رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل السابع 7 بقلم شاهندة سمير


 رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل السابع 


_ان رحلت عنك يوماً_

توقف بالسيارة أمام منزلها فأسرعت تقول بامتنان:
_أنا مش عارفة أشكرك ازاي يافهد، دي أول مرة العربية تعملها معايا وبصراحة مكنتش حابة آخد تاكسي في الوقت المتأخر ده.

_وانا مستحيل كنت هقبل، وبعدين دي حاجة بسيطة متكبريهاش.

ابتسمت ثم استدارت تتناول علبة أنيقة من علي الكرسي الخلفي منحتها لفهد قائلة:
_دي حاجة بسيطة مني ياريت تقبلها،  لاحظت انك مبتلبسش كرافات، صحيح البدلة شيك قوي عليك من غيرها بس كان نفسي أشوفك بيها،أنا لفيت عشان أختارها مميزة زيك و حاساها هتديك لوك محصلش.

ابتسم وهو يأخذها منها قائلاً:
_مكنش فيه داعي تتعبي نفسك، اوعدك ألبسها في اجتماعنا الجاي.

أخذتها من يده مجدداً تفض العلبة وهي تقول:
_انا مش هقدر أستني لاجتماعنا الجاي، لازم أشوفها عليك حالاً، هلبسهالك بنفسي.

تفاجأ بحركتها العفوية وهي تحاوط عنقه بربطة العنق وتعقدها له، كانت قريبة منه تلفحه أنفاسها ويتسلل إليه عطرها فيتغلل بحواسه، أغمض عيناه وذكري لزوجته تطل برأسه، كانت معتادة علي عقد رباط عنقه كل يوم قبل ذهابه للعمل تعلم أنه لا يجيد عقدها فكانت تفعلها دون كلل أو ملل وكان في كل مرة يقتنص الفرصة ليحتجزها بين ذراعيه و يسترق قبلة صباحية ثم يضمها إلي صدره فتستكين خفقاته المتسارعة لقربها، يسحب نفساً عميقاً تتغلغل فيه رائحتها المميزة إلي جوارحه لتظل معه طوال اليوم حتي يعود إليها وينهل من شهدها، لا يكتفي أبداً وقد كانت له أنفاس حياة، تري ما الذي حدث لهما ومتي توقفت عن الاهتمام به لتتركه فريسة الوحدة يعاني جفاف القلب من المشاعر بعد أن كان يفيض عشقاً؟ أفاق علي لمسة من أناملها لجبينه المنعقد وصوتها الناعم وهي تقول برقة:
_التكشيرة دي ليه بس؟

فتح عيناه فوجد وجهها قريب منه، تطلع إلي مقلتيها ينجذب دون إرادة إلي مشاعر أطلت منهما فلم يستطع فعل أي شيء سوي التحديق بهما، بينما ابتسمت هي برقة تردف:
_زي القمر علي فكرة.

ظهر علي وجهه الحيرة والارتباك فاتسعت ابتسامتها وهي تبتعد عنه وتعود إلي كرسيها قائلة:
_الكرافات تجنن عليك، ياريت تلبسها علطول أو أقولك بلاش، احنا مش ناقصين معجباتك تزيد يافهد باشا.

اكتفي بابتسامة هادئة فأردفت:
_كانت ليلة من ليالي العمر بس مع الأسف انتهت، أشوفك بخير يافهد.

_تصبحي علي خير.

_وانت من أهل الخير.. سلام.

حملت حقيبتها وغادرت السيارة تتجه إلي منزلها قبل أن تتوقف وتستدير إليه تقبل كفها ثم تلوح به له فلوح لها بدوره لتستدير وتختفي داخل المنزل، ظل جالساً مكانه للحظات يتبع بناظريه طيفها حتي انتبه لحالته تلك فمرر يده في شعره بحنق، يلعن ضعف أصابه في هذه اللحظات وشعور راوده لينفضه عنه وقد أدرك خطأ ما يفعله، حل رباط عنقه بغضب وألقاه جانباً، يلوم وعد علي ما انتهي إليه حبهما وكيف انتهي به الأمر تائقاً لأنثي تشعره بأنه جل ما تتمناه وترغبه.

_______

ان رحلت عنك يوماً فبالله عليك لا تحزن..
سأكون جوارك أينما كنت.. في هذه اللحظة التي أتسلل فيها إلي ذاكرتك فتبتسم لا إرادياً وأنت تستمع إلي همساتي المحبة،وقتها أتوسل اليك.. لا تفسد ابتسامة أعشقها بدمعة اشتياق وحنين فقط أغمض عيناك وستراني محفورة بين جفونك ولنجتمع سوياً في أرض الأحلام، ننفصل عن الوجود ويتوقف الزمن وأعود معك كأني لم أفارقك يوماً..
يازوجي وحبيبي وتوأم الروح لا تبتأس..
وحين يشتد عليك الحنين ويجتاحك الحزن لا تتردد
أغمض عينيك واتخذ عالمنا ملجئاً وملاذاً
ستجدني هناك أنتظرك لأمنحك دفئاً بين ذراعي من صقيع الفراق ووسادة علي صدري تمنحك سباتاً هانئاً وتبعد عن الروح وحشتها، وصديقة تبعد بحديثها عنك الغرق في غياهب الوحدة، ستجدني كما كنت دائما...رفيقة الدرب وأنيسة الروح ونصفك الآخر.

_هو أنا وحشتِك قوي كدة؟

أفاقت من أفكارها وقد كادت دموعها أن تتسلل إلي عيناها وتفضحها فتمالكت نفسها وهي ترسم ابتسامة علي شفتيها قائلة:
_اشمعني؟

_بقالك نص ساعة قاعدة ساكتة وبتبصيلي وأنا بشتغل، مش عوايدك ياقلبي، إلا بقي لو وحشتك ونفسك تقربي مني وتجرجريني للرزيلة فوقتها بناقص الشغل خالص عشان أنا أصلاً عندي استعداد كبير للإنحراف.

ضحكت نيرة رغماً عنها، ليغلق يزيد الملف وهو يقول:
_اللهم صل علي النبي، ده المزاج رايق وشكلها هتبقي ليلة عنب.

ازدادت ضحكاتها فنهض يزيد يحملها ويتجه بها إلي السرير ثم مددها يتطلع إليها فوجد دموعاً انسلت من عينيها قد صاحبت ضحكاتها  فمد أنامله يمسحهم بعيون حائرة قائلاً:
_دموع....

قاطعته قائلة:
_السعادة.. ضمني يايزيد، ضمني علي قد ماتقدر.

ضمها علي الفور وقد بدا صوتها متوسلاً، بينما أردفت وهي تضمه بقوة:
_محتاجة حضنك قوي.

شعر بارتعاشتها بين ذراعيه فتسلل إليه القلق وقد بدت نيرة الليلة علي غير عادتها، ليهمس بقلق:
_انتِ كويسة ياقلبي؟ مالك يانيرة؟ طمنيني عليكي.

أبعدته عنها مسافة لا تذكر فقط لتتطلع إلي ملامحه الحبيبة تشعر بقلق نبراته الذي وصلها فجعل خافقها يإنّ، رغبت بكل قوتها محو قلقه وعدم اثارة شكوكه فمررت أناملها علي وجنته تقول بحب:
_قبل ما تيجي كنت قاعدة افتكر أوقات صعبة اتحرمت فيها منك واتعذبت في بعدك لحد ماجمعنا بيت واحد، وقتها حسيت اني مكنتش عايشة قبلك وعشت بس في اللحظة اللي بقيت فيها مراتك وشايلة اسمك، وقتها لقيتك بتوحشني وبيوحشني حضنك، وحشني احساسي بين ايديك.. وكأني بعد الموت لقيت حياة.

ضمها علي الفور مجدداً يقول بلهفة:
_بعيد الشر عنك.

_أيوة كدة.. ضمني.. ضمني يايزيد وقتها مش ممكن أبداً حاجة تإذيني أو تفرقني عنك.

زاد من احتضانها يقبل جيدها بعشق ويتعمق بقبلاته فأغمضت عينيها تستسلم لاجتياحه العاشق علها تنسي مؤقتاً حتمية الفراق.

_______

كانت تجلس في الحديقة تطالع الجريدة بينما ترتشف من قهوتها حين وقعت عيناها بالصدفة علي صفحة رسائل القراء لتقرأ قصة في الجريدة جلبت الدموع لمآقيها وقد تجسدت قصتها وكأنها هي صاحبة الرسالة، تتعمق كاتبتها في وصف مشاعرها وكأنها تصف كل مايعتريها من ألم ومرارة وحسرة في سطور، انتفضت علي صوته وهو يقول:
_ياتري ايه اللي بتقريه وزعلك بالشكل ده؟

أسرعت تمسح دموعها بأناملها الصغيرة وهي تبعد الجريدة وتطويها قائلة:
_قصة سخيفة بس حزينة.

_مكنتش فاكر انك من النوع اللي ممكن يتأثر بقصص الجرايد.

تطلعت إلي مقلتيه مباشرة تقول بهدوء لا يعكس دواخلها:
_ليه.. مش بني آدمة وعندي مشاعر؟

جلس جوارها يقول:
_أكيد مش قصدي كدة بس بصراحة كنت فاكر انك عملية ومبتحبيش قراية القصص مهما كانت نوعها علي عكس سلسبيل.

_مظنش انك تعرفني كويس عشان تعرف بحب ايه ومبحبش ايه؟

قالت ببرود وهي تنهض مردفة:
_تحب تشرب حاجة أبعتهالك مع سلسبيل؟

أمسك يدها قائلاً:
_ماتخليكي شوية مستعجلة علي ايه؟ احنا لسة مخلصناش كلامنا..انا عايز اتكلم معاكي في موضوع مهم.

رغم ارتجافتها للمسته الا أن حيرتها غلبتها فقالت له وهي مقطبة الجبين:
_موضوع ايه ده؟

_اقعدي بس مش هنتكلم وانتِ واقفة كدة.

_خير يارعد.

_اكيد عارفة انتِ ايه بالنسبة لي وعارفة اني بعتبرك زي أختي بالظبط ويهمني أمرك.. مش كدة؟

آلمتها كلماته وزادت من جراح قلبها فقالت بنفاذ صبر:
_ادخل في الموضوع علطول يارعد.

_انتِ ايه رأيك في فكرة الجواز؟قصدي لو حد اتقدملك دلوقتي ممكن توافقي عليه؟

طالعته فاغرة الفم وقد تسارعت خفقاتها فأسرع يردف:
_الحقيقة عماد كلمني عشان أفاتح والدك، حابب يعني يتقدملك وأنا رفضت.

قطبت جبينها بقوة فشعر بالارتباك وهو يقول:
_انا عارف ان مش من حقي أقرر بالنيابة عنك لكن في نفس الوقت أنا شايف انك لسة صغيرة و.....

_زي ماقلت بالظبط، مش من حقك تقرر بدالي وأنا مش صغيرة علي فكرة وممكن اتجوز وأكون عيلة لو حبيت.

شعر بغصة في حلقه فعدل من وضع نظارته وهو يقول:
_أنا آسف، اديت لنفسي حجم أكبر من المفروض بس كنت دايماً بحس اني قريب منك وانك بتعتبريني زي أخوكي الكبير والظاهر ان كل ده كان وهم في دماغي وبس واني ولا حاجة بالنسبة لك.

تقول أنك لا شيء بل انت كل شيء فلا تُزد من ألمي ولا تدعي أنك مني كأخ لم تلده أمي فأنت أقرب المخلوقات لقلبي، يسير عشقك في دمي ويسري بشراييني، أرغب في الصراخ بك حتي تشعر بآلام جراح صنعتها يديك بخافقي الذي توسلك رأفة به فجئت تنكأ الجراح وتضنُ برحمتك عليه، أرغب في أن أكرهك بجرحك وأعاملك بقسوتك ولكني عاجزة عن أكون مثلك لذا سأرد اساءتك بتجاهلي وقسوتك برحمتي.

_انت مش غلطان وزي ساهر فعلا زي ماقلت، سامحني يمكن سفري وزعل ماما مني هو اللي موترني.....

_سفرك؟!

_أيوة هسافر الساحل أكمل مشروع هناك، كام شهر كدة لحد مايخلص وطبعاً ماما مش متقبلة الفكرة وزعلانة لاني هبعد عنها لاول مرة المدة دي كلها.

_اعذريها ياسندس الموضوع مش سهل، اذا كنت انا مش قادر أفهمه أو أتقبله.

طالعته بتساؤل فأردف قائلاً:
_انك تتعودي وجود انسان في حياتك غالي عليكي وفجأة يبعد عنك، شيء صعب تتقبليه وانتِ قريبة مننا كلنا.

هزت رأسها فأردف رعد:
_بالنسبة لموضوع عماد تحبي... يعني.. أكلمه؟

هزت رأسها نفياً تقول بابتسامة باهتة:
_مفيش داعي، انا مبفكرش فعلاً في الجواز بس مش علشان لسة صغيرة زي ماقلت، لأ.. عشان سبب تاني خالص.

قطب جبينه قائلاً:
_وايه هو السبب ده؟

_الشغل يادكتور هيكون ايه يعني؟ سلسبيل جت أهي.. أستأذن بقي عشان ألحق أجهز حاجتي.

_انتِ مسافرة علطول كدة؟

لن أرق لهذه اللهفة بصوتك فإنما هي لهفة اعتياد ضجرت منها حد الموت.

_قدامي يومين بس انت عارف السفر محتاج ترتيبات كتيرة، بعد اذنك.

غادرت فأمسك الجريدة التي كانت تقرأها،  بينما اقتربت سلسبيل التي ابتسمت لأختها ابتسامة حانية فأرسلت لها الأخيرة قبلة هوائية ثم تابعت سيرها بينما حيت سلسبيل رعد قبل أن تجلس فبادرها رعد قائلاً:
_انتِ كويسة؟

_في وسط اللي أنا فيه ده كله، تفتكر ممكن أكون كويسة؟

حدجها بنظرة متفحصة وهو يقول :
_تقصدي ارتباطنا ولا سفر سندس؟

_انت عرفت؟

_لسة قايلالي من شوية.

_مش قادرة أتخيل حياتي من غيرها في الكام شهر اللي جايين دول، سندس مش بس أختي لأ دي صديقتي والوحيدة اللي بلجأ ليها في أي وقت.

_أنا كمان متضايق لإنها فعلاً أقرب الناس ليا بعد.....

صمت وقد كاد أن يبوح بمشاعره ويخبرها أنها أقرب الناس اليه.

_بعد مين؟

_بعد ماما وبابا وفهد.

آلمها ذكر اسمه ولكنه ألم اعتادته، أرادت أن تعرف أخباره ولم تدري كيف؟

_كويس علي فكرة وبيحضر لجوازه من سوزان.

شعرت بالارتباك فادعت الجهل وهي تقول:
_هو مين ده؟

تراجع في مقعده وهو يحدجها بهذه النظرة التي تنفذ لروحها وتسبر أغوارها قائلاً:
_بلاش تخبي أي حاجة جواكي عني، اعتبريني صديق وبوحي ليا بمشاعرك، انا عايزك تكوني متأكدة اني هقدر اتفهمها.

_مفيش راجل في الدنيا بيرتبط بواحدة حتي لو كان ارتباط زي ارتباطنا ويقدر يتفهم ان روحها متعلقة بشخص تاني.

شعر بألم في قلبه يخبره أنها علي حق ولكنه تمالك نفسه قائلاً:
_طب ممكن أسألك سؤال وتجاوبيني عليه بصراحة؟

هزت رأسها فأردف:
_انتِ ممكن في يوم من الأيام تنسي مشاعرك ناحية فهد وتبدأي حياتك من جديد؟

تطلعت إليه للحظات كادت فيهم أن تقول نعم بيقينها ولكن صورة فهد المحفورة بين جفونها وصوته الذي يتردد بأذنها دوماً وابتسامته التي تنام علي مرآها أجبروها علي دحض يقينها لتقول بمرارة لم تخفي عليه:
_ممكن آه وممكن لأ.. مش عارفة بس اللي متأكدة منه اني هحاول.. هحاول أنساه وأشيله من قلبي بكل قوتي.

هز رأسه قبل أن يقول:
_وده كفاية عندي.. ايه رأيك بقي لو نقوم نروح النادي، أكيد صحابك وحشوكي وأهو أحسن من الحبسة بين حيطان الفيلا وبتهيألي الناس لازم تبدأ تشوفنا مع بعض عشان موضوع جوازنا ميصدمهمش ولا إيه؟

هزت رأسها باستسلام فأردف:
_قومي غيري هدومك وأنا هستأذن من عمي.

هزت رأسها وهي تنهض فاستوقفها صوته المنادي باسمها فاستدارت تتطلع اليه ليقول :
_ياريت تبتسمي اكتر وانتِ معايا ياسلسبيل والا الناس هتقول انك مغصوبة علي الجوازة دي.

أومأت برأسها واستدارت مغادرة دون أن تلمح المرارة بصوته ولكنها ان استدارت الآن ستراها في ملامحه... أيضاً.

_______

أين أنت؟كيف حالك يا من وهبتك روحي؟ حياتي دونك صحراء جرداء وقد كان وجودك رواء لبساتيني، سمائي معتمة يحيطني الظلام من كل جانب أجلس بالساعات دون حراك وكأني علي شفير الموت أنتظر عودتك فتمنحني اكسير الحياة، تتبدد كل مخاوفي وأحزاني بين راحتيك وتبقي سعادتي التي أشعر بها فقط وأنا حدك.

أفاقت من أفكارها علي صوت وعد تقول بمرح:
_ايه يابنتي؟ بناديلك ولا كأنك شايفاني ولا سامعاني.. أكيد بتفكري في اللي غايب ومشتاقاله؟ آه لو يعرف.. هياخد أول طيارة ويرجع مصر.

ابتسمت رهف قائلة:
_اهلا ياوعد اقعدي واقفة ليه؟

_لأ أقعد ايه أنا جاية آخدك معايا تشوفي المكان اللي هنأجره، مفيش وقت.. أنا عاطية للمؤجر ميعاد بعد ساعة بالظبط.

نهضت رهف قائلة:
_تمام، انتِ قلتي لفهد؟

_لأ طبعاً، الباشا راجع متأخر وطبعاً كنت نايمة والنهارده الصبح نزل بدري من غير حتي مايفطر.. قلت أكيد مش فاضي وبيحضر لصفقة جديدة شاغلة باله، بصراحة حاله بقي غريب قوي اليومين دول.

_نضال كمان مش علي طبيعته، امبارح كلمني زي كل يوم بس حسيت في صوته قلق غريب، عمري ماحسيته في صوته قبل كدة.

_تفتكري الشركة بتتعرض لأزمة وهم مخبيين علينا؟

_عارفة مين اللي ممكن يقولنا؟

التمعت عينا وعد وهي تقول:
_يزيد مش كدة؟

_كدة.. هنخلص مشوارنا ونروحله الشركة.

_لأ بلاش الشركة عشان فهد، نروحله البيت أحسن.

هزت رهف رأسها وهي تسير جوار وعد وقد أقلقها فكرة مرور نضالها بأزمة واخفاءه الأمر عليها.

______

لم تكن أسعد يوماً لسماع صوت كسعادتها لسماع صوت مزلاج الباب يعرب عن استطاعتها فتحه بدبوس أخذته من شعرها، لقد انتظرت ذهاب مختطفها لتستطيع التحرك بحرية دون التهديد بمجيئه الحجرة بين اللحظة والأخري، تري هل ستستطيع الهرب من هذا المكان قبل عودته؟ وهل ستواجه رجاله بالخارج؟ خرجت من الحجرة تتلفت ذات اليمين وذات اليسار فلم تجد أحداً، لم تلتفت لتفحص المكان أو جمع معلومات عن خاطفها فجل مايهمها الآن هو التسلل بعيداً عنه قدر امكانها حتي لا يستطيع استغلالها وكسر ظهر أبيها عن طريقها، وجدت سلالم تقودها للدور الأرضي فأسرعت تهبط الدرج وقد حالفها الحظ وكان المكان خالياً، وجدت في نهاية الدرج صورة كبيرة لامرأة جميلة تجلس علي كرسي و تضع قدماً فوق قدم، تتطلع إلي المصور بخيلاء وكأنها أميرة ما، بينما جوارها صبي جميل الملامح متجهم علي غير عادة الصغار قبع حزن غريب في عينيه الخضراوتين، بدتا عيناه مألوفتين في هذه اللحظة لتدرك بكل يقينها أن هذا الصبي هو ابن خاطفها وعلي الأرجح هذه زوجته، نفضت أفكارها فلا مجال الآن لتأخير لا داع له، اصطدمت بسيدة قصيرة كبيرة في السن إلي حد ما التي اتسعت عيناها ما ان رأتها لتقول بفرنسية استطاعت حور فهمها:
_من أنتِ بحق السماء، لابد وأنك ضيفة سيدي التي حذرنا من الاقتراب منها، أيها الحراس...

_لا..أرجوك.. لا تفعلي.. أتوسل إليكِ.

ترددت هذه السيدة للحظة قبل أن تقول متوجسة:
_لقد كنتِ تنوين الهرب أليس كذلك؟

هزت حور رأسها بضعف قائلة:
_أو لم تكوني لتفعلي لو كنتِ مكاني؟

_لو كنت مكانك لما أغضبت سيدي ليث مطلقاً.

اذا ليث هو إسمه، ماذا أيضاً؟ ربما لو استطاعت حث الخادمة علي الحديث لعرفت أكثر عن خاطفها، ثم تباغتها وتهرب قبل مجيئه وربما ارتدت ملابسها للتمويه رغم أنهم لن يناسبوها ولكنها ستتصرف، طالعت الخادمة تقول بصدق :
_لم أغضبه بل لم أفعل له شيئاً علي الاطلاق، لقد احتجزني دون ذنب.

_لايمكن أبداً فسيدي لا يحتجز الأبرياء، بل انه لم يحتجز انسان قط عاداكِ، سيدي يحقق العدالة دوماً وينصف المظلومين اذاً لا مجال لأن تكوني ضحية رغم ملامحك البريئة وصدق نبراتك.

_أقسم لكِ أني بريئة كبراءة هذا الطفل تماماً الذي ربما ذنبه الوحيد أنه ابن السيد خاطف الأبرياء.

_أي طفل هذا.. أتقصدين هذا الطفل؟

أشارت للصورة فأومأت حور برأسها لتقول السيدة:
_انه السيد ليث وليس ابنه بكل تأكيد فسيدي لم يتزوج بعد.

اذاً لابد وأن هذه والدته.. تري ماالذي أحزن هذا الصغير في ظل وجوده جوار أمه؟

_أنصحك بالعودة لحجرتك والا نالك غضب السيد وغضبه شديد لا قِبل لك به.

_لن أفعل.

_اذا سأنادي الحراس.. أيها الحر...

اقتربت منها حور في لمح البصر وكبلت حركتها بيد يساعدها صغر حجم السيدة وقصرها بينما وضعت اليد الأخري علي فمها تقول بحنق:
_بالله عليك لا تجبريني علي أذيتك.

لم ترضخ الخادمة وقاومتها بكل قوتها، كان الحل الوحيد أمامها أن تمسك بالفاز المجاورة وتكسرها علي رأسها ولكنها للحظة ترددت وقد خشيت أن تصيبها باصابة بليغة وربما قتلتها دون قصد، لم تستطع أن تفعل تدرك أنها لن تستطيع العيش بهذا الذنب لذا تركتها باحباط تقول بمرارة أليمة:
_مش هقدر أأذيكي حتي لو كان ده معناه هروبي من الجحيم ده.

_ماذا؟

_لقد قالت أنها لن تستطيع أذيتك حتي لو أصبحت سجينتي مجدداً جوانا.

انتفضت حور وهي تتطلع إلي سجانها الذي وقف شامخاً يتطلع إليها بعيون حملت نظرة غامضة لا تستطيع أن تدرك مغزاها بينما قالت الخادمة باحترام:
_لقد حاولت منعها ياسيدي ولكنها...

_أعرف لقد شاهدت كل شيء، انصرفي الآن.

أسرعت الخادمة بالإنصراف بينما تطلعت له حور بترقب لا تدري كيف سيتصرف معها.. اقترب منها حتي صار أمامها فتظاهرت بالتماسك بينما رفع حاجبه يقول بتسلية:
_بقي قدرتي تهربي من الأوضة لأ وكمان كان عندك طموح وفكرتي انك ممكن تهربي مني.. مش كدة؟

_مفيش في الدنيا دي شيء مستحيل.

لمعت عيناه باعجاب ظنته هي غضب لتنتفض وهو يسحبها من يدها ويتقدم بها تجاه باب المنزل ويفتحه، رأت عدد هائل من الحراس يتأهبون بأسلحتهم حين فُتح الباب وماإن رأوا سيدهم حتي استراحوا بينما لم يشيحوا بأعينهم عنه ليقول هو ساخراً:
_حتي لو قدرتي تهربي من جوانا، كنت هتتصفي حرفياً لو خرجتي من البيت وأنا مش معاكِ لإن جيش الحراس ده زي ماانتِ شايفة عندهم أمر محدش يدخل البيت أو يخرج من غير إذني وأي حد يحاول يبقي حكم علي نفسه بالموت.

ازدردت لعابها بصعوبة وظهر علي ملامحها السخط ولكنها قالت بثبات:
_امنعني قد ماتقدر من الهروب واحتفظ بيا في سجنك بس صدقني مش حور الجبالي اللي ممكن حد يلوي دراعها ويذلها وخضوعي ليك مش أكتر من خضوع الفريسة لصيادها لكن في أول فرصة هتتبدل الأدوار والصياد هيكون الفريسة ياليث بيه.

حدجت ملامحه الجامدة عدا عن اختلاجة بسيطة بفكيه جعلتها تدرك أنها استطاعت اثارة شيء ما لديه.. علي الأغلب غضبه لتبتسم بسخرية ثم تستدير دون كلمة وتتجه لحجرتها التي كان يحتجزها فيها، بينما تبعها وقد شعت عيونه بشعور بات يدركه الآن، انه اعجاب شديد يتحول لشعور أعمق كلما تسني له معرفتها ليشعر في هذه اللحظة أن عليه الاسراع في خطته والا لن يكون هناك خطة ولن يحصل علي انتقام يخطط له منذ عام تقريباً.

_______

_زي ماقلتلك بالظبط يافهد، الرسالة واضحة جداً.
"اتنازل عن المزاد اللي جاي والا هتلاقي اللي بتدور عليه في قاع المحيط".. قصدهم طبعاً حور.. أنا كان قلبي حاسس انها اتخطفت وقلت الكلام ده للوا عز الدين بس هو اللي أصر نروح نيس وندور عليها هناك زي ما رسالتها قالت.. ضيعنا وقت علي الفاضي

_ولاد ال... مش مهم المزاد.. أهم حاجة دلوقتي حور.

_ينحرق المزاد، المشكلة ان اللي عمل العملة السودة خلاص عرف ازاي يلوي دراعي ومش هيكتفي بالمزاد.. لأ.. كل شوية هيخطف حد من العيلة ويلوي دراعنا كلنا، يانعمل اللي هو عايزه يايقتل حد من ولادنا ودي حاجة مش ممكن أسمح بيها أبداً.

_قصدك ايه؟

_قصدي واضح طبعاً، مش هرضخ ولا هستسلم وهخليه عبرة لأي حد يفكر يقرب مننا.

_وحور يانضال؟ انت كدة بتخاطر بحياتها.

_ايماني بربنا كبير، بإذن الله هقدر ألاقيها قبل مايمس شعراية واحدة من شعرها.

_مينفعش تكون هناك دلوقتي لوحدك الموضوع كبر ولازم نكون جنبك.

_مش هينفع..سفرك ليا هيلخبط الدنيا مش أكتر.. احنا عمرنا ماسافرنا مع بعض، لازم حد فينا بيفضل في القاهرة عشان يمشي الشغل، انا مش ناقص اي خبر يتسرب عن الموضوع ده.. الدنيا هتتقلب ومش هنعرف نتصرف ولا نتعامل مع قلق اللي حوالينا، خلينا نتعامل مع الموضوع من غير ضغط اللي حوالينا كمان.

_معاك حق.. طيب هخلي يزيد يسافرلك عشان يكون جنبك، انت عارفه.. هيقدر بمعارفه واتصالاته يوصل لمعلومات ممكن تفيدك.

_تمام بس نبه عليه مايقولش حاجة لأي حد.

_أكيد،بس أنا مش عارف بس ليه اختار حور بالذات؟

زفر نضال وهو يمرر يده بشعره، لقد طرح علي نفسه هذا السؤال مئات المرات وحتي الآن لم يجد اجابة له.. يدرك أن خطف ابنته عملية مدبرة باحكام من قبل محترفين لم يتركوا له دليلاً يتبعه كما انه مدبر منذ فترة وربما كانوا هم وراء دعوة ابنته لعمل دبلومة في الجامعة الفرنسية، فلو فكر بعقله وقتها لأدرك أن الأمر كان غريباً ولكنه للأسف لم ينتبه للأمر وساهم بقبوله ابتعاد ابنته عنه في تسهيل خطة اختطافها، ليضرب قبضته بيده بقوة يتوعد مختطفيها بعقاب تقشعر له الأبدان فقد أيقظوا الوحش بداخله وعليهم فقط تحمل ثورة غضبه وانتقامه.

تعليقات



×