تخبره ألا يبتعد وهل هو يستطيع مُقاومة سحرها والإبتعاد عنها ، لقد ضاق صدره ونفذ صبره وتخطى الوضع حدود قدرته.
تسارعت أنفاسه الهادرة مع لمسات يديه التي تجرأت أخيرًا نحو ما كان يخفيه ذلك المئزر وما أسفله.
تجاوبها معه زاد من لهفته وجعلته كالظَمْآن حينما تعطيه شربة ماء فلا تكفيه، وهي الليلة كانت سخية معه ومُرحبة أن يفتح أبواب مملكتها.
التهمها كمن يلتهم قطعة حلوى ثمينة لا تُشبه في مذاقها أي حلوى أخرى.
أرخت يديها عنه وأغلقت عينيها مُستسلمة لطوفان تلك المشاعر التي تفتحت معها بتلاتها، إنها الآن في حُلْم جميل ، حلم تُحلق فيه كعصفورً صغيرً بالسماء.
خرج اسمه من شفتيها بنبرة ناعمة مع كل كلمة حب يُخبرها بها ومع كل رجاء يطلب فيه مسامحتها.
_ أسف، أسف.
ردد تلك الكلمة كُلما امتزجت أنفاسهم معًا وتقلبت بين ذراعيه مستقبلة ما يُغدقه عليها من سحر الحب.
ربما كانت الليلة مِقررة أن تتجاوب معه إلى نقطة ما ثم تطلب منه الإبتعاد لتختبر صدق حبه لكنها صارت مغيبة لا تسمع سوى صوت أنفاسهم العالية.
انفلتت من مقلتيها دموع عجزها وشَّتاتها بعد أن لاحت إلى ذاكرتها تلك الذكرى المريرة وهي عروس تجر ثوب زفافها بخيبة.
انتظرت اللحظة الفاصلة التي ستصبح بعدها امرأته ولم تشعر بابتعاده عنها إلا عندما تحركت أنامله على خديها.
_ قولتلك من الأول لو عايزاني ابعد، هبعد يا "زينب".
وبصوت متحشرج أردف بعدما أطبق أجفانه.
_ عذبتيتي معاكِ يا "زينب" لكن رغم عذابي أنا راضي بالقليل منك ،راضي أدخل جنتك محروم وأخرج منها برضو محروم.
انتشل كامل جسده عنها ،فهو لن يُجبرها على إتمام زواجهم، بالماضي أتم هذا مع أبنة عمه وهو مسلوب الإرادة ، لا يقوي على مقاومة غزيرته وعاش ما مضى من عمره نادمًا وكارهًا لنفسه و رافضً لفكرة الزواج لكن معها هي وبعد دخولها حياته بات عالمه مختلفًا و صار رجلًا آخر.
فتحت عينيها عندما تعالت صوت أنفاسه التي أخذ يزفزها لَعَلّ ضربات قلبه تهدء ويستطيع النهوض من جانبها.
حدقت بجزعه العلوي العاري وقد أعطاها ظهره مُحتضنًا رأسه بين كفوف يديه.
ابتلعت لعابها حينما أبصرت الوضع الذي صارت عليه. أغمضت جفنيها خجلًا وسحبت جسدها ببطء ثم اِنْدسَّت قربه.
_ "صالح" أنا بردانه.
خرجت نبرة صوتها مهزوزة وأنكمشت على نفسها ،فاصبح جسده مأْمَنها.
احتضنت جسده بذراعها وهتفت اسمه بضعف.
_ "صالح".
انتفض من حالة الجمود التي تملكته و استدار إليها بفزع.
_ أنا بردانه.
لم تكن تحتاج أن تُخبره بمزيد من الكلام ،فالصورة كانت واضحة.
_ حاضر، هجيبلك حاجة تلبسيها ،قومي بس معايا نامي على السرير.
أسرع بإلتقاط ذلك المئزر الذي التقطته عيناه سريعًا ورفع جسدها متمتمًا.
_ تعالي نامي على السرير.
تحركت بين يديه دون خجل ، فوضع المئزر على جسدها ولفه عليها بإحكام مُتسائلًا.
_ حاسه بدفىٰ دلوقتي.
هزت رأسها وهي تنظر في عينيه، إنها لا ترى في نظرته لها غضبً أو ضيقً من أفعالها بل رأت نظرة لم تحظى بها إلا مع والدها.
_ خليني اساعدك تنامي على السرير.
امتدَّت ذراعيه إليها حتى يحملها، فاسرعت بتحريك رأسها رافضة.
_ لأ أنا عايزة انام هنا، ممكن تاخدني في حضنك.
وضعت رأسها على صدره ولفت ذراعيها حوله تهمس برجاء وخفوت.
_ ممكن أنام في حضنك.
ثقلت أنفاسه داخل صدره، فابعد يديه عن جسدها.
_ هتعملى فيا إيه اكتر من كده يا "زينب"، كل ده فوق إحتمالي
دسَّت نفسها أكثر في حضنه، فشدد من قبضتين يديه زافرًا أنفاسه بحرارة..فما عليه إلا الصبر معها.
_ حضنك دافي زي حضن بابا.
عبارة ربما لا يتمنى سماعها هذه اللحظة ،فهو الآن زوج يتلهف على زوجته و يرغب قربها.
_ أنت حلو وأنت حنين يا "صالح".
_ آه يا قلبي ، "زينب" أنا مش قادر... أرحميني.
غمغم بها بضعف ،فالسبيل الوحيد أمامه هو الهرب وليس ذلك الهراء الذي تفعله به.
نبرة صوته التي تقطرت فيها المرارة تسللت إلى حواسها ،فارتعشت اهدابها ورفعت عينيها إليه بنظرة بريئة.
ازدرد لعابه وأخذ يهز رأسه بقلة حيلة، عليه أن يكون صبورًا لأقصى درجة.
وأخيرًا هدأت أنفاسه الثائرة وتنهد مُبتسمًا.
_ نامي يا "زينب"، نامي وسبيني اتعذب بنارك.
اِنشق ثغرها بابتسامة واسعة ،فضحك وضمها إلى صدره.
_ دور الأبوة بتعرفي تحركي فيه مشاعري ناحيتك لكن أعملي حسابك مش هيستمر كتير.
واستطرد مازحًا بخشونة.
_ خدي بالك أنا جوزك يا هانم ووضعنا ده لازم ينتهي.
أومأت برأسها على صدره وضحكت بخفة ،فانطلقت من شفتيه زفرة يأس.
_ الحب طلع أكبر من أي رغبة جسديه يا "زينب"، عذبتي قلبي معاكي.
أسبلت أجفانها وأخذت تسمعه وهو يُعاتبها بعتاب المحب على ما تفعله به، يُعاتبها على تلك الجرعة التي تمنحها له ثم بعدها تبكي له حتى لا يُكمل.
_ بذمتك في راجل يستحمل اللي أنا بقيت مستحمله.
وقد صارت تعلم صعوبة الأمر عليه ،ربما في البداية كانت تجهل هذا لكن ثرثرة زميلاتها بالمعهد فتحت عينيها على ما باتت تراه واضحًا ومكشوفً في كل قرب يحدث بينهم.
اِستنشق عبير رائحتها ثم وضع رأسه على الوسادة وأتخذت هي صدره وسادتها.
_ ممكن تلعبلي في شعري.
تنهيده طويلة وعميقة تحررت من صدره بقهر.
_ من فضلك.
وهل يستطيع أن لا يُلبي لها رغبتها.
_ طلباتك كترت الليلادي يا "زوزو" ، حاضر يا مغلباني.
استكانت بين ذراعيه بثغر انفرج بابتسامة عذبة ونامت ليلتها مُطمئنة ومتنعمة في دفئه.
زفر أنفاسه لمرات عدة ، فقربها أشعل رغبة جسده المتوقدة.
بخفة حرك رأسها من على صدره ثم نهض من جوارها... فهو بحاجة إلى مياة باردة يغمر بها كامل جسده.
...
أسدلت شمس الصباح خيوطها و داعبت نسمات الهواء اللطيفة من شهر نوفمبر وجهها، استرخت في نومتها وتمطأت .
تحرك ذلك الغطاء الخفيف من عليها مع حركة تقلُبها على الفراش.
فتحت عينيها فجأة بعدما انتبهت على موضع نومتها ،إنها بالفعل تتوسط الفراش.
فَرَكَت عينيها حتى تستعيد وعيها وتتذكر ما حدث بالليلة الماضية.
نسمة الهواء التي لفحت جسدها ، جعلت تلك التفاصيل التي الهبت مشاعرها تعود وتغزوها.
تعالت خفقات قلبها المُتسارعة وابتلعت ريقها ثم رفعت الغطاء لتُغطي به وجهها.
ابتسامة عذبة داعبت شفتيها عندما تذكرت حديثه لها.
_ خدودي سخونه كده ليه.
لمست خديها بيديها ومازالت تتنفس تحت الغطاء الذي يُغطيها بالكامل ثم سبح عقلها في لذة شعور أمس.
أخذ ستار الشرفة يتحرك مع حركة الهواء الخفيفة،فاستدار بجسده وهو يرتشف أخر رشفة من فنجان قهوته.
انطلقت تنهيدة عميقة وفاترة من شفتيه ثم تحرك إلى الداخل.
عبوس وجهه تلاشى سريعًا عندما جذبته حركتها أسفل الغطاء.
قطب جبينه في حيرة ثم أقترب من الفراش مُتوجَّسًا ، فاستمرت بتحريك الغطاء عليها بعنف وكأنها في مشاجرة معه.
افتر ثغره بابتسامة توهجت في عينيه أولًا ثم أخذ يهز رأسه يمينًا ويسارًا متسائلًا ، ما الذي تفعله أسفل الغطاء.
بالليل تسلب قلبه من حلاوتها وبالصباح تسلب عقله بأفعالها.
آه و آه أصبح يُرددها كثيرًا داخل صدره ،فـ قلبه يبيت ليلته مُلْتاع ويقضي نهاره في لوعة حائر.
_ بتعملي إيه يا احلى مصيبة في حياتي.
مزاحه كان من قبل قليل لكنه معها صار يُحب المزاح والضحك.
سكنت تمامًا أسفل الغطاء ثم فتحت عينيها على وسعهما.
_ هترفعي الغطا من عليكي ولا أشد أنا.
وعقد ساعديه أمام صدره منتظرًا إتخاذها القرار.
_ والله "يزيد" طلع أعقل منك.
زمت شفتيها بحنق وحركت الغطاء ببطء من عليها، فابتسم وقال بداعبة.
_ قوليلي بقي كنتي بتتخانقي مع مين تحت الغطا..
وتابع كلامه بعدما جلس جوارها على الفراش ثم يبدء يُمرر يده على خصلات شعرها.
_ الرحلة ديه خلتني أكتشف حاجات كنت غافل عنها.
اعتدلت في رقدتها وأسرعت تسأله.
_ زي إيه!!
التمعت عيناه والتقط كلتا يديها مُبتسمًا.
_ لأ زي إيه ديه محتاجه شرح وإحنا المفروض ننزل نفطر عشان نبدء جولتنا.
توترت قليلًا وهي تراه يمُرر كفوف يديه هذه المرة على خديها.
_ ينفع اللي بتعملي فيا ده؟
شعرت بإنسحاب الهواء من رئتيها وهربت بعينيها بعيدًا ، فهو بالتأكيد سيتطرَّق إلى ليلة أمس.
_ بعمل فيك إيه؟
داعبت شفتيه ابتسامة واسعة.
_ بتصحي جميلة وهادية وناعمة ، قلبي مش هيقدر على ده كله.
انفتح ثغرها من الصدمة وهتفت ببلاها.
_ مين هي الجميلة الناعمة.
تجلجلت صوت ضحكته و نهض من جانبها.
_ واحدة كده وحشه بتديني العسل مرة واحدة وفجأة بلاقي نفسي بحلم.
وتحرك نحو طاولة الزينة حتى يرتدى ساعة معصمه وتركها في ذهولها وفي داخله كان يضحك.. فهي انتظرت منه أن يتحدث عن الأمس لكنه بات ماكرًا مثلما صارت هي معه.
_ الساعه دلوقتي عشرة.
ضاقت حدقتاها ثم انتفضت من على الفراش عندما تذكرت الوقت المتفق عليه حتى يتجمعوا بردهة الفندق.
_ المفروض نتجمع بعد ساعة، سبتني أنام كل ده إزاي؟
التف برأسه إليها وغمز لها بطرف عينه.
_ كل ما كنت أبعد عنك تقوليلي خلينا ننام شوية كمان، فقولت أسيبك تنامي براحتك.
وصدحت ضحكاته عاليًا عندما القت عليه نظرة ماقته وهرولت نحو الحمام.
_ متخافيش كله تحت السيطرة وبرنامج الرحلة بقى معايا.
...
زفر "سيف" أنفاسه بضجر ثم ألقى بنظرة ساخطة من مرآة السيارة نحو الطريق وقد تأكد إنها لن تذهب اليوم إلى الجامعه مثل الأمس..
_ لا بتردي على التليفون ولا بتروحي الجامعه.
تمتم بها بضيق وقلق مقررًا أن يسأل العم "سعيد" عليها عند عودته.
انتبه على خروجها من بوابة الفيلا باللحظة التي تحرك فيها بالسيارة.
تحرك قليلًا ثم توقف على جانب الطريق وانتظرها واخذ يستحضر الحديث الذي عليه إخبارها به.
مرت "شهد" من جانب السيارة وهي مُطأطأة الرأس وتضم كُتبها بذراعيها.
شعور الخزي عاد يقتحم قلبه، فهو مُعتاد على رؤية "شهد" الشقية التي حين تراه أو ترى سيارته تركض إليه وتسأله هل ينتظرها.
_ "شهد".
خرج اسمها لأول مره من شفتيه مُرتعشًا، فهو مازال لا يُصدق أنه دنس" شهد" بيديه.
وقفت مكانها لا تقوى على الالتفاف نحوه.
_ أنا عارف إنك عندك مُحاضرة بعد ساعة، تعالي أوصلك.
حاول أن يكون ثباتً وهو يتحدث ثم ازدرد لعابه و اخفض رأسه.
_ عايز اتكلم معاكي، يعني أقصد إن إحنا محتاجين نتكلم.
ارتجف جسدها وارتعشت شفتاها.
_ "شهد" ، أنتِ سمعاني.. وقفتنا كده مش هتنفع.
_ أنا مش عايزه اتكلم في حاجة.
تقوس حاجبيه وتساءَل.
_ "شهد" أنتِ عارفه إني كنت سكران ؟
انسابت دموعها واخذت تُحرك له رأسها ، فتنهد بضيق.
_ أنتِ عارفه كويس أنتِ بالنسبة ليا إيه يا "شهد".
توقف عن الكلام وطأطأ رأسه بندم يُكبله.
_ لازم ننسى الليلة ديه، وتفضلي شايفاني في صورة الأخ.
وليته لم يُبرر لها شئ، ليته تركها بروح مهشمة ومعذبه دون أن يصفعها بتلك الحقيقة المؤلمة.
استدارت جهته ببطء و انتابه الهلع عندما رآها تبكى.
اِنحشرت جميع كلمات الآسف في حلقه وسرعان ما الجمته بحديثها.
_ لكن أنت مش أخويا ولا أنا أختك، مافيش أخ بيلمس أخته كده.
...
«جولتنا اليوم ستكون إلى جزيرة النباتات» قالتها "نسرين" ابنة السيدة "كاميليا" بحماس وتابعت وهي تنظر نحو "زينب" التي غفَلت عن نظرتها إليها والتهت بالحديث مع إحدى زميلاتها.
_ وهنقضي سهرتنا في مكان تاني على شرف شخص هيكون مجهول الهوية زي ما طلب.
هرب "صالح" بعينيه بعيدًا بعدما وجه البعض نظراته إليه، انتبهت السيدة "كاميليا" على نظراتهم وأشارت لهم بيديها.
_ خلونا نتحرك عشان الوقت يكون متسع معانا وننبسط.
بدئوا بالتحرك إلى خارج الفندق لكنهم توقفوا جميعًا والتفوا.
_ "صالح" بليز استنى، أنا مش كنت متفقه معاك تخدوني معاكم..
تعالت صوت الهمهمات، فتجهمت ملامح "صالح" ورمقها بنظرة غاضبه.
_ أنا مستعده أه.
زجرت إحدى زميلات "زينب" زوجها بنظرة محذرة بعدما خرج صوته بخفوت.
_ يا بختك يا عم "صالح".
تمالكت "زينب" مقتها بعدما فهمت نظرة "رغد" إليها وسرعان ما كانت ابتسامتها تُزين ثغرها الصغير.
_ أخص عليك يا حبيبي كده تخلينا ننسا "رغد" ، لأ بجد مش هعتمد عليك تاني تفكرني بحاجه مهمه.
اختفى البريق الذي التمع في عينين "رغد" وأمتقعت ملامح وجهها عندما أدركت أن "زينب" فهمت تلاعبها.
_ حضرتك مش معانا في الرحلة لكن عشان خاطر "زينب" والكابتن معندناش مشكله تنضمي لينا.
ازدادت ملامح "رغد" تجهمًا من حديث "نسرين" التي استدارت بجسدها وتحركت أمامهم.
_ وقتنا بيضيع يا جماعه واليوم النهاردة حافل وممتع.
أشاحت "رغد" وجهها عنهم بعدما رأت نظرات الاستنكار من البعض.
شعرت "زينب" بالشفقة نحوها واقتربت منها لتتأبط ذراعها.
_ تعالي يا "رغد" معانا هتتبسطي أوي
رمقت فعلتها بنظرة ثاقبة ،فاردفت "زينب" وهي تُلقي عليه نظرة متوعدة.
_ قوليلي إزاي "صالح" ينسى يقولي إنك جايه معانا.
...
تجمدت ملامح "هشام" ونهض من وراء مكتبه قائلًا بضيق:
_ أنا جاي فورا، خليها جوه.. إياك أجي الاقيها وافقه عند الخيول.
غادر مكتبه بعجالة دون أن ينتبه على تحية أحد له.
فتح سائقه له باب السيارة، فاشار له بالتعجَّل.
_ اتحرك على المزرعه.
وصل به سائقه في وقت قياسي إلى المزرعة و أستطاع أخيرًا إلتقاط أنفاسه.
بخطوات سريعة دلف إلى المنزل الذي يتخذه هو وشريكه استراحه لهم عند وجودهم هنا.
وجدها تجلس على الأريكة وتخفض رأسها وتهز ساقيها ،إنها ضجرت من انتظارها له.
_ بتعملي إيه هنا، مش قولتلك مش عايز أشوفك.
عبارته كانت قاسية على قلبها الذي تعلق به، فانسابت دموعها.
_ أنا عملتلك إيه يا "هشام"، عشان تبعد عني
اشاح وجهه عنها متمتمًا بغلظه حاول إجادتها حتى يجعلها تبتعد عنه.
_ "زينة" أنا مش ناقص وجع دماغ ولا شاب في عمرك يستحمل دلعك ،فـ ابعدي عن طريقي.
أسرعت إليه تدفعه على صدره،فتراجع إلى الوراء بسبب دفعها له.
_ أنت كداب، قول إنك مش بتحبني.
التقط يديها حتى يوقفها وابعدها عنه صائحًا بحزم.
_ هو أنا هحب عيلة قد ولادي.
انهمرت دموعها على خديها واقتربت منه.
_ افتكر إني جتلك اتوسلك إنك تحبني.
تقابلت نظراتهم ،فاطرق رأسه سريعًا حتى يهرب من ضعفه أمامه.
_ ياريت تناديني بسيادة المستشار.
عضت على شفتها السُفلية حتى تتوقف عن البكاء.
_ حاضر يا سيادة المستشار.
اِتجهت نحو الأريكة التي وضعت عليها حقيبتها والتقطتها ثم شيعته بنظرة لائمة.
ببطء سارت أمامه ثم استدارت إليه فوجدته ينظر إليها.
التف بجسده،فهتفت برجاء.
_ أنا عايزه أفضل جانبك، بليز خليني معاك.
_ امشي يا "زينة"٠
تنهد بثقل بعدما خرجت من المنزل واتجه إلى أحد المقاعد ثم تهاوى بجسده عليه واضعًا رأسه بين يديه.
_ ألحق يا سعادة البيه ، الهانم الصغيره وقعت من طولها.
...
ابتسم "عزيز" فور أن دلف إلى غرفتهم، ووجدها منكبة على أوراق الحسابات الخاصة بأحد معارض الأثاث وقد طلب منها مراجعتها هذا الصباح حتى تشغل وقتها.
تنحنح بخشونة، فرفعت رأسها وابتسمت.
_ ثواني وهلم الورق بسرعة.
أسرعت في لملمت الأوراق حتى تثبت له وعدها ،إنها لن تُقصر في واجباتها معه وحينما يدخل غرفتهم سيجدها كما يُحب أن يجد الرجل زوجته بعد يوم عمل طويل و شاق.
_ براحه يا حببتي.
هتف بها وهو يضع يده على يدها، فنظرت إليه مدهوشة.
_ أنت قولت أول ما تدخل الأوضة مش عايزاني أكون مشغوله عنك.
غامت عيناه بنظرة حيرتها، فقطبت جبينها وتساءَلت.
_ بتبصلي كده!!
_ مش عارف يا "ليلى"، مش عارف بجد أنتِ جيتي ليا منين.
قالها بصدق و أستقام في وقفته حتى يتمكن من احتضانها.
ظنته يمزح، فهتفت بداعبة.
_ جتلك من الإسماعيلية يا "عزيز".
ضحك و ضمها إلى صدره.
_ ما أنا عارف، ده أنا حتى بقيت أحبها عشان خاطر عيونك.
اِنشرحت أسارير وجهها ،فتساءل.
_ بتبصيلي كده ليه بقى ، خدي بالك أنا راجل متجوز وبحب مراتي.
_ "عزيز"، أنا بحبك أوي.
طوقت خصره بذراعيها ودست رأسها عند موضع قلبه، فاغمض عينيه راجيًا من الله أن تدوم تلك السعادة التي حظى بها بعد طول انتظار.
_ و عزيز عمره ما ابتداش غير معاكي يا "ليلى".
ابتعدت عنه بعد أن اخترقت عبارته قلبها ،فابتسم وداعب أنفها باصبعه ثم أنفجر ضاحكًا عندما تحدثت بنبرة الأم التي تُكافئ صغارها بالحلوى.
_ أنت أمبارح قولتلي إنك نفسك تاكل أم علي.
....
تفاجئ الجميع بالمكان الذي وصلوا إليه حتى يقضوا سهرتهم.
خرجت صَيْحات البعض وقد راقت الأجواء لهم.
وضعت "زينب" يدها على شفتيها عندما ارتفعت الدُفُوف لأعلى وصدح أصوات الغناء بالألحان النوبية.
شهقتها التي انفلتت من شفتيها بسبب فرحتها، جعلت قلبه يخفق بجنون وقد أشار إلى أحد الرجال المسئولين عن هذا المكان المفتوح بالهواء الطلق.
دار حاملين الدُف حولهم وأخذوا يرقصون بطريقتهم المميزة.
تحول المكان فجأة إلى بهجة والتقطت يده حتى يرقصون سويًا كما فعل الباقيين.
_ أنا مبسوطة أوي يا "صالح".
قالتها وهي تنظر إليه ودمعت عينيها.
_ مدام "كاميليا" قالتلي إنك الشخص المجهول، صاحب المُفاجأة.
ابتسم ونظر نحو السيدة "كاميليا" و ابنتها ثم مدَّ يده نحوها حتى يمسح دموعها.
_ ده أنا قولتلهم نخليها سر.
اشتعلت نظرات "رغد" بالحسرة وقبضت على كفوف يديها بحقد.
_ بتتحول معاها لراجل تاني...
واردفت بوعيد.
_ أكيد منتظر ليلة مميزة في حضنها بعد مفاجأتك ليها.
نظر "صالح" حولها حتى يطمئن على وجودها، بالنهاية هي ابنة صديق والده.
تنهد براحه عندما وجدها تلتقط كأس من العصير البارد وترتشف منه.
....
توقفت عن سكب اللبن فوق الرقاق في الطاجن المخصص له واستدارت برأسها إليه عندما حاوط خصرها ووضع ذقنه على كتفها متسائلًا.
_ هتخلص أمتى؟
ضحكت بخفوت وحاولت تخليص جسدها من ذراعيه.
_ ابعد أنت بس وأنا هخلص بسرعة.
مط عزيز شفتيه باستنكار ونظر حوله، فالسكون يعُم الفيلا رغم أن الوقت لا يتخطى الثانية عشر.
_ وأبعد ليه ، هو في حد معانا.
تمتمت بهمس بعدما أدارها إليها.
_ "كارولين" فوق و "سيف" ممكن يرجع من بره في أي وقت.
أحاط وجهها بكفوف يديه وقربها منه.
_ "عزيز "...
نطقها لحروف اسمه بتلك الطريقة افقدته صوابه ولم يشعر بنفسه وهو يتحرك بها نحو طاولة المطبخ.
سقط الدورق الموجود على الطاولة، فاصدر صوتً عاليًا اجتذب انتباه" سيف" الذي دلف للتو المنزل.
بأنفاس متهدجة خرج صوت عزيز .
_ أنا بقول ننسى أم علي ونطلع أوضتنا.
حركت رأسها إليه بطاعة وهي تُسبل أهدابها ، فلم تزيده فعلتها إلا توقً ولهفة.
توارى "سيف" بجسده بعدما التقطت عيناه المشهد ثم ابتعد عن المطبخ حتى لا يرى المزيد وقد أصم أذنيه بيديه لعله يطرد صورة عمه الغارق في لذته.
...
سؤال واحد أخذ يُردده لها طيلة طريق عودتهم لكنها استمرت في ردودها المُقتضبة إليه.
أغلق باب غرفتهم بالفندق بقوة ،فارتجف جسدها ونظرت إليه.
أخذ يدور حول نفسه ثم توقف قبالتها.
_ إيه غيرك فجأة بعد ما كُنا مبسوطين.
أشاحت بوجهها عنه وتحركت من أمامه ،فأسرع بالتقاط ذراعها مُكررًا سؤاله.
_ أنا مش بكلمك.
_ أبعد أيدك من فضلك.
قالتها بصوت مخنوق، فترك ذراعها وأستمر بالتحرك حول نفسه.
_ بتعملي كده ليه، ليه كل لحظة بنكون فيها مبسوطين بتحوليها لذكرى سيئة.
اِقتحم حديث "رغد" رأسها ،فتدفقت من مقلتيها الدموع في صمت.
_ قولتلك المرادي القرار في أيدك، قوليها وأنا هنفذ ليكي كل حاجة يا "زينب".
أسرعت بكتم صوت بكائها، فوضع يديه على رأسه بعدما ضاق ذَرْعاً.
_ بتعيطي ليه دلوقتي، قوليلي وريحيني أعمل إيه عشان ترتاحي.
أخفضت رأسها وانفلتت منها شهقات بكائها.
_ يا رب قوة احتمالي خلصت خلاص.
بدء صدره يعلو ويهبط، فمرر يده على عنقه بكبت حتى هدأ.
اقترب منها مُتلاشيًا غضبه وجلس جوارها على الفراش.
_ بنعذب نفسنا ليه يا "زينب"، ريحيني وقوليلي ليه؟
توقفت عن البكاء، فالتقط يديها.
_ علمتيني الحب ودوقتيني مرارته ،فمبقتش عارف اكره الحب ولا أحبه.
أندهش عندما أرتمت بين ذراعيه.
_ أنا موافقه، المرادي اوعي تسيبني وتتراجع...
وهو الليلة كان عازمًا بشدة على إتمام زواجهم... تسطحت على الفراش تنظر إليه ،فاقترب منها ببطء وتمهل.
تشابكت أيديهم وتعانقت أرواحهم والدموع التي انسابت من عينيها الليلة كانت مختلفة... دموع أمتزج معها شعور أخر...