفضلي اقعدي من فضلك وأنا هشرحلك.

جلست دون كلمة فقال:
_الحفلة كانت علي الضيق، العيلة وبس.. ده كان طلب العرسان فاحنا وافقنا لكن الفرح باذن الله هيكون كبير ويليق باسم عيلة الجبالي وانتِ أكيد هتكوني أول المدعويين.

_طيب وعزومة العشا؟

_موافق طبعاً والنهاردة لو حبيتي.

ابتسمت قائلة:
_لأ.. بكرة عشان المفاجأة اللي هحضرهالك هتاخد مني وقت، ماهو مش كل يوم الواحدة بتتعشي مع أيقونة زيك يافهد الجبالي.

ابتسم بدوره وقد راقت له كلماتها وأشعرته بكينونته وكأنه عاد سنوات للوراء حين كانت المفاجآت تسعده وتنبض روحه بالحياة. دق ناقوس الخطر برأسه مجدداً ولكن تلك المرة تجاهله بل وسعي لإخراسه تماماً.

________

عندما تكون قريباً من الموت ولا تستطيع أن تعرب عن مشاعرك خشية علي أحبة قد تحترق قلوبهم لأجلك، وقتها ينفطر قلبك بصمت وهو ينتظر أن يصافحه الموت في أي لحظة،لا تخشي الموت قدر خشيتك الفراق، ولا تدري كيف سترحل دون وداع؟ وكيف ستستطيع مواراة الألم؟ تتساءل هل سيمنحونك الغفران لأنك أخفيت عنهم الحقيقة المؤلمة؟ تتمني في كل لحظة لو كان الواقع مختلفاً والوقت أمامك لتعيش الكثير من السعادة بينهم ولكن قد شاء القدر ومشيئة القدر علي الرقاب نافذة.

_مدام نيرة انتِ كويسة؟ تحبي أتصل بيزيد؟

لدقائق بدت كالدهر مرت فيها حياتها كشريط أمامها  وتجرعت فيها كل المشاعر المريرة حتي أصابها اليأس لتصل إلي قرار حاسم لا رجعة فيه، ستحمل ألمها داخلها وستدفنه في أحشائها وتتظاهر أنها بخير، فعلتها بالماضي من أجل إخوتها وستفعلها الآن من أجل عائلتها كلها لذا جمدت ملامحها وهي تقول:
_لا يادكتور أرجوك ياريت يزيد ميعرفش باللي قلتهولي دلوقت؟

_ازاي يامدام؟ حالتك محتاجة تدخل جراحي في أقرب وقت وأكيد.....

قاطعته قائلة بحزم:
_أنا مش هعمل العملية يادكتور ومش هقول لحد.. من فضلك ده قراري ولازم تحترمه.

_لكن ده معناه.....

قاطعته مجدداً قائلة:
_عارفة ومقدرة لكن بصراحة مش مستعدة أعيش آخر أيامي مابين بيتي والمستشفي، ومش مستعدة أعذب اللي حواليا بمرضي، مش مستعدة أموتهم كل يوم وهم بيشوفوا عذابي وتعبي وجلسات الكيماوي اللي ممنهاش فايدة لاني عارفة زي ماانت عارف ان المرض ده ملوش علاج.

_لكن في حالات كتير....

_مش مستعدة أجازف، انت عارف انا ايه بالنسبة لهم زي ماهم تمام بالنسبة لي.

لتنهض قائلة بحزم:
_أنا خلاص خدت قراري زي ماقلتلك وياريت يادكتور سليمان تحترم القسم اللي اقسمته وتحترم رغبتي،ودلوقتي هستأذن لإني إتأخرت وبما اني آخر مريضة عندك فياريت تروح انت كمان، أكيد عليّة قلقانة عليك دلوقتي .

_هوصلك.

_معايا العربية والسواق.

نهض الطبيب يوصلها حتي الباب وما ان ابتعدت حتي ناداها قائلاً:
_مدام نيرة.

استدارت تطالعه فأردف قائلاً:
_ازاي هتقدري تتعايشي مع الألم؟

ابتسمت بمرارة قائلة:
_بالمسكنات يادكتور.. سلام.

طالعها سليمان تغادر بعيون مشفقة عليها من صدمة  تحملها بمفردها والمجازفة بعدم العلاج من أجل ترهات لن يستطيع تقبلها بطبيعته العملية، لا يدري هل عليه ان يستمع إليها ويحترم قرارها أم يتبع حدسه ويخبر يزيد ويمنحها فرصة حتي لو كانت ضئيلة في الحياة؟ شعر بالإنهاك فقرر انهاء الليلة والتفكير بالأمر في الغد بإذن الله.

تعليقات



×