رواية نصفي الاخر الجزء الثاني (سلسبيل) الفصل التاسع
_أعيدوا إلينا خفقات القلوب_
اتصال من رقم خاص أجابه علي الفور فسمع صوتاً غريباً يقول:
_نضال الجبالي.
_أيوة مين معايا؟
_أنا اللي بتدور عليه ونفسك تلاقيه.
قبض علي هاتفه بقوة يقول بغضب:
_انت اللي خطفت بنتي ياابن ال...
قاطعه قائلاً بسخرية :
_تؤتؤتؤ.. مش حلو أسلوبك في الكلام، ميليقش أبداً باسم عيلة الجبالي وتاريخها.
_انت هتديني درس في الأخلاق انطق وقولي وديت بنتي فين؟ تعرف لو مسيت شعرة منها....
_هتعمل ايه.. ها؟ مش عشان قدرت توصل لمعلومات تافهة مش هتفيدك بحاجة تفتكر انك كدة خلاص ممكن توصلها وتنقذها مني، الثقة بالنفس حلوة مفيش كلام لكن الغرور غباء، البيت اللي انتوا فيه دلوقتي انت وصاحبك هتلاقيه فاضي وأي معلومة عن حد كان موجود فيه مش هتلاقي، أنا زي الشبح اللي مستحيل يسيب وراه أثر، نصيحتي ليك ترجع بلدك وتخليك هناك أحسن لإن هنا بلدي والكورة في ملعبي.
_تفتكر اني ممكن أرجع مصر من غير بنتي؟ مستحيل طبعاً.. أنا مش هرجع مصر غير وايدي في ايد حور ولتاني مرة بقولهالك لو مسيت شعرة منها اعتبر نفسك ميت وبأبشع صورة كمان لإني هجيبك هجيبك ووقتها قول علي نفسك يارحمن يارحيم.
_هعتبر نفسي مسمعتش تهديدك السخيف ده واسمعني بقي كويس قبل ماحقيقي أقلب علي وشي التاني.
صمت للحظة يتأكد من أنه جذب انتباه محدثه بالكامل قبل أن يردف قائلاً:
_مزاد الساحل بعد يومين، عيلة النضالي تخرج منه خالص وملهاش دعوة بيه والا مش هتشوفوا بنتكم حية تاني.
أنا قلت اللي عندي والقرار في ايديك يانضال باشا.
كانت تتسلل هاربة من هذا الكوخ الصغير بعد أن استطاعت الهرب من حجرتها، توقفت وهي تلقي نظرة حذرة تجاه مختطفها الذي جلس علي كرسي يتابع شيء ما علي اللاب الخاص به بينما يتحدث مع أحدهم علي الهاتف، اتسعت عيناها بصدمة وهي تري أباها وعمها يزيد يحتلان الشاشة الصغيرة -يقفان أمام أول منزل وضعها فيه مختطفها- شعرت بالاطمئنان لدي رؤيتهما وسعادة جعلتها تتخلي عن عقلها للحظة وتصرخ باسم والدها، استدار إليها ليث يتطلع إليها بحنق بينما يقول والدها بجزع:
_حور، متخافيش ياحور أنا جنبك يابنتي ومش هسيبك أبداً.
أغلق ليث الهاتف وألقاه جانباً بينما ينهض يطالعها بغضب وتأهب، تراجعت حور بضع خطوات بخوف ثم مالبثت أن تمالكت نفسها وهي تمسك أقرب فاز إليها وتهدده قائلة:
_لو قربت مني هقتلك، انت فاهم هقتلك.
لمعة عبرت عينيه بسرعة وهو يتطلع إلي الفاز بيدها ثم إلي وجهها قائلاً:
_طبعاً مش محتاج أسألك هربتي ازاي من الأوضة لانك عملتيها قبل كدة وللأسف متعلمتش من غلطتي، لكن السؤال هنا.. انتِ ازاي مفكرة انك ممكن تهربي من المكان ده كله؟ يعني حتي لو سبت باب الكوخ مفتوح وده احتمال بعيد جداً فالمكان هنا أصلاً مستحيل تخرجي منه حية من غير عربية ومفاتيح العربية معايا زي ماانتِ شايفة.
أخرج المفاتيح من جيبه يلوح بها أمامها فقالت بعصبية:
_الباب أكيد مفتوح لإنك مآمن اني في الأوضة ومش هعرف أخرج ده غير ان المكان في حتة مقطوعة زي ماقلت ومش هتخاف اني أحاول أهرب منه، أما ازاي ههرب؟ فإني أموت وأنا بحاول أحسن ألف مرة مااستسلم لأسرك وأسيبك تلوي دراع أهلي بيا.
قالت كلماتها وأسرعت بالهروب من أمامه، ناداها محذراً فلم تُعر نداءه اهتماماً وهي تفتح باب الكوخ تشعر بالسعادة حين صح تخمينها، جرت بعين تفحص المكان بسرعة وبداخلها أمل أن تستطيع الاختفاء في أي مكان حتي يأخذ سيارته ويسعي بحثاً عنها فتنتهز هي الفرصة وتهرب من الاتجاه الآخر، فلم تجد أي شيء قد يفيدها، فقط زرع أخضر ثم صحراء هو جل ما حولها، جرت بكل قوتها وهي تسمع خطواته المهرولة خلفها فلم تنظر إلي الوراء أبداً بينما يصرخ عليها قائلاً :
_حاسبي ياحور، استني كفاية.. صدقيني هتتإذي.
لا أذي قد يصيبها أكبر من جروح في قلبها جراء ضعف قد يصيب والدها بسببها.
فكرت حور ثم صرخت بقوة واحدي فخاخ الصيد تقبض علي قدمها فخرت راكعة تتألم بشدة وقد طفرت الدموع من عينيها وعلا أنينها، كان ليث إلي جوارها في ثواني يتطلع إلي قدمها المصابة بعين طفر منهما القلق والألم، قطبت حور جبينها بحيرة رغم الألم تتساءل لم هذا القلق بمقلتيه؟ هل حزن لمصابها أم فقط هو الخوف من فقدان الفريسة؟ رجحت الاحتمال الأخير، لتنفض أفكارها وصرخة ألم تنطلق من ثغرها إثر محاولة ليث لنزع الفخ عن قدمها فقال ليث:
_انا عارف انك بتتألمي بس حاولي تتحملي، باقي حاجة بسيطة وتتخلصي منه وأي توتر هتسببيهولي هتبقي نتيجته مش في صالحنا احنا الاتنين.
تأكدت الآن من أنها فريسته التي يخشي فقدانها فهل تخشي هي الموت؟ بالتأكيد لا ولكنها رغم ذلك لا تهوي أن تعيش وقد فقدت إحدي قدميها لذا جزت علي أسنانها وتحملت الألم بجلد حتي انتزع عنها الفخ فكانت هذه بمثابة دعوة لها لتسقط بين غياهب ظلام تسلل إلي حواسها فكان آخر ماشعرت به يدين قويتين حملتاها وكأنها لا تحمل وزناً مطلقاً لتستسلم لهذا الظلام الدامس الذي أحاطها بصمت.
_______
نهض فهد يرحب بزائرته التي بادرته قائلة:
_لأ أنا زعلانة منك بجد، من يوم ماوصلتني البيت لا تليفون ولا حتي ماسيدج.
ابتسم وهو يسلم عليها ويدعوها للجلوس قائلاً:
_معلش اعذريني غصب عني والله، مشاكل في الشغل ومشاكل عائلية حقيقي غرقان مابينهم.
جلست فجلس بدوره وهي تقول :
_مشاكل الشغل ومتعودين عليها لكن المشاكل العائلية فدي اللي بجد بتوجع قلوبنا قبل عقولنا، خير يافهد.. اتكلم معايا يمكن تلاقي عندي حل وحتي لو ملقتش فالكلام أكيد بيريح.
تراجع بمقعده يفتح زر جاكت بذلته وهو يقول :
_أوقات بيكون صعب نتكلم عن مشاكلنا مع حد عشان ميشاركناش همومنا ونشيله فوق طاقته.
ابتسمت تتطلع إلي محياه بنظرة حانية وهي تقول:
_وأنا مش أي حد وراضية ياسيدي أشاركك همومك بس انت ترضي.
تطلع إلي مقلتيها اللتان تشبهان في لونها لون العسل الصافي وحين ظللتهما هذه النظرة الحانية صارا ساحرتين يصعب علي المرء الإشاحة بناظريه عنهما، لا يجد سبيلاً سوي الغرق فيهما. شعر بغرابة اللحظة واستطالتها فتنحنح بارتباك قائلاً:
_قوليلي كنتِ جاية الشركة ليه؟ أكيد مش عشان تشوفيني.
_لأ أنا فعلاً جاية عشان أشوفك لإنك بجد وحشتني.
صدمته كلماتها فنهضت واستدارت تقترب منه حتي جلست علي المكتب جواره تقول بلهجة ناعمة:
_انت ليه مش قادر تصدق اني ممكن آجي الشركة بس علشان أشوفك؟ علي فكرة يافهد ستات كتير تتمني تقعد وتتكلم معاك لكن حظها محالفهاش لكن أنا محظوظة اني اتمنيت واتحققت أمنيتي.
_مدام ريتاج....
قاطعته وهي تميل واضعة اصبعها علي شفتيه تقول بابتسامة حانية وعيون لامعة:
_متحاولش ترفض دلوقتي أي محاولة مني لإظهار مشاعري ناحيتك لإني معاهدة نفسي مخبيش أي حاجة عنك.
لم يستطع التفوه بحرف وقد عجز عن اشاحة ناظريه عنها بينما اتسعت ابتسامتها وهي تنهض وتتجه إلي الطاولة تسحب حقيبتها وهي تقول:
_بالمناسبة أنا عارفة انك متجوز ومش مطالباك بمبادلتي مشاعري، أنا راضية قوي بموقعي معاك وراضية بالصفة اللي حابب تديهالي.. شريكة في البيزنس، عميلة صديقة أخت.. مش مهم المهم أكون جنبك وبس.. هستأذن دلوقت عشان ورايا ميعاد مع مصمم الديكور وأشوفك بعدين.. سلام يافهد.
ظل صامتاً يتابع رحيلها حتي فتحت الباب لتلتفت إليه وتقول بابتسامة:
_بالمناسبة الكرافات تجنن عليك.
أغلقت الباب خلفها دون أن تنتظر جوابه ليشعر فهد بشعور لم يراوده منذ زمن، شعور رجل بامرأة تهتم به وتدلله بل وتكتفي بقربه وكأن قربه إكسير حياة، ولكنه شعور خطير يسحبه إلي درب لا رجعة فيه قد يخسر فيه كل شيء، شعر بالاختناق فخلع عنه رباط عنقه بنزق يتمني لو كان نضال إلي جانبه كي يمنحه النصيحة كالعادة ويعيده إلي صوابه، نفض شعوره وذكر اسم أخاه في عقله يعيده إلي المشكلة التي تواجه عائلة الجبالي بأكملها ليقرر الاتصال بأخيه علي الفور والاطمئنان إلي ما آلت إليه الأمور.
_______
_ ايه الكلام اللي بتقوله ده يانضال؟
_زي ماسمعت.. كلم فهد وقوله يبعد الشركة عن مزاد الساحل.
_انت عارف لما الشركة تخسر مزاد بالحجم ده معناه إيه؟
ظهر الحزم علي وجه نضال وهو يقول:
_مفيش حاجة في الدنيا أهم عندي من بنتي.
_حور غالية عندنا كلنا وانت عارف انها زي بناتي بالظبط، بس انت كدة مش بتنقذها، انت بتدي الخاطف فكرة ممكن تودينا في سكة تانية خالص، هيفتكرنا لقمة طرية وعيلة متقدرش تحمي ولادها من أي شر وهيبقي بالنسبة له خطف أي حد من ولادنا أسهل حاجة يقدر يلوي بيها دراعنا ومش هيكتفي بالمزاد ده وبس ده ممكن يدمر كل شغلنا، وبعدين مين قالك اننا بعد مانتنازل عن المزاد ممكن يسيبها؟ مين قالك انه مش هيقتلها؟
مرر نضال يده في شعره بحنق قائلاً:
_أنا كنت بفكر زيك يا يزيد بس حاليا مش قادر افكر غير في سلامة بنتي وبس و مش ناقص تخميناتك ، أنا فيا اللي مكفيني.
_البني آدم لما بيكون في محنة مبيفكرش بعقله، ووقتها بيحتاج حد جنبه ينصحه ويكون عقله.. أنا مبقولكش فضل الشغل علي بنتك لأ أنا بقولك فكر كويس قبل أي خطوة وحاول تظهر بمظهر الخصم القوي حتي لو كنت أضعف مايمكن، هو أنا اللي هعلمك يانضال؟
_انت قصدك....
_متتسرعش وتطلب من فهد يخرج من المزاد، احنا هنحاول بكل قوتنا واتصالاتنا نوصل لحور قبل المزاد وان مقدرناش فهنتازل عنه لكن في آخر لحظة بعد ما خصمنا ييأس خالص ويفتكر اننا مش هنستسلم فيغلط وغلطة الشاطر بألف زي مابيقولوا.
_وافرض إذاها بسبب مماطلتنا؟
_مش هيقدر يعمل أي حاجة قبل ماالمزاد يرسي علينا وزي ماقلتلك ان ملقينهاش لحد وقتها فهنتنازل ونمشي.
ظهر التفكير علي وجه نضال قبل أن يهز رأسه موافقاً.. ليربت يزيد علي كتفه مشجعاً.
_______
من بعيد نراهم..يؤلمنا اشتياقنا إلي لحظات كنا معهم نسترق نفحات من السعادة.. نغلق ثغرنا بقوة خشية أن يعلو صوت لهفتنا..ونشيح بأعيننا عنهم حتي لا تناديهم..وحتي لا نبوح بكلمات حبسناها دوماً في صدورنا..
"أعيدوا إلينا خفقات القلوب فقد كتبتم بالفراق شهادة وفاتنا"
كان يراقبها من بعيد في حفل ضم أصدقائهم، هذا الحفل الذي لطالما كانا ثنائيه الأشهر علي الإطلاق، يعلنان بحضورهما الطاغي اشتعاله بمرح لا ينتهي، أما الآن فقد صار غيره بمكانه ينعم بصحبتها ويستمتع بخفة ظلها وضحكاتها الرقيقة التي تبرز غمازتيها، غيره ينعم بقربها بينما هو يتطلع إليهما بشعور جديد عليه لا يستسيغه بل ويمقته.. انه شعور بالغيرة لا سبيل إلي محوه من قلبه.
_يوووه بقي يافهد أنا زهقت، لا عايز ترقص ولا حتي نقعد مع أصحابك..أمال جايبنا الحفلة ليه ياأخي؟
_لو عايزة نروح.....
قاطعته قائلة باستنكار:
_نروح ايه؟ ده أنا ماصدقت آجي.. أقولك خليك انت هنا وأنا هشوف أي حد أرقص معاه.
لم يعرها اهتماماً فضربت الأرض بقدميها حانقة قبل أن تبتعد عنه، فألقي عليها نظرة لا مبالية ثم عاد بعينيه إلي سلسبيل التي أرسلت لرعد ابتسامة أثارت براكين غيرته التي أوشكت علي الإنفجار، وجد رعد يبتعد فالتمعت عينا فهد وهو يتجه إليها.
كانت تتطلع إلي محيطها حين تجمدت وعيناها تتعلقان بهذا القادم نحوها بجاذبيته وعيونه الغامضة، لطالما أشعل خفقاتها بطلته تلك وحتي بعدما كسر قلبها وجرحها بعمق وجدت خفقاتها تتعلق بخطواته وعيناها تتعلق بخاصتيه لا تستطيع عنهما تحويلاً.
توقف أمامها قائلاً:
_هو رعد راح فين وسابك لوحدك كدة؟
أجلت صوتها قائلة:
_راح يجيبلي عصير، فين سوزان؟
_بترقص.
_من غيرك؟
_عادي.. الكلام ده في لندن عادي ياسلسبيل.
_بس احنا مش في لندن.
_يعني أنا لو طلبت أرقص معاكي دلوقت زي زمان هترفضي؟
_أكيد هرفض، مستحيل أهين كرامة الراجل اللي دبلته في ايدي بإني أرقص مع واحد تاني غيره.
_بس أنا مش غريب، أنا ابن خالك.
_كنت مش غريب قبل مااتخطب لكن من وقت مااتخطبت بقي فيه واحد أنا مسئولة قدام ربنا اني أحافظ علي كرامته واحساسه.
_وايه اللي يإذي إحساسه لما يشوفك بترقصي معايا؟ هو عارف اني أعز أصحابك.. احنا كنا....
قاطعته قائلة بحزم:
_كنا يافهد، كنا.. دلوقت خلاص راح اللي بينا، ولو حبيت بجد هتعرف ان وجود أي شخص غيرك مع اللي بتحبه بتقيد نار جواك، وقت لما البنت بتتخطب مبقاش فيه حاجة في حياتها اسمها زميل عزيز او صديق عزيز، عقلية الراجل الشرقي مستحيل تتقبل المسميات دي، أعتقد لو دورت جواك هتعترف بصحة كلامي، وعموماً أنا مليش مزاج أرقص وغالباً هروح لإني تعبانة شوية.
_تعبانة مالك ياسلسبيل؟
_حاجة بسيطة يافهد معتقدش مرت في حياتك قبل كدة أو عرفتها.
قطب جبينه قائلاً:
_هي ايه دي؟
_خيبة الأمل.
كاد أن يقول شيئاً ولكن وصول رعد بالعصير قاطعه، قال الأخير بترحاب:
_فهد.. انت جيت امتي؟
_من شوية.
ناول سلسبيل العصير فشكرته بيننا يقول لفهد:
_تحب تشرب حاجة؟
هز فهد رأسه رافضاً وهو يقول:
_انا كنت لسة همشي مع سوزان، الحفلة مملة قوي زي ماانت شايف.. هنروح رويال بالاس.. تحبوا تيجوا معانا؟
_مش هينفع يافهد، سلسبيل تعبانة شوية فهنروح.
هز فهد رأسه قائلا:
_سلامتك ياسلسبيل..عن اذنكم.
غادر تتابعه بعينيها الدامعتين فربت رعد علي كتفها يقول بعطف:
_مش وقت الضعف ياسلسبيل، امسكي نفسك أكتر، صدقيني انتِ ماشية صح؟ اوعي تضعفي لانك في النهاية هتنجرحي.
أطرقت برأسها تقول بهمس مرير :
_أنا عايزة أمشي، من فضلك روحني يارعد.
في هذه اللحظة استدار فهد ليلقي نظرة عليهما فوجد رعد يضع كفه علي كتفها، قريباً منها كما لم يكن يوماً بينما تطرق رأسها خجلاً ليشعر بثورة الدماء في شرايينه، أشاح بوجهه عنهما قبل أن يرتكب خطأ يندم عليه وهو يتجه إلي حيث كانت سوزان ترقص يسحبها من ذراعها دون كلمة ويتجه بها للخارج فابتسمت وهي تتبعه وقد ظنت فعلته هذه لغيرته عليها لا تدري أنها كانت محقة بالفعل ولكن غيرته لم تكن قط عليها بل علي فتاة أخري أدرك أنها كانت له حياة والآن يذوي دونها.
______
فتحت براء الباب لتفاجئ بساهر يتطلع إليها بعيون خالية بينما تصحبه جاسمين التي تطلعت إليها بسخرية، أفسحت لهما الطريق دون كلمة فدلفا إلي المنزل، قال ساهر ببرود لم تعتده منه:
_ماما فين يابراء؟
_في أوضة سندس بتحضر معاها الشنطة.
قالت جاسمين باستنكار:
_سندس كدة من غير ألقاب.
_جاسمين.
نهرها ساهر فصمتت علي الفور بينما قالت براء:
_الست نيرة قالتلي أول ماتوصل تروحلها علطول.
هز ساهر رأسه ثم قال لجاسمين:
_استنيني هنا ياجيسي هشوف ماما عايزة ايه وأرجعلك.
هزت رأسها تمنحه ابتسامة وقد لمعت عيناها لتدليله اياها للمرة الأولي بينما أردف ساهر موجها حديثه لبراء:
_شوفي جاسمين تشرب ايه علي ماأشوف ماما من فضلك .
هزت براء رأسها فغادر متجها لحجرة أخته بينما اتجهت جاسمين إلي الأريكة وجلست عليها تضع قدماً فوق الأخري قائلة باستعلاء:
_عصير فريش.
استدارت براء تتجه إلي المطبخ لتعده لها فاستوقفتها جاسمين قائلة:
_استني.. متنسيش تغسلي الكاس كويس، آه وياريت تبقي تاخدي بالك من اللي بحبه واللي مبحبوش، ده الطبيعي بما اني هكون من أصحاب البيت.. ولا ايه؟
_تنوري.. عن اذنك.
اتسعت ابتسامة جاسمين الساخرة بينما استدارت براء مغادرة وفي مقلتيها استقرت دمعتين حاولت بكل ذرة في كيانها أن تحبسهما بالداخل ولكنها في النهاية لم تستطع فسقطتا علي وجنتيها تحرقان بشرتها الرقيقة وقلبها المحب.
_____
قالت نيرة بعيون دامعة:
_خلاص ياسندس هتمشي وتسيبيني.
أغلقت سندس الحقيبة واقتربت من والدتها التي تجلس علي السرير تركع جوارها وتمسك يدها بحنان مرير قائلة:
_أنا اضطريت أصارحك بمشاعري ياأمي عشان أقدر أسافر وانتِ مش زعلانة مني، لازم أبعد علي الأقل الفترة دي، لازم أقدر أمحي اللي جوايا قبل ما أرجع، حق أختي عليا وحق نفسي بس أوعدك اني مش هتأخر ووقت ماارجع فرحتك بيا هتمحي كل أيام الفراق وحزنها.
رفعت نيرة أناملها تمررها علي وجنة سندس قائلة بحزن:
_شايلة كتير جوة قلبك ياقلبي ومستحملة الوجع، الدنيا دي بقت غريبة قوي.. كل واحد بيحب حد وبيعاني لانه مش ليه، سلسبيل اللي حبت فهد وانتِ اللي حبيتي رعد واخوكي كمان.. الظاهر اني ولادي انكتب عليهم يعيشوا وجعي قبل ماربنا يرضي عني ويجمعني بيزيد.
_واخويا ماله هو كمان؟
_أخوكي تقريباً بيعيش قصتي مع يزيد مع تبادل الأدوار.
_قصدك ايه ياماما؟
_مش مهم، المهم دلوقتي توعديني انك تخلي بالك من نفسك وتطمنيني عليكي كل يوم.
رفعت سندس يد والدتها وقبلتها قائلة:
_أوعدك.
طرق علي الباب نهضت علي اثره سندس تسمح للطارق بالدخول فأطل ساهر بوجهه يقول بمرح:
_ساهر يزيد المنصوري في الخدمة.. حد كان طالبني؟
ابتسمت سندس بينما قالت نيرة وهي تمسح دموعها :
_ادخل يافالح خد شنطة أختك ووصلها المطار واتأكد ان طيارتها طلعت وبعدين ارجعلي.. عايزاك في مشوار مهم.
أدي التحية العسكرية قبل أن يتطلع إلي سندس قائلا بحنان:
_خلاص هتسافري ياسوسو.
هزت رأسها فأردف وهو يقترب منها :
_هتوحشيني وهتوحشني مناكفتك ليا.
ارتمت في حضنه فجأة تطلق الدموع من محابسهما تقول بحزن:
_انت كمان هتوحشني.
أدمعت عيناه بينما كانت نيرة تبكي ليبعدها عنه قائلاً بمرح مفتعل:
_بس بقي بطلي نكد هتبوظيلي القميص وبعدين ينفع كدة؟ بكّيتي الست الوالدة بالشكل ده.
مسحت سندس دموعها قائلة بمرح مفتعل بدورها:
_الست الوالدة بتعيط من يوم ما اتولدت.
_اتحشمي يابنت.
ليقترب من نيرة يركع أمامها ويمسح دموعها بكفه مردفاً بحنان:
_متعيطيش ياست الكل، هما يومين ومش هتعرف تعيش من غيرنا وهتيجي جري تقولنا حقي برقبتي، واللي خرج من داره اتقل مقداره.
ابتسمت نيرة بحنان بينما تقول سندس باستنكار:
_أنا مستحيل أقول الكلام اللوكال ده.
نهض يقول:
_بكرة نشوف هتعملي ايه لما تعيشي بين العمال والمهندسين ياباشمهندسة.
_بكرة انت تشوف يادكتور.
_خلاص ياولاد بطلوا نقار ويلا ياساهر وصل أختك.. الطيارة هتفوتها.
ابتسم وهو يحمل الحقيبة ويتجه للخارج بينما نهضت نيرة تتحامل علي نفسها بعد أن شعرت بألم شديد في صدرها ووجع لا يحتمل برأسها، تقترب من سندس وهي تقول بضعف:
_انتِ وعدتيني تاخدي بالك من نفسك.
هزت سندس رأسها فأردفت نيرة:
_في حفظ الله ورعايته يابنتي.
احتضنت سندس والدتها ثم غادرت بسرعة قبل أن تضعف وتقرر البقاء وقد شعرت بروحها تسحب منها في وداع أمها بينما لم تستطع نيرة احتمال الألم أكثر فحثت خطواتها تعود إلي السرير وترتمي عليه،تضع الوسادة علي وجهها وهي تكتم صرخة ألم كادت أن تنطلق من حلقها وتفضح سرها.