زفرت "زينب" أنفاسها بفتور وشرود وقد خرجت زفراتها من شفتيها على مرات ، مسحت وجهها بكفوف يديها ثم مررتهما على خصلات شعرها المُنسابة على ظهرها ويتقطر منها الماء.
دارت بعينيها حولها وهي ترتجف برجفة خفيفة وتسأل نفسها ، أين هي ملابسها النظيفة حتى ترتديها ؟
لطمت جبينها وأخذت تُحرك رأسها بضيق من نسيانها الذي صار مُصاحب لها مؤخرًا في أمر كهذا.
اختطفت نظرة سريعة نحو قميصه الذي ألقت به أرضًا، فصار مبتلًا لا يصلح للإرتداء مرة أخرى ثم اتجهت نحو المنشفة التي لن تستر جسدها وغمغمت بحنق.
_ أخرج قدامه كده إزاي ولو خرجت ممكن يفتكر إني..
قالتها ثم وضعت يدها على شفتيها وهزت رأسها رافضة ما طرء بمخيلتها.
_ لا لا، مينفعش يحصل حاجة تاني بينا قبل ما اشتري الحبوب.
شعرت بالمرارة عندما حادثت نفسها بهذا الأمر، فرغم تجاوبها معه وشعورها بالرضى معه واِستمتاعها إلا إنها تخشى أن يتحقق غرض جده.
أطبقت جفنيها وأبتعلت غصتها وهي تلف المنشفة على جسدها تتساءَل، هل ما ترغب بفعله من ورائه بأمر صحيح أم خطأ لا يُغفر؟
تنيهدة عميقة تنسحب ببطء من ضلوعها وسرعان ما تَرقْرقَت الدموع في مقلتيها.
_ لسا من جواكي خايفه تكملي يا " زينب" ، ليه فرحتى ديما مكسوره... أنا تعبت.
كممت فمها بكلتا يديها حتى لا يخرج صوتً لبكائِها ، فهي لا تعلم سببً له لكنها ترغب وحَسْب بالبكاء.
هدأت أنفاسها رويدًا رويدًا وتوقفت عن البكاء أخيرًا ثم أخذت نفسًا عميقًا بعدما تمالكت نفسها من تلك الحالة الكئيبة التي انْتابَتها فجأة.
تحركت بساقين كالهلام نحو الحوض الموجود قبالة المَغْطَس وتشبثت بالمنشفة قبل أن تنزلق من عليها.
وقفت للمرة الثانية أمام المرآة مُحدقة بما ظهر من جسدها وقد اتضح إحمرار جلدها وبدت الصورة واضحة.
تعالت دقات قلبها الذي أصبح غارقًا وهائمًا في لذة شعور لم تعرفه وتجربه سوى بين ذراعيه.
والخوف الذي احتل وجهها تحول إلى خجلًا تلألأ بعينيها ،فاخفضت رأسها هربًا من نفسها.
استسلمت له بكامل إرادتها وبادلته شعور الحب ومثلما كان هو مُتلهفًا كانت هي تتلهف على ما يغدقه عليها و يروي به عطش أنوثتها.
اِرتعش سائر جسدها عندما تسللت تلك اللحظات إلى عقلها وعادت أنفاسها تخرج بتهدج... فما عاشته معه ليلة أمس اخترق حصونها.
كانت كالأميرة بين ذراعيه، يسألها مع كل تقارب ولحظة جنون بينهم ، هل هو مُراعيًا أم لهفته وتوقه لها تفقده زمام الأمور وتجعله غير منتبهًا ومسيطرًا.
أسرعت بوضع يدها على قلبها، فدقاته الهادرة تسمعها وصارت هي التي تتوق إلى جنون أخر معه.
حجظت عيناها وحركت رأسها بعنف ثم أشاحت وجهها عن المرآة.
مطت شفتيها بعبوس ممزوج بالحرج وتشبثت أكثر بالمنشفة.
_ أخرج كده قدامه و أعمل نفسي مش واخده بالي ولا أنادي عليه يجييلي حاجة ألبسها..
وكلما تذكرت حبه للعبث بتلك القطع النسائية الخاصة بها وتلميحاته بألوانها ونظرته الماكرة ، توردت وجنتاها ثم عضت على طرف شفتها السُفلية.
_ لا، لا أطلع كده أرحم ليا من تلميحاته.
سارت نحو الباب حتى تفتحه وسرعان ما كانت يدها تتوقف على المقبض بغرابة حينما تجلجلت صوت ضحكاته.
_ ما هو يا حبيبي في الحاجات ديه مينفعش أوعدك ،ديه حاجة محدش بيشتريها يا "يزيد".
زمَّ الصغير شفتيه ونظر نحو جدته التي ضحكت هي الأخرى والتقطت منه الهاتف بعدما داعبت خده.
_ وقت ما ربنا يشاء يا حبيبي هيكون عندك أخ أو أخت وتكتمل الرسمة بتاعتك وتلاقي اللي يشاركك في لعبك وكل حاجه.
عقد الصغير ساعديه أمام صدره وأشاح وجهه وسرعان ما كان ثغره ينفرج بابتسامة واسعة عندما تذكر أمرًا.
_ "زوزو" قالتلي لما يكون نفسك في حاجة بص للسما وادعي ربنا.
ثم أردف بعدما نهض من جوار جدته.
_ "يزيد" خلاص مش عايز منكم حاجة وهيدعي ربنا يكون عنده أخ ويكبر بسرعة عشان يلعب معاه.
فتحت "زينب" الباب ببطء بعدما توقف عن الضحك وأختفى صوته و قد علمت هوية المتصل الذي اشتاقت إليه.
الشرفة كانت مفتوحة وحجب الستار الخفيف الذي يُغطيها جزء من الرؤية.
خرجت تنهيدة طويلة منها، فهو مندمج في مكالمته التي لم تلتقط منها شئ سوى ضحكته.
ألقت بنظرة خاطفة نحو الشرفة حتى تتأكد إنه لم يُنهي مكالمته بعد.
_ غريبة أول مرة يكلم "يزيد" صوت بس.
ارتسمت الحيرة على وجهها ثم عقدت حاجبيها باستنكار وهتفت.
_ هو أنا واقفه بكلم نفسي وناسيه إني خرجت من الحمام أتسحب براحة عشان اخد هدوم ألبسها.
أخذت تلتقط قطع الملابس بعجالة وكلما التقطت قطعة التفت ناحيته.
خرجت من شفتيها زفرة أرتياح ثم ضمت قطع الملابس إليها وكادت أن تتحرك إلا أن صرختها القوية لفتت أنتباهه بعدما اصطدمت بدَرْفَةُ الخزانة.
استدار "صالح" فور أن سمع صرختها ثم أسرع للداخل فوجدها تُهرول من أمامه نحو الحمام.
_ حبيبي روحت فين، "صالح" أنت معايا.
_ ماما ثواني خليكي معايا..
قالها وهو يتجه نحو الحمام وطرقه متسائلًا.
_ "زينب" أنتِ كويسة.
ابتلعت "زينب" ريقها بعدما جف حلقها ولفت ذراعيها على جسدها.
_ أه أنا كويسة، كمل مكالمتك.
وبصوت مُتحشرجًا أردفت.
_ وصل سلامي لـ طنط" حورية" وقول لـ "يزيد" إني هكلمه.
ابتسم وحرك رأسه مُتنهدًا ثم ابتعد بالهاتف وسرعان ما استدار برأسه نحو قطعة الملابس التي سقطت منها أرضًا.
_ هي "زوزو" فيها حاجة يا حبيبي، طمني قلقتني عليها.
تساءلت "حورية" بقلق ثم حدجت بشاشة الهاتف بعدما صدح صوت ضحكة قوية منه.
نظرت "زينب" نحو الباب بفاه منفرج ولم تشعر بنفسها إلا وهي تطلم رأسها.
_ ماما أنا مضطر أقفل.
أنهى صالح مكالمته سريعًا ،فنظرت حورية إلى الهاتف ثم ابتسمت.
_ شكل "صفوان" كلامه صح و "رغد" حركت المية الراكدة ما بينهم.
ونهضت من مكانها حتى تبحث عن "يزيد" الذي وجدته يقف بالحديقة ويرفع رأسه ويديه إلى السماء.
بوجه مُشرق اقتربت منه.
_ حبيب وقلب نانا ، السكر اللي حاسس إن في حاجة حلوه هتحصل في حياتنا قريب.
رفع الصغير عينيه نحوها، فافتر ثغر "حورية" عن ابتسامة عريضة وأخذت تُخرك يديها على خديه.
_ أدعي من قلبك يا حبيبي.
تهللت أسارير الصغير وتساءل بفرحة.
_ بابي و "زوزو" هيجيبوا معاهم النونو وهما جايين.
قهقهت "حورية" بصوت عالي أجتذب إنتباه "صفوان" الذي خرج للتو من سيارته.
_ مش لدرجادي يا حبيبي ، بس أنت أدعي ليهم من قلبك عشان نفرح كلنا.
اقترب منهم "صفوان"، فاسرع "يزيد" إليه واحتضنه.
_ جدو أدعي معايا إن بابي و" زوزو" يجيبوا ليا نونو صغير ويجي بسرعة عشان يلعب معايا.
تلاقت عيناهم معًا ، فابتسم صفوان وانحنى بجسده حتى يُقبل وجنتيه.
_ حاضر يا حبيبي، جدو و تيته هيدعوا معاك.
وفي سريرة نفسه أخذ يُتمتم.
«ربنا يهدي بس" زينب" وأبوك أصلا بيعرف يحرز أهداف سريعة.»
...
وقف "صالح" أمام باب الحمام مُباشرة وفي يده ما سقط منها وعلى شفتيه ابتسامة واسعة وماكرة.
_ إيه يا "زوزو" هتفضلي في الحمام كتير، اليوم بيخلص كده.
تلاعب بالقطعة الأنثوية بين يديه ثم تساءل.
_ طيب أفتحي الباب عشان تاخدي اللي وقع منك.
وبمكر لا تعلم من أين اكتسبه أستطرد.
_ بس تعرفي يسلم ذوق صاحب الأختيار.
صدحت صوت شهقتها بعلو وهتفت اسمه بصياح.
_ "صالح".
ضحك بقوة ومازالت عيناه تتحرك نحو القطعة التي بيده.
_ تعرفي مكنتش بحب الأحمر أوي لكن دلوقتي...
قالها بعدما سيطر على نفسه من نوبة الضحك وبصراخ أشد خرج صوتها.
_ "صالح" لو مسكتش هفضل في الحمام.
خارت قواه من نوبة الضحك التي كانت هي سببً فيها.
_ طب أطلعي من الحمام ونتفاهم.
ابتسم عندما أستمع إلى صوت تنهيدتها، و أردف وهو يتلاعب بحاجبيه هذه المرة.
_ "زوزو" خلاص بقى هكون مؤدب و هرجع أكمل مكالمتي في الفراندة لحد ما يجيبوا الفطار وعلى فكرة معندناش وقت كبير عايزين نستعد لرحلتنا.
_ رحلتنا؟؟
نطقتها بذهول وأقتربت من الباب وقبضت بيدها على المقبض.
_ أطلعي وأنا هفهمك...
_ طيب روح كمل مكالمتك مع طنط "حورية" عشان متفهمناش غلط.
اتسعت ابتسامته وغمغم بصوت خافت.
_ هي أكيد فهمت خلاص.
_ "صالح" أنت لسا واقف.
كتم صوت ضحكته بغلق شفتيه بقوة وتراجع خطوتين إلى الوراء.
_ بتحرك أه..
_ "صالح" من فضلك أبعد ، هزعل منك بجد.
صوتها الناعم المُتعلثم أربكه وأضاع مكره، فتنهد بمقت.
_ حاضر يا "زينب"، حاضر يا مصيبة حياتي.
انفرج ثغرها بابتسامة بعدما نعتها بتلك الكلمة.
_ لو سمعت الكلام هكافئك بحاجة حلوة.
وهو معها صار كطفل صغير، يُرضيه وعدًا حتى لو كان كذبً.
_ وعد ولا هتطلعي كذابه يا "زوزو"
_ "صالح"
همست اسمه مُجددًا بخفوت ،فاغلق جفنيه مُتنهدًا.
_ أنا فعلا لازم أبعد، أحسن لأتهور وأكلك..
ورغمًا عنها ضحكت حتى انقطعت أنفاسها ليتحرك نحو الشرفة ثم نظر نحو ما يحمله بيده مذهولًا.
_ لا ده أنا عقلي بدء يروح مني خالص، أعمل فيكي إيه يا "زينب".
...
تحركت "رغد" نحو موظف الأستقبال بوجه مُتجهم،فهي منذ الصباح تجلس بردهة الفندق منتظرة رؤيتهم مع بقية أفراد الرحلة ولم يعيرها أحدًا أهتمامًا.
_ ممكن أعمل مكالمة لأوضة رقم سبعة ولا هتقولى برضوه ده ممنوع وإنك بتنفذ الأوامر.
ابتسم الموظف بتلك الابتسامة التي أعتاد عليها ،فاحتقن وجه "رغد".
_ الضيف يا فندم موصي إن محدش يزعجه.
التقطت "رغد" كلامه بلهفة وقوست حاجبيها بسخرية.
_ أه قولتلي موصي محدش يزعجه ، وليه قولتلي قبل كده إنك متعرفش هل خرج ولا لسا في أوضته وكل شوية كلام شكل.
واستدارت بجسدها ورفعت صوتها عاليا.
_ أنا عايزه مدير الفندق بدل ما أفضحكم على الميديا و أضيع ليكم مستقبل الفندق.
ارتعب الموظف من تهديدها ونظر حوله ، أجتذبت بصوتها أنظار الواقفين بالردهة.
_ يا فندم من فضلك وطي صوتك ،قولتلك ديه أوامر منه محدش يقول إذا كانوا موجودين في أوضتهم ولا لأ.
أشتدَّ إحتقان وجهها وقد خاب أملها في إفساد علاقتهم.
_ البنت ديه شكلها مش سهله.
أخفت حقدها من خسارتها في جولة ظنت إنها الرابحة فيها ، فهى أفشت السر الذي ائْتمَنها والدها عليه بعدما أفصح له صديقه عنه مُشاركًا معه همومه.
حاولت إستجماع قوة حضورها ثم رفعت كتفيها بخيلاء.
_ فين مدير الفندق، إزاي أتعامل بمهانه هنا وأنا جاية هنا عشان اعمل خطوه إيجابية للفندق ، أنا هشارك المهزله ديه مع متابعيني.
وجهت هاتفها نحوه ،فارتبك الموظف وأسرع إليها قائلًا برجاء.
_ الله يكرمك يا هانم، أنا كده هطرد من شغلي... أنا كنت بعمل المطلوب مني والبيه بصراحه اكرميته حلوة.
برقت عيناها بوميضٍ خبيث وشملته بنظرة ثاقبة.
_ هحاول أتجاوز عن المعاملة السيئة لكن بشروطي أكيد.
...
أشاحت "زينب" بوجهها عنه بعدما التقطتها عيناه ، فاختلس النظر إليها وهو يقلب القليل من السكر في مشروب الشاي المميز الذي لأول مرة يروق له.
_ شاي ولا شاي بحليب.
ضاقت حدقتاها ثم نظرت إليه، فغمز لها بطرف عينه مُكررًا كلامه بعبث.
_ شاي ولا...
قطعت حديثه والتقطت الفنجان الخاص به حتى تخفي حرجها عن عينيه المُترصدة لخلجاتها، فهي منذ خروجها من الحمام وجلوسهم سويًا لتناول الفطور، ينظر إليها من حين إلى أخر بنظرة غير مفهومة.
عقد ما بين حاجبيه ثم أومأ برأسه مبتسمًا بعدما حاوطت فنجان الشاي بكفوف يديها وأحتضنت حافته بشفتيها.
أرتجفت يديها من نظرته التي تلتهمها وتساءَلت.
_ هو إحنا مش هنكمل الرحلة معاهم.
زحزح "صالح" مقعده حتى يلتصق بمقعدها ثم التقط منها الفنجان بعد أن أرتشفت منه رشفة.
_ تسمحيلي أشاركك في فنجان الشاي.
خفق قلبها وأرتعشت أهدابها ثم أزدرد لعابها هي تراه يرتشف رشفة من الفنجان.
_ أحلى وأطعم فنجان شاي دوقته في حياتي.
تحديقه بها بتلك الطريقة المُضحكة زادته وسامة.
_ عايزة تعرفي رحلة شهر العسل هيبدء منين؟
ردت بحيرة بعدما هربت بعينيها بعيدًا عنه.
_ شهر عسل .
هزَّ رأسه مؤكدًا ما سمعته منه.
_ طبعًا، ده أنا عامل برنامج لينا هيعجبك خالص.
انتفضت فجأة من أمامه وقد أدهشه نفضتها.
_ لأ أنا مش عامله حسابي.
تجاوز غرابة فعلتها سريعًا ونهض من مكانه.
_ متقلقيش أنا عامل حسابي لكل حاجة.
أرادت الأعتراض بل و أرادت الهرب منه وقبل أن تُخبره إنها ترغب بالعودة مع بقية زميلاتها مثلما أتوا معًا وجدته يجتذبها إليه.
_ مش هتقوليلي "زوزو" دلوعة "صالح" ، أصلها عجبتني أوي..
لم يتركها لتستوعب ما يريده منها ، فالكلمة الوحيدة التي التقطتها منه قبل أن تضيع بين ذراعيه، إنه جائع إلى حلوته ولم يعد يتحلى بالصبر.
طرقات متتالية ومُفزعة طُرقت على باب الغرفة، جعلتها تدفعه عنها بوجل.
_ صالح".
رددت اسمه وفي كل مره يخبرها بأنفاس متقطعه إنهم ليسوا مُتاحين الآن لكن تلك الطرقات التي لم تنقطع أصابتها بالهلع.
_ صالح" الباب، أكيد في حاجة.
أغمض عينيه حتى يستعيد ثباته ويلتقط أنفاسه.
توقد الغضب في نظراته متوعدًا لإدارة الفندق التي لا تحترم النُزلاء.
فتح الباب بعنف وقبل أن يتحدث بكلمات مُعنفة...، انفلتت شهقة خافته من شفتي" رغد" بعدما أبصرت هيئته من صدر عاري وشعر مُشعث.
تراجع العامل بحرج وتمتم باعتداز.
_ آسف يا فندم بس هي أجبرتني على كده.
َولم تشعر "رغد" بنفسها إلا وهي تركض من أمامه هاربة من صدمتها وهي التي ظنت إن زواجهم مُقيد وعلى حافّة النهاية.
....
اقتربت "ليلى" منه بخطوات متوترة و مترددة وهي تحمل فنجانين القهوة.
انتبه "سيف" على قدومها من رائحة القهوة، رفع عينيه عن الهاتف ثم تركه من يده ونهض على الفور وعلى شفتيه ابتسامة.
_ أسف إني تعبتك.
قالها بلطف زاد من دهشتها التي تجلَّت بوضوح على ملامحها.
وضع ما تحمله يديه على الطاولة، فاخفضت "ليلى" رأسها وبنبرة خافتة خرج صوتها .
_ مافيش تعب ولا حاجه.
ابتسم "سيف" ثم أشار إليها بالجلوس.
_ أكيد مش هعزم عليكي في بيتك يا "ليلى".
لطفه اليوم عجيب ويجعلها تقف مدهوشة وحائرة لكنها سعيدة.
تنحنحت بحرج ثم جلست وقبضت بيديها على ثوبها بتوتر.
التمعت عيناه بنظرة خبيثة ولم يفسر ردة فعلها نحو رغبته بالحديث معها إلا زيفً وتظاهرًا بالبراءة.
_ أنتِ متوترة كده ليه، لو قلقانه من عمي، فأكيد يعني مش هيضايق من قعدتك معايا.
_ أنا مش قلقانة ولا متوترة من حاجة لكن يعني..
قطع حديثها و رد وهو يرمقها بنظرة كراهية أخفاها سريعًا.
_ أنتِ أكيد مستغربة من دعوتي ليكي إننا نقعد نتكلم سوا.
تقابلت نظراتهم ،فطأطأت "ليلى" رأسها بخجل وأستمرت بتمرر يديها على ثوبها.
_ "ليلى" أنا عايز نفتح صفحة جديدة مع بعض لأن أكتشفت إن العداء ما بينا ملهوش سبب.
اِستغربت من حديثه وأنعقد لسانها عن الكلام.
_ أنتِ ليه مستغربة كلامي يا "ليلى".
أبتلعت مرارة غصتها ، فهى لم تجد سببً لهذا الكره.
_ أصل أنت بتكرهني من غير سبب..
ضحك بضحكة قصيرة وأستند بساعديه على طاولة.
_ ما أنا ببدء صفحة جديدة وبطلب منك نبدء نتعرف على بعض من أول و جديد.
أسرع بالنهوض من على مقعده ثم مدَّ يده إليها.
_ ممكن نتعرف يا "ليلى".
توقفت "شهد" عن سيرها بالحديقة و أصابتها رجفة قوية وهي ترى سيف" يمد يده نحو" ليلى" ويبتسم لها بعدما صافحته وابتسمت.
...
طرق "مراد" - بذلك المُجسم الذي يشبه العربة الصغيرة - على طاولة مكتبه ثم دفعه بعيدًا.
_ ياريت كلامها يكون كذب يا "أشرقت".
نهض من وراء طاولة مكتبه وأخذ يتحرك بالغرفة بدون هوادة ثم أطلق زفيرًا طويلًا مُغمغمًا.
_ هدفعك التمن الغالي ، ولو كان جوايا ذرة ندم من ناحيتك هتكوني أنتِ السبب لو راحت.
تعالت نغمة رنين الهاتف ،فأسرع بإلتقاطه من على الطاولة.
فتح الرسائل التي بُعثت إليه والحقيقة كانت تظهر أمامه بوضوح.
_ اختارتي جحيمك بنفسك يا بنت المستشار.
...
انحشر الطعام بحلق "هشام" عندما تحدثت "لبنى" عن إقتراحها.
_ مالك يا "هشام"، هو إقتراحي معجبكش... البنت بجد جميلة، بصراحه أتمنها تكون مرات أبني .
أمتدحت "لبنى" حُسنها ، فانتفخت اوداجُه وهو يتخيل "زينة" زوجة لأبنه.
سعل بشدة بعدما شعر بالاختناق، فانتبهت "لبنى" لأمره و أسرعت بسكب الماء له.
اِرتشف كوب الماء بأكمله تحت نظراتها القلقة، فتنهدت وعادت تجلس مكانها.
_ إيه رأيك نلفت نظر "قصي".
_ لأ..
أجفلها رده ونظر إليها بوجه مُحتقن من الغضب.
_ البنت ديه بالذات لأ، كفايه نسب واحد مع
"عدنان الهتيمي".
...
غادروا الفندق مُتشابكين اليد بعدما أنهوا إقامتهم وأبلغوا السيدة "كاميليا" برحيلهم.
وضع العامل حقائبهم بسيارة الأجرة التي وقفت في إنتظارهم.
سحبت يدها منه و تمتمت بصوت خفيض قبل أن تصعد السيارة.
_ خلينا نروح الصيدلية الأول.
اندهش من طلبها وقبل أن يتساءل...، أردفت وهي تفتح باب السيارة.
_ محتاجه حاجة خاصة ليا وبلاش تسأل إيه.
أجتذب ذراعها بخفه و تساءل بصوت هامس ومُداعب.
_ لأ أنا في ديه لازم أسأل وأطمن.
اشتعلت وجنتاها بحمرة خفيفة وردت بهمس.
_ أطمن.
عادت ملامح وجهه تتوهج بعدما اطمأنَّ قلبه.
_ طمنتي قلبي وما دام طمنتيني مش هسأل وأكون فضولي ،ما هو أنتِ هتكوني عايزه إيه يعني غير...
توقف عن الإسترسال بحديثه عندما رأى تذمرها بعد أن ذكر اسم أحد الأغراض النسائية.
_ "صالح" خليك مؤدب.
رفع أحد حاجبيه و أراد أن يخبرها أن الأدب لا يُثمر بشئ لكنه ابتلع كلماته حتى لا يزيد حرجها منه.
توقفوا في طريقهم أمام إحدى الصيدليات وقد أصرت عليه أن يتركها تدلف بمفردها.
حرك رأسه بيأس منها وأشار نحو هاتفه.
_ هعمل مكالمة لحد ما تخلصي وأشوف أخرتها معاكي يا ست "زوزو".
حدقت به بعدما أعطاها ظهره ثم دلفت بخطوات ثقيلة إلى الصيدلية.
أنتظرت أن يُغادر ذلك العجوز بعد أن يحصل على دوائه.
_ أتفضلي يا فندم قولي طلبك.
أطرقت زينب" رأسها أرضًا بعدما سألتها تلك الواقفة عن الدواء الذي تُريد شرائه.
بللت شفتيها بطرف لسانها ثم أبتلعت ريقها ونظرت إليها باستحياء.
_ أنا عايزه...
لم تستطيع مواصله كلامها وأخذت تفرك يديها ، فالأمر مُخجل بالنسبة لها ولا تشعر بالراحة نحو قرارها.
قطبت الواقفة ما بين حاجبيها بغرابة ثم ألقت بنظرة خاطفة نحو الواقف بإنتظارها بالخارج وتساءَلت بنبرة ساخرة.
_ أيوه يا فندم، قولي عايزه إيه ولا الطلب مُحرج.
ضاقت حدقتي "زينب" بدهشة من طريقتها بالكلام ثم استدارت برأسها حتى تتأكد إذا كان "صالح" يُراقبها لكن وجدته يتحدث بالهاتف وعلى ما يبدو إنه مشغولًا وليس منتبهًا لها.
تسارعت دقات قلبها وهي ترى ابتسامته وهو يتحدث واخترقها شعور قاسي.
_ يا أنسه هو الطلب مُحرج أوي .
انتبهت" زينب" إليها وقد فهمت الصورة التي وصلت إلى ذهن تلك السيدة الواقفة....
❤️❤️❤️❤️❤️
استندت "شهد"بظهرها إلى الباب بعدما أغلقته ورائها هاربة من نداء خالها إليها.
دمعت عيناها ثم أسرعت بوضع يدها على شفتيها حينما استمعت إلى ندائه المُتكرر إليها وقد صار صوته قريبًا من غرفتها.
_ "شهد"، شوفي البت جات جري على أوضتها ولا ردت عليا، أنتِ هتعملي نفسك دكتورة عليا يا بنت "عايدة".
استمر العم "سعيد" في ثرثرته وأخذ يلوي شفتيه باستنكار.
_ أنا غلطان أني بسألك هتتغدي معايا ولا لاء، يا زين ما ربيتي يا "عايدة".
أطبقت "شهد" جفنيها بوهن حتى تتمكن من نفض صورته من رأسها وهو مبتسمًا وكأن ما حدث بينهم لا وجود له.
_ قاعد مع "ليلى" بيضحك، بسرعة كده نسى جرحه ليا ، يعني اللي حصل بينا حاجة عادية.
حادثت نفسها بصوت ضعيف وهي تتهاوى بجسدها على الفراش الصغير وتضم كفوف يديها ببعضهما.
وطيف تلك الليلة التي لن تنمحي من ذاكرتها عاد يخترق ذاكرتها ، تسارعت أنفاسها وأنسابت دموعها تسأل نفسها ، كيف له أن يبتسم بعدما دنسها بيديه بعد أن ألقى عليها تلك الحقيقة المريرة، هو لا يراها إلا شقيقة له وأن عليهم نسيان ما حدث تلك الليلة.
_ "شهد"، أنتِ يا ست الدكتورة.
صدح صوت العم "سعيد" هذه المرة وهو يطرق على باب غرفتها.
_ كبرتي يا ست "شوشو" ومبقتيش تردي عليا، يا خسارة تربيتي فيكي يا بنت "عزيز".
زفرت أنفاسها باختناق ومسحت دموعها ، فهي تعلم طبيعة خالها الذي لن يكف عن ندائه عليها.
نهضت من على الفراش بعدما مسحت دموعها وأتجهت نحو الباب حتى تفتحه.
إلتوت شفتي العم "سعيد" باستهجان عندما فتحت الباب لكن حينما أبصر إحمرار جفونها انتفض قلبه فزعًا عليها.
_ أنتِ كنتي بتعيطي، أنا قلبي بيقولي إن في حاجة مخبياها علينا...
أرتجف قلب "شهد" ذُعرًا وأشاحت وجهها بعيدًا عن نظرة عيناه التي تتفرسها.
_ مين غواكي يا بنت "عايدة" وضحك عليكي.
تجلَّى الهلع بوضوح على وجهها ، فهل خالها اكتشف أمرها ولكن كيف؟
لطم العم "سعيد" جانبي فخذيه بيديه ، فأخترق الفزع قلبها.
خرجت شهقتها المكتومة عندما اجتذبها من ذراعها صائحًا بوجل.
_ مين ضحك عليكي وعشمك بالحب يا بنت "عايدة"، أنا قولت ما دام دخلتي الجامعه وافتكرتي نفسك كبرتي وبقيتي تلبسي اللبس المحزء وتطلعي شعرك بره الطرحة وترسميلي عينك يبقى خلاص عينك هتتفتح، انطقي وقوليلي مين ضحك عليكي.
تخلصت بصعوبة من قبضته على ذراعها و ردت بصوت مهزوز وهي تتحاشا النظر إليه.
_ محدش ضحك عليا يا خالي، أنا بعيط لأني جبت درجة وحشة في الأمتحان.
قطب ما بين حاجبيه، فاردفت وهي تنظر في عينيه حتى يُصدقه.
_ أنا مخنوقة من الكلية وعايزة أسيبها وكمان حب إيه اللي أفكر فيه، أنا...
توقفت عن الكلام بعدما شعرت بمرارة كذبتها ثم واصلت كلامها وهي تُدلك ذراعها.
_ أنا نفسي أسافر وأكمل دراسة بره.
_ أه عايزه تسافري عشان ترجعلنا بواحد زي ما عمل "سيف"، أه يا خيبتك يا "عايدة" ، بقيتى مشغولة بمشروعك عن بنتك وقال إيه بتدوري على محل تفتحي.
قاومت"شهد" تلك الرجفة التي سرْت بجسدها حينما أنفلت اسمه من شفتيه.
تنهد العم "سعيد" ثم حك رأسه وقال مازحًا بعدما زال قلقه.
_ هي درجة الإمتحان وحشة أوي كده ،عارفه أنتِ لو بتسمعي كلام خالك وتدلكي له رجله كل يوم هتجيبي الدرجة النهائية.
ابتسمت من بين دموعها تتساءل بعد أن تمالكت غصتها.
_ هو أنت عامل غدا إيه خالي.
غمز لها بطرف عينه وتحرك نحو المطبخ.
_ صينية مسقعة باللحمة المفرومة تفتح النفس، تعالي نتغدا ونسيب "عايدة" و "عزيز" خليهم يلفوا على كعوب رجليهم لحد ما يلاقوا محل وأه لو فلحوا.
والأبتسامة الفاترة تحولت إلى ضحكة عالية مقررة داخل نفسها إنها لن تدع الأمر يشغل عقلها طويلًا بسبب تقارب "سيف" العجيب من "ليلى" اليوم، بالتأكيد هناك سبب من جلوسهم سويًا بمفردهم بالحديقة.
...
أنهى "سيف" مكالمته بكلمات مقتضبة دون أن يصرف نظره عنها، عاد إلى مكان جلوسه أمامها زافرًا أنفاسه بضيق.
_ شغل الشركة متعب أوي.
رمقته بنظرة خجلة وهتفت بنبرة هادئة.
_ بس ده إضافة ليك حلوة مع مهنتك في الجامعة.
ابتسم واسترخى في مقعده.
_ منكرش ده لكن الواحد ساعات بيزهق، هو أنتِ مزهقتيش من دور ست البيت وإن دورك في حياة عمي تستني لما يرجع من الشغل.
تساؤله خرج دفعة واحدة ثم أسرع في تجميل صورة حديثه.
_ ديه دردشة خدي بالك ، ده برضو عمي مش معقول هقولك تمردي عليه.
تنهدت"ليلى" بقلة حيلة وطأطأت رأسها نحو فنجان قهوتها الذي لم ترتشف منه إلا رشفة واحدة.
_ "عزيز" مش موافق وهو عنده حق إزاي هرجع اشتغل في مصنعه.
_ وفيها إيه، أنتِ دلوقتي مرات صاحب المصنع..
اندهشت من رده، فابتسم وأخذ يُحرك يده اليسرى على ساعة معصمه.
_ لو عايزاني أكلم عمي أنا ممكن...
ردت سريعًا وهي تهز رأسها رافضة.
_ لأ بلاش ..
أومأ برأسه ثم نظر إليها بتمعن.
_ عمي بيغير عليكي أوي وبصراحة عنده حق.
ارتبكت وتوردت وجنتاها ، فاستطرد وهو يميل بجزعه العلوي مُستندًا بذراعيه على الطاولة.
_ أنا مش بجامل خدي بالك.
وبدهاء واصل "سيف" كلامه عندما رأها تنظر حولها بحرج.
_ جمالك يخطف و عمي كان شاطر إنه يعرف يخطفك.
شعرت بالريبة من كلامه، فهي مازالت لا تستوعب عرضه عليها بالجلوس معها وفتح صفحة جديدة بينهم.
تغير خلجات وجهها وعقدتها لحاجبيها اجتذبوا أنظاره ،فادرك خطأه.. فهل هو أحمق حتى يصبح في يوم وليلة رجل مهذب راغبًا بالصفح.
_ بحاول أكون لطيف ومهذب عشان أغير صورتي عندك بسرعة، مش بيقولوا تقدر تخطف عقل النساء بلسانك.
قالها ثم ضحك بملء شدْقيه ،فابتسمت "ليلى"بخجل.
_ طب كفاية مدح فيا وقولي أقدر أساعدك في إيه و إزاي عشان تفاجأ "كارولين".
خجلها كان واضحًا في نبرة صوتها لكن شيطانه يجعله يرى هذا تصنعًا.
خرجت زفراته بعمق ثم احتلت الجدية ملامحه.
_ أنتِ و "كارولين" مش على وفاق والسبب أنا للأسف.
نظرت إليه بغرابة، فحرك رأسه إليها.
_ أيوه أنا السبب لأني مكنتش شايفك غير بصورة...
قاطعت حديثه و أجابته بنبرة حزينة.
_ صورة البنت الطماعة مش كده، طب ليه شايفني كده؟
لم يجد ما يخبرها به، فصورتها أمام عينيه كما هي لكن عليه خداعها.
_ إحنا ولاد النهاردة يا "ليلى" وأنا أه بقولك نبدء صفحة جديدة... قوليلي بقي هتقبلي البداية الجديدة وتساعديني ولا قلبك هيكون أسود.
حدجته بنظرة حائرة، فاستمر بتحريك رأسه إليها حتى يؤكد لها إنه يرغب ببداية جديدة معها.
خرجت تنهيدة خافتة من شفتيها ثم افتر ثغرها بابتسامة.
_ هساعدك أكيد، لو هتحتفلوا في البيت أنا ممكن أعمل التورته وأزينها ليكم بشكل حلو وأعمل ليها كمان أصناف الاكل اللي بتحبها.
لقد أخذت الدور الصحيح لها بالمنزل لكن العجيب إنها ترى خدمتها لهم وطهوها للطعام أمر يُسعدها ولا يقلل منها.
_ لأ ، أنا عايز تفكري معايا نحتفل إزاي بره وأنتِ هتكوني معانا.
ولأنه كان يعلم أن عمه لديه رحلة عمل إلى اسطنبول بنهاية هذا الأسبوع أستطرد قائلًا بمراوغة.
_ أه نغير جو ونقضي سهره عائلية ،أنتِ و عمي من ساعت ما أتجوزتوا وأنتوا خروجاتكم قليلة.
رفرفت باهدابها ببؤس إلتقطه من زفرتها لأنفاسها.
_ حاولي تكسري الروتين مع عمي يا "ليلى"، مش هتفضلي محصورة في دايرة المطبخ.
وبنظرة خبيثة أختلس النظر إليها ،فها هي ملامحها تظهر بوضوح مدى استياءها.
وحتى لا يمهلها لحظة لتفهم مبطن كلامه ، قال وهو يعقد ساعديه أمام صدره.
_ عموما خلينا نكمل كلامنا عن موضوع السهرة، قوليلي اقتراحاتك.
...
ما الذي تظنه تلك الواقفة ، ولماذا تقف هكذا وهي تلوي شفتيها مُتهكمة؟
الجواب كان واضحًا للغاية لكنها عليها أن تتغابى قليلًا ونسيت تمامًا أمر الحبوب.
اقتربت "زينب" من الحاجز الفاصل بينهن واستندت بذراعيها عليه حتى تتمكن من إظهار خاتم زواجها إليها.
_ أنا محتاجه معجون أسنان و شامبو و بلسم للشعر وكريم مُرطب لأيدي.
حدقت الواقفة بـ خاتم زواجها ، فمطت "زينب" شفتيها إلى الأمام ثم رفعت يدها تُمررها على شفتيها.
_ أه ومحتاجة مرطب شفايف.
انمحت تلك النظرة المستنكرة التي كانت تحتل عينين تلك السيدة الواقفة وابتسمت وأخذت تسمعها بإنصات حتى انتهت من إعطائها أسماء الأغراض التي تُريدها.
_ اعذريني يا استاذه ظنيت ظن وحش، استغفر الله العظيم... الواحد بقى يشوف العجب في الأيام ديهز
ثم أسرعت تلك السيدة بجلب لها ما أرادت، تنهدت "زينب" بصوت خافت... فالمرأة صارت لطيفة ولا يصح أن تُعاملها بصفاقة.
انفتح الباب ودلف "صالح" للداخل مُتسائلًا.
_ خلصتي يا حببتي.
واقترب منها وعلى شفتيه ابتسامة دافئة، إنه يزداد وسامة كلما ابتسم ،كلما كان سعيدًا.
وضعت تلك السيدة الأغراض وعلى شفتيها ابتسامة واسعة.
_ في حاجة تانية محتاجاها يا مدام.
نظر "صالح" إلى الكيس البلاستيكي الذي وضعت فيه السيدة الأغراض.
_ ها يا حببتي في حاجة تانية.
لم يُلاحظ توترها ،فهو غارق في ذلك النعيم الذي منحته له، لم يعشق امرأة سواها ولم يتزلزل كبريائه إلا معها.
_ لأ خلاص.
دفع الفاتورة والتقط الكيس رغم إلحاحها عليه أن تحمله هي.
صمتها كان عجيب بالنسبة له، فتساءل وهو يفتح لها باب السيارة التي تنقلهم إلى وجهتهم.
_ مالك يا حببتي، في حاجة تعباكي.
نظرت حولها ثم نظرت إليه.
_ "صالح" هو إحنا ينفع نتمشى شويه.
قطبت جبينه وحدقها بقلق.
_ "زينب" فيكي إيه، وشك مخطوف كده ليه؟
قلقه يجبرها على التمعن بالنظر إليه ، والدها وحده من كان يهتم بكافة تفاصيلها وأتى بعده جدها حتى يُعوضها ويوفي بوعده لجدتها.
_ "صالح" أنا كويسة، أنا عايزه أتمشى شويه بس ونشتري شوية حاجات.
وحتى تجعله لا يركز معها تساءلت.
_ هو أنا ينفع أشرب تمر هندي و عصير قصب.
رفع كلا حاجبيه وقد تحرك السائق بالسيارة.
_ عايزه تشربيهم مرة واحدة.
ثم ضحك بخفوت عندما هزت رأسها إليه.
_ يا سلام أحلى تمر هندي و عصير قصب يا حببتي.
وسرعان ما كان يطلب من السائق أن يُغيروا طريقهم ويأخذهم إلى أفضل من يُقدم تلك المشروبات.
_ عينيا ليك يا أستاذ.
رد بها السائق سريعًا واخذهم إلى أحد الشوارع التي تكتظ بالمارة والبائعين.
رؤيتها له وهو يرتشف من كوب عصير القصب جعلها راغبة بالضحك.
_ "صالح" هو أنت شربت عصير قصب قبل كده.
ابتلع ما في فمه وهو يُقاوم شعور الغثيان الذي أصابه فجأة.
_ ليه بتسألي كده؟
تلاشت ابتسامتها وشملته بنظرة ثاقبة.
_ أنت مبتحبش عصير القصب يا "صالح" ، شكلك بيفكرني بـ جدو لما بغصب عليه يشرب الدوا بتاعه.
هرب بعينيه بعيدًا ،فتنهدت بمقت.
_ بتشربه معايا عشان ترضيني مش كده.
تقابلت نظراتهم ، فالتقطت منه الكوب وزمت شفتيها باستياء منه.
_ متعملش كده تاني.
خلل أصابعه في خصلات شعره ونظر إلى الجهة الأخرى.
_ عايز أشاركك كل حاجه بتحبيها.
خفق قلبها وتوهجت عيناها بلمعان آسر عيناه عندما نظر إليها من أسفل جفونه.
_ حتى لو مبتحبش الحاجة ديه وممكن تتعبك.
خرج صوتها مُتحشرجًا، فابتسم وهو يلتقط عبوة العصير خاصتها ثم وضع الشَّفَّاطَة -التي لمست شفتيها- بين شفتيه حتى يرتشف من ورائها.
_ كل حاجه معاكي بجربها ليها طعم مختلف يا "زينب".
هو صار يسلب أنفاسها ويهدم حصونها ويسحرها بكلماته وحنانه.
اخفضت رأسها حتى تُسيطر على تلك الفوضى التي أحدثها داخلها ثم رفعت عينيها إليه عندما تمتم بصوت رخيم.
_ "زينب" خلينا نعوض مع بعض اللي ضاع مننا، خليكي واثقه فيا
...
أنتفضت "أشرقت" من على الفراش بعدما فتحت والدتها باب الغرفة.
ضاقت حدقتي "لبنى" بدهشة واقتربت منها.
_ ما أنتِ صاحية أه ، ليه مخرجتيش تتغدي معانا.
أشاحت وجهها عنها ،فهى منذ عملية إجهاضها وهي تتحاشا الجلوس معهم وتنأي بنفسها عن الجميع.
_ "أشرقت" أنتِ مبقتيش عجباني ،رجعالي من المأمورية بتاعتك وشك أصفر وبهتان.
ابتلعت ريقها وقبضت على شرشف الفراش بيدها من الجهة التي لا تلتقطها أنظار والدتها.
_ ده مجرد إرهاق.
_ لأ، إرهاق إيه دلوقتي، ده أنتِ كلها أيام وتطلي بالأبيض يا حببتي... عايزاكي تفوقي كده ولو عايزه نروح للدكتور...
« طبيب» هذه الكلمة أعادت لها أسوء ذكرى عاشتها.
_ لأ، أنا كويسة مش محتاجة أروح لـ دكتور.
حدقتها "لبنى" بنظرة ضيقة ثم أحتضنت وجهها بيديها.
_ طب فوقي كده وأدخلي خدي شاور سريع عشان خطيبك قاعد مع بابا مستنيكي في الصالون.
_ "مراد" هنا
خرج اسمه من شفتيها بفزع، فابتسمت "لبنى" وهي تتحرك نحو خزانة ملابسها دون أن تنتبه على انتفاضة جسدها.
_ يلا يا حببتي اتحركي وأنا هطلع ليكي الهدوم.
...
وقفت "زينب" مذهولة بعدما غادروا سيارة الأجرة ، فمن أين عرف إنها كانت تُريد أن تضم رحلتهم رحلة نيلية على أحدى البواخر.
_ أنت عرفت منين إن كان نفسي يكون في برنامج الرحلة رحلة نيلية على الباخرة ديه بالذات.
ابتسم لها دون أن يعطيها الرد الذي تُريده وقال بمكر.
_ العصفورة قالتلي.
_ "صالح" من فضلك قوليز
التقط يدها عندما أستمع إلى صوت الباخرة وقد أنطلقت صافرة الأنطلاق.
_ إحنا كويس إننا لحقناها، تعالي نلحق الرحلة وبعدين أقولك مين العصفورة.
...
ترك "مراد" فنجان القهوة الذي يرتشف منه ونهض سريعًا من مكانه فور نهوض "هشام".
_ أشرب قهوتك وأنا هستعجلك "أشرقت".
حرك رأسه وعلى ثغره أبتسامة تلاشت عند خروج هشام من الغرفة.
أكثر من نصف ساعة مرت وهو ينتظر قدومها وفي قلبه نار مشتعلة يُريد حرقها بها ، هو أراد هذا الطفل.. أراد طفلًا غير ملوثًا من دماء هذه العائلة.
دخلت "أشرقت" الغرفة بخطوات ثقيلة تتساءل ، هل زيارته لهم ورائها شئ أم إنها مُجرد زيارة.
غامت عيناه بنظرة خاوية عندما أستمع لصوت حذائها وتسللت رائحة عطرها إلى رئتيه، فاصابته بالإختناق.
استرخى في جلوسه وأستكمل إرتشاف قهوته دون أن يُعيرها أي أهتمام.
...
اندهش "عزيز" من وجود "سيف" اليوم على طاولة الطعام، فهو مؤخرًا صار يتحجج حتى لا يتناول الطعام معهم.
زوى "عزيز" ما بين عينيه عندما وجد أحد أصناف الطعام التي يُحبها ونظر نحو العم "سعيد" ثم وجه انظاره إلى "ليلى" التي فهمت نظرته سريعًا وأبتسمت.
_ طاجن البامية باللحمة من أيدى أنا.
نظر إليها "عزيز" بنظرة حملت عشقه وامتنانه لها ،فـهو يقول فقط أنه يشتهي شيئًا..؛ فتفعله له باليوم التالي.
_ تسلم ايدك يا حببتي، ديما تعبك معايا.
تمالك "سيف" مشاعره وأحتقن وجه "كارولين" بغضًا.
_ طبعًا دلوقتي لازم تشكر "ليلى" ، ما أنا خلاص أتناسيت.
ضحك "عزيز" وجلس على مقعده.
_ أنت الخير والبركة يا راجل يا طيب لكن أنت عارف لازم نمدح "لولو" عشان ترضى عليا.
خجلت "ليلى" ووكزته في كتفه ،فالتقط "سيف" فعلتها ثم نظر نحو عمه الذي تقبل الأمر بمزاح.
_ شوفت ايدها بقت طويله إزاي.
_ "عزيز ".
زجرته ثم دفعت إليه الطبق حتى يبدء في تناول طعامه بصمت.
أنشرحت أسارير العم "سعيد" وانفرج ثغره بابتسامة عريضة أختفت سريعًا عندما رأي نطرة "كارولين" لهم.
_ خليها تدلع عليك يا بيه، ديه "لولو" ست الستات.
التقط "عزيز" يدها مؤكدًا على حديثه.
_ ربنا ما يحرمني منها، البيت بقى له طعم و ريحة وكل حاجة حلوه بوجودها.
عمه يمدحها علنيًا أمامهم ويتقبل مزاحها معه ،فهل وصل عشقه لها لهذا الحد؟
سيطر "سيف" على حقده ورفع عيناه عن طبق طعامه ثم التقط أحد الطواجن الخاصة بصنف الطعام الذي يُفضله عمه من يدها ودس معلقته فيه.
_ تسلم ايدك يا "ليلى"، بجد أنتِ ست بيت شاطرة.
قالها وهو يمضغ الطعام في فمه دون أن ينظر نحو عمه وقد ضاقت حدقتي "عزيز" في دهشة ومثله فعلت "كارولين" ، منذ متى و "سيف" يمتدح "ليلى" في شئ....