أين ذهب كِبْرها، أين هي ثقتها بنفسها وتلك النظرة التي دائمًا تحتل عيناها، إنها اليوم أمام مرآتها رأت صورة امرأة غريبة عنها، باهتة و شاحبة وبروح منطفئة.
تلذذ "مراد" في إرتشاف أخر رشفة من فنجان قهوته ثم وضعه على المنضدة الصغيرة التي أمامه.
أزدردت لعابها بطريقة واضحة وشعرت بشعور قاسي جثم على روحها تتساءل داخلها ، هل تفيح رائحة جُرمها و فعلتها الشنيعة؟
أرتجف جسدها عندما عاد صوت الطبيبة يخترق أذنيها ذلك اليوم حينما فتحت عينيها بثقل، لقد انتهى الأمر وتخلصت من هذا الطفل.
ثقلت أنفاسها رغم تسارع نبضات قلبها ونظرت إليه في اللحظة التي وجه أنظاره إليها.
أرتعشت جفونها وعادت تبتلع ريقها ، فنظرته إليها بها نظرة عجيبة، نظرة جعلتها تشيح وجهها عنه.
_ مساء الخير.
خرج صوت "أشرقت" أخيرًا وجلست على أقرب مقعد لها ثم وضعت خصلة من شعرها خلف أذنها.
اختفى جمود ملامحه ومدد ذراعيه على ظهر الأريكة وأخذ يهز رأسه.
أربعتها طريقة جلوسه ونظرته لها ورغم أن دراستها ومهنتها علمتها كيف تتقن فهم لغة الجسد وأن تسيطر على ثباتها أمام الآخرين إلا إنها أمامه تفقد إتزانها وتتحول إلى صورة لا تُشبهها.
ابتسم وهو يرمقها بنظرة لينة أجاد إصطناعها.
_ قعدتي بعيد عني ليه؟ ولا أنتِ عشان عارفة غلطتك الكبيرة خايفة مني!!
اتسعت عيناها ذُعرًا وشعرت بجفاف حلقها وسرعان ما كان الأرتعاب يرتسم بوضوح على ملامحها عندما رأته يستند بساعديه على فخذيه.
_ خايفة! وهخاف منك ليه.
نطقتها بتعلثم ظهر جليًّا في نبرة صوتها.
توهجت عيناه بمكر خفيّ ثم عاد لوضع جلوسه الأول مُسترخيًا ومستندًا بظهره إلى ظهر الأريكة.
_ مش عارفة خايفة مني ليه يا حببتي، لا مش معقول ، أنا كده هزعل منك أكتر.
فركت يديها ثم نظرت نحو باب الغرفة ، فانفلتت من شفتيه ضحكة عالية أجفلتها، إنه سعيد ومبتهج لدرجة لا توصف وهو يراها تتلفت حولها وتتعلثم بالكلام.
_ أنت بتضحك ليه وليه بتتكلم معايا بالألغاز.
ألقت كلامها وهي تنهض ثم أعطته ظهرها وأطبقت جفنيها بوهن.
توقف عن الضحك وعاد الجمود يحتل ملامح وجهه وأرتفعت زاويتي شفتيه باشمئزاز.
_ لأ أنا خلاص هخلي قلبي كبير وأسامحك.
ألتفت إليه سريعًا ، فابتسم.
_ يعني لما فرحنا قرب عايزه تبعدي عني ولا أنتِ لسا مسامحتنيش على إهانتي القديمة ليكي.
إهانة، ذلك اليوم الذي نبذها فيه من حياته بعد تلك الليلة التي استسلمت له وصدقت وعده لها بأن ما يفعلونه حبً ورغبة في إستكمال حياتهم سويًا.
إنساقت ورائه مغمضة العين ورغم سنوات عمرها السابعة والعشرين وعملها في سلك القضاء إلا إنها معه كانت مغيبة تُسيطر عليها الأنا وهو أستطاع التسلل إليها بمهارة.
_ "أشرقت" في إيه يا حببتي بتبصيلي كده ليه!
تساءل بها وهو ينهض من مكانه واقترب منها ببطء ، فيكفي عليها اليوم هذا ثم رمقها بنظرة طويلة من رأسها إلى أخمصِ قدميها مُتسائلًا بتلاعب جعله يستعيد ذلك الشعور الذي أفتقده، فهو يتلذذ برؤية ضعف الجبناء ، من يظهرون بصورة رائعة وفي داخلهم يحملون الخبث وغرور العظمة.
_ فيكي حاجة غريبة وكأنك مخبية حاجة عليا.
ردت سريعًا وهي تشيح وجهها عنه.
_ وهخبي عليك إيه، أنت بجد غريب وأسألتك غريبة يا "مراد".
قطب جبينه مُتظاهرًا بالدهشة من ردها.
_ "أشرقت" لأ بجد ردودك عجيبة حتى وشك أصفر وبهتان أنتِ تعبانه يا حببتي...
نظرتها الفاترة إليه وضمها لكفوف يديها ببعضهما حتى تخفي رعشتهما، جعلت ملامح وجهه تنشرح ،لقد أجاد الدور ببراعة واخرجت من داخله نسخته السيئة.
ضحك بخفة عندما رأها تتعلثم أكثر في الرد عليه.
_ أنت شكلك فايق يا "مراد".
_ شوفتي بقى أنا زعلان منك ليه، ردودك عليا في مكالمتنا بقت غريبة وكأنك بتتهربي مني وكل ما أقولك نتقابل عشان نروح نشوف أخر تشطيبات الفيلا ديما مش فاضيه مع إني عرفت من عمي إنك واخدة أجازة من شغلك، أزعل بقى ولا مزعلش منك ، لدرجادي مبقتش فارق معاكي.
هتف حديثه دفعة واحدة حتى يُششتها ومن حسن حظه التقط قدوم "لبنى" وراء الخادمة التي دخلت الغرفة مُطرقة الرأس بمشروب أخر له وبعض الحلوى.
_ كويس إن "لبنى" هانم دخلت على كلامنا ،هخليها تحكم ما بينا.
إنه بارع في المكر والتلاعب، يعرف كيف يدور حول ضحيته.
_ مالكم يا "مراد" يا حبيبي واقفين كده ،لا أوعى تزعل "شوشو"... ده أنت متعرفش أنا و "هشام" مش مُتخيلين إننا بعد أيام هنسلمها ليك.
عبس "مراد" بشفتيه ونظر نحو "أشرقت" التي عادت الدماء أخيرًا لوجهها بعدما علمت السبب من وراء زيارته.
_ كده برضو يا "لبنى" هانم من أولها مش واقفة فـ صفي.
قهقهت "لبنى" بصوت عالي وهي تُشير إلى الخادمة حتى تُغادر ثم أخذت تُحرك يدها على ظهر "أشرقت" التي أسبلت جفنيها بخزي.
_ حماتك تحبك لو حطيت بنتها جوه رموش عينك ،ده إحنا مدينك جوهرتنا.
انفجر ضاحكًا بطريقة أدهشت "لبنى" ،فنظرت إليه وتساءلت بنبرة مُغتاظة.
_ هو كلامي في حاجة بتضحك أوي كده ، طب قولي عشان أشاركك في الضحك يا "مراد" يا حبيبي.
توقف "مراد" عن الضحك، فأسرعت "أشرقت" بالألتفاف بكامل جسدها نحو والدتها.
_ ماما ، "مراد" ميقصدش حاجة ،هو بس النهاردة مبسوط أوي.
_ أنا فعلا مبسوط أوي، ما أنا جاي النهاردة عشان اتكلم مع عمي في موضوع كتب كتابنا ،مش قادر استنى ليوم الفرح بصراحه وعايز أنا و "أشرقت" ناخد راحتنا شوية مع بعض.
«عقد قرانهم!! » هل يرغب بالتعجيل في توثيق زواجهم قبل العُرس رغم إتفاقهم بإتمام عقد القران في ليلة الزفاف.
ضاقت حدقتيّ "لبنى" شزرًا ثم عقدت ساعديها أمامها وكأن حديثه لم يعجبها.
_ لأ متفهمنيش غلط يا "لبنى" هانم ، أنا أقصد نتعود على بعض اكثر وكمان عايز أعملها حفلة مميزة لـ كتب الكتاب الكل يحكي يتحاكى بيها.
تلاشى التجهم عن ملامح "لبنى" و التمعت عيناها بنظرة صار يفهمها، هو صار يعرف تمامًا دواخلهم.
تقابلت عيناه بعينين "أشرقت" التي ظهر الإسترخاء على ملامحها واختفى قلقها قليلًا.
...
أرتبك "سيف" من نظرة عمه إليه ولم يجد أمامه إلا إلتقاط طبق السلطة الذي يحرص العم "سعيد" على وضعه يوميًا على الطاولة.
_ أرجع لطبق السلطة بتاعي ، أنا عندي هوس من زيادة الوزن وأكل "ليلى" ممكن يجرني وأنا ما صدقت بقيتي مش ضعيف قدام الأكل.
حديثه عن زيادة الوزن دفع العم "سعيد" على لطم كفوف يديه ببعضهما وصاح مُتذمرًا عندما تذكر صورته قبل أن يفقد الكثير من وزنه.
_ وأنت عجبك حالك كده ، فين أيام ما كان الدم بيكب من خدودك والأكل بيمري عليك.
ثم مصمص بشفتيه ونظر نحو "عزيز" الذي تلاشت دهشته وضحك.
_ بتضحك يا بيه، برضو أنت كمان مش عجبني حالك وأهي "ليلى" الحمدلله جات وأخذت دوري وبقت قادرة عليك بدل ما كنت مطلع عيني ،الدور والباقي على واحد مبقاش على لسانه غير ده مش أكل صحي يا عم "سعيد" وفي ناس مساعداه على كده.
وضعت "ليلى" يدها على شفتيها حتى تكتم صوت ضحكتها.
_ "سيف"، هل كنت بدين الجسد وبخدود ممتلئة.
صاحت به "كارولين" بعدما أنطلقت شهقة من شفتيها تُعبر فيها عن صدمتها ،فامتقعت ملامح "سيف" و رمقها بنظرة حانقة.
_ يا ما شاء الله، إشمعنا ديه اللي لقطيها من كلامي.
قالها العم "سعيد" وهو يُكمل مصمصته بشفتيه ، فانمحت أبتسامة "كارولين" وشعرت بالحرج خاصة عندما انتبهت على نظرة "عزيز" لها.
التفت "ليلى" برأسها نحو العم "سعيد" حتى تُعاتبه على إحراجه لها ،فحرك لها يده على طول حلقه ... فهو لا يطيق "كارولين" ولا يرى فيها خيرًا ولن يرتاح قلبه إلا عندما تُغادر هذا المنزل.
_ خلاص بقى يا راجل يا عجوز فضحتني وعشان أريحك النهاردة هاكل من كل الأصناف.
كاد "سيف" أن يمدَّ يده نحو طاجن البامية ،فنهض "عزيز" من مقعده وصفعه على يده بخفة.
_ أيدك ، أوعي تلمس طاجن البامية تاني ، أنا مراتي عملاه ليا مخصوص وكرم مني إني سيبتك تدوقه وتتغزل في أكلها.
اتسعت ابتسامة العم "سعيد "وحرك رأسه لها حتى تشغل عقلها بزوجها ولا تهتم إلا به وحده.
_ أنا قولت مبقاش حد يقدر عليك غير "ليلى"، أنا منسحب خلاص ورايح لمطبخي.
تمتم بها العم "سعيد" وغادر حجرة الطعام مُتذمرًا مصطنعًا عبوسه.
_ استنى يا عم "سعيد"، "عزيز" بيهزر معاك... قوله يا "عزيز" إنه هو الأساس في كل حاجة.
أخترق حديثها مسامع "سيف" وأرتعشت يده التي يضعها على طاولة الطعام.
_ من فضلك يا "عزيز" قوم معايا خلينا نصالحه.
قهقه "عزيز" عندما رأها تسحبه من ذراعه حتى ينهض ويتجه معها إلى المطبخ.
_ يا حببتي، عم "سعيد" مش بيزعل، هو بس بيحب يناكش فينا ، اقعدي خلينا ناكل وبعدين نراضيه وهبوس راسه كمان.
_ لأ يا "عزيز" مش هناكل إلا لما تراضي عم "سعيد".
تنهد "عزيز" وترك رغيف الخبز الذي للتو ألتقطه.
_ حاضر، أنا عارفه طاجن البامية ده حد باصص ليا في.
ابتسمت ، فاردف وهو ينظر إلى "سيف" الذي يجلس مُحدقًا في طبق طعامه.
_ أوعي تمد أيدك ،أنا بحذرك.
سحبته "ليلى" من ذراعه، فتعالت صوت ضحكته.
_ هيبتي ضاعت قدام ابن أخويا وأنتِ جراني كده وراكي زي التلميذ المشاغب.
أغلق "سيف" جفنيه لوهلة ثم رفع رأسه عن طبق الطعام واتجه بأنظاره نحو عمه يتساءل داخل نفسه ، هل عمه يتظاهر بالسعادة أمامه أم هو بالفعل سعيد؟
ضحكات عمه هزت فؤاده وعاد يطرق رأسه نحو طبق طعامه.
_ "ليلى" حولت عمك إلى مراهق ، ما هذا الذي يفعله أمامنا... لا أستطيع أن أصدق إنه صار مهوس بها.
مهوس بها ، جعلته مُراهقًا، ما الذي ينتظره حتى يفقد عمه مثلما فقد أباه.
تلاقت نظراته مع "كارولين" بعدما ألقت بكلامها ثم نهضت.
_ لم يعد لدي شهية.
صارت طاولة الطعام فارغة إلا به ، فحتى قوانين طعامهم ضاعت من أجل "ليلى"، "ليلى" التي هوست عمه بجمالها.
_ لعنة، وجودك في حياتنا لعنة... هتضيعيه زي ما هي ضيعت "سالم الزهار" زمان.
...
اختفت ابتسامة "سما" وتركت هاتفها جانبًا عندما دلفت فجأة والدتها الغرفة.
_ مش ملاحظة حتى في أجازتك قعده في أوضتك مبحلقه في التليفون وديما مُبتسمة وأول ما أدخل عليكي الأوضة كأنك شوفتي عفريت.
أسرعت "سما" بالرد عليها بعد ما اعتدلت من وضيعة جلوسها.
_ أنا يا ماما!!
أومأت "يسرا" برأسها و ردت بنبرة ساخرة.
_ لأ العفريت يا ست المضيفة يلي كل ما يجيلك عريس تطفشي و أبوكي قايم على عومك وكل ما أتكلم سيبي البنت براحتها يا "يسرا".
هربت "سما" بعينيها بعيدًا عن نظرتها الثاقبة لها ثم حركت يدها ببطء نحو هاتفها حتى تدسَّه أسفل الوسادة.
شعرت بالراحة عندما لم تلفت فعلتها أنظار والدتها.
_ عارفة في العيلة مطلعين عليكي إيه ،إنك خايبة يا بنت "يسرا".
قوست "سما" شفتيها بتهكم.
_ خايبة!! هي الواحدة فينا بقت بتتقيم بالجواز.
_ طبعا بتتقيم بالجواز لكن مش أي جوازه.
استنكرت "سما" ردها وأرتفع أحد حاجبيها ذهولًا حينما لطمت والدتها فخذيها.
_ وقال إيه، أنا لما أشتغلتي في المطار وبقيتي مُضيفة قولت بنتي هتدخلي بالطيار.
صدحت ضحكات "سما" عاليًا ، فزجرتها "يسرا" وأجتذبتها من خصلات شعرها.
_ أنتِ عندك عداء مع شعري يا ماما ، عايزاني أكون مضيفة قرعه وتضيعي مهنتي مني.
دفعتها "يسرا" من أمامها بضيق ،فتعالت ضحكات "سما" مجددًا.
_ وكمان عايزاني أتجوز طيار من قلة المهن، كفاية "زوزو" في العيلة جبتلنا واحد ، وأه الواحد أخيرًا بقى له ضهر في المطار.
_ ونفسك يا نين عين أمك تتجوزي إيه!
انفرجت أساريرها ومررت يدها على خصلات شعرها حتى تُرتبها.
_ ماله مثلا لما أتجوز دكتور.
رد والدتها أتاها سريعًا ولم تتوقعه.
_ هاتيلي الدكتور و أنا موافقه.
...
رفع "مراد" رأسه عن عجلة القيادة ونظر بحاجبين معقودين نحو شقيقته وهي تتجه إلى الجزء الخلفي من حديقة الفيلا.
ترجل من السيارة وسار ورائها بخطوات حذره.
تجمد في وقفته عندما وجدها تجلس وراء أحد الأشجار وتضع رأسها بين ساقيها.
تلك الحركة أرجفت جفونه وذكرته بطفولتها ،" زينة" عندما تكون حزينة تبحث عن مكان تختبئ فيه.
توقف أمامها ثم أرتسم الفزع على ملامحه عندما وجد حامل ذراع مُلتفًا حول ذراعها ، فهي بالأمس لم يكن بها شئ،
وتساءل بخشونة.
_ دراعك كان سليم أمبارح.
نظرت إليه ثم أخفضت رأسها هربًا من سؤاله ،والجواب كان مفهومًا بالنسبة له...
_ أيده أتمدت عليكي مش كده، قولتله مليون مرة أيده متتمدش ويقف قصادي أنا.
وأندفع من أمامها بوجه غاضب مُتوعدًا.
_ مش هو يا "مراد"... "عدنان" مضربنيش
...
أعطاها مئزرها في صمت حتى ترتديه ثم أتجه نحو الحمام المُلحق بالغرفة على تلك الباخرة.
كل ليلة تجمعهم يُثبت لها كم هو رجلًا راقيًا، لا يُعنف ولا يصرخ بل يحترم رغبتها بالتوقف وعدم المواصلة لكن هل كل الرجال لديهم قدرة على هذا، إنها بالفعل ترى ضيقه في تحمل أمر كهذا.
تنهدت "زينب" بصوت عالي وهي تضع المئزر على جسدها ثم نظرت إلى الفراش الذي صار غير مُرتبًا.
أخذت تتحرك بالغرفة بضيق من نفسها تتساءل ، هل صبره سيستمر طويلًا ، هي صارت زوجته وأكتملت علاقتهم الزوجية ولم يعد زواجهم مجرد كلمة وضعت على وثيقة زواج.
_ أعمل إيه يا رب مش قادرة أنسى ،وخايفه يحصل حمل ، لا لا يا رب متعاقبنيش، أنا عايزة أكون أم بس خايفة.
دارت حول نفسها ماقتة، فهي ليست راضية عن أفكارها لكن رغمًا عنها مازالت تلك الحقيقة تُمزق روحها... هي تم أختيارها حتى تُنجب وريثً للعائلة وربما تظل حياتها هكذا...
_ فوقي يا "زينب"، "صالح" بيعمل كل حاجة عشان يراضيكي، أي حاجة نفسك فيها بيعملها.. بقى يندمج مع الناس عشان خاطرك... وطلع الرحلة برضو عشان خاطرك.. "صالح" أتغير عشانك.
طأطأت رأسها و تورد خديها عندما تسللت تلك اللحظات الحميمية الدافئة التي تجمعهم إلى رأسها.
_ مُراعي وحنين بيخليني أحس إني طايرة وأني أجمل ست في الوجود.
خرجت همساتها بصوت خافت مع تسارع دقات خافقها.
اقتربت من باب الحمام حتى تسترقي السمع ثم ابتعدت مُتنهدة بعدما أستمعت إلى صوت مِرَشّ الأستحمام.
أتجهت نحو الفراش حتى تُرتبه وجمعت ملابسهم سريعًا ،فهذا ما وجدته أمامها لتُلهي نفسها وتنفض رأسها من أفكارها التعيسة.
زفرت أنفاسها بضجر والتفت حولها ثم أقتربت من باب الحمام مُقررة هذه المرة أن تطرقه.
توقف صوت المياة، فتراجعت من أمام الباب واتجهت إلى الفراش بخطوات سريعة.
جلست على الفراش ثم أنتفضت حينما التقطت عيناها حقيبة مستحضرات التجميل وكريمات العناية بالبشرة الخاصة بها.
اختطفتها من على طاولة الزينة التي تضمها الغرفة وعادت إلى الفراش ثم رفعت ساقيها ومددتهما بطريقة مُغْوِيَة.
خرج من الحمام وهو يمرر المنشفة على وجهه وتحرك نحو الخزانة الصغيرة حتى يلتقط قميص نظيف له.
_ أنا خارج أشم شوية هوا.
لم ينظر إليها وهو يُخبرها بخروجه إلى سطح الباخرة.
_ خدي راحتك في الأوضة.
زمت شفتيها بعبوس ونادَته برقة.
_ "صالح".
استدار إليها ،فظنت إنها سترى تلك النظرة المُتلهفة منه لكنه أشاح وجهه عنها وبدء في تزرير أزرار قميصه.
_ تقدري تنامي براحتك.
ردوده عليها جعلتها تشعر بالأختناق ودفعت حقيبة المستحضرات أرضًا دون قصد منها .
التف نحوها بعدما أستمع إلى صوت سقوط الحقيبة وقد تناثرت العبوات أرضًا.
نهضت سريعًا ولم تنتبه على وضيعة جلوسها وطريقة نهوضها ،فخرج تأوه عاليًا من شفتيها عندما تشنجت عضلة ساقها اليُمنى.
_ مش تاخدي بالك ، ديما كده مستعجلة، يعني عبوات الكريمات هيجرا ليها حاجة لو فضلت على الأرض.
اِفتر ثغرها بابتسامة عريضة ،فتنهد بمقت وهو يرفع ساقها المُتشنجة برفق.
_ لحظة أحط مخدة تحتها.
لم تغادر الأبتسامة شفتيها، هي بالفعل دلوعته ولا يتَّوَانى في تدليلها.
أسرعت بوضع قبلة على خده وتمتمت بآسف.
_ ممكن متزعلش مني وتستحملني شويه صغيرين.
طريقة تعبيرها بالكلام ، أصابت قلبه برجفة قوية وأذابت جمود ملامحه وجعلته رغمًا عنه ينظر في عينيها بلهفة.
أنفرجت شفتيه بابتسامة عذبة وتساءل بصوت مُتحشرج.
_ وأنتِ كده بتصالحيني.
هزت رأسها لمرات، فتوهجت عيناه بنظرة عابثة ثم أشار نحو شفتيه.
_ لأ أنا مبتصلحش غير بطريقة الكبار، بوسة الخد ديه تخليها لـ "يزيد".
مزحته تسللت إلى قلبها المُتعطش لدلاله وقد أذهله أستجابتها السريعة.
_ حاضر.
خفق قلبه بجنون عندما اقتربت منه ثم أجتذبته أكثر إليها.. فتعالت وتيرة أنفاسهم معًا.
_ بتلعبي بيا يا "زينب".
تساءل بها وهو غارق في نعيم قربها، فـ رفعت رأسها إليه ودون شعور منها غمغمت بأنفاس مُتقطعه.
_ أنا مش عايزة يكون عندنا طفل دلوقتي...