رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل الثامن
_كان كل شيء وصار لا شيء_
مشت بخطوات هادئة لا تعكس النيران القابعة بقلبها وهي تدرك وجود جاسمين جواره في هذه اللحظة تهنأ باهتمامه وتنعم بصحبته، تدعي عدم الاهتمام بينما يدوي هذا الصوت بداخلها "كفاكِ كذباً فعشقه يقطن وجدانك والرغبة في قربه تقضي مضجعك والغيرة تشعل كل ذرة في كيانك".
نعم تتظاهر بالرضا في العلن بينما تبكي في سرها ليلاً تتمني لو كانت هي المحظوظة بقربه ولكن تظل الأمنيات عالقة في القلب يحول القدر بينها وبين النفاذ.
اقتربت منهما تحاول أن تصم أذنيها عن ضحكات جاسمين الأنثوية والمبالغ فيها حين تكون مع ساهر رغم أنه من المفترض أنها تحضر دوماً من أجل سؤاله عن شيء ما في دراستهما فيستفيض هو بالشرح لها بجدية بينما تتعلق عيناها به وتبدو كأنها لا تسمع منه شيئاً تنتهز أي فرصة لقطع الحديث واجراء حديث من نوع آخر لا يمت للدراسة بصلة ، أصبحت أمامهما تقدم لهما صينية العصير فتناولا كأسيهما وكلمة شكر حانية وصلتها من ساهر فابتسمت دون كلمة ثم استدارت لتغادر، استوقفها صوت جاسمين تقول :
_غسلتي الكاسات دي كويس؟
_أكيد.
كادت أن تغادر فاستوقفتها جاسمين تقول:
_استني.
توقفت تُنقل بصرها بين هذه التي أمسكت الكأس ترتشف منه رشفة وبين ساهر الذي تجهمت ملامحه بينما حملت عيناه لها اعتذاراً وأسفاً، لتقول جاسمين باستنكار:
_السكر كتير قوي، انا مش قايلالك قبل كدة تقللي السكر.
_السكر مش كتير حضرتك.....
قاطعتها تقول بحنق:
_انتِ بتكدبيني ياحيوانة انتِ؟
_جاسمين ميصحش كدة.
نهرها ساهر فقالت له بحنق:
_انت مش شايف بتكدبني ازاي ياساهر؟ انا قلت السكر كتير يبقي كتير.
_وانا شايف انه مظبوط زي ماقالت.
قطبت جبينها بقوة قائلة:
_يعني ايه.. انت كمان هتكدبني؟
_الموضوع مش مستاهل تكبريه بالشكل ده، انتِ شايفة السكر كتير واحنا شايفينه مظبوط، خلاص عادي مش قصة نجيبلك كوباية عصير غيرها ، براء مغلطتش فيكي لكن انتِ غلطتي فيها ولازم تعتذريلها.
_خلاص يادكتور محصلش....
_اسكتي انتِ يابراء، جاسمين لازم تعتذر، انتِ مبتشتغليش عندنا وحتي لو بتشتغلي فعيب قوي نعامل الناس بالطريقة دي.
نهضت جاسمين تقول بغضب:
_انت عايزني بجد أعتذر لواحدة زي دي؟
نهض ساهر يقول بصرامة:
_قلتلك كفاية ياجاسمين، ميصحش تصرفاتك معاها في كل مرة بتيجي فيها هنا، وأنا سكتلك كتير ومش ممكن أسكت تاني.
_هتعمل ايه يعني؟ هتطردني من البيت مثلاً عشان خاطر البنت دي؟
صمت يحدجها بنظرة أدركت فحواها لتتسع عيناها باستنكار قبل أن تأخذ كتابها وهاتفها ومفتاح سيارتها وتحدج براء بنظرة قاتلة ثم تغادر بخطوات غاضبة، ليقول ساهر بهدوء:
_في ستين داهية.
قالت براء بحزن:
_ليه كدة بس ياساهر؟ الموضوع مكنش يستاهل تعمل كدة وتزعلها منك.
_لأ يستاهل، أنا مبقتش قادر أستحمل طريقتها معاكي ولا اهاناتها ليكي أكتر من كدة، أي بني آدم في الدنيا ليه طاقة.
_أيوة بس فيه شغل كبير بين باباها وعيلة الجبالي وده أكيد.....
قاطعها قائلاً بحزم:
_في داهية الشغل اللي عشانه ممكن نستحمل بني آدمين بالشكل ده.
_وارتباطك بيها واللي أكيد هيتأثر باللي حصل ده؟
_ارتباطي بمين؟!بجاسمين؟حرام عليكي ياشيخة.. أنا عملت فيكي حاجة؟
قطبت جبينها بحيرة قائلة:
_قصدك ايه؟
_قصدي اني مستحيل أرتبط بجاسمين مش عشان شخصيتها اللي أكيد مش عاجباني ولا تصرفاتها اللي تعصب الحجر، لكن عشان قلبي اللي متعلق بواحدة تانية خالص، واحدة غير البنات دي كلها، هي في عيني أحلي البنات وكل دقة في قلبي بتنادي حروف اسمها وبس.
شعرت بقلبها يشتعل بالنار مجدداً، كان قد اقترب منها وتوقف أمامها يطالعها بنظراته الحانية التي سحرت خافقها منذ رأته لأول مرة، سمعته يقول هامساً:
_مش هتسأليني هي مين؟
ازدردت ريقها وهي تدرك من سؤاله أنها تعرفها، ربما احدي زميلاته اللاتي كن يترددن علي حفلات عيد ميلاده، ورغم رغبتها في معرفة من سحرته وجعلته هائماً بحبها الا إنها تدرك كم ستتألم حين تعرف لذا فلتدعو الله أن ترحل من هنا قبل أن يجمعهما سقف واحد.
_ساكتة ليه؟ مش عايزة تعرفي اللي سحرت قلبي من أول مرة شفتها فيها؟ البنت اللي خطفتني بجمالها ورقتها وطيبة قلبها، البنت اللي أقل تصرف منها بيخليني عاجز عن التعبير من شدة برائتها وروحها النقية واللي منتظر بفارغ الصبر أخلص امتحاناتي عشانها هي وبس.. عشان تكون ليا وأكون ليها.
هزت رأسها يميناً وشمالاً بقلب ينفطر ودموعاً تسللت لمقلتيها رغماً عنها ليمد أنامله ويمسح دموعها التي سقطت علي وجنتيها يلمسها لأول مرة فلم تستطع رفضاً لحركته الحانية تلك ولا استطاعت أن ترمش بأهدابها حتي وهو يقول بحب:
_ليه الدموع بس؟ وليه مش عايزة تعرفي اسمها؟وليه مصرة تنكري مشاعرك وتتظاهري بإني لو كنت لغيرك هتبقي سعيدة عشاني؟
اتسعت عيناها وهي تري الآن أنه أدرك مشاعرها التي وارتها عن الجميع، ليبتسم بحنان قائلاً:
_الانسان اللي بيحب لازم يحس لما حبيبته تبادله مشاعره بس اللي مستغربله انتِ ازاي محستيش بحبي ليكِ؟
طالعته بعدم تصديق فاتسعت ابتسامته الحانية وهو يملس علي وجنتها برقة قائلاً:
_أيوة بحبك انتِ.. انتِ اللي حلم حياتي من يوم ماعرفتك يجمعني بيكي بيت وتشيلي اسمي.
لم تستطع أن تصدق ما تسمعه، هل يعترف ساهر بعشقه لها؟ هل هي في حلم جميل ستستيقظ منه كعادتها؟
لا.. ليس حلماً بل واقع تشعر به ولمسة يده الحانية لوجنتها تؤكد كلماته.. تري هل هناك من هي أسعد منها في هذه اللحظة وهي تعيش قصتها الخيالية.. ولكن مهلاً.. ما الذي قد يحدث لقصة خيالية لا مجال لتحويلها إلي واقع ملموس؟ فبينهما من المسافات الكثير والتي لا يمكن أن تتجاهلها وتتغاضي عنها فحتي وان كان الحب يجمعهما فلن ترحمهما ألسنة الناس ولن يقبل المجتمع علاقتهما وربما كرهها ساهر ذات يوم لإنها لم ترقي لمستواه فسحبته معها إلي قاع لا قرار له، لو صارحته بمخاوفها الآن فسيتمسك بها ولن يري نهاية دربهما المظلمة ووحدها من ستعاني في نهاية الدرب لذا عليها دحض يقينه بحبها والادعاء بأن جل ماتحمله تجاهه مشاعر أخوية عله ينساها وينسي عشقه لها، ففراقها عنه وهو يحبها خير من افتراقه عنها وقد بات يمقتها.
مدت يدها وأمسكت أنامله تبعدها عن وجنتها وهي تتراجع خطوة قائلة بثبات:
_بس انت بالنسبة لي مش أكتر من أخ ياساهر، عمري ماحبيتك الحب اللي تقصده ولا يمكن أعتبرك في يوم أكتر من أخ.
قطب جبينه قائلاً:
_ليه بتنكري مشاعرك يابراء رغم اني اعترفتلك بمشاعري؟ ليه بتقولي الكلام ده ؟
_لإن دي الحقيقة اللي انت رافض تصدقها، أنا بحبك أكيد بس زي أخويا بحكم تربيتنا مع بعض يعني وأكيد مشاعرك زي مشاعري وانت اتهيألك انك بتحبني.
_مش معقول مش قادر أفرق بين حبي ليكِ كأخت وحبي ليكِ كحبيبة،انتِ اللي رافضة تعترفي وبصراحة مش لاقي مبرر نهائي لتصرفك.
_أنا مش قادرة أتفهم ثقتك الزيادة بنفسك واللي مخلياك متأكد اني بحبك و بكابر ومش قادرة أعترف لسبب خزعبلي في دماغك ملوش أي أساس من الصحة، ليه هنكر مشاعري ناحيتك لو بجد موجودة؟
_يعني انتِ مبتحبنيش، مش كدة؟
الخذلان بصوته أدمي قلبها وأراق دمائه كالفيضان ولكنها لم تستطع التراجع وصوت يدوي برأسها
"هذا للأفضل.. لا تترددي.. تذكري كيف ستكون حياتكما معاً وكرهه لكِ في نهاية الأمر لتظلي ثابتة ولا يتزعزع كيانك توقاً للرضوخ وعيش الحلم الذي لا ريب سيصير كابوساً"
هزت رأسها بثبات فاستقام يرفع حاجبيه مردفاً:
_وعادي عندك لو ارتبط بغيرك مش كدة؟
ألايكفيها نزيف القلب فيتمرر الحلق الآن بغصة وتتوقف الدموع عالقة في ممرات أنفاسها عاجزة عن الخروج والتعبير عن ألمها؟
هزت رأسها مجدداً ولكن في هذه المرة صاحبتها ارتعاشة لم تخفي عليه.
_وأكيد عايزاني أعتذر لجاسمين وأتمم ارتباطنا اللي الكل مستنيه.
إلي هنا ودموعها تجمعت في مقلتيها وقد عجزت عن سجنهم أكثر من ذلك وهي تهز رأسها للمرة الثالثة تبتسم ابتسامة باهتة تختنق بالعبرات فابتسم بدوره ابتسامة مريرة قائلاً :
_تمام، لو ده اللي انتِ شايفاه وبجد هيسعدك ويريح قلبك ويرضيكي فأنا هعمله.
لتذهب عنه ابتسامته وهو يحذرها :
_بس لو في لحظة حسيتي انك مش قادرة تتحملي الألم وانك بتموتي في اليوم ألف مرة وانتِ شايفة غيرك أقربلي منك ، وانتِ شايفة غيرك بيعيش معايا كل حاجة كان نفسي أعيشهالك، وقتها متندميش وتقولي ياريتني لأن وقت الندم هيكون أكيد فات.
تركها واستدار مغادراً فجلست مكانها تشعر بالاختناق تعجز عن حبس شهقاتها أكثر من ذلك لتطلق دموعها تصحبها شهقات مريرة وصلت إلي مسامعه فاستدار محدقاً فيها بصدمة، يدرك أنها تنكر مشاعرها بالفعل لسبب ما يؤلمها ويؤلمه معها والدليل علي ذلك عبراتها الملتاعة، يود لو يسرع إليها ويضمها يحتوي حزنها ويخبرها أنه لم و لن يكون لسواها وتهديده بخطبة جاسمين لا أساس له بل هو حافز لها كي تقر بمشاعرها وتستسلم لها ولكنه ملك جماح نفسه حتي لا يفعل،ان حقق رغبته فستعترف بمشاعرها نعم في لحظة ضعف وانهيار ولكنها ستعود وتنكرها وتخبره أنها توهمتها لكن ان تركها حتي تقر بمشاعرها بعد أن تصل ليقين أنه نصفها الآخر وتوأم الروح سيكون اعترافها الحقيقة التي لا شك بعدها أبداً ولا نكران، لذا فليبتعد الآن ويتركها تجتر أحزانها يعدها بأن يعوض عنها بعد ذلك ويشاركها كل لحظاتها حين تكون له بكل كيانها.
_______
_رحلة ايه وصفقة ايه اللي سافرلها نضال؟ أنا معنديش أي فكرة عن الرحلة دي.
قالها يزيد بحيرة فقطبت رهف جبينها وهي تطالع وعد التي عقدت حاجبيها تقول ليزيد:
_يعني ايه الكلام ده يايزيد؟نضال مسافر بقاله كام يوم عشان يتمم صفقة في لندن والمفروض تكون علي علم بيها.
شعر يزيد بوجود خطب ما ولذا ادعي نضال سفره للندن من أجل العمل وأخفي الأمر عن الجميع حتي هو، لذا أسرع يقول:
_مش شرط، أنا بقالي كام يوم مبروحش الشركة، آخد أجازة زي ماانتوا عارفين وأكيد الصفقة اللي بتتكلموا عنها كانت في خلال أجازتي.
رغم حديثه المنطقي كانتا رهف ووعد تدركان أن يزيد حتي وان كان بأجازة كصديقيه نضال وفهد يجب أن يكون علي علم بكل مايحدث في الشركة فسر نجاحهم وتميزهم هو تكامل الثلاثة الأشهر في مجالهم وتفانيهم في العمل وملاحظة وتفادي أي خطأ قد يقعون به.
_بس السفر كان تاني يوم خطوبة سلسبيل يايزيد.. يعني قبل أجازتك.
_أنا أخدت الأجازة من يوم حفلة عيد جوازك انتِ ونضال يارهف، نيرة كانت تعبانة وكانت محتاجاني جنبها.
استطاع تشتيت انتباههما بالكامل حين ظهر القلق علي وجهيهما ووعد تقول:
_نيرة مالها طمنا وهي فين صحيح؟
_اهدوا متتخضوش هي نايمة دلوقتي، كان عندها شوية دوخة، لما راحت للدكتور عملت فحوصات وطمنها، صحيح مسمعتوش بوداني عشان أطمن أكتر بس ده عشان راحت من غير ماتقولي واستغلت اني كنت مشغول مع سندس بنجهز شوية حاجات لمشروع شرم..بصراحة هي من ساعة ماجت من عند الدكتور وحاسس انها بقت أحسن فعلاً لكن نومها الكتير هو اللي مخليني مش مرتاح شوية وبحاول أقنعها أروح معاها لدكتور تاني لكنها رافضة، ياريت تقنعوها لإني مش هطمن قبل ماأسمع من الدكتور ان اللي بتمر بيه ده طبيعي ومفيش أي داعي للقلق.. أنا هروح أصحيهالكم..بعد اذنكم.
هزا رأسيهما يتبادلان النظر فيما بينهما ويتسائلان في نفسيهما عن السبب وراء اخفاء نيرة الأمر عنهما رغم تحدثهن البارحة محادثة جماعية بدت فيها نيرة شاحبة بعض الشيء ولكنهما أرجعا شحوبها لإرهاق الأيام الماضية.
_______
كان يراقبها وهي تلعب برشاقة ومهارة تنسجم ضرباتها مع حركات جسدها بصورة لم ينتبه لها من قبل ربما لإنه حين كان يشاركها اللعب كان جل همه الفوز عليها وليس مراقبة طريقة لعبها، كانت تقبض علي مضربها وهي تستعد لتلقي ضربة من خصمها تضيق حدقتيها وتستعد بكامل انتباهها حتي سدد لها رعد الضربة فتلقتها بيسر ثم أعادت تسديدها بقوة فلم يستطع رعد تلقيها رغم ادارك فهد أنه كان ليفعلها ولكن رعد قرر علي مايبدو أن يخسر لأجلها، تلك الفرحة العارمة التي ظهرت علي ملامح سلسبيل واشراقة ابتسامتها ولمعة عيونها جعلوه يدرك أن الخسارة في هذه اللحظة مكسب لم يستطع هو الحصول عليه لإنشغاله بذاته واثبات أنه الأفضل بينما محب كرعد استطاع الفوز بقلبها حين وجد أن سعادته الحقيقية في سعادتها هي.
أفاق من أفكاره علي صوت سوزان الضجر وهي تقول:
_هو احنا هنفضل نتفرج كتير، مش هنلعب احنا كمان؟
_لما يخلصوا.
هدف آخر وفوز ساحق لصالح سلسبيل جعلها تقفز فرحاً كطفلة صغيرة بينما اتجه إليها رعد بابتسامة واسعة يحدثها ببضع كلمات فاتسعت ابتسامتها بدورها وهي تومئ برأسها موافقة علي شيء ما بسعادة، سارا سوياً فوجد رعد متردداً للحظة قبل أن يضع يده علي كتف سلسبيل في حركة أشعلت أتوناً بصدر فهد وجعلت عقله يستشيط غضباً بينما احمر وجه سلسبيل خجلاً ومدت يدها تبعد يده وهي تخبره بشيء ما فظهر الحرج علي ملامح رعد وهو يتمتم ببعض الكلمات المعتذرة علي مايبدو.
شعر فهد ببعض الراحة ثم مالبث أن استعر صراع بدواخله وسؤال يتردد في ذهنه
"انه خطيبها وسيصير يوماً زوجها فلم ينتابك الغضب ويشتعل قلبك لمرأي مشهد كهذا؟"
ليجيب الصوت بحيرة غمرته
"لا أدري.. لا أدري"
"بل تدري وان لم تستفق وتعترف ستندم طيلة حياتك.. أخبرتك ألا تكابر وإلا ستشقي للأبد ويبدو أنك من هؤلاء الذين يخسرون لإنهم كانوا من الغباء بحيث يدركون حقيقة مشاعرهم بعد فوات الأوان"
تجمدت ملامح سلسبيل بالكامل وعيناها تقع علي فهد وخطيبته قبل أن ترتسم بسمة باهتة علي شفتيها وهي تقترب منهما بينما يلوح رعد لهما حتي صارا أمامها ليقول رعد :
_انتوا هنا من امتي؟
_من نص الماتش تقريباً، مبارك ياسلسبيل كنتِ هايلة.
_لأول مرة أكسب، الفوز احساس حلو قوي.
قال رعد بابتسامة:
_مبارك ياقلبي بس خدي بالك احنا لازم نلعب دور تاني والمرة الجاية أنا اللي هكسب.
قالت سوزان:
_معتقدش ممكن تكسب، قالوا في الأمثال السعيد في الحب تعيس في اللعب.. مش كدة؟
_كدة.. احنا رايحين ناكل آيس كريم تحبوا تيجوا معانا؟
قال فهد:
_لأ..اتفضلوا انتوا، احنا هنلعب.
هز رعد رأسه قائلاً:
_تمام.. سلام مؤقت ياابن عمي، سلام ياآنسة سوزان.
_سوزي.. قوللي سوزي.
ابتسم وهو يمد يده يمسك بيد سلسبيل فقبض فهد علي يده بقوة وقد رفض في قرارة نفسه أن تحتضن كف رعد أنامل صغيرته بحنان هكذا لتشتعل عيونه بنظرة قاتلة فأشاح بوجهه عنهما وهما يبتعدان فلم ينتبه لتلك التي ماان ابتعدت قليلاً حتي استدارت تتطلع إليه وإلي سوزان بعيون التمعت بدموع حبستها بين مآقيها وهي تستدير مجدداً وتسير بهدوء جوار رعد.
بينما قالت سوزان بنزق:
_ماترد عليا يافهد.. احنا مش هنلعب؟
_لأ.
_ايه هو اللي لأ؟ انت مش لسة قايل....
قاطعها قائلاً بنفاذ صبر:
_وغيرت رأيي، تعبان ومحتاج أروح عشان أرتاح.. يلا بينا.
_بس أنا عايزة أقعد في النادي حبة.. أنا زهقت من قعدة البيت.. أقولك أنا هجري في التراك شوية وبعدين أروح.
_براحتك.. أنا ماشي سلام.
تركها وذهب دون كلمة بينما نظرت في إثره بحنق، وكأنه تم تبديله بشخص آخر عبوس ممل بينما كان مرحاً بالخارج، تخشي أن تكون هذه طبيعته فلن تقوي علي احتمالها، أو ربما اكتشف أنه يبادل هذه الفتاة مشاعرها ولكنه يخشي التصريح بذلك، شعرت بالغضب جراء هذه الفكرة فنفضتها وهي تدرك استحالتها فرجل كفهد ان اكتشف أنه يحب فلن يتردد في نيل محبوبته ولن يخشي شيئاً.. ولمزيد من الحرص عليها أن تسعي لجعله ملكها حتي لا يتسني له التفكير بأخري.. مطلقاً.
دلف فهد السيارة ولكنه لم يديرها علي الفور وقد شعر بالاختناق، رأسه يدوي من ألم فاجئه واشتد عليه فأسند رأسه إلي الخلف وأغمض عيناه للحظات ليفتحهما علي صوت سلسبيل وهي تقول بقلق:
_فهد.. مالك؟انت شكلك تعبان.
متي جاءت وجلست إلي جواره؟ تطلع إلي محياها الجميل فانتبه لأول مرة لطول أهدابها الذين يحيطون بمقلتيها الرماديتين بصورة تخطف الأنفاس.. طال صمته ونظرته إليها فازداد قلقها وهي تقول:
_فهد.. انت شايفني؟
_لأول مرة بشوفك.
_حاسس بحاجة واجعاك، تحب نروح البيت؟
_والآيس كريم..انتِ مش عايزة تاكلي آيس كريم؟
_مش مهم.
_وماتش السلة اللي أكيد جاية تتفرجي عليه؟
_مش مهم.. انت عندي أهم.. قصدي يعني صحتك.
_ورعد؟
قطبت جبينها في حركة محببة إليه ولم تجبه ثم بدأت صورتها في التلاشي لتنتاب فهد صدمة وهو يدرك أنه يُحدث طيفها وذكري لها بالماضي تطل برأسه..كانت تخشي عليه و تهتم به ..بل كان لديها الأهم.. كان كل شيء بالنسبة إليها واليوم هو لا شيء.. فقط ابن عمها الذي ان قابلته صدفة كاليوم ستلقي عليه التحية وترحل متشابكة الأيدي مع شريك حياتها.. ليدرك الآن والآن فقط أن مشاعر الغيرة بداخله هي غيرة عليها ومشاعر الحسرة هي حسرة عليها ليقر ويعترف أنه لطالما أحبها ولكنه كان عاجزاً عن التفرقة بين الحب الأخوي وحب الحبيب لحبيبته حتي أشعلت الغيرة مشاعره وأزالت الغشاوة من علي عينيه ليدرك أنها لطالما كانت نصفه الآخر وتوأم روحه ولكن وبكل أسف جاء اكتشافه هذا بعد فوات الأوان.
لينطلق بسيارته يشعر بغضب من نفسه جعله يزيد من سرعة سيارته حد الجنون ولولا عناية الله لصار قتيلاً وهو يقود بعيون أعماها الحزن وأغشتها الدموع.
_______
_انت ازاي مقلتليش علي حاجة زي دي يافهد؟ وازاي سمحتله يسافر لوحده.
_مكنش قدامي حل تاني انت عارف نضال وعنده، وعموماً انا كنت بتصل بيك عشان تسافر له، الموضوع كبر زي ماقلتلك ومبقاش ينفع نضال يتحرك لوحده.
_أنا هحجز علي أول طيارة مسافرة باريس بس حاول انت تطمن وعد وهي هتطمن رهف.. الجماعة شاكين في الموضوع وبدأوا يدوروا وراه، أنا هربت من حصارهم بالعافية.
_متقلقش أنا هتصرف.. هم فين دلوقت؟
_قاعدين مع نيرة تحت.
_تمام.. أول مايمشوا من عندك كلمني.. سلام دلوقت.
_سلام.
أغلق يزيد الهاتف وهو يتطلع إلي ثلاثتهن اللاتي جلسن جوار بعضهن يتحدثن ويضحكن فابتسم وهو يري حبيبته تضحك من قلبها لأول مرة منذ بضعة أيام، يتمني لو استطاع رسم الضحكة علي وجهها دوماً حتي تشرق أيامه بشمسها التي لا تغيب، قبل أن يترك الستائر تنسدل وهو يجري اتصالاً بالمطار يحجز مقعداً بالطائرة المتجهة إلي باريس وحين أدرك أن ميعادها بعد ساعتين شرع في تجهيز حقيبته والاستعداد للمغادرة في الحال ولكنه احتار قليلاً في حجة يقولها أمام الجميع دون أن تنتابهن الظنون ويشرعن في التحقيق مجدداً وهذه المرة لن يستطع الهرب من ثلاثتهن وقد انضمت إليهن مهجة القلب وتوأم الروح.
_______
كان يتطلع إلي كل الأوراق أمامه يدرك بحنق أن مختطف حور من الذكاء بحيث لم يترك أثراً خلفه، ليشعر بالاختناق واليأس ويلقي بكل الأوراق بيده أرضاً، ينهض بعصبية ويتجه إلي النافذة ويفتحها يأخذ نفساً عميقاً وهو يغمض عينيه علي عبرات يأس طفرت من مآقيه ليدوي صوتاً بأذنه عرفه علي الفور
"تعرفوا أهم حاجة في الدنيا دي ايه ياولاد؟ "
"ايه يابابا؟"
"انكم متيأسوش.. اليأس ده شيء بشع بيخليكم شايفين كل حاجة حواليكم سودة لكن الأمل حياة حتي لو قابلتكم في الدنيا حاجات توقعكم هتقوموا من تاني وتقفوا علي رجليكم، ارضوا نفسكم قبل اللي حواليكم ولو جتلكم ضربة من حد قريب منكم ميهمكوش، الجرح هيطيب وهترجعوا أحسن من الأول المهم تعافروا ومتستسلموش، لو مكنتش يإست زمان وبعدت عن حبيبتي كانت حياتي كلها اتغيرت.. لو كنت اتمسكت باحساسي وآمنت ان الأمل في تحقيق أحلامي موجود مكناش اتفرقنا السنين دي كلها ياحبيبتي.. مش كدة ياسهام؟"
" كدة ياعيون سهام"
ابتسامة حانية ظللت ثغره وهو يستعيد كلمات والده.. نعم لن ييأس ولن يستسلم.. سيعافر ويبذل كل جهده في سبيل انقاذ ابنته واستعادتها حتي وإن بذل روحه مقابل ذلك فلن يتردد، ولن يسمح لأحد بأن يلوي ذراعه في سبيل تحقيق أهدافه. استدار يتطلع إلي الورق الملقي أرضاً قبل أن يميل ويأخذ الخطاب المبعوث لصديقات ابنته ويدقق فيه لتلتمع عيناه وهو يضم الخطاب بيده يتساءل كيف غاب عنه ذلك؟ليترحم علي والده الذي حتي وان واراه الثري فمازال حياً بقلبه يدعمه ويسانده ويرشده كما كان دوماً.
________
استمع إلي هاتفه بملامح متجهمة قبل أن يقول بالفرنسية:
_حسناً حسناً..لا تدعه يغيب عن ناظريك واحرص علي تبليغي بكل شيء مهما بدا صغيراً، لا.. لاتمسه بأذي وإلا اقتلعت عينيك من محاجرهما.
أغلق الهاتف يضمه بحنق، لقد توصل نضال إلي شيء جعله يستقل أول طائرة متجهة لمدينته، لا ينكر ذكاء خصمه بل أحياناً كان يكن له الإعجاب رُغماً عنه ولكنه عدو لا يستهان به أيضاً لذا وضع رجلاً من رجاله لمراقبة تحركاته، ربما جل ماعرفه نضال مدينته ولكن وجوده في نفس المكان معهم خطر كبير فسرعان ماسيصل إلي شيء ما قد يوصله إليهم، لذا لن يجازف وسيأخذها إلي مخبأه السري الذي لا يعرفه أحد قط ووقتها فليريه نضال كيف سيصل إلي إبنته وينقذها منه.
ظهر الحزم علي وجهه واتجه إلي حجرتها يفتحها بوجه خال من الملامح تطلعت إليه حور دون خوف تقول بهدوء:
_ممكن أعرف أنا لحد امتي هفضل مسجونة بين حيطان الأوضة دي؟ أنا حقيقي مليت ومش متعودة أقعد كدة من غير مااعمل حاجة.
لم يجبها وهو يتجه إليها يخرج منديلاً حريرياً من جيبه، توجست حور خيفة تتساءل هل سيخنقها به؟ وجدته يمسكها ويديرها فحاولت قدر امكانها التظاهر بعدم الخوف ولكنها لاتنكر أن قلبها يرتجف خوفاً من ملامحه التي لم يظهر عليها أي تعبير وكأنه انتوي قتلها، وجدته يربط المنديل علي عينيها فقالت:
_انت بتعمل ايه؟ انا مش فاهمة حاجة.
قيد معصميها فارتعش كيانها تردف:
_ يابني آدم انت، ماترد عليا.
لم يجبها وهو يسحبها لتقول بعصبية:
_انت واخدني علي فين؟ رد والا.....
توقف يميل عليها قائلاً بصوت ارتعش له قلبها:
_انتِ تخرسي خالص يااما هكمم بقك كمان، وبلاش لغة التهديد اللي في بقك دي عشان صدقيني مش هتقدري تمسي شعرة مني، تسكتي بقي لغاية مانروح المكان اللي هنقعد فيه ياإما متلومينيش لو أذيتك يابنت نضال الجبالي.
ارتعش ثغرها، هذا جل مارآه لها من رد فعل ليدرك أنها تحبس دموعها، رق قلبه لها ولكنه لم يستسلم لمشاعره كعادته وهو يعود ويسحبها متجهاً إلي الخارج، أدخلها السيارة في المقعد الخلفي بينما تستمع له يقول بالفرنسية لأحدهم:
_سأذهب وحدي معها وسأقود السيارة بنفسي فرانسوا.
_فليذهب جون و فيليب معك.
سمعت ليث يقول بصرامة:
_قلت سأذهب وحدي معها، اعتني بالبيت والرجال في غيابي وضع عينيك في وسط رأسك ولتخبرني بكل جديد.
_أمرك سيدي.
صعد ليث إلي السيارة وقادها بسرعة شعرت بها حور بينما جلست تفكر.. تصرفات خاطفها توحي لها بفكرة واحدة لا غير، أباها في فرنسا وقد اقترب من الوصول إليها، تعرف أباها جيداً لتدرك أنه إن وضع شيئاً هاماً برأسه سيصل له مهما كلفه الأمر وماالذي هو أهم من ابنته واعادتها إلي كنفه؟ لتسترخي بمقعدها وقد شعرت بقرب الخلاص، بينما يتابع ليث سكناتها وحركاتها يدرك من سكون ملامحها وهذه الابتسامة الخفيفة التي ظللت ثغرها أنها توصلت لسر نقلها إلي مخبأه السري، ليشعر باعجاب تجاه الابنة كاعجابه بذكاء والدها ، شعور بات يروق له ويحنقه في ذات الوقت.