رواية نصفي الاخر الفصل التاسع بقلم شاهندا سمير
__لن أحتمل أكثر__
انتهى عقد القران وانطلقت الزغاريد فاقترب نضال من رهف، شعرت بالتوتر مع كل خطوة يخطوها باتجاهها..أمسك وجهها بين يديه ليطبع قبلة رقيقة على جبهتها، أغمضت عينيها وقد توقف العالم كله ساكناً في هذه اللحظة ليعود للحياة مع مشاعر اجتاحتها كهذه المشاعر التى كانت تحلم بها..فتحت عيناها بقوة حين همس فى أذنها بتوق قائلا:
_مبارك ياعروستى.
أحست بحمرة الخجل تعلو وجنتيها خاصة مع كل هذه الوجوه التى تحدق بهم..ابتعد قليلا ليمسك بيدها اليمنى حيث اصبعها البنصر ينزع منه الدبلة ويضعها فى بنصرها الأيسر ثم مد يده لتفعل له المثل ففعلت بأصابع مرتجفة، انطلقت الزغاريد مرة أخرى وبدأ نضال ورهف بتلقى التهانى..بحثت رهف بعينيها عن والدتها فوجدتها تجلس على كرسى وتبدو شاحبة فانتابها القلق الشديد عليها، اتجهت اليها على الفور قائلة بجزع :
_ماما..انتِ كويسة؟
قالت سهام بنبرة ضعيفة:
_هبقى كويسة متقلقيش ياحبيبتى.
قالت رهف بقلق:
_بس ياماما...
قاطعتها سهام قائلة:
_قلتلك متقلقيش يارهف..دول شوية تعب من فرحتى بيكى النهاردة ..هاخد الدوا وهبقى تمام..ألف مبروك ياحبيبتى.
ابتسمت رهف قائلة:
_الله يبارك فيكى ياماما.
وجدت نضال يقترب منها ويقف بجوارها لتقول سهام:
_مبروك ياابنى.
قال نضال بايماءة من رأسه:
_الله يبارك فيكى.
ثم استدار الى رهف قائلا:
_مش يلا يارهف عشان نلحق الطيارة.
قالت سهام بسرعة:
_انا كنت عايزاك فى موضوع قبل ما تسافرو يانضال.
نظر اليها نضال قائلا ببرود:
_مش هينفع دلوقتى يامدام سهام ..مع الأسف احنا هنتأخر على الطيارة بس هنرجع اكيد قبل عملية حضرتك..وساعتها هنتكلم.
ثم نظر الى رهف قائلا:
_يلا يارهف.
أومأت رهف باستسلام..فى حين وقفت سهام تحتضن رهف وهى تقول:
_ألف مبروك ياحبيبتى..خلى بالك من نفسك..عايزاكى تعرفى حاجة واحدة بس..انك اهم حاجة عندى وهفضل لآخر ثانية فى عمرى ميهمنيش غير سعادتك وبس.
قبلتها رهف بحنان قائلة:
_ربنا ميحرمنيش منك ياماما.
أمسك نضال بيدها واتجه بها الى الخارج تتبعه العيون..ركب مع رهف فى سيارته وانطلق باتجاه المطار..فى نفس اللحظة التى كان يزيد ينظر الى نيرة نظرة مودعة التقطها نائل الذى اتجه اليها علي الفور ووضع يده على كتفها يضمها الى جواره وهو يطالع يزيد بنظرات متحدية فنظرت نيرة الى نائل بدهشة من تصرفه الغريب عليها لتراه ينظر باتجاه يزيد، أدركت مايفعل فعقدت حاجبيها وجزت على أسنانها غيظا بينمالم يعد يزيد قادرا على احتمال مشاهدتهما هكذا فغادر بسرعة دون ان يسلم على احد..تابعته عينا نيرة وقلبها يتألم عليه بشدة، ثم نظرت بغضب الى نائل الذى نظر اليها بابتسامة ساخرة لتبتعد عنه وهى تودع أخاها فهد وزوجته وتتجه الى سيارة زوجها لتركبها وهى تمسح دموعها التى سقطت رغما عنها.
************
دلفت رهف الى جناح حجرتهما فى الفندق ودلف نضال خلفها يغلق الباب وراءه، وقف يتطلع اليها..أطرقت برأسها خجلا..نظر اليها متأملا للحظات ثم قال فى جمود:
_انا هدخل آخد شاور.
أومأت برأسها دون ان تنظر اليه..رمقها مرة أخرى قبل ان يتجه الى شنطة السفر الخاصة به ليحضر منها ملابسه ويتجه الى الحمام، جلست رهف على السرير تلتقط أنفاسها التى حبستها طويلا..نظرت الى باب الحمام المغلق وتساءلت ..كيف ستتعامل مع نضال اليوم؟ منذ ان غادرا الفيلا وهو يبدو كمن عاد لطبيعته المتوحشة.. باردا متباعدا يحتد لأتفه الأسباب..أحست به على وشك الخروج لذا قامت وفتحت شنطتها وأخذت ملابسها وما كادت تفعل حتى رأت نضال يخرج من الحمام يرتدى ملابسه البيتية، كانت تراه لأول مرة بهذه الأريحية ..بدا وسيما وجذابا وهو يجفف شعره بتلك المنشفة الصغيرة، لا تدرى لم يطلق على نفسه مشوها وهى لا تراه أبدا هكذا..أحس أنه مراقب فنظر اليها ليجدها فعلا شاردة بملامحه..رفع حاجبه الأيمن قائلا:
_أنا خلصت على فكرة.
احمر وجهها خجلا واسرعت تدخل الى الحمام بسرعة تتبعها عيناه..ثم ذهب الى السرير واستلقى عليه وهو يضع يده تحت رأسه يفكر..أفاق من أفكاره على صوت رهف التي قالت بخجل:
_مش عارفة أفتح الفستان من ورا..أصله سلاسل.
نهض من السرير واقترب منها ..كادت دقات قلبها ان تتوقف وهى تتخيله يقوم بحل أربطته..أدارها حتى أصبح ظهرها مواجها له وحل أربطته بسرعة ثم اتجه الى السرير مرة اخرى واستلقى عليه ببرود آلمها ولكنها فى نفس الوقت زفرت بارتياح لمرور هذه اللحظات ..أسرعت الى الحمام وقد باتت تخشى من القادم.
*************
نادت سهام على فهد فاستدار اليها قائلا:
_خير يامدام سهام..تحت امرك.
نظرت اليه قائلة :
_الأمر لله ياابنى..فى الحقيقة انا عرفت ان والدك فى غيبوبة وموجود فى المستشفى..ممكن تقولى على اسمها؟
نظر اليها فى حيرة قائلا:
_اكيد طبعا ..بس ممكن أسأل ليه؟
ارتبكت سهام قائلة:
_ابدا ياابنى بس حبيت أزوره..احنا بقينا أهل وانا عارفة ان نضال متعود يزوره علطول وفى غيابه قلت يعنى أبقى أزوره بداله.
ابتسم فهد قائلا:
_كلك ذوق يامدام سهام..متقلقيش على بابا ..انا كمان بزوره علطول ويسعدنى ابقى اوصلك فى سكتى.
قالت سهام باضطراب:
_لا ياابنى كتر خيرك..خليك براحتك وخلينى براحتى..قوللى بس على اسم المستشفى وانا هبقى اروح لوحدى.
هز فهد كتفيه فى استسلام وحيرة قائلا:
_بابا فى مستشفى الصفا أوضة رقم 275.
_تسلم ياابنى.
ابتسم فهد قائلا:
_تحبى أوصلك دلوقتى لبيتك ..احنا على نفس الطريق.
قالت سهام:
معايا العربية بالسواق ..اتفضل انت يافهد.
أومأ فهد برأسه وهو يبتعد لتتابعه عينا سهام وهى تقول لنفسها:
_خلاص عرفتى مكانه ياسهام..ياريته بس كان فى وعيه عشان يجاوبنى على السؤال اللى فضلت أسأله عمر بحاله..ليه اتخلى عنى وليه محاربش علشانى؟ ليه موقفش قصاد الدنيا واتمسك بيا عشان نكون مع بعض؟ ليه خلف وعده وسابنى اتعذب ٣٣ سنة..ليه؟
***********
وقف يزيد امام البحر يتأمل أمواجه المتلاطمة ..يشاهد ثورانه وكأنه يشاركه ثوران قلبه، يتسائل فى حزن..
"الى متى سأعيش في هذا العذاب..و الى متى سأعشقها دون أمل؟ لقد أصبحت ملكا لآخر ورؤيتها معه تقتلنى .
لم لا أستطيع ان انزعها من قلبى؟ لم لا استطيع ان اكمل حياتى دونها؟"
لقد مر عام كامل تحمل فيه ذلك العذاب لأنه لم يكن يراها، والآن يراها كثيرا ومع زوجها الذى يريد قتله لمجرد لمسه اياها..يتخيله الآن معها ..فى حجرة نومهم..يمارس معها الحب..يمنحها ما قد تمنى أن يمنحها هو اياه..صرخ بقوة وهو يضغط على قلبه قائلا:
_آااااااه.
مرر يده فى شعره بقسوة..يكاد يجن من هذه التخيلات ..أمسك قلبه مرة اخرى يحاول أن يسكن الألم الذى اجتاحه ولكن لا فائدة..الحل الوحيد هو أن يبتعد عنها، يرحل بعيدا..الى ابعد مكان على وجه الأرض.
نعم ..سيدفن حبه وحزنه هناك، سينتظر فقط حتى يعود نضال ليسلمه أعماله ويخبره برحيله ولن يعود مرة أخرى..لقد ضحى بحبه من أجل أن لا يخسر هذه العائلة ..وهاهو الآن يضحى بكل شئ من أجل أن يريح قلبه ..فهل سيرتاح؟